ومهما هذَّبت قوة الفِكر وأصلحت كما ينبغي، حصَّلت بها الحكمة التي أخبر الله عنها حيث قال: ﴿ومن يؤتَ الحِكْمةَ فقدْ أُوتيَ خيرا كثيراً﴾.
وثمرتها أن يتيسر له الفرق بين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الصدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، ولا يلتبس عليه شيءٌ من ذلك، مع إنه الأمر الملتبس على أكثر الخلق.
ويعينُ على إصلاح هذه القوة وتهذيبها ما أودعناه (معيار العلم).
القوة الثانية: هي الشهوة، وبإصلاحها تحصل العفّة، حتى تنزجر النفس عن الفواحش، وتنقاد للمواساة والإيثار المحمود بقدر الطّاقة.
والثالثة: الحَميَّة الغضبيّة، وبقهرها وإصلاحها يحصل الحِلم، وهو كظم الغيظ، وكفّ النفس عن التشفي، وتحصيل الشجاعة، وهي كفّ النفس عن الخوف والحرص المذمومين في كتاب الله تَعالى.
ومهما أصلحت القوى الثلاث وضُبِطت على الوجه الذي ينبغي، وإلى الحدّ الذي ينبغي، وجعلت القوتان منقادتين للثالثة، التي هي الفِكرية العقلية، فقد حصلت العدالة.
وبمثل هذا العدل قامت السموات والأرض، وهي جِماع مكارم الشريعة، وطهارة النفس وحُسن الخُلق المحمود، بقوله -عليه السلام-: «أكمَلُ المؤمنين إيمانًا وأحسَنُهم أخلاقًا وألطَفُهم بأهله».
[أبو حامد الغزّالي رحمه الله|| ميزان العمل].