وكأنني أغرق، لا خوف هناك، بل احتواء يبتلع كل أوجاعي ويعيدني سليمة ، هما مرفاً لروح أنهكها الترحال، وحدهما يملكان قدرة الحديث بصمت، يخبرانني أنني بأمان أنني كلي ملكه، وأن الكون بأسره يتقلص في اللحظة التي يلتقي فيها بريقهما ببصري، هذا الرجل لا يشبه الآخرين، ليس أسطورة ولا حلمًا مغرقا في الخيال، بل هو
حقيقي حد الجنون ، رجل يمسك بي وكأنني أغلى ما عرف، يثبتني في عالمه حتى لو
كانت يدي مليئة بالشظايا، يعتذر حين يخطئ، ليس لأنه مضطر، بل لأنه يفهم أن
الحب اعتراف مستمر بالنقص الذي يُكمله وجود الآخر ، عندما أكون معه، أشعر
وكأنني طفلة بين يديه، ولكنه يجعلني أيضا امرأة تواجه العالم بكل ثقله ، يداه ليستا مجرد يدين هما وطن صغير أهرب إليه كلما شعرت بالغربة، تحملان وجهي برفق كأنهما خلقتا ليحملا هذا الكيان الهش الذي أكونه أحيانًا، وفي الليل، حين أتعب من كل شيء، يجلس بقربي ويخترع قصصا لا بداية لها ولا نهاية، فقط ليأخذني بعيدا عن الضجيج، صوته ينساب كأنغام تعيد تشكيل ذاكرتي، ينسج عالماً أهرب إليه حتى يغلبني
النوم، هو بطل، ليس لأنه لا يخاف، بل لأنه يخاف أحيانًا ويختار رغم ذلك أن يقف صامدًا يحمل العالم بأكمله فوق كتفيه، ثم يلقيه جانبا بخفة كأنه لم يكن، رجل لم يعرف الألم طريقه إليه، ليس لأنه لم يعش الأوجاع، بل لأنه قرر أن لا يسمح لها
بتعريفه، وجوده أشبه بمعجزة، لكنه ليس المعجزة الثامنة فقط بل التاسعة والعاشرة وكل ما لا يُحصى ، جاءني كإجابة على أسئلة لم أ أطرحها، وكوعد من القدر أن للحياة دوما وجها آخر أجمل وكأنه يقول لي: أنا هنا، لأكون لك كل شيء .