ثم استطرد المصنف في ذكر من توسط بين الفريقين وسلك القصد، كالكوثري والمعلمي اللذين جمعا بين أنظار المتقدمين في فنون الحديث، وبين قواعد المتأخرين في علم الاصطلاح، فوجد عندهم من المرونة والسعة ما لم يوجد عن الفريقين الأولين.
وقد أجاد المصنف في ذكر الأمثلة لكل نوع بما لا يتخالج إلى صدر المنصف أن ثمت خللا وقع لمن أهمل كتب الاصطلاح وأكبَّ على أوضاع المتقدمين، كما الخلل ظاهر عند من تقلد ما قرره المتأخرون من قواعد الاصطلاح مطلقا دون إعمال أنظار المتقدمين، وأن من توسط في الجمع بين النظرين فقد سلك الجادة.
هذا وقد ذيَّل الفاضل المصنف سفره الماتع هذا بمقالة كسرها في تعقُّب ما أطلقه بعض رجال الإصلاح كالأستاذ الشيخ محمد عبدة والعلامة رشيد رضا والأستاذ البرقوقي ونظرائهم، من الغلو في ذم كتب "التراث" ومتون الفنون، والتعنُّت في ذمها والتنفير عن أوضاعها بما لم يُسمع ولم يُعهد قبلُ عن عالم، كما قاله الأستاذ محمود شاكر، فأجاد المصنف في تتبع مواقع الغلط في إطلاق هذا التنفير والذم، بإيراد موانع واعتراضات تقدح فيه، فضلا عما يستدعيه هذا التنفير من لوازم فاسدة ظهرت في عصرنا أثراً لدعوتهم، كضعف ملكة المتفقهين والجرآءة على الاجتهاد ونقد الأولين قبل استحكام آلات الفنون وأدوات الصناعة.
وبعد: فهذا الكتاب إن شئت أن تعُدَّه مدخلا لفن مصطلح الحديث، أو تاريخا في فنونه، أو مسرداً لمستجاد تواليفه ومنتخبات تصانيفه، أو ثَبَتا لأشهر أعلامه ورجاله، أو دراسة لأهم مدارسه؛ فافعل وخلاك ذم، وفي مثل هذا الديوان اللطيف، والجزء الظريف يُنشد:
هذا كتابٌ بديعٌ ما رأى أحدٌ ........ مِثْلا له في مبانيهِ ومعناهُ
حوى تصانيفَ هذا العلم أجمعها........وزادنا جُملا عما سمعناهُ
لا تعجبوا من لطيف الحجم قام به...ذا الفنَّ أجمعُ أقصاه وأدناهُ
فقد رأيتمْ عصا موسى كم الْتَقَفَتْ....ولم يزدْ قدرُها عما عهدناهُ
.....
مقال كتبه فضيلة الشيخ بلال فيصل البحر بتاريخ
الأربعاء 19 ذو القعدة 1444 - 7 يونيو 2023
بموقع رابطة العلماء السوريين
رابط المقال: https://islamsyria.com/ar/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA