والله هو الواحد القهار ليس هناك قهار إلا واحد، ليس هناك غلاب إلا واحد وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، فالقهار لا يكون إلا واحدا، ولهذا الله سبحانه وتعالى في غير ما آية من كتابه الكريم وصف نفسه بذلك وهو الواحد القهار أي المنفرد بالقهر والغلبة لا غالب له بل هو الغلاب وحده لا شريك له، وهو القهار وحده لا شريك له، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.
قال:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)}[الشعراء:128،130].
هكذا يقول لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام، يقول لقوم عاد الذين تكبروا في الأرض بغير الحق أتبنون بكل ريع أي بكل مكان مرتفع آية تعبثون أي بناء رفيع عبثا ليس لكم فيه مصلحة، وتتخذون مصانع إما القصور وإما الحصون المنيعة الشديدة لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون، لكنهم لم يتقوا رب العالمين سبحانه وتعالى، شأنهم كما قال الله :{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}[البقرة:206].
هؤلاء قوم عاد بغوا وطغوا وتجبروا وعتوا على رب العالمين سبحانه وتعالى وتظاهروا بقوتهم وأنه لا أقوى منهم ولا أشد بطشا منهم فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، فإذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يهلك الأمم الظالمة فإنه لا يقف أحد من الخلق أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا اجتمع من في الأرض على أن يدفعوا ما أراده الله فإنهم لن يتمكنوا من ذلك أبدا، فالأمر لله وهو الواحد القهار وحده لا شريك له، وهو عزيز ذو انتقام وحده لا شريك له.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونسعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المسلمين : إن ما يحصل بهذه الأيام من الحرائق المهلكة في أمريكا من نعم الله عز وجل على المسلمين، ومن بطش الله وغضبه وانتقامه على الكافرين، وهي آية من آيات الله رب العالمين، فكم تعالت تلك الدولة على غيرها، وكم تعاظمت بقوتها وبمالها وبجندها وبأسلحتها فدمرها الله سبحانه وتعالى، وأحرق الله سبحانه وتعالى ما أحرق من منازلها ومن دورها ومن مدنها وما تمكنوا أن يردوا عذاب رب العالمين سبحانه وتعالى.
فالله هو القوي المتين وهو الواحد القهار، فكم ظلمت من دول، وكم أثارت فتنا في أوساط المسلمين، وكم دمرت من شعوب، وكم وكم حصل منها من إشعال للحرب في كثير من بلدان المسلمين، يكيدون لأهل الإسلام في الليل والنهار وفي جميع الأوقات فأرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الريح المهلكة كما أرسلها على الأمم الظالمة السابقة وهذا من عذاب الله رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن نقمته على تلك الأمة الظالمة الباغية التي تسعى في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين.
إن هذا الأمر الذي حصل لهم من عذب الله عز وجل يفرح به كل مؤمن، لا يجوز لمسلم أن يتألم لحالهم ولما حصل منهم فإن هذه نقمة من نقم الله عز وجل وعذاب من عذاب الله لأمة كافرة لأمة طاغية لأمة ظالمة لأمة مفسدة في الأرض، فكيف تحزن وتتألم لقوم كافرين لقوم مجرمين لقوم ظالمين، الواجب على المسلم أن يفرح وأن يدعو الله عز وجل أن يزيدهم من عذابه، فإن هلاك الظالمين مفرح للمؤمنين.
وينبغي للمؤمن أن يحمد ربه سبحانه وتعالى على ذلك فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، يحمد العبد ربه إذا ما قطع دابر الظالمين ولا يحزن ولا يتألم من ذلك{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}[الأنعام:45].
قال:{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)}[النؤمنون:28].