الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلو أن أحدنا كتب مقالاً في موضوعٍ ما وقرر فيه بعض الأمور ، ثم انبرى للرد عليه بعض المخالفين له ، فلا شك بأن الكاتب سينبري للرد العلمي على ذلك النقد ليثبت صحة ما طرحه !!!
بل أن هذا الباعث لكتابة الرد سيتضاعف ويزداد قوةً بصورة تصاعدية بترتيب هذه الأمور وكما يلي:
1-لو كان الراد عليه هو عالم كبير له وزنه وثقله فسيكون الباعث قوي جداً للرد عليه، بخلاف ما لو كان الراد نكرة مجهولة لا وزن له بحيث يمكن تجاهله.
2-لو لم يقتصر الراد عليه بالرد العلمي فقط ، بل راح يصف كاتب المقال بألفاظ التجريح والاستفزاز مثل ( جاهل ، فهمه سطحي ، متطفل على هذا العلم ).
3-إنْ كان كاتب المقال (المردود عليه) ليس طالب علم أو شيخ معروف فحسب ، بل زعيم طائفته وأعلم أهل مذهبه في زمانه.
وهذا كله ينطبق بعينه على ما ردَّ به شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة النبوية) على علامة الشيعة ابن المطهر الحلي في كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) وبيانه بما يلي:
1-إنَّ الراد على ابن المطهر ليس نكرة مجهولة كي يتجاهله بل هو شيخ الإسلام وعلم الأعلام.
2-لم يقتصر الراد (شيخ الإسلام) على الرد العلمي فقط بل راح يسفه آراءه ويطعن بشخصه حتى وصفه معنوياً بابن المنجس ، بل وزاد على ذلك فوصفه بالحمار ، كما كرر ذلك في كتابه (منهاج السنة)(7/290-292):[ ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي هو أحمر من عقلاء اليهود .. ثم أن هذا الحمار الرافضي ] !!!
3-إن المردود عليه ليس شيخ أو عالم فقط ، بل أعلم الشيعة في زمانه حتى انتهت إليه رئاسة المذهب.
وهكذا تجد أن الباعث للرد عند علامة الشيعة قد بلغ ذروته ، فكان المتوقع منه هو العزوف عن دروسه وقراءاته والتزاماته والتفرغ لنقد ذلك الكتاب وبيان جهل مؤلفه ولو في مواضع معدودة من الرد يسوقها كأنموذجاً يحفظ بها ماء وجهه ويثبت به لأهل مذهبه صحة قوله !!!
كما نُقِلَ عن مرجع الإمامية المعاصر الخميني بإيقافه لدروسه شهراً أو أكثر ليتفرغ للرد على كتاب (أسرار ألف عام) لمؤلفه على أكبر حكمي زاده ؛ إذ ألَّف الخميني كتابه (كشف الأسرار) رداً عليه.
ولكن علامة الشيعة خيَّب ظنهم واختار السكوت والانهزامية بالرغم من كل الاستفزازات التي تجعله ينتفض للرد ونقض كلام شيخ الإسلام !!!
نعم لو لم يصله رد شيخ الإسلام ابن تيمية أو مات قبل وقوفه عليه لكان عذراً مقبولاً لعدم رده ، ولكن علماء الإمامية أنفسهم يثبتون اطلاعه على الرد وقراءته له ومع ذلك لم يتعرض له بالرد والتفنيد !!!
ومما يثبت وقوف علامة الشيعة ابن المطهر على رد شيخ الإسلام واطلاعه عليه أمران هما:
الأمر الأول:
القصة المكذوبة التي يتناقلها الإمامية باجتماع شيخ الإسلام بعلامة الشيعة في الحج وإعجاب شيخ الإسلام بعلمه وسؤاله: مَنْ تكون يا هذا ؟ فقال له أنا الذي تسميه بابن المنجس ، وهذا يدل على اطلاعه على الرد وقراءته له بحيث وقف على ذلك الوصف الذي وصمه به شيخ الإسلام/ وهذه القصة ذكرها كل من ترجم لابن المطهر الحلي في مقدمة كتبه من الإمامية
الأمر الثاني:
ما ينقله علماء الإمامية أيضاً بأن الحلي لما بلغه رد شيخ الإسلام على كتابه (منهاج الكرامة) أجاب بجوابين هما:
الجواب الأول:
يقول المحقق محمد الحسون في تقديمه لكتاب (إيضاح الاشتباه) للحلي (ص71):[ قال العلامة مخاطبا ابن تيمية ، وذلك لما وصل بيده كتاب (منهاج السنة) الذي هو رد على كتابه منهاج الكرامة :
لو كنت تعلم كل ما علم الورى * طرّاً لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إنَّ جميع مَنْ * يهوى خلاف هداك ليس بعالم ]