في غزوة الخندق، تلك اللحظة الفاصلة في تاريخ الدعوة الإسلامية، اجتمع أعداء الإسلام من كل حدب وصوب، ظانّين أن حصارهم سيطفئ نور الله الذي أضاء به قلوب المؤمنين. كان الموقف عصيبًا، وكان الابتلاء عظيمًا، حتى وصف الله حال المسلمين بقوله: “إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون”. في هذه اللحظة، ارتفعت أصوات المنافقين، ولعلها كانت المرة الأولى التي يعلو فيها صوتهم بهذا الوضوح. ظنوا أن مشروع الإسلام قد انكسر، فراحوا يبشرون بالهزيمة، يثبتون القلوب الضعيفة، ويطعنون في وعد الله ورسوله، قائلين: “ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا”.
كان نفاقهم واضحًا كالشمس، فالمحنة لا تخفي المعادن الحقيقية، بل تكشفها. وقفوا على أطلال اليأس، معلنين انتصارهم الموهوم قبل أن تنتهي المعركة، مرددين: “يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا”، غافلين عن حقيقة كبرى: أن الله لا يخذل عباده المؤمنين. وما غزوة الخندق إلا نموذج رباني تتكرر دروسه عبر التاريخ، حيث يُختبر المؤمنون بالصعاب حتى يصلوا إلى النصر العظيم.
واليوم، ونحن نعيش في قلب معركة كبرى، تعود ذات الأصوات النشاز لتتحدث، ولكن بوجوه جديدة وأساليب حديثة. منافقو هذا الزمان لا يختلفون عن أسلافهم، بل ربما زادوا خبثًا. يبشرون بانتصار الصهاينة، يطعنون المقاومة في ظهرها، يتهمونها بأنها امتداد لهذا الطرف أو ذاك، وكأنهم كانوا ينتظرون أن تستأذنهم المقاومة قبل أن تخوض معركة الحرية. تراهم غاضبين ليس لأن المقاومة أخطأت، بل لأن المقاومة أثبتت أن التحرير والخلاص من الظلم ممكن، وأن التخاذل هو الجريمة الحقيقية.
يسألون: لماذا جاءت معركة الطوفان دون مشاورتنا؟ وكأن جيوشهم كانت تتحفز لتحرير #فلسطين، وكأنهم لم يكونوا منشغلين بإتمام مشاريع التطبيع وتزيين صورة الاحتلال أمام شعوبهم. هؤلاء لا يحاربون المقاومة فقط، بل يحاربون كل فكرة تشير إلى أن التحرير حق وأن النصر وعد وأن الشعوب تستطيع، لأن انتصار الحق يفضح باطلهم، ويكشف عمالتهم، ويهدم أوهامهم التي بنوها على استسلام الأمة وضعفها.
لكن الطوفان، كغزوة الخندق، ليس حركة عشوائية ولا لحظة عابرة. هو مشروع إلهي يُصنع على عين الله، كالسفينة التي أمر الله نبيه نوحًا ببنائها. أمر الله المجاهدين بالدخول في المعركة، ووعدهم بالنصر: “فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”. وبين أمر الله بتحريك السيوف، ووعده بالفتح والنصر، هناك اختبار الإيمان وثبات القلوب: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين”.
لا يغرنكم ضجيج المنافقين، ولا تأخذكم أصواتهم المليئة بالخذلان. فقد كان المنافقون في المدينة يطعنون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، محاولين تبرئة قريش من الحصار والجوع، تمامًا كما يفعلون اليوم وهم يحاولون تبرئة الاحتلال من جرائمه، متهمين المقاومة بأنها السبب في معاناة شعبها. لكنهم غفلوا عن حقيقة أن المقاومة، بدمائها وجراحها، هي الجدار الأخير الذي يحمي الأمة من الانهيار التام.
ختام غزوة الخندق كان إعلانًا للنصر: “اليوم نغزوهم ولا يغزونا”. كانت تلك الكلمات بداية لتحول كبير، ليس فقط في مسار الدعوة، بل في واقع الأمة. يومها، انكسر نفاق المنافقين، وانكسر معه مشروع قريش، وأُجلي اليهود عن المدينة، وكان ذلك مقدمةً لفتح مكة، وإعلان سيادة الحق في أرض الله.
اليوم، ونحن في وسط الطوفان، تذكروا أن النصر يولد من رحم الصبر، وأن المحن تُصنع منها المنح، وأن وعد الله لا يتخلف. كما قال الله: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. فلا تخشوا ضجيج الخونة، ولا تستسلموا لإرجاف المنافقين. اصبروا وثقوا أن هذا الطوفان سيمحو كل باطل، ويعيد للأمة مجدها وكرامتها بإذن الله.
#أدهم_ابو_سلمية
https://x.com/adhampal922/status/1859833857689911618?s=46