"الحياة صعبة، كل شيء صعب، ماعاد قادر اتحمل شيء."
لم يكن يتحدث عن موقف معين، بل عن كل شيء. الأيام تمر، لكنها متشابهة، بلا لون، بلا طعم. حتى الأشياء التي كانت تمنحه المتعة أصبحت باهتة، كأنها صور قديمة فقدت ألوانها. النوم؟ إما كثير جدًا أو قليل حد الإرهاق. الأفكار؟ دائرة لا تنتهي من جلد الذات والندم والشعور بالعجز. لم يكن يبكي، حتى الدموع صارت رفاهية لم يعد يمتلكها.
الاكتئاب ليس مجرد حزن. إنه انطفاء، ثقل، عزلة، وكأن روحك محاصرة خلف زجاج لا تستطيع كسره. العالم يستمر، الناس يضحكون، يخططون، يتحركون، وأنت عالق في نقطة ثابتة، تراقب فقط، دون رغبة حقيقية في المشاركة.
العلاج ليس نصيحة عابرة أو محاولة لرفع المعنويات بجملة مثل: "فكر بإيجابية، كل شيء سيكون بخير." لأنه بالنسبة له، لا شيء يبدو بخير. لكنه أيضًا ليس حكمًا نهائيًا بالبقاء في هذا الظلام.
الخطوة الأولى كانت بسيطة، لكنها بدت له مستحيلة: انهض، تحرك، افعل شيئًا، أي شيء، حتى لو لم تشعر بالرغبة. ليس لأن الفعل سيمنحك السعادة فورًا، بل لأن الاستسلام للركود لا يزيد الأمر إلا سوءًا. جلسات العلاج أصبحت مساحة لإعادة بناء واقع جديد، دون إنكار الألم، ولكن أيضًا دون السماح له بالسيطرة الكاملة.
بدأنا نبحث عن لحظات صغيرة من الضوء وسط العتمة—أشياء كان يستمتع بها يومًا، أصوات، أماكن، أشخاص. لم يكن الأمر سهلاً، ولم يكن سريعًا، لكن مع الوقت، بدأ الظل يتراجع قليلًا. لم يختفِ تمامًا، لكنه لم يعد يسيطر على كل شيء.
وحين خرج من العيادة ذات يوم، لم يكن قد وجد السعادة بعد، لكنه كان قد وجد شيئًا آخر: إحساس خفيف، لكنه حقيقي، بأن الحياة قد تستحق المحاولة من جديد.
#العلاج_النفسي_الأدبي
#محمد_الأسطى