س: حول شبهة أن كل من خالف الشيخ أبا عبد المعز يلزمه الذهاب إليه؛ ومناقشتها ..
ج: "أولا: ليست العبرة بالأشخاص؛ إنما بالدليل، اعرف الحق تعرف أهله.
الإنسان لما يعرف الحق؛ كيف يعرفه؟!
يعرفه بأماراته، وأدلته، وما يحمله من أدلة، ومعاني، ونور .. فإذا كان هذا قد وصل إلى الدليل؛ واستنار به؛ سواء استنار به سماعا، أو مجالسة، أو قراءة، أو نحو ذلك .. ففي هذه الحال كان ما انتهى إليه، أو درسه، أو سمعه هو الحق؛ يرتضيه، ويعقد قلبه عليه، نظرا لوجود الأدلة التي أقنعته في المسألة، وليس فلان أو علان، خاصة إن كان يعطي الحكم دون دليل، فأنت تتمسّك بالدليل لا بالأشخاص.
ذكرت أنه في منطقتكم يقال أن كل من خالف الشيخ ينبغي أن يأتي ويناقش، نحن ذكرنا الإشكالات في مسألة الإنكار العلني، وقلنا أن في هذا -الإنكار العلني- إذا كانت لا تزال عند الإنسان شبهة تتعلق به؛ فإنه يعمل على إزالتها، وينتقل من الشبهة إلى الحق.
وإذا كان عنده دليل؛ وغيره وقع في شبهة؛ فالأصل أن ينصحه، وقلنا نحن مستعدون للنصيحة إذا كان الغير يعقد قلبه على أننا تمسكنا بشبه، فيأتي؛ مرحبا به، حلقاتنا موجودة، وقلوبنا وأبوابنا مفتوحة، يدلي بما لديه من أدلة، وربما يهدينا في المسألة الصراط المستقيم، ونكون له من الشاكرين، ولم أذكر أن كل من خالف يأتي.
إن هو تعلّق بشبهة؛ لأن غالب من يأخذ من أفواه الرجال دون مناقشة، أو رؤية تفحصية .. يبقى موقفه سطحيا؛ غير معمّق، فتأتي أي أمارة، أو دليل بعيد أو قريب؛ يعمل له تشويشا في مواقفه، وتجد كثيرا يأخذون عن الغير مثل الأبناء من الآباء، كالإسلام الوراثي؛ يأخذ الغثّ والسمين، والصحيح والفاسد .. وهذا الطريق لا نرتضيه.
كما يأتي أحد من بعيد ويقول أنا أخالف فلانا، ولا أرى أن المسألة التي قالها كذا ..
تخالف مرحبا، لكن إذا كان عندك دليل مغاير لهذا، وليس من أجل المخالفة فقط، أو وجود دليل صرفك؛ ائتنا به، ربما يكون طيبا فنمشي معه كلنا.
في المسألة -الإنكار العلني- أمر بسيط جدا، وهو أن فيه أحاديث تذكر السر، وأخرى تذكر الجهر في الإنكار، وفي الجهر (العلني)؛ الصحابة منهم معاوية -رضي الله عنه- وكان على رأس الدولة آنذاك، وخطب فيهم، وقال: (المال مالي ..)، وانتظر من ينكر عليه ولم ينكر أحد، وفي الجمعة الثانية نفس الشيء، وفي الثالثة قام رجل وأنكر عليه، فحمد الله، لأنه أحس أن الحديث يشمله، وهو الذي رواه، (يكون أمراء يقولون فلا يردّ عليهم ..) الحديث.
إذاً هذا قال (الحديث) أمراء لا يرد عليهم، وبيّنه معاوية -رضي الله عنه- وهو كاتب الوحي بيانا شافيا بفعله، فالصحابي إن بيّن بفعله؛ يقول بمفهومه، ويترجمه بعمله.
وهناك حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، وحديث: (خير الشهداء حمزة .. ورجل قام إلى إمام جائر فأمره، ونهاه، فقتله) الحديث، وأحاديث أخرى تنصّ على أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
كيف نتعامل مع هذه النصوص؟!
وتأتيك آثار الصحابة، وإنكار أبي سعيد، وعائشه، وابن عباس .. رضي الله عنهم، وابن عباس الذي روى الحديث ينكر على علي ..
إذاً كناظر في هذه النصوص؛ هل نترك البعض ونقول سرا فقط؟! أو نقول جهرا فقط؟! أم نجمع؟!
الجمع أولى من الترجيح كما هو معلوم في القواعد.
• أما أن تذهب إلى السر فقط؛ فتقضي بأن الصحابة أخطؤوا، وما يمكن هذا.
• ولا يمكن ادّعاء الإجماع، فإذا اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- على قولين؛ لا يُجمَع على أحدهما.
قلنا: من له شبهة يأتي ويناقش، ويزيل عنا أو نزيل عنه الشبهة، ونجتمع على قلب رجل واحد.
لكن لما يكون الغموض؛ واحد يؤوّل، والآخر يقول صكوك الغفران، وغير ذلك .. فهذه زيادة كلام -وإن قال ما قلتها-، نعم هكذا تُرى المسألة."