واهًا للشهداء..
وقد أدركوا حقيقة الموت، وحقيقة الحياة، فأقبلوا على الله بقلوبهم المشتاقة، ودموعهم النديّة، ودعواتهم السخيّة،، وإخلاصهم العجيب..!
واهًا للشهداء..
وقد عرفوا الطريق إلى الله؛ فبذلوا دماءهم، ووضعوا أرواحهم على أكفّهم، وخاضوا الغمار متسلّحين بالإيمان، وآيات القرآن تثبّتهم، وتبشّرهم أنْ ( والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم)!
واهًا للشهداء..
وقد مضوا بخطى واثقة نحو الموت، بعد أن رأوه وعايشوه؛ وعقدوا معه صلحاً أنْ (ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون).. فأصبح الموت لهم حياة، وأصبح الرحيل لهم خلود، وأصبح الوداع لهم.. لقاء!
وذاك غاية رغبتهم، وأسمى أمنياتهم،، ولذلك قد صبروا وجاهدوا وعملوا؛ للقاءِ الله! للقاء الرحمن! للقاء الودود!
لرؤيةِ وجهٍ قد أشرقت لنوره الأرض والسماوات، ولقربِ رحيمٍ قد ذابت القلوب شوقاً لرؤياه..
إنها قلوب الشهداء..
تلك التي ما فتئت كل ليلةٍ تمدّ حبل ودٍّ مع الله، وقد أعلنت الانعتاق من الدنيا الدنيّة، والتحرّر من قيود العبودية.. لغير الله!
إنها قلوب الشهداء..
وقد أقبلت على الله بأجلّ مقام!
مقامُ (عباد الرحمن) الذين يمشون في هذه الأرض بأفئدة طيرٍ لا تفتنهم عن غايتهم دُنيا، ولا يثنيهم عن هدفهم؛ شيء.
إنهم (عباد الرحمن) الذين أدركوا أن النصر لن يكون إلا بعبادٍ خالصين لله! (عباداً لنا) ترفّعوا عن كلّ جواذب الطين، وتحرروا من أسرِ الهَوى والنّفس، ورابطوا على ثغرات قلوبهم بالإخلاص ودموع الليل، حتى رزقهم الله شرف الرّباط! ليكونوا هم منارات الهدى التي تدلّ الحيارى، ونجوم السماء التي تُنير ظلمة الطريق لمن بعدهم.
إنهم الشهداء..
من شهدوا لله بالوحدانية، وفرّغوا قلوبهم من كلِّ شيءٍ سوى الله، فاجتباهم الله واختارهم ليكونوا قمحَ هذه الأمة، وسنابلَ مثقَلةٍ بالخير؛ محمّلة بالجبر.
إنهم الشهداء..
الذين هبَّت على قلوبهم رياح الجنة، فهانَ بذلك كلُّ ثمَن! فباعوا أنفسهم لله؛ والله اشترى..
وشدّوا مئزر التضحية ومضوا مُقبِلين.. تناديهِم حورُ السماء، تتجهّز من أجل اللقاء..
إنهم الشهداء..
من ثبّتوا أبصارهم نحو الجنة، وأحيوا بصيرتهم بمعاني الآخرة.. فأخذوا (وأعدّوا) شعاراً للمضاء في درب الخلود.. ليكونوا حواصلَ طيرٍ خضرٍ في الجنان، تمضي وسقفها عرشُ الرحمن، للقاء ربٍّ غيرِ غضبان..
#في_كل_منا_فارس