جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر @drosamaalashqar Channel on Telegram

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

@drosamaalashqar


مدوّنة في اللغة والتاريخ والفكر والمدى

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر (Arabic)

هل تبحث عن مصدر موثوق للمعلومات والمعرفة في مجالات متنوعة مثل اللغة والتاريخ والفكر والمدى؟ إذا كانت إجابتك نعم، فإن قناة "جَزْل الغَضَا" المميزة على تطبيق تيليجرام هي ما تبحث عنه! يدير هذه القناة الدكتور أسامة الأشقر، الذي يضع خبرته الواسعة في مجالات اللغة والتاريخ والفكر والمدى لصالح متابعي القناة

تستمد قناة "جَزْل الغَضَا" محتواها من دراسات عميقة وأبحاث موثقة تهدف إلى تعزيز المعرفة والوعي لدى الجمهور. من خلال متابعة هذه القناة، يمكنك الاستمتاع بمقالات تحتوي على تحليلات وافية لمواضيع مختلفة، سواء كنت تهتم باللغة وتاريخها، أو ترغب في استكشاف أفكار جديدة ومدى العلم

ما يميز قناة "جَزْل الغَضَا" هو التنوع الكبير في المواضيع التي تطرحها، مما يجعلها مصدراً شاملًا للمعلومات. إذا كنت تسعى لتوسيع معرفتك وفهمك في مجالات متعددة، فإن هذه القناة هي الخيار المثالي لك

بادر الآن بالانضمام إلى قناة "جَزْل الغَضَا" على تطبيق تيليجرام واستفد من المحتوى القيم والموثوق الذي تقدمه الدكتور أسامة الأشقر. اكتشف عوالم جديدة وامتع عقلك بالمعلومات المفيدة والمثيرة التي تجدها في هذه القناة المميزة!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

18 Nov, 12:15


مذاقات العزّة!
1. إذا أعزّ الله قوماً أمدّهم بقوة نفسيّة عجيبة تجعلهم أكثر تحمُّلاً، وأشدّ حَملةً، وأكثر قدرة على كسر دائرة اليأس، ومنع تغوّل الإحباط، واعتراض دوافع الخوف والتردد، ونبذ المُوهِنات.
2. وللعزّة مدخلان: أحدهما مدخل كَسْبيّ يكون بالقوة وبالكثرة وبالمال وبالجاه وبالنفوذ، وقد يكون بتراكم الحضارة ووفرة العلم والثقافة... ؛ وهناك مدخل وَهْبيّ يستثني الله به طائفةً من عباده المستحِقِّين لبركته تخصيصاً يحصّنهم به، ويمنع عنهم الهوان والفناء، ويمنحهم به القدرة على البعث والنهوض والتجدّد وإعادة البناء، وإن الله ذي العزّة والجبروت يجدّد لنا في نعمة إعزازه لنا كي نظل أقوياء.
3. ومن شعائر العزة عند أهل الثغر أنهم لا يثقون إلا بربهم، ولا يرجون إلّا هو، ولا يطرقون إلا بابه، ولا يتوكلون إلا عليه، وكأنّهم يغرفون من بحر عزّته التي لا تُرام.
4. والعزّة عندهم ليست موسماً يصطادون فيه أو يجتنون فيه الفرص بل هو صفة قامت فيهم وتلبّستهم وتَحَلَّتْ بحِلْيتهم، وكأنّهم يكونون مع سيدنا عثمان بن عفّان في مجلسه، فإذا أراد القيام قال: العزّة لله، فيقوم سُمّارُه الكرام.
5. وهم أهل وضوح وصرامة لا يساومون في إظهار العزّة لأجل حماية الحوزة، ولا يتواعدون إلا في الأَمام، وإذا انتظروا فإنهم يتركون لك دليلاً يؤشّر عليهم في الصعود إلى الأمام؛ وفيهم شَكيمة وأنَفة وعُجبٌ محسودٌ محبوبٌ.
6. ومن شعائرهم الزهد والرضا فلا يحملون في جيوبهم حجارةً من أعلاق الدنيا تغطّسهم عندما يسبحون في مواجهة التيار .
7. ودموعهم في الملحمة المستعِرة عزيزة فلا بكاء بينهم ولا عويل، ويَتعزّون بعمل متصل، وسعي دؤوب، ومسارعة في غير تباطؤ، ولملمة للجراح والتعالي عليها.
8. ومن شعائر عزتهم أنهم لا يشتغلون بالصغائر ولا يستديرون للتفاصيل العابرة، بل يشقّون الطريق شقّاً سريعاً أو يقتحمونه، ويتركون مهمة التمشيط والارتكاز لمن يَليهم، ويبني على مبادرتهم.
9. ومن عجائبهم أن أجسادهم تموت في المعركة لكنّ عزّتهم القائمة فيها لا تفنى، إذ تراها ترجع إلى أصحابها في خُيَلاءٍ جميل، وتظلّ ساكنة في ذكريات إخوانهم الذين يأتون بعدهم كأنها كلام الملائكة.
10. وأعداؤنا الأوغاد يعلمون ما زرعه الله فينا من عزّة فتراهم لا يكفّون عن محاولات كسر إرادتنا وثقب عزيمتنا وإطفاء معنوياتنا واختراق تماسكنا وتذويب صلابتنا واستعباد مجتمعنا وإخضاع حاضنتنا، وهم يضربوننا بأقصى ما يستطيعون، وأعنف ما يملكون لتحقيق ذلك فينا.
11. وأنّى ذلك منّا أهلَ العزّة، فإنّ لها فينا سَكرة إذا تشرّبتَها فلا تكاد تفيق منها من لذّة شرابها وحلاوة رَضاعها وراحة مفاعيلها، ولكننا لا نسرف فيها فلا تأخذنا إلى مغالاةٍ في غير سبيلها الأحكم، ولا نسمّي الأشياء بنقائضها إذا لم تتحقّق فينا معانيها؛ ولذلك ترانا شُمّ الأنوف لا تخضع رقابنا، ولا تَجْثُو رُكبُنا، فلا نعرف طعم هوان، ولا تحملنا أرجلُنا إلى سبيل مذلّة؛ وإذا خُيّرنا بين مقام العزّة والحياة في الذلّ فإن خيارنا هو الموت في عِزّة.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Nov, 10:10


6. والأمر الثالث أن الله جعل لمهلك هؤلاء أجلاً وموعداً (وتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)؛ وتأمّل معيم الوجوه الثلاثة الصحيحة في قراءة "مهلككم" لدى قرائنا السبعة: فاللّفظ الأول "مَهلِكهم" اسم زمان يفيد أن لهلاكهم أجلاً سيَحلّ عليهم، واللفظ الثاني "مَهلَكهم" مصدر ميميّ بمعنى الهلاك، واللفظ الثالث "مُهلَكهم" مصدر ميمي من أهلك، واللفظان الأولان يفيدان معنى تحقق هلاكهم ذاتياً بتأطيرين زمانيين: فإن كان سؤالك عن زمان هلاكهم فجوابك أنه موعدٌ مفعول معلوم مقدّر عند ربك، وإن كان سؤالكَ عن حدوث هذا الهلاك فإنه واقع بهم في موعده وزمانه وأجله المحدد أيضاً؛ وأما اللفظ الثالث "مُهلَكهم" فهو مصدر ميميّ من "أهلك إهلاكاً"، وهذا يعني أن حدث الهلاك سيكون خارجياً يأتيهم بقوة غالبة تتعاقب عليهم و تُوصلهم إلى هلاكهم؛ وكأن القراءات تشير إلى اجتماع الأسباب الذاتية والخارجية لهلاكهم وإهلاكهم واستئصالهم وإفراغ قوتهم ونفوذهم وجوهرهم في داخل أرض الثغر وفي خارجها بسبب استدامة ظلمهم في أجلٍ ينهي علوّهم وعتوّهم، فلا يغرنّكم أو يحزننكم إمهال الله لهم، فإن وعد الله لا يتخلّف، وسنّته ماضية.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

17 Nov, 10:10


تدبّرٌ في آية "وجعلنا لمهلكم موعداً"
{وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً}
1. إذا سأل المؤمن: متى نصرُ الله؟ فإن جوابه حاضرٌ: ألا إن نصر الله قريبٌ؟ فيطمئنّ قلبُه، ويكمل مسيرته حتى يجيئ الله بنصره وفتحه؛ ويسأل أيضاً: هل يكون هلاك هؤلاء القوم المعتدين مرتبطاً بانتصارنا عليهم وغلبتنا لهم؟
2. هنا لم يَعِدْنا الله بقرب هلاك هؤلاء المعتدين، بل أخبرَنا بثلاثة أمور في شأن ذلك: الأمر الأول يخبرنا تعالى فيه بعشرات الآيات أن سبب هلاك هؤلاء سيكون الظلم الذي يتصفون به ويمارسونه ويقوم بهم، وانظر معي إلى هذه الآيات: يقول ربّنا: (وهل يُهلَك إلا القوم الظالمون)، ويقول: (لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ)، ويقول: (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، ويقول: (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، ويقول: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)، ويقول: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ)، ويقول: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ)، ويقول: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ)، ويقول: (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)... .
3. ويعطينا الله سبحانه أوصافاً لهؤلاء الظالمين الذين كتب الله عليهم الهلاك: فمن أوصافهم أنهم مسرفون (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ)، وأنهم مجرمون (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، وأنهم فاسقون (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)..
4. والأمر الثاني أن إرادة الله سبحانه بهلاك الأقوام أو حياتهم يجعلها الله عن بيّنة واضحة لا لبس فيها ولا ريبة، فكل شيء سيكون واضحاً مدلَّلاً عليه (لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)؛ وحتى تتثبّت هذه البيّنة فإن الوقائع ستكبر وتنتشر، وسيستمر الأذى حتى تأتي مفاعيل الإرادة الإلهية وقضائها المبرم : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
5. وينبهنا الله سبحانه أن هؤلاء الظالمين سيمنحهم الله فرصاً كثيرة للتوبة والرجوع، وسيمْهَد لهم في طغيانهم وإسرافهم قبل أن يوقع عليهم الهلاك حين يأتي الوقت المعلوم (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ)؛ وسيرسل الله لهم النذر والبيانات تحقيقاً للعدل بين الجميع (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ)؛ وهذا الأمر الإلهي بإهلاك المشرفين المجرمين الفاسقين المترفين الظالمين سيتكرر حين يتكرر وقوع ذلك منهم (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

15 Nov, 17:24


لقد تعبنا، فلا نحزن !
1. الحُزَن جبال غِلاظ، والحَزْن أرض مرتفعة غليظة خشنة، والحُزْن غلظة جافّة من الغمّ المركوم الكثيف يمسّ باطنك الطريّ فتجعله خشناً دامياً متشقّقاً كحُزون الأرض وخدودها المحفورة.
2. وكلنا اليومَ حزينٌ تلفّنا تعاسةٌ ظاهرة على وجوهنا وهياكلنا بين بقايا الركام وأحواض الخيام، فليس ثمة بيت ولا شارع ولا مسجد ولا أذان ولا جمعة ولا جماعة ولا مدرسة ولا حيّ ولا جيران ولا ذكريات تحتضنها الأمكنة.
3. ضغطٌ نفسيّ رهيب وتوتّر لا ينتهي، وصدمات ثقيلة تترى بلا انقطاع تزيد الضغط على أجسادنا المهدودة، لقد تعبنا حقّاً، وأصوات الزنانات لا تكف عن الصراخ المزعج والعويل الغليظ، ونحزن لأننا جميعاً مشردون، ومرضى، ومجروحون، ومكلومون، وتائهون، وجائعون، ونعيش في أحضان الموت...
4. لا ننام، فهذه الكوابيس في المنام واليقظة لا تفْتأ تَذْكر نا، أو لأنّ هذا البطن ممغوص دائماً متلبِّك لا يتوقف عن الاستعصاء والتجدُّل، أو أن البردَ يجمّد أطرافنا في الليالي السوداء، أو أن الجيران حولنا لا يكفّ صراخ أطفالهم وبكاؤهم على أحبابهم وألسنة حسراتهم، أو أصابتنا متلازمات القلب المكسور، و أن هذه العصابات التي تقتات على الكوارث باتت ترتع بين خيامنا الملتصقة أكثر من قبل!
5. لم نعد ننكر الكارثة، ولا نوهم أنفسنا بغير الواقع الذي نراه، ولا نحدث أنفسنا بأن كل شيء على ما يرام، فلسنا بخير، ألا ترى تلك الفجيعة في كل وجهٍ يراك أو تراه، ألا ترى القلوب مهشّمة كقلبك!
6. نحن غاضبون جدّاً الآن، وحسّاسون للغاية، ومزاجنا مخضوضٌ عَكِر، ولا نكفّ عن إلقاء اللوم على كل من تركنا وحدنا، وخذلنا في أمر لا يجوز فيه الخذلان، ولا ينبغي لشريف أو محترم، ونسرف على أنفسنا أحياناً، وقد نرمي اللوم على أنفسنا التي قادتنا إلى ما صرنا إليه، وقد نصرخ بوجع: لقد خسرنا كل شيء، معقول!
7. وصلنا إلى مرحلة كنا نستعد فيها أن نساوم على أي شيء لنخرج من هذه الحال التي أحاطت بنا، لكن شيئاً ما يقول لنا: لا تساوِم فأنت في الطين الآن، وهذه المساومة ستغرقك في أوحال الطين فحسب، فانتظر حتى تكون في الماء ولو كان غريقاً !
8. لا أدري إن كان الاكتئاب قد ضرب أوتاده بيننا، وحكم علينا بمناقشة فلسفة النهاية ووجوب العزلة وانتظار الموت، فثمة مجالسٌ هنا وهناك لا ترى فيها أوتاد هذا الاكتئاب المُحبِط، وما زال قومٌ يشربون شاياً حلواً، ويتسامرون، وكأنّ هامساً يطمئنهم، وأنهم في لذّة القتال التي تنسيهم شهوة التعلّق بحطام الدنيا.
9. ما حدَث قد حدَث، لقد مضى عامٌ وأشهرٌ، ربما أصبحنا أقوى الآن، ونفهم أن التحدي أصبح أكبر أيضاً، وقد ضاقت الفرص أو انفتحت على فضاء آخر لم نعرف مدخله بعدُ، ولكنْ لا مجال أمامك إلا أن تتقبّل هذا الواقع، وتواجهه، أو على الأقلّ قرِّرْ ألا تواصل الانغماس في هذا الحزن!
10. إياك أن تضع صدرك في دخان هذا الحزن، فحُزونة الأيام وغلظُها عليك تمسّ في حقيقة الأمر مساحات الزمن التي تعيشها فحسب، وهي لا تلبث أن تمرّ وتَعْبر وتُنسَى، ولا ينبغي لها أن تمتد إلى ما وراء الحاضر الذي تعيش فيه، فقد وقع وانتهى.
11. وتذكّر أنّك إذا أسرتَ هذا الحزنَ بين أسوار الرضا، واستحضرتَ أمر الله لك: (ولا تهِنوا ولا تحزنوا)، فستعرف معنى: (لا تحزن إن الله معنا).
12. أسباب الحزن لا تنتهي، وبحر الحزن لا ساحل له، والنجاة من بحر الحزن تكون في ركوب سفينة الرضا، وهناك ستسمع نداء السماء ألا تحزن، فقد جعل الله تحت مثال مريم الصديّقة الحزينة سَرِيّاً، وهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Nov, 09:38


ويا أهل الذكر!
1. كلّ مذكورٍ بعلمٍ تخصص فيه، وذُكر بتمكّنه واختصاصه بين أهله المعروفين به فإنه أهلٌ للنظر والفتوى في الأمر الذي تكاملت له المعطيات فيه، وتوفّرت لديه المعلومات عنه، وحضرت بين يديه الاجتهادات.
2. ولا ينبني نظر ولا رأي إلا بالاستناد إلى معطيات راجحة موثّقة من مصادرها المباشرة، وأمّا بذلُ الأحكام واستسهال إطلاقها استناداً إلى هوى متمكّن أو معلومات تذيعها دكاكين الإعلام أو خلاف قديم ما زال يؤثّر فيه فإن ذلك جهل يفضي إلى خيانة.
3. وأهلُ الذكر إنما ينظرون إلى الأحداث بعين الدليل، وإشارة الوحي، واتجاه النصّ، وفهم السياق ومطابقته على الواقع، ولا يتبعون هواهم الغالب ولا هواهم المغلوب، ولا يقعون في حفرة الظرف الشديد الذي يتمّكن من نفوسهم إذا ضاق الوسع، وقلّت الحيلة، وانضغط الحال.
4. وأهل الذكر ينظرون إلى الأمر بين أيديهم من كل جانب سواء كان مضيئاً أو مظلماً، ولا ينطلقون من زاوية واحدة في تنظيرهم، ولا يغلبون المفاسد على المصالح ولا المصالح على المفاسد إلا باجتهاد جماعيّ يحرّر الآراء ويرمم نواقصها.
5. وأهل الذكر يدركون أن أمر هذا الطوفان مختلف تماماً عن كل ما بحثوه من قبل، وأنّه نازلة شديدة قدَحت كل شرارات الوعي والفهم والإدراك، كما شحنت المشاعر والعواطف إلى الذُّرَى في كل اتجاه، وركّبت مسارات مستقبليّة غير متوقّعة، وغيّرت بيئة القضية وملابساتها إلى حدّ كبير، وهي كما فَرضت الكثير من التحديات فإنها منحت الكثير من الفرص، ولا ينبغي للاجتهاد الفقهيّ أن يتخلّف عن إدراك هذه التحولات الكبرى ويدخلها في مجال الاعتبار أثناء النظر.
6. ولا ينحبس أهل الذكر في دائرة الأحكام المسبقة التي اعتادوها أو قلّدوها ودرّسوها لتلاميذهم، ولا يقعون في خطيئة المرايا عندما يقررون أحكامهم متأثرين بخصومتهم مع من قاد هذا الطوفان أو كرهوه من تدابيرهم وسياستهم.
7. وأهل الذكر يراعون خصوصية الزمان وظرف الحال في تقدير الأحكام وتحديد أوزانها، ولا يكونون سبباً في تعقيد الحال، ولا يدعون إلى انفلاته، ولا يكونون فأساً يضرب ما تبقى من حصونه .
8. وأهل الذكر في أزمنة الشدّة وقوّة البأس وتحزّب الأعداء لا يجادلون في علم لا يُنتفع به، أو رأيٍ لا ينبني عليه عملٌ، ولا يفتحون مقالةً تصرف الناسَ عن أولوياتهم، وتردّهم عن واجباتهم، فكيف إذا كان ما صدَر عنهم يسرّب الريبة إلى أفئدة العامّة، ويزرع التهمة في أهل الولاية عليهم، ويحرّض الناسَ على الخروج عليهم وهم في ميدان الاشتباك واستعار المعركة، بل يدفع بالشك في نفوس المقاتلين فيظنّون السوء في جدوى معركتهم وعظيم جزائهم عند ربهم فيها؛ فضلاً عمّا ينتج عن ذلك من فضّ حشود المقبلين على الانخراط فيهم أو احتضانهم وكفاية أمرهم وسد الثغرات المفتوحة عليهم.
9. وحتى لو كان لكلامكم وجه من وجوه النظر والاعتبار فإنه بيان في غير ميقاته ولا في زمان الحاجة إليه، ولا يفيد في تقديم الأمر ولا تأخيره ولا في وقفه ولا ديمومته، وليس له نظر محترم في اعتبار الحرب وأدوار الأطراف المتصارعة فيه، فثمّة مقدمات تتأسّس كل يوم، واعتبارات تتجدد مع كل حدث، ومحطات تقوم في غير سِكّة، وما تظنونه صدراً اليوم يصبح ظَهراً غداً، وما يكون وجهاً عندكم يكون قدماً عندهم في التقدير، فاتقوا الله، ولا تَفْتنوا الميدان!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

07 Nov, 05:25


الماحُون!
1. قال لي: أراك شديد الثقة بما تحكيه للناس من تدبراتك في كتاب الله بما يخصّ واقعكم، وكأنّ المعنى قد وقع بكم أنتم وهو يعنيكم خاصّة، ألا ترى أنّك تتكلّف التأويل وتذهب بالآيات أحياناً إلى غير اتجاهها وغير محلّها؟
2. قلت له: كنتُ أضع هذا الاحتمالَ أوّل الأمر فلا أوسّع الاستنتاجَ، ثم رأيت مع كثرة التوافقات أنّ الله سبحانه بسط لنا كلامه وخاطَبنا به، وأمرنا أن نتدبره ونتفكر فيه، ونتبصّره ونعتبر به، ولهذا فإنّه يدعونا إلى الاقتراب من ظل هذه المعاني، واقتطاف ما نستطيع من ثمرات شجرتها الوارفة، وأنّ الواجب علينا أن نقرّبها منا لا أن نصرفها عنّا، ولاسيما ما كان على جهة الثبات والصبر وعظيم الأجر.
3. ثم أخبرته أنّ ما يزيدني ثقةً بذلك تظاهرُ الأدلّة، وتعاضدُ الآيات والأحاديث حتى رأيتُ أن أجعل في ذلك كتاباً حافلاً؛ ومن ذلك مثلاً أن أحد الأكابر ذكّرني مرة بحديث أبي هريرة كما في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه قال: (لا يجتمع كافرٌ وقاتلُه في النار أبداً)؛ وبما أن الكفر متحقق في أعدائنا الذين نقاتلهم وفق المقطوع به من أمر ديننا بلا شك، وأن حربنا هذه من أوضح الحروب وأكثرها تمايزاً في شدّة وضوح العدوّ وجلاءِ أمره الشرعيّ عندنا؛ وأنّ مَورِد هذا الحديث بمن قاتل هؤلاء وقتل منهم، فهذا يعني أن المقاتل منّا هو من أهل الجنة، بما أن المقتول على يده من أهل النار، وهما لا يجتمعان في هذه النار أبداً، ولا مساواة بينهما ولاسيما إذا استقام المقاتل على أمر الله وبقي على ذلك حتى يلقاه؛ ويؤيد ذلك حديث رسول الله: (ولا يجتمع على عبدٍ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنّم).
4. وقد وجدتُ هنا كلاماً بارعاً لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام فتأمّلْه مراراً، يقول: (إنما لم يَجمع اللهُ بين الكافر وقاتله في النار من جهة أنه محا كُفرَه من الأرض، ولا فرق بين أن يقتله مُغَرّراً أو غير مغرّر، فلو رماه من بُعدٍ مع أمنِه منه لم يجتمع معه في النار، إلا أنّ أجرَ المغرّر أتمّ؛ لأن الأجر على قدر النَّصَب)، والمغرّر هو المقتحِم للمهالك .
5. فهنيئاً لك أيها المقاتل المؤمن المسدَّد في ميدانك، فقد كتب الله لك مكانك حيث وضعك اللهُ، وجعلك من أسباب محو آثار كفر هؤلاء الملعونين، وتقليل خطرهم على أهل الأرض، وكسر موجة عتوّهم وعلوّهم الكبير.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

04 Nov, 16:10


أسوأ الجيران مَن إذا جُعتَ لم يطعمك، وإذا استغثتَ لم يُنجِدك، وإذا استنصرتَ لم ينصركَ، وإذا أُصِبتَ لم يحملكَ، وإذا مرضتَ لم يداوِك، وإذا متَ لم يكفّنك، وإذا حُمِلتَ لم يشيّعكَ، وإذا دُفنتَ لم يقف على قبركَ، ثم تراه يبتزّ أهلَك، ويسرق معونتك؛ ويتفنن في إذلالك، والمنّ عليك، ويرشّ الملح على جرحك النيء، ويغلق بابه دونك، ولا يبالي أن يفرح بمصابك، ويعين عليك... فهؤلاء لا يرون من الله إحساناً ولا كرماً يوم الدين، ولا يرون توفيقاً ولا بركة إلى يوم الدين!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

02 Nov, 17:49


ما أعجب فهمَك وأجلّ عقلك يا ابن عم رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنك، اسمعوا مقالته:
(أوّل ما تُغلَبون عليه من الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بأيديكم، ثم الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بألسنتكم، ثم الجـ.ـ.ـهـ.ــ.ـاد بقلوبكم، فمَن لم يَعرف قلبُه المعروفَ، ويُنكِر قلبُه المنكرَ نُكِس فجعل أعلاه أسفله).
لقد قيدوا أيديهم، وقطعوا ألسنتهم، وغمسوا قلوبهم بالريبة، وسفهوا علينا، ولولا هذا الطوفان لكنّا معهم من المفتونين المغلوبين، فالحمد لله الذي نجّانا من القوم المنكوسين، وأخرجنا من نفاقهم!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

29 Oct, 15:21


وأنتم الأعلَون!
1. إننا يا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليك ما زلنا نسمع دعاءك يوم التفّ خالدٌ بجيشه على جندك يوم أُحُد: (اللّهمّ لا يَعْلُنَّ علينا، اللهمّ لا قُوَّةَ لنا إِلَّا بِكَ)!
2. وما زلنا نسمعك تقول لرماتنا: (إنّكم ستظهرون عليهم، فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمُرَكم)، فإننا ما زلنا على الجبل لم نبرحه يا سيّدي.
3. وإننا نعتقد أن الله اصطفانا لنكون من عباده الأعْلَين، وأن الله يهيّئ بنا أمّة الإسلام، ويفتح بثباتنا أمرها، ولهذا فإنّه لا ينبغي لنا أن نتوجّس خيفةً، مطمئنين إلى ما قاله ربُّنا لنا كما قال لنبيّه من قبلنا: (فأَوْجَسَ في نفسِه خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، فإن الأعلى لا ينبغي له أن يخاف حتى إنْ نازَلَهُ الخوفُ وأَطاف به، بل يقتحم ويَثبت ويصابر، لأنّ قوّة الله العليا قد قامت بنا مُذْ أوينا إلى ركنه الشديد.
4. العلوّ عظمةٌ وشرفٌ ورفعةٌ، وإذا كان العلوّ من الله لعباده فهذا يعني أن مَن منحه اللهُ صفة العلوّ ورزقه إياها وجعلها بعد ذلك اسماً له وشعاراً عليه فهو على المحل الأعظم من هذا كله؛ وهذا العلوّ لا يقتصر على الجانب المعنويّ العميق فحسب، بل إنه يكون في جانب ماديّ يعزّز قوة الشعور الذاتيّ به، وإحساس الآخرين بما أصاب هؤلاء الأعلين من عظمة وتشريف وتمييز.
5. ولأننا الأعلون فإننا نعلم أن الله سيُظهِرنا بعد طوفاننا هذا، ولن يَخرجَ لنا عسكرٌ بعده إلا بظفر وقهر وغلبة، وأنّ أمْرَنا بعد الطوفان هو غير أمرنا بعده، بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليلٍ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

25 Oct, 06:13


واجب الوقت في المنازَلة!
1. تتبدّل الأحكام وتتغيّر، وتتقدّم وتتأخّر، وتترتّب وتتنظّم وتتعلّق بأوقات لا يسعكم أبداً أن تتجاوزوها، أو تتراخوا في تقرير الأحكام الواجبة فيها، أو تفقدوا القدرة على التمييز بين العاجل والآجِل فيها، وبين الفرديّ والجماعي في تحديد المخاطَبين بها، وبين التكتيكي والاستراتيجي في تقدير خطورتها وأولويّتها.
2. وهذا المقام الذي نتحدث فيها ليس مقام الأفضلية، بل مقام المفروضيّة والواجبيّة والأولوية لأنه يتأسس على ظهور الواجب الشرعيّ وظهور قوة الاجتهاد المؤشِّر إليه.
3. ونحن نعلم أن الوقائع لا تنشئ الأحكام، وأنها ليست مصدراً لها، لكننا نعلم أن هذه الوقائع المزلزلة واجبة الاعتبار في تقريرها وتوجيهها والتكليف بها وتنزيلها بناء على تقدير المصالح المعتبرة ومواكبة وقائع الأحوال ومراعاة مآلاتها، ومراجعة عواقبها، ومناسبة أحكامها.
4. واجب الوقت اليوم ليس في استثمار تداعيات الطوفان التي تأخذ مدى مؤجّلاً في حصاد نتائجها وقطف ثمارها، كما يفعله بعضهم في زيادة الفعل الإعلامي، وتنشيط الحراك الدبلوماسي، والتوسّع في العلاقات العامة، وبناء المؤسسات الرديفة، وإقرار المنظومات الدراسية، واختبار المسارات القادمة واقتراح الإصلاح وافتعال المراجعات... على حساب الفعل الحقيقي المتعيّن في وقته.
5. واجب الوقت اليوم ليس في إثارة الخلافات، ولا الردود على المخالفات، ولا المناورة على الصوارف والمُشاغَلات، ولا معايرة النطائح والمتردّيات والموتى ومأكولي السِّباع... فإنه قد يكون جليلاً فاضلاً في معتاد ظهوره، لكنه مفضول لا يُنظر فيه عند استعلاء النوازل وهجوم التحدّي ومعركة الوجود وحماية الجذور من الاستئصال.
6. واجب الوقت الآن في إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وحمل السلاح، والانخراط في المعركة المباشرة، والالتحام والاشتباك حيث أمكن ذلك وأثَّر وغَيّر معطيات المعركة لصالح الأبرار المعتدَى عليهم.
7. واجب الوقت اليوم هو في طوفان المشاعر المشحونة ومحاصرة السياسات المحلية المتخاذلة وإرهاق الطبقة المتحكّمة المستكينة وإجبارها على رفع سقوفها.
8. واجب الوقت اليوم في الإسناد المباشر بكل ما يلزم ويعين وفق قائمة احتياجات مطلوبة، وليس اجتهادات افتراضيّة، ووفق خريطة عمل ودليل عمليات، وليس وفق تقدير الاحتمالات ومراعاة المسموحات والممنوعات.
9. واجب الوقت اليوم يفرض علينا أن نتجاوز المناقشة المفرطة في تقدير الحسابات والهروب من دفع الاستحقاقات والتزهيد في التضحيات ومنع الاجتهادات.
10. واجب الوقت اليوم في تأمين مسار الطوفان وحمايته وتأمينه وصيانته وشحنه وتعظيمه وفتح مساراته ليرسو على ميناء نظيف مستعد للانطلاق صوب المرحلة التالية، يجتمع في فهم ذلك أهلُ النظر وأرباب الحكمة وعيون المستشرِفين وعُشّاق السعادة.
11. الانخراط في واجب الوقت اليوم هو من أنفع الأعمال وأبركها لأنها أصعبها وأشقّها وأكثرها تعدّداً في وجوه المصلحة وأكثرها وضوحاً في الوجوب واستحقاق الأجر واعتبار الجدارة واستحقاق الأهليّة.
12. إذا كنتَ صاحياً واعياً الآن فإن الواجب قد تعلّق برقبتك، فرتِّب ساعاتك مرحلةً وراء مرحلة، فلا ترف في الوقت الآن، ولا سعة فيه للتجوّل.
13. واحذر أن تشقّ الصفّ بأن تنخرط في معركة جانبيّة، فإنّك إن لم تجد حولك من يتبنّاك فاحمِلْ نفسَك وخذها سُيوحاً إلى الله مع من تثق، وافتح جبهتك حيث أنتَ، وصوِّبْ نحو العدوّ فحسب، ولا تشتِّت الهدف بافتراض أعداء فرعيين أو هامشيين.
14. وتذكروا دائماً كلام سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: (ما من امرئٍ يخذُلُ امرَأً مسلماً في موضعِ تُنتهَكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرْضِه، إلا خذلَه الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ، وما من امرئٍ ينصُرُ مسلِماً في موضعٍ يُنْتَقَصُ فيه مِن عِرْضِه، ويُنتهَكُ فيهِ من حُرمتِه إلا نصرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه) .
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

20 Oct, 12:28


ومنّا صاحب العصا!
• قال: أَوَفِيكم مَن يُتمدّح بعصاه في زمانكم؟ فقصصتُ له خبر صاحبنا في لأْمة حربه، ولثام وجهه، وأخبرته عن سنّه الصارم الذي له أوارٌ يُبارز به، وأنّ عصاه لم تكن بيمينه ساعةَ لقائه، إذ إنّ أكْحلَ ذراعِه التي يبارز بها قد قُطِع، فتوكّأ عليها ليقعد على أريكةٍ من غبار المعارك.
• وأخبرتُه أنّ عصاه لم تكن مِخْصَرةً ولا عُدّةَ خطيبٍ، وأنّه لم يهشّ بها على غنمٍ، وإنما هشّ بها على سلاح طائر ينقضّ بأنيابه على كل من يبصره، فاستجمَعَ آخرَ قوّتِه بعد النزيف، وحذَف بشِماله عصاه العَجْراءَ صوب جناحِ الوحش الزنّان المُسيّر لَعلّها تكسره، فشاء الله ألا تصيبه لتلتقط لنا عينُ السلاح مبارزةَ آخِر القادة المحترمين في زماننا.
• قال الحكيم: أحسبُ أنّ العصا جاءتْه كرامةً لتَلقَف ما يأفِكون! ثم نظر إليّ، وقال: ألَا تعلم أنّ للشهداء أجرَهم ونورَهم ! فأمّا أجرُهم فهو تامّ عظيمٌ لا يُعلَم مقدارُه يوفّى إليهم غيرَ منقوص، وأمّا النور فثمّة نورٌ في الآخرة يمدّ لهم ويسعى بين أيديهم، وثمّة نورٌ في الدنيا يَدلّ عليهم، ويَستبين بعلاماته الشاهدة سبيلُ الصدّيقين، ويكشف بظهوره الذائع للسائرين سبيلَ السعداء المهتدين، فسلامٌ عليه، وسلامٌ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

19 Oct, 06:09


كنّا إذا تبارَينا في مكاسرة العيون حدَقت كلُّ عينٍ إلى العين التي تقابلها، فمَن أغمض عينَه خرج من الحرب، ومَن رفّ جفنه أو رمشه خسر المبارزة، واستأنف المكاسرة... ونحن قوم لا يرفّ لنا جفنٌ!

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Oct, 08:23


النفقة الفاصلة!
1. العدوّ يريدها الآن معركته الفاصلة الأخيرة، وقيامته المنتظرة، ورجال الله في الميدان ماضون في حرب استنزافٍ بكل ما تبقّى لهم من إعداد في خضمّ هذا الخذلان المستطير، ووصيّتهم الوحيدة أن تقوموا بأمر أهلهم فإن كلّ ما يصلهم من خيركم لا يغطي حدّ الاحتياج العاجل، وكل نفقة الآن ليست مثل أي نفقة سابقة.
2. وهنا موضع الحديث (من أنْفَقَ نفقةً فاضِلةً في سبيل اللّه فبِسَبْعمِائة)، وفضلُ النفقة هنا يكون في تميّز محلها وحُسن موقعها وجلال زمانها، كما يكون أيضاً في المال الفاضل عن الحقوق المعجّلة، فلا يضارّ فيها صاحب حقّ من والدٍ أو ولدٍ أو ذوي النفقة الواجبة، وظنّي أن ردّ هذا العدوان الكبير وكسر موجته العاتية والدفاع عن أهل هذه الأرض الثائرة بات في حكم وجوب النفقة.
3. وثمّة وجهٌ في قراءة الحديث لا تجده إلا في كتب اللغة يجعل الضاد المعجمة في " نفقة فاضلة" بالصاد المهملة (من أنْفَقَ نَفَقَةً فاصِلَةً في سبيل اللّه فبسَبْعمائة)، ولهذه الرواية اتجاهٌ في المعنى له أصلٌ متينٌ في الفهم والنظر والميقات، فإن محل هذه النفقة في هذا الطوفان فيصلٌ بين الحق والباطل، أو بين الإيمان والكفر، وبين الوجود والعدم، وبين الاعتبار والإهمال، وبين النصرة والخذلان، وبين الجدارة والحقارة.
4. إنها النفقة الفاصلة اليوم، وهي الأشد وجوباً، والأعظمُ حاجةً، والأعجلُ نداءً، والأبلغُ استغاثةً، والأمضَى سلاحاً، والأعلى أجراً في حساب الله سبحانه لأنها (بسبعمائة)؛ فمَن أدّاها اليوم فهو بَدْريُّ زماننا، ولا يضرّه ما فعل بعد اليوم، إذ إن ما فعله يعني أنه في ولاية الله الأعلى.
5. وإذا خُتمت هذه الحرب، ولا اعتبار لكم في جُندها فهي الخسارة الفادحة، والعار المتصل، والذلّة القائمة، ولا عزاء للجبناء.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

10 Oct, 08:22


يا أمّ موسى!
1. أترون كم هو فؤادُ الأمّ مشحونٌ بالعواطف العميقة، ومسكون بالغرائز الأصليّة النفسيّة القويّة! وترونَ إذا أصابه الفراغ الصِّفريّ نتيجة صدمة عظيمة أو صدمات ثقيلة متتابعة مستديمة أنّ هذا يعني أن كل هذه العواطف والغرائز الأصليّة قد ذهبت وراء شيء عظيم يشغل بالها، ويطرد سكونها، فلا يظهر على فؤادها من الخارج إلا ستائر الهمّ، ولا يخرج منها إلا أدخنة الحزن على فراق وليدها الرضيع الذي لا حول له ولا قوّة ولا إرادة.
2. كان همّ أم موسى يزيد أكثر بفراغ القدرة على التدبير، والعجز عن الحيلة، واشتدّ الواردُ على هذا القلب المفجوع المتصدِّع من احتمال وقوع الطفل بيد ذابحيه، وهاجَ قلبُها عندما هجمت عليها أوّلَ الأمر أفكارُها النفسيّة الطبيعيّة التي تتهمها بقتل وليدها وإغراقه إذا ألقته في اليمّ، ووضعتْ مصيره أمام مجهولٍ خطير لن يكون أقلّه أن يغرق ولدُها أو تفقده إلى الأبد، وكثيراً ما يتحوّل الوارد الشديد على القلب إلى تجميد مشاعره وإطفاء شرارته وإبطال عمله.
3. كانت أم موسى تتلقّى وحياً صادقاً مُقْنِعاً لا يتلقّاه إلا الأولياء المقرّبون، وكان الوحي أشدّ ولوجاً على قلبها واطمئناناً به من أي مشاعر قوية مختزنة في فطرة قلبها، وعندما أتاها هذا الخاطر القويّ والحبل المتين من هذا الوحي يأمرها ألا تخاف وألا تحزن، لأن مصير صغيرها لن يكون بنجاته من القتل والغرق فحسب بل سيكون إماماً مرسَلاً، وفوق ذلك هديّة غالية معجّلة بأن الله سيردّ إليها صغيرها، وسيعود إلى صدرها راضعاً من حنانها ولَبانها، وستأنس بقربه مع أمانٍ لحياته وضمانٍ لمستقبله.
4. لقد ربط الله على قلبها الجازِع الفارغ بإفراغ الصبر فيه، فلم تَخَفْ لأن الخائفَ عاجزٌ جبان، ولم تحزن لأن الحزين لا يصبر، وليس فيه عزيمة ولا إرادة؛ وجعل الله لقلبها رباطاً تشدّ به عواطفها، وتُوجّهها بالصبر نحو المقاصد والغايات، فلم تنكشف عواطف الأمومة وتَذيع شفقةً أو وَجْداً عندما رأت تابوت وليدها يبتعد عنها في الماء وتتقاذفه تيارات الماء، ولم تنفعل عندما أعلنوا أن هذا الصغير هو ابن فرعون، ولم تخبر أحداً أنه ابنها هي، وأنها أمّه دون غيرها، وانظر إلى هذا التعبير القرآني العجيب (إن كادت لتبدي به) ولم يقل "تبديه" لأن الإظهار والإبداء هنا ليس معرفة هذا الخبر فحسب بل يتضمن معنى الإشاعة والإخبار.
5. وثمرةُ هذا الربط على القلب أن يكون المرء مؤمناً مصدّقاً، فإن الإيمان يريح القلب، ويصرفه عن الهواجس والمخاوف وطوارئ الانفعال، ويثبت قلبه ويقوّيه، وينقله إلى سماء اليقين فلا يتزعزع التزامه بقضيته مهما أصابه من القوارع والكوارث التي تفرغ القلوب وتذهل النفوس.
6. يا أمّي تحت الويل والنار! إنّه مع اشتداد الكارثة عليكِ وانعدام الحيلة أمامكِ فإن أقوى ما نعالج به أنفسنا هو في ربط أنفسنا بالله ربطاً كلّياً نَخرج به من حولنا وقوّتنا، ونفرغ قلوبنا تماماً من أي خوف أو حزن، ونمسك بهذا الحبل المتين الوحيد، ونعلّق أنفسنا بأسباب السماء، ونترقّى بهذا الحبل إلى أعلى مع كل ضائقة ومصيبة بالصبر الجميل والحمد المتصل والرضا الكامل والتوكل الحقّ، وتظل عيوننا مفتوحة إلى السماء، ولا نخفضها إلى ظلم الأرض وجور أهلها وخذلان الأقربين فيها.
وكتب الله لك اللطف والسلامة
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

07 Oct, 07:19


تدبُّر في معاني (لن يضروكم إلا أذى)
1. كان مذاق هذا اليوم السابع فاخراً لم يذقه الناس من قبلُ، وهو طعامٌ عجيب غذّى الروح، وشَحَنَها بالاندفاع، وغَمَرها بالثقة، وقلَب المشهدَ، وغيّر المدى، ولكنّ بعض آثاره الظاهرة في الميدان الاجتماعي العام كان فيها مرارة فاجعة، وحزن عميق، وغضب نازف، وتيه لا دليل فيه، وشعور جارف باليتم والخذلان، وقد حلّ البلاء والدمار والفقد والنقصان بكل ما حولهم ؛ ولولا أنّ الله يلقي على عباده بعضاً من رحمته، ويكرر عليهم شواهد من دلائل نصره القادم ليخفف عنهم شدّة المصاب لكان الحال أشبه بجائحة نفسيّة جماعيّة مجنونة لا يشفى أحدٌ من عقدتها.
2. ولا شك أن في هذا الطوفان الكبير أذىً قد جرى الإخبار القرآنيّ بأشباهه والتنبيه عليه والحثّ على الاستعداد له وتحمّل عواقبه، وهذا لا يعني أن هذا الطوفان أذى في الاستنتاج البارد، فإن النصيحة يكون فيها أذى، لذلك كانوا يوجّهوننا كيف نقلّل اتجاه الفضيحة في النصيحة، ونَزِنُها ميزانَها؛ كما أن في السفر أذى للمشقّة فيه وانقطاعه عن الأهل والأحباب ومألوف العادات.
3. وقد كنتُ أتحدّث لإخواني أنّنا كنا نرى كتب التفسير تذهب إلى أن الأذى في قوله تعالى: (لن يضروكم إلا أذى) هو المكروه اليسير والشرّ الخفيف، حيث نظروا إلى سياق بعض الآيات فاستنتجوا هذا، فطالَعوا هذا: (إن كان بكم أذى من مطر)، وهذا (أو به أذى من رأسه)... فذهبوا هذا المذهب.
4. وفاتَهم أن الأذى هنا ناتجٌة من النواتج، وضرر مقدّر بقدره، وهو يوزَن بالقدر الذي يكون عليه في كل سياق أو قضيّة، لأنّ حقيقته هو في النواتج السلبية من تداعيات الأمر، وردود الفعل عليه، وتغذيته الراجعة.
5. ولأنّه ناتجةٌ وأثرٌ فإن أثره يتوزع معناه في اتجاهات عدّة نحو التقذُّر والوجع والاستقباح والرهق والإزعاج والملل واستمرار القلق والكآبة والحزن وعدم الانتفاع والإهانة والانكسار والهمّ والغمّ ...
6. وهذا الأذى في أصل الوضع اللغوي قد يتجه صوب الضرر الخفيف كالشعور الذي يصيبك من الحر الشديد أو البرد الشديد، إذ أوّلوا الأذَى بأنّه شِبْه البَعُوض الذي يأتي عقب المطر يَغْشَى الْوَجْه ولا يَعَضُّ؛ وقد يتجه صوب الضرر الشديد كالآذِيّ الذي هو موج البحر الشديد المتلاطم الذي يمكنه قلب السفينة وتكسير الشواطئ واجتياحها؛ وقد يكون هذا الأذى على مدى متطاول، ومنه الناقة الأَذِيَة التي تراها في حركة دائمة لا تكاد تستقر، وكأنّ بها وجعاً أو أذى مخلوقاً معها فتظل في قلق متصل واضطراب غير منقطع.
7. والتهوين في الآية (لن يضروكم إلا أذى) ليس مادياً خفيفاً أو نفسيّاً عابراً كما فهمه بعضهم بعد أن استقر لديهم أن الأذى هو المكروه اليسير، فجعلوا الضرّ يتضمّن دلالات القتل والأسر والإعاقة المستديمة، وجعلوا الأذى يتضمّن ما هو أقلّ منه كالطعن والجراحة والإذلال والتهديد والحملة الإعلامية والتشويه والدسائس والمؤامرات الشاغلة... بل إن زاوية التفريق بين الضر والأذى تتعلق بالتداعيات والآثار، فإن الضرر هو الفعل الشرير كبيراً كان أو صغيراً، والأذى هو ناتج هذا الضر صغيراً كان أو كبيراً.
8. وهذه الآية لم تكن في فهمي تهويناً للضرر الذي سينشأ عن ملاقاة هؤلاء الأوغاد الفاسقين، بل إنه تأكيد لنظرة واقعيّة بأن هذا الضرر سيكون له مستوى من الأذى يكافئ الضرر الموجود فيه وقد يخرج عن حدّه، ومن المفهوم أن الضرر إذا كان متصلاً طويل الأمد فإن الأذى الناتج عنه سيكون مصاحباً له حتى يرتفع الضرر المباشر ويتوقف، وعند ذلك يذوب الشعور بهذا الأذى لشدة اعتياد العظائم فيه بكثرة تكرارها، وهو ما يعني تخليق جيلٍ مسبوك بالنار والثأر المحتدِم وإرادة التضحية وشعائر الثبات وحلول القيم الراسخة.
9. لذلك أمرنا الله دائماً بالصبر والمصابرة واستدامة الثبات والتواصي بذلك واستشعار معيّـته دائماً، وإذا حققنا الاستجابة لأمر الله فقد استحققنا موعوده القدَريّ بأنّ هؤلاء الأوغاد سيولّون الأدبار، وستُضرَب عليهم الذلة والمسكنة، وسينقطع عنهم حبل الناس كما انقطع عنهم حبل الله، وسيبوؤون بغضب منه، ومَن غضب الله عليه قهَرَه، وأذلّه.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

03 Oct, 06:38


استدامة الثبات باستعادته
1. أظهرُ معاني الثبات تكون عند اللقاء والاشتباك، ولكن ثمّة مظهراً آخر يخفى على الناس نتيجة طول العهد أو الغفلة، وهو مظهر الاستدامة على هذا الثبات.
2. وهذه الاستدامة ليست واجبةً على أهل اللقاء فحسب، وإنما وجوبها يتصل أيضاً بالبيئة الحاضنة المؤيّدة لأهل الثغر التي قد يصيبها التردد والضعف لما يظنونه من تأخّر النصر في حساباتهم، واستعجال الظفر المادّي.
3. إنّك عندما تكون مسانِداً ناصراً للحقّ في أول الأمر فإن هذا لا يعفيك من لزوم هذا الإسناد حتى أداء الأمر وظهور عاقبته، فاستدامة الثبات في مواقفنا وإسنادنا وإعلامنا ودعائنا ونشاطنا قضيّة حيوية ملحّة، ضروريّة البقاء، لا تستوي نهايات الأمور إلا بوجودها.
4. وهذا يجعلنا أمام مسؤوليّة شديدة الوجوب بأن نعيد التأطير لهذا الثبات، ونجدّد الضخّ فيه بموارد الحياة ودواعي القوّة، ونفتتح له المبادرات الأحسن، ونمكّن الوسائل الأنجح، ونبتدع وسائل أخرى لتمديد الإسناد وزيادة فاعليته.
5. إن التقصير في مواقف الثبات وحرمانها من الاستدامة انتكاسة تعيد الأمور إلى بداياتها الصعبة، وتعقّد قدرات التطور التي كانت بحاجة إلى المتابعة والمواكبة وليس إلى الترك والغفلة .
6. هذه الحاجة إلى الاستدامة تتطلّب الآن من مفكّري التنمية وصنّاع المبادرات أن يصوغوا لنا الأطر التي ينبغي للأنصار أن يتحركوا فيها، وتتطلب من ذوي الأهليّة للإسناد والتمويل والصناعة والإنتاج أن يضعوا فيها مجدداً قدراتهم الاستثماريّة، وأن يعْمروها أكثر مما عمَروها أول مرّة، وأن يعيدوا إثارة أرضها وقدراتها، وأن يكونا أكثر قوّةً فيها، وأن يستديموا الثبات في موقفهم الناصع الأوّل، وألّا يتركوا الزمام.
7. تأمّل قول سيّدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وتدبَّره ثانية، وستعرف معنى الاستدامة والثبات فيها حتى آخر لحظة: (إن قامت السّاعةُ وبيد أحدكم فَسِيلة، فإن استطاع أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعلْ).
8. وتذكّر دائماً توجيهه الواضح: (مَن كان معه فضلُ ظهرٍ فلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زادٍ فليعدْ به على من لا زاد له) فهذا محلّه الأوجبُ.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

02 Oct, 05:18


لماذا نبتهج بزينة السماء!
قد تكون أثخنتْ في العدوّ أو لم تستطع ذلك، وإن كنّا نعرف أن العدو لا يكشف عن خسائره إلا بما يخدم أهدافه وينتظم في سياساته، وعلى كل حال فإن قيمتها في الجرأة عليها، والاستعداد لتحمّل تبعاتها، وتزداد قيمتها أكثر بتكرارها، ودفع البيئة المحيطة إلى كشف أوراقها، وكثيراً ما كنّا نقول لذوي الرأي إننا نحتاج إلى أمثالها لأنّها:
1. تغيّر اتجاهات الاشتباك، وتحوّل مربّعات الهدوء الراكدة إلى دوائر موجيّة نشطة!
2. وهي تزيد مساحة الفعل وتشجّع عليه، وتبحث عن امتدادات جديدة في ساحات الاشتباك!
3. وهي تعقّد حسابات العدوّ، وتشتّته، وتزيد من إنفاقه، وترفع سقوف توقعاته!
4. وهي تقلقه، وتشعره دائماً بعدم الأمان، وأنّ كل شيء يمكن أن يتغير!
5. وهي تُقلق مجتمعه المركّب المصنوع، وتجعل دِعامة الرفاه والاستقرار تنهار في الوعي الجمعيّ لمجتمع العدوّ.
6. وهي تبعث برسائل قويّة إلى العقل المفتوح لدى حلفاء العدوّ الأقربين بأنّ هؤلاء عبء عليكم وعلينا، وأن مصالحكم الحقيقية ليست معهم، وأن العلاقة بهم لا تزيدكم إلا أزمةً وبُعداً.
7. وهي في الأساس تدلّ الساعين على إمكانية الفعل واتساعه مهما ضاق الواقع، وأن الله يَجبُر عبادَه، ويخفّف عنهم، ويزيدهم ثقة بإمكانيّة النصر!
8. والشعار في هذا كله: لا ينبغي للعدوّ أن يرتاح لحظة، وعليه أن يخاف دائماً!
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

01 Oct, 05:42


وسيذهب كيدُهم!
1. ظنّك بالله تعالى ليس رأياً خاضعاً للمراجعة أو المساومة أو التعديل، وليس صفقة تحاول التربّح بها، إنما هي عقد وثيق، وعهد أكيد، وبيعة لا نكث فيها، فنحن لا نعبد الله على حرف نطمئنّ إذا أصابنا الخيرُ منه، وننقلب إذا فُتِنّا، فهذه تجارة لا تكون مع الله، ويخسر المرء فيها دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين.
2. وعندما نظنّ أن الله سينصرنا ويبلّغنا ما نرجوه ويرزقنا عاقبة حسن ظننا به فإن ظنّنا هذا ظن علمٍ ويقين، وليس ظنّ شكّ وتردّد، ونعتقد دائماً أنّه: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
3. ومن شكّ في ذلك أو أتته الخواطر المشوّشة نتيجة تعالي الباطِل واستطالة الشرّ وبلوغ الاستيئاس مبلَغه فإن ظنّه هذا كيدٌ من فعل الشيطان يحتال به علينا لينتزع منا شدّة يقيننا بالله سبحانه.
4. وأمّا مَن تمّكنتْ منه هذا الخواطر الصارفة، واجتالته الشياطين الناعقة فاصطفّ إلى فئة الارتكاس وظنِّ السوء فعليه أن يختبر كيدَه الذي بات فِعلاً قائماً به بأعلى ما يُتصوّر من دلائل تمييزيّة قاطعة بأنْ يمدّ بسببٍ قويّ طويل إلى أعلى سقف يصل إليه ليرى منه ما يظنّه، وسيرى من المشهد العالي ما يجلب له الخسارة النفسيّة التي ستحلّ به عندما يتيقن أن فعله الكيديّ لن يشفي غيظَه، وسينخنق بحبله الذي أوصله إلى هذا السقف، وسيخسر الخسران المبين.
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

24 Sep, 11:54


درسٌ من الأمير معاوية:
في ذروة الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب خليفة المسلمين رضي الله عنه وأمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نتعلّم من موقفٍ عظيم رسمه معاوية، إذ تسببت الفتنة في توقف الفتوحات، وتجرّؤ الأعداء المتربّصين، فهدّد معاوية القيصرَ أنّه سيسلّم القيادة إلى غريمه، ويكون معه في حربهما عليه لأنه عدوهما المشترك، يقول الخبر :
عندما بلغَ معاويةَ أَن قيصر الرّوم قسطنطين الثاني يُرِيد أَن يغزو الشام أَيَّام فتنة صِفّين سنة 37 هـ فَكتب إليه يحلف بِاللَّه:
لَئِن تممت على ما بَلغني من عزمك لأصالحنّ صَاحِبي (يقصد عليّاً)، ولأكوننّ مقدِّمته إِلَيْك، فلأجعلنّ الْقُسْطَنْطِينِيَّة البخراء حممة سَوْدَاء، ولأنتزعنك من الْملك انتزاع الإصْطَفْلِينة، ولأَرُدَنَّك إريساً من الأرارسة ترعى الدوابل.
معاني الكلمات:
• الإصطفلينة: الجزرة
• الإريس: الفلّاح
• الدوابل: صغار الخنازير والحمير ( وإنما خصّ الصغارَ لأن راعيها أوضعُ من راعي الكبار).
د. أسامة الأشقر

جَزْل الغَضَا قناة الدكتور أسامة الأشقر

22 Sep, 04:16


ميزان الشماتة!
سألني بعض الفضلاء عن موجة الشماتة التي تجتاح وسائط التواصل في هذه الأيام وكيف ينبغي التعامل معها وتقدير الحال فيها، فكتبتُ له:
1. الشماتة أن يفرح المرء ببليّة تصيب فرداً أو جماعة؛ وهذا الخلق موقفٌ فيه توحّشٌ نفسيٌّ في أصله، والنظر إليه يكون باعتبار أركانه وجهاته، فقد يكون خلقاً بغيضاً مكروهاً، وقد يكون مطلوباً مرغوباً، وقد يكون متردداً إذا داخلته الفتنة واختلف فيه تقدير المصلحة.
2. فالشماتة في وجهٍ هي بغْيٌ وعدوان قوليّ على أعراض المسلمين وخصوصياتهم وأمنهم الاجتماعي؛ وهي ناتج من نواتج البغضاء أو الحسد ؛ وهي لؤمٌ في أصل الطبع والتركيب النفسي ؛ لذلك فإن أكثر من يستخدمها هم الأعداء في الحروب المستعرة ؛ وهو ما رأيناه من استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء، فشماتة الأعداء مما ينكأ القلب وتبلغ به النفس أشد مبلغ؛ وقد قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام : " ولا تشمت بي الأعداء " أي لا تفرحهم بما تصيبني به ؛ والعدو هو كل من ساءه ما يفرحكَ أو أفرحه ما يصيبك من شر .
3. ولك أن تتخيّل أن تصيب إنساناً مصيبة تكسره فيفرح لها هذا الشخص؛ أو يراه واقعاً في ذنب عظيم فيفرح لوقوعه فيه ؛ ولذلك قرر العلماء أن الشماتة بمصائب المسلمين من كبائر الذنوب الموجبة لتوبة صادقة، بل إن بعضهم جعل الفرحَ المجهور به بالمصائب العظيمة أو الكوارث الكبيرة التي تلحق بالمسلمين في الجملة أو الخصوص من أنواع الكفر المخرج من الملة لأن ذلك يعطي الدليل على تمكّن الكراهية في نفسه من أهل الإسلام، ولا تكون نفسٌ بهذا الشعور إلا نفساً منافِقة؛ وذلك مثل الفرح بالكوارث التي تصيب المسلمين في ديارات المسلمين وما أكثرها.
4. وقد جاء النهي واضحاً وصريحاً عن الشماتة بمصائب المسلمين بدليل ما أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» ؛ وفي رواية للترمذي مرفوعا : [ من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ] . قال الإمام أحمد في تفسير الذنب إنه الذنب الذي قد تاب منه .
5. لكن للشماتة وجهاً آخر تكون فيه مباحة بل ومأموراً بها أيضاً كالشماتة بمصيبة الغادر والظالم والعدو المتجبّر؛ فإن الشماتة بهم تشفي صدور المظلومين والضحايا؛ وتعطي العبرة لمن يقع في أعراض الناس ويؤذي مشاعرهم بلا مبرر ؛ وقديماً قالوا : إن لكل عاثر راحماً إلا الغادر، فإن القلوب مجمعة على الشماتة بمصرعه ؛ ولذلك أَفْتَى سلطان العلماء العزّ ابن عبد السلام أنّه لا مَلام بالفرح بموت العدوّ ومن حيث انقطاعُ شرّه عنه وكفايةُ ضرره؛ بل تكون الشماتة مأموراً بها إذا لم يقدر المرء على إنكار المنكر الجليّ بيده أو لسانه المؤثر المسموع له ؛ وتكون واجبة أيضاً عند الدفاع عن أعراض المسلمين كما فعل حسان بن ثابت بالشماتة من قتلى قريش وساداتها يوم بدر في أشعاره الكاوية ؛ لما في ذلك من إغاظة الأعداء وإحراق نفوسهم ؛ ولهذا كله ذكر الله فرح المؤمنين بنصر الله رغم أن في إظهار هذا الفرح شماتة بالمهزوم المنكسر .
إن المصائبَ تنتهي أوقاتُها *** وشماتةُ الأعداءِ بالمرصادِ
6. وهذه الشماتة الواجبة أو المستحبّة ليست مفتوحة، بل هي مقدرة بقدرها لأن الشماتة هي تنفيس علاجيّ يرمم النفوس المقهورة، ويستعيد الشعور بجرحها فلا يتعاطى مع أسبابها، وهي ليست أداة ووسيلة للتغيير أو الإصلاح، لأنّ مركب المقت والحقد فيها ينطوي على تعديلات نفسية خطيرة تبيح للمرء أن يقهر ويظلم ويتجاوز ويستحلّ ويعم بالشر تحت تبرير نفسيّ قويّ؛ كما أن الانفتاح فيها قد يؤدي إلى خلل التوازن في تقدير الأشياء ووزنها لاسيما في الخطوب الكبيرة التي تختلط فيها الأشياء الصالحة والطالحة، وتتعقد فيها الخطوط القريبة والبعيدة، وتتداخل فيها المصالح والمفاسد.
7. ولهذا ننصح ذوي الرأي المعتبر في سلّم القيادة والتأثير دائماً أن يضبطوا ميزانهم على تقدير المصالح القريبة والمتوسطة والبعيدة، وليس على جموح النفس وغضبها والانسياق وراء ثورة الغضب المحبوس لدى الجمهور المظلوم واتجاهاته غير المحسوبة، ولا يعني هذا أن يغيّروا ما بأنفسهم من مشاعر غضب صادقة وحزن محفور في العمق، وهو أمر عسير حقّاً، لكن لا مناص من النصيحة به في الفتن خاصّة، وعند اختلاف الرأي بين الصالحين في تقدير حظ الشماتة وسهمها، لاسيما إذا كان ثمة اشتراك بين الشماتة الواجبة بعدوّ ما يستفيد منها عدوّ آخر متربّص يستفيد منها في حربنا أجمعين، فندخل في مفهوم شماتة الأعداء التي تعوّذ رسولُ الله منها.
د. أسامة الأشقر