هذا مشهد صاحب سيِّد الاستغفار، حين يقول في دعائه: "اللَّهم أنت ربِّي لا إلهَ إلا أنتَ، خَلَقْتَني وأنا عبدُكَ، وأنا على عَهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتك عليَّ، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي، إنَّه لا يغفرُ الذنوب إلا أنتَ".
فأقرَّ بتوحيد الربوبية المتضمن لانفراده سبحانه بالخلقِ وعموم المشيئة ونفوذها، وتوحيد الإلهية المتضمن لمحبته وعبادته وحده لا شريك له، والاعتراف بالعبودية المتضمن للافتقار من جميع الوجوه إليه سبحانه.
▪️ثمَّ قال: "وأنا على عهدك ووعدك"، فتضمن ذلك التزام شرعه وأمره ودينه -وهو العهد الذي عهِدَه إلى عباده- وتصديقَ وعده، وهو جزاؤه وثوابه .
فتضمن التزام الأمر، والتصديق بالموعود، وهو الإيمان والاحتساب.
▪️ثمَّ لمَّا علم أنَّ العبدَ لا يوفي هذا المقام حقَّه الذي يصلح له تعالى علَّق ذلك باستطاعته وقدرته التي لا يتعدَّاها، فقال: "ما استطعتُ" أي ملتزم ذلك بحسب استطاعتي وقدرتي.
▪️ثمَّ شهد المشهدين المذكورين، وهما مشهد القدرة والعزَّة . ومشهد التقصير من نفسه، فقال: "أعوذُ بكَ من شرِّ ما صنعتُ"، فهذه الكلمة تضمنت المشهدين معًا.
ثمَّ أضافَ النعم كلها إلى وليِّها وأهلها والمبتدئ بها، والذنبَ إلى نفسه وعمله، فقال: أبوءُ لك بنعمتك على، وأبوءُ بذنبي".
فأنتَ المحمود المشكور الذي له الثناءُ كلُّه، والإحسان كلّه، ومنه النعم كلّها.
فلك الحمد كلّه، ولك الثناء كله، ولك الفضل كله، وأنا المذنب المسيء، المعترف بذنبه، المقِرُّ بخطائه ، كما قال بعض العارفين : "العارفُ يسير بين مشاهدة المنَّة من اللَّه، ومطالعة عيب النفس والعمل".
فشهودُ المنَّة تُوجبُ له المحبة لربِّه سبحانه وحمدَه والثناء عليه، ومطالعةُ عيب النفس والعمل يوجب استغفارَه ودوامَ توبته وتضرعه واستكانته لربِّه سبحانه.
▪️ثمَّ لمَّا قامَ هذا بقلب الداعي وتوسل إليه بهذه الوسائل قال: "فاغفر لي فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
✍🏾الإمام ابن القيم رحمه الله
📖كتاب: طريق الهجرتين ١/٣٥٧