- في مخيم النزوح، أختي يُمنى التي أتمت عامها الثامن هُنا في اللامكان بعيداً عن بيتنا، أقامت العديد من الصداقات من بينها صديقة هي الأحبّ لقلبها، في مثل عمرها، قامت بدعوتها لزيارة خيمتهم وقد أعدت لها "نسكافيه وبسكويت" وهي بذلك قد أحسنت ضيافتها في وقت شحَّ فيه كل شيء، في نهاية جلستهم قالت لها : " لو متت يا يُمنى تذكريني بقعدتنا مع بعض اليوم"
أطفال لم يدركوا من الدنيا إلا القليل يتعاملون مع الموت وكأنه هو القاعدة والعيش هو الاستثناء!
أي طفولة هذه التي تألف الموت أكثر مما تألف الحياة؟
نحن لسنا أبطال!
- في مكالمة جمعت أختي مع صديقتها الأقرب والأحبّ، سألتها عن مكان خيمتنا لزيارتنا، لعله يجمعهم لقاء بعد فراقٍ طال، ليزيحوا بعضاً من الهموم التي فاضت بها النَفس، لتجمعهم الكثير من الأحاديث وربما بعض الضحكات، انتظرنا زيارتها بكل شوق، ولكن شوق الروح للإله كان أعظم، بعد اتصالها بـ يوم رحلت شهيدة إثر مجزرة نازية بشعة هُنا في مواصي خانيونس، رحلت بصحبة زوجها وأبنائها، رحلت إلى جناتٍ ونعيم، رحلت وتركتنا في دار الشقاء وحدنا نبكيها ونبكي كل من رحل.
نحن لسنا أبطال!
- مُنذ ساعات الصباح الأولى يُسارع كلٌ بقدر استطاعته في ترقيع خيمته خوفاً من شتاء قد يُباغتنا، في ظل انعدام لأي أدوات أو مواد لازمة، تتساقط بعض قطرات المطر ولا نعلم هل نَسعد بها أم نقلق من عواقبها، أختي الأصغر تنظر بسعادة عارمة للسماء قائلةً : "يا الله قديش بحب هاد الجو" ، لتردّ أمي : "بكرا بس نغرق مش حتحكي انك بتحبيه أبداً"
بعد أن كنا نستمتع بأول زخّات المطر من غرفنا الدافئة، أصبحت أعظم مخاوفنا شتاء بارد يلفحُنا هنا في مخيمات النزوح!
نحن لسنا أبطال!
الإعتياد كذبة اخترعوها.
نحن لم نعتاد! لم نعتاد الفراق، لم نعتاد الموت، لم نعتاد الشقاء، لم نعتاد انقضاء أعمارنا هكذا، لم نعتاد اشتياقنا لـ بيوتنا، لم نعتاد خوفنا من القادم، لم نعتاد الخذلان الذي تجرعناه، لم نعتاد هذه الحرب التي قتلت كل ملامح الحياة داخلنا، لم نعتاد ولن نعتاد لأننا ببساطة لسنا أبطال!
لسنا أبطال.