• عندما تابعتُ الحلقة الحصرية من الظهور الأول للمساعد فريد كنت أتابع عينيه وهي تذرف الكلمات التي تحاول أن تتماسك، فقرأتُ من عينيه الغارقتين بعضَ ما أظنّه عاناه.
• لم تكن حياة المساعد فريد المذهان كحياة الاسم الذي منحوه إياه "قيصر" فقد كان يعيش في قلب المتاهة بين القتلة والمقتولين، وبين الضحايا والجلادين؛ كان قلبُه مع المظلومين، ويده تعمل مع الظالمين، وكان يخشى من بطش هؤلاء وظنّ أولئك به، فهو ليس رجل أمن عادي بل هو من الشرطة العسكرية التي لها سلطة تنفيذية على العساكر أنفسهم.
• كانت نفسُه تنقسم عليه، ووجعُه النفسيّ يُطبِق على أنفاسه الباقية، وعندما وصلت قناعته إلى ضرورة الانسلاخ فإنه كان يعلم أنه سيكون معلوماً لدى الأجهزة المغلقة التي عمل فيها، فهو من القلائل الذين يستطيعون الوصول المتدرج إلى هذه الملفات الأعلى سرّية، وهذه المزيّة من الخصوصية والثقة ستتحول إلى محنة حقيقية حيث سيكون ملاحَقاً خائفاً يحتاج إلى حماية دائمة، فهو ليس مجهول الهوية وليس محجوب الصورة.
• كان يحتاج للكثير من المساعدة والكثير من الترتيبات الخاصة، ولم يكن يتوقع أن تستمر هذه المساعدة فإن قيمته تنتهي عندما يقدّم ما يملكه، وهذا ما كان يؤرقه دوماً ويجعله في ترقّب، وربما جعله في شكّ متصل حتى ممن اعتاد التواصل معهم.
• كان يريد العدالة لآلاف الأسماء التي شاهد وجوهها المعذّبة، وكان يخاف من أدوات هذه العدالة التي فوجئ أن مؤسسات العدالة في دول عربية أو إسلامية عاجزة محدودة الحضور، وأنه يجب أن يذهب إلى مؤسسات عدالة دولية ستستخدم أدلّته البريئة لتحوّلها إلى أسواط سياسية تريد الضغط على النظام المخلوع وإضعافه لتمتطيه، وليس لتطبيق العدالة التي سعى لها سعيها.
• كان فريد يتوجّع لسنوات، وانكفأ على نفسه حزيناً مغموماً وهو يرى هذه القضية الأكثر عدالة تستخدَم في غير سياقها، وتلتهب إعلامياً دون أن ينعكس ذلك على قضية الضحايا المظلومين وعائلاتهم، وتيقّن أن القضايا العدالة لا يمكن أن تقف وحدها دون قوّة مساندة متجرّدة تصطفّ مع هذه العدالة دون انتهازية.
• ولم تكن القضية العادلة التي مثّلها فريد المذهان لتقوم وتستعيد حضورها لولا تمكّن هذه الثورة، وجلوسها القويّ على جبل قاسيون، فإن القوة تفتح طريق العدالة، وإن العدالة تمنح القوة الشرعية.
د. أسامة الأشقر