إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى فَالمُتَّقُونَ هُمْ نِعْمَ العِبَادِ، وَأَعَدَّ اللهُ لَهُمْ نِعْمَ الدَّارَ ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ المُتَّقِينَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّها مُصِيْبَةٌ دِيْنِيَّة، وَأَعْظَمُ شُبْهَةٍ تَمُرُّ على البَشَرِيَّة! إِنَّهَا فِتْنَةُ المَسِيحِ الدَّجَّال! قال ﷺ: (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ؛ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ): أي أَكْبَرُ فِتْنَةً، وَأَعْظَمُ شَوْكَةً . قال ابنُ كَثِير: (خَلَقَ اللهُ على يَدَيْهِ خَوَارِقَ كَثِيرَةً؛ يُضِلُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، ويَثْبُتُ مَعَهَا المُؤْمِنُونَ؛ فَيَزْدَادُونَ إِيمَانًا)
وَلِذَلِكَ حَذَّرَ الأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مِنْ فِتْنَتِه؛ قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ، وهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَة!).
ويَخْرُجُ الدَّجَّالُ على النَّاسِ على حِيْنِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ؛ قال ﷺ: (لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وحَتَّى تَتْرُكَ الأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ على المَنَابِرِ).
قال الألباني: (ولَقَدْ صَدَقَ هذا الخَبَرُ على أَئِمَّةِ المَسَاجِد فَتَرَكُوا ذِكْرَ الدَّجَّال على المَنَابِر؛ فَكَانَ مِنَ الوَاجِبِ أَنْ يَقُوْمَ أَهْلُ العِلْمِ؛ فَيُبَيِّنُوا لِلْأُمَّةِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ الرَسُوْلُ ﷺ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّال؛ ويَعُود الناسُ فَيَذْكُرُوْنَه ،فَيَتَّخِذُونَ الأَسْبَابَ لِاتِّقَائِه).
وَسُمِّيَ المَسِيحُ دَجَّالاً؛ مِنَ الدَّجَل: وهُوَ التَّغْطِيَة؛ لأَنَّهُ يُغَطِّي الحَقَّ بِالبَاطِل؛ وَسُمِّيَ مَسِيْحًا؛ لِأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ لا يُبْصِرُ بِهَا. والدَّجَّالُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَم: شَابٌّ قَصِير، خَشِنُ الرَّأْس، عَقِيمٌ لا يُوْلَدُ لَه، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (كَافِر)، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ. قال ابنُ حَجَر: (يَرَاهُ المُؤْمِنُ وإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الكِتَابَةَ! ولَا يَرَاهُ الكَافِرُ ولَوْ كَانَ يَعْرِفُ الكِتَابَةَ! فَيَخْلُقُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ الإِدْرَاكَ دُونَ تَعَلُّمٍ؛لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ، تَنْخَرِقُ فِيهِ العَادَاتُ). قال النَّوَوِي: (هذِهِ الكِتَابَةُ على ظَاهِرِهَا، جَعَلَهَا اللهُ مِنَ العَلَامَاتِ القَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وكَذِبِهِ: يُظْهِرُهَا اللهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ فِتْنَتَه).
وَيَخْرُجُ الدَّجَّال: مِنْ بِلادِ فَارِسٍ، مِنْ خُرَاسَان، مِنْ حارَةٍ مِنْ أَصْبَهَان، يُقَالُ لها: اليَهُوْدِيَّة! قال ﷺ: (الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالمَشْرِقِ، يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ)، و(يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ) .
والدَّجَّالُ سَرِيعُ التَّنَقُّلِ، لا يَتْرُكُ بَلَدًا إِلَّا دَخَلَهُ، إِلَّا مَكَةَ والمَدِيْنَة، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ اِسْتَقْبَلَهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ، يَصُدُّهُ عَنْهَا! قال ﷺ: (لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ والمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ –أي طريقٌ-، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا). قال بعضُ العلماء:(هَذِهِ البلادُالمُقَدَّسَة، جَعَلَهَا اللهُ عِصْمَةً مِنَ الدَّجَّالِ لِمَنْ سَكَنَهَا وهُوَ مُلْتَزِمٌ بِمَا يَجِبُ عَلَيهِ؛ فالعِبْرَةُ بالإيمانِ والعَمَلِ الصالح، فَهُوَ السَّبَبُ الأَكْبَرُ في النَّجَاة، وأمَّا السَّكَنُ في مَكَّةَ والمدينةِ؛ فَهُوَ سَبَبٌ ثانوي؛ فَمَنْ لم يأخُذْ بالسَّبَبِ الأَكْبَر: لم يُفِدْهُ السَّبَبُ الأَصغَر).
ويَتْبَعُ الدَّجَّالَ: سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، ويَتْبَعُهُ كَثِيرٌ مِنَ العَوَامِّ والجُهَّال! فَيَقُولُ لِأَحَدِهِم: (أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وأُمَّكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فيقول: نَعَمْ؛ فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ في صُورَةِ أَبِيهِ وأُمِّهِ، فيقولان: يَا بُنَيَّ، اتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ رَبُّكَ).