يكتسب الحديث عن حق الوصول إلى المعلومات أهمية كبيرة في الدول الديمقراطية ،كونه قيمة أساسية تسعى تلك الدول إلى ضمانها.وقد لخصت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في إحدى قراراتها الصادرة في عام 2006 تلك الأهمية بقولها،" إن الوصول الحر إلى المعلومات هو وسيلة في النظام الديمقراطي التمثيلي والتشاركي،لكي يمارس المواطنون حقوقهم السياسية بشكل فعال،...لمنع الانتهاكات من قبل الموظفين العموميين،وتعزيز الشفافية في الإدارة الحكومية،والسماح بنقاش عام قوي ومستنير يعمل على ضمان سبل الانتصاف الفعالة ضد انتهاكات الحكومة ويمنع الفساد". تلك الغايات والمقاصد تكشف بوضوح عن أهمية هذا الحق.لذلك فقد نصت عليه المعاهدات الدولية ،مثل المادة (19/2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في عام 1966.التي أوضحت مضامين حرية التعبير عن الرأي بقولها أن هذا الحق يشتمل على حرية الإنسان في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين.كذلك فقد نصت على هذا الحق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الصادرة في عام 2003.وذلك في المواد (10 و13) منها.والتي ألزمت الدول الأعضاء باعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم إداراتها العمومية وعمليات اتخاذ القرارات فيها،وضمان تيسر حصول الناس فعليا على المعلومات. كما نصت عليه أهداف التنمية المستدامة لعام 2015 الموضوعة من قبل الأمم المتحدة ،إذ نص الهدف(16،الغاية 10 منه) على كفالة وصول الجمهور إلى المعلومات.ولعل التأكيد على ضمان هذا الحق يهدف في الأساس إلى خلق أجواء من الثقة بين الجمهور والحكومات ،فإذا كان بإمكان الإنسان أن يفهم ما يجري في داخل المؤسسات العامة وكيفية اتخاذ القرارات فيها،فان ذلك سيؤدي دون شك إلى تعزيز ثقة الجمهور في الحكومة.ولذلك يشبه البعض إقرار قانون حق الوصول إلى المعلومة بعملية وضع الزجاج بدلاً عن الجدران المعتمة في مؤسسات الدولة،والذي يقود في النهاية إلى مزيد من الوضوح .وفي العراق الذي صادق على الاتفاقيات المذكورة آنفاً وأصبح ملزماً بتشريع قانون أو وضع لوائح تسهل من عملية الوصول إلى المعلومة.فقد نصت المادة (38/أولا) من دستوره النافذ على كفالة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.والذي يعد حق الوصول إلى المعلومة من أهم مرتكزاته،إذ كيف يتاح لشخص أن يشارك أو ينقل معلومة لا يستطيع الوصول إليها فحق الوصول إلى المعلومة هو احد الحقوق الفرعية لحرية التعبير عن الرأي،وان كان البعض يضعه في مصاف الحقوق الأساسية لأهميته السالف ذكرها.كما أن المشرع العراقي نص في المواد (4و5) من قانون حقوق الصحفيين رقم 21 لسنة 2011،على حق الوصول إلى المعلومات بالنسبة إلى الصحفيين.ولكنه يظل نصاً قاصراً عن تحقيق الكفالة الكاملة لذلك الحق لأسباب عدة منها اقتصاره على الصحفيين في حين أن ذلك الحق ينبغي أن يتاح لعامة الناس دون تمييز.كما انه لم يتضمن آلية واضحة ومحددة ترسم الإجراءات الواجب إتباعها للوصول إلى المعلومات.لذا ولكل ما تقدم ذكره سواء ما تعلق بأهمية هذا الحق وفوائده أو ما تعلق بالتزامات العراق الدولية،ينبغي على مجلس النواب العراقي أن يشرع قانوناً خاصاً بالوصول إلى المعلومات.وأن يبنى ذلك القانون على أسس واضحة فيما يتعلق بنوع المعلومات المتاحة للجمهور والتي ينبغي أن يعتمد فيها مبدأ الحد الأقصى للكشف عن المعلومات فلا تحجب المعلومات إلا استثناءً ولضرورات محددة مسبقا.وان تحدد الجهة التي يقدم إليها الطلب والمدد المتعلقة بالإجابة على الطلبات أو الطعن في قرارات الرفض.وان يتم اعتماد مبدأ الكشف الإستباقي للمعلومات التي تخص الشأن العام.وان يكون أي تنظيم لهذا الحق محكوماً بما جاء في المادة (46) من الدستور العراقي،التي نصت على أن "لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه،على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية" .
القاضي عامر حسن شنته