كابوس المرأة في الحب هو الفراق. وكابوس الرجل هو الانتظار. لأن حب المرأة يغرسها في الأرض. وحب الرجل يشعله ويحرقه. وعليه، اختلف ألم النفخ في النار وإطفائها عن ألم اجتثاث الجذر والشجر. وعليه أيضا، تبدو النساء معتاداتٍ على العيش مع أشباح من يفتقدْنهم. أما الرجل فهو يفضّل العيش مع وحشك على مجالسة شبحك. لذا يجد العزاء في وقت أقصر من المرأة. فاستسلامه للذكرى يعني انهياره.
أعود للكتابة هوايةٌ توقّعت أنني لن أعود إليها مطلقًا لكنها أتت وخلعت باب الطمأنينة الذي بنيتُهُ لنفسي منذ مُدة.
إدركت أن ليس بإمكان حائط أو أبواب أو كُل الأقفال أن تمنع القلق أن يتسرب إلى أيامي فيُصيبني بالأرق َوكره النفس والناس و البكاء الغزير مع مناديل الدموع في كل مكان وهزيمة وصورة أُخبّئُها تحت وسادتي.
عجيبة هذه الأيام تظنُ إنك تجاوزت ونجحت بمعالجة نفسك بدون زيارة أي طبيب، قد يأخذُ منكَ خمسين دينارًا على أن يسمع أحزانك لمدة ساعة وأنت مستلقي على كرسي يبدو وكأنه مريح وبجانبك علبة للمناديل التي قد تحتاجها، ثم يكتب ورقة للقواعد التي ستتبعُها: بدايتها تناول مهدئ قوي والنوم عشرون ساعة على الأقل وعدم التحدث حتّى مع نفسك حتى موعد الجلسة القادمة وآخر الوصفة يكتبُ: لا تنسى إحضار المال معك.
على أية حال لم أكن أملك المال وهذا السيناريو لم يكن ضمن قراراتي، لذلك عالجت نفسي بكوب من القهوة يتم تجديدهُ كل ساعة، مع الكثير من التدخين وآلام العيون نتيجة القراءة الطويلة للروايات التي قد تنسيني أحزاني،
وهكذا مرت تسعة شهور حتى وجدتُ نفسي اليوم بأنني عُدت من جديد لهذه العادات بعد انقطاع، يعني مجدّدًا عدتُ لذات البئر الذي خرجت منّهُ عنوَةً.
يقول الكثيرون أن من السهل أن تنقذي نفسك، وأن لا داعي للدراما الكثيفة وجعل حياتك تبدو وكأنها مسلسل درامي طويل وبطلتهُ مملة، وأن مصير المرء بقرارة نفسه، وأن لا يمكن للحياة أن تُنتزع من النفس إلا وإن سمحت هي بذلك أولاً.
كل هذا الكلام كان سيُفيدني فقط إن كانوا قد قالوه وهم يمدّون إليَّ بحبل إلى أسفل البئر معهُ شمعة مضيئة بعشرة قروش تضيئ عتمتي وتذكرني كيف كان شعور الطمأنينة القديم وغرفتي الدافئة وأشعة الشمس التي تلمعُ على خدّي صباحًا وقطتي السوداء التي تلعق قدمي وزهرتي التي تنتظر الماء مني والنص الركيك الذي كُتبَ البارحة على ورقة وينتظر مني أن أُكمِلَهُ...
رانيا شويات أتمنى أن يُسرق الشعور بالطريقة ذاتها التي تُسرَق فيها النصوص.
هذه ليست أفضل أيامي لكني أعيشها يا ربّ على يقينٍ تام بأنك تراني كما لا أحد يراني أسعى في سبيل أن أجد في نهاية المطاف ما تجبر به خاطري وتعبي وأن تمنحني عطفك الذي يغنيني عن العالمين أجمع.