"اعْلَم أَن كثيرا من النَّاس يقضون السنين الطوَال فِي تعلم الْعلم؛ بل فِي علم وَاحِد، وَلَا يحصلون مِنْهُ على طائل، وَرُبمَا قضوا أعمارهم فِيهِ وَلم يرتقوا عَن دَرَجَة المبتدئين، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لأحد أَمريْن: أَحدهمَا عدم الذكاء الفطري، وَانْتِفَاء الْإِدْرَاك التصوري، وَهَذَا لَا كَلَام لنا فِيهِ وَلَا فِي علاجه.
وَالثَّانِي: الْجَهْل بطرق التَّعْلِيم، وَهَذَا قد وَقع فِيهِ غَالب المعلمين، فتراهم يَأْتِي إِلَيْهِم الطَّالِب المبتدىء ليتعلم النَّحْو مثلا، فيشغلونه بالْكلَام على الْبَسْمَلَة، ثمَّ على الحمدلة أَيَّامًا بل شهورا؛ ليوهموه سَعَة مداركهم وغزارة علمهمْ، ثمَّ إِذا قدر لَهُ الْخَلَاص من ذَلِك أخذُوا يلقنونه متْنا أَو شرحا بحواشيه وحواشي حَوَاشِيه، ويحشرون لَهُ خلاف الْعلمَاء، ويشغلونه بِكَلَام من ردّ على الْقَائِل وَمَا أُجِيب بِهِ عَن الرَّد، وَلَا يزالون يضْربُونَ لَهُ على ذَلِك الْوتر حَتَّى يرتكز فِي ذهنه أَن نوال هَذَا الْفَنّ من قبيل الصعب الَّذِي لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا من أُوتِيَ الْولَايَة وَحضر مجْلِس الْقرب والاختصاص".
ابن بدران الحنبلي | المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص٤٨٥).