قال النبي عليه الصلاة والسلام: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، و رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر.
و تأمل حال هذا الصائم الذي ضاع صيامه بذنب أذنبه: كلمة غيبة أو افتراء كذب أو نظرة حرام أو رشوة، فخسر الآخرة و باع الدين، واتعب جسده من غير طائل أو مصلحة.
قال يحي بن كثير:
* يصوم الرجل عن الحلال الطيب، و يفطر على الحرام الخبيث- لحم أخيه- يعني اغتيابه.
و تأمل حال هذا القائم الذي نوى بقيامه مراءاة الناس، فحبط عمله و ضاع ثوابه، بسبب هذه الخطيئة القلبية.
تحتمل عدةَ وجوه حَصَرَها ابنُ القَيِّم والخَطَّابيُّ في مراتب ثلاثة متقاربة:
1- الحفظ: إحصاءُ ألفاظها وعددها؛ أن يعدَّها حتى يستوفيها حفظًا كما قال به البخاريُّ والنَّوَويُّ، واستدلَّ براوية مسلم الأخرى للحديث: «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
2- الفهم: فهم معانيها ومدلولها وحسن مراعاتها.
3- الدُّعاء: دعاؤه بها دعاءَ ثناء وعبادة، ودعاء طلب ومسألة.
قال القرطبيُّ عن مراتب إحصاء أسماء الله: «من كَرَم الله – تعالى - أنَّ مَنْ حَصَلَ له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحَّة النِّيَّة أن يُدْخلَه اللهُ الجنةَ؛ وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصِّدِّيقين وأصحاب اليمين».
اتَّفَقَ علماءُ المسلمين على أنَّ أسماءَ الله تعالى أكثرُ من تسعة وتسعين وغيرُ محصورة بعدد معيَّن؛ كما نقل النَّوَويُّ وابنُ تيمية وغيرُهم من أهل العلم؛ إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه؛ لأنَّ مدائحَه وفواضلَه غيرُ متناهية؛ فكلُّ اسم متضمِّنٌ صفةً، ومن الصفات ما يتعلَّق بأفعال الله، وأفعاله لا مُنْتَهَى لها.
وأَيَّدَ ذلك ابنُ القَيِّم: «أن الأسماءَ الحسنى لا تَدْخُلُ تحت حَصْر ولا تُحَدُّ بعدد؛ فإن لله تعالى أسماءً وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ». ثم اسْتدلَّ بالحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أسألُكَ بكُلِّ اسم هُوَ لَكَ سَمَّيتَ به نَفْسَكَ أوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا منْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرتَ به في عِلْمِ الغَيبِ عِنْدَكَ»(رواه أحمد في مسنده والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه الألباني).
وقال الخطابيُّ وغيرُه أنَّ معنى التِّسعة وتسعين إنَّما هو المُشرع بالدعاء بها، وغيرها من الأسماء لم يشرع لنا الدعاء بها.
وأشار البيهقيُّ بأنَّ تحديدَ تسعة وتسعين اسما لا يَنْفي غيرَها؛ وإنما وقع التَّخْصيصُ بذكرها لأنَّها أشهرُ الأسماء وأَبْيَنُها معاني، وفيها وَرَدَ الخبرُ أنَّ مَنْ أحصاها دخلَ الجنَّة.
إذن ما المقصود بـ 99؟
المقصودُ كما ذَكَرَ جمهورُ العلماء هو الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصاء 99 اسمًا من أسماء الله تعالى، و(إن) الواردةَ في الحديث خبرٌ لـ (من أحصاها) بمعنى (إنَّ مَنْ أحصاها)، وذَكَرَ النَّجْديُّ في قول (تسعة وتسعون مائة إلا واحد): " هو تكرار للتأكيد ".
تشمل " فَادْعُوهُ بِهَا " دعاءَ المسألة والطَّلَب ودعاءَ العبادة والثناء؛ فلا ندعوه ولا نسأله ولا نُثْني عليه إلا بأسمائه الحُسنى وصفاته العلى:
1- دعاءُ المسألة والطَّلَب:
أن تبدأ دعاءك بتعظيم الله وتنزيهه، ثم تُقَدِّم بين يدي مطلوبك من أسماء الله - تعالى - ما يكون مناسبًا؛ مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني، ويا حفيظ احفظني، ونحو ذلك.
ومن يتدبَّرُ الأدعيةَ الواردةَ في القرآن أو في السُّنَّة يجد أنه ما من دعاء منها يختم بشيء من أسماء الله الحسنى إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباطٌ وتناسُبٌ مع الدُّعاء المطلوب؛ كقوله تعالى: " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ".
2- دعاءُ العبادة والثَّناء:
أن تتعبَّد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء؛ فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب، وتَذْكُرُه بلسانك لأنَّه السميع، وتتعبَّدُ له بجوارحك لأنَّه البصيرُ، وتخشاه في السِّرِّ لأنه اللطيف الخبير، وتتوكل عليه بهمومك لأنَّه الوكيلُ الكافي، وعلى هذا النَّحْو في كلِّ أسمائه.
أسماءُ الله تعالى وصفاته كلُّها حسنى؛ أي بالغة في الحسن غايته، والحسنى تأنيثُ الأحسن؛ كالكبرى والصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، ووَرَدَ وَصْفُها بالحسنى في أربعة مواضع من القرآن الكريم، ولوصفها بالحسنى عدة وجوه:
1- أنَّها دالَّةٌ على صفات كمال عظيمة.
2- شرف العلم بها؛ فالعلم بأسمائه أشرفُ العلوم.
3- ما وعد عليها من الثواب بدخول الجنة لمن أحصاها، والثواب عند الذكر للعبد، وجزيل العطاء عند التَّوَسُّل بالدُّعاء.
مذهب جمهور العلماء أن أسماءَ الله تعالى توقيفية ؛ أي لا يجوز الاجتهاد فيها أو القياس أو التشبيه أو التعطيل أو التأويل أو التحريف ؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.
والإلحاد في أسماء الله سبحانه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.
من أنواع الإلحاد:
1- أن يُسَمَّى الأصنامُ والأوثانُ بها ؛ كتسمية المشركين اللات من الإله، والعزَّى من العزيز، ومنَاةَ من المنَّان، وتسميتهم الصَّنَم إلهًا.
2- تسمية الله بما لا يليق بجلاله ؛ ومن ذلك تسميةُ النَّصارى له (الأب) وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة) وتسمية بعض أهل الضلال له بـ (مهندس الكون) أو ما جرى على ألسنة بعض العوام من أسماء ليست لله ؛ كقولهم في كُرَبهم (يفرجها أبو غيمة الذي لا تنام عينه) ونحو ذلك ؛ فكلُّ ذلك من الإلحاد في أسماء الله.
3- تعطيلُ الأسماء عن معانيها وجَحدُ حقائقها ؛ كما قال ابنُ عباس رضي الله عنه: " الإلحاد التكذيب " ومن ذلك قولُ المعَطِّلة: إنها ألفاظٌ مجرَّدةٌ لا تَدُلُّ على معان، ولا تتضمن صفات ؛ تعالى الله عما يقولون.
4- تَشْبيهُ ما تضمَّنَتْه أسماءُ الله الحسنى من صفات عظيمة بصفات المخلوقين، والله يقول: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ".