في المشهد الأخير، بدا سيدي يحيى من ندى بداياتنا، حيث كنا لا نحمل في جيوبنا سوى المأثورات، ونعيش في قرى مهملة لكننا نعرف الكثير عن العالم، عن سربرينتشا وكوسوفو وكشمير والقدس ويافا وكابل وهرات، أما التاريخ فنحن نحفظ معارك أسيادنا خالد وصلاح الدين وقطز ومحمد الفاتح عن ظهر قلب، وحيث كانت جائزتنا في العيد مسحة مسك على اليد وتمرات ثلاث أو حلوى، ونردد مع الصوت العذب المختلط بصرير ميكرفون ألومنيوم صدئ: رددي يا جبال رددي يا سهول أننا بالفعال نقتدي بالرسول، رددي أننا من أباة الأسود نسعد العالم وأضاء الوجود حدثي عن عمر حدثي عن قطز كيف قادوا الأمم بالكتاب الأعز، هكذا كنا، إلى أن أكل علينا الدهر وشرب، وعشنا نموذج الحياة الأمريكاني بمسحة إسلامية منمقة، وانهزمنا على إثر ذلك وانفرط العقد، فأكلت الدنيا ما تبقى منا، هجرنا المأثورات وأمسكنا بالأندرويد، وصار فجرنا غفلة بعدما كان اليوم يبدأ به، وليلنا تريندات بعدما كان قيام وصلوات، ثم جاءنا يحيى وإخوانه، يحيى الذي لم يخدعه الدهر ولم يغير بوصلته، الذي لم تأكله الدنيا ولم يغيره الزمن، صبيًا يسعى إلى الشيخ بالخبز، شابًا يبني المسجد بنشاط، وينخرط في البطولة، هو هو، كما نبع في البداية وتدفق...
_عبد الله عثمان.