ضحكت بتعب مليان حزن وقلت:
" أصل أنا اللي سرقت الشبشب! "
الكل بص عليا ونظراتهم كانت بتاكلني وكأنهم بيقولولي:
" ليه عملت كدا؟ أنت مش إنسان! "
لكن أنا كنت قاعد برتعش لما سمعت منهم الخبر وتجاهلت نظراتهم اللي كلها استحقار وكراهية.. وبقيت أقول لنفسي بكل تعجب:
إزاي سرقة شبشب تدمر حياة بني آدم بالشكل ده؟
وقفت بصعوبة وحاولت أمشي لحد المسجد اللي سرقت من قدامه الشبشب ودخلت وانا ببص حواليا بخوف، لاقيت شيخ جه من ورايا وحط إيده على ضهري وقالي:
" مالك بترتعش كدا ليه؟ أنت كويس؟ "
وقعت على الأرض وانهارت في العياط.. قعد قدامي ومسك إيدي بطبطبة وبصلي عشان أحكيله اللي حصل، لاقيت نفسي بفتكر وبقوله: " أنا اللي سرقت الشبشب! "
بصلي بضحكة وقال: " وسرقة الشبشب تعمل فيك كل ده؟ بسيطة ياسيدي رجعه لصاحبه يلبسه تاني "
رديت بصوت مخنوق وقولتله: " بس صاحب الشبشب مبقاش عنده رجل عشان يلبسه "
الشيخ وشه اتغير وملامحه بقت ألوان.. كملت كلامي وقولت:
" أنا كنت شاب طايش، عايش الدنيا بالهزار والروشنة، كنت بشوف الذنوب بسيطة وخصوصًا لو كان فعلها صغير ومش مستاهل، مكنتش بسمع لنصيحة حد وكنت بطنش الآية القرآنية اللي كانت بتيجي قدامي صدفة في الفيس، والرسايل الربانية اللي بتقع قدام عيني وبتقولي الحق نفسك، الوقت بيفوتك! "
طنشت كل ده وجيت في يوم جمعة وسرقت شبشب من قدام المسجد ورميت شبشبي المقطوع ولبست الشبشب الجلد ومشت، وعيشت وكملت حياتي والذنب ده مخطرش على بالي، فكرت صاحب الشبشب أشترى غيره وخلاص، لكن صاحبه كان مريض سكر ولما لقى الشبشب مسروق مشى حافي.. وهنا المسمار دخل في رجله وسببله بتر ورجله اتقطعت، وكل ده عشان واحد شبهي مستصغر الذنب وبيضحك على الذنوب الصغيرة!
الشيخ بلع ريقه وسحب إيده من فوق إيدي، وأنا كنت بزيد في العياط والندم وأقول " مستحيل ربنا هيسامحني ياشيخ صح! "
أنا متأكد إنه هيردها في صحتي!
وزي ما الحسنة الصغيرة بتدخل صاحبها الجنة، في ذنب هامش ممكن يوقع صاحبه في الجحيم.
الشيخ سكت شوية وقال :
كُل ليلة خُتمت بتلاوة سورة الملك ، بشر لصاحبها في حياته بعودة قلبه للفطرة، وفي الآخرة بشفاعتها له ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ سورةً في القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفَعت لصاحبِها حتَّى غُفِرَ لَه تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "
صاحب سورة الملك وهي هتنجيك صدقني!
مشيت بعد الصلاة وانا بقول إزاي؟ الأمر مش بالسهولة دي!
معنى كدا إن أي حد هيعمل ذنب كبير يروح يقرأ سورة الملك وخلاص؟ طيب ما كل الناس تقراها بعد كل ذنب ومتعيطش!
قعدت كل يوم اقراها ولما أفتكر الراجل وهو قاعد عاجز قلبي يتعصر ودموعي تسيل.. وجيت في يوم صحيت للفجر وعاهدت ربنا إني هصلي طول عمري بس الراجل ده يسامحني!
وبعد سنتين ختمت ربع القرآن حفظ، وسمعت إن الراجل ده على فراش الموت.. بقيت أخرجله صدقات باسمه، وأعمل الخير بنية إن ربنا يهوّن عليه لحد ما في يوم الراجل ده طلبني بالاسم!
مشيت روحتله وانا رجلي بتخبط في بعضها وقلبي بيرتجف من الخوف وحاسس إني بتنفِس من خرم إبرة!
دخلت عليه الأوضة وفضلت باصص في الأرض ودموعي بتنزل بكل هدوء.. لاقيته بص لكل اللي حواليه عشان يخرجوا بره وبعدين بصلي وقالي: " أنا مسامحك! "
بصيتله ولسه هقوله: " عرفتني إزاي؟ "
رد وقالي: " أنا حلمت بيك، الملايكة كانت بتحط في إيدي فاكهة من الجنة، وقالتلي أشاركها معاك وناكلها سوا ولما قولتلهم مين ده؟ قالولي إنك بتشاركني حسناتك وجه الوقت اللي أشاركك فيه فاكهة أهل الجنة، بس قبل ما أروح الجنة أنا حبيت أسامحك في الدنيا "
لاقيت نفسي بنهار من العياط وبقوله:
" وذنب رجلك مين يسامحني فيه "
رد وقالي: " أنا لما روحت للدكتور قالي المسمار ده جه في طريقك عشان ينجيك، رجلك كان فيها صديد وكان هيطلع على جسمك وتموت على طول، أنت منحتني سنتين زيادة أعبد فيهم ربنا "
شكرًا ليك..
وقفت وانا باصص للسما ودموعي بتنقط نار في قلبي، معقول القرآن بيعمل كل ده؟ إزاي ربنا بيرتب الأمور لكل عباده بالشكل العجيب ده؟ إزاي فيه حل لكل مشكلة كدا؟
لاقيت صوت بينادي في ودني وبيقول:
النبي ساب لينا كل الحلول بس إحنا اللي مش حافظين الدين صح!
ومن يوم ما بقيت أستاذ في الأزهر الشريف وأنا بقيت بحكي قصتي دي لكل الناس، عشان يدعوا للراجل ده وعشان محدش ييأس من رحمة ربنا.
بلاش تستصغروا الذنب عشان ضخامة عذابه بتكون صعبة.
وبلاش تستصغروا الحسنة والخمسة جنيه اللي بتفكرها قليلة لما تطلعها صدقة، وقراية صفحة من القرآن كل يوم!
زي ما نقطة المية بتنقذ روح.. القليل من القرآن بينقذك ! ❤🌻.