بعد الحرب البرية بات الهدف فصل شمال غزة عن جنوبها، وأعيد تأسيس محور "نتساريم" باعتباره حقيقة ملموسة يريد الاحتلال فرضها لمنع كل من ذهب جنوب وادي غزة من العودة شمالاً، وليمنع التواصل بين شقي القطاع المحاصر، كما أعاد تأسيس محور صلاح الدين جنوب رفع لفصل القطاع عن الخارج، في اعتراف عملي بفشل التهجير الكامل حتى الآن والعودة لتكريس الحصار الشامل.
بعد سنة من الحرب عادت الصهاينة بهجوم وحشي على شمال غزة لاتخاذه نموذجاً مصغراً لعلهم يفرضون فيه ما فشلوا في فرضه على القطاع بالإجمال، تهجير شمال قطاع غزة نهائياً أو إبادة أهله وإعادته مساحة للاستيطان...
بعد 36 يوماً من العملية الوحشية لتهجير شمال قطاع غزة يجري الترويج اليوم لمحور جديد يُعطى اسم "محور مفلاسيم" لاقتطاع جزء من الشمال يضم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون دون مدينة غزة، باعتبارها مناطق مهجرة تمنع العودة إليها ويجري تكريسها للاستيطان.
في المحصلة العملية ما بدأ مشروعاً تجاه قطاع غزة بمجمله تحول إلى مشروع مصغر على شمال وادي غزة ثم أضحى مشروعاً مصغراً لشمال الشمال...هذه المحصلة العملية شاهدة على عجز الاحتلال رغم كل الإجرام وممارسات الإبادة الجماعية، وبأن الدم يمكن أن ينتصر رغم الآلام والأهوال ما دام يبذل عن إيمانٍ وإرادة راسخة، فالجيش الصهيوني بكل فرقه وطيرانه وأطنان قنابله ليس عاجزاً عن تهجير وإبادة غزة فحسب، بل هو عاجز حتى الآن عن إبادة النموذج المصغر الذي اختاره في الشمال ويضطر من جديد لتصغير مساحة النموذج لعله ينجح...
العجز الصهيوني هنا ليس أمام آلاف الكيلومترات من الجبال والتضاريس، بل هو عجز أمام قطاع منبسط من 365 كيلومترٍ مربع ثم عجز أمام مربع مختار منه لا تزيد مساحته عن 120 كيلومترٍ مربع، هو عجز أمام مهمة يفترض أن تكون ممكنة جداً لجيش يهاجم مدنيين عزلاً ومـ.ـقـ.ـاومة تخوض حربها للشهر الثالث عشر رغم الحصار، هو عجز أمام إرادات كالجبال وتضحيات تكتب ملحمةً جديدةً في التاريخ الإنساني.
بث خرائط هذا "المحور" اليوم وتكريس اسمٍ جديد له جزء من حرب نفسية تقوم على التهويل وبث الرعب لكنها تعجز مهما تصنعت البأس والجبروت عن إخفاء محصلة القتل والدمار: العجز عن الحسم، فالحسم سراب يبتعد كلما طالت الحرب.