جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر @drosamaalashqar Channel on Telegram

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

@drosamaalashqar


مدوّنة في اللغة والتاريخ والفكر والمدى

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر (Arabic)

هل تبحث عن مصدر موثوق للمعلومات والمعرفة في مجالات متنوعة مثل اللغة والتاريخ والفكر والمدى؟ إذا كانت إجابتك نعم، فإن قناة "جَزْل الغَضَا" المميزة على تطبيق تيليجرام هي ما تبحث عنه! يدير هذه القناة الدكتور أسامة الأشقر، الذي يضع خبرته الواسعة في مجالات اللغة والتاريخ والفكر والمدى لصالح متابعي القناة

تستمد قناة "جَزْل الغَضَا" محتواها من دراسات عميقة وأبحاث موثقة تهدف إلى تعزيز المعرفة والوعي لدى الجمهور. من خلال متابعة هذه القناة، يمكنك الاستمتاع بمقالات تحتوي على تحليلات وافية لمواضيع مختلفة، سواء كنت تهتم باللغة وتاريخها، أو ترغب في استكشاف أفكار جديدة ومدى العلم

ما يميز قناة "جَزْل الغَضَا" هو التنوع الكبير في المواضيع التي تطرحها، مما يجعلها مصدراً شاملًا للمعلومات. إذا كنت تسعى لتوسيع معرفتك وفهمك في مجالات متعددة، فإن هذه القناة هي الخيار المثالي لك

بادر الآن بالانضمام إلى قناة "جَزْل الغَضَا" على تطبيق تيليجرام واستفد من المحتوى القيم والموثوق الذي تقدمه الدكتور أسامة الأشقر. اكتشف عوالم جديدة وامتع عقلك بالمعلومات المفيدة والمثيرة التي تجدها في هذه القناة المميزة!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

07 Feb, 06:59


لو كنتَ "قيصر"!
• عندما تابعتُ الحلقة الحصرية من الظهور الأول للمساعد فريد كنت أتابع عينيه وهي تذرف الكلمات التي تحاول أن تتماسك، فقرأتُ من عينيه الغارقتين بعضَ ما أظنّه عاناه.
• لم تكن حياة المساعد فريد المذهان كحياة الاسم الذي منحوه إياه "قيصر" فقد كان يعيش في قلب المتاهة بين القتلة والمقتولين، وبين الضحايا والجلادين؛ كان قلبُه مع المظلومين، ويده تعمل مع الظالمين، وكان يخشى من بطش هؤلاء وظنّ أولئك به، فهو ليس رجل أمن عادي بل هو من الشرطة العسكرية التي لها سلطة تنفيذية على العساكر أنفسهم.
• كانت نفسُه تنقسم عليه، ووجعُه النفسيّ يُطبِق على أنفاسه الباقية، وعندما وصلت قناعته إلى ضرورة الانسلاخ فإنه كان يعلم أنه سيكون معلوماً لدى الأجهزة المغلقة التي عمل فيها، فهو من القلائل الذين يستطيعون الوصول المتدرج إلى هذه الملفات الأعلى سرّية، وهذه المزيّة من الخصوصية والثقة ستتحول إلى محنة حقيقية حيث سيكون ملاحَقاً خائفاً يحتاج إلى حماية دائمة، فهو ليس مجهول الهوية وليس محجوب الصورة.
• كان يحتاج للكثير من المساعدة والكثير من الترتيبات الخاصة، ولم يكن يتوقع أن تستمر هذه المساعدة فإن قيمته تنتهي عندما يقدّم ما يملكه، وهذا ما كان يؤرقه دوماً ويجعله في ترقّب، وربما جعله في شكّ متصل حتى ممن اعتاد التواصل معهم.
• كان يريد العدالة لآلاف الأسماء التي شاهد وجوهها المعذّبة، وكان يخاف من أدوات هذه العدالة التي فوجئ أن مؤسسات العدالة في دول عربية أو إسلامية عاجزة محدودة الحضور، وأنه يجب أن يذهب إلى مؤسسات عدالة دولية ستستخدم أدلّته البريئة لتحوّلها إلى أسواط سياسية تريد الضغط على النظام المخلوع وإضعافه لتمتطيه، وليس لتطبيق العدالة التي سعى لها سعيها.
• كان فريد يتوجّع لسنوات، وانكفأ على نفسه حزيناً مغموماً وهو يرى هذه القضية الأكثر عدالة تستخدَم في غير سياقها، وتلتهب إعلامياً دون أن ينعكس ذلك على قضية الضحايا المظلومين وعائلاتهم، وتيقّن أن القضايا العدالة لا يمكن أن تقف وحدها دون قوّة مساندة متجرّدة تصطفّ مع هذه العدالة دون انتهازية.
• ولم تكن القضية العادلة التي مثّلها فريد المذهان لتقوم وتستعيد حضورها لولا تمكّن هذه الثورة، وجلوسها القويّ على جبل قاسيون، فإن القوة تفتح طريق العدالة، وإن العدالة تمنح القوة الشرعية.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

05 Feb, 05:13


زوبعة ترامب!
1. يثير هذا الترامب زوابعه في كل مكان، لأن عقله تحرّكة سوسة تاجر مُرابٍ يتجوّل بعصابته المفتولة العضلات في أسواق المناطق ومناجمها.
2. يظنّ هذا المتعالي أن حال عساكره إن جاءت إلينا سيكون أفضل من حال النتن الذي تمرّغ شرف عسكره في رمال بلادنا الحرّة، وأُخذوا من آذانهم إلى باطن الأرض المكشوفة دهراً، ويغفل الترامب عن التاريخ القريب لهزائم حملات جيوش بلاده في منطقتنا وانسحابهم مُهانين.
3. يظن الترامب أنه بقوّته سيفرض أجندته على المنطقة، لأنه يفترض أنهم قد أخضعوا جميع حكّامها وأتبعوهم لهم، وهو يغفل عن حقيقة كبيرة أن هؤلاء الحكام تخافهم شعوبهم الغاضبة، وأن هذه الشعوب لن تحتمل منهم التفريط في السيادة، وسيكسرون قشرة الخوف الحاجزة لا محالة، وسيتعيّن الخروج عليهم فور إعلان ولائهم وخضوعهم للترامب، وأكاد أجزم أن حكام المنطقة لا خيار لهم سوى أن يرفضوا باستخدام كل أدواتهم، وسيتحالفون مع كل متضرر لتأخير مشروع ترامب حتى تقترب ولايته من نهاياتها.
4. هذا الترامب لا يحمل مكر السياسيين ولا ملاطفات دبلوماسية رجال المخابرات، بل هو تاجرٌ نزق لئيم الطبع يستعدي كل التجار اللؤماء والطماعين الذين يعتاشون في منطقتنا، كما يستعدي دولاً كبيرة ذات مصالح وافرة فيها، ومهما بلغت قوة أطماعه فإن أطماع الآخرين إذا اجتمعت عليه ستكون أشد وأمنَع.
5. ليس أمام حكّام المنطقة الآن أن يستمروا في طريقتهم العرجاء في المناورة والاستخذاء واللعب تحت الطاولة وممارسة الألعاب البهلوانية واستخدام أشكال الدعاية الغوغائية، وخيارهم الوحيد أن يعيدوا التفكير في مربّعات القوة التي فرّطوا فيها أو تجاهلوها أو حاربوها في شعوبهم، وليس أمامهم فرصة زمنية كبيرة لتأخير إعادة البناء الداخلي وتحصين بلادهم، وإلا فإن الطوفان سيبتلعهم، لاسيما أنهم شبه غرقى في أصل حالهم.
6. ولطالما كان عدوّنا الوغد يقاتل بمدد غير منقطع من هؤلاء القادمين من أعالي البحار، فأيّ زيادة يبتغيها قوم النتن من مجيء قوة كبيرة إلى موضع يعدّونه من أرض وعدهم، وإنني لأحسب أنهم هم أكثر خوفاً من حكام المنطقة، وستتحوّل اللقمة التي وضعوها في أفواههم إلى غصّة شوكيّة، إذ إنهم بوجودهم العسكريّ الموعود في المنطقة سيقومون بأعمالهم وحدهم دون الحاجة إلى شريك، وسيقل الاعتماد على حلفائهم والاهتمام بهم على حساب حلفاء آخرين وزبائن جدد، ولا تستبعد أن يتخذوهم أعداء بعد ذلك.
7. وكما سقطت صفقة قرن ترامب من قبل بطوفان، فإن الطوفان ما زال يمدّ موجه، ويرسل تيّاره، وستجتمع سيوله في مجرى عظيم، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

03 Feb, 08:48


• أشقى الناس ذو عينين صفراوين لا يرى إلا ما به ينحطّ، وذو أذنين مُرتخيتين لا يسمع إلا ما به ينزعج، وذو فؤادٍ نَحْسٍ لا يُحسّ إلا بما به يَضيق صدرُه ويَعْثُر لسانُه.
• ألا ترى إلى كائنات صفراء حَوْلاء لا تستطيع أن ترى الصمود الأسطوري لشعبٍ قاتلَ بجدارة، وثبت بأسطورة، وتحمّل وجع الدهر كأنه الجبال الراسيات!
• ألا تستطيع هذه الوجوهُ المكفهرّة أن تَجْبُر الناس بكلمة الاعتراف، وأن تتواضع لهم بالخدمة، وأن تنضبط ألسنتُها وترشد، وأن تعتذر للناس إذْ لم تُعِنهم بيدٍ ولا بموقفٍ ولا بإحساس.
• تبّاً لكل شقيّ ما زال ينافق بلسان ابن سلول: علامَ تقتلون أنفسكم، لو أطعتمونا ما قُتلتم، وما أصابكم هذا المُصاب!
• فأبعدكم الله، وسيغنينا الله عنكم، ويبدلنا بكم غيركم، ويكتب أجرنا العظيم، ويَجْبر خواطرنا، ويفتح لنا أبواب رزقه وفتحه، ويعوضنا العوض الجميل!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

01 Feb, 09:38


البحر أخضر
• طقس اليوم أخضر تهبّ عليه نسائم البحر التي تجلو عن القلب الحَزَن.
• أرأيتم شتول الزيتون الأخضر وفسائل النخل الخضراء كيف شقّت جذوعها بين الأنقاض، وضربت جذورها في باطن النجم، وارتوت من ماء البحر المتبخّر وندى الأنفاق الرطبة.
• الأخضر اليوم ريّس بحرٍ "يركب ثبَج البحر الأخضر"، يصفّق له الموج، ويحمله على متنه، ويضرب له التحيّة، ويهديه السمك، لأن البحر لا يعطي أسماكه الكبيرة إلا للصيّاد الماهر الذي يعرف السباحة بأدواته الثقيلة!
• وإذا رأيت الكبير يطفو على البحر فإنه ليس كما يظن القابعون في شقوق الساحل أنه قد يكون خشبةً ناخرة أو فلّينةَ هواءٍ أو زبداً رابياً، فإن البحر يحمل السفن الماخرة الثقيلة، ويحتضن مقدّمتها الشامخة، وبطنَها المشحون العريض.
• إذا كنتم بجانب البحر، فإن هديره يكفي لإطرابكم سائر العام، فلا تُرخوا آذانكم لنقيق الطبول الفارغة، وخرير السواقي الصفراء، واستمتعوا بإيقاع الأقوياء وألحان الثابتين!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

30 Jan, 18:33


صقور العلياء !
• كانت تتسرّب الأخبار بأنّكم قد ارتقيتم، لكنّ جلادة جندكم صرفت عنّا أوهام الظن بمغيب شمسكم، وكان الأوغاد يتحدثون أنهم نالوا من أعضاء المجلس الكبار في مراحل مبكرة ومتأخرة من الطوفان لكن المَسِيرة لم تتخلّف، والتحدّي لم ينكسر، والحديد لم يصدأ، والإصرار لم يكن يلِين، وبقيت المسطرة مستقيمة.
• لقد حرمتم الأوغاد من بهجة إعلان الفرح الموثوق بوصولهم إلى محلّكم، والتشفّي بالانتقام منكم، ونلتم شرف الإعلان الذاتيّ عن ميلاد حياتكم الجديدة في ذاكرة الرموز التاريخية المجيدة التي تعظّمها القلوب العابرة عبر الأجيال، فأنتم الصقور الجوّالة التي لم تغرّد للصيّاد يوماً، ولم تتح له فرصة النظر في عينيها العميقتين.
• يبكيكم الفؤاد الذي يكاد يذوب من الحزن على رحيلكم فأنتم ورود صحرائنا الظامئة، وماؤها العذب الدافق من بريق النجوم، وزيتها المضيء من جوهر الشمس التي لا تهدأ ولا تنام.
• ولقد كنّا على يقين العلم بأنّ للرجولة ثمنها المدفوع، وضريبتها المستحَقّة، وصدَقتَها المقبوضة، وأن لكل أجلٍ كتاباً، ولكل ضيف ضيافته الموقوتة.
• أيها الكبار! إن غيومكم تمطر الآن، وتنفتح مجاريها في أقطار القلوب على امتداد الأرض، وإن أرضكم تخصّبها ثورة طوفانكم، وإن خناجر بذرتكم المباركة التي تحدثتم عنها في آخر ظهور لكم تنبت ألفَ سيفٍ وألف حربة وألف مسيّرة وألف نبيلٍ وألفاً وألفاً وألفاً...، وإن جذوركم القويّة ترى في غياهب العتمة أشدّ مما كانت تبصر كلما حفرت في الأعماق حيث الماس والياقوت.
• فارتقوا باطمئنان إلى العلياء، فإنّ جسوركم قد انتصبت فوق كل وادٍ، ونوافذكم قد انفتحت في كل اتجاه، وقد تتابعت صفوف متقدّمة وراءكم، وما تزال الأجناد تسمع صوت ندائكم أوّل الطوفان، وقد ركبوا خيلهم، ولم ينزلوا عن متونها حتى يلقوكم جميعاً على الحوض الريّان مع السيد العظيم رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

27 Jan, 18:52


لن ينالوا منا مثلها!
1. هذا الثبات الذي ترونه من أهل الثغر اليوم قد تعلّموه من سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وكنت أذكّر أصحابي يوماً بأنّ مشهد أُحُد صورة مصغّرة زمانيّاً عن مشاهد الطوفان الطويلة العظيمة.
2. فقد كانت معارك أحد حرباً طاحنة قضى فيها ثلّة من الأبطال حول سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وحُصر فيها رسول الله، وتحلّقت حوله ثلّة فدائيّة، وانتشرت الجثث والجرحى على سفح جبل أحد، وبادرت النساء في جبهة القتال إلى هؤلاء الجرحى يمرّضنهم، ويسقين العطاش، ويحملن الطعام والشراب على ظهورهن، وطاف الفدائيّ محمد بن مسلمة الأشهلي مع أربعة عشر من النساء فيهنّ سيدات الأمة فاطمة وعائشة وأم حرام بنت ملحان وحمنة بنت جحش... يبحثن عن ماء صالح للشرب بعد أن أجِن ماء المِهْراس في جوف الجبل، وتغيّر لونه وريحه، وعافه رسول الله الذي تجلل وجهه بالدم، حتى جلب له محمد بن مسلمة ماء عذباً من نبع وادٍ قريب، ولم ينقطع عنه الدم حتى رقأته السيدة فاطمة برماد حصير أو صوفة محترقة، وبقي أثر الضربة على عاتقه، وأثر الجراحة في شدقه شهراً يداويه ويعانيه؛ وانكسرت ثنيّته، ورسول الله يقول: اشتدّ غضبُ الله على قومٍ أدمَوا وجهَ رسولِه.
3. كان رسول الله يقاتل بثبات، ولمّا حمل عليه أبيّ بن خلف استقبله مصعب بن عمير فضرب وجهه وأبعده، وتناول رسولُ الله حربة من أحد أصحابه الفرسان، فطعنه بالحربة في فُرجة بين سابغة البيضة التي تحمي الرأس، والدرع على ظهره وصدره، فوقع أبيّ وهو يخور كالثور؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال لا يلتفت وراءه، فكان يقول لأصحابه: إني أخشى أن يأتي أبيّ بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذِنوني به!
4. ولمّا استمع رسول الله إلى تقرير أصحابه عن واقع المعركة القاسية أعلن بثبات وشموخ وتحدٍّ: (إن المشركين لم يصيبوا منا مثلها حتى نبيحهم)، وقال لعلي بن أبي طالب: (لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا)؛ ووعد أصحابه المقاتلين في غمرة هذه الإصابات البالغة بأنّ ذلك المشهد لن يتكرر، وأكّد أنه لن يتراجع حتى يدخلوا مكّة فاتحين، ويستلموا الركن اليماني بأيديهم: (لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن).
5. وعندما ناداهم أبو سفيان وهو في نشوة الغرور معلناً أن قريشاً تنتظر لقاءً آخر في موسم السوق في بدر أمر رسول الله أصحابه أن يردوا عليه: قولوا لهم: نعم، قد فعلنا!
فأبشِر يا سيدي العظيم رسول الله فإن جندك اليوم ما زالوا على سيرتك الأولى، وعهدك القويّ!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

27 Jan, 07:10


الفرقان والطوفان
1. بعد يوم بدر الذي سمّاه الله تعالى يوم الفرقان، والذي كان تغييراً كبيراً في السياق الاستراتيجي غير المخطّط له مباشرة" وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم"، وكان تاريخاً فاصلاً يخرج الفعل النبوي من سياق الضعف والاستضعاف إلى سياق القوة والحضور والفاعلية -اشتدّت على رسول الله المؤامرات بعد أن ظهرت قوّته، وفي دراسة موسّعة أجريتها عن تداعيات فرقان بدر وجدت أن التحديات والمهددات والمخاطر المبنيّة على تحالفات خطيرة من كل اتجاه قد زادت، حتى إن رسول الله لم يكد يمضي عليه يوم إلا كان في غزوة هو فيها أو سرية يبعثها، أو يخطط للغزوات والسرايا والعمليات، ويناور بين الدفاع والهجوم وبناء التحالفات الصديقة وتفكيك التحالفات المعادية، وظل كذلك لمدة ثلاث سنوات شديدة متلاحقة أسمّيها تداعيات الفرقان.
2. فإذا كان الطوفان قد فتح لأهل الثغر فرصة في تغيير البيئة الاستراتيجية وتأسيس مسار جديد فإن هذا لا يعني سهولة الخطوات التالية بل يعني أن الحفر في المسار الجديد سيكون أعقد وأشد وأخطر، وأن ذلك يستلزم مستوى أعلى من التخطيط والعمل والجاهزية، كما يستلزم قوة البناء الداخلي واستعادة التماسك التنظيمي وتوسيع مواعين التحالفات الداخلية والخارجية، واجتراح أساليب عمل جديدة جريئة.
3. وعلى قيادة ما بعد الطوفان أن تدرس هذه المرحلة الجديدة بعمق، وأن تدخل بعقل مفتوح لتغيير المسارات السابقة وسياساتها، وأن تلقي وراءها الكثير من القناعات، وتفتح أذنها للأفكار الجديدة والمستبعَدة سابقاً دون اعتراضٍ متأسّسٍ على قناعاتها الأولى؛ وهذا يتطلّب - فوق التجديد الفكري- الانفتاحَ السريع على قيادات شابّة جديدة نالت خبرة كافية من التجربة والتأهيل، ولم تكن جزءاً من الصراعات الداخلية وحالات الاستقطاب غير المنطقية.
ودمتم جميعاً في توفيق وسداد وبركة
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

25 Jan, 05:33


الحريّة الحمراء!
1. للحرية لونان أسود وأبيض، فالحرية البيضاء لا شائبة تنتقص من تمكُّنها وحضورها ومثاليتها، وهي لا تكاد تكون موجودة إلا في التصورات؛ والحرية السوداء هي تلك الحرية المعتقلة في النفوس، القابعة في طيّات التاريخ التي تقتات على نبوءات الأمل، وتتغذّى من أوجاع القلب؛ وأمّا الحرية الحمراء فهي وصف يلحق بالأحرار الذين تضرجّت أيديهم الطارقة على أبواب الحرية لتفتح لهم باباً واحداً اختاروه هم، وقاتلوا بإصرار للوصول إليه.
2. الحرية الحمراء عند هؤلاء النفر من أهل الثغر اختيارٌ يَصْدُر عن إرادة مستقلّة، فأنت صاحب القرار بالفعل أو الترك، وفي تقدير الصواب والخطأ، وليس لأحد قدرة تقييد عليك مهما بلغت قوّته ونفوذه، وهي الحد الأقصى لاستقلال الإرادة المدركة لذاتها العالمة بغاياتها.
3. والحريّة الحمراء استقلال ذاتيّ متجرّد عن الانقياد لقواعد السلوك الخارجيّة التي تحاول فرض السلوك عليك، فتجد المرءَ الحرّ المستقلّ يفكّر في مستقبله، ويخطّط له، ويستخرج مبادئ عمله من تفكيره الذاتي المرتبط بعقله وفؤاده.
4. والحريّة الحمراء نظامٌ ينخرط فيه الأفراد بالتزامٍ، ويتعاونون في إنجاح التزامهم به من خلال نموذج أعلى يقيسون الالتزام عليه.
5. والحرية الحمراء إيمانٌ يستقلّ باعتقاده الحرّ عن العوامل والمؤثرات والضواغط والتحديات، ويشحن هذا الإيمان بقوّة فطريّة غريزية معزّزة بالتصديقات التي لا تعتمد على تسويغ أو تعليل سوى اتصالها بفلسفة عميقة أقنعت نفسها بها.
6. والحريّة الحمراء بناء مستقبليّ متعدّد التصميمات يعدّل الحاضر ويعيد رسم نماذجه ليتحوّل إلى نموذج مغاير عمّا سبقه من عبودية وجمود.
7. الحرية الحمراء حكم ذاتيّ، يتحرك فيه سلوك الإنسان الحرّ على سياق طبيعته النقيّة، وهي ليست اتجاهاً قسريّاً، ولا عدميّةَ مبالاةٍ، ولا اندفاعاً غير مسؤول، بل هي التزام يوجب فيه الحر على نفسه فعل الشيء والالتزام به بشغف متولّد من إرادته.
8. والحرية الحمراء توازنٌ لا تردد فيه، يختار الحرّ من خلاله العبور بين الجملتين المتناقضتين والمتساويتين، ولم يقف طويلاً في إجراء الحسابات المعقّدة لقدرته على حسم قراره الموزون دون ضغوط زائدة الثقل من كثرة تقليب التقدير ونفخه.
9. الحرية الحمراء طاقة توليديّة حيّة مفعمة بالسيادة والإرادة والحبّ والقوّة تنتج طوفاناً يكتسح الواقع الجامد البطيء المتعفّن، ويتيح له بيئة جديدة مليئة بفرص العمل.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

24 Jan, 05:25


• ليس ثمّة عاقلٌ يجعل أمنيّته في قتال عدوٍّ معجون بالعنف والتطرّف بينما هو قادرٌ على مناورته، ومراغمته، وأخذِ حقوقه منه، أو الدفاعِ عن ذِممه بوسائل أقل كلفةً وأكثر أمناً.
• وليست القضيّة عندنا أننا نقاتلهم لشهوة القتال، أو أنّ لدينا فائضَ قوّةٍ نريد تصريفها، أو أننا اعتدنا نمط العيش الغليظ وسلوك السبل الأصعب.
• القضيّة باختصار أن تجارب شعبنا معهم في كل اتجاهات المناورة والاشتباك وحتى المُداهنة والمُلايَنة والمسالَمة والموادَعة والمُتارَكة أثبتت أنّ هؤلاء الأوغاد لم يعْبروا البحار العالية بأسلحتهم ليسالِمونا أو يعيشوا بيننا، وإنما جاؤوا لإخراجنا وطردِنا وإقامةِ حُلمهم المسافر عبر أجيالٍ وأجيال منهم، وأنّ وجودهم يتناقض مع وجودنا، وبقاءَهم يتأسّس على فنائنا، ولم تتغيّر هذه الثوابت منذ حملهم المستعمِرون الأوائل إلينا.
• فلا تلومونا على ما أُكرِهنا عليه، ولا على ما توجبه ضرورات الحياة من مواجهة الأخطار ودرء المفاسد بما نستطيعه من قوّة أعددناها، ولا تحمّلونا مسؤولية ما تقترفه عصاباتهم الثابتة على مبادئها.
• وإن لم يسعكم أن تكونوا عليهم، فلا تكونوا علينا!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

22 Jan, 05:26


فإن الملائكة لم تضع سلاحها!
1. امسَح الغبار عن بدنك وسرْجك، ولكن لا تغسل رأسك من وعثاء المرابطة، فإن الله لم يزل يأمر بالنهوض إليهم حيث كنّا، ولكل أرضٍ حسابٌ!
2. إن الحرب لم تضع أوزارها عندهم بعدُ، وإنما انفتحت على فضاء جديد، وما زال الحصار مضروباً علينا، وما زال المحاصِرون همُ همُ، وهم الآن يتكسّبون من تجارة الكارثة، ويرفعون أسعار النقل، ويفرضون شروط الدخول، ويشاركونك رغم أنفك في كل ما يأتيك، وسيأخذون ثمن الإفراج عمّا يؤخرونه، ويُبدِعون ليسرقوا منك وأنت تسمع وترى وتسكت!
3. يراهنون على تأخير إعادة الإعمار، ونفخ النار تحت الرماد، وإثقال كاهلك بالأيام التي لا تستطيع التقدّم فيها، وتزداد عليك كلفة إنجازها وانتظار سَعتِها.
4. سيجعلونك قليل الحيلة، كثير التسخُّط، سريعَ الغضب، وسيدفعونك نحو الغضب الأحمق وسوء الظنّ وتوزيع الاتهامات، وسيغرقونك في إشاعات منقوعة، وسيمدّون لك لسانك لتسمّم روحك، وتغرز خناجر استيائك في ظلال مَن حولك!
5. ولكن اعلموا أنّ وجع عدوّنا لا يقلّ عن وجعنا، وجرحَهم ليس أصغر من جرحنا، فقد كِدْنا كيداً عظيماً أَكَل منهم أكلاً، وألقمناهم حجراً كبيراً ما زال محشوراً في أفواههم التي تكسّرت أبوابها، ولا يجدون سبيلاً لخلاص أنفسهم إلا باستمرار الحملة علينا، وتشديد الحصار وقطع الأمل وحبس الأنفاس.
6. وهم لا يريدون لجروحنا العميقة أن تندمل وتَطِيب، وسيُطَرُّونها كلما تهيّأت لليَباس، وسيبْذرون فيها بكتيريا الوجع الرطب، حتى يتعفّن الجرحُ ويأكل اللحم الصحيح من حوله.
7. لقد هيّأتنا تلك الحرب الهائلة لحرب أقلّ منها شدّة وأخفّ منها طَرقة، لكنها ستكون قاسية طويلة أيضاً، فيها القليل المنقطع من اللطف والرحمة والكثير المستمر من الأذى والعذاب، وسياسة "الجرح المتعفِّن" ستنتشر فطريّاتها في كل رقعة نوجد فيها، فلا مجال لأحدٍ أن ينتظر وصول الدبابة إلى باب داره، فاقطع الطريق عليها قبل أن يتصل مَداها ويضرب عليك، فإن الحجر فوق الحجر بناءٌ.
8. ما تقرؤونه هنا ليس تخويفاً ولا تحذيراً، بل هو بلاغٌ للعمل فوق الاستعداد، فلسنا الآن في مرحلة تنمية ولا طور استقرار، فالعدوّ إذا لم يرتِدع ويخاف بمزيد من التهديد وتوسيع دائرة المخاطر عليه فإنه لن يتوانى عن هدم كل أبنيتك، وإزهاق كل حياة تدبّ فيك، واستنزاف كل مواردك، وتخريب كل مصانعك، وليس أمامك إلا أن تفكّر في نمط حياتك القادم بعقل المهاجم لا المدافِع بتقليل كلفة البناء وتعزيز المرونة فيه وسرعة إيجاد البدائل المتحركة.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Jan, 05:42


إذا كانت هدنة الصفقة قد بدأت في تلك الجغرافية فهذا لا يعني أن يستريح العدو ويلتقط أنفاسه أو يتحرك لمهمة أخرى ضد أرضنا وشعبنا وأمتنا في مساحات أخرى، فالبندقيّة انتقلت من كتف إلى كتف، ولم توضع على الجدار، كما أنّ مقاطعة العدوّ الشاملة ليس فيها هدنة، ولا مكان فيها للاعتدال، ولا مجال للاستراحة والهوادة، يجب أن تكون المقاطعة شعاراً أخلاقيّاً، وثقافةً شعبيّة، وخبزاً يوميّاً، ونضالاً مستمراً حتى تنكسر كل أدوات هذا العدوّ وأياديه التي امتدّت إلينا، وتنكشف كل صوره الزائفة، وتنقطع كل حباله الخارجية، وينحشر في زاوية الدفاع، ويفقد بريقه الذي يجذب إليه أنظمة السوء بيننا، ويخسر إشاعة ريادته في قطاعات التكنولوجيا والهندسة الزراعية والأمن، ويتراجع تصنيفه إلى الوراء، ويغرق في أزماته .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

18 Jan, 06:46


هل انتصرنا حقّاً !
1. لم تنته الحرب حتى يقال إننا انتصرنا فيها، بل هي جولة كبيرة هائلة في سياقها، ولكن لا يصحّ نزع صفة النصر الغريب غير المألوف عنها، فهي جولة أسطورية جرت في ظروف مستحيلة، وفي بيئة منحطة سياسياً، ومنطقة مكشوفة ساقطة عسكريّاً وأمنيّاً استطاع فيها إبداع القتال الصفريّ بين الأنقاض والدمار المجنون، واستطاع فيها الشعب المنكوب أن يثبت في أرضه، ولم يتحرك خطوة خارج حدود وطنه بعد أن أدرك أنّه سيُهان في أرض غيره، ولاسيما من أنظمة أصرّت على خذلانهم.
2. هذا الشعب الذي تريدون حرمانه من صفة يستحقّها معنويّاً وعمليّاً بجدارة فائقة لم يَخرج برايةٍ بيضاء مجروراً بالسلاسل إلى سجن آخر أو ذلّ مستديم أو صفقة مهينة، بل إنه أرغم السجانين الكبار على فتح السجون مرة أخرى قهراً وجبراً، وخرج مرفوع الرأس تفاوضه الدول الكبار، رأساً برأس مع هذا الكيان المتكثِّف بحبال الإسناد الدوليّة.
3. هذا الشعب الآن أعطى لنفسه صفة القتال العنيد، وهي صفة سيكون لها ألف حساب لأنها شَحنت كل من حولها باليقين، وأن هؤلاء الأوغاد يمكننا أن نهزمهم، ألا ترون أننا كنا فئة صغيرة واجهنا كل هذا الهول المركّب المسنود بلا سند ولا عمق ولا ظهير قريب.
4. هذه الجولة اختصرت عقوداً عديدة من وضع جامدٍ كان يتحوّل إلى وضع مستديم لا يعطينا شيئاً، وقد منحتنا وسائل كثيرة على كل صعيد، وأمدّتنا بأدوات لا تنتهي من الأدلة والوثائق والخيارات والفرص، ونحن الآن أمام ميدان جديد ومسار آخر ولغة جديدة ومعطيات مختلفة وحسابات متغيّرة.
5. جولة الطوفان الحقيقية ستبدأ في شقّ واديها مع سكون المعركة من حيث بدأت؛ وجغرافية التداعيات ستكون موجات لا مركزية تتغذّى من أرواح الطوفان وقِيمه المُلْهِمة، فأسرجوا خيولكم أيها التالون فإن الميدان ينادي حيث أنتم!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Jan, 09:51


• مَن كان معك أوّل الأمر فإنّه لن ينفكّ أن يظلّ معك بعقله وفؤاده ولسانه ويده وماله وسَعتِه، ومَن كان ضدّك من أول يومٍ فلن تراه إلى جانبك مهما كان منك من ثبات وحسن لقاء، وبالتالي فلا تنتظروا من أحدهم كلمة تواسي شعباً فذّاً صامداً، أو تضرب له التحيّة المستحَقّة، أو تقيم له ظهراً أحْناه طول القتال، أو تحترم له نضالاً وكفاحاً.
• ألا ترى ثلّة النفاق بالمدينة اختاروا من البداية أن يكونوا في الموقف الرماديّ بخلفية سوداء مستورة، فلم يكَدْ يتوب منهم أحدٌ، هذا وهُمْ بالمدينة مع رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، فكيف وهم بيننا!
• إذا رأيتم هؤلاء المرجفين والمثبّطين فحاصروهم، فإنهم أمّةٌ بعضُها من بعض مع أولئك الأوغاد الذين ما فتئوا عن إرهاقنا والمساس بنضال شعبنا منذ أن رفعت بندقيّة الحقّ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

15 Jan, 18:57


ميلاد ثورة الطوفان
1. لقد زيّن الشيطانُ لأولئك القتلة الأوغاد أعمالَهم، وبَسط لهم الغرورُ آمالَهم، ولم يجعل الله في قلوبهم رأفةً يترأّفهم بها القادمون، أو يرحمهم بها الراحمون، ولقد جثمت علينا أيّام قاسية لم يَعْبُر علينا مثلُها من قبلُ، واحتمل شعبنا من الأذى ما لا تطيقه البشر، ووقَع علينا من فواجع الكارثة وذريع الفتك ما تَشِيب له الوِلْدان؛ وكادت الأحلامُ تَطِيش.
2. وقد ترجّل في هذه المعركة منّا كبار الأبرار وأعيان الأطهار، وعشنا أيام الله العجيبة في خوف ولهفة، وفي رجاء وشفقة، وفي عزّة ووجع، وفي صبر وانكسار، وفي مصابرة واحتيار، وفي جوع وصيام، وفي قهر واصطبار؛ فسلّم اللهُ مَن سلّم، وأَسلم لأقداره مَن أسلم.
3. وقد زرع الله في قلوبنا روحاً منتقمة لا تهدأ ثائرتها، لا تعرف المغفرة، ولا تهتدي إلى سبيل المسامحة، ولا تندم في طلب مكرمة الثأر، فالانتقام هنا عدلٌ، والتجاوز فضلٌ، وإنّ في الشوك عنباً حامضاً يحلو بلَعقةِ لُعاب المنتقمين المظلومين، ولن يَسْكنوا حتى ينتزعوا النوم من أهداب أجفانكم.
4. إننا لم نكن لننسى لحظةً أن اللجام قد انفكّ فجْرَ السابعِ العظيم، وطِئْنا به رأسَ العدوّ في مشهد من مشاهد تجدُّد التاريخ الذي لا تُنسَى آثارُه، ولن تتوقف مناقشات أحداثه وتداعياته، وسيكون هذا اليوم بكل أثقاله تجربة إنسانيّة حافلة بعِبَر المَفاخر والمَفاجر، وسيظل كاشفاً لمرحلة عالمية سقطت فيها زيوف هذا العالم الوقح الجبان، وبانَ المرجُ كلّه بلا جليد عاكسٍ يستر عوراته.
5. ولقد كشفتم أدبار الخائنين المارقين، وآويتموهم في العراء دارَ الفاسقين، وسيلاحقهم عار الخذلان إلى يوم الدين فوق ما يأتيهم من عقاب قريب، وإدانة فاضحة.
6. لقد قاتلتم أيها العظماء بلا ظهير عسكري، ولا عمق استراتيجي، ولا سلاحٍ ثقيل، ولا إسنادٍ منتظَر، ولا مؤونة حاضرة، ولا غطاء حامٍ، فلم تنكسر شوكتكم، ولم تَلِن قناتُكم، ولم تهِن عزيمتكم، ولم تنكسر حملتكم، ولم يعوج صفّكم.
7. لقد كنتم جند الله الأبرار، وصوت الحقّ الماضي، ووثبة القدَر النافذ، والرياح الزعازع في ثبات الجبال، وكتبتم ملحمة الأمة بفَخَار، وزرعتم فيها قوّة الأمل، وربطتم في فؤادها الواجف يد القدرة، وجعلتم من الموت نشوراً، ومن القليل كثيراً، ومن الصغير كبيراً.
8. وقد رأينا قوة بأسكم، وشدّة مِراسكم، وصدق انتقامكم، وأمانةَ جندكم، ومدد الله لكم حين انقطعت الحبال، وفرّت الجبال الثِّقال، ونثِق أنّ من استطاع بلوغ وثبة الطوفان الهائلة تلك فإنه قادر على أكبر منها من حيث لا يحتسبون، وما ذلك إن شاء الله بعزيز.
9. أيها الأبرار: إن لسان الزمان ينطق بشكركم، ويصدح بذكركم، وإنّ عيونه تسطع بثباتكم، وهي ما تزال تستبشر بمَرْأى نواصي خيولكم الأولى، وترتقب استئناف صَولتكم، وجميل العوض الإلهيّ لكم.
10. وأحسب أن الطوفان تنفتح أبواب سدوده الآن، بتداعياته واندياحاته، فلا تربطوا الأحزمة!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

08 Jan, 15:32


من ورائهم محيط !
1. لا أجد كلمةً أتعزّى بها وأعزّي أهلي ورفاقي، وأمدّ بها الأمل إذا تعرّضوا لاعتداءِ ظالمٍ، أو عِنادِ جبّارٍ متكبّر، أو تطاوُل وغدٍ متعصّب إلا أن أقول: إن الله ربّي من ورائكم فلا تيأسوا!
2. لأنني أعلم أنّ الله تعالى (من ورائهم محيط) سيسلط عليهم عذاباً لا يفلتون منه، وهلاكاً لن ينجوا منه، ورَهَقاً لا ينفكّ عنهم وعن ملئهم الأعلى الذي يُظاهِرهم.
3. هذه "الوراء" ليست جهةً تعني الخلف، بدليل أنه قال "محيط"، والإحاطة تنفتح على كل الجهات، تعني الأمام والخلف وتعني الميمنة والميسرة، وتعني الفوقية والتحتية، بل هي تمثيل مستعار للأمر الذي يصيب هؤلاء لا محالة من حيث يظنون أنه لا يصيبهم.
4. وهو تمثيل للحال الذي ينتظرهم وهم في غفلة عن الله الربّ المتعالي، وكأن الهلاك قد أحاط بهم من جانب وهم لا يعلمون، فإذا راموا النجاة، وفرّوا وجدوا الهلاك محيطاً بهم يأخذهم أخذاً وبيلاً.
5. واستخدام الوراء في هذا المعنى لعله بسبب أن أي مقاتل يؤمّن ما وراءهم ومن وراءه ويحميه، ويسد كل ثغراته قبل أن يتقدّم، ويحصّنه لاحتمال الانسحاب إليه، ويحسب حساباً للخطر الذي أمامه، فإذا جاءه من ورائه فقد انسدّت عليه السبل، ووقع في حصار مميت لأنّ المحاط به في حقيقة الأمر محصور محاصَر لن ينجو من القضاء الذي سيحلّ به.
6. ومثل ذلك المعنى الحديث الصحيح: (إنَّما الإمامُ جُنَّة يُتَّقى بهِ، ويُقاتَلُ مِن ورائه)، فهذا الإمام القائد تراه وراءك: أمامك وخلفك، وعن يمينك ويسارك، تجده بذاته يقاتل إلى جانبك، وبخطته، وبعزيمته، ومساندته، وتراه جنده يستديرون من حوله ويحيطون به لأنهم يعلمون أنّه لن يخذلهم ولن يتركهم في المعركة، فتخيّروا لأئمتكم وقياداتكم!
7. وكلمة "الوراء هنا رغم سطوع المكان فيها، وظهور معنى الظرفية إلا أنّ الزمان يتسلل إلى هذا المعنى، فكل وراء لها قدّام، وتسلسل الأحداث يبدأ خطوة خطوة، فكل خطوة تتقدم تصبح قُدّاماً، وكل خطوة تتأخر تصبح وراء، فتصبح الوراء ماضياً، ولكنها لا تنفك عن امتدادها الأمامي، ولا تنفصل عنه، يتتابعان في اتصالٍ.
8. والذين ظنّوا أن تأويل "الوراء" يكون بـ"قدّام" وقَعوا في التسلسل المتصوّر في طبيعة التقدم والتأخر زمانياً، وظنوا أن "وراء" من أضداد "قُدّام" و"أمام"، وفاتهم أن "الوراء" ظرف يتضمن معنى التواري والاستتار، ولخفائه على الغافل فإنه لا يراه أمامه، ويظنّه خلفه، الذي كان قد مرّ به سابقاً ولم يره.
9. وليس هذا فحسب، بل إنك عندما تقول لأحد "وراءَكَ بردٌ شديد" فهذا يعني أن هذا البرد سيلحقك، ويدركك، وكأنه صار بين يديك، فلا تحسبوا أن الله سبحانه لن يلاحق هؤلاء الظالمين، ولن ينتقم منهم، بل إن لهم موعداً كالطوفان يلاحقهم من ورائهم، وسيغرقهم لا محالة.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

31 Dec, 12:14


قيامة الوحل!
1. ترتجف أضلاع صغارنا من البرد، وتَنْدَكّ أجسادهم النحيلة بمسامير الزمهرير، وتغرق بطانياتهم التي يتدفؤون بها في أمطار المنخفض، وتنزع الريح العاصفة أوتاد الخيام المنصوبة على الرمال الموحلة.
2. ولم تمتدّ إلينا يدٌ عبر الحدود القريبة لتضع الضعفةَ منا والمرضى والمصابين تحت سقف آمن، أو في مصحّة علاجٍ، بل إننا يئسنا منها يأس العارفين.
3. لكننا نعلم أننا من الطين الذي هو هذا الماء والتراب: منه ابتداءُ خلقِنا، وإليه نعود بعد أن نكمل دورة حياتنا، ولن تذوب الأرواح إذا دُفنت الأجساد في هذا الطين.
4. هذا الطين المُوحِل الذي يخنقنا ويُمرِضنا وينغّص علينا حياتنا الكئيبة اليوم سنصنع منه أيها الأوغاد حجارةً، وسنغرز فيه أعمدة نعيد بها بناء بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا ومعاملنا ومعسكراتنا المقاتلة.
5. هذا الطينُ البائس هو في حقيقته حياةٌ إذا ارتدينا له رداء العزيمة، وتجهّزنا له بسلاح العناد، وستبدع أناملنا الذهبية في صياغة مسارات الحياة الجديدة منه.
6. هذا الوحلُ أيها الأوغاد لم يتسلّل إلى قلوبنا، ولم يغطّ عقولنا، ولم يعرف سبيل الوصول إلى موقد إصرارنا ومنبع ثباتنا، ألا ترون أنّه قادر على إنبات زهرة فوّاحة من بين عتماته الغاطسة وفوهاته النازّة!
7. في هذا الوحل سنضع بذور نخيلنا، وأشتال زيتوننا، وسيحمل رحمُ الوحلِ أجنّةَ التين والعنب، ويُجري في أفلاجه لُعابَ العسل واللبن، وسيتماسك الوحل ليكون قلعة فوق الأرض أو تحتها.
8. هذا الوحلُ صديقُنا اللدود الذي لا تظهر صداقته إلا في نهاية حكايته فلا تغضبوا منه إذا قسا عليكم فإن قلبَه طيبٌ بريء كبراءة انعكاس الشمس في غدران مستنقعاته التي علّمتنا السباحةَ الصعبة، ولن يكون مثل قلوب جيراننا الأقربين.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

15 Dec, 09:37


1. التوبة ليست حالةَ ثابتةً يستقر عليها المرء فور طلبها، ويكتفي بدعائها وطلب إجابتها، بل إنها حركة مستمرة للتطهّر تسعى للوصول إلى ظل المثال النقيّ المأمورين بالوصول إليه، فحياتنا كلها توبة لا تنقطع .
2. وأجدرُ المعاصي الجماعية المتطلّبة لعاجل التوبة في أزمنة المحنة هي معصية التغافل، ونسيان المعصية، وتجاهل الخطيئة، إذا استمر الخذلانُ منّا، وتراجَعَ الإقبالُ عن البحث عن وسائل رفع العدوان، وتنفيس الضغط الناتج عنه، والتخفيف من آثاره.
3. ومن الواجب أن نظل مداومين على الطلب من الله تعالى أن يتوب علينا، حتى يحصل لنا يقين بقبوله توبتنا عندما نكمل تطهّرنا من أدران المعصية المُدانين بها .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Dec, 06:25


رصيد الجِراح !
1. قد يرحل الأحبّة في هذه الحرب فنبكيهم، ثم نتصبّر على فراقهم ونتعزّى بهذا النسيان، ولكن ثمّة آلاماً لا تنفكّ عنّا، وهي تلك القروح والإصابات التي تنحفر في أبداننا، وما يبقى من أثر العاهة والجراحة فينا وفيمن حولنا.
2. وبعض هذه الآثار مما يظل علامةً ظاهرةً أو وجعاً مستديماً من أثر القتال في المعركة وأخطاء الإعداد والتدريب، وبعضه مما أصابنا وأصاب أهلنا من العامة والمدنيين في القصف والإغارة والرجوم العمياء.
3. وفي مثل هذه الأحوال فإن قطرة الدماء وآثار الجراحة في هذا البلاء مما يزيد من رصيد المؤمن، فتراه يتعاهدُ دماءه التي تنزف وإصابته التي وقعت عليه، لأنّه يعلم أنها تقتضي استدعاء حبّ الله له، ثمّ تراه يحمد الله على أي عاهة أصابته من جراحة القتال، ويتحسّّس آثار جرحه المحفور على أعضائه أو أطرافه أو جلده أو جوفه، ويتَناجَى معها كأنّها ناطقة بالحبّ الذي يشفع لصاحبه ويشهد له في ميعاده عند ربّه.
4. إن قطرةً من دمك سواء سالت في لحظة الارتقاء أو الإصابة ليس شيءٌ أحبَّ إلى الله منها سوى قطرة من دموع بكت من خشية الله، وإن أثراً في سبيل الله ليس أثرٌ أحبَّ إلى الله منه سوى أثر في فريضة من فرائض الله، وشاهدُ ذلك ما ورد في الحديث الحسن عن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم يُهَراقُ في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى". رواه الترمذي
5. والأثر في سبيل الله في الحديث هو الجراح التي تتركه المعارك على جسدك، وغبار العناء الذي يغطي وجهك وساعديك وقدميك، وآثار خطاك التي تقتحم بها على العدوّ؛ وهذا الأثر الذي فيك يعني أنّك مشروع شهيد سعيد، وعليك ختم الشهداء السعداء وفيك علامتهم وأمارتهم، وأنّك تستحق مِثلَ جزائهم ومكانتهم، وتُعرَف بذلك بين أهل الجنّة، كما في حديث معاذ بن جبل الذي رواه أبو داود (ومَن جُرح به جراحٌ في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء)، وتُفصّل رواية أخرى للحديث أعراض هذه الجراحة ( مَن خَرج به خُراج في سبيل الله فإن عليه...) والخُراج: ما يخرج من البدن من آثار الشجّة أو الالتهاب كسِلْعة أو صديد أو دُمّل أو ورم.
6. ومن ذلك النكبة: ففي حديث مسلم (ما مِن مرضٍ أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفّارةً لذنوبه حتى الشوكة يُشاكها أو النكبةُ يُنكبُها)؛ وهذه النكبة المُكفِّرة للخطايا شاملةٌ لكل حادثة من الحوادث الصغيرة والكبيرة والمحن والمصائب والنوازل والأذى، من شلل يصيب طرفاً منه أو ضرراً في عينه أو عثرة قدمٍ أثناء المناورة أو الانحياز أو النزوح لحماية الأهل والمدنيين، أو جراحة من سقوط من مركبته أو دراجته، ومِن حملِ سلاح ثقيل، أو حفر نفقٍ، ومن إصابة حجرٍ، ومن أنقاض هدمٍ، ومن شظايا قصفٍ أو زحفٍ أو إنقاذ ... وهي شاملة لكل من يقاتل ومن لا يقاتل من المؤمنين الثابتين معهم على طريق ذات الشوكة.
7. وقد أخبرنا رسولُ الله صلوات ربي وسلامه عليه أن هذه النكبات المتعددة والمتتابعة يجزينا الله بأعلى قيمة فيها، وبأكثر أوقاتها غزارة في ساعة سيل الدم ووقوع الأذى وحدوث النكبة، وكأنها ما تزال غضّة جديدةً كما نفهم من حديث معاذ بن جبل أيضاً: (ومن جُرح جرحاً في سبيل الله أو نُكِب نَكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك).
8. لا نجمّل الجراح هنا، فليس في الجراح زخرفة ولا جمال، وإنما يجمّلها الرضا، ويضمّدها الصبر، ويخفف آلامها الاحتساب، فإذا وجدتَ أحداً ممن أصابته نكبة في تلك الحرب، ورأيتَه صابراً محتسباً راضياً، فاعلَم أنّه محبوبٌ موفّقٌ، وأن الله أرشده إليه، ودلّه على سبيله، ووطّأ له طريقاً إلى الجنّة، فالتمِسْ منه دعوة صالحةً، ولا تدعْه دون أن تقضي له حاجتَه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

09 Dec, 09:58


1. الكيان الإسرائيلي ليس مجرد لاعب في المشهد السوري، بل هو عدوّ حقيقي لا يسعه إلا أن يتدخّل في كل الملفات السورية الداخلية، وسيستمر في قضم السيادة السورية، وإسقاط هيبة القيادة الجديدة، واستنزاف المقدرات، وإرهاق الحكّام الجدد، واستمرار سياسة إضعاف الدولة السورية ومحاصرتها.
2. وبعض الحمقى من مرتزقة السفارات الذين يقترحون المبادرة بالتطبيع الكامل معه لا يدركون أنه لا يثق نهائياً إلا بتمكين قدراته ومشاركته مع المطبّعين في كل شيء، حتى لو انتقص من المصالح العليا للدولة المطبّعة، وأن هذا التطبيع هو عبء أمنيّ حقيقيّ داخليّ وخارجيّ.
3. فاستعدّوا للتعامل مع هذا العدوّ، وانظروا في السياسات المتاحة في هذا الظرف الصعب، واحذروا من تأخير اعتماد السياسات والإجراءات تجاهه، وإلا فإنهم سيصنعون حولكم وبينكم واقعاً معقّداً سيظلّ يشغلكم ويفسد استقراركم ويعطّل انفتاح علاقاتكم !
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

08 Dec, 05:50


العبرة التي لم يتّعظ بها !
ما زلت أذكر تلك الكلمات التي قالها ذلك الدبلوماسي عندما قابله:
1. أيها الرئيس! ربما يكون المسؤول سبّاحاً ماهراً لكن ثورة الشعب إذا قامت فهي كالموجات الكبيرة العاتية لا يمكنك الوقوف أمامها، يسعك أن تهرب منها إلى الأمام أو تنحاز إلى أطرافها بمحاولة استيعابها.
2. إنّك إذا أخمدتَ موجةً أو موجتين أو ثلاثة فإن قوة الموجة ستكمن في باطن الأرض ثم تتحول إلى زلزال يقلب الأرض على الجميع.
3. إذا لم تستطع أن تفتح مجاري الماء فلا تغلق صنبور الحنفيّة.
4. عندما تتنازل لشعبك فإنك لا تتنازل لعدوّك، وعندما تتهم شعبك بأنّه عدوّ فإنّك ستصبح عدوّ شعبك، وعندها لن تكون منهم.
5. رأس مال الدولة ليس في قوتها ولا خوف الشعب منها، بل قِيَمها في العدالة والمساواة والكرامة والخدمة، وعدم التهاون في تطبيق القانون بصرامة على الجميع.
6. وأيّ قيادة لا تستوعب شعبها، وترفع المظالم عنهم، وتسوسهم بالعدل والرحمة، فسيأكلها سوسُها الطامع الذي ينخر في خشبها، وسيتنافس السوس بعد ذلك على أكل أصولها وعروقها وشرايينها حتى تهوِي.
يكتب الله لهذا الشعب الصابر المظلوم في سوريا أجره، ويعينهم على القادم من الأيام، فما زالت الأمواج كبيرة، وأصابع المتدخّلين الباحثين عن اللقمة تنحشر في العجين، وما زال المذاقُ مغرياً للطامعين، وهذا وقت حماية الثورة، والشروع في البناء والتعمير...
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

04 Dec, 08:25


بيت لاهيا ... تُفّاحة الانتقام !
1. قبل مائة عام كان في القرية الساحلية التي يتهدّدها زحف الرمال أقل من ألف ساكنٍ، وصاروا بعد قرن من الزمان نحو مائة ألف أو يزيدون.
2. وبين بيت لاهيا وبيت حانون إلى شرقها آصرة قديمة، فهُما مدخل غزّة الشماليّ، على طريق القوافل الساحليّ، ويبدو من اسم البلدتين العراقة العتيقة حيث كانت الآلهة الوثنية تُنحت في بيت لاهيا، ويُتعبّد بأصنامها المنحوتة في بيت الملك حانون وقصره كما يزعمون، وكانت آبار المياه الكنعانية والبيزنطيّة تثبّت الحياة فيها.
3. ومنذ أن دخلها الفتح الإسلامي على يد القائد الفذ عمرو بن العاص في زمان الفاروق عمر رضي الله عنهما فقد تحوّلت إلى ثغر من ثغور الإسلام التي تتحرك فيها خيول المرابطين وتعيش بين تلالها الرمليّة عائلات الحرّاس والثائرين.
4. وكانت سدرة العجمي، تلك الشجرة المعمرة تحكي تاريخ أهلها الذين عاشوا منذ قرون قديمة ببيوتهم الطينيّة حول مسجد الشيخ العارف سليم أبو مسلم أو سليم بن مسلم العراقي الهاشمي الذي كانت الأرض حوله وقفيّة كبيرة على زاوية الشيخ سليم منذ نحو سنة 965 هـ جعلها السلطان سليم العثماني لمسجده العامر عند مروره إلى مصر، وحول مسجد رفيقه وتلميذه الشيخ الصالح سعد رغم أن لجامعه ومزاره أرضاً وقفيةّ كانت تعادل نحو 400 دونم، وقد كان الشيخ سعد يطوف على أهل قريته ويسقيهم الماء صدقةً لأنه كان شديد الفقر، وكان مُجاب الدعاء فيما يروي كبارنا، وقد دمّر أوغاد العصر هذا المسجد التاريخيّ العزيز بقصف مجنون في هذه الحرب، وقد كانوا اقتلعوا جذور شجرة السدرة المعمّرة الشاهدة القريبة منه في حرب عام 2004، وهي الشجرة التي زُرعت يوم وفاة الشيخ سعد قبل أكثر من خمسمائة عام.
5. كانت قرية خضراء تمتد عليها أشجار التوت والجمّيز، وبساتين الحمضيّات وجنّات الأعناب، وحقول القمح والشعير ، ومشاتل الزهور والتوت الأرضيّ، وكانت مشهورة بتفّاحها اللهواني الشهير الذي رعته ذرّية الشيخ المسلّمي الصالح...؛ وكانت إلى جانب الزراعة فيها تأتي خيرات البادية الجنوبيّة، فمَهَرت أيديها العاملة من النساء والرجال في صناعة الطواقي من وبر الجمال وأصواف الأغنام، كما كانوا يصنعون من سيقان السنابل وسعف النخل السلال والقفف، والتي تطورت لاحقاً لمهارات الخياطة.
6. وقد كانت قبّة النصر على تلّة النصر الشرقيّة القريبة شاهداً على انتصارات صلاح الدين ومَن خَلَفه من أصحاب المشروع الكبار على جيوش الفرنجة الصليبيين، وظلّت القبّة تحكي هذه الذكرى حتّى جرفها العدوّ بعد عدوان 2009 وأزال تلّتها العالية وكثِيبها المُشرِف بعد صولات وجولات لشبابها الذين كانوا يستطلعون منها ويهبطون منها إلى العدوّ بأرواحهم الجريئة.
7. وكان في خِربة اللقية إلى غرب بيت لاهيا ناحية البحر حامية عسكرية أيوبية وجدوا فيها آثار مسجد قديم ونفق صغير كانوا يتخفّون فيه كما فعل أحفادهم من بعدهم؛ وكان حولها في حقبة النكبة عام 1948 معسكر لجنود الهجّانة السودانيين الذين جاؤوا للقتال مع الجيش المصري ضد الغزاة المعتدين، وما يزال الموضع يحمل اسمهم.
8. ولا تنسى شواطئها البحرية يوم غرقت رمالها ببحر الدماء من عائلة أبو غالية في التاسع من يونيو عام 2006، وبقيت الفتاة الصغيرة هدى شاهدة على تلك الحادثة المروّعة، ولم تجد مَن ينصفها من هؤلاء القتلة إلى اليوم، ولا ينسون قبلها ما جرى لعائلة الغبن والكسيح في 2005، وما تزال رمالها تختزن ذكريات موجعة تستنطقها ذاكرة الوجع كلّ حين، وتستذكر كيف سرقت المستوطنات الملعونة معظم الأراضي والمراعي والبساتين حولها.
9. ستعود بيت لاهيا، وتتذكّر حكايتها بأزجال لحن الشروقي الشعبيّ القديم:
أرضْ البطولِةْ وساحِةْ الفرسانْ ... وقفِتْ في وجه الغدِرْ غضبانِهْ
خاف البحَرْ مِن قَلْبِت الشجعانْ .. والشمس طلّت بَسْ فزعانِهْ
10. لقد قدّر الله لأرضها الثائرة أن تشهد آخر فصول حياة المهندس يحيى عيّاش رحمه الله، لينبعث من دمه الانتقام الكبير، وقد طالما عاندت هذه الأرض زحف الرمال وزحف الغزاة على عمران أهلها المرابطين، وستصدّ أطلالها الباقية زحف الرمال الهاجمة وجحافل الأوغاد، وستنبعث من جديد رمحاً باذخ الانتقام.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

26 Nov, 09:38


تَذكّروا فَسَتَرَوْن !
1. ستمرّ علينا أيّام عصيبة جدّاً وقاسية، وعندما نمرّ عليها بعد دهر تكون ذكرى لا تُنسَى، ونحكي لمن حولنا كيف ثبَتْنا فيها، وتجاوزناها، وكيف بدّل اللهُ حالَنا، وأوفى إلينا وعدَه، وأنّه لم يتركنا رغم شدة الظنون التي اجتالتنا وسط الكارثة، ونحن نستعجل الخلاص .
2. وقد رأينا ذلك في فعل رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، عندما أخبر أصحابه عندما سألوه بعد فتح مكة أو بعد حُنين في أيّ موضع سينزل! فأخبرهم أنه سينزل في "خَيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر"، وهذا الحديث في البخاري وغيره.
3. والخيف محل منحدر من الجبل مرتفع قليلاً عن المسيل في وادي المحصّب بين مكّة ومِنَى في أول بطحاء مكّة كانت تسكنه كنانة، وهو الموضع الذي تحالف فيه بطون قريش مع بني كنانة على حصار بني هاشم وبني المطلب في الشِّعب ومنع معاملتهم والزواج منهم أو تزويجهم، أو مبايعتهم، أو مخالطتهم، أو إيوائهم، وتقاسموا على ذلك، ووثقوا حلفهم الظالم في صحيفة علّقوها في جوف الكعبة، ولا ينتهي هذا الحصار حتى يُسْلِموا إليهم رسول الله، وهو حصار دام ثلاث سنين حتى السنة العاشرة للبعثة.
4. وهذا الموضع منزل نزله رسول الله وليس من مناسك الحج، مما يدلّ على أن النزول به جاء للتذكير بتلك الذكرى القديمة وما تضمّنته من رسائل؛ ويمكن فهم ذلك أيضاً من الرواية الأخرى للحديث في الصحيح: «منزلنا - إن شاء الله، إذا فتح الله - الخيف حيث تقاسموا على الكفر».
5. وهذا الأمرُ ليس لتثبيت العداوات وإنما للتذكير بالمآلات، حتى لا يغفل المؤمنون عن رحمة الله، ولا ينغمسوا في مشاعر الساعات القاتلة التي تبثّ فيهم الحزن والكآبة والحسرة، وأنّ هذه المعارك الطويلة التي صبروا فيها، وعانوا وقاسوا ما عانوا فيها وقاسوا، لن تكون عاقبتها إلا خيراً، وأنّ بركات الله عليهم ستعوّضهم ما خسروه، وستمحو آثار تلك الأيام التي تآمر فيها الأشرار والأوغاد علينا .
6. وهذا الأمر لا يخلو من تحذير الأعداء بأنّ العداوة تتجدد إذا استعادوا مواقفهم الأولى، وأن القضيّة لا تنتهي ولا تموت، وأن الحقّ لا يزول ما دام وراءه من يطالب به، وأنّه لا يسقط بالتقادم، وأن القوّة النفسيّة التي حملت الناس على مواجهتهم أوّل الأمر يمكنها الانبعاث بمثل هذه الذكريات المتوهّجة، وقد ورد ذلك في الحديث: (الودّ يُتوارث، والعداوة تُتوارث) .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

22 Nov, 17:25


حتى يعلموا أنّ بنا قوّةً !
1. يتساهل بعض الناس في إطلاق الأحكام المثبّطة في زمانٍ صعبٍ يحتاج فيه الناس إلى التثبيت والإسناد النفسيّ، وهذا التساهل إمّا يكون فساداً وغرضاً فيهم، وإمّا ظنّاً منهم اجتهدوا فيه بأنهم يبيّنون ما يرجّحون الحقّ فيه، وتجب النصيحة به.
2. وكثيرٌ من هؤلاء المفتين المفتونين يكون شأنهم متأثّراً بمذهبٍ يميلون إليه، أو تنظيرٍ مَكتبيٍّ انغمسوا فيه، واستظهروا فيه النصوص المجرّدة عن مقاصدها ومناسباتها وفقهها الاجتماعيّ ، وغفلوا عن فقه المغازي وتطبيقات السيرة النبوية وسياق الأخبار وظروفها، رغم تذكير السلف بأهمية حضور ذلك، فقد كان زين العابدين بن علي بن الحسين يقول: "كنا نُعلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن"؛ وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص:"كان أبي يُعلِّمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه...".
3. وإنّ هناك مواضع فاصلة لا يصح فيها الإشارة إلى إعلان الهزيمة وإشهار الاستسلام، وتَعظم فيها خطيئة الدعوة إلى ذلك، وهناك لا يجوز لأحد أن يُضعِف موقف المقاتلين وسط المعركة ولو بكلمة، أو أن يخذّل حاضنتهم، أو أن يفتي بما يفتّ في عضدهم، ويزعزع ثقتهم ما دامت فيهم قوّة تقاتل وتدافع.
4. وقد حدّثتنا سيرة رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه أن أصحابه الذين أصابهم القرح الشديد في معركة أُحد تحاملوا على أنفسهم، ولم يقبلوا أن يُقفَل مشهد المعركة على هزيمة المسلمين، فاستجابوا لأمر رسول الله بأن يلاحقوا جيش قريش في اليوم التالي وهم مصابون مكلومون يدفنون قتلاهم ويعالجون مصابيهم، كما ورد في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى : (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) إلى آخر الآية؛ فقالت لعروة بن الزبير بن العوّام: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، فلما أصاب نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أصاب يوم أُحُد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، فقال: مَن يرجع في أثرهم! فانتدب منهم سبعون رجلًا فيهم أبو بكر والزبير -رضي الله عنهما-.
5. وقد كان في أبي بكر والزبير جراحة من أثر المعركة، وكانت فرصة هزيمة هؤلاء السبعين شبه محققة لضعفهم وقلة عددهم، وقوّة معنويات قريش بحيث إنهم فكّروا بالرجوع ومعاودة الهجوم على المدينة واستئصال من فيها من المؤمنين؛ والعجيب أنّ رسول الله أمر ألا يخرج في هؤلاء السبعين أحد ممن لم يشهد معهم أحداً، ووصلت المعلومات إلى قريش تفيد بخروج أهل المدينة كافة لملاحقتهم، فعجّلوا خروجهم إلى مكّة.
6. وانظروا إلى فهم محمد بن إسحاق أحد أكابر رواة المغازي: (وإنّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرهِباً للعدوّ ليُبلغهم أنّه خرج في طلبهم ليظنّوا به قوّة، وأن الذي أصابهم لم يُوهِنهم عن عدوّهم) فقوة الروح المعنوية للمقاتلين واستدامة شعورهم بالقوّة وإباء الوهن وعدم السماح بتسرّب الإحباط إلى نفوسهم مصلحة عليا راعاها رسول الله في قراره بملاحقة العدوّ المتغلّب.
7. ويظهر حرص رسول الله على إظهار قوّة المسلمين وإشعار الأعداء بها، وأنهم لم يضعفوا نتيجة ما أصابهم كما فهمه ابن إسحاق في رواية الحديث الأخرى عند البيهقي، إذ خاطب رسولُ الله جُندَه من أصحابه – وهو المصاب المجروح المكلوم مثلهم، فقال: "مَن يَنتدب لهؤلاء في آثارهم، حتى يعلموا أنّ بنا قوّةً! "، فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، وانصرفوا بنعمة من الله وفضل... ولم يلقَوا عدوّاً؛ والانتداب أن يبعثك أحدٌ أو يدعوك إلى أمر فتجيبه بعد أن يتكفّل لك بكل احتياجاتك في سبيل تحقيقه.
8. فحرّضوا المؤمنين على القتال أيها الدعاة ما دامت الحرب قائمة، ودَعُوا نقد المعركة والتسميع بالمآخذ عليها، فهم عارفون بما يجري، وهم بين أهلهم وقومهم، ومصابُهم واحدٌ، ولو علِموا سبيلاً ناجعاً مستديماً للتخفيف عنهم لسلكوه ولم يتردّدوا... ولا تُوهِنوهم بمشاعر الضعف فيكم .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

18 Nov, 12:15


مذاقات العزّة!
1. إذا أعزّ الله قوماً أمدّهم بقوة نفسيّة عجيبة تجعلهم أكثر تحمُّلاً، وأشدّ حَملةً، وأكثر قدرة على كسر دائرة اليأس، ومنع تغوّل الإحباط، واعتراض دوافع الخوف والتردد، ونبذ المُوهِنات.
2. وللعزّة مدخلان: أحدهما مدخل كَسْبيّ يكون بالقوة وبالكثرة وبالمال وبالجاه وبالنفوذ، وقد يكون بتراكم الحضارة ووفرة العلم والثقافة... ؛ وهناك مدخل وَهْبيّ يستثني الله به طائفةً من عباده المستحِقِّين لبركته تخصيصاً يحصّنهم به، ويمنع عنهم الهوان والفناء، ويمنحهم به القدرة على البعث والنهوض والتجدّد وإعادة البناء، وإن الله ذي العزّة والجبروت يجدّد لنا في نعمة إعزازه لنا كي نظل أقوياء.
3. ومن شعائر العزة عند أهل الثغر أنهم لا يثقون إلا بربهم، ولا يرجون إلّا هو، ولا يطرقون إلا بابه، ولا يتوكلون إلا عليه، وكأنّهم يغرفون من بحر عزّته التي لا تُرام.
4. والعزّة عندهم ليست موسماً يصطادون فيه أو يجتنون فيه الفرص بل هو صفة قامت فيهم وتلبّستهم وتَحَلَّتْ بحِلْيتهم، وكأنّهم يكونون مع سيدنا عثمان بن عفّان في مجلسه، فإذا أراد القيام قال: العزّة لله، فيقوم سُمّارُه الكرام.
5. وهم أهل وضوح وصرامة لا يساومون في إظهار العزّة لأجل حماية الحوزة، ولا يتواعدون إلا في الأَمام، وإذا انتظروا فإنهم يتركون لك دليلاً يؤشّر عليهم في الصعود إلى الأمام؛ وفيهم شَكيمة وأنَفة وعُجبٌ محسودٌ محبوبٌ.
6. ومن شعائرهم الزهد والرضا فلا يحملون في جيوبهم حجارةً من أعلاق الدنيا تغطّسهم عندما يسبحون في مواجهة التيار .
7. ودموعهم في الملحمة المستعِرة عزيزة فلا بكاء بينهم ولا عويل، ويَتعزّون بعمل متصل، وسعي دؤوب، ومسارعة في غير تباطؤ، ولملمة للجراح والتعالي عليها.
8. ومن شعائر عزتهم أنهم لا يشتغلون بالصغائر ولا يستديرون للتفاصيل العابرة، بل يشقّون الطريق شقّاً سريعاً أو يقتحمونه، ويتركون مهمة التمشيط والارتكاز لمن يَليهم، ويبني على مبادرتهم.
9. ومن عجائبهم أن أجسادهم تموت في المعركة لكنّ عزّتهم القائمة فيها لا تفنى، إذ تراها ترجع إلى أصحابها في خُيَلاءٍ جميل، وتظلّ ساكنة في ذكريات إخوانهم الذين يأتون بعدهم كأنها كلام الملائكة.
10. وأعداؤنا الأوغاد يعلمون ما زرعه الله فينا من عزّة فتراهم لا يكفّون عن محاولات كسر إرادتنا وثقب عزيمتنا وإطفاء معنوياتنا واختراق تماسكنا وتذويب صلابتنا واستعباد مجتمعنا وإخضاع حاضنتنا، وهم يضربوننا بأقصى ما يستطيعون، وأعنف ما يملكون لتحقيق ذلك فينا.
11. وأنّى ذلك منّا أهلَ العزّة، فإنّ لها فينا سَكرة إذا تشرّبتَها فلا تكاد تفيق منها من لذّة شرابها وحلاوة رَضاعها وراحة مفاعيلها، ولكننا لا نسرف فيها فلا تأخذنا إلى مغالاةٍ في غير سبيلها الأحكم، ولا نسمّي الأشياء بنقائضها إذا لم تتحقّق فينا معانيها؛ ولذلك ترانا شُمّ الأنوف لا تخضع رقابنا، ولا تَجْثُو رُكبُنا، فلا نعرف طعم هوان، ولا تحملنا أرجلُنا إلى سبيل مذلّة؛ وإذا خُيّرنا بين مقام العزّة والحياة في الذلّ فإن خيارنا هو الموت في عِزّة.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Nov, 10:10


تدبّرٌ في آية "وجعلنا لمهلكم موعداً"
{وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً}
1. إذا سأل المؤمن: متى نصرُ الله؟ فإن جوابه حاضرٌ: ألا إن نصر الله قريبٌ؟ فيطمئنّ قلبُه، ويكمل مسيرته حتى يجيئ الله بنصره وفتحه؛ ويسأل أيضاً: هل يكون هلاك هؤلاء القوم المعتدين مرتبطاً بانتصارنا عليهم وغلبتنا لهم؟
2. هنا لم يَعِدْنا الله بقرب هلاك هؤلاء المعتدين، بل أخبرَنا بثلاثة أمور في شأن ذلك: الأمر الأول يخبرنا تعالى فيه بعشرات الآيات أن سبب هلاك هؤلاء سيكون الظلم الذي يتصفون به ويمارسونه ويقوم بهم، وانظر معي إلى هذه الآيات: يقول ربّنا: (وهل يُهلَك إلا القوم الظالمون)، ويقول: (لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ)، ويقول: (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، ويقول: (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، ويقول: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)، ويقول: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ)، ويقول: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ)، ويقول: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ)، ويقول: (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)... .
3. ويعطينا الله سبحانه أوصافاً لهؤلاء الظالمين الذين كتب الله عليهم الهلاك: فمن أوصافهم أنهم مسرفون (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ)، وأنهم مجرمون (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، وأنهم فاسقون (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)..
4. والأمر الثاني أن إرادة الله سبحانه بهلاك الأقوام أو حياتهم يجعلها الله عن بيّنة واضحة لا لبس فيها ولا ريبة، فكل شيء سيكون واضحاً مدلَّلاً عليه (لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)؛ وحتى تتثبّت هذه البيّنة فإن الوقائع ستكبر وتنتشر، وسيستمر الأذى حتى تأتي مفاعيل الإرادة الإلهية وقضائها المبرم : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
5. وينبهنا الله سبحانه أن هؤلاء الظالمين سيمنحهم الله فرصاً كثيرة للتوبة والرجوع، وسيمْهَد لهم في طغيانهم وإسرافهم قبل أن يوقع عليهم الهلاك حين يأتي الوقت المعلوم (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ)؛ وسيرسل الله لهم النذر والبيانات تحقيقاً للعدل بين الجميع (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ)؛ وهذا الأمر الإلهي بإهلاك المشرفين المجرمين الفاسقين المترفين الظالمين سيتكرر حين يتكرر وقوع ذلك منهم (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Nov, 10:10


6. والأمر الثالث أن الله جعل لمهلك هؤلاء أجلاً وموعداً (وتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)؛ وتأمّل معيم الوجوه الثلاثة الصحيحة في قراءة "مهلككم" لدى قرائنا السبعة: فاللّفظ الأول "مَهلِكهم" اسم زمان يفيد أن لهلاكهم أجلاً سيَحلّ عليهم، واللفظ الثاني "مَهلَكهم" مصدر ميميّ بمعنى الهلاك، واللفظ الثالث "مُهلَكهم" مصدر ميمي من أهلك، واللفظان الأولان يفيدان معنى تحقق هلاكهم ذاتياً بتأطيرين زمانيين: فإن كان سؤالك عن زمان هلاكهم فجوابك أنه موعدٌ مفعول معلوم مقدّر عند ربك، وإن كان سؤالكَ عن حدوث هذا الهلاك فإنه واقع بهم في موعده وزمانه وأجله المحدد أيضاً؛ وأما اللفظ الثالث "مُهلَكهم" فهو مصدر ميميّ من "أهلك إهلاكاً"، وهذا يعني أن حدث الهلاك سيكون خارجياً يأتيهم بقوة غالبة تتعاقب عليهم و تُوصلهم إلى هلاكهم؛ وكأن القراءات تشير إلى اجتماع الأسباب الذاتية والخارجية لهلاكهم وإهلاكهم واستئصالهم وإفراغ قوتهم ونفوذهم وجوهرهم في داخل أرض الثغر وفي خارجها بسبب استدامة ظلمهم في أجلٍ ينهي علوّهم وعتوّهم، فلا يغرنّكم أو يحزننكم إمهال الله لهم، فإن وعد الله لا يتخلّف، وسنّته ماضية.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

15 Nov, 17:24


لقد تعبنا، فلا نحزن !
1. الحُزَن جبال غِلاظ، والحَزْن أرض مرتفعة غليظة خشنة، والحُزْن غلظة جافّة من الغمّ المركوم الكثيف يمسّ باطنك الطريّ فتجعله خشناً دامياً متشقّقاً كحُزون الأرض وخدودها المحفورة.
2. وكلنا اليومَ حزينٌ تلفّنا تعاسةٌ ظاهرة على وجوهنا وهياكلنا بين بقايا الركام وأحواض الخيام، فليس ثمة بيت ولا شارع ولا مسجد ولا أذان ولا جمعة ولا جماعة ولا مدرسة ولا حيّ ولا جيران ولا ذكريات تحتضنها الأمكنة.
3. ضغطٌ نفسيّ رهيب وتوتّر لا ينتهي، وصدمات ثقيلة تترى بلا انقطاع تزيد الضغط على أجسادنا المهدودة، لقد تعبنا حقّاً، وأصوات الزنانات لا تكف عن الصراخ المزعج والعويل الغليظ، ونحزن لأننا جميعاً مشردون، ومرضى، ومجروحون، ومكلومون، وتائهون، وجائعون، ونعيش في أحضان الموت...
4. لا ننام، فهذه الكوابيس في المنام واليقظة لا تفْتأ تَذْكر نا، أو لأنّ هذا البطن ممغوص دائماً متلبِّك لا يتوقف عن الاستعصاء والتجدُّل، أو أن البردَ يجمّد أطرافنا في الليالي السوداء، أو أن الجيران حولنا لا يكفّ صراخ أطفالهم وبكاؤهم على أحبابهم وألسنة حسراتهم، أو أصابتنا متلازمات القلب المكسور، و أن هذه العصابات التي تقتات على الكوارث باتت ترتع بين خيامنا الملتصقة أكثر من قبل!
5. لم نعد ننكر الكارثة، ولا نوهم أنفسنا بغير الواقع الذي نراه، ولا نحدث أنفسنا بأن كل شيء على ما يرام، فلسنا بخير، ألا ترى تلك الفجيعة في كل وجهٍ يراك أو تراه، ألا ترى القلوب مهشّمة كقلبك!
6. نحن غاضبون جدّاً الآن، وحسّاسون للغاية، ومزاجنا مخضوضٌ عَكِر، ولا نكفّ عن إلقاء اللوم على كل من تركنا وحدنا، وخذلنا في أمر لا يجوز فيه الخذلان، ولا ينبغي لشريف أو محترم، ونسرف على أنفسنا أحياناً، وقد نرمي اللوم على أنفسنا التي قادتنا إلى ما صرنا إليه، وقد نصرخ بوجع: لقد خسرنا كل شيء، معقول!
7. وصلنا إلى مرحلة كنا نستعد فيها أن نساوم على أي شيء لنخرج من هذه الحال التي أحاطت بنا، لكن شيئاً ما يقول لنا: لا تساوِم فأنت في الطين الآن، وهذه المساومة ستغرقك في أوحال الطين فحسب، فانتظر حتى تكون في الماء ولو كان غريقاً !
8. لا أدري إن كان الاكتئاب قد ضرب أوتاده بيننا، وحكم علينا بمناقشة فلسفة النهاية ووجوب العزلة وانتظار الموت، فثمة مجالسٌ هنا وهناك لا ترى فيها أوتاد هذا الاكتئاب المُحبِط، وما زال قومٌ يشربون شاياً حلواً، ويتسامرون، وكأنّ هامساً يطمئنهم، وأنهم في لذّة القتال التي تنسيهم شهوة التعلّق بحطام الدنيا.
9. ما حدَث قد حدَث، لقد مضى عامٌ وأشهرٌ، ربما أصبحنا أقوى الآن، ونفهم أن التحدي أصبح أكبر أيضاً، وقد ضاقت الفرص أو انفتحت على فضاء آخر لم نعرف مدخله بعدُ، ولكنْ لا مجال أمامك إلا أن تتقبّل هذا الواقع، وتواجهه، أو على الأقلّ قرِّرْ ألا تواصل الانغماس في هذا الحزن!
10. إياك أن تضع صدرك في دخان هذا الحزن، فحُزونة الأيام وغلظُها عليك تمسّ في حقيقة الأمر مساحات الزمن التي تعيشها فحسب، وهي لا تلبث أن تمرّ وتَعْبر وتُنسَى، ولا ينبغي لها أن تمتد إلى ما وراء الحاضر الذي تعيش فيه، فقد وقع وانتهى.
11. وتذكّر أنّك إذا أسرتَ هذا الحزنَ بين أسوار الرضا، واستحضرتَ أمر الله لك: (ولا تهِنوا ولا تحزنوا)، فستعرف معنى: (لا تحزن إن الله معنا).
12. أسباب الحزن لا تنتهي، وبحر الحزن لا ساحل له، والنجاة من بحر الحزن تكون في ركوب سفينة الرضا، وهناك ستسمع نداء السماء ألا تحزن، فقد جعل الله تحت مثال مريم الصديّقة الحزينة سَرِيّاً، وهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Nov, 09:38


ويا أهل الذكر!
1. كلّ مذكورٍ بعلمٍ تخصص فيه، وذُكر بتمكّنه واختصاصه بين أهله المعروفين به فإنه أهلٌ للنظر والفتوى في الأمر الذي تكاملت له المعطيات فيه، وتوفّرت لديه المعلومات عنه، وحضرت بين يديه الاجتهادات.
2. ولا ينبني نظر ولا رأي إلا بالاستناد إلى معطيات راجحة موثّقة من مصادرها المباشرة، وأمّا بذلُ الأحكام واستسهال إطلاقها استناداً إلى هوى متمكّن أو معلومات تذيعها دكاكين الإعلام أو خلاف قديم ما زال يؤثّر فيه فإن ذلك جهل يفضي إلى خيانة.
3. وأهلُ الذكر إنما ينظرون إلى الأحداث بعين الدليل، وإشارة الوحي، واتجاه النصّ، وفهم السياق ومطابقته على الواقع، ولا يتبعون هواهم الغالب ولا هواهم المغلوب، ولا يقعون في حفرة الظرف الشديد الذي يتمّكن من نفوسهم إذا ضاق الوسع، وقلّت الحيلة، وانضغط الحال.
4. وأهل الذكر ينظرون إلى الأمر بين أيديهم من كل جانب سواء كان مضيئاً أو مظلماً، ولا ينطلقون من زاوية واحدة في تنظيرهم، ولا يغلبون المفاسد على المصالح ولا المصالح على المفاسد إلا باجتهاد جماعيّ يحرّر الآراء ويرمم نواقصها.
5. وأهل الذكر يدركون أن أمر هذا الطوفان مختلف تماماً عن كل ما بحثوه من قبل، وأنّه نازلة شديدة قدَحت كل شرارات الوعي والفهم والإدراك، كما شحنت المشاعر والعواطف إلى الذُّرَى في كل اتجاه، وركّبت مسارات مستقبليّة غير متوقّعة، وغيّرت بيئة القضية وملابساتها إلى حدّ كبير، وهي كما فَرضت الكثير من التحديات فإنها منحت الكثير من الفرص، ولا ينبغي للاجتهاد الفقهيّ أن يتخلّف عن إدراك هذه التحولات الكبرى ويدخلها في مجال الاعتبار أثناء النظر.
6. ولا ينحبس أهل الذكر في دائرة الأحكام المسبقة التي اعتادوها أو قلّدوها ودرّسوها لتلاميذهم، ولا يقعون في خطيئة المرايا عندما يقررون أحكامهم متأثرين بخصومتهم مع من قاد هذا الطوفان أو كرهوه من تدابيرهم وسياستهم.
7. وأهل الذكر يراعون خصوصية الزمان وظرف الحال في تقدير الأحكام وتحديد أوزانها، ولا يكونون سبباً في تعقيد الحال، ولا يدعون إلى انفلاته، ولا يكونون فأساً يضرب ما تبقى من حصونه .
8. وأهل الذكر في أزمنة الشدّة وقوّة البأس وتحزّب الأعداء لا يجادلون في علم لا يُنتفع به، أو رأيٍ لا ينبني عليه عملٌ، ولا يفتحون مقالةً تصرف الناسَ عن أولوياتهم، وتردّهم عن واجباتهم، فكيف إذا كان ما صدَر عنهم يسرّب الريبة إلى أفئدة العامّة، ويزرع التهمة في أهل الولاية عليهم، ويحرّض الناسَ على الخروج عليهم وهم في ميدان الاشتباك واستعار المعركة، بل يدفع بالشك في نفوس المقاتلين فيظنّون السوء في جدوى معركتهم وعظيم جزائهم عند ربهم فيها؛ فضلاً عمّا ينتج عن ذلك من فضّ حشود المقبلين على الانخراط فيهم أو احتضانهم وكفاية أمرهم وسد الثغرات المفتوحة عليهم.
9. وحتى لو كان لكلامكم وجه من وجوه النظر والاعتبار فإنه بيان في غير ميقاته ولا في زمان الحاجة إليه، ولا يفيد في تقديم الأمر ولا تأخيره ولا في وقفه ولا ديمومته، وليس له نظر محترم في اعتبار الحرب وأدوار الأطراف المتصارعة فيه، فثمّة مقدمات تتأسّس كل يوم، واعتبارات تتجدد مع كل حدث، ومحطات تقوم في غير سِكّة، وما تظنونه صدراً اليوم يصبح ظَهراً غداً، وما يكون وجهاً عندكم يكون قدماً عندهم في التقدير، فاتقوا الله، ولا تَفْتنوا الميدان!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

07 Nov, 05:25


الماحُون!
1. قال لي: أراك شديد الثقة بما تحكيه للناس من تدبراتك في كتاب الله بما يخصّ واقعكم، وكأنّ المعنى قد وقع بكم أنتم وهو يعنيكم خاصّة، ألا ترى أنّك تتكلّف التأويل وتذهب بالآيات أحياناً إلى غير اتجاهها وغير محلّها؟
2. قلت له: كنتُ أضع هذا الاحتمالَ أوّل الأمر فلا أوسّع الاستنتاجَ، ثم رأيت مع كثرة التوافقات أنّ الله سبحانه بسط لنا كلامه وخاطَبنا به، وأمرنا أن نتدبره ونتفكر فيه، ونتبصّره ونعتبر به، ولهذا فإنّه يدعونا إلى الاقتراب من ظل هذه المعاني، واقتطاف ما نستطيع من ثمرات شجرتها الوارفة، وأنّ الواجب علينا أن نقرّبها منا لا أن نصرفها عنّا، ولاسيما ما كان على جهة الثبات والصبر وعظيم الأجر.
3. ثم أخبرته أنّ ما يزيدني ثقةً بذلك تظاهرُ الأدلّة، وتعاضدُ الآيات والأحاديث حتى رأيتُ أن أجعل في ذلك كتاباً حافلاً؛ ومن ذلك مثلاً أن أحد الأكابر ذكّرني مرة بحديث أبي هريرة كما في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه قال: (لا يجتمع كافرٌ وقاتلُه في النار أبداً)؛ وبما أن الكفر متحقق في أعدائنا الذين نقاتلهم وفق المقطوع به من أمر ديننا بلا شك، وأن حربنا هذه من أوضح الحروب وأكثرها تمايزاً في شدّة وضوح العدوّ وجلاءِ أمره الشرعيّ عندنا؛ وأنّ مَورِد هذا الحديث بمن قاتل هؤلاء وقتل منهم، فهذا يعني أن المقاتل منّا هو من أهل الجنة، بما أن المقتول على يده من أهل النار، وهما لا يجتمعان في هذه النار أبداً، ولا مساواة بينهما ولاسيما إذا استقام المقاتل على أمر الله وبقي على ذلك حتى يلقاه؛ ويؤيد ذلك حديث رسول الله: (ولا يجتمع على عبدٍ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنّم).
4. وقد وجدتُ هنا كلاماً بارعاً لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام فتأمّلْه مراراً، يقول: (إنما لم يَجمع اللهُ بين الكافر وقاتله في النار من جهة أنه محا كُفرَه من الأرض، ولا فرق بين أن يقتله مُغَرّراً أو غير مغرّر، فلو رماه من بُعدٍ مع أمنِه منه لم يجتمع معه في النار، إلا أنّ أجرَ المغرّر أتمّ؛ لأن الأجر على قدر النَّصَب)، والمغرّر هو المقتحِم للمهالك .
5. فهنيئاً لك أيها المقاتل المؤمن المسدَّد في ميدانك، فقد كتب الله لك مكانك حيث وضعك اللهُ، وجعلك من أسباب محو آثار كفر هؤلاء الملعونين، وتقليل خطرهم على أهل الأرض، وكسر موجة عتوّهم وعلوّهم الكبير.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

04 Nov, 16:10


أسوأ الجيران مَن إذا جُعتَ لم يطعمك، وإذا استغثتَ لم يُنجِدك، وإذا استنصرتَ لم ينصركَ، وإذا أُصِبتَ لم يحملكَ، وإذا مرضتَ لم يداوِك، وإذا متَ لم يكفّنك، وإذا حُمِلتَ لم يشيّعكَ، وإذا دُفنتَ لم يقف على قبركَ، ثم تراه يبتزّ أهلَك، ويسرق معونتك؛ ويتفنن في إذلالك، والمنّ عليك، ويرشّ الملح على جرحك النيء، ويغلق بابه دونك، ولا يبالي أن يفرح بمصابك، ويعين عليك... فهؤلاء لا يرون من الله إحساناً ولا كرماً يوم الدين، ولا يرون توفيقاً ولا بركة إلى يوم الدين!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

02 Nov, 17:49


ما أعجب فهمَك وأجلّ عقلك يا ابن عم رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنك، اسمعوا مقالته:
(أوّل ما تُغلَبون عليه من الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بأيديكم، ثم الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بألسنتكم، ثم الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بقلوبكم، فمَن لم يَعرف قلبُه المعروفَ، ويُنكِر قلبُه المنكرَ نُكِس فجعل أعلاه أسفله).
لقد قيدوا أيديهم، وقطعوا ألسنتهم، وغمسوا قلوبهم بالريبة، وسفهوا علينا، ولولا هذا الطوفان لكنّا معهم من المفتونين المغلوبين، فالحمد لله الذي نجّانا من القوم المنكوسين، وأخرجنا من نفاقهم!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

29 Oct, 15:21


وأنتم الأعلَون!
1. إننا يا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليك ما زلنا نسمع دعاءك يوم التفّ خالدٌ بجيشه على جندك يوم أُحُد: (اللّهمّ لا يَعْلُنَّ علينا، اللهمّ لا قُوَّةَ لنا إِلَّا بِكَ)!
2. وما زلنا نسمعك تقول لرماتنا: (إنّكم ستظهرون عليهم، فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمُرَكم)، فإننا ما زلنا على الجبل لم نبرحه يا سيّدي.
3. وإننا نعتقد أن الله اصطفانا لنكون من عباده الأعْلَين، وأن الله يهيّئ بنا أمّة الإسلام، ويفتح بثباتنا أمرها، ولهذا فإنّه لا ينبغي لنا أن نتوجّس خيفةً، مطمئنين إلى ما قاله ربُّنا لنا كما قال لنبيّه من قبلنا: (فأَوْجَسَ في نفسِه خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، فإن الأعلى لا ينبغي له أن يخاف حتى إنْ نازَلَهُ الخوفُ وأَطاف به، بل يقتحم ويَثبت ويصابر، لأنّ قوّة الله العليا قد قامت بنا مُذْ أوينا إلى ركنه الشديد.
4. العلوّ عظمةٌ وشرفٌ ورفعةٌ، وإذا كان العلوّ من الله لعباده فهذا يعني أن مَن منحه اللهُ صفة العلوّ ورزقه إياها وجعلها بعد ذلك اسماً له وشعاراً عليه فهو على المحل الأعظم من هذا كله؛ وهذا العلوّ لا يقتصر على الجانب المعنويّ العميق فحسب، بل إنه يكون في جانب ماديّ يعزّز قوة الشعور الذاتيّ به، وإحساس الآخرين بما أصاب هؤلاء الأعلين من عظمة وتشريف وتمييز.
5. ولأننا الأعلون فإننا نعلم أن الله سيُظهِرنا بعد طوفاننا هذا، ولن يَخرجَ لنا عسكرٌ بعده إلا بظفر وقهر وغلبة، وأنّ أمْرَنا بعد الطوفان هو غير أمرنا بعده، بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليلٍ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

25 Oct, 06:13


واجب الوقت في المنازَلة!
1. تتبدّل الأحكام وتتغيّر، وتتقدّم وتتأخّر، وتترتّب وتتنظّم وتتعلّق بأوقات لا يسعكم أبداً أن تتجاوزوها، أو تتراخوا في تقرير الأحكام الواجبة فيها، أو تفقدوا القدرة على التمييز بين العاجل والآجِل فيها، وبين الفرديّ والجماعي في تحديد المخاطَبين بها، وبين التكتيكي والاستراتيجي في تقدير خطورتها وأولويّتها.
2. وهذا المقام الذي نتحدث فيها ليس مقام الأفضلية، بل مقام المفروضيّة والواجبيّة والأولوية لأنه يتأسس على ظهور الواجب الشرعيّ وظهور قوة الاجتهاد المؤشِّر إليه.
3. ونحن نعلم أن الوقائع لا تنشئ الأحكام، وأنها ليست مصدراً لها، لكننا نعلم أن هذه الوقائع المزلزلة واجبة الاعتبار في تقريرها وتوجيهها والتكليف بها وتنزيلها بناء على تقدير المصالح المعتبرة ومواكبة وقائع الأحوال ومراعاة مآلاتها، ومراجعة عواقبها، ومناسبة أحكامها.
4. واجب الوقت اليوم ليس في استثمار تداعيات الطوفان التي تأخذ مدى مؤجّلاً في حصاد نتائجها وقطف ثمارها، كما يفعله بعضهم في زيادة الفعل الإعلامي، وتنشيط الحراك الدبلوماسي، والتوسّع في العلاقات العامة، وبناء المؤسسات الرديفة، وإقرار المنظومات الدراسية، واختبار المسارات القادمة واقتراح الإصلاح وافتعال المراجعات... على حساب الفعل الحقيقي المتعيّن في وقته.
5. واجب الوقت اليوم ليس في إثارة الخلافات، ولا الردود على المخالفات، ولا المناورة على الصوارف والمُشاغَلات، ولا معايرة النطائح والمتردّيات والموتى ومأكولي السِّباع... فإنه قد يكون جليلاً فاضلاً في معتاد ظهوره، لكنه مفضول لا يُنظر فيه عند استعلاء النوازل وهجوم التحدّي ومعركة الوجود وحماية الجذور من الاستئصال.
6. واجب الوقت الآن في إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وحمل السلاح، والانخراط في المعركة المباشرة، والالتحام والاشتباك حيث أمكن ذلك وأثَّر وغَيّر معطيات المعركة لصالح الأبرار المعتدَى عليهم.
7. واجب الوقت اليوم هو في طوفان المشاعر المشحونة ومحاصرة السياسات المحلية المتخاذلة وإرهاق الطبقة المتحكّمة المستكينة وإجبارها على رفع سقوفها.
8. واجب الوقت اليوم في الإسناد المباشر بكل ما يلزم ويعين وفق قائمة احتياجات مطلوبة، وليس اجتهادات افتراضيّة، ووفق خريطة عمل ودليل عمليات، وليس وفق تقدير الاحتمالات ومراعاة المسموحات والممنوعات.
9. واجب الوقت اليوم يفرض علينا أن نتجاوز المناقشة المفرطة في تقدير الحسابات والهروب من دفع الاستحقاقات والتزهيد في التضحيات ومنع الاجتهادات.
10. واجب الوقت اليوم في تأمين مسار الطوفان وحمايته وتأمينه وصيانته وشحنه وتعظيمه وفتح مساراته ليرسو على ميناء نظيف مستعد للانطلاق صوب المرحلة التالية، يجتمع في فهم ذلك أهلُ النظر وأرباب الحكمة وعيون المستشرِفين وعُشّاق السعادة.
11. الانخراط في واجب الوقت اليوم هو من أنفع الأعمال وأبركها لأنها أصعبها وأشقّها وأكثرها تعدّداً في وجوه المصلحة وأكثرها وضوحاً في الوجوب واستحقاق الأجر واعتبار الجدارة واستحقاق الأهليّة.
12. إذا كنتَ صاحياً واعياً الآن فإن الواجب قد تعلّق برقبتك، فرتِّب ساعاتك مرحلةً وراء مرحلة، فلا ترف في الوقت الآن، ولا سعة فيه للتجوّل.
13. واحذر أن تشقّ الصفّ بأن تنخرط في معركة جانبيّة، فإنّك إن لم تجد حولك من يتبنّاك فاحمِلْ نفسَك وخذها سُيوحاً إلى الله مع من تثق، وافتح جبهتك حيث أنتَ، وصوِّبْ نحو العدوّ فحسب، ولا تشتِّت الهدف بافتراض أعداء فرعيين أو هامشيين.
14. وتذكروا دائماً كلام سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: (ما من امرئٍ يخذُلُ امرَأً مسلماً في موضعِ تُنتهَكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرْضِه، إلا خذلَه الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ، وما من امرئٍ ينصُرُ مسلِماً في موضعٍ يُنْتَقَصُ فيه مِن عِرْضِه، ويُنتهَكُ فيهِ من حُرمتِه إلا نصرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه) .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

20 Oct, 12:28


ومنّا صاحب العصا!
• قال: أَوَفِيكم مَن يُتمدّح بعصاه في زمانكم؟ فقصصتُ له خبر صاحبنا في لأْمة حربه، ولثام وجهه، وأخبرته عن سنّه الصارم الذي له أوارٌ يُبارز به، وأنّ عصاه لم تكن بيمينه ساعةَ لقائه، إذ إنّ أكْحلَ ذراعِه التي يبارز بها قد قُطِع، فتوكّأ عليها ليقعد على أريكةٍ من غبار المعارك.
• وأخبرتُه أنّ عصاه لم تكن مِخْصَرةً ولا عُدّةَ خطيبٍ، وأنّه لم يهشّ بها على غنمٍ، وإنما هشّ بها على سلاح طائر ينقضّ بأنيابه على كل من يبصره، فاستجمَعَ آخرَ قوّتِه بعد النزيف، وحذَف بشِماله عصاه العَجْراءَ صوب جناحِ الوحش الزنّان المُسيّر لَعلّها تكسره، فشاء الله ألا تصيبه لتلتقط لنا عينُ السلاح مبارزةَ آخِر القادة المحترمين في زماننا.
• قال الحكيم: أحسبُ أنّ العصا جاءتْه كرامةً لتَلقَف ما يأفِكون! ثم نظر إليّ، وقال: ألَا تعلم أنّ للشهداء أجرَهم ونورَهم ! فأمّا أجرُهم فهو تامّ عظيمٌ لا يُعلَم مقدارُه يوفّى إليهم غيرَ منقوص، وأمّا النور فثمّة نورٌ في الآخرة يمدّ لهم ويسعى بين أيديهم، وثمّة نورٌ في الدنيا يَدلّ عليهم، ويَستبين بعلاماته الشاهدة سبيلُ الصدّيقين، ويكشف بظهوره الذائع للسائرين سبيلَ السعداء المهتدين، فسلامٌ عليه، وسلامٌ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Oct, 06:09


كنّا إذا تبارَينا في مكاسرة العيون حدَقت كلُّ عينٍ إلى العين التي تقابلها، فمَن أغمض عينَه خرج من الحرب، ومَن رفّ جفنه أو رمشه خسر المبارزة، واستأنف المكاسرة... ونحن قوم لا يرفّ لنا جفنٌ!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Oct, 08:23


النفقة الفاصلة!
1. العدوّ يريدها الآن معركته الفاصلة الأخيرة، وقيامته المنتظرة، ورجال الله في الميدان ماضون في حرب استنزافٍ بكل ما تبقّى لهم من إعداد في خضمّ هذا الخذلان المستطير، ووصيّتهم الوحيدة أن تقوموا بأمر أهلهم فإن كلّ ما يصلهم من خيركم لا يغطي حدّ الاحتياج العاجل، وكل نفقة الآن ليست مثل أي نفقة سابقة.
2. وهنا موضع الحديث (من أنْفَقَ نفقةً فاضِلةً في سبيل اللّه فبِسَبْعمِائة)، وفضلُ النفقة هنا يكون في تميّز محلها وحُسن موقعها وجلال زمانها، كما يكون أيضاً في المال الفاضل عن الحقوق المعجّلة، فلا يضارّ فيها صاحب حقّ من والدٍ أو ولدٍ أو ذوي النفقة الواجبة، وظنّي أن ردّ هذا العدوان الكبير وكسر موجته العاتية والدفاع عن أهل هذه الأرض الثائرة بات في حكم وجوب النفقة.
3. وثمّة وجهٌ في قراءة الحديث لا تجده إلا في كتب اللغة يجعل الضاد المعجمة في " نفقة فاضلة" بالصاد المهملة (من أنْفَقَ نَفَقَةً فاصِلَةً في سبيل اللّه فبسَبْعمائة)، ولهذه الرواية اتجاهٌ في المعنى له أصلٌ متينٌ في الفهم والنظر والميقات، فإن محل هذه النفقة في هذا الطوفان فيصلٌ بين الحق والباطل، أو بين الإيمان والكفر، وبين الوجود والعدم، وبين الاعتبار والإهمال، وبين النصرة والخذلان، وبين الجدارة والحقارة.
4. إنها النفقة الفاصلة اليوم، وهي الأشد وجوباً، والأعظمُ حاجةً، والأعجلُ نداءً، والأبلغُ استغاثةً، والأمضَى سلاحاً، والأعلى أجراً في حساب الله سبحانه لأنها (بسبعمائة)؛ فمَن أدّاها اليوم فهو بَدْريُّ زماننا، ولا يضرّه ما فعل بعد اليوم، إذ إن ما فعله يعني أنه في ولاية الله الأعلى.
5. وإذا خُتمت هذه الحرب، ولا اعتبار لكم في جُندها فهي الخسارة الفادحة، والعار المتصل، والذلّة القائمة، ولا عزاء للجبناء.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Oct, 08:22


يا أمّ موسى!
1. أترون كم هو فؤادُ الأمّ مشحونٌ بالعواطف العميقة، ومسكون بالغرائز الأصليّة النفسيّة القويّة! وترونَ إذا أصابه الفراغ الصِّفريّ نتيجة صدمة عظيمة أو صدمات ثقيلة متتابعة مستديمة أنّ هذا يعني أن كل هذه العواطف والغرائز الأصليّة قد ذهبت وراء شيء عظيم يشغل بالها، ويطرد سكونها، فلا يظهر على فؤادها من الخارج إلا ستائر الهمّ، ولا يخرج منها إلا أدخنة الحزن على فراق وليدها الرضيع الذي لا حول له ولا قوّة ولا إرادة.
2. كان همّ أم موسى يزيد أكثر بفراغ القدرة على التدبير، والعجز عن الحيلة، واشتدّ الواردُ على هذا القلب المفجوع المتصدِّع من احتمال وقوع الطفل بيد ذابحيه، وهاجَ قلبُها عندما هجمت عليها أوّلَ الأمر أفكارُها النفسيّة الطبيعيّة التي تتهمها بقتل وليدها وإغراقه إذا ألقته في اليمّ، ووضعتْ مصيره أمام مجهولٍ خطير لن يكون أقلّه أن يغرق ولدُها أو تفقده إلى الأبد، وكثيراً ما يتحوّل الوارد الشديد على القلب إلى تجميد مشاعره وإطفاء شرارته وإبطال عمله.
3. كانت أم موسى تتلقّى وحياً صادقاً مُقْنِعاً لا يتلقّاه إلا الأولياء المقرّبون، وكان الوحي أشدّ ولوجاً على قلبها واطمئناناً به من أي مشاعر قوية مختزنة في فطرة قلبها، وعندما أتاها هذا الخاطر القويّ والحبل المتين من هذا الوحي يأمرها ألا تخاف وألا تحزن، لأن مصير صغيرها لن يكون بنجاته من القتل والغرق فحسب بل سيكون إماماً مرسَلاً، وفوق ذلك هديّة غالية معجّلة بأن الله سيردّ إليها صغيرها، وسيعود إلى صدرها راضعاً من حنانها ولَبانها، وستأنس بقربه مع أمانٍ لحياته وضمانٍ لمستقبله.
4. لقد ربط الله على قلبها الجازِع الفارغ بإفراغ الصبر فيه، فلم تَخَفْ لأن الخائفَ عاجزٌ جبان، ولم تحزن لأن الحزين لا يصبر، وليس فيه عزيمة ولا إرادة؛ وجعل الله لقلبها رباطاً تشدّ به عواطفها، وتُوجّهها بالصبر نحو المقاصد والغايات، فلم تنكشف عواطف الأمومة وتَذيع شفقةً أو وَجْداً عندما رأت تابوت وليدها يبتعد عنها في الماء وتتقاذفه تيارات الماء، ولم تنفعل عندما أعلنوا أن هذا الصغير هو ابن فرعون، ولم تخبر أحداً أنه ابنها هي، وأنها أمّه دون غيرها، وانظر إلى هذا التعبير القرآني العجيب (إن كادت لتبدي به) ولم يقل "تبديه" لأن الإظهار والإبداء هنا ليس معرفة هذا الخبر فحسب بل يتضمن معنى الإشاعة والإخبار.
5. وثمرةُ هذا الربط على القلب أن يكون المرء مؤمناً مصدّقاً، فإن الإيمان يريح القلب، ويصرفه عن الهواجس والمخاوف وطوارئ الانفعال، ويثبت قلبه ويقوّيه، وينقله إلى سماء اليقين فلا يتزعزع التزامه بقضيته مهما أصابه من القوارع والكوارث التي تفرغ القلوب وتذهل النفوس.
6. يا أمّي تحت الويل والنار! إنّه مع اشتداد الكارثة عليكِ وانعدام الحيلة أمامكِ فإن أقوى ما نعالج به أنفسنا هو في ربط أنفسنا بالله ربطاً كلّياً نَخرج به من حولنا وقوّتنا، ونفرغ قلوبنا تماماً من أي خوف أو حزن، ونمسك بهذا الحبل المتين الوحيد، ونعلّق أنفسنا بأسباب السماء، ونترقّى بهذا الحبل إلى أعلى مع كل ضائقة ومصيبة بالصبر الجميل والحمد المتصل والرضا الكامل والتوكل الحقّ، وتظل عيوننا مفتوحة إلى السماء، ولا نخفضها إلى ظلم الأرض وجور أهلها وخذلان الأقربين فيها.
وكتب الله لك اللطف والسلامة
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

07 Oct, 07:19


تدبُّر في معاني (لن يضروكم إلا أذى)
1. كان مذاق هذا اليوم السابع فاخراً لم يذقه الناس من قبلُ، وهو طعامٌ عجيب غذّى الروح، وشَحَنَها بالاندفاع، وغَمَرها بالثقة، وقلَب المشهدَ، وغيّر المدى، ولكنّ بعض آثاره الظاهرة في الميدان الاجتماعي العام كان فيها مرارة فاجعة، وحزن عميق، وغضب نازف، وتيه لا دليل فيه، وشعور جارف باليتم والخذلان، وقد حلّ البلاء والدمار والفقد والنقصان بكل ما حولهم ؛ ولولا أنّ الله يلقي على عباده بعضاً من رحمته، ويكرر عليهم شواهد من دلائل نصره القادم ليخفف عنهم شدّة المصاب لكان الحال أشبه بجائحة نفسيّة جماعيّة مجنونة لا يشفى أحدٌ من عقدتها.
2. ولا شك أن في هذا الطوفان الكبير أذىً قد جرى الإخبار القرآنيّ بأشباهه والتنبيه عليه والحثّ على الاستعداد له وتحمّل عواقبه، وهذا لا يعني أن هذا الطوفان أذى في الاستنتاج البارد، فإن النصيحة يكون فيها أذى، لذلك كانوا يوجّهوننا كيف نقلّل اتجاه الفضيحة في النصيحة، ونَزِنُها ميزانَها؛ كما أن في السفر أذى للمشقّة فيه وانقطاعه عن الأهل والأحباب ومألوف العادات.
3. وقد كنتُ أتحدّث لإخواني أنّنا كنا نرى كتب التفسير تذهب إلى أن الأذى في قوله تعالى: (لن يضروكم إلا أذى) هو المكروه اليسير والشرّ الخفيف، حيث نظروا إلى سياق بعض الآيات فاستنتجوا هذا، فطالَعوا هذا: (إن كان بكم أذى من مطر)، وهذا (أو به أذى من رأسه)... فذهبوا هذا المذهب.
4. وفاتَهم أن الأذى هنا ناتجٌة من النواتج، وضرر مقدّر بقدره، وهو يوزَن بالقدر الذي يكون عليه في كل سياق أو قضيّة، لأنّ حقيقته هو في النواتج السلبية من تداعيات الأمر، وردود الفعل عليه، وتغذيته الراجعة.
5. ولأنّه ناتجةٌ وأثرٌ فإن أثره يتوزع معناه في اتجاهات عدّة نحو التقذُّر والوجع والاستقباح والرهق والإزعاج والملل واستمرار القلق والكآبة والحزن وعدم الانتفاع والإهانة والانكسار والهمّ والغمّ ...
6. وهذا الأذى في أصل الوضع اللغوي قد يتجه صوب الضرر الخفيف كالشعور الذي يصيبك من الحر الشديد أو البرد الشديد، إذ أوّلوا الأذَى بأنّه شِبْه البَعُوض الذي يأتي عقب المطر يَغْشَى الْوَجْه ولا يَعَضُّ؛ وقد يتجه صوب الضرر الشديد كالآذِيّ الذي هو موج البحر الشديد المتلاطم الذي يمكنه قلب السفينة وتكسير الشواطئ واجتياحها؛ وقد يكون هذا الأذى على مدى متطاول، ومنه الناقة الأَذِيَة التي تراها في حركة دائمة لا تكاد تستقر، وكأنّ بها وجعاً أو أذى مخلوقاً معها فتظل في قلق متصل واضطراب غير منقطع.
7. والتهوين في الآية (لن يضروكم إلا أذى) ليس مادياً خفيفاً أو نفسيّاً عابراً كما فهمه بعضهم بعد أن استقر لديهم أن الأذى هو المكروه اليسير، فجعلوا الضرّ يتضمّن دلالات القتل والأسر والإعاقة المستديمة، وجعلوا الأذى يتضمّن ما هو أقلّ منه كالطعن والجراحة والإذلال والتهديد والحملة الإعلامية والتشويه والدسائس والمؤامرات الشاغلة... بل إن زاوية التفريق بين الضر والأذى تتعلق بالتداعيات والآثار، فإن الضرر هو الفعل الشرير كبيراً كان أو صغيراً، والأذى هو ناتج هذا الضر صغيراً كان أو كبيراً.
8. وهذه الآية لم تكن في فهمي تهويناً للضرر الذي سينشأ عن ملاقاة هؤلاء الأوغاد الفاسقين، بل إنه تأكيد لنظرة واقعيّة بأن هذا الضرر سيكون له مستوى من الأذى يكافئ الضرر الموجود فيه وقد يخرج عن حدّه، ومن المفهوم أن الضرر إذا كان متصلاً طويل الأمد فإن الأذى الناتج عنه سيكون مصاحباً له حتى يرتفع الضرر المباشر ويتوقف، وعند ذلك يذوب الشعور بهذا الأذى لشدة اعتياد العظائم فيه بكثرة تكرارها، وهو ما يعني تخليق جيلٍ مسبوك بالنار والثأر المحتدِم وإرادة التضحية وشعائر الثبات وحلول القيم الراسخة.
9. لذلك أمرنا الله دائماً بالصبر والمصابرة واستدامة الثبات والتواصي بذلك واستشعار معيّـته دائماً، وإذا حققنا الاستجابة لأمر الله فقد استحققنا موعوده القدَريّ بأنّ هؤلاء الأوغاد سيولّون الأدبار، وستُضرَب عليهم الذلة والمسكنة، وسينقطع عنهم حبل الناس كما انقطع عنهم حبل الله، وسيبوؤون بغضب منه، ومَن غضب الله عليه قهَرَه، وأذلّه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

03 Oct, 06:38


استدامة الثبات باستعادته
1. أظهرُ معاني الثبات تكون عند اللقاء والاشتباك، ولكن ثمّة مظهراً آخر يخفى على الناس نتيجة طول العهد أو الغفلة، وهو مظهر الاستدامة على هذا الثبات.
2. وهذه الاستدامة ليست واجبةً على أهل اللقاء فحسب، وإنما وجوبها يتصل أيضاً بالبيئة الحاضنة المؤيّدة لأهل الثغر التي قد يصيبها التردد والضعف لما يظنونه من تأخّر النصر في حساباتهم، واستعجال الظفر المادّي.
3. إنّك عندما تكون مسانِداً ناصراً للحقّ في أول الأمر فإن هذا لا يعفيك من لزوم هذا الإسناد حتى أداء الأمر وظهور عاقبته، فاستدامة الثبات في مواقفنا وإسنادنا وإعلامنا ودعائنا ونشاطنا قضيّة حيوية ملحّة، ضروريّة البقاء، لا تستوي نهايات الأمور إلا بوجودها.
4. وهذا يجعلنا أمام مسؤوليّة شديدة الوجوب بأن نعيد التأطير لهذا الثبات، ونجدّد الضخّ فيه بموارد الحياة ودواعي القوّة، ونفتتح له المبادرات الأحسن، ونمكّن الوسائل الأنجح، ونبتدع وسائل أخرى لتمديد الإسناد وزيادة فاعليته.
5. إن التقصير في مواقف الثبات وحرمانها من الاستدامة انتكاسة تعيد الأمور إلى بداياتها الصعبة، وتعقّد قدرات التطور التي كانت بحاجة إلى المتابعة والمواكبة وليس إلى الترك والغفلة .
6. هذه الحاجة إلى الاستدامة تتطلّب الآن من مفكّري التنمية وصنّاع المبادرات أن يصوغوا لنا الأطر التي ينبغي للأنصار أن يتحركوا فيها، وتتطلب من ذوي الأهليّة للإسناد والتمويل والصناعة والإنتاج أن يضعوا فيها مجدداً قدراتهم الاستثماريّة، وأن يعْمروها أكثر مما عمَروها أول مرّة، وأن يعيدوا إثارة أرضها وقدراتها، وأن يكونا أكثر قوّةً فيها، وأن يستديموا الثبات في موقفهم الناصع الأوّل، وألّا يتركوا الزمام.
7. تأمّل قول سيّدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وتدبَّره ثانية، وستعرف معنى الاستدامة والثبات فيها حتى آخر لحظة: (إن قامت السّاعةُ وبيد أحدكم فَسِيلة، فإن استطاع أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعلْ).
8. وتذكّر دائماً توجيهه الواضح: (مَن كان معه فضلُ ظهرٍ فلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زادٍ فليعدْ به على من لا زاد له) فهذا محلّه الأوجبُ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

02 Oct, 05:18


لماذا نبتهج بزينة السماء!
قد تكون أثخنتْ في العدوّ أو لم تستطع ذلك، وإن كنّا نعرف أن العدو لا يكشف عن خسائره إلا بما يخدم أهدافه وينتظم في سياساته، وعلى كل حال فإن قيمتها في الجرأة عليها، والاستعداد لتحمّل تبعاتها، وتزداد قيمتها أكثر بتكرارها، ودفع البيئة المحيطة إلى كشف أوراقها، وكثيراً ما كنّا نقول لذوي الرأي إننا نحتاج إلى أمثالها لأنّها:
1. تغيّر اتجاهات الاشتباك، وتحوّل مربّعات الهدوء الراكدة إلى دوائر موجيّة نشطة!
2. وهي تزيد مساحة الفعل وتشجّع عليه، وتبحث عن امتدادات جديدة في ساحات الاشتباك!
3. وهي تعقّد حسابات العدوّ، وتشتّته، وتزيد من إنفاقه، وترفع سقوف توقعاته!
4. وهي تقلقه، وتشعره دائماً بعدم الأمان، وأنّ كل شيء يمكن أن يتغير!
5. وهي تُقلق مجتمعه المركّب المصنوع، وتجعل دِعامة الرفاه والاستقرار تنهار في الوعي الجمعيّ لمجتمع العدوّ.
6. وهي تبعث برسائل قويّة إلى العقل المفتوح لدى حلفاء العدوّ الأقربين بأنّ هؤلاء عبء عليكم وعلينا، وأن مصالحكم الحقيقية ليست معهم، وأن العلاقة بهم لا تزيدكم إلا أزمةً وبُعداً.
7. وهي في الأساس تدلّ الساعين على إمكانية الفعل واتساعه مهما ضاق الواقع، وأن الله يَجبُر عبادَه، ويخفّف عنهم، ويزيدهم ثقة بإمكانيّة النصر!
8. والشعار في هذا كله: لا ينبغي للعدوّ أن يرتاح لحظة، وعليه أن يخاف دائماً!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

01 Oct, 05:42


وسيذهب كيدُهم!
1. ظنّك بالله تعالى ليس رأياً خاضعاً للمراجعة أو المساومة أو التعديل، وليس صفقة تحاول التربّح بها، إنما هي عقد وثيق، وعهد أكيد، وبيعة لا نكث فيها، فنحن لا نعبد الله على حرف نطمئنّ إذا أصابنا الخيرُ منه، وننقلب إذا فُتِنّا، فهذه تجارة لا تكون مع الله، ويخسر المرء فيها دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين.
2. وعندما نظنّ أن الله سينصرنا ويبلّغنا ما نرجوه ويرزقنا عاقبة حسن ظننا به فإن ظنّنا هذا ظن علمٍ ويقين، وليس ظنّ شكّ وتردّد، ونعتقد دائماً أنّه: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
3. ومن شكّ في ذلك أو أتته الخواطر المشوّشة نتيجة تعالي الباطِل واستطالة الشرّ وبلوغ الاستيئاس مبلَغه فإن ظنّه هذا كيدٌ من فعل الشيطان يحتال به علينا لينتزع منا شدّة يقيننا بالله سبحانه.
4. وأمّا مَن تمّكنتْ منه هذا الخواطر الصارفة، واجتالته الشياطين الناعقة فاصطفّ إلى فئة الارتكاس وظنِّ السوء فعليه أن يختبر كيدَه الذي بات فِعلاً قائماً به بأعلى ما يُتصوّر من دلائل تمييزيّة قاطعة بأنْ يمدّ بسببٍ قويّ طويل إلى أعلى سقف يصل إليه ليرى منه ما يظنّه، وسيرى من المشهد العالي ما يجلب له الخسارة النفسيّة التي ستحلّ به عندما يتيقن أن فعله الكيديّ لن يشفي غيظَه، وسينخنق بحبله الذي أوصله إلى هذا السقف، وسيخسر الخسران المبين.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

24 Sep, 11:54


درسٌ من الأمير معاوية:
في ذروة الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب خليفة المسلمين رضي الله عنه وأمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نتعلّم من موقفٍ عظيم رسمه معاوية، إذ تسببت الفتنة في توقف الفتوحات، وتجرّؤ الأعداء المتربّصين، فهدّد معاوية القيصرَ أنّه سيسلّم القيادة إلى غريمه، ويكون معه في حربهما عليه لأنه عدوهما المشترك، يقول الخبر :
عندما بلغَ معاويةَ أَن قيصر الرّوم قسطنطين الثاني يُرِيد أَن يغزو الشام أَيَّام فتنة صِفّين سنة 37 هـ فَكتب إليه يحلف بِاللَّه:
لَئِن تممت على ما بَلغني من عزمك لأصالحنّ صَاحِبي (يقصد عليّاً)، ولأكوننّ مقدِّمته إِلَيْك، فلأجعلنّ الْقُسْطَنْطِينِيَّة البخراء حممة سَوْدَاء، ولأنتزعنك من الْملك انتزاع الإصْطَفْلِينة، ولأَرُدَنَّك إريساً من الأرارسة ترعى الدوابل.
معاني الكلمات:
• الإصطفلينة: الجزرة
• الإريس: الفلّاح
• الدوابل: صغار الخنازير والحمير ( وإنما خصّ الصغارَ لأن راعيها أوضعُ من راعي الكبار).
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

22 Sep, 04:16


ميزان الشماتة!
سألني بعض الفضلاء عن موجة الشماتة التي تجتاح وسائط التواصل في هذه الأيام وكيف ينبغي التعامل معها وتقدير الحال فيها، فكتبتُ له:
1. الشماتة أن يفرح المرء ببليّة تصيب فرداً أو جماعة؛ وهذا الخلق موقفٌ فيه توحّشٌ نفسيٌّ في أصله، والنظر إليه يكون باعتبار أركانه وجهاته، فقد يكون خلقاً بغيضاً مكروهاً، وقد يكون مطلوباً مرغوباً، وقد يكون متردداً إذا داخلته الفتنة واختلف فيه تقدير المصلحة.
2. فالشماتة في وجهٍ هي بغْيٌ وعدوان قوليّ على أعراض المسلمين وخصوصياتهم وأمنهم الاجتماعي؛ وهي ناتج من نواتج البغضاء أو الحسد ؛ وهي لؤمٌ في أصل الطبع والتركيب النفسي ؛ لذلك فإن أكثر من يستخدمها هم الأعداء في الحروب المستعرة ؛ وهو ما رأيناه من استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء، فشماتة الأعداء مما ينكأ القلب وتبلغ به النفس أشد مبلغ؛ وقد قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام : " ولا تشمت بي الأعداء " أي لا تفرحهم بما تصيبني به ؛ والعدو هو كل من ساءه ما يفرحكَ أو أفرحه ما يصيبك من شر .
3. ولك أن تتخيّل أن تصيب إنساناً مصيبة تكسره فيفرح لها هذا الشخص؛ أو يراه واقعاً في ذنب عظيم فيفرح لوقوعه فيه ؛ ولذلك قرر العلماء أن الشماتة بمصائب المسلمين من كبائر الذنوب الموجبة لتوبة صادقة، بل إن بعضهم جعل الفرحَ المجهور به بالمصائب العظيمة أو الكوارث الكبيرة التي تلحق بالمسلمين في الجملة أو الخصوص من أنواع الكفر المخرج من الملة لأن ذلك يعطي الدليل على تمكّن الكراهية في نفسه من أهل الإسلام، ولا تكون نفسٌ بهذا الشعور إلا نفساً منافِقة؛ وذلك مثل الفرح بالكوارث التي تصيب المسلمين في ديارات المسلمين وما أكثرها.
4. وقد جاء النهي واضحاً وصريحاً عن الشماتة بمصائب المسلمين بدليل ما أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» ؛ وفي رواية للترمذي مرفوعا : [ من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ] . قال الإمام أحمد في تفسير الذنب إنه الذنب الذي قد تاب منه .
5. لكن للشماتة وجهاً آخر تكون فيه مباحة بل ومأموراً بها أيضاً كالشماتة بمصيبة الغادر والظالم والعدو المتجبّر؛ فإن الشماتة بهم تشفي صدور المظلومين والضحايا؛ وتعطي العبرة لمن يقع في أعراض الناس ويؤذي مشاعرهم بلا مبرر ؛ وقديماً قالوا : إن لكل عاثر راحماً إلا الغادر، فإن القلوب مجمعة على الشماتة بمصرعه ؛ ولذلك أَفْتَى سلطان العلماء العزّ ابن عبد السلام أنّه لا مَلام بالفرح بموت العدوّ ومن حيث انقطاعُ شرّه عنه وكفايةُ ضرره؛ بل تكون الشماتة مأموراً بها إذا لم يقدر المرء على إنكار المنكر الجليّ بيده أو لسانه المؤثر المسموع له ؛ وتكون واجبة أيضاً عند الدفاع عن أعراض المسلمين كما فعل حسان بن ثابت بالشماتة من قتلى قريش وساداتها يوم بدر في أشعاره الكاوية ؛ لما في ذلك من إغاظة الأعداء وإحراق نفوسهم ؛ ولهذا كله ذكر الله فرح المؤمنين بنصر الله رغم أن في إظهار هذا الفرح شماتة بالمهزوم المنكسر .
إن المصائبَ تنتهي أوقاتُها *** وشماتةُ الأعداءِ بالمرصادِ
6. وهذه الشماتة الواجبة أو المستحبّة ليست مفتوحة، بل هي مقدرة بقدرها لأن الشماتة هي تنفيس علاجيّ يرمم النفوس المقهورة، ويستعيد الشعور بجرحها فلا يتعاطى مع أسبابها، وهي ليست أداة ووسيلة للتغيير أو الإصلاح، لأنّ مركب المقت والحقد فيها ينطوي على تعديلات نفسية خطيرة تبيح للمرء أن يقهر ويظلم ويتجاوز ويستحلّ ويعم بالشر تحت تبرير نفسيّ قويّ؛ كما أن الانفتاح فيها قد يؤدي إلى خلل التوازن في تقدير الأشياء ووزنها لاسيما في الخطوب الكبيرة التي تختلط فيها الأشياء الصالحة والطالحة، وتتعقد فيها الخطوط القريبة والبعيدة، وتتداخل فيها المصالح والمفاسد.
7. ولهذا ننصح ذوي الرأي المعتبر في سلّم القيادة والتأثير دائماً أن يضبطوا ميزانهم على تقدير المصالح القريبة والمتوسطة والبعيدة، وليس على جموح النفس وغضبها والانسياق وراء ثورة الغضب المحبوس لدى الجمهور المظلوم واتجاهاته غير المحسوبة، ولا يعني هذا أن يغيّروا ما بأنفسهم من مشاعر غضب صادقة وحزن محفور في العمق، وهو أمر عسير حقّاً، لكن لا مناص من النصيحة به في الفتن خاصّة، وعند اختلاف الرأي بين الصالحين في تقدير حظ الشماتة وسهمها، لاسيما إذا كان ثمة اشتراك بين الشماتة الواجبة بعدوّ ما يستفيد منها عدوّ آخر متربّص يستفيد منها في حربنا أجمعين، فندخل في مفهوم شماتة الأعداء التي تعوّذ رسولُ الله منها.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Sep, 10:20


المراثدة... خلايا فِكاك الأسارى !
1. المراثدة أقوام اختصّهم الله بفكاك الأسارى، وحملِهم في عمليات خاصّة نوعيّة تتّسم بالصعوبة، وتحتاج إلى إرادة نافذة وقوة بدنيّة ودهاء أمنيّ وجاهزيّة سريعة والتزام عقديّ وثيق.
2. أوّل سابقيهم هو مَرْثَد الغنويّ، تعود أصوله إلى قبائل قيس عيلان المضريّة، وهو من السابقين الأولين في الإسلام، ومن البدريّين أيضاً، شارك هو ووالده في بدر، ولم يشهد بدراً رجلٌ وابنُه إلا مرثد وأبو مرثد، وشاركا أيضاً معاً في أحد، وأكثر أخباره تختص بأدواره في فكاك الأسرى.
3. كان مرثد صاحب قنص، وكان جريئاً شجاعاً، وقد تمكّن من تحرير والده أبي مرثد الذي أسرته بعض العرب في قضيّةٍ، فدبّ إليه مرثد بشعلة نار فأحرق بها إسارَه المربوط في يديه وقدميه، ثم خرجا من ليلتهما حتى تغيّبا في غار، ثم لحقا بمكّة، وحالفا قنّاصاً شجاعاً مثلهما هو حمزة بن عبد المطلب، فقد كان أبو مرثد وحمزة متقاربي العمر، ويبدو أنهما أسلما على يديه، إذ لم يتحرّر زمانُ إسلامه بمكّة، وبقي حلفهما معه حتى بعد هجرتهم إلى المدينة عقب وصول رسول الله إليها، وكان أبو مرثد يحمل راية حمزة في سراياه.
4. كان مرثد في أواخر الثلاثين من عمره تقريباً إذ كان بينه وبين ولده أنيس نحو واحد وعشرين سنة.
5. كان مرثد عظيم البنية شديداً قويّاً، طويل القامة كأبيه، وكان فارساً، ويؤثَر عنه أنّه كان أحد اثنين ممن شارك بفرسه المعروفة باسم "السيل" في غزوة بدر، بل إنّه أسر وحده ثلاثة من رجال قريش؛ وكان رسولُ الله يعتقب فرسَه أو بعيره ويتناوب عليه معه في بدر.
6. كان مرثد ذا شخصيّة عسكريّة وأمنيّة، ولهذا كان يكلّفه رسول الله بمهمات خاصّة كان آخرها قيادة سريّة الرجيع عقب أحد التي أبَى أن يؤسَر فيها أو يستسلم ليباع إلى قريش لتنتقم منه، وقال: لا نقبل من مشركٍ عهداً، فقاتلهم مع رفاقه القرّاء حتى ارتقوا إلى ربهم، وخلّف مرثد وراءه ابنَه أُنيساً الذي كان حارس النبيّ وعَيْنَه في حُنين بأوطاس، أيْ أنّه اشتغل في العمل الأمني كوالده .
7. كان أخطر مهمة يقوم بها مرثد تحرير أسرى المسلمين الذين منعتهم قريش من الهجرة، وحبستهم في مكة، وقيّدتهم، وجعلت عليهم حراسة مشددة في خيام محاطة بحيطان جُعِلت خصيصاً لاستيعاب هؤلاء الشباب المسلمين، وقد ظلت قضية هؤلاء الأسرى قائمة حتى جرى تحريكها في صلح الحديبية، وكانت سبباً في لحوق نحو 300 من هؤلاء إلى مجموعات أبي بصير وأبي جندل التي قطعت الطريق على تجارة مكّة وأرهقتها حتى طلبت قريش من رسول الله استثناء قضيتهم من الاتفاقية، وما تزال قضية إطلاق سراح هؤلاء الثلاثمائة تحتاج إلى توضيح، وربما كان ذلك نتيجة عمليات خاصة لم تكشف عنها مرويات السيرة للأسف استثمر فيها رسول الله عبر تحالفاته القبلية الجديدة في المنطقة.
8. طبيعة مهمة مرثد كانت تتضمّن توفير المعلومات والتواصل مع هؤلاء الأسرى، كما تتضمن تنفيذ عمليات التحرير ونقل الأسرى إلى المدينة.
9. يظهر لي أن مرثد كان يعتمد في اختراق منظومة الأمن القرشية على علاقاته السابقة في الجاهلية، ويبدو أن أحد مصادره في تلقّي المعلومات عن هؤلاء الأسرى إحدى البغايا اللواتي صادَقَهنّ قبل إسلامه، وقد كشفت إحداهنّ واسمها "عَناق" مهمته، وكادت أن تتسبب في القبض عليه عندما تعرفّته في إحدى العمليات الليلية لتحرير أحد الأسرى عندما لمَحتْ ظلّه في ليلة مقمرة مضيئة ، فطلبت منه أن يبيت عندها فأبَى عليها ذلك وقال لها إن الإسلام حرّم الزنا فغضبت منه، ونبّهت الحرّاس عليه، فلاحقه ثمانية من الحرّاس فترك أسيره، ووعده بالعودة إليه وعدمِ ترِكه بين آسريه، وتخفَّى في كهف في جبل الخندمة المعروف بمكّة، وكان مرثد يحكي أنّه عاد إلى هذا الأسير وحمله وكان ثقيلاً حتى أوصله مأمنه.
10. ويظهر لي أن مرثد كان حريصاً على استمرار مصدر معلوماته، ويدرك حساسية المهمة، فتغاضَى عمّا فعلته "عَناق"، وطلب من رسول الله أن يأذن له في الزواج منها لتظل مصادره فعّالة، لكن رسول الله لم يأذن له، لأنها زانية، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك.
11. كان مرثد يوصل المعلومة إلى الأسرى ليستعدوا، فيحدد لهم ميقات العملية، ويتسلل ليلاً إلى خيامهم، فيقوم بحملهم بقيودهم، وهذا يحتاج إلى بنية قوية، ويظل يحملهم في هدوء وصمت وخفّة حتى يصل إلى مكان مفتوح في بطون الأودية المنبسطة حيث ينمو الإذخر لا يسمعون فيه أصوات كسر الأكبال ولا صداها، ثم ينقلهم بعد ذلك إلى المدينة.
12. إن قضيّة تحرير الأسرى كانت واحدة من أولويات رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه التي لم يفطَن لها الكثير من كُتّاب السيرة، ولعل الله ييسّر جمع جزء فيها يبيّن حضور هذه القضية وأولويّتها في الإدارة النبويّة، وتطبيقاتها التي تفصّل النصوص العامة المذكورة في فكّ العاني.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

12 Sep, 11:47


وديعة الضمير الأردنيّ!
1. ربما فطن الكثيرون إلى رمزيّة المكان الوارد في الحديث المشهور "أنتم شرقيّ النهر وهم غربيّه"، لكن تحويل هذه الرمزيّة إلى هويّة سياسية وقيمة مرجعيّة في العمل السياسي تستند إلى زاوية الارتكاز الاستراتيجي على تحدّي وجود الطرف المعادي في الناحية المقابِلة تزداد فرصها في التنظير والتأطير والمبادرة والتنميط السياسيّ.
2. وقد بات ظاهراً أنّ مواقفَ القوى الإسلامية والوطنية الواضحة تجاه رمزيّة ما فعله الإمام "الجازي" وخلفيّات ما فعله قد كَسَرت هندسةَ النظامِ الانتخابيّ المصمّم لتحجيم المعارضات الوطنية.
3. ولا شك أن الجماهير الأردنيّة الحيّة على أطيافها قد رفعت هؤلاء المتقدمين في الانتخابات الأخيرة ثقةً بهم، وأملاً في استمرار ثباتهم، وتثبيت شعاراتهم، وتحقيقها في فضاء الواقع.
4. وهذا يعني أنّكم دخلتم في اختبار المصداقيّة الجماهيريّة التي تتطلع إلى إبداعكم في استثمار هذا الحضور الجماهيري وموضوعاته التي فوّضكم في العمل فيها.
5. وهذا يعني أيضاً أنكم أصبحتم في ميدان الصراع المباشر مع الأنماط السياسية التقليدية المتنفّذة التي تتبنّى فلسفة ضعف الأردنّ، والتهوين من إمكانياته، والتبرير بعدم قدرته على مواجهة تحديات الواقع وقواه المتسلطة على الإقليم، واحتياجه الدائم إلى تقديم خدماته للأقوياء من حوله لتحييده في صراعات المنطقة التي لا تنتهي.
6. وهذا يعني أن القضيّة لم تعُد الآن في إعلان المواقف الحزبيّة أو الشخصية بقدر ما تكون القضية في برمجة الشعارات وتنزيلها على الواقع السياسي، وتأكيد جدارتها بالاستعمال والمبادرة، وتغيير هذه الفلسفة التقليدية المستهلَكة التي عطّلت الدور الأردني عقوداً طويلة أدّت إلى استمرار نزيف المنطقة، وعدم وجود مسارات فاعلة قادرة على إعادة ضبط توازن القوى، ومنع تغوّل العدوّ الذي يتطرّف في كل اتجاه دون رادع سِوى من قوى شعبية غير مسنودة بأنظمة المنطقة.
7. هذا يعني أن الدور الآن هو في حماية ضمير الشعب الأردنيّ الذي أودعكم أمانة هذه القيم التي يؤمن بها ويحملها في صدره، وأنّه ينتظر منكم أن ترتفعوا في نضالكم السياسي والاجتماعي والإعلامي إلى الذروة لتصحيح مؤشّر البوصلة الوطنيّة التي يتبنّاها الشعب حقّاً، وإقناع كل ذي نفوذ بأنّ ثمة مسارات أخرى يمكن إعادة تجريبها، واستعمالها لتعزيز حضور الأردن، وضمان استمرار فاعليته وحماية مستقبله، بمنحها إسناداً إيجابيّاً ذا نفَس طويل ومتطور يراعي التكتيكيّ والاستراتيجيّ معاً بإدارة مشتركة واعية ذكيّة.
ومضيتُ لا أخشَى الوقوعَ لأنّ لي*** خِلّاً إذا ما طِحْتُ يُمسِك مِعْصَمي
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

06 Sep, 11:23


فؤاد الطير الراحل!
1. كلما نظر مَن بقي منّا إلى قلوب أولئك السعداء الماضين من أهلنا وأصحابنا تذكّر في أحوالهم وذكرياتهم معنا قول السيدة أم المؤمنين الذكيّة عائشة الصدّيقة: (إن للَّه خَلْقاً قلوبُهم كقلوب الطير، كلّما خَفَقت الريح خَفقت معها، فَأفٍّ للجبناء، فأفٍّ للجبناء! )
2. وهذا معنى في الشجاعة والإقدام عجيبٌ أدركه ذكاء أمّنا عائشة، وهي أن هؤلاء المقاتلين والصابرين في زمان الشدّة هذا ليسوا غلاظ الأكباد ولا قساة القلوب، بل إن أفئدتهم الرقيقة العذبة النقيّة دفعتهم للشجاعة ومدافعةِ الجبن، وأنّ رقّة القلب تلازم الشجاع لا الجبان:
3. بل إنّ لهم أفئدة مثل أفئدة الطير في رقّتها وسكونها وسلامتها من الكدر، تذوب في المعاملة كما يذوب الملح في الماء.
4. وهي كأفئدة الطير في سرعة استجابتها، وتأثّرها بالطوارئ والقوارع، وتفاعلها مع محيطها، واهتمام بمشاعر مَن حولها، وحَمل همّهم معها، وكأنها تخفق للريح التي لا تكفّ عن الحركة والمسير والعصف ودَوِيّ الجَرَيان.
5. وهي كأفئدة الطير في توكلها واحتسابها ويقينها بلطف الله ورحمته، وترقّبها وحسن ظنّها بالله وتوجّهها الدائم إليه، وتعلّقها بإشارته.
6. وهذا كله يجعل الفؤاد ليناً من غير ضعف، مقداماً من غير خوف، قويّاً من غير عنف، حازماً في غير شدّة، واثقاً من غير كبر، معطياً من غير منع، محبّاً من غير بغض، منصفاً من غير ظلم، فيكونون من أهل الجنّة إن شاء الله، يقول رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: (يدخل الجنّةَ أقوامٌ أفئدتُهم مثلُ أفئدة الطير).
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

02 Sep, 17:46


عبادة الترقّب وانتظار الفرَج!
1. وكنت إذا سألتُه عن حاله قال: ما زلتُ في عبادة، ألا تراني أنتظر فرَجَه سبحانه! وقال لي: إن الله عندما أمرنا بالترقّب "وارتقِبوا إني معكم رقيب" ووعدنا بأنه سيكون معنا رقيباً، وأمرنا بالانتظار "فانتظروا إني معكم من المنتظرين" وأخبرنا أنّه منتظر معنا ليشهد تحقّق قضائه فينا وفيهم، علمنا أن الترقب عبادة رفيعة تصل بنا إلى مقام المعيّة الإلهية، وأنّ علينا أن نتهيّأ بهذا الترقّب والانتظار "فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده"، "لعلّ الله يُحْدث بعد ذلك أمراً"؛ فعجبتُ لجوابه وحضورِ قلبه في هذه المحنة العظيمة، وتفكّرت في كلامه فرأيتُ عجباً.
2. لقد انعدمت الحيلة الظاهرة والخفيّة عند أهلنا في الثغور المشتعلة، وجثم البلاء الأسود والأزرق عليهم، وانسدّ الأفق بظلام كثيف، وليس أمامهم إلا المجهول الأحمر الذي يروع القلبَ الضعيفَ الذي رُمِي بأرزاء مصبوبة؛ وإنّه من أشقّ ما يعانيه المرء أن تتوالى عليه المصائب، وتتوارَى عنه أسباب الأمل، وتضغط عليه الظروف، وتسوء من حوله الأحوال، وتضيق نفسه حتى لا يكاد يُطيق أحداً ولا يطيقه أحدٌ، ومع ذلك فإنه يجد لنفسه مخرجاً شاقّاً، ويكدّ ليخرج من همّه وغمّه، ويقرر التحرّر من هذه القيود النفسيّة الثقيلة.
3. تجده يحمل دِلاء الصبر ويستوعب فيها سيول الصدمات المتكاثرة التي تمتصّها كل ساعة من ساعاته، ويحمل دلاءَه إلى بِرَك الصبر ويصبّها فيها، حتى يعتاد العيش حولها ويصيد من أسماكها الغاضبة ويأكلها رغم مرارها وكثرة حسكها، فيتوطّن على المكاره، وتنفتح له مغاليق الشدائد، فتراه إذا أصابه البلاء فإنّه لا يشعر بشدّته، ولا يتأوّه ولا يتشكّى، ويحمد الله ويشكره ويثني عليه الخيرَ كلّه، وكأنّ المصيبة خيرٌ عظيمٌ نزل به، ويعظم اليقين لديه أن الذي يضع المصيبة هو من يرفعها، وليس لها من دون الله كاشفة.
4. هذه الحالة لم أجد لها تعبيراً يصفها سوى المصابرة، وهي واحدة من أوامر الله وإرشاداته التي لم نفطن لمعناها عند نزول المحنة: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
5. عندما يصابرُ المرءُ فإنه لا يطالع انكشاف الكارثة، ولا يتطلّع إلى ميعاد زوالها، بل ينتقل إلى مرحلة أبعد من ذلك بعدم البحث في ذلك لأنه قد استقرت في نفسه سكينة عميقة بأن الله يمضي أقداره كما أراد، ومن آداب المؤمن عند القبض وانتكاس البسط أن يَسْكن لمجاري الأقدار، وينقاد لقضاء القهّار، ويطمئنّ بصبر الانتظار، ويستصحب معيّة الله الغالب الجبّار.
6. وتراه مسروراً بما بقي له، راضياً بقضاء الله عليه، حتى كأنّه يعاين زوال الشدّة من شدّة يقينه برحمة الله فيها.
7. هذه المصابرة فيها مشقّة قاهرة أوّل التلبّس بها، ومحاولة الوصول إليها، ثم لا تلبث أن تفتح قلب المؤمن والمؤمنة إلى باب من السكون البارد واللذّة الناعمة التي تغشاه.
8. فإذا طال عليكم البلاء، واشتدّت الضرّاء، وسألتم اللهَ كثيراً، ولم تجدوا إجابةً عاجلة فلا تيأسوا، واستصحِبوا نيّة عبادة جديدة، وهي عبادة الترقّب بانتظار الفرج من الله بقطع كل رجاء فيكم إلى الناس، كما في الخبر: "وأفضلُ العبادة انتظارُ الفرج".
9. وذلك أنّك عندما تنتظر فرج الله وحده فإنّ ذلك يعني أنّك تحسن الظنّ به، ولا تيأس من رَوحِه، واللهُ عند ظنّ عبده به، لا يُخلف ظنّه، ولا يُيئِس عبادَه، ولا يَقنط المؤمن أبداً من رحمة الله التي وسعت كل شيء؛ واعلَم أنّك لستَ كافراً لتيأس من روح الله، ولستَ ضالّاً لتقنط من رحمة ربّك.
10. إنّ المؤمن في المحنة نقيّ الروح، تراه يصدق بوعد الله "إن مع العسر يسراً"، ويتطلع إلى لطف أقداره وسعة رحمته "إن رحمت الله قريب من المحسنين"، ويسير في ظلّ ولاية ربّه "الله وليّ الذين آمنوا"، ويطمئنّ لحمايته لأوليائه: "مَن عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب"، ويركن إلى نصره وعونه "فسيكفيكهم الله"، ويعلم أن الله لن يخذله، وأن "العاقبة للمؤمنين".
11. ومن شواهد الثقة بموعود الله وترقّب نصره وغوثه، أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له يوماً: اشتدَّ القحْطُ وقَنَطَ الناسُ، فقال: الآن يُمْطَرون! ، وإنّما أخذ ذلك من قوله تعالى: ( وهو الذي ينزّل الغيثَ من بعد ما قنَطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)؛ وتذكروا وصية رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه لابن عباس: (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وإن النصرَ مع الصبر، وإن الفَرَج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً).
12. يا عبد الله المُصابر! إنّك تعيش حقيقة التوحيد، فأنت لم تتعلّق إلا بالله، ولم يَشخَص الأمل فيك إلا إليه، وقد تبرأتَ من حولك وقوّتك، وقطعتَ علائقك بالناس أجمعين، وقد أقررتَ لله بكمال ربوبيّـته، يسيّر كونَه بما شاء وكيف شاء، وكل شيء محكوم بقدرِه، مزموم بأمره.
13. فارتقبوا رفعَ البلاء، ونزولَ الرحمة، وفيض العطاء، وحلول الغوث، وجميل التعويض، وبركة المستقبل "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون".
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

27 Aug, 09:58


• ومن كراماته رحمه الله ما رواه رفاقه في المطاردة أنه كان يتلو سورة "الكافرون" وهو نائم، وقد أوّل المتقدّمون من المفسّرين ذلك بأن ذلك يكون شهادةً على صدق الرائي وإخلاصه، وعوناً وتوفيقاً من الله على مقاتلة أهل الزيغ والكفر، ويكون توفيقه بالثبات عند ملاقاتهم وعدم الخوف منهم وجرأته عليهم وعدم التردد في ذلك.
تَلقَى حبيبَك رسولَ الله يا جبريلُ ابنَ آلِ جبريل حيث بشّرك إن شاء الله، ويكرم الله وفادتك، ويرفع قدرك، ويجعلك شاهداً مشهوداً مذكوراً في الملأ الأعلى، ويشفّعك في أبيك غسّان وأمّك وإخوانك وأخواتك وأهل بيتك ومقامك، ويكرمهم بك.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

27 Aug, 09:58


عن جبريل صاحب جبريل!
• إن الله تعالى إذا اتخذ شيئاً لنفسه فقد اختاره، وإذا اختاره فإنه قد حظي بإكرامه، وقد أخبرنا سبحانه أنه يتخذ منّا شـ.ــ.ـهـ.ـ.ـداء ، وأحسب أن منهم شاباً ارتقى أخيراً في القصف على مخيم نور شمس مع ثلة من رفاقه الأبرار.
• وسبب ذلك أنني منذ أن كتبت عن الفتى الغزّي الذي سقاه رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه- ماءً وعسلاً في منامه أرسل إليّ بعض الأصدقاء والمتابعين قصصاً شبيهة يروونها عن أطفالهم قبل الطوفان وبعده، وكلهم يرى رسول الله في منامه على هيئة ما غير مألوفة في لباسه المذكور عنه، وكل قصة تحوي رموزاً عميقة تتعلق بأهل الثغر ومعاركهم.
• حينها قلتُ لصاحب لي إن رسول الله قد دخل بنفسه على خط التثبيت، وذلك أن رؤيته في المنام هي رؤيا حق، فإن الشيطان لا يتمثّل في صورته، وهذا من البشارات العظيمة التي يأنَس بها المرء.
• ومن هذه المرويات التي وصلتني قبل مدة من الزمان أن فتى كان في العاشرة من عمره قد روى لأهله رؤيا عجيبة دُهشوا لها دهشة عظيمة، واستبشروا بها، وأوّلها بعضُهم بما يزيد الأمر طمأنينة واستبشاراً، ثم تتابعت هذه الرؤى منه وكبرت حتى بلغ الثامنة عشرة قبل شهر من ارتقائه، بعضها يرى فيها رسول الله، وأخرى يرى فيها إشارات قويّة تدلّه على مسار ينبغي أن يكون فيه ولا يغادره.
• كان لجبريل كما سماه والده جسد نحيل، ووجه صغير مضيءٌ بريءُ المشهد لطيفُ المحيّا، ولكنه كان يحمل فؤاداً شجاعاً يُكِنّ إصراراً عنيداً على المسار الذي اختاره واستأنس به.
• حمل هذا الشاب السلاح بعد أن أفرج عنه في الصفقة الأخيرة أول الطوفان مع فئة الأشبال في شهر 11/2023 إذ كان ممن لم يبلغ الثامنة عشرة، ولكنه لم يلبث أن انتظم في سلك المقاتلين شَغَفاً وشوقاً، وأصبح مطارداً يلاحقه العدوّ بعدها، ويتتبّع خطاه، ويترصّده، وكثيراً ما آذى هذا العدوُّ أهلَه إيذاءًَ بالغاً ليسلّم نفسه، وقد كان يؤذيه ما يؤذي أهله، لكنه كان يصبّر نفسه أنّ معاناتهم لن تستمر مع قرب الإشارة بارتقائه سعيداً إن شاء الله.
• كان جبريل يحب الطيران في رؤاه، وكان يرى نفسه طائراً أبيض طائفاً عندما يكون جبريل الملاك بكامل هيئته المجنّحة التي تسدّ الأفق مع رسول الله؛ وكان أول لقائه برسول الله في المنام وهو في سن العاشرة، وكان رسولُ الله يلبس عباءة سوداء في الصحراء وكان ممتلئ الأطراف ظاهر القوّة، فكان الفتى جبريل لا يكاد يواصل النظر إليه من شدّة النور الذي فيه، فيغضّ طرفه ليعاود النظر إليه، وسأله رسول الله حينها عن اسمه ودينه فأجابه، فحفر رسول الله في المكان حفرة كأنها قبر، فسأله لمن هذا؟ فقال: لك، ثم جاء بحصان، وأردفه وراءه وركض به مسافات ممتدّة حتى وصل إلى مدينة بـ.ـيـت المـ.ـقـ.ـدس، فوجد فئة من المسلمين تنتظره هناك، وتقابلهم طائفة من أوغاد الأرض قد اقتحموا المكان، فخاض رسول الله معركة وهزمهم ولم يبق منهم أحداً، ودخل الفتى جبريل مع رسول الله المسجد، ثم أمره إلى يصعد إلى القبّة ويرفع الأذان، ثم أمره أن ينزل فصلّى به ركعتين، فلما بلغ السجود الأخير في الركعة الثانية فاضت روح جبريل، فحمله رسول الله على حصانه إلى الموضع الذي رآه من قبل فدفنه عنده؛ وأحسب أن "نور شمس" هي تأويل الصحراء التي رأى حفرته فيها، وهي موضع ارتقائه.
• كانت تلك فاتحة الرؤى، وكانت عينه تدمع إذا تذكّرها أو ذُكّر بها، وأحسب أن هذه الرؤى قد كثرت، لأنّ هذا الباب شديد الخفاء، وإذا فُتِح فإن له سبلاً يفتح الله بها على أهل الكرامة ليقفوا على أبوابها حتى يؤذن لهم بدخولهم، ويستأنسون في انتظارهم بما يسعدهم ويبصّرهم؛ ومن آداب هذا الفتح ألّا يتحدّث به صاحب الكرامة وإلا خفِي عليه الباب، وإذا أَلْمَح إليه لواحد من أهله أو صَحْبه فإنه لا يتابع فيه، ولا يكشف سرّه لئلا يفقد بصيرة المفتاح.
• كان جبريل يرى نفسه في الحال الذي أَحَبَّ أن يكون مع رسول الله فيه، وهو يقاتل في ساحات المسجد، وظنّي أنّه خشي أن ينتظر حتى يدخل الناس جميعاً المسجد الموعود بعد التـ.ـحـ.ـرير كما أوّله بعضُهم له فتطول حياته، فراجَع رسولَ الله ليدعو له أن يكون مع رفاقه من أهل السعادة.
• كان جبريل مطارَداً لا يعرف أهله أين يعيش أو كيف يعيش، ولكنهم يعلمون أنّه اختار طريقه، وأنه منغمس في تلك اللحظة التي ينتظرها، وقد كانوا يرونه من قبل ينتفض عندما يصلّي الوتر، فإذا دخل في دعاء قنوت الوتر وقف قلبه عند دعاء مأثور وخالجته مشاعر قويّة وارتعاشة خالعة، فكان يريد أن يعرف سرّ ما يصيبه إذا دعا بهذا الدعاء، وقد حاول بعض أهله أن يعرف الدعاء، فانتبه جبريل لِسرّه فأبَى أن يكشفه لهم.
• كان من جمال روحه وشفافيتها أنه كان في صلاة العشاء في الجلسة الأخيرة يتشهّد فإذا بنور عظيم يملأ عليه وجهه فتتمثل له هيئة رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه على الهيئة التي لقيه عليها أوّل مرة في الصحراء، وكان باسماً كأنه يبلغه رضاه عنه ومتابعته له، ويذكّره بعهده، وكان ذلك يقظة لا مناماً.

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Aug, 09:10


استطاع الشيخ الفاتح أن يفهم المجتمع الشرق أوروبيّ وخصوصيته، وأدرك أولوياته، ولم ينشغل بالاهتمامات الأخرى التي يركّز عليها الدعاة العاديون، ولم تنقطع علاقته بهؤلاء الذين عاش معهم بعد تخرجه في كلية الطب واشتغاله بالطب الباطنيّ، وظل أثناء عمله في الإمارات طبيباً يتواصل معهم، ويفتح لهم سبل العلاقات الخاصة، حتى أنشأ واحدة من أكبر المنظمات الإغاثية الإسلامية المعروفة باسم وكالة إغاثة العالم الثالث في النمسا، والتي استطاعت أن تتحوّل إلى ما يشبه الخزانة الكبيرة لتأسيس هذه الجمهوريات الإسلامية لاتساع مواردها التي بلغت عدة مليارات في بعض المراحل كما أخبرنا الشيخ؛ إذ كانت دول عربية وإسلامية كبيرة تجعل هذه الوكالة مدخلها لدعم المسلمين هناك.
لم يكن النشاط الإغاثي هو النشاط الوحيد لهذه الوكالة فقد كان لها مناشط دعوية وثقافية واجتماعية ورياضية كبيرة، وتطورت لتكون مركز قيادة فعلي لنهضة الإسلام في وسط أوروبا وشرقها، وكان لها نفوذ مالي كبير أدى إلى ترحيب الدول الغربيّة بها أول الأمر طمعاً في وارداتها الكبيرة على بلدانهم، ثم تنبّهوا إلى خطورتها فطاردوها.
كان الشيخ الفاتح يجلس مع الرؤساء وكبار الزعماء كأنه الرئيس آنذاك، وكان يحظى بتلبية أكثر طلباته عند جلوسه معهم، وقد حكى لي تفاصيل واحدة من أكبر أعماله يوم استطاع نقل نحو 13 طائرة حربية روسية من الشيشان إلى البوسنة عبر باكستان والإمارات والسعودية والسودان مروراً بمصر، وكيف أنجز موافقة هذه الدول كلها بطرق ذكية وملفتة ولا يخلو بعضها من الحيلة، وحكى لنا كيف تبرّع بها الجنرال الشيشاني الراحل جوهر دوداييف رحمه الله قبل أن يقتله الروس في الحرب الشيشانية خوفاً من أن تقع غنيمة في أيديهم.

كان النجاح الكبير للشيخ الفاتح في البوسنة حيث أسهم في تأسيس حزب العمل الديمقراطي (SDA) الذي تولى الحكم عام 1991م؛ وأسهم في تأسيس المجلس العالمي لحقوق الإنسان للبوسنة والهرسك بمدينة فينا في العام 1993م، وأسس العديد من المراكز والهيئات الحساسة هناك.
كان الدكتور الفاتح رحمه الله أحد القادة الحقيقيين في هذه الحرب، الذين دعموا مواقف علي عزت بيجوفتش وعضدوها، وسافر معه إلى بلدان كثيرة للاعتراف بجمهوريته الصغيرة الناشئة، وروى لنا الكثير من المواقف المؤلمة والمثيرة أثناء رحلة الاعتراف قبل الحرب، وكان الشيخ من أوائل مواطني الجمهورية البوسنية الناشئة بقرار من رئيسها الثائر علي عزت؛ وظل الشيخ مع رئيسه طيلة فترة الحرب، ينتقل معه من مدينة إلى مدينة، ويروي لنا قصص الحرب هناك، ويروي كيف استطاعوا توصيل الإمداد العسكري حتى يثبت هؤلاء البوسنيون أمام موجات الإبادة التي قام بها الصرب والكروات ضدهم بدعم كامل من أوروبا، وعندما توقفت الحرب كان الشيخ أحد ضحاياها إذ تقرر تجريده من الجنسية البوسنية وإخراجه من البوسنة في صفقة مؤلمة مقابل الإفراج عنه، وإلا فإنه سيحاكم بعقود طويلة في السجن، فعاد إلى تركيا واستقبله الرئيس التركي الراحل سليمان ديميريل، وله معه حكايات مؤثرة تحتاج إلى مدونة خاصة لتسجيلها.
كان علاقة الشيخ برجب طيب أردوغان قديمة تعود إلى بداية الثمانينات وتعززت في آخرها، وكان أحد الذين شجعوه لخوض غمار الانتخابات البلدية حتى إن لم توافق قيادة حزبه على ترشيحه، وهناك تفاصيل كان يتحفّظ الشيخ في روايتها لئلا تؤثر على حياة صديقه السياسية.
وعندما زار أردوغان السودان عام 2017 بعد وساطة من الشيخ الفاتح كلفني الشيخ رحمه الله مع الأخ الدكتور أيمن الطيب سرور مدير إذاعة الفرقان بترتيب زيارة أردوغان له عند عودته من سواكن ليلاً رغم عدم وجودها في بروتوكول الزيارة، كما كلفنا بتحديد أسماء الحضور إلى هذه الجلسة الخاصة التي كان كثيرون يتطلعون للمشاركة فيها، وأذكر الكثير من التفاصيل حول تلك الزيارة وأهميتها، وأذكر أن ما كتبتُه عنها في صفحتي على فيسبوك كانت المصدر الوحيد الذي ذكرها آنذاك مع صورها، وعنها نقلت جميع المصادر الأخرى دون عزو.
وعندما تراجعت صحة الشيخ في عام 2018 أمر الرئيس التركي بنقله بطائرة خاصة إلى تركيا وبقي فيها حتى وفاته رحمه الله.

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Aug, 09:10


لم يكن الشيخ الفاتح موقوفاً على البوسنة وشرق أوروبا فحسب فثمة الكثير مما يمكن قوله عن أدواره في فـ.ـلـ.ـسـ.ـطين وكيف ابتعث عدداً من كوادرهم إلى أنحاء العالم في حقبة الثمانينات، وقد يتاح لنا الكتابة عن ذلك لاحقاً إن شاء الله، كما كان الشيخ منفتحاً على قضايا إفريقيا، إذ كان المصلحون والدعاة الأفارقة والزعماء السياسيون الرسميون والمعارضون يأتونه ويستشيرونه، وكثيراً ما سمعنا قصصهم حول ما قدمه الشيخ لهم؛ ويمكننا الحديث كثيراً عن أدواره في أفغانستان حقبة الغزو الشيوعي وفي الفلبين وتايلاند، كما أن الشيخ له باع طويل في بلده بمشروعاته الكبيرة في القطاع الزراعي خاصة، وفي مؤسسته الخيريّة "حسنين" وقد رأيت بنفسي كرمه الباذخ في إعانة المحتاجين والصبر عليهم، كما كان له أدوار مهمة في كثير من الملفات الخاصة التي كان يديرها في أضيق الحدود لصالح بلده.
كان الشيخ الفاتح الطبيب أديباً ذوّاقة للشعر، وكان يتقن اللغة اليوغوسلافية ويترجم بعض أعمالها الأدبية التي تأثر بها، كما كان يعشق تاريخ البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفا ومقدونيا العثماني، وقد كلفني بتصحيح العديد من كتبه ونقدها مثل "جسر على نهر الدرينا" و"الطريق إلى فوجا" و"بلنة جزيرة الشيطان" و"الزنبقة البيضاء"... وألّف في سير أجداده "لمعان البروق في سيرة مولانا أحمد زروق"...، وكان الشيخ ينتقد بعض المواضع في ترجمة مذكرات علي عزت بيجوفيتش، وينتقد العنوان الذي اختاره المترجم للمذكرات، وله في ذلك نظر له موضعه .
كتب الله أجرك شيخنا الحبيب، ورحمك رحمة واسعة، فقد كنتَ عظيم البركة، كثير النفع لهذه الأمة، وأنقذ الله بك أمماً وشعوباً تحفظ لك قدرك إلى اليوم.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Aug, 09:10


سودانيّ على عرش البوسنة
"لمحات من حياة شيخ الإسلام في شرق أوروبا الفاتح علي حسنين"
لم يتح لكثيرين أن يتعرفوا شخصية الفاتح علي حسنين رحمه الله، والذي اختاره الله تعالى إلى جواره فجر الإثنين 19/8/2024 بعد سنوات طويلة من المرض الشديد قضى أكثرها في المستشفيات وبين أكوام الأدوية الموصوفة، حتى إنك إذا دخلت مجلسه فلابد أن تتعثر بواحدة منها سواء السائلة منها أو الجامدة أو الأوكسجين أو المحاليل المنصوبة.
أوّل ما عرفته كان في التسعينات، وكان الوصول إليه صعباً إذ كان مستشاراً خاصاً لعلي عزت بيجوفيتش، ووصل إلى منصب نائب الرئيس البوسني، وتولى الرئاسة فعلياً بعد أن دخل بيجوفيتش السجن، وكان أحد القادة المؤثرين في الحرب البوسنية بعد تفكك الاتحاد اليوغوسلافي، وكان يفتخر بتواضع أنه أحد أهم الأشخاص الذين كتب الله على يدهم أن ينجزوا ميلاد أول جمهورية إسلامية في أوروبا.
ولد الشيخ الفاتح في كركوج بولاية سنار عام 1946 من عائلة ذات أصول مغاربية شريفة تعود في أصولها إلى الشيخ الصوفي الكبير أحمد زروق، وكان شيخاً للمغاربة في السودان، وقد أنجز موسوعة عن أشهر أعلامهم في هذا البلد، وكان فوق ذلك شيخاً صوفياً يجلّه أصحابه ومريدوه جدّاً، ولكنه لم يشتهر بالتصوف إلا في أوساط النخبة القريبة منه، وكانت له أوراده التي كان يطبعها ويوزّعها على أحبابه.
كان الشيخ الفاتح رجل دولة بامتياز، يمتلك رؤية ثاقبة، وحذراً شديداً، وجرأة متناهية، وعلاقات واسعة، ونفوذاً ممتدّاً؛ وقد أتى له هذا الشيء من تجربته القديمة والظروف التي وضع فيها.
كان يحب أن يحدثني بتفاصيل كاملة عن تجربته يوم كنت لا أغيب عنه يوماً عندما كنت في إدارة جمعية الصداقة السودانية التركية التي يرأسها، ولم تكن جمعية عادية بل كانت مجلساً سياسياً يكاد يدير الكثير من جوانب العلاقة السودانية التركية بسبب وجود الشيخ الفاتح فيها، وبسبب وجود أشخاص ذوي نفوذ كبير فيها؛ وكان الشيخ شديد العناية بهذه الجمعية ويكاد يصرف عليها وحده.
بدأت علاقة الشيخ بيوغوسلافيا يوم نال منحة لدراسة الطب في جامعة بلغراد في منتصف الستينات، وكان في بداية تأطيره في الحركة الإسلامية السودانية، ونال قبل سفره مباركة أستاذه الذي يحبه ويثق برأيه الدكتور حسن الترابي رحمه الله، وهناك بدأت علاقته مع نفر من الشباب اليوغوسلافي المسلم الذين كانوا ينشطون في الحفاظ على هويتهم من الذوبان وعلى رأسهم علي عزت بيجوفيتش وأشخاص آخرين كانوا لا يقلون عنه حدثنا عنهم الشيخ الفاتح بإسهاب، وكانوا يتحركون في ظروف صعبة داخل المنظومة الشيوعية ذات القبضة الأمنية المشددة؛ وكثيراً ما كان يتعرض للتحقيق والمساءلة والحبس المحدود.
كان علي عزت يكبر الشيخ الفاتح بنحو عشرين سنة، ومع ذلك فقد توطدت العلاقة بينهما كأنهما أصحاب، وكان الشيخ واسطته للتعامل مع المشرق العربي والخليج العربي بعد أن فتح له الدكتور الترابي وغيره آفاق العلاقات هناك، وكانت الكويت والسعودة والإمارات آنذاك من أكبر داعمي النشاط الإسلامي في أوروبا.
كان للشيخ دور كبير في نشر ترجمة معاني القرآن لعدة لغات شرق أوروبية كاليوغوسلافية والرومانية والبلغارية، وكان يطبعها داخل يوغوسلافيا في مطابع سرية نظير المال لصعوبة التهريب عبر الحدود؛ ونشر ترجمات عديدة لأهم كتب الشيخ البنا وسيّد وأبي الأعلى المودودي وغيرهم، وقد كان لذلك الأمر دوره البارز في نهضة الإسلام في شرق أوروبا.
وفي الجانب الإعلامي أصدر مجلة الشاهدة التي رصدت وقائع الحرب البوسنيّة ومعاناة الأقليات الإسلامية بالبلقان وأوروبا الشرقية ونقلت ذلك إلي العالم الإسلامي والعربي، وكان ينوي إعادة إصدارها عام 2016 وكلفني مع آخرين بتكليف إدارة تحرير لها، وبالفعل أصدرنا عدديين منها في الخرطوم؛ كما أصدر من قبل مجلة شيكان في بلغراد وكان بمثابة الصوت الوحيد للطلاب الأجانب الإسلاميين في يوغسلافيا السابقة .
اهتم الشيخ الفاتح بالعمل الطلابي الأكثر حيويّة في شرق أوروبا، فأسس اتحاد الطلاب المسلمين بيوغسلافيا عام 1966م ، وأقنع زملاءه من الإسلاميين اليوغوسلاف بتأسيس اتحاد يجمع الطلاب المسلمين بشرق أوروبا بمدينة بلغراد في العام 1967م.
كان الشيخ الفاتح يؤمن بضرورة وجود حواضن سياسية للعمل الإسلامي في شرق أوروبا فتمكّن من جلب دعم كبير لتأسيس المجلس الإسلامي لشرق أوروبا في النمسا عام 1987م. شاركت فيه قيادات إسلامية من كل من بلغاريا، اليونان، رومانيا، ألبانيا، صربيا، البوسنة والهرسك، مقدونيا، كوسوفا، المجر، سلوفاكيا، التشيك، بولندا، ومولدافيا؛ كما فتح الباب للمنظمات الإغاثية الإسلامية الكبيرة للعمل في شرق أوروبا مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، والوكالة الإسلامية الإفريقية للإغاثة.

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

18 Aug, 09:52


الغواسق إذا وَقبت!
1. وإذا تأمّل المرء في معنى الغاسق فسيجد فيه شدّة الخفاء، والتغلّب القاهر غير المتدرج، وسرعة الدخول في الشيء، وقوة الامتلاء بشيء غليظ لا غوث منه إذا تمكّن؛ ألا تراهم يقولون غَسقت العينُ إذا امتلأت بالدمع أو بالدم، فغارت، وانطفأ نورها، وأظلمت، وأنت خائف لا تسطيع وقف نزيفها، فتدخل في شرّ العمَى المظنون وما ينتج عنه ويتداعى منه من خوف العمى التام؛ وتراهم يقولون غَسق القمرُ إذا انطفأ نوره وأعتم، وأرى أن غسق القمر لا يكون هنا من خسوف أو كسوف، وإنما بسحاب مركوم يلفّ هالة البدر التام بإحكام، ويطفئ ضوءه تماماً، ويغرق الناس في ظلام عميم تحت قصف الرعود وانصباب المطر الكثيف المتتابع بلا انقطاع مع زمهرير البرد الحارق، وقد هجم عليهم ذلك من غير توقّع ولا استعداد، حتى يتيقّن الناسُ الشرّ بانقطاع الأمل من الغوث الممكن والمدد المرجوّ حيث لا يستطيع الإنقاذ الجويّ أو البرّي أو البحريّ أن يصل إليهم قريباً.
2. وقد وجدنا في الغاسق إذا وقب اجتهادات عديدة تفسّر معناه بالتصوير والتمثيل غالباً لأن المعنى في الآية مركّب، ثم وجدنا اجتهادات تبدو مستغربة لكنها تدخل في معناه وتحتمله، حتى رأينا الشيخ محمد الحسن الددو حفظه الله يجعل أمراض السرطان الحافرة للجسد الآكلة للخلايا من جملة ما يصحّ معنى التعوّذ منه بهذه الآية.
3. وأحسب أن طُروق المصيبة ليلاً أو نهاراً على حين غرّة عند امتلاء الجوّ بالطائرات والمسيّرات الصارخة الزنّانة المرعبة، ومسح الأحياء والمربعات السكنية بنيران القذائف التي تُرمى على المنازل والمرافق من كل ناحية حين تفاجئ الناس بهولها المصبوب الذي يحفر في مواضعهم أينما حلّوا، ويقلب المدى من حولهم ليلاً أو نهاراً إلى إعتام واغتمام بدخان النار وغبار الأنقاض المتداعية المتهدّمة، وكأنهم يتقلّبون في "وَقْبة" محفورة تخرج منها أنواع الشرور المستنقِعة مما يدخل في تصوّر معنى هذه الآية.
4. وقوله سبحانه: "غاسق إذا وقب" غير أن يقول: "غاسق إذا غسق"، فإنه إذا غسق الأمرُ تدفّق وانصبّ، ثمّ حَفر بقوّة في الأشياء الغليظة الصلبة، واستنقَع في حفرتها ما يؤذي الناسَ، ويدخل بسببها الأذى إلى كل ما حولها ومن حولها، وذلك تصوير هائل لهذه النازلة.
5. وأرجو أن المرء الذي يُحصِّن نفسه وأهله بهذه الآية، ويعتقد النجاة باسم الله فيها ممن تُرجَى نجاتُه إذا شاء الله، ويُجاب دعاؤه، ويُصرَف عنه قضاؤه، إذ كان رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه يوصي زوجَه عائشة رضي الله عنها: "تعوّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب"، وتخصيصُ رسول الله القمرَ بأنه الغاسق إذا وقب لا ينفي شمول الاسم لغيره، وغالباً ما كان ذلك تحذيراً منه بأنّ ثمّة شرّاً قادماً متحيّناً سيطرق في تلك الليلة أو بعدها.
6. فاستعيذوا برب الفلق الذي يشقّ الصبح، ويغيّر الحال إلى نقيضه قهراً وعلوّاً، ويفتح لكم طريقاً جديدة مأمونة، واستجيروا به في هذه النازلة الشديدة، فإنه الملجأ والملاذ والمَنْجَى.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

16 Aug, 04:07


معنى أن نكون فتنةً للظالمين!
(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) [يونس: 85]
1. إن كثيراً من الممارسات السياسية التي تدّعي الواقعيّة تجعل القوّةَ مرتبطة بالحقّ، والوهنَ مرتبطاً بالباطل، وأنّ المنتصر الغالب هو الذي معه الحق، وأن المهزوم المغلوب هو وأهل الباطل سواء؛ ويظنّ كثيرون من العامّة أن كثرة القتل فينا دليل على ضعفنا وهزيمتنا حتى إن اعتقد الناسُ فينا البطولةَ والإقدام وعدالة المطالب، فينحازون في سلوكهم الباطنيّ أو الظاهريّ إلى أعدائنا إيثاراً للسلامة أو إظهاراً للحياد، فتكون هذه المواقف فتنةً للعدوّ الظالم المعتدي.
2. وقد تحقق لنا أنّ بعضاً من بلدان أمتنا وأعيانهم المنصّبين علينا كانوا سبباً في ظنّ ظهور هؤلاء الأوغاد علينا بعدم نصرنا وتأخّر إسنادنا والانصراف عن الإقبال علينا والحملة السياسية والإعلامية علينا، وأنّهم بخذلانهم العظيم هذا لنا يجعلون الأوغاد يتكبّرون ويظنّون أنهم خير من أمّتنا وأهدَى سبيلاً فيكون بعضُنا هذا سبباً في استمرار فتنتهم وعلوّهم وفسادهم .
3. ويكون هؤلاء فتنة لهم بتمكّن الخذلان فيهم، وتردّيهم وضعفهم وخوفهم وكثرة حساباتهم الجبانة وانغماسهم في الحياة والحرص عليها بدعوَى المصلحة العليا، حتى يقول الأعداء إن من المستحيل أن يكون الـ.ـفلسـ.ـطينيون على الحقّ ما دامت حكومات أمّتهم وشعوبها لمْ تحرّكهم دماء عشرات الآلاف منهم، ولم يتعصّبوا عصبيّة المنتقِم لمشاهد الرعب والدمار الشامل الذي حلّ بأهلهم بهذا التواتر العنيف .
4. وإذا تكبّر هؤلاء المعتدون الظالمن علينا وازدادوا إعجاباً بأنفسهم ظنّوا أنهم الأَولى بالعدل الإلهيّ منّا، وأنّ قوّتهم التدميريّة تأديبٌ من الله لنا، وعقوبةٌ جعلها الله بأيديهم، واشتدّ تعلّقهم بدينهم الفاسد المحرّف الداعي إلى القتل والإجرام.
5. وإن بعضهم يفتن الظالمين بقوة الوهم لديهم بأنّنا لو كنّا على الحق ما تعذّبنا بأيديهم، ولا سُلِّطوا علينا، وأننا لو كنا في موضع الكرامة عند الله لَما سمح بإهانتنا كل هذه الإهانة وأصابنا بكل هذا الهوان بالتهجير والتشريد والتدمير والتقتيل.
6. وإذا اعتقدوا ذلك فإنّ طغيانهم يزيد واعتداءَهم يكبر ويتمادى، ويتسلّطون علينا ، وتقوَى نفوسُهم علينا ويطمئنوا إلى كفرهم وظلمهم
7. ومن فتنة بعضنا للقوم الظالمين المعتدين أن نتواصل معهم في دبلوماسيتنا، وأن تبقى سفاراتهم مفتوحة في ديارنا، وأن تبقى التجارة قائمة معهم، وحركة الطيران والحدود لا تتوقف عنهم، وأن نغلق أبواب النضال ونعاقب المبادرين...
فلا تجعلنا يا الله فتنةً للقوم الظالمين!
د. أسامة الأشقر