💍 دروس في تفسير القرآن 💍 @llbbjjdd Channel on Telegram

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

@llbbjjdd


دروس في علوم القرآن ( ٢٥٦ ) درس لأهم علوم القرآن ( رابط القناة https://t.me/LLBBJJDD )

وبعدها بدأنا بتفسير القرآن اعتمادا على تفسير الأمثل .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍 (Arabic)

💍 دروس في تفسير القرآن 💍nnقناة "llbbjjdd" هي قناة تهتم بتقديم دروس في علوم القرآن. تحتوي القناة على 256 درساً في أهم علوم القرآن. يمكنك الاطلاع على الدروس عبر الرابط التالي: https://t.me/LLBBJJDDnnمن خلال تلك الدروس، ستجد محتوى قيماً يساعدك على فهم وتفسير القرآن الكريم. تعتمد الدروس على تفسير الأمثل، وتقدم بشكل مبسط ومفهوم للجميع. ستجد في هذه القناة فرصة لزيادة معرفتك بعلوم القرآن وتعميق فهمك لمضامينه. انضم اليوم واستفد من الدروس القيمة التي تقدمها هذه القناة المميزة.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

26 Jan, 18:19


▪️من هي ام الامام الكاظم "عليه ألسلام "


🔻حميدة خاتون

🔻فاطمة بنت حزام

🔻سمانة المغربية

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Jan, 13:52


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٢ - التواضع وكرامة الإنسان‌

عادة نرى في مثل هذه المباحث الأخلاقية أنّ البعض يسلك فيها مسلك الافراط والبعض الآخر مسلك التفريط، مثلًا يتصور البعض أنّ حقيقة التواضع هي أنّ الإنسان يستذل نفسه أمام الناس ولا يرى لنفسه مقداراً وشأناً من الشؤون، وقد يقوم بأعمال واهنة يسقط بسببها من أنظار الناس فيساء الظن به كما ذكر في حالات الصوفية هذا المعنى أيضاً وأنّهم عندما يشتهرون في منطقة بالصلاح والفضل فإنّهم يرتكبون أعمال قبيحة ومنافية للمروءة ليسقطوا في أنظار الناس، مثلًا لا يهتمون بأمر العبادة وقد يرتكبون الخيانة في أمانات الناس بحيث يتركهم الناس، وبهذه الطريقة يتصورون أنّ هذا الاسلوب هو نوع من التواضع ورياضة النفس.

اننا نجد أنّ الإسلام لا يُبيح للإنسان تحقير نفسه وإذلالها باسم التواضع ولا يرضى بأن يتحرّك الإنسان لإسقاط شخصيته وكرامته وسحقها، فالمهم أنّ الإنسان في عين ممارسة التواضع يحفظ شخصيته الإجتماعية ولا يذل نفسه، فلو أنّ الإنسان سعى‌ للتحلي بالتواضع بصورته الصحيحة فليس لا يجد هذه الآثار السلبية فحسب بل على العكس من ذلك، فإنّ احترامه وشخصيته ستزداد وتتعمق في أنظار الناس، ولهذا ورد في الروايات الإسلامية عن أميرالمؤمنين أنّه قال‌ «بِالتَّوَاضُعِ تَكُونُ الرَّفْعَةُ» .

ويقول الفيض الكاشاني تحت عنوان غاية الرياضة في خلق التواضع: «اعلم إنّ هذا الخُلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة، فطرفه الّذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبراً، وطرفه الّذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسساً ومذلة، والوسط يسمى تواضعاً، والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس، فإنّ كلا طرفي قصد الامور ذميم، وأحب إلى اللَّه تعالى أوساطها. فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع، أي أنّه وضع شيئاً من قدره الّذي يستحقه، والعالم إذا دخل عليه اسكاف فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ثم تقدم وسوى له نعله وغدا إلى الباب خلفه فقد تخاسس وتذلل، وهذا أيضاً غير محمود بل المحمود عند اللَّه العدل وهو أن يعطي كل ذي حقّ حقّه، فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأمثاله ولمن بقرب من درجته، فأما تواضعه للسوقي فبالقيام والبشر في الكلام والرفق في السؤال وإجابة دعوته والسعي في حاجته وأمثال ذلك، وأن لا يرى نفسه خيراً منه بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره، فلا يحتقره ولا يستصغره وهو لا يعرف خاتمة أمره وخاتمته» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

24 Jan, 19:57


قال الله تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) الشمس .

قيل إن المراد بالنفس هنا روح الإنسان، وقيل إنه جسمه وروحه معا.
ولو كان المراد من النفس الروح، " سواها " تعني إذن نظمها وعدل قواها ابتداء من الحواس الظاهرة وحتى قوة الإدراك، والذاكرة، والانتقال، والتخيل، والابتكار، والعشق، والإرادة، والعزم ونظائرها من الظواهر المندرجة في إطار " علم النفس ".
ولو كان المراد من النفس الروح والجسم معا، فالتسوية تشمل أيضا ما في البدن من أنظمة وأجهزة يدرسها علم التشريح وعلم الفسلجة.
وفي القرآن الكريم وردت " نفس " بكلا المعنيين، بمعنى الروح، كقوله سبحانه في الآية من سورة الزمر: الله يتوفى الأنفس حين موتها...
وبمعنى الجسم، كقوله سبحانه في الآية (٣٣) من سورة القصص: قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون.
والأنسب هنا أن يكون معنى النفس هنا شاملا للمعنيين لأن قدرة الله سبحانه تتجلى في الاثنين معا.
ويلاحظ أن الآية ذكرت كلمة " نفس " نكرة وفي ذلك إشارة إلى ما في النفس من عظمة تفوق قدرة التصور وإلى ما يحيطها من إبهام، يجعلها موجودا مجهولا.
وهذا ما حدا ببعض العلماء المعاصرين أن يتحدث عن الإنسان في كتابه تحت عنوان: " الإنسان ذلك المجهول ".

الآية التالية تتناول أهم ظاهرة في الخليقة وتقول: فألهمها فجورها وتقواها.
نعم، حين اكتملت خلقة الإنسان وتحقق وجوده، علمه الله سبحانه الواجبات والمحظورات. وبذلك أصبح كائنا مزيجا في خلقته من " الحمأ المسنون " و " نفخة من روح الله "، ومزيجا في تعليمه من " الفجور " و " التقوى ". أصبح بالتالي كائنا يستطيع أن يتسلق سلم الكمال الإنساني ليفوق الملائكة، ومن الممكن أن ينحط لينحدر عن مستوى الأنعام ويبلغ مرحلة بل هم أضل. وهذا يرتبط بالمسير الذي يختاره الإنسان عن إرادة.
" ألهمها " من الإلهام، وهو في الأصل بمعنى البلع والشرب، ثم استعمل في إلقاء الشيء في روع الإنسان من قبل الله تعالى، وكأن الإنسان يبتلع ذلك الشيء ويتشربه بجميع وجوده.
وجاء بمعنى " الوحي " أيضا. بعض المفسرين يرى أن الفرق بين " الإلهام " و " الوحي "، هو إن الفرد الملهم لا يدري من أين أتى بالشيء الذي ألهم به، وفي حالة الوحي يعلم بالمصدر وبطريقة وصول الشيء إليه.

" الفجور " من مادة " فجر " وتعني - كما ذكرنا سابقا - الشق الواسع وسمي بياض الصبح بالفجر لأنه يشق ستار الظلام. ولما كانت الذنوب تهتك ستار الدين فإنها سميت بالفجور.
المقصود بالفجور في الآية طبعا الأسباب والعوامل والطرق المؤدية إلى الذنوب.

و " التقوى " من الوقاية وهي الحفظ، وتعني أن يصون الإنسان نفسه من القبائح والآثام والسيئات والذنوب.
ويلزم التأكيد أن الآية الكريمة: فألهمها فجورها وتقواها لا تعني أن الله سبحانه قد أودع عوامل الفجور والتقوى في نفس الإنسان، كما تصور بعضهم، واستنتج من ذلك دلالة الآية الكريمة على وجود التضاد في المحتوى الداخلي للإنسان! بل تعني أن الله تعالى علم الإنسان هاتين الحقيقتين وألهمه إياهما، وبين له طريق السلامة وطريق الشر، ومثل هذا المفهوم ورد في الآية (١٠) من سورة البلد: وهديناه النجدين.
بعبارة أخرى، إن الله سبحانه قد منح الإنسان قدرة التشخيص والعقل، والضمير اليقظ بحيث يستطيع أن يميز بين " الفجور " و " التقوى " عن طريق العقل والفطرة، لذلك ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تشير في الحقيقة إلى مسألة " الحسن والقبح العقليين " وقدرة الإنسان على إدراكهما.
ومن بين النعم الطائلة التي أسبغها الله على الإنسان تركز هذه الآية على نعمة الهام الفجور والتقوى، وإدراك الحسن والقبح، لأنها من أهم المسائل المصيرية التي تواجه حياة الإنسان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

24 Jan, 10:16


قال عزَّ من قائل :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ لقمان ٣٣ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

22 Jan, 14:13


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

١ - تعريف التواضع‌

«التواضع» من مادّة «وضع»، وهي في الأصل بمعنى وضع الشي‌ء إلى الأسفل.
وهذا التعبير ورد بالنسبة إلى النساء الحوامل اللآتي يلدن حملهن فيقال‌ «وضعت حملها» وكذلك بالنسبة إلى الخسارة والضرر الّذي قد يتحمله الإنسان فيقال‌ «وضيعة»، وعندما تُطلق هذه الكلمة ويُراد بها صفة أخلاقية في الإنسان فإنّ مفهومها أنّ الإنسان ينخفض بنفسه عن مكانته الإجتماعية، بعكس حالة التكبّر الّتي يفهم منها استعلاء الإنسان عن واقعه الإجتماعي وطلب التفوق على الآخرين.

ويرى‌ البعض من أهل اللغة أنّ‌ «التواضع» بمعنى‌ «التذلل» والمقصود من التذلل هنا الخضوع والتسليم.
وذكر المرحوم النراقي في‌ «معراج السعادة» في تعريف التواضع أنّه قال (التواضع عبارة عن الإنكسار النفسي الّذي لا يرى‌ معه الإنسان نفسه أعلى من الآخرين ولازمه أن يتحرك الشخص تجاه الآخرين من موقع الاحترام والتعظيم لهم بكلماته وأفعاله) .

وفي حديث آخر عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال عندما سُئّل: «مَا حَدُّ التَّوَاضُعِ الّذي إذَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ كَانَ مُتَوَاضِعاً؟ فَقَالَ: التَّوَاضُعُ دَرَجَاتٌ مِنْهَا انْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ قَدْرَ نَفْسِهِ فَيُنَزِّلُهَا مَنْزِلَتَهَا بِقَلْبٍ سَلِيمٍ لَا يُحِبُّ انْ يَأْتِيَ الَى احَدٍ الّا مِثْلُ مَا يُؤْتَى الَيْهِ ، انْ رَأىَ سَيِّئَةً دَرَاهَا بِالْحَسَنَةِ، كَاظِمُ الْغَيْظِ، عَافٍ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» .

وممّا ورد في هذه الرواية الشريفة والمهمة هو في الحقيقة علامات التواضع حيث يمكننا من خلالها التوصل إلى تعريف التواضع.

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «التَّوَاضُعُ الرِّضَا بِالْمَجْلِسِ دُونَ شَرَفِهِ وَانْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ وَانْ تَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَانْ كُنْتَ مُحِقّاً» .

والحقيقة هي أن تعريف التواضع لا ينفصل عن علامات التواضع لأن من أفضل التعاريف للمفردات اللغوية والأخلاقية هو التعريف المشتمل على علامات ذلك الموضوع المراد تعريفه .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Jan, 13:52


قال الله تعالى : قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) النمل .


نقرأ هنا قسما آخر من قصة " صالح " وقومه، حيث يكمل القسم السابق ويأتي على نهايته، وهو ما يتعلق بالتآمر على قتل " صالح " من قبل تسعة " رهط " من المنافقين والكفار، وفشل هذا التآمر! في وادي القرى منطقة" النبي صالح وقومه ".
يقول القرآن في هذا الشأن وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

ومع ملاحظة أن " الرهط " يعني في اللغة الجماعة التي تقل عن العشرة أو تقل عن الأربعين، فإنه يتضح أن كلا من المجموعات الصغيرة التسع كان لها منهج خاص، وقد اجتمعوا على أمر واحد، وهو الإفساد في الأرض والاخلال بالمجتمع (ونظامه الاجتماعي) ومبادئ العقيدة والأخلاق فيه.

وجملة " لا يصلحون " تأكيد على هذا الأمر، لأن الإنسان قد يفسد في بعض الحالات ثم يندم ويتوجه نحو الإصلاح.. إن المفسدين الواقعيين ليسوا كذلك، فهم يواصلون الفساد والإفساد ولا يفكرون بالإصلاح!.
وخاصة أن الفعل في الجملة " يفسدون " فعل مضارع، وهو يدل على الاستمرار، فمعناه أن إفسادهم كان مستمرا... وكل رهط من هؤلاء التسعة كان له زعيم وقائد... ويحتمل أن كلا ينتسب إلى قبيلة!.
ولا ريب أن ظهور " صالح " بمبادئه السامية قد ضيق الخناق عليهم، ولذلك تقول الآية التالية في حقهم: قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون.

" تقاسموا " فعل أمر، أي اشتركوا جميعا في اليمين، وتعهدوا على هذه المؤامرة الكبرى تعهدا لا عودة فيه ولا انعطاف!.
الطريف أن أولئك كانوا يقسمون بالله، ويعني هذا أنهم كانوا يعتقدون بالله، مع أنهم يعبدون الأصنام فيشركون بالله تعالى كما هو حال مشكري قريش يؤمنون بالله تعالى ويشركون به ، وكانوا يبدأون باسمه في المسائل المهمة.. كما يدل هذا الأمر على أنهم كانوا في منتهى الغرور و " السكر " بحيث يقومون بهذه الجناية الكبرى على اسم الله وذكره!! فكأنهم يريدون أن يقوموا بعبادة أو خدمة مقبولة...
إلا أن هذا نهج الغافلين المغرورين الذين لا يعرفون الله والضالين عن الحق.

وكلمة " لنبيتنه " مأخوذة من - " التبييت "، ومعناه الهجوم ليلا، وهذا التعبير يدل على أنهم كانوا يخافون من جماعة صالح وأتباعه، ويستوحشون من قومه..
لذلك ومن أجل أن يحققوا هدفهم ولا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح، اضطروا إلى أن يبيتوا الأمر، واتفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النبي - لأنهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل - حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر، ولم يشهدوا الحادثة أبدا.

جاء في التواريخ أن المؤامرة كانت بهذه الصورة، وهي أن جبلا كان في طرف المدينة وكان فيه غار يتعبد فيه صالح، وكان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد الله فيه ويتضرع إليه، فصمموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في الليل، ويحملوا على بيته بعد استشهاده ثم يعودوا إلى بيوتهم، وإذا سئلوا أظهروا جهلهم وعدم معرفتهم بالحادث.
فلما كمنوا في زاوية واختبأوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض، فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال!
لذلك يقول القرآن في الآية التالية: ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون.
ثم يضيف قائلا: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرنا هم وقومهم أجمعين.
وكلمة (مكر) - كما بيناها سابقا - تستعملها العرب في كل حيلة وتفكير للتخلص أو الاهتداء إلى أمر ما.. ولا تختص بالأمور التي تجلب الضرر، بل تستعمل بما يضر وما ينفع.. فيصح وصف المكر بالخير إذا كان لما ينفع، ووصفه بالسوء إذا كان لما يضر.. قال سبحانه: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.

وقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله! " فتأملوا بدقة " يقول الراغب في المفردات.. المكر صرف الغير عما يقصده.. فبناء على هذا إذا نسبت هذه الكلمة إلى الله فإنها تعني إحباط المؤامرات الضارة من قبل الآخرين، وإذا نسبت إلى المفسدين فهي تعني الوقوف بوجه المناهج الإصلاحية، والحيلولة دونها.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

20 Jan, 14:33


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وعن ثمرات التواضع ونتائجه الإيجابية وردت روايات كثيرة عن المعصومين نكتفي بذكر نماذج منها:
ففي حديث شريف عن الإمام أميرالمؤمنين: «ثَمَرَةُ التَّوَاضُعِ الْمَحَبَّةُ وَثَمَرَةُ الْكِبْرِ الْمَسَبَّةُ» .

وفي حديث آخر عن هذا الإمام أيضاً: «بِخَفْضِ الْجَنَاحِ تَنْتَظِمُ الْامُورَ» .

ومن الواضح أنّ عملية تنظيم امور المجتمع لا تتسنّى إلّا بالتعاون والتكاتف الإجتماعي‌
والعاطفي بين الأفراد، وهذا التعاون والتكاتف لا يكون إلّا بأن يكون المدير والمدبّر والقائم على امور المجتمع لا يتعامل مع الأفراد بالضغط والإجبار أو بأن يتباهى‌ ويتفاخر على الآخرين ويرى نفسه أفضل منهم، فإنّ المدير الموفق في عمله هو من يعيش حالة الحزم والقاطعية في عين التواضع والمحبة مع الآخرين .
ونقرأ في حديث آخر عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الَتَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ الّا رَفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللَّهُ» .

أحياناً يتصور الإنسان أنّ التواضع يقلل من قيمة الشخصية ويصغر شخصية الفرد في نظر الآخرين، في حين أنّ هذا التصوّر ساذج ومجانب للصواب، فإننا نرى أنّ الأشخاص المتواضعين في المجتمع يتمتعون بالاحترام البالغ من قِبل الآخرين، وتواضعهم لا يزيدهم إلّا احتراماً وعزّة في نفوس الناس.

ويُستفاد من الأحاديث الإسلامية انّ التواضع شرط في قبول العبادات والطاعات ومن ذلك ما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «الَتَّوَاضُعُ اصْلُ كُلِّ خَيْرٍ نَفِيسٍ وَمَرْتَبَةٌ رَفِيعَةٌ ... وَمَنْ تَوَاضَعَ للَّهِ شَرَّفَهُ اللَّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ ... وَلَيْسَ للَّهِ عَزَّوَجَلَّ عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَيها الّا وَبَابُهَا التَّوَاضُعُ، وَلَا يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ الَّا الْمُقَرَّبُونَ الْمُسْتَقِلِّينَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْارْضِ هَوْناً وَاذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» .

ونختم هذا البحث بحديث عن السيّد المسيح عليه السلام حيث قال: «بِالتَّوَاضُعِ تَعْمُرُ الْحِكْمَةَ لَا بِالتَّكَبُّرِ، كَذَلِكَ فِي السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعَ لَا فِي الْجَبَلِ» .

والخلاصة أنّ التواضع في حركة الحياة العلمية والثقافية يؤثر إيجابياً في حياة الإنسان (لأنّ الشخص المتكبّر يكون محجوباً عن رؤية حقائق الامور بسبب تكبره) وكذلك يؤثر التواضع تأثيراً إيجابياً في حركة الإنسان الإجتماعية (لأنّ الشخص المتواضع يزيده‌ تواضعه محبة في قلوب الناس ويحترمه الجميع لأخلاقه الحسنة والطيبة) وكذلك يؤثر التواضع تأثيراً إيجابياً في علاقة الإنسان بخالقه لأن التواضع يمثل روح العبادة ومفتاح قبول الأعمال والطاعات.

وبالنسبة إلى علامات التواضع فقد وردت روايات لطيفة وجميلة في الروايات الإسلامية، ففي حديث عن الإمام علي بن أبي طالب نقرأ: «ثَلَاثٌ هُنَّ رَأْسُ التَّوَاضُعِ: انْ يَبْدَءَ بِالسَّلَامِ مَن لَقِيَهُ، وَيَرْضَى بِالدُّونِ مِنْ شَرَفِ الْمجْلِسِ، وَيَكْرَهُ الرِّيَاء وَالسُّمْعَةَ» .

وفي بعض الروايات نقرأ علامات اخرى أيضاً للتواضع منها ترك المراء والجدال، أي أنّ الإنسان لا يدخل في مناقشة وجدل فكري من أجل اشباع رغبة التفوق على الآخرين واظهار فضله عليهم، ومن العلامات الاخرى عدم الرغبة في ثناء الناس عليه ومدحهم له‌ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

19 Jan, 21:49


🔥للســهرانين فقـط دقائـق واحذف 👉

رفـض قبـول

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

19 Jan, 18:27


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢


التواضع في الروايات الإسلامية:

لقد ورد في المصادر الروائية لدى‌ الشيعة وأهل السنّة أحاديث كثيرة في باب التواضع تبين أهمية هذه الصفة الأخلاقية في حركة الإنسان التكاملية والإجتماعية، وورد في بعضها علامات المتواضعين ونتائج وثمار التواضع وحدوده وآدابه.

أما عن أهمية التواضع فقد وردت تعبيرات جميلة وجذابة في الروايات الشريفة منها:

١ - ورد في الحديث الشريف أنّ رسول اللَّه قال يوماً مخاطباً أصحابه: «مَا لِي لَا ارى‌ عَلَيْكُمْ حَلَاوَةَ الْعِبَادَةِ ؟! قَالُوا: وَمَا حَلَاوَةُ الْعِبَادَةِ ؟ قَالَ: التَّوَاضُعُ!» .

ولا يخفى أنّ حقيقة العبادة هي غاية الخضوع امام اللَّه تعالى فالشخص الّذي ذاق حلاوة الخضوع والتواضع مقابل حقيقة الالوهية والذات المقدسة فإنه سيتحلّى أيضاً بالتواضع مع الخلق.

٢ - وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام: «عَلَيْكَ بِالتَّوَاضُعِ فَانَّهُ مِنْ أعْظَمِ الْعِبَادَةِ» .

٣ - وورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: «الَتَّوَاضُعُ نِعْمَةٌ لَا يُحْسَدُ عَلَيْهَا» .

ومن الطبيعي أنّ كلّ نعمة تصيب الإنسان فإنه سيتعرض في الجهة المقابلة لأذى الحساد حيث تتحرك فيهم عناصر الحسد والكراهية أكثر بحيث يضيق الفضاء على صاحب النعمة ويعيش في حالة من التوتر الّذي يفرزه حالة الحسد في الطرف المقابل ولكن التواضع مستثنى من هذه القاعدة فهو نعمة لا تتغير بحسد الحساد .

ونختم هذا البحث المفصل بحديث آخر عن النبي الأكرم:

٤ - «يُبَاهِي اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِخَمْسَةٍ: بِالْمُجَاهِدِينَ، وَالْفُقَرَاء، وَالَّذِينَ يَتَوَاضَعُون للَّهِ تَعَالَى، وَالْغَنِيِّ الّذي يُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ، وَرَجُلٍ يَبْكِي فِي الْخَلْوَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

17 Jan, 14:36


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الثالثة» تخاطب النبي الأكرم وتقول «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ».

«خفض» على وزن‌ «كرب» هو في الأصل بمعنى السحب إلى الاسفل، وعليه فجملة «وَاخفِض جَناح» كناية عن التواضع المقرون بالمحبة والحنان كما هو حال الطائر الّذي يفتح جناحه ويضم إليه فراخه إظهاراً للمحبّة وبدافع الحنان ولصونهم من الأخطار المحتملة وحفظهم من التفرّق، وعلى هذا الأساس فإنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله مأمور بأن يتحرّك من هذا الموقع ليحفظ المؤمنين تحت جناحه وظلّه.

وهذا التعبير جميل جدّاً وملي‌ء بالمعاني والنكات الدقيقة الّتي جُمعت في جملة واحدة.
وعندما يُؤمر نبي الإسلام بالتواضع وإظهار المحبّة للمؤمنين فإنّ وظيفة المؤمنين وتكليفهم الأخلاقي تجاه بعضهم البعض واضح، لأن النبي الأكرم يُعتبر قدوة واسوة لجميع أفراد الامّة الإسلامية.

وقد ورد هذا المضمون أيضاً في الآية ٨٨ من سورة الحجر حيث يقول تعالى «وَاخْفِضْ جَنَاحكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» وهنا نرى أنّ المخاطب في هذه الآية هو النبي الأكرم أيضاً حيث أمره اللَّه تعالى بخفض جناحه للمؤمنين أي بالتواضع المقرون بالمحبّة في تعامله مع اتباعه من المؤمنين.

وشبيه هذه العبارة مع تفاوت بسيط ورد في سورة الإسراء كتكليف للمسلم تجاه والديه حيث تقول الآية «وَاخْفِضْ لَهُمْا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ».

ومن مجموع ما ورد من الآيات أعلاه نستوحي جيداً أنّ القرآن الكريم لم يكتف بذم التكبّر والاستكبار في مجمل السلوك الأخلاقي للإنسان بل أكد على النقطة المقابلة له أي التواضع والانعطاف واثنى‌ عليه بتعبيرات مختلفة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

15 Jan, 14:41


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

في‌ «الآية الثانية» نجد إشارة أيضاً إلى الصفات البارزة والفضائل الأخلاقية لجماعة من عباد اللَّه تعالى الّذين وصلوا في سلوكهم المعنوي إلى مرتبة عالية من الكمال الإنساني والإلهي، حيث نقرأ في آيات سورة الفرقان من الآية 63 إلى الآية 74 اثنا عشر فضيلة مهمة وكبيرة لهؤلاء الأشخاص، والملفت للنظر أنّ أول صفة تذكرها الآية لهؤلاء هي صفة التواضع، وهذا يدلّ على أنّ التكبّر كما يمثل أخطر الرذائل الأخلاقية فكذلك التواضع يمثل أهم الفضائل الأخلاقية في واقع الإنسان وحركته الإجتماعية والمعنوية حيث تقول الآية «وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْارْضِ هَوْناً».

(هون) مصدر بمعنى الهدوء والليونة والتواضع، واستعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل هنا لغرض التأكيد، أي أنّهم يعيشون التواضع والهدوء إلى درجة وكأنهم عين التواضع، ولهذا السبب تستمر الآية في سياقها بالقول «وَاذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»؛ أي لو واجههم الجهلاء والأراذل من الناس من موقع الشتيمة والكلام الباطل فإنّ جوابهم لا يكون إلّا بعدم الاعتناء وغض الطرف من موقع عظمة شخصيتهم وكِبَر نفوسهم.

وفي الآية الّتي تليها وبعد أن يتم الحديث عن التواضع مع الآخرين من الناس يتحدّث القرآن الكريم عن تواضعهم أمام اللَّه تعالى ويقول «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً».

ويقول الراغب في كتابه‌ «مفردات القرآن»: الهوان على وجهين، أحدهما: تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة، فيمدح به (ثم يورد الآية محل البحث) ونحو ما روي عن‌ النبي صلى الله عليه و آله: «المؤمن هيّن ليّن» .
الثاني: أن يكون عن جهة متسلِّط مستخف به فيذمّ به‌ .

ولا يخفى أنّ المقصود بقوله: «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْارْضِ هوناً» ليس هو المشي في حالة التواضع فحسب، بل المقصود نفي كلَّ نوع من التكبّر والأنانية والسلوكيات السلبية النابعة من حالة التكبّر السلبية والّتي تتجلّى في أعمال الإنسان وأفعاله الاخرى، وذكرت الآية المشي باعتباره نموذج عملي للدلالة على وجود التواضع كملكة نفسانية لدى هؤلاء، لأن الملكات الأخلاقية تتجلّى‌ دائماً على كلمات الإنسان وحركاته الخارجية إلى درجة أنّه في الكثير من الحالات يُستدل على وجود أنواع من الصفات الأخلاقية في الشخص بواسطة المشي .

أجل فإنّ أول صفة لعباد الرحمان هي التواضع الّذي يملأ وجودهم وينفذ إلى أعمال نفوسهم فيتجلّى ويظهر على حركاتهم وسكناتهم وكلماتهم، وعندما نرى أنّ اللَّه تعالى في الآية ٣٧ من سورة الإسراء يأمر نبيه الكريم بالقول «وَلَا تَمْشِ فِي الْارْضِ مَرَحاً» فالمقصود ليس هو النهي عن حالة المشي بصورة معينة، فحسب بل الهدف هو غرس التواضع في جميع الحالات والسلوكيات الاخرى والّذي يُعد علامة على عبودية اللَّه تعالى .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Jan, 14:32


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

تفسير واستنتاج:

«الآية الاولى» من الآيات مورد البحث تتحدّث عن مجموعة من المؤمنين الّذين شملتهم رعاية اللَّه وعنايته فكانوا يحبون اللَّه ويحبهم، وإحدى الصفات البارزة لهؤلاء أنّهم يتعاملون مع أخوانهم المؤمنين من موقع التواضع والمودّة (اذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وكذلك في المقابل‌ (اعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).

(اذِلَّةٍ) جمع‌ «ذلول» و «ذليل»، ومن مادة «ذُل» على وزن حُر، وهي في الأصل بمعنى الملائمة والتسليم والليونة والإنعطاف في حين أنّ كلمة «اعِزَّة» جمع‌ «عزيز» ومن مادّة «عزة» وتأتي بمعنى الشدّة والصلابة، ويقال للحيوانات المطيعة «ذلول» لأنها ملائمة ومسلّمة للإنسان، و «تذليل» في الآية الشريفة «ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا» إشارة إلى هذا المعنى، وهو سهولة اقتطاف ثمارها ثمار الجنّة، وأحياناً تُستخدم كلمة «ذِلّة» في موارد سلبية وذلك إذا واجه الإنسان موقفاً يُجبر فيه على شي‌ء من غيره، وإلّا فإنّ المعنى السلبي لهذه الكلمة لا يوجد في بطنها ومفهومها في الأصل.

وعلى أيّة حال فإنّ الآية الشريفة تدل بوضوح على أهمية التواضع وسمو مقام المتواضعين، ذلك التواضع الّذي ينبع من أعماق الإنسان ويمتد إلى وجدانه ليذيع في النفس احترام الطرف الآخر المؤمن ويتحرّك معه من موقع المودّة والتسليم والانعطاف مع الطرف الآخر .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Jan, 12:20


#حاليا امتحانات 🥹💔

مجاي تكدر تقرء..عندك تراكمات😢
اتحس ضعف بذاكرتك
جبتلكم ادعيه تساعدك بالامتحانات

لاتفوتكم مكانكم هناااا
👇👇


https://t.me/addlist/naP-MbsoDLVkZGMy

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

13 Jan, 14:00


قال الله تعالى : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٧) لقمان .


أشارة الآية إلى رد فعل هذه الفئة أمام آيات الله، وتوحي بالمقارنة برد فعلهم تجاه لهو الحديث، فتقول : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا أي ثقلا يمنعه من السماع .

ثم تذكر أخيرا عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول : فبشره بعذاب أليم.

إن التعبير ب‍ ولى مستكبرا إشارة إلى أن إعراضه لم يكن نابعا من تضرر مصالحه الدنيوية والحد من رغباته وشهواته فحسب، بل إن الأمر أكبر من ذلك، فإن فيه دافع التكبر أمام عظمة الله وآياته، وهو أعظم ذنب فيه .

والرائع في تعبير الآية أنها تقول أولا: إنه لم يعبأ بآيات الله كأنه لم يسمعها قط، ويمر عليها دون اكتراث بها، ثم تضيف : بل كأنه أصم لا يسمع أي كلام قط!

إن جزاء مثل هؤلاء الأفراد يناسب أعمالهم، فكما أن أعمالهم كانت مؤلمة ومؤذية لأهل الحق، فإن الله سبحانه قد جعل عقابهم وعذابهم أليما أيضا.

وينبغي الالتفات إلى أن تعبير (بشر) في مورد العذاب الإلهي الأليم، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتخذون آيات الله هزوا، والتشبه بصفات أبي جهل، حيث كانوا يفسرون " زقوم جهنم " بالزبد والتمر!

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

12 Jan, 15:55


قال الله تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦) غافر .


وهنا نلفت النظر إلى الملاحظات الثلاث الآتية :
أولا: استخدام تعبير (آل فرعون) إشارة إلى العائلة والأنصار والأصحاب الضالين، وعندما يكون هذا هو مصير الآل، ترى ماذا يكون مصير نفس فرعون؟

ثانيا: تقول الآية: إنهم يعرضون على النار صباحا ومساء، ثم تقول: في يوم القيامة يكون العذاب أشد ما يمكن. وهذا دليل على أن العذاب الأول يختص بعالم البرزخ، وهو مما يلي موت الإنسان ومغادرة روحه جسده، ويقع قبل يوم القيامة ... إن العرض على نار جهنم يهز الانسان ويجعله يرتعد خوفا وهلعا.

ثالثا: إن تعبير ب‍ (الغدو) و (العشي) قد تكون فيه إشارة إلى استمرار العذاب.
أو قد يفيد انقطاع العذاب البرزخي ليقتصر على (الغدو) و (العشي) أي الصبح والمساء، وهو الوقت الذي يقترن في حياة الفراعنة وأصحابهم مع أوقات لهوهم واستعراضهم لقوتهم وجبروتهم في حياتهم الدنيا.

وينبغي أن لا نتعجب هنا من كلمتي (الغدو) و (العشي) فنسأل: وهل في البرزخ ثمة صباح ومساء؟ لأن الصبح والليل موجودان حتى في يوم القيامة، كما نقرأ في قوله تعالى: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا .

وهذا الأمر لا يتعارض مع دوام نعم الجنة واستمرارها، كما جاء في الآية (٣٥) من سورة (الرعد) حيث قوله تعالى: أكلها دائم وظلها حيث يمكن أن تشمل الألطاف الإلهية أهل الجنة في خصوص هذين الوقتين، بينما تكون نعم الجنة دائمة باقية .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Jan, 14:33


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٢ - التواضع‌

تنويه:

من الواضح أنّ التواضع يشكل النقطة المقابلة للتكبّر والغرور، ومن العسير الفصل الكامل بين هذين البحثين، ولذلك نجد أنّ هذين البحثين متلازمين في الآيات والروايات الإسلامية وكذلك في كلمات علماء الأخلاق، فإنّ ذم أحدهما يلازم مدح الآخر، وكذلك العكس فإنّ عملية التمجيد والثناء على التواضع يستلزم كذلك ذم التكبّر، وهذا من قبيل مدح العلم والثناء على العالم والمتعلم الّذي يقترن دائماً مع ذمّ الجهل وتوبيخ الجاهل.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا الكلام لا يعني أنّ بحثنا المتعلق بالتواضع هذا سيكون في زاوية النسيان ونكتفي بذم التكبّر وبيان قبائح وعواقب هذه الصفة الذميمة لا سيّما أن بين التكبّر والتواضع نسبة الضدّين لا النقيضين أي أنّ التكبّر كما انه صفة وجودية فكذلك التواضع صفة وجودية نفسانية أيضاً ويقعان على الضد من الآخر في واقع الإنسان ونفسه، وليسا من قبيل الوجود والعدم الّذي يستلزم بالضرورة وجود أحدهما عدم الآخر بالتبع.

وفي الروايات الإسلامية نجد إشارة إلى هذا المعنى أيضاً ومن ذلك قول الإمام علي عليه السلام: «ضَادُّوا الْكِبْرَ بِالتَّواضُعِ» .

مع هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته ما يتعلق بمسألة التواضع ونختار منها ما يُلقي الضوء على هذا البحث المهم رغم وجود آيات كثيرة تبحث هذا الموضوع بالكناية أو بالملازمة.

١ - «يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ اذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ اعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ...» .

٢ - «وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْارْضِ هَوْناً وَاذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» 

٣ - «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Jan, 14:04


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٩ - الاختبارات العلاجية

سبق وأن قلنا إن الأمراض الأخلاقية تشبه إلى حد كبير الأمراض البدنية وأنّ المقارنة بين هاتين الظاهرتين كفيل بحل الكثير من المشاكل، ومنها أنّ الطبيب في الأمراض البدنية وبعد معالجة المريض يرسله مرّة اخرى إلى المختبر ليتأكد من شفائه الكامل، ولو انه رأى بعض آثار المرض لازالت في بدنه فإنه يستمر في علاجه حتّى يحصل المريض على الشفاء الكامل.
وقد استخدم علماء الأخلاق في مناهجهم وتعليماتهم الأخلاقية لعلاج الأمراض الخطرة مثل‌ (التكبّر) هذا المنهج أيضاً بحيث إن الإنسان عندما يتحرّك في سبيل علاج التكبّر ولأجل الاطمئنان من قلعه تماماً من وجوده ونفسه يجب أن يعرض على نفسه بعض الامور ويمتحنها لكي يطمئن إلى زوال جذور هذا المرض من أعماق نفسه.
وقد ذكر الفيض الكاشاني بالاستفادة من (احياء العلوم) للغزالي تجارب في هذا المجال ملفتة للنظر:
الامتحان الأوّل: أن يناظر في مسألة مع واحد من أقرانه فإنّ ظهر شي‌ء من الحق على لسان صاحبه فثقل عليه قبوله والانقياد له والاعتراف به والشكر له على تنبيهه وتعريفه وإخراجه الحقّ فذلك يدل على أنّ فيه كبراً دفيناً .

الامتحان الثاني: أن يجتمع مع الأقران والامثال في المحافل ويقدمهم على نفسه ويمشي خلفهم ويجلس في الصدور تحتهم، فإنّ ثقل ذلك عليه فهو متكبر فليواظب عليه تكلّفاً حتّى يسقط عنه ثقله فبذلك يزايله الكبر، وهاهنا للشيطان مكيدة وهي أن يجلس في صف النعال أو يجعل بينه وبين الأقران بعض الاراذل فيظن أنّ ذلك تواضع وهو عين الكبر فإنّ ذلك يخف على نفوس المتكبرين إذ يوهمون أنّهم إنما تركوا مكانهم بالاستحقاق والتفضل فيكون قد تكبر، وتكبر بإظهار التواضع أيضاً، بل ينبغي أن يقدم أقرانه ويجلس تحتهم ولا ينحط عنهم إلى صف النعال فذلك هو الّذي يخرج خبث الكبر من الباطن.

الامتحان الثالث: أن يجيب دعوة الفقير ويمر إلى السوق في حاجة الرفقاء والأقارب فإنّ ثقل ذلك عليه فهو كبر فإنّ هذه الأفعال من مكارم الأخلاق والثواب عليها جزيل فنفور النفس عنها ليس إلّا لخبث في الباطن فليشتغل بإزالته بالمواظبة عليه مع تذكر جميع ما ذكرناه من المعارف الّتي تزيل داء الكبر.

الامتحان الرابع: أن يحمل حاجة نفسه وحاجة أهله ورفقائه من السوق إلى البيت فإنّ أبت نفسه ذلك فهو كبر أو رياء فإنّ كان يثقل ذلك عليه مع خلو الطريق فهو كبر فإنّ كان يثقل إلّا عند مشاهدة الناس فهو رياء وكل ذلك من أمراض القلب المهلكة له إن لم تتدارك.

أقول : ليس كل رياء مذموماً بل قد يكون مستحباً بل واجباً إذ يجب على المؤمن صيانة عرضه وأن لا يفعل ما يعاب عليه فلا يليق بذوي المروات أن يرتكبوا الامور السيئة بأنفسهم عند مشاهدة الناس وإن جاز لهم في الخلوة إلّا أنّ ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والبلاد والأشخاص فلابدّ من مراعاة ذلك، روي في الكافي عن الصادق عليه السلام: «أنّه نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله، فلما رآه الرجل استحى منه، فقال عليه السلام: اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما واللَّه لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشي‌ء ثم أحمله إليهم». أراد عليه السلام لولا مخافة أن يعيبوا على ذلك، مع أنّ جدّه أمير المؤمنين عليه السلام كان يفعل مثله إلّا أنّه لما لم يعيبوا عليه بمثله في زمانه وفي شأنه جاز له أن يرتكبه وكان منقبة له وتعليماً.

الامتحان الخامس: أن يلبس ثياباً بذلة فإنّ نفور النفس عن ذلك في الملأ رياء وفي الخلو كبر، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «ومن اعتقل البعير ولبس الصوف فقد برئ من الكبر» .

ولكن لا ينبغي أن يكون الدافع لذلك هو التظاهر بالتواضع فإنّ ذلك بنفسه نوع من الكبر المقترن مع الرياء والشرك الخفي.
ونكرر مرةً اخرى بأن هذه الامور تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والاشخاص.

ولابدّ من الأخذ بنظر الاعتبار جميع هذه الظروف والعمل طبق مقتضياتها وما يناسبها من دون التورط في حبائل النفس وخدع الشيطان، ولذلك ينبغي الاستفادة أيضاً من حكم الآخرين وآرائهم .

وهنا نثير هذا السؤال وهو أنّه لماذا يهتم الناس كثيراً بالصحة البدنية والطب الجسماني ويتحركون في طلب الدواء والعلاجات ليطمئنوا على سلامتهم البدنية. والحال أنّهم لا يعيشون ذلك الاهتمام بأمر الطب الروحاني والأخلاقي الّذي يضمن لهم سعادتهم الاخروية في الحياة الباقية كما هو مدلول الآية الشريفة: «إلّامن أتى اللَّه بقلبٍ سليم».

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

06 Jan, 14:01


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وأمّا الأشخاص الّذين يتملكهم الغرور والتكبّر بسبب جمالهم الظاهري فيجب أن يتأملوا جيّداً أنّهم وبسبب مرض بسيط يصيب الجلد والوجه سيتحول جمالهم الباهر إلى وجه مشوّه وقبيح وحتّى لو لم يصبهم ذلك المرض فإنّهم بعد أعوام قليلة سيصلون إلى مرحلة الشيخوخة حيث يتراكم غبار السنين على وجوههم ويغيّر من ملامحه الجميلة ويحني قامتهم المستقيمة ويدبُ في مفاصلهم العجز والضعف فإذا كان ذلك الشي‌ء المورث للفخر زائلًا بهذه السرعة، فكيف يكون سبباً للغرور والتفوق والتكبّر على الآخرين؟

وإذا كان سبب التكبّر هو قوته البدنية وقدرته الجسمانية فيجب أن لا ينسى‌ انه قد يصاب أحياناً بعارضة قلبية صغيرة أو سكتة دماغية تكون نتيجتها أن يصاب قسم من بدنه بالشلل والعجز عن الحركة تماماً بحيث لا يتمكن من دفع حتّى ويتوقف الذباب عن نفسه ولو أصابه شوكة أو وخزته ابرة لا يتمكن من إخراجها أو التخلص منها لوحده.

وأمّا لو كان سبب التكبّر هو الثروة وكثرة المال والأعوان والأنصار فيجب أن يعلم أوّلًا:
أنّ هذه الامور خارجة عن وجود الإنسان ولا تمثل شيئاً من ذاته وحينئذٍ لا تكون من عناصر الفخر والمباهاة، فكيف يفتخر الإنسان بشخصيته وعزّته الذاتية بامور من قبيل السيارة أو البيت أو الحصان وأمثال ذلك؟ وكيف يتصور شرفه وكرامته في مثل هذه الامور المادية والأجنبية عن ذاته؟ هذه الامور يمكنها أن يمتلكها اللئيم من الناس واوضعهم نسباً وشرفاً، الامور الّتي يستطيع اللصوص بكلّ سهولة سرقتها منه فما أهون الشرف الّذي يستطيع اللصوص سرقته فيفتقده صاحبه بين عشية وضحاها.

ومضافاً إلى ذلك فنحن نعلم أنّ الأموال والثروات الدنيوية تنتقل من يد إلى يد دائماً فالثروات الطائلة لدى الأغنياء قد تكون يوماً من نصيب الفقراء ويسكن أصحاب القصور يوماً في الأكواخ.
فمثل هذا الشي‌ء بمثل هذا القدر من التزلزل والاهتزاز كيف يمكنه أن يكون عنصر الافتخار للإنسان وسبباً لغفلته عن مصيره وكمالاته المعنوية في حركة الإنسان والحياة؟

وإذا كان سبب الكبر والغرور هو العلم الكثير ومع الأسف يُعتبر هذا من أقبح الآفات النفسانية الّتي تصيب الإنسان وبهذه النسبة يكون علاجه أصعب وأعقد من العلل الاخرى وخاصة مع ورود الكثير من الآيات والروايات في فضل العلم والتعلم حيث يمكن أن يصاب الإنسان بالغرور والكبر بعد قرائتها ومطالعتها، فيجب أن يتفكر أصحاب العلم والمعرفة أنّ القرآن الكريم وفي الآية (٥) من سورة الجمعة قد شبّه العلماء الّذين لا يتحركون على مستوى تطبيق علمهم في ممارساتهم وسلوكياتهم، شبّههم بالحمار الّذي يحمل الكتب والأسفار على ظهره «كَمَثَلِ الحمارِ يَحملُ أسفاراً».
وأيضاً يتفكر في أنّ الشخص العالم ستكون مسؤوليته ثقيلة بنفس نسبة علمه إلى الآخرين ويمكن أن يغفر اللَّه تعالى للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد كما ورد في الروايات الشريفة.

ولا ينبغي أن ننسى‌ أنّ حسابهم يوم القيامة أصعب وأشد من حساب الآخرين، فكيف والحال هذه يكون العلم هذا سبباً للمباهات والافتخار على الغير؟

وأخيراً إذا كان سبب التكبّر هو العبادة وطاعة اللَّه تعالى فيجب على هذا الإنسان أن يتفكر في أنّ اللَّه لا يقبل من العبادة ما كان خليطاً بالعجب والكبر ويعلم أنّ الجاهل النادم أقرب إلى النجاة من العابد المغرور.
هذا ولا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ قبول العبادة مشروط بأن يرى الإنسان في نفسه الحقارة والدونية مقابل عظمة اللَّه وقدرته وفضله على العباد ولو انه جاء بجميع عبادات الجن والأنس لوجد أنّ عليه أن يعيش الخوف والخشية من اللَّه تعالى ولا يغفل عن ذلك طرفة عين .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

05 Jan, 03:52


‏𝟭𝟵𝟵𝟲 - 𝟭𝟵𝟵𝟳 - 𝟭𝟵𝟵𝟴 - 𝟭𝟵𝟵𝟵 - 𝟮𝟬𝟬𝟬 - 𝟮𝟬𝟬𝟭 - 𝟮𝟬𝟬𝟭 - 𝟮𝟬𝟬𝟮 - 𝟮𝟬𝟬𝟯 - 𝟮𝟬𝟬𝟰 - 𝟮𝟬𝟬𝟱 - 𝟮𝟬𝟬𝟲

آختار مواليدك بسرعا 💙👱🏻‍♀ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

04 Jan, 14:29


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وأما علاج التكبّر على المستوى (العملي) فهو أن يسعى‌ الإنسان في دراسة سلوكيات المتواضعين ويتحرّك مثلهم في تعامله الاجتماعي حتّى تترسخ هذه الفضيلة في أعماق وجوده وتتجذر في واقعه النفساني فيكون متواضعاً أمام اللَّه والناس فيسجد على التراب قائلًا: «لَا الَهَ إلَّا اللَّهُ حَقّاً حَقّاً سَجَدْتُ لَكَ تَعَبُّداً وَرِقّاً لَا مُسْتَنْكِفاً وَلَا مُسْتَكْبِراً».
وأمثال هذه العبارات.

وكذلك يلبس الملابس البسيطة ويأكل الأطمعة غير الممنوعة ويجلس مع عماله أو خدامه على مائدة واحدة ويتقدّم بالسلام على الآخرين ولا يجلس صدر المجلس ولا يتقدم على الغير في مشيه.

أن يتعامل في علاقاته مع الصغير والكبير من موقع العاطفة الجياشة والمحبّة الصميمية ويجتنب مجالسة المتكبّرين والمغرورين ولا يرى لنفسه أي امتياز على الآخرين .

والخلاصة أن يتحرّك في سلوكه بعلامات التواضع أو يسعى‌ للتظاهر بمظاهر التواضع في البداية في عمله وكلامه وحالاته الاخرى حتّى تصير لديه عادة ثمّ ملكة التواضع.
وجاء في حالات نبي الإسلام أنّه كان يجلس على الأرض ويأكل الطعام ويقول: «إنَّمَا
أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» .

وقد سمعنا الحديث المعروف عن الإمام علي أنّه كان لديه يوماً قميصان اشترى‌ أحدهما بأربعة دراهم والآخر بثلاث دراهم ثمّ قال لغلامه قنبر: اختر أحدهما، فاختار قنبر القميص الّذي قيمته أربعة دراهم وأختار الإمام ما كان بثلاث دراهم‌ .

وجاء في خطبة ١٦٠ من نهج البلاغة أنّ الإمام كان يتحدّث عن نبي الإسلام ويقول:
«وَلَقَدْ كَانَ يَأْكُلُ عَلَى الْارْضِ وَيَجْلِسُ جَلْسَةَ الْعَبْدِ وَيَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَيَرْكَبُ الْحِمارَ الْعَارِيَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ».

وطبعاً هذه الامور وبسبب تغير الظروف الزمانية والمكانية لا تُعتبر معمولًا بها في هذا العصر ولا يوصى‌ باتباعها وسلوكها، ولكن الهدف هو أننا بمطالعة حالات هؤلاء العظام والتوجّه إلى مقامهم السامي نتعلم التواضع من سلوكياتهم ونُبعد بذلك الكبر والغرور عن ذواتنا وأفعالنا.
هذا كلّه من جهة، ومن جهة اخرى:
بما أنّ التكبّر له أسباب وعلل مختلفة تمت الإشارة سابقاً إلى سبع علل منها ذكرها علماء الأخلاق، فلأجل إزالة كلّ واحدة من هذه العلل والأسباب هناك طرق وخطوات عملية وعلمية للتغلب عليها ومعالجتها منها:
الأشخاص الّذين يجدون في أنفسهم افتخاراً على الناس بسبب نسبهم وعراقتهم الاسرية يجب أن يتأمّلوا في هذه الحقيقة وهي أوّلًا: إن افتخارهم بكمالات الآخرين من الآباء والأجداد هو عين الجهل، فلو أنّ الأب كان إنساناً فاضلًا ولكن الابن يفتقد إلى أدنى‌ فضل وكمال فلا ينتقل كمال الأب وفضله إلى الابن ولا يوجد في الابن قيمة مشهودة .

وثانياً: إذا تأمل جيداً وجد أنّ أباه نطفة وجدّه الأعلى تراباً وهذه الامور ليست ذات قيمة يفتخر بها الإنسان ويرى لنفسه امتيازاً على الآخرين.
وقد ورد في الحديث الشريف أنّ لقمان الحكيم قال لابنه‌ «يَا بُنَيَّ وَيْلٌ لِمَنْ تَجَبَّرَ وَتَكَبَّرَ، كَيْفَ يَتَعَظَّمُ مَنْ خُلِقَ مِنْ طِينٍ، وَالَى طِينٍ يَعُودُ؟ لَا يَدْري الَى مَاذَا يَصِيرُ ؟ الَى الْجَنَّةِ فَقَدْ فَازَ أوْ الَى النَّارِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً » .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

03 Jan, 14:13


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٨ - علاج التكبّر

لقد بحث علماء الأخلاق علاج التكبّر في دراسات مفصلة تدور أغلبها حول محور العلاج بطريقين: العلم والعمل .

أمّا الطريق (العلمي) فيمكن تصويره بأن يتفكر الأشخاص المتكبّرين في أنفسهم أنّهم مَن هم وأين كانوا وإلى أين يذهبون وما هو مصيرهم في النهاية ؟
ويتفكّرون كذلك في عظمة اللَّه ويشاهدون أنفسهم أمام قدرة اللَّه المطلقة ورحمته الواسعة.

إن التاريخ ملي‌ء بالعِبر والحوادث المثيرة عن مصير الفراعنة والنمروديين والجبابرة من الأكاسرة والقياصرة وأمثالهم بحيث لو أنّ الإنسان قرأ قليلًا من هذه الحوادث والوقائع التاريخية لعلم أنّ الانتصارات والملذات الدنيوية لا تعدّ شيئاً يمكن الاعتماد عليه على‌ مستوى بيان عظمة الإنسان.

عندما يكون الإنسان في أوّله نطفة مهينة وفي آخره جيفة نتنة ويعيش بين هذين عدّة أيّام فلا يعدّ ذلك شيئاً يستحق الفخر والتكبّر والغرور.

إنّ الإنسان في بداية تولده ليس سوى طفل ضعيف جدّاً وعاجز عن كلّ شي‌ء وحتّى انه لا يتمكن من حفظ الماء الملقّى‌ في فمه بشفاهه، وكذلك عندما يبلغ سن الشيخوخة يكون ضعيفاً إلى درجة أنّه إذا أراد المسير عدّة خطوات وكان يتمتع بأقدام سالمة فإنه لا يتمكن من ذلك إلّا بأن يستريح كُلما قَطّعَ كلّ عدّة خطوات ويجدد طاقته ثمّ ينهض ليكمل مسيره متوكأً على عصاه وقد احنى‌ الدهر قامته، ولو لم يكن ذا أقدام سليمة فإمّا أن يكون قد ابتلي ببعض عوارض الشيخوخة الّتي يبتلي بها أكثر الأشخاص فيجب أن يُنقل من جهة إلى اخرى بواسطة الكرسي المتحرك.

ونقرأ في حديث عن الإمام الباقر أنّه قال‌ «عَجَباً لِلْمُخْتَالِ الْفَخُورِ وَانَّمَا خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يَعُودُ جِيفَةً وَهُوَ فِيَما بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِهِ» .

إذا ذهبنا يوماً إلى المستشفيات ورأينا الكثير من الأقوياء والأصحّاء يرقدون على أسرّة المستشفى‌ بسبب حادثة اصطدام أو مرض معيّن حيث لا قدرة لهم على الحراك، فندرك حينئذاك مقدار قوّة الإنسان وقدرته البدنية الّتي يفخر بها.

ولو نظرنا إلى الأثرياء المعروفين الّذين قد استولى‌ عليهم حالة الإنهيار الاقتصادي والإفلاس المادي بتغير بسيط فتحوّل حالهم من أعلى المقامات إلى أسفل السافلين وحينئذٍ نعلم أنّ الثروة الطائلة ليست شيئاً يعتمد عليه الإنسان ويفتخر به.

ولو نظرنا إلى أصحاب القدرة والسلطة في العالم وكيف أنّهم مع حدوث التغير في الوضع السياسي يسقطون من كراسيهم وعروشهم ويفقدون قدرتهم أو يقبعون خلف قضبان السجن أو يحكم عليهم بالأعدام لرأينا القدرة الظاهرية ليست قابلة للاعتماد والفخر.

إذاً فبأي شي‌ء يفخر الإنسان؟ وكيف يستولي عليه الغرور ويباهي الآخرين ويفتخر عليهم.
لقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام زين‌العابدين عليه السلام انه عندما وقع نزاع بين سلمان الفارسي وبين شخص مغرور ومتكبّر، فقال ذلك الشخص لسلمان: مَنْ أنت؟ فقال له سلمان: أما اولاي واولاك فنطفة قذرة، وأما اخراي واخراك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو كريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم» .

والخلاصة أنّ الإنسان كلّما تفكر وتأمل في هذه الامور أكثر هبط من مركب الغرور والكبر ووجد نفسه من موقع الحقيقة الشاخصة وبعيداً عن الأوهام النفسانية والحالات الشيطانية .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

01 Jan, 14:13


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٥ - التكبّر سبب هدر المواهب الدنيوية

إن كلّ إنسان لا يكون موفقاً في حياته إلّا إذا استطاع جذب تعاون الآخرين وانسجامهم معه من موقع توطيد أواصر المحبة والتعاون المشترك بين الأفراد، أما الشخص الّذي يعيش الإنزواء ويسلك في حياته ومعيشته الوحدة فإمّا أن يفشل في اطار المعيشة الكريمة أو يكون له نصيب قليل من الموفقية في حركة الحياة، وبما أنّ التكبر يدفع بالإنسان إلى زاوية الإنزواء والعزلة فإنّ توفيقاته في حركة الحياة الإجتماعية ستكون قليلة بالتبع.
ونقرأ في حديث عن الإمام أميرالمؤمنين أنّه قال‌ «بِكَثْرَةِ التَّكَبُّرِ يَكُونَ التَّلَفُ» أي تلف وهدر عوامل التوفيق وعناصر النجاح في الحياة.

ويمكن تفسير هذا الحديث بشكل آخر وهو أن يقال بأن الكثير من الحروب الدامية والنزاعات المدمرة تنشأ من حالة التكبّر والاستكبار، فالبعض يستلم زمام الامور في دول‌ العالم ويريد أن يتحكم ويتسلط على الآخرين من موقع القوّة والقدرة وهذا بدوره يكون سبباً في حصول النزاعات الدموية الكثيرة فتهدر الطاقات وتُسفك الدماء الكثيرة في هذا الطريق وتتحول الديار إلى الخراب الشامل.
وأحياناً يتجلّى التكبّر من خلال القومية والعرقية حيث يرى البعض أنّهم أطهر عرقاً وأسمى‌ قومية من الأقوام الاخرى وهذه النظرة المتعالية تمثل أحد الأسباب المهمة للحروب طيلة التاريخ البشري.
فالنظرة الفوقية والاستعلائية للجنس الآري هو أحد العلل المهمة في حدوث الحروب العالمية الّتي خلفت ملايين القتلى‌ والمجروحين وأتلفت مليارات الثروات والأموال وخلّفت اضراراً لا تحصى‌.
وخلاصة الكلام أنّه: إذا درسنا الخسائر الّتي تتسبّب بواسطة التكبّر على روح وجسم الإنسان وفي حياته الفردية والإجتماعية لرأينا أنّه ليس هناك صفة من الصفات الذميمة تكون هدّامة ومخربة إلى هذه الدرجة الّتي تنتجها حالة التكبّر في الإنسان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

30 Dec, 19:10


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٢ - الحرمان من العلم والمعرفة

و أحد العواقب المشؤومة للتكبّر هو أنّ الإنسان يحرم نفسه من العلم والمعرفة ويعيش حالة الجهل المركب دائماً لأن الإنسان إنّما يصل إلى حقيقة العلم والمعرفة فيما لو سعى‌ لتحصيلها من أي شخص وأي طريق كما يبحث الشخص عن جوهرة ثمينة والحال أنّ المتكبّر لا يكون مستعداً لتحصيل العلوم والمعارف من الأشخاص الّذين يراهم دونه أو في مرتبته.
الأشخاص الّذين يتحرّكون في سبيل طلب العلم والمعرفة هم الّذي يعيشون التحرر في أفكارهم من القوالب النفسانية في حين أنّ صفة الكبر والغرور لا تسمح للإنسان أن يستوعب مطلباً مهماً.
ولهذا نقرأ في الحديث المعروف عن الإمام الكاظم عليه السلام في كلامه لهشام بن الحكم يقول:
«إنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وَ لَايَنْبُتُ فِي الصَّفَا فَكَذَلِكَ الْحِكْمَةُ تَعْمُرُ فِي قَلْبِ الْمُتوَاضِعِ‌
وَلَا تَعْمُرُ فِي قَلْبِ الْمُتَكَبِّرِ الْجَبَّارِ، لِانَّ اللَّهَ جَعَلَ التَّوَاضُعَ آلَة الْعَقْلِ وَجَعَلَ التَّكَبُّرُ مِنْ آلَةِ الْجَهْلِ» .

٣ - التكبّر المصدر الأساسي للكثير من الذنوب‌

لو تأملنا في حالات الأشخاص الّذين يعيشون الحسد، الحرص، بذاءة اللسان، والذنوب الاخرى لرأينا أنّ الأصل ومصدر جميع هذه الرذائل الأخلاقية تنشأ من صفة التكبّر، فهؤلاء لا يجدون في أنفسهم رغبة لرؤية من هو أفضل منهم، ولهذا فإنّ أيّة نعمة وموهبة وموفقية تكون من نصيب الآخرين فسوف يتعاملون معهم من موقع الحسد.
إن هؤلاء ولغرض توطيد أركان حالة الفوقية لشخصياتهم فإنّهم يحرصون على جمع الأموال والثروات.
ولغرض إظهار العلو على الآخرين يبيحون لأنفسهم تحقيرهم ويلوثون ألسنتهم بأنواع البذاءة في الكلام والسبّ والشتم والهتك لإشباع هذه الحاجة والنقص في أنفسهم ولإطفاء هذه النار المستعرة في وجودهم.

ونقرأ في حديث عن أمير المؤمنين قوله‌ «الْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ دَوَاعٍ الَى تَقَحُّم الذُّنُوبِ» .

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أيضاً أنّه قال: «التَّكَبُّرُ يُظْهِرُ الرَّذِيلَةَ» .

٤ - التكبّر مصدر النفرة والفرقة

إن من البلايا المهمة الّتي ترد على المتكبّرين هو الإنزواء الإجتماعي وتفرّق الناس من حولهم لأن شرف الإنسان وعزّته الذاتية لا تسمح له بالخضوع أمام الأشخاص المغرورين والمتكبّرين والانصياع لأوامرهم، ولهذا السبب فإنّ الناس وحتّى المقرّبين سوف يتحرّكون بعيداً عن هؤلاء المتكبّرين، وعلى فرض أنّ الآخرين يجدون أنفسهم مضطرين لمعاشرتهم‌ بسبب الروابط الإجتماعية وبعض الضرورات المعيشية فإنّهم يجدون في أنفسهم التنفر والكراهية لهؤلاء.

ونقرأ في حديث عن الإمام أميرالمؤمنين أنّه قال: «مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ» .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «امْقَتُ النَّاسِ الْمُتَكَبِّرُ» .

وفي حديث آخر عن الإمام علي أنّه قال: «ثَمَرَةُ الْكِبْرُ الْمَسَبَّةُ» .

وهذا المضمون ورد أيضاً في حديث عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «لَيْسَ لِلْمُتَكَبِّرِ صَدِيقٌ» .

وقال أيضاً في حديث آخر: «مَا اجْتَلَبَ الْمَقْتَ بِمِثْلِ الْكِبْرِ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

30 Dec, 10:02


😍

ايام قليله تفصلنا عن راس السنة 🎄🎄☃️

الكل محتارين امين ايجيب ستوريات،ومنشورات
اتخص راس السنة ⛄️

اضغطوا هنااااا 👇 وشوفوا المفاجاءة



https://t.me/addlist/naP-MbsoDLVkZGMy

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

29 Dec, 13:51


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٧ - مفاسد التكبّر وعواقبه الوخيمة

إن هذا الخلق الذميم كما سبقت الإشارة إليه له آثار مخربة جداً وعواقب وخيمة تعرض على روح الإنسان ومعتقداته وأفكاره، وكذلك تعرض على المجتمع البشري أيضاً بحيث يمكن القول انه ليس هناك جهة من جهات حياة الإنسان الفردية والإجتماعية تقع في أمان من عواقب هذه الصفة الأخلاقية السلبية، ويمكن الإشارة إلى عدّة موارد منها فيما يلي:

١ - التلوث بالشرك والكفر

إنّ أوّل مفسدة وأخطرها هو أن يورث التكبّر صاحبه التلوث بالشرك والكفر، فهل لكفر إبليس وانحرافه من مسير التوحيد بل حتّى اعتراضه على حكمة اللَّه تعالى وأمره، له أصل ومصدر غير الكبر في نفس إبليس ؟

وهل أنّ الفراعنة والنمروديين وغيرهم من الأقوام الطاغية الّذين رفضوا دعوة الأنبياء كان لهم دافع غير التكبّر ؟

أنّ التكبّر لا يبيح للإنسان أن يستسلم ويذعن أمام الحقّ، لأن التكبّر والغرور هو في الحقيقة حجاب سميك على بصيرة الإنسان فيحجبه عن رؤية جمال الحقّ بل أحياناً يرى ملائكة الحقّ على شكل موجود مخيف وموحش، وهذا من أعظم الضرر الّذي يلحق بالإنسان من جراء التكبّر، ولعلّه لهذا السبب ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله الراوي عن أقل درجة الإلحاد فقال له الإمام‌ «إنَّ الْكِبْرَ ادْنَاهُ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

27 Dec, 12:40


قال تعالى : [[ وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَال عَشْر (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَالَّيلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِى ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْر (٥) ]] الفجر

"الفجر" : في الأصل ، بمعنى الشقّ الواسع ، وقيل للصبح "الفجر" لأنّ نوره يشقّ ظلمة الليل .
وقد أقسم اللّه تعالى ببداية حياة اليوم الجديد .

وذهب البعض إلى أن معنى الفجر : هو كلّ نور يشع وسط ظلام ... وعليه ، فبزوغ نور الإسلام ونور المصطفى  (صلَّى الله عليه وآله) في ظلام عصر الجاهلية هو من مصاديق الفجر ، وكذا بزوغ نور قيام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) في وسط ظلام العالم (كما جاء في بعض الرّوايات) .

وممّا لا شك فيه أنّ المعاني هي توسعة لمفهوم الآية ، أمّا ظاهرها فيدل على "الفجر" المعهود في كل يوم .

والمشهور عن "ليال عشر" : إنّهن ليالي أوّل ذي الحجّة ، التي تشهد أكبر اجتماع عبادي سياسي لمسلمي العالم من كافة أقطار الأرض ، (وورد هذا المعنى فيما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن النّبي .
وقيل : ليالي أوّل شهر محرم الحرام .
وقيل : ليالي آخر شهر رمضان ، لوجود ليلة القدر فيها .
والجمع بين كلّ ما ذُكر ممكن جدّاً .

وذكر في بعض الرّوايات التي تفسّر باطن القرآن : إنّ "الفجر" هو "المهدي" المنتظر" "عجّل الله تعالى فرجه الشريف" ... و"ليال عشر" هم الأئمّة العشر قبله (عليهم السلام) ... و"الشفع" - في الآية - هما عليّ وفاطمة (عليهما السلام) .

وعلى أيّة حال ، فالقسم بهذه الليالي يدّل على أهميتها الإستثنائية نسبة لبقية الليالي ، وهذا هو شأن القسم ، ولا مانع من الجمع بين كلّ ما ذكر من معان .
ويأتي القسم الثّالث والقسم الرّابع : (والشفع والوتر) .
ويوجد تفسيرين للائمة عليهم السّلام

الأوّل: المراد بهما يومي العيد وعرفة ، وهذا ما يناسب ذكر الليالي العشر الاُولى من شهر ذي الحجّة ، وفيهما تؤدى أهم فقرات مناسك الحج .

الثّاني : أنّهما يشيران إلى "الصلاة" ، صلاة الشفع والوتر في صلاة الليل بقرينة ذكر "الفجر" ، وهو وقت السحر ووقت الدعاء والتضرع إلى الله عزّوجلّ . 

ثم القسم الخامس : (والليل إذا يسر) . فقد نسب السير إلى الليل ، وذلك لأنّ "يسر" من (سرى) وهو السير ليلاً .
 
وكأنّ الوصف يقول : بأنّ الليل موجود حسي ، له حس وحركة ، وهو يخطو في ظلمته وصولاً لنور النهار .
 
نعم ، قسماً بالظلام السائر نحو النور ، قسماً بالظلام المتحرك ، لا الثابت الذي يثير الخوف والرعب في الانسان ، والليل يكون ذا قيمة فيما لو كان سائراً نحو النور .
 
والليل من آيات عظمة الخالق سبحانه ، وهو من الضرورات الحياتية في عالم الوجود .
 
فالليل يكيّف حرارة الجو ، ويعم على جميع الكائنات الإستقرار والسكون بعد جهد الحركة والتنقل ، وفوق هذا وذاك ففيه أفضل أوقات الدعاء والمناجات مع الله جّل وعلا .
  
ثمّ تأتي الآية التالية لتقول : (هل في ذلك قسم لذي حجر) .
 
"الحجر" هنا بمعنى : العقل ، وفي الأصل بمعنى (المنع) ، كأن يقال : حجر القاضي فلاناً ، أو كأن يطلق على الغرفة (حجرة) لأنّها محل محفوظ ويمنع دخوله من قبل الآخرين ، وكذلك يقال للحضن (حجر) لحفظه وإحاطته ، واُطلق على العقل (حجر) لمنعه الإنسان عن الأعمال السيئة ، كما أنّ مصطلح (العقل) هو بمعنى (المنع) أيضاً، ومنه (العقال) الذي به تربط أرجل البعير ليمنعه من الحركة.
 
ولكن أين جواب القسم ؟

ج : يوجد احتمالان ، هما :
الأوّل : قوله تعالى : (إنّ ربّك لبالمرصاد) .
الثّاني : جواب القسم محذوف وتدلّ عليه الآيات التالية ، التي تتحدث عن عقاب الطغاة ، والتقدير : (قسماً بكلّ ما قلناه لنعذبنّ الكافرين والطغاة) .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Dec, 14:14


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٦ - النتائج والعلائم‌

إنّ الأمراض الأخلاقية هي مثل الأمراض النفسية والبدنية تكون مصحوبة دائماً بآثار وعلائم ظاهرية، فكما أنّ الإنسان إذا اشتكى مرضاً في الكبد ظهرت عليه آثار هذا المرض‌ بصور مختلفة على جلده ووجهه ولون عينه ولسانه وأمثال ذلك، فهكذا إذا ابتلي الشخص بمرض أخلاقي مزمن فتظهر آثاره وعلائمه في أعماله وسلوكياته وكلماته.

وقد أورد الكبار من علماء الأخلاق آثار الكبر وعلائمه في كتبهم المفصّلة، وهذه الآثار والعلائم قد تظهر على الوجه أحياناً مثل أن يقطب المتكبّر وجهه في مقابل الآخرين وينظر إليهم بنظرة الاستحقار والمهانة بل قد لا يكون مستعداً لأن يقابلهم بجميع وجهه.
وأحياناً اخرى تظهر علائم هذا الخلق الذميم على كلمات الشخص، فيتحدّث بعبارات فيها نوع من المبالغة عن نفسه ويذكر نفسه بضمير الجمع بل قد يتغير لحن صوته لدى‌ تحدّثه عن نفسه وعن الآخرين بما يحكي عن حالة الغرور والتكبّر الّتي تعتمل في نفسه.

فتارة يتجلّى الكبر في أن يُبيح لنفسه التحدّث وقطع كلام الآخرين حيثما شاء ولا يسمح للآخرين بالحديث ولا يُصغي لحديثهم ويتوقع منهم الاصغاء لحديثه وكلامه فقط، ويرى أنّ كلام الآخرين طويلًا مهما قصر وكلامه الطويل والفارغ قصيراً وضرورياً.
وأحياناً يتجلّى التكبّر على حركاته وأعماله وسلوكياته فيحب أن يقف الآخرون تعظيماً له بينما يجلس هو أمامهم ولا يقوم لأحد عندما يرد عليه.
ونقرأ في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «مَنْ ارَادَ انْ يَنْظُرَ الَى رَجُلٍ مِنْ اهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ الَى رَجُلٍ قَاعِدٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَوْمٌ قِيَامٌ» .

وكذلك يحب أن لا يكون وحيداً عندما يمشي في الشارع وأمام الناس بل يسير معه وخلفه جماعة، فقد ورد في الحديث الشريف‌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ الْاوْقَاتِ يَمشِي مَعَ الْاصْحَابِ فَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّقَدُّمِ وَيَمْشِي فِي غِمَارِهِمْ» .

وكذلك يحب المتكبّر أن يأتي الآخرون لرؤيته دون أن يذهب هو لرؤية الآخرين، ويجتنب الجلوس مع الفقراء والمحتاجين ومن يظهر عليه انه من أهل المستويات الدانية في المجتمع، ولو انه اتفق له أن سار معه مثل هؤلاء الأشخاص فإنه يسعى‌ جاهداً للتخلّص‌ منهم في أقرب فرصة أو يوحي لهم بالإبتعاد عنه.
ويحب أيضاً أن لا يعمل لأهل بيته شيئاً من السوق بيده ولا يقوم بعمل من أعمال البيت وتقوم زوجته وأولاده وخادمه بإظهار مراتب الخضوع أمامه والسعي لتلبية حوائجه وأطاعة أوامره.
وأحياناً تظهر آثار التكبّر على طريقة لباسه وكيفيّته وخاصّةً في الألبسة الغالية الّتي تجلب الإنتباه أو في مركبه وسيارته أو في ظاهر بيته ووسائل معيشته، أو في مكان كسبه ومحله وتجارته بل حتّى في لباس أولاده وأقربائه والمنتسبين إليه وطريقة حياتهم حيث يكون هدفه من كلّ ذلك أن يتفاخر على الآخرين بثروته ويبرز إليهم بنقاط قوته ليثبت لهم انه أفضل منهم وأكثر امتيازاً وعنواناً.
وبالطبع فإنّ هذا الكلام لا يعني أن يمتنع الإنسان من لبس الجيّد من الثياب ويلبس الرث منها بل كما ورد في الحديث النبوي الشريف‌ «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبِسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» .

وخلاصة الكلام أنّ ظهور هذا الخلق الذميم أي‌ (التكبّر) يمكن أن يستوعب جميع مناحي وشؤون حياة الإنسان ولا يمكن أن يبتلي الإنسان بهذه الصفة الرذيلة مهما كانت طفيفة إلّا وظهرت على قسمات وجهه وفي طيّ كلماته وأعماله وسلوكياته .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Dec, 14:14


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٥- جذور التكبّر

إن حالة التكبّر الذميمة لها جذور كما هو الحال في سائر الرذائل الأخلاقية، فينبغي البحث عنها بدقة ومعرفتها، وفي غير هذه الصورة فإنّ قلع هذه الصفة من أعماق النفس وتطهير القلب منها يكون أمراً محالًا.
ويذكر بعض علماء الأخلاق مثل المرحوم (الفيض الكاشاني) في كتابه المحجّة البيضاء أربعة جذور واصول للتكبّر وهي: العجب، الحقد، الحسد، الرياء.
ويرى الفيض الكاشاني أنّ جذور التكبّر الباطنية تتمثّل في (العجب) فهذه الحالة من رؤية الذات والإعجاب بها وتعظيمها هي السبب في أن يرى الإنسان نفسه أعلى من الآخرين وأفضل منهم وبالتالي يتحرّك في التعامل معهم من موقع التفاخر والتعالي، وهناك أصل آخر وهو (الحقد) والكراهية الّتي يشعر بها الإنسان تجاه الشخص الآخر حيث يتسبب ذلك في أن يتظاهر بمواهبه وامتيازاته أمام ذلك الشخص، والثالث (الحسد) الّذي يتسبّب في إيجاد هذه الرذيلة الأخلاقية، والرابع (الرياء) الّذي يؤدي إلى أن يتظاهر الإنسان بامتيازاته أمام الآخرين فيورثه ذلك حالة من التكبّر عليهم.
هذه الجذور الأربع تشكل الاصول والاسس لصفة التكبّر، ولكن حسب الظاهر أنّ جذور التكبّر لا تنحصر في هذه الصفات الأربع بل هناك امور اخرى يمكنها أن تكون منشئاً ومصدراً للتكبّر .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

23 Dec, 17:37


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

السابع : التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والعلماء والعشيرة والأقارب والبنين ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء بالمكاثرة بالمتنفذين، وبالجملة فكلّ ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمالًا وإن لم يكن في نفسه كمالًا أمكن أن يتكبر به، حتّى أنّ المخنث يتكبر على أقرانه بزيادة قدرته ومعرفته في صنعة المخنثين لأنّه يرى ذلك كمالًا فيفتخر به وإن لم يكن فعله إلّا نكالًا وكذلك الفاسق قد يفتخر بكثرة الشرب وكثرة الفجور بالنسوان والغلمان ويتكبر به لظنه أنّ ذلك كمال وإن كان مخطأً فيه‌ .

هذه الامور السبعة هي امور قد يصاب الأشخاص بجميعها أو ببعض منها ويتطاولون على الآخرين بالفخر والتكبّر، وبالطبع لا تنحصر الدوافع بهذه السبعة، فإنّ كلّ صفة كمال أو نقطة قوّة معنوية أو مادية سواءً واقعية أو خيالية يمكن أن تسبب الغرور وتدفع بصاحبها إلى التكبّر على الآخرين.

وهذا الكلام لا يعني أنّ الإنسان يجب عليه للتوقي من التكبّر والغرور أن يبتعد عن أسباب الكمال ولا يتحرّك باتجاه المعنويات والكمالات الإنسانية ويقتل في نفسه عناصر الخير والصلاح لكي لا تكون منشئاً للغرور والفخر، بل الغرض من ذلك إن الإنسان كلّما إزداد في علمه وعبادته وقوته وقدرته وثروته فعليه أن يسعى‌ ليكون أكثر تواضعاً وخشية وخضوعاً للحقّ، ويتفكر في أنّ هذه الكمالات والمواهب ليست ثابتة له بالذات وكلّها لا تعدّ شيئاً مقابل قدرة اللَّه تعالى وصفاته وأسمائه الحسنى‌ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

22 Dec, 17:44


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

الخامس : الكبر بالمال وذلك يجري بين الملوك في الخزائن، وبين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويقول له أنت مكدّ ومسكين وأنا لو أردت لاشتريت مثلك واستخدمت من هو فوقك ومن أنت وما معك وأثاث بيتي يساوي أكثر من جميع مالك.

ومن ذلك تكبر قارون اذ قال تعالى‌: «فَخَرَجَ عَلَى‌ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ»  وقد ورد في التواريخ أنّه كان يخرج على قومه من بنى إسرائيل بجميع خدمه وحشمه البالغ عددهم أربعة آلاف نفر وهم يركبون الجياد المزينة بالحلي وملابس الزينة ويصحبون معهم الجواري الجميلات وهنّ في كامل الزينة من الجواهر والذهب، ولكن كل ذلك ينتهي في لحظة حيث خسفت به الأرض بأمر اللَّه وابتلعت ما كان له من ثروات وقصور ودفن قارون معها أيضاً وصار عبرة لمن اعتبر .

السادس : القوة والقدرة البدنية وشدة البطش أو الموقع السياسي أو الاجتماعي، والتكبر
به على أهل الضعف، وغالباً ما يتوفر هذا الحال لدى الامراء والأقوياء وأصحاب السلطة من الناس حيث يرون أنفسهم «ظل اللَّه في الأرضين» ويتوقعون من الآخرين أن يتعاملوا معهم من موقع التعظيم والتكريم كما يفعل الغلمان والعبيد. ولو صدرت منهم أقل حركة أو كلمة خاطئة لا تتفق ومقامهم العالي وشأنهم الكبير فسوف لا ينجو صاحبها من العقاب.

وقد ذكر في بعض حالات السلاطين القدماء أنّه كلما أراد الناس الدخول عليه في مجلسه فيجب عليهم تكميم أفواههم بمنديل أو أي شي‌ء آخر لئلّا يتلوث معطف السلطان ببخار أفواه الرعايا ورائحة فمهم الكريهة، وهذا هو السبب في تفعيل عنصر الكبر والغرور في نفوس هؤلاء وما يتولد منه من أخطاء كبيرة ومآثم شنيعة تؤدي إلى الإسراع في زوال حكمهم وإنهيار دولتهم .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Dec, 17:29


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

الثالث : التكبر بالنسب والحسب فالّذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملًا وعلماً وقد يتكبر بعضهم فيرى أنّ الناس له موالٍ وعبيد ويأنف من مجالستهم ومخالطتهم، والحال أنّ الإسلام ليس فيه تفاضل بالحسب والنسب، كما روي عن أبي ذر أنّه قال: قاولت رجلًا عند النبي صلى الله عليه و آله فقلت له: يا ابن السوداء فقال النبي صلى الله عليه و آله: «يا أبا ذر طف الصّاع ليس لابن بيضاء على ابن سوداء فضل».
قال أبو ذر فاضطجعت وقلت للرجل: قم فطأ على خدي» فانظر كيف نبهه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه رأى لنفسه فضلًا بكونه ابن بيضاء وإن ذلك خطأ وجهل فانظر كيف تاب وكيف قلع من نفسه شجرة الكبرياء خمص قدم من تكبر عليه إذ عرف أنّ العزّ لا يقمعه إلّا الذلّ‌ .

وعلى أي حال فقد قرأنا كثيراً من النصوص الشريفة في القرآن والروايات تؤكد لنا أن لا فضل لإنسان على آخر بالنسب والعرق وأمثال ذلك، فهذه كلها امور اعتبارية تعرض على الإنسان من الخارج، بينما تتقوم شخصية الإنسان وقيمته بما يتضمنه من امتيازات معنوية في محتواه الباطني، وعلى فرض أنّ ارتباطه مع بعض العظماء بالنسب يوجب له فضيلةً وامتيازاً على غيره، فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاحساس بالغرور والتكبّر والتفاخر على الآخرين .

وعندما نرى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، أو الإمام زين العابدين عليه السلام في‌ خطبته المعروفة في الشام يفتخران بنسبهما فذلك ليس من قبيل حبّ التفوق والتفاخر، بل بدافع آخر، حيث أرادا إظهار إمامتهما ورسالتهما الدينية الإلهية لبعض المغفلين والجهلاء، مثل ما يقوم به قائد الجيش من تعريف نفسه للجنود وبيان مكانته ومقامه بهدف دعوتهم الى اطاعته وامتثال أوامره .

الرابع : التفاخر بالجمال وذلك يجري أكثره بين النساء ويدعو ذلك التنقّص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس، ومن ذلك ما روي عن عائشة أنّها قالت: دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه و آله فلما خرجت فقلت بيدي- هكذا- أي أنّها قصيرة، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «قد اغتبتها» وهذا منشؤه خفي الكبر لأنها لو كانت أيضاً قصيرة لما ذكرتها بالقصر فكأنها أعجبت بقامتها واستقصرت المرأة في جنب نفسها فقالت ما قالت .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

20 Dec, 15:20


قال الله تعالى : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (٧٥) ص .

هذا لا يعني أن الله تعالى له يدان بل القرآن الكريم يتكلم بلسان اللغة العربية التي نزل بها لأجل ان يفهمهم والعرب عندما يعبرون عن اليدين فلأجل بيان أهمية الشيء المصنوع وكماله وحسنه واستحقاقه .

قال في تفسير الأمثل : من البديهي أن عبارة (يدي) لا تعني الأيدي الحقيقية المحسوسة، لأن البارئ عز وجل منزه عن كافة أشكال الجسم والتجسيم، وإنما " اليد " هنا كناية عن القدرة، ومن الطبيعي أن الإنسان يستعمل يديه ليظهر قدرته على إنجاز العمل، وكثيرا ما تستخدم اليد بهذا المعنى في محادثاتنا اليومية، إذ يقال : إن البلد الفلاني بيد المجموعة الفلانية، أو إن المسجد الفلاني بني على يد الشخص الفلاني، وأحيانا يقال : إن يدي قصيرة، أو إن يدك مملوءة، اليد في كل تلك الجمل ليس المقصود منها اليد الحقيقية التي هي أحد أعضاء الجسم، بل كناية عن القدرة والسلطة والتمكن .

ومن هنا فإن الإنسان ينفذ أعماله المهمة بكلتا يديه، واستخدامه كلتا يديه يبين اهتمامه وتعلقه بذلك العمل، ومجيء هذه العبارة في الآية المذكورة أعلاه إنما هو كناية عن الاهتمام الخاص الذي أولاه البارئ عز وجل لعملية خلق الإنسان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

20 Dec, 15:20


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٤- دوافع التكبّر

للتكبّر أسباب ودوافع كثيرة تعود كلّها إلى أنّ الإنسان يتصور لنفسه كمالًا معيناً، وبسبب حبّه لذاته فإنه يرى نفسه أكبر من واقعها ويحتقر الآخرين كذلك.
بعض علماء الأخلاق مثل المرحوم‌ (الفيض الكاشاني‌) في كتابه المحجّة البيضاء يذكرون في مسألة دوافع الكِبر وأسبابه سبعة أسباب:

الأوّل: الأسباب الدينية من العلم والعمل، والاخرى‌ الأسباب الدنيوية من النسب والجمال والقوّة والثروة وكثرة الأعوان والأصحاب، ثمّ ذكر الفيض الكاشاني لكلّ واحدة من هذه الأسباب شرحاً وافياً نذكره بشكل مختصر، حيث يقول:

الأوّل: العلم، وما اسرع الكبر إلى العلماء ولذلك قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «آفة العلم الخيلاء» فلا يلبث أن يتعزّز بعزّ العلم، ويستشعر في نفسه جمال العلم وكماله ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم ويتوقع أن يبدؤوه بالسلام.

العلم الحقيقي هو الّذي يعرف الإنسان به نفسه وربّه وخطر الخاتمة وحجة اللَّه على العلماء وعظم خطر العلم فيه، كما سيأتي في طريق معالجة الكبر بالعلم وهذه العلوم تزيد خوفاً وتواضعاً وتخشعاً ويقتضي أن يرى أنّ كلّ الناس خير منه لعظم حجة اللَّه تعالى عليه‌ بالعلم وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم ولهذا قال أبو الدرداء: «من إزداد علماً إزداد خوفاً» وهو كما قال.

الثاني: العمل والعبادة وليس يخلو عن رذيلة الغرور والكبر واستمالة قلوب الناس الزهّاد والعبّاد ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين. أما الدنيا فهو أنّهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيارة غيرهم ويتوقعون قيام الناس بقضاء حوائجهم وتوقيرهم والتوسع لهم في المجالس وذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس من الحظوظ إلى جميع ما ذكرناه في حقّ العلماء وكأنهم يرون عبادتهم منّة على الخلق، وأما فى الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجياً وهو الهالك تحقيقاً مهما رأى ذلك قال النبي صلى الله عليه و آله: «إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم»، وإنما قال ذلك لأن هذا القول يدل على أنّه لخلق اللَّه، مغتر باللَّه، آمن من مكره، غير خائف من سطوته، وكيف لا يخاف ويكفيه شراً احتقاره لغيره، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «كفى بالمرء شراً أن يحقر أخاه المسلم» وكم من الفرق بينه وبين من يحبّه للَّه‌ ويعظمه لعبادته ويستعظمه ويرجو له ما لا يرجو لنفسه فالخلق يدركون النجاة بتعظيمهم إياه للَّه‌ فهم يتقربون إلى اللَّه بالدنو منه وهو يتمقت إلى اللَّه بالتنزه والتباعد منهم كأنه مرتفع عن مجالستهم، فما أجدرهم إذا أحبّوه لصلاحه أن ينقلهم اللَّه الى درجته في العمل وما أجدر إذا ازدراهم بعينه أن ينقله اللَّه الى حدّ الإهمال.
وهذه الآفة أيضاً قلما ينفك عنها العباد وهو أنّه لو استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن يغفر اللَّه له ولا يشك في أنّه صار ممقوتاً عند اللَّه ولو آذى مسلما آخر لم يستنكر ذلك الاستنكار وذلك لعظم قدر نفسه عنده وهو جهل وجمع بين العجب والكبر والاغترار باللَّه وقد ينتهي الحمق والغباوة لبعضهم إلى أن يتحدّى ويقول سترون ما يجري عليه، وإذا اصيب بنكبة زعم أنّ ذلك من كراماته وأنّ اللَّه ما أراد به إلّا شفاء علته والانتقام له.
فما أعظم الفرق بين مثل هذا الجاهل وبين بعض ما ورد عن أحد العباد الّذي قال بعد انصرافه من عرفات: كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم، فانظر إلى الفرق بين‌
الرجلين.
ونختم هذا البحث بحديث شريف عن النبي الأكرم حيث ورد في الروايات أنّه تحدث بعض الأصحاب عن رجل وذكروه بخير للنبي صلى الله عليه و آله فأقبل ذات يوم فقالوا: يارسول اللَّه هذا الّذي ذكرناه لك، فقال: إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان فسلم ووقف على النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «أسألك باللَّه حدّثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك؟
فقال: اللهم نعم» ، فرأى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بنور النبوة ما استكن في قلبه سفعة في وجهه .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

18 Dec, 13:14


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٣ - التكبّر على مَنْ ؟

يقسّم علماء الأخلاق التكبّر إلى ثلاث أقسام:
١ - التكبّر أمام اللَّه.
٢ - التكبّر مقابل الأنبياء.
٣ - التكبّر على خلق اللَّه.
والمراد من التكبّر مقابل اللَّه تعالى والّذي يُعد من أسوأ أنواع التكبّر وناشئاً من غاية الجهل هو أنّ الإنسان الضعيف يدّعي الإلوهية، وليس فقط أنّه لا يرى نفسه عبداً للَّه‌ بل يسعى إلى دعوة الناس لعبادته أيضاً، أو يقول كما قال فرعون «.... انَا رَبُّكُمُ الْاعْلَى» أو يقول «... مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ الهٍ غَيْري ...» .
ومن البعيد جداً أن يرى الإنسان مثل‌ «فرعون» الّذي حكم أرض مصر سنين متمادية أنه واقعاً «الربّ الأعلى‌» للناس وأنّه معبود الناس جميعاً حتّى لو كان على درجة شديدة من قلّة العقل وقلّة الذكاء، إذن فالمراد حسب الظاهر أنّ فرعون وأمثاله ولغرض تحميق عامّة الناس واستحمار السُذّج منهم أن يدعوا هذا الأدّعاء لتثبيت أركان حكومتهم وسيطرتهم.

الشكل الآخر من التكبّر إمام اللَّه هو ما نجده من تكبّر إبليس وأتباعه حيث استكبروا ورفضوا إطاعة اللَّه تعالى من موقع الأفضلية لأنفسهم والاعتراض على الحكم الإلهي وأمره حيث قالوا: إنّ إبليس الّذي خلق من النار لا ينبغي له السجود لمخلوق من تراب كما تقول الآية على لسان إبليس: «... لَمْ اكُنْ لِاسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَاءٍ مَسْنُونٍ» ، أو تقول الآية: «... قَالَ انَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» .

أجل فإنّ الحجاب العظيم للكبر والغرور قد يصل إلى درجة أن يحجب عقل الإنسان وبصيرته عن رؤية حقائق الامور وأنّه موجود ضعيف فيرى انه أعلم من اللَّه تعالى.

القسم الآخر للتكبّر هو التكبّر في مقابل الأنبياء والمرسلين الّذين أرسلهم اللَّه تعالى إلى أقوامهم كما نرى هذه الحالة في طوائف المستكبرين من الأقوام السالفة أمام أنبيائهم اذ رفضوا طاعة الأنبياء من موقع التكبّر والغرور وقالوا: «... أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ...» أي موسى وهارون، وتارة كانوا يقولون مثل مقولة قوم نوح عليه السلام: «وَلَئِنْ اطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ انَّكُمْ إذاً لَخَاسِرُونَ» .

وتارة اخرى يتذرعون بذرائع طفولية ويقولون من موقع العناد واللجاجة: «وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَائَنَا لَوْلَا انْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرى‌ رَبَّنَا» .

القرآن الكريم يقول في سياق هذه الآيات الشريفة: «لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي انْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً» .

القسم الثالث من أقسام التكبّر هو التكبر في مقابل عباد اللَّه بحيث يرى نفسه أعلى منهم ويرى الآخرين من موقع الحقارة والدنائة وأنّهم لا قيمة لهم أمامه وبالتالي فلا يرى‌ للآخرين حقّاً عليه بل يتوقع من الآخرين أن يحترمونه ويعترفون بعظمته ويذعنون لأوامره ومطاليبه.

وهذا النوع من التكبّر له نماذج كثيرة في حياتنا الإجتماعية فلا حاجة للإطالة في شرحه وبيان مصاديقه وموارده، وقد يمتد هذا النوع من التكبّر ويصل إلى درجة في أعماق النفس إلى التكبّر في مقابل الأنبياء ثمّ التكبّر أمام اللَّه تعالى.

أجل فإنّ نار التكبّر والغرور تنشأ من التكبّر في مقابل عباد اللَّه عادة ثمّ يتدرج الإنسان ويتمادى‌ في هذه الحالة حتّى يتكبّر أمام دعوة الأنبياء ويرفض إطاعتهم وبالتالي يصل به الأمر إلى التكبّر أمام اللَّه تعالى .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

16 Dec, 14:05


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

٢ - أقسام التكبّر

هناك مفاهيم متعددة تحكي عن هذه الحالة النفسانية حيث يتصور البعض أنّها مترادفة وبمعنى واحد، والحال أنّ هناك اختلاف دقيق فيما بينها رغم أنّها تمتد جميعاً إلى أصل‌ «التكبّر» ولكنها تتجلّى في زوايا ووجوه مختلفة.

(حالة الفوقية)، (الأنانية)، (الذاتية)، (عظمة الشخصية)، (التفاخر)، كلّ هذه المفاهيم تمد جذورها إلى أصل‌ «التكبر» رغم أنّها تعني مفاهيم مختلفة وناظرة إلى سلوكيات متنوعة في حركة الإنسان الإجتماعية والنفسية.

فقد تحكي الكلمة عن رؤية الذات أعلى من الآخرين وهي‌ (النظرة الفوقية).

وقد يرى الإنسان نفسه هو الأجدر بسبب هذه الفوقية فيتحرّك ليستلم زمام الامور في جميع المناحي الإجتماعية والمناصب السياسية فهي‌ (النظرة الأنانية).

والشخص الّذي يسعى‌ في المسائل الإجتماعية وخاصة عند بروز المشكلات والأزمات أن يؤمّن منافعه الشخصية ولا يهتم بمصالح الآخرين ومنافعهم فهي‌ (الأنانية).

والشخص الّذي يسعى‌ إلى تحكيم سلطته على الآخرين وجعل الآخرين طوع إرادته فهو مبتلى‌ بحالة (السلطوية) .

وأخيراً فإنّ الشخص الّذي يسعى لاظهار ما لديه من مقام أو ثروة أمام الآخرين ويتعزّز بها فهي حالة (التفاخر).

وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الصفات والحالات تشترك جميعاً في أصل‌ «التكبّر» رغم أنّها تظهر وتتجلى بأشكال مختلفة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Dec, 12:56


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

ملاحظات:

وقد بقيت هنا مسائل وامور مهمّة لابدّ من بيانها وهي كما يلي:

١ - تعريف التكبّر وحقيقته‌

قال علماء الأخلاق: إنّ أساس التكبّر وتعريفه هو أن يرى الإنسان علوّاً وتفوقاً على غيره، وعليه فالتكبّر يتكون من ثلاثة أركان: 
الأوّل‌ : أن يرى لنفسه مقاماً ومرتبة معيّنة .

الثاني‌ : أن يرى لغيره أيضاً مقاماً معيّناً .

الثالث‌ : أن يرى مقامه أعلى من مقام الآخر ويشعر بالراحة والفرح لأجل ذلك.

وعلى هذا الأساس قالوا: إنّ التكبّر يختلف عن العُجب، ففي العجب لا توجد مقارنة مع الآخر، بل إنّ الإنسان يتملّكه حالة من رؤية العظمة في نفسه بسبب العلم أو الثروة أو القدرة أو حتّى العبادة حتّى لو لم يكن إنسان آخر على وجه الأرض، ولكن في حالة التكبّر هناك مقارنة مع الآخرين حتماً بحيث يرى نفسه أعلى‌ منهم.

إنّ مفردة «الكبر والتكبّر» تارة تطلق على الحالة النفسية الّتي ذكرناها آنفاً، وتارة اخرى تطلق على العمل أو الحركة الناشئة من تلك الحالة النفسانية، مثلًا أن يجلس الإنسان أو يسير بخطوات أو يتحدّث بحديث يظهر منه انه يرى لنفسه تفوقاً على أقرانه وجلسائه، فمثل هذه الأعمال والسلوكيات تسمّى‌ بالتكبّر أيضاً والّتي تمتد في جذورها وأصلها إلى تلك الحالة الباطنية والنفسانية الذميمة.

إنّ علائم التكبّر كثيرة، منها أنّ المتكبر يتوقع اموراً كثيرةً من الناس مثل أن يتوقع منهم أن يسلموا عليه، وأن لا يدخل أحداً إلى المجلس قبله، وأن يجلس في صدر المجلس دائماً، والناس لا يرون لأنفسهم شخصية أمامه ولا يتكلمون معه من موقع الانتقاد والنقد بل حتّى من موقع النصيحة والموعظة فيحفظون احترامه وحرمته دائماً ويقفون أمامه موقف الخاضع الخاشع ويتحدثون بعظمته ومقامه السامي دائماً.

ومن البديهي أنّ ظهور وبروز هذه الحالات في ممارسات الإنسان وسلوكياته تابع لدرجة شدّة وضعف حالة التكبّر في واقعه النفساني، ففي بعض الموارد تتجلّى هذه العلامات جميعاً، وفي بعضها الآخر يتجلّى قسم منها.

هذه الحالات والسلوكيات في الواقع الخارجي لها جذور باطنية وأحياناً تكون ضعيفة وخفيّة إلى درجة إن الإنسان نفسه لا يشعر بوجودها بل قد يتصور هذه الصفة الذميمة من موقع نقطة القوّة (من قبيل الاعتماد على النفس وتوكيد الذات والشخصية) فتختلط عليه الحالة، وأحياناً تكون ظاهرة إلى درجة أنّ الآخرين أيضاً يدركون وجودها في هذا الإنسان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

13 Dec, 20:08


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

التكبّر في منطق العقل:

ومضافاً إلى الآيات والروايات الشريفة فإنّ‌ (التكبّر والاستكبار) يُعتبر مذموماً في منطق العقل بشدّة، لأنّ العقل يرى أنّ جميع أفراد البشر هُم عباد اللَّه تعالى وكلّ إنسان يجد في نفسه نقاط إيجابية وقابليات وملكات في طريق الكمال، وكلّهم من أب واحد وامّ واحدة، فهم سواسية في ميزان الخلق، فلا دليل على أن يرى أي إنسان نفسه أعلى من الآخرين ويفتخر على غيره ويسعى‌ لتحقيره، وحتّى لو رأى في نفسه موهبة من اللَّه تعالى لم تكن لدى الآخرين، فمثل هذه الموهبة يجب أن تكون سبباً ليتحرك في خط الشكر للَّه‌ تعالى والتواضع لا في خط الكبر والغرور.

إنّ قباحة هذه الصفة الذميمة يعد من البديهيات الّتي يشعر بها كلّ إنسان في وجدانه ويعترف بها، ولهذا فإنّ الأشخاص الّذين لا يعتنقون أي دين ومذهب يذمون حالة التكبّر والأنانية أيضاً ويرون أنّها من أقبح الصفات والسلوكيات في دائرة السلوك الإنساني.

وفي الواقع فإنّ قسماً مهماً من مسألة (حقوق الإنسان) الّتي تم تدوينها من قِبل مجموعة من المفكّرين غير المؤمنين ناظرة إلى مسألة التصدي لحالة الاستكابر الدولي، ومع أننا قد نرى من الناحية العملية نتائج معكوسة على هذا القرار الدولي بحيث أصبح أداة طيّعة بيد المستكبرين للتحرك من موقع إدانة الآخرين لا العمل على تطبيق هذه المقررات الأخلاقية بإنصاف على جميع الدول والمجتمعات البشرية المعاصرة.
وأساساً كيف يرتدي الإنسان رداء التكبّر في حين إنه وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام كان في البدايه نطفة حقيرة، ثمّ جيفة نتنة، ثمّ هو فيما بينهما يحمل العذرة؟

الإنسان ضعيف وعاجز إلى درجة أنّ البعوضة تؤذيه وحتّى أقل من البعوضة، أي المكروب والفيروس الّذي لا يُرى بالعين المجرّدة قد يوقعه في حبال المرض الشديد ويؤدي به إلى أن يرقد على سرير المرضى لمدّة طويلة، والإنسان الّذي يتالم من حرارة الهواء أو برودته ولو انقطع المطر مدّة عنه لشعر بالهلاك والتلف ولو أنّ المطر زاد قليلًا عن المألوف لوقع في مصيبة أدهى‌، ولو أنّه قد ارتفع ضغطه قليلًا لوقع في خطر الموت وكذلك لو انخفض ضغطه أيضاً، وهو لا يعلم مصيره ومستقبله حتّى لمدى ساعة من المستقبل‌
القريب ولا يعلم متى يحين أجله وقد يكون أقرب الناس إليه هو الّذي يقتله ويذهب بحياته، وقد يكون الماء الّذي يروي حياته موجباً لموته أيضاً، وكذلك الهواء الّذي يتنسّمه ويستنشقه قد يتحول إلى إعصار مدمر في حركة سريعة فيتحول بيته ومأواه إلى خرائب وبذلك يفقد كلّ شي‌ء لأتفه الأسباب.
ومن الامور الّتي تمثل علامة من علامات عجز الإنسان هي الأمراض الّتي تأخذ بحياة الإنسان وسعادته وسلامته والّتي غالباً ما تكون بسبب المكروبات والفيروسات الصغيرة جداً بحيث لا ترى إلّا بأقوى‌ المجاهر والمكرسكوبات وبإمكانها أن تصرع أقوى الناس واغناهم وأشدّهم قوّة وقدرة.
إنّ مرض السرطان الموحش الّذي يُعدّ مرض العصر في هذا الزمان ويحصد أكثر الضحايا على الرغم من سعي آلاف الأطباء والعلماء في كلّ يوم وصرف مليارات من الأموال لعلاجه وايقافه عند حدّه هذا المرض كيف يحدث؟ أنّه يحدث بسبب طغيان واستكبار وتضخم خلية واحدة من خلايا البدن الّتي لا تُرى إلّا بالمجهر العظيم حيث تشرع هذه الخلية بالتكثّر من دون وازع أو نظم معين، وهكذا تتضخّم هذه الخلايا وتصبح على شكل غدّة سرطانية في زمن قليل.
إنّ الكثير من القادة العسكريين ورؤساء العالم الّذين يقودون الجيوش العظيمة قد صُرعوا بهذا الداء الوبيل، أي أنّ جيوشهم العظيمة لم تقدر على التصدي لخليّة صغيرة جداً من خلايا الجسد.
أجل فمثل هذا الضعف والعجز الذاتي للإنسان كيف يسوغ له إدّعاء العظمة والكبرياء بحيث يرتدي لباس العزة والعظمة على المخلوقين في حين أنّ العظمة والكبرياء مختصّتان باللَّه تعالى وليس لسواه من المخلوقات سوى العجز والفاقة والفقر.
ونختم هذا البحث بحديث عن أميرالمؤمنين عليه السلام يبين فيه خلاصة لهذا البحث المنطقي ببيان جميل حيث يقول: «مِسْكِينُ بْنُ آدَمَ مَكْتُومُ الْاجَلِ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ،
تُؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ، وتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ» .
فهل مع هذا الحال يليق بالإنسان أن يرى لنفسه تفوقاً وتكبّراً على الآخرين ويفتخر عليهم من موقع رؤية العظمة للذات والأنا؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Dec, 18:27


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

التكبّر في الروايات الإسلامية:

وقد ورد في المصادر الروائية أحاديث كثيرة على مستوى ذمّ التكبّر وبيان حقيقته ونتائجه الوخيمة على الفرد في حركة الحياة والواقع وطرق علاجها ولا يسعنا ذكر هذه الروايات بأجمعها في هذا المختصر، ولكننا نكتفي منها بما يلي:
١ - ورد في الحديث الشريف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ايَّاكُمْ وَالْكِبْرَ فَانَّ ابْلِيسَ حَمَلَهُ الْكِبْرُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِآدَمَ» .

٢ - وهذا المعنى نفسه ورد بتعبير آخر في خطب نهج البلاغة حيث نقرأ في الخطبة القاصعة كلاماً كثيراً عن‌ (تكبّر إبليس) والنتائج المترتبة على ذلك حيث يقول: «فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِابْلِيسَ اذْ احْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ» .
إنّ العبارات المثيرة أعلاه تبين جيداً أنّ التكبّر والأنانية وحالة الفوقية الّتي يعيشها إبليس والإنسان بإمكانها أن تفضي، ولو في لحظات قليلة، إلى أخطر العواقب الوخيمة وكيف أنّها كالنار المحرقة الّتي تأتي على الأخضر واليابس من الأعمال الصالحة فتحرقها وتجعلها رماداً منثوراً وتتسبب في الشقاء الأبدي والعذاب الخالد لصاحبها.

٣ - وفي حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «إِحْذَرِ الْكِبْرَ فَانّهُ رَأْسُ الطُّغْيَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّحْمَنِ» .
وهذا الحديث الشريف يبين هذه الحقيقة، وهي أن مصدر الكثير من الذنوب والخطايا هي حالة الكبر والفوقية الّتي يعيشها الإنسان بالنسبة إلى الآخرين.

٤ - وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِءٍ شَيءٌ مِنَ‌الْكِبْرِ إلّا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِثْلُ مَا دَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ! قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ» .

٥ - وفي اصول الكافي ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «اصُولُ الْكُفْرِ ثَلَاثَةٌ، الْحِرْصُ وَالْاسْتِكْبَارُ وَالْحَسَدُ، فَامَّا الْحِرْصُ فَانَّ آدَمَ حِينَ نُهِىَ عَنِ الشَّجَرَةِ حَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى أنْ اكَلَ مِنْهَا، وَامَّا الْاسْتِكْبَارُ فَابْلِيسُ حَيْثُ امِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَابى، وَامَّا الْحَسَدُ فَابْنَا آدَمَ، حَيْثُ قَتَلَ احَدُهُمَا صَاحِبَهُ» .

وعليه فإنّ أوّل الذنوب الّتي نشأت على الأرض كان مصدرها هذه الثلاثة من الصفات الأخلاقية الذميمة.

٦ - وفي حديث آخر عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .

٧ - وفي حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «أقْبَحُ الْخُلْقِ التَّكَبُّرُ» .

إنّ الأحاديث الإسلامية الواردة في المصادر الروائية كثيرة في هذا الباب ولكن هذا المقدار المعدود من هذه الأحاديث يكفي لبيان شدّة قبح هذه الرذيلة.
فقد قرأنا في الأحاديث المذكورة آنفاً أنّ الكبر هو مصدر الذنوب الاخرى، وعلامة على نقصان العقل، وسبباً لإهدار طاقات الإنسان وقواه المعنوية، ويعتبر من أقبح الرذائل الأخلاقية بحيث إنّه يتسبب في حرمان الإنسان من دخول الجنة في نهاية المطاف، وكلّ واحد من هذه الامور بحدّ ذاته يمكن أن يكون عاملًا مؤثراً في ردع الإنسان عن التحرّك في هذا الاتجاه وسلوك طريق التكبّر، فكيف بأن يتصف بمثل هذه الصفة الذميمة الّتي تؤدي إلى سقوطه من مقام الإنسانية ومرتبة الإيمان في حركة التكامل المعنوي ؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

10 Dec, 19:21


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وفي‌ «الآية الرابعة عشر» والأخيرة من الآيات محل البحث نقرأ نتيجة اخرى من النتائج الخطيرة والإليمة المترتبة على حالة الاستكبار حيث تقول الآية: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى‌ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُمجْرِمِينَ» .

ففي هذه الآية الشريفة ورد أوّلًا (التكذيب بآيات اللَّه) إلى جانب (الاستكبار) وكما ذكرنا سابقاً أنّ أحد العلل المهمّة لإنكار آيات اللَّه والتصدي لدعوة الأنبياء هي حالة الاستكبار الّتي يعيشها الأقوام البشرية، فأحياناً كانوا يقولون: ما هو امتياز هذا النبي عنا ؟
ولماذا نزلت عليه آيات اللَّه دوننا؟ ويقولون أحياناً اخرى: إن الاراذل والفقراء من الناس إلتفّوا حوله ونحن أعلى شاناً من أن نكون كأحدهم، ولو أنّ هذا النبي قد طرد هؤلاء المؤمنين به من حوله فسوف يفسح لنا المجال للدخول في مجلسه والمشاركة في الاستماع لكلماته ومواعظه، وهكذا من خلال هذه التبريرات والذرائع الواهية كانوا يعرضون عن الإيمان باللَّه والتحرّك في خط المسؤولية.

عبارة: «وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى‌ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ» والّتي وردت في القرآن الكريم في هذه الآية فقط هي تأكيد واضح على عظمة هذه الخطيئة وهذا الاتصاف السلبي والخطير في حركة الإنسان في الحياة، أي كما أنّ عبور الجمل (أو طبقاً لتفسير آخر: الحبل الضخم) غير ممكن ومستحيل من ثقب أبرة فإنّ دخول المتكبّرين إلى الجنّة والنعيم الإلهي‌ محال أيضاً، ولعلّ ذلك يشير إلى أنّ طريق الجنّة إلى درجة من الدقّة بحيث يشبه ثقب الأبرة ولا يمر من خلاله إلّا من تحلّى بصفة التواضع ورأى نفسه من واقع حاله.

وجملة: «لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» هي إشارة إلى ما ورد في الأحاديث الإسلامية أيضاً، وهو أنّ المؤمنين عندما ينتقلون من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الاخرى أنّ روحهم وأعمالهم تصعد إلى السماء وتفتح لهم أبواب السماء ويستقبلهم الملائكة، ولكن عندما يصعد بروح الكفّار والمتكبّرين وأعمالهم إلى السماء فسوف توصد أبواب السماء أمامهم ويناد المنادي أنّه أذهبوا بها إلى جهنم وبئس المصير.

النتيجة النهائية:

ونستنتج من مفهوم الآيات المذكورة آنفاً أنّ القرآن الكريم يعتبر (التكبّر والاستكبار) من أقبح الصفات والأعمال على مستوى السلوك البشري، وأنّ هذه الصفة الذميمة يمكنها أن تكون مصدراً للكثير من الذنوب العظيمة وحتّى أنّها قد تورث الإنسان حالة الكفر باللَّه تعالى‌، والأشخاص الّذين يعيشون هذه الحالة لا يتسنّى‌ لهم إدراك معنى السعادة الحقيقية والطريق إلى مرتبة القرب الإلهي موصد أمامهم، وعليه فإنّ على السالكين طريق الحقّ لابدّ لهم قبل كلّ شي‌ء من تطهير أنفسهم وقلوبهم من تلوثات هذه الصفة الأخلاقية القبيحة بأن لا يروا لأنفسهم تفوّقاً في وجودهم على الآخرين ولا ينطلقوا في تعاملهم مع الناس من موقع التكبّر والأنانية، فإنّ هذه الحالة من أكبر موانع الوصول إلى اللَّه تعالى والقرب المعنوي من الكمال المطلق .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

08 Dec, 13:44


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الثالثة عشر» من الآيات محل البحث وكما ورد في الروايات في شأن نزولها أنّها تتحدّث عن طائفة من نصارى‌ نجران وتقول: «لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ولا الْمَلئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا» .

وتقول الآية الّتي تليها مؤكدة على أصل مهم ومصيري في حياة الإنسان والمجتمع البشري: «فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصلِحتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا» .

هذه الآيات ناظرة إلى دعوى واهية لطائفة من النصارى الّذين ذهبوا إلى إلوهية المسيح وتصوّروا أنّهم لو أنزلوا المسيح من هذا المقام وأنّه عبد اللَّه فإنّ ذلك سيكون هتكاً لحرمته وإهانة لساحته ومقامه السامي.

وأمّا القرآن فيقول لهم أنّه ليس المسيح ولا أي واحد من الملائكة أو من المقرّبين له هذا المقام، ولا يتصوّر أحد منهم ذلك بل يرون أنفسهم عباد اللَّه ويذعنون أمام هذه الحقيقة الناصعة، ويأتون بطقوس العبودية له، ثمّ يذكر القرآن أصلًا كليّاً ويقول: إذا تحرّك أي واحد من المخلوقين حتّى الأنبياء الإلهيين أو الملائكة المقرّبين مبتعداً عن خط العبودية ومتلبساً بلباس الاستكبار أمام الحقّ تعالى واستنكف عن عبادته وتكبر فإنّه سوف لا يستطيع انقاذ نفسه من العذاب الإلهي ولا يستطيع أحد انقاذه من خالق العقاب الأليم المقرّر له.

والملفت للنظر أنّ الآية الأخيرة تقرّر أنّ الإيمان والعمل الصالح يقعان في النقطة المقابلة، للاستكبار والأنانية ورؤية الذات أعلى من الواقع، وبالتالي يمكننا أن نستوحي منها هذه النتيجة، وهي أنّ من يسلك طريق الاستكبار وينطلق في فكره وسلوكه من موقع التكبّر فليس له إيمان حقيقي ولا عمل صالح.

«الاستنكاف» في الأصل من مادّة «نكف» على وزن‌ «نصر» وهي في الأصل بمعنى مسح قطرات الدموع على الوجه بالأصابع، وعليه فيكون الاستنكاف من عبودية اللَّه تعالى‌ يعني الابتعاد عنه وذلك بسبب أحد العوامل المختلفة من قبيل الجهل أو الكسل وحب الراحة وغير ذلك، ولكن عندما وردت جملة «اسْتَكْبَرُوا» بعد هذه العبارة فإنّ ذلك يشير إلى الاستنكاف الّذي يقع من موقع الكبر والغرور ويكون معلولًا لهما، وبذلك يكون ذكر هذه الجملة بعد تلك العبارة في الواقع إشارة إلى هذه النكتة الدقيقة.
وعلى أيّة حال فإنّ التعبيرات المثيرة في هذه الآيات تدلّ على أهمية هذه المسألة وأنّ هذه الصفة الذميمة وهي الاستكبار تنتج هذه العواقب الوخيمة لدى‌ كلّ إنسان يتصف بها .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

07 Dec, 13:44


قال الله تعالى : ( إن سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ) الليل ٤ .


ثم يأتي الهدف النهائي من كل هذه الأقسام بقوله سبحانه: إن سعيكم لشتى اتجاهات سعيكم مختلفة، ونتائجها مختلفة أيضا، هذا يعني أن أفراد البشر لا يستقرون في حياتهم على حال بل هم في سعي مستمر وفي استثمار دائم للطاقة التي أودعها الله في نفوسهم فانظر أيها الإنسان في أي مسير تبذل هذه الطاقة التي هي رأس مال وجودك في أي اتجاه وفي سبيل أية غاية؟!

حذار من تبديد كل هذه الطاقات في سبيل نتيجة تافهة . وحذار من بيعها بثمن بخس!

" شتى " جمع " شتيت " من مادة " شت " أي فرق الجمع، وهنا بمعنى التفرق والتشعب في المساعي من حيث الكيفية والهدف والنتيجة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

06 Dec, 12:54


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الثانية عشر» تقول: «لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ» .

وقد ورد ما يشبه هذا المعنى في القرآن الكريم مرّات عديدة من قبيل قوله:
«وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمينَ» .

«وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدينَ» .

«إنَّ اللَّهَ لَا يُحبُّ الْمُعْتَدِينَ» .

«إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين» .

«إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» .

«إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ» .

ويقول في الآية محل البحث: «انَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ».

إنّ التدقيق في مثل هذه العبارات يوضح وجود رابطه خاصة بين هذه الامور المذكورة في هذه الآيات، بحيث يمكن القول أنّ القدر المشترك بين الصفات الرذيلة في هذه الآيات السبعة المذكورة آنفاً هو حبّ الذات والغرور والعجب أو التكبّر الّذي يعد منبعاً للظلم والفساد والإسراف والفخر على الآخرين.

وهنا تقول الآية: إنّ اللَّه تعالى لا يحب أيّاً من هذه الطوائف السبعة، ومفهومها أنّ من يتصف بهذه الصفات ويكون مصداقاً لأحد هذه الطوائف فإنّه مطرود من ساحة الربوبية والرحمة الإلهية الواسعة، لأنّه متصف بأخطر الرذائل الأخلاقية، وهي التكبّر المانع من القرب إلى اللَّه تعالى .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

03 Dec, 11:49


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الحادية عشر» تتحدّث أيضاً عن المتكبّرين بشكل عام وتقول: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَإِنْ يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِنْ يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ» .

هذه العبارات المثيرة الواردة في هذه الآية الكريمة تخبر عن عمق المصيبة الّتي يبتلي بها هؤلاء المتكبرون، فإنّ اللَّه تعالى سيجازي هؤلاء الأشخاص ويعاقبهم من موقع أنّهم لا يجدون في أنفسهم قبولًا للحقّ بحيث إنّهم لو رأوا جميع آيات اللَّه ومعجزاته المتنوعة فإنّهم لا ينفتحون على الإيمان ولا يسلكون خط الصلاح والهدى‌، ولو أنّهم وجدوا الصراط المستقيم مفتوحاً أمامهم فإنّهم لا يسلكونه بل إذا وجدوا طريق الغي والضلال فإنّهم يسلكونه من فورهم ويتحركون في خط الضلالة والباطل والإنحراف.
وعبارة «بغير الحقّ» هي في الواقع قيد توضيحي لأنّ العظمة والكبرياء مختصان باللَّه تعالى وقدرته المطلقة، وأمّا بالنسبة للإنسان الّذي ليس سوى ذرّة صغيرة من ذرات عالم الوجود الواسع، فإنّ رداء العظمة والكبرياء بالنسبة له ليس حقّاً وليس من حقّه أن يرتدي هذا الرداء.

بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ هذا القيد هو قيدٌ احترازي وقالوا: إنّ التكبّر على قسمين:
تكبّر في مقابل أولياء اللَّه فهو (بغير الحقّ) وفي مقابل ذلك التكبّر في مقابل أعداء اللَّه وهو (بالحقّ) ولكن مع الالتفات إلى جملة «يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأرْضِ» يتّضح جيداً أنّ هذا التفسير غير منسجم مع سياق الآية لأنّ التكبّر في الأرض وفي مقابل البشر جميعاً هو خلقٌ مذموم وقبيح بصورة مطلقة.

وعلى أيّة حال فإنّ الآية الشريفة تشير في سياقها إلى أهم آثار وعواقب التكبّر الوخيمة، وهي أنّ مثل هذا الإنسان لا يذعن أمام آيات الحقّ ولا يؤمن بها بل على العكس من ذلك، فإنّه وبسبب هذه الصفة الذميمة سيدخل أبواب الضلالة، ويسلك سبيل الغي لدى‌ مشاهدته فوراً.

أجل فإنّ صفة الكبر والغرور تمثل حجاباً على قلب الإنسان وروحه ممّا يتسبّب أن يرى الحقّ باطلًا والباطل حقّاً، وبذلك يحجب عن الإنسان أبواب السعادة والنجاة ويفتح له أبواب الضلالة وعلى أساس أنّها أبواب السعادة، فما أعظم شقاء الإنسان الّذي لا يرى علائم الحقّ ويتغافل عنها ويسلك طريق الضلالة والزيغ والإنحراف ويتصور أنّ هذا المسير هو الّذي يؤدي به إلى السعادة والنجاة!!

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

02 Dec, 13:21


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وتنطلق‌ «الآية العاشرة» لتشير إلى أصل كلي لا يختصّ بطائفة معيّنة، وهو أنّ الكافرين عندما يقتربون من حافة جهنم يُقال لهم إنّ هذا العذاب هو بسبب أنّكم تتصفون بصفة التكبّر فتقول الآية: «قِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ» .

وشبيه هذا المعنى قد ورد في آيات متعددة اخرى من القرآن الكريم منها ما ورد في الآية 60 من سورة الزمر: «الَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ».

ومن الملفت للنظر أنّ من بين جميع الصفات الأخلاقية الذميمة لأصحاب النار قد أكدت الآية على مسألة التكبّر ممّا يقرر هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الصفة الذميمة هي الأساس في سقوط هؤلاء في هذا المصير المؤلم بحيث تكون جهنم هي مقرّهم النهائي ومصيرهم الخالد.

وممّا يلاحظ في هذه الآية أنّ كلمة «مثوى» من مادّة «ثوى‌» تعني المحل الدائم والمقر الّذي يستقر فيه الإنسان في نهاية المطاف، وهو إشارة إلى أنّ هؤلاء لا نجاة لهم من العذاب الأليم في الآخرة.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

01 Dec, 14:03


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢


وتأتي‌ «الآية التاسعة» لتستعرض في سياقها خطاب مؤمن آل فرعون لقومه ويحتمل أن تكون هذه الآية جزءاً من خطابه أو جملة مستقلة معترضة من الآيات القرآنية الكريمة حيث نقرأ فيها قوله تعالى: «الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى‌ كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ» .

«يطبع» من مادّة «طبع» وتأتي في هذه الموارد بمعنى الختم، وتشير إلى عمل تم في الماضي والحال ويراد به الشي‌ء الّذي يُراد بقائه دون استخدام وتصرف فيغلق عليه ويُسد بابه ويوضع عليها مادّة لاصقة إما من الطين أو الشمع أو ما شابه ذلك ويختم عليها بختم معين بحيث إذا أراد شخص فتحه سيضطر إلى كسر هذا الختم وبالتالي سيتّضح ويتبين أنّه تصرّف فيه فيحال إلى المحكمة.

وعلى هذا الأساس فإنّ عملية الطبع والختم على قلوب المتكبرين يشير إلى أن عناد هؤلاء وعدائهم للحقّ قد أسدل على قلوبهم وأفكارهم حجاباً ظلمانياً بحيث لا يقدرون معه على إدراك حقائق عالم الوجود، ولا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم وأهوائهم النفسية ونوازعهم الدنيوية، فكانت أذهانهم وعقولهم بمثابة ظروف مغلقة لا يمكن معها من إفراغ محتواها الفاسد ولا ملئها بالمحتوى السليم والفكر الصحيح، وهذا في الواقع هو نتيجة التكبّر وحالة الجبارية الّتي يعيشها هؤلاء الاشخاص، وفي الواقع فإنّ الصفة الثانية متولدة من الصفة الاولى لأنّ (جبار) تأتي في هذه الموارد بمعنى الشخص الّذي يعاقب وينتقم من مخالفيه من موقع الغضب الشديد والنقمة لا من موقع العقل والحكمة .

وبعبارة اخرى: أنّ الجبّار هو الشخص الّذي لا يرى إلّا نفسه وأهوائه ولا يرى للآخرين محلًا من الإعراب سوى أنّهم اتباع له.

وبالطبع فإنّ هذه المفردة «الجبّار» تطلق أحياناً على اللَّه تعالى أيضاً ويراد بها مفهومٌ خاص وهو الشخص الّذي يُجبر نقائص الآخرين ويصلحها .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

29 Nov, 13:00


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الثامنة» تتحرّك من موقع التأكيد على هذا المعنى وتقرير هذه الحقيقة المهمّة، وهي أنّ الاستكبار هو سبب (الكفر والعناد وعدم المرونة مقابل الحقّ)، وهنا تستعرض الآية حالة (الوليد بن المغيرة المخزومي) الّذي كان يعيش في عصر نزول القرآن وتصف حالته في مقابل الحقّ والآيات القرآنية وتقول : «ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هذَآ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ» .

كلمة «سحر» توضح جيداً أنّ الوليد قد أقرّ واذعن بهذه الحقيقة وهي أنّ القرآن الكريم له تأثير عجيب على الأفكار والقلوب ويتمتع بجاذبية كبيرة لعواطف الناس، فلو أنّ الوليد نظر إلى هذه الآيات نظر المنصف والطالب للحقّ فإنّه سوف يعد هذا التأثير الغريب للقرآن دليلًا على إعجازه، وبالتالي سوف يؤمن به، ولكن بما أنّه كان ينظر إليه من خلال حجاب الغرور والتكبّر فإنّه كان يرى فيه سحراً كبيراً كسحر الأقوام السالفة، أجل فكلّما تراكم حجاب التكبّر على بصيرة الإنسان وقلبه فإنّه سينظر إلى آيات الحقّ بنظر الباطل وينقلب الباطل في نظره إلى حقّ.

والمشهور أنّ الوليد كان يعيش الغرور إلى درجة أنّه كان يقول: «انَا الْوَحِيدُ بْنُ الْوَحِيد، لَيْسَ لِي فِي الْعَرَبِ نَظِيرٌ، وَلَا لأَبي نَظِيرٌ!» في حين أنّ الوليد كان يُعتبر بالنسبة إلى الناس في ذلك الزمان رجلًا عالماً وقد أدرك عظمة القرآن جيداً وقال فيه عبارة عجيبة مخاطباً بني مخزوم: «إنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوةً، وَانَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمَرٌ وَانَّ اسْفَلَهُ لَمُغْدَقٌ، وَانَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلى‌ عَلَيْهِ».

هذا التعبير يقرب بوضوح إلى أنّ الوليد أدرك عظمة القرآن أكثر من أيّ شخص آخر من قومه ولكن التكبّر والغرور منعه من رؤية شمس الحقيقة والإذعان لنور الحقّ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

28 Nov, 18:44


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية السابعة» تتحدّث عن قوم عيسى بن مريم عليه السلام والفرق بينهم وبين اليهود حيث‌ تقول: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى‌ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ» .

ثمّ تذكر الدليل والعلّة لهذا التفاوت والفرق بين هاتين الطائفتين وتقول: «ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ».

ومن هذه العبارة يتضح جيداً أنّ أحد العوامل الأصلية لعداء اليهود للّذين آمنوا هو حالة التكبّر والاستكبار تجاه الحقّ في حين أنّ أحد أدلّة تعامل النصارى مع المؤمنين من موقع المحبّة واللطف هو عدم وجود هذه الصفة الذميمة في أنفسهم.

إنّ الأشخاص الّذين يعيشون التكبّر والاستكبار يريدون أن يقف الآخرون أمامهم موقف الذلّة والحقارة والعجز، ولهذا السبب فإنّهم إذا رأوا يوماً نعمة قد أنعم اللَّه بها على الآخرين فإنّهم يجدون في أنفسهم عداءً وكراهية شديدة تجاه هؤلاء الّذين أنعم اللَّه عليهم، أجل فإنّ الاستكبار هو سبب الحسد والحقد والعداء تجاه الحقّ والناس.

صحيح أنّ هذه الآية لا تتحدّث عن جميع النصارى‌ بل ناظرة إلى النجاشي وقومه في الحبشة الّذين استقبلوا المسلمين المهاجرين إليهم أحسن استقبال ولم يلتفتوا إلى وساوس أزلام قريش الّذين أرسلتهم قريش ليحركوا النجاشي على طرد المسلمين من الحبشة وتسليمهم إلى المشركين، وهذا الأمر هو الّذي تسبّب في أن يجد المسلمون في أرض الحبشة ملجأً وملاذاً لهم من شر المشركين الّذين كانوا ينصبون لهم أشد العداوة والكراهية، ولكن الآية على أيّة حال تقرر أنّ الاستكبار هو العامل الأساس للعداوة والبغضاء للحقّ وأهل الحقّ في حين أنّ التواضع يُعد أساساً للمحبّة وتعميق أواصر العلاقة والعاطفة مع أهل الإيمان والخضوع مقابل الحقّ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

27 Nov, 17:36


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية السادسة» ناظرة إلى عصر موسى وفرعون وقارون، حيث تتحدّث هذه الآية عن قصة هؤلاء وترى أنّ العامل الأساس لانحراف وضلال وشقاء قوم فرعون هو حالة التكبّر فتقول: «وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَى‌ بِالبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الْأَرْضِ‌وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ» ، ولهذا السبب فإنّهم لم يذعنوا للحقّ وبالتالي فقد أصابهم عذاب اللَّه وأهلكهم ولن يستطيعوا الفرار منه.

(قارون) ذلك الرجل الثري الّذي كان يرى أنّ ثروته العظيمة دليلًا على مقامه ومنزلته السامية عند اللَّه تعالى وكان يرى أنّ هذه الثروة العظيمة إنّما حصل عليها بسبب لياقته وذكائه، ولذلك تملّكه الغرور والفرح والفخر، فكان يخرج على قومه من فقراء بني إسرائيل بعظيم الزينة ومظاهر الثروة إصراراً منه على تحقيرهم وإذلالهم، وكلّما نصحوه بأن يستخدم هذه الثروة لنيل الدرجات العليا في الآخرة والسعادة المعنوية في حركة الحياة والمجتمع، فإنّ هذه النصائح لن تؤثر فيه وذهبت أدراج الرياح، لأنّ الغرور والتكبّر منعه من إدراك حقائق الامور وصدّه عن دفع هذه الأمانة الإلهية الّتي بيده لأيّام معدودة لأصحابها الواقعيين.

أمّا «فرعون» الّذي جلس على عرش السلطنة والقدرة فإنّه قد أصابه الغرور والتكبّر بأشد من صاحبه حتّى أنّه لم يقنع من الناس بعبوديتهم له بل كان يرى نفسه أنّه (ربّهم الأعلى).

أمّا «هامان» الوزير المقرّب لفرعون والّذي كان شريكاً له في جميع جرائمه ومظالمه بل إنّ جميع إدارة امور المملكة كانت بيده فإنّ القرآن الكريم صرّح أيضاً بأنّه ابتلي بالكبر والغرور الشديد.

هؤلاء الثلاثة اتّحدوا في مقابل موسى عليه السلام ودعوته الإلهية وانطلقوا في الأرض فساداً وأمعنوا فيها اضلالًا للناس وإذلالًا لهم إلى أن شملهم العذاب الإلهي الشديد، فأغرق فرعون وهامان في أمواج النيل الهادرة حيث كانوا يعدون النيل مصدراً لقدرتهم وأساساً لملكهم، أمّا قارون فقد ابتلعته الأرض بكنوزه وثرواته الطائلة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

26 Nov, 14:04


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

وفي‌ «الآية الرابعة» نتجاوز عصر نوح عليه السلام لنصل إلى عصر (قوم عاد) ونبيّهم هود عليه السلام، وهنا نرى أنّ السبب الأساس لشقاء هؤلاء القوم الظالمين هو عامل التكبّر وروح الاستكبار المترسخة في نفوسهم حيث تقول الآية: «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ» .

وهنا نرى أيضاً أنّ هذه الصفة الأخلاقية الذميمة وهي صفة التكبّر والاستكبار كانت سبباً بأن يتصوّروا أنفسهم أقوى الموجودات في عالم الخلقة وحتّى أنّهم نسوا قدرة اللَّه تعالى وبالتالي تعاملوا مع الآيات الإلهية من موقع الإنكار وأوجدوا جداراً سميكاً بينهم وبين الحقّ .

والملفت للنظر أنّ الآية الّتي تليها (الآية 16 من سورة فصلت) تشير إلى أنّ اللَّه تعالى ولأجل تحقير هؤلاء المتكبرين المعاندين قد سلط عليهم اعصاراً شديداً ومهولًا في أيّام نحسات بحيث جعلت من أجسادهم كالرماد المبثوث وكالريشة في مهب الريح .

أجل فإنّ التكبّر يعدّ حجاباً على بصيرة الإنسان يمنعه من رؤية أيّة قدرة فوق قدرته حتّى أنّه لا يرى قدرة اللَّه تعالى على نفسه وأفعاله.
وتعبير «بغير الحقّ» هو في الواقع قيد توضيحي، لأنّ التكبّر والاستكبار بالنسبة للإنسان هو بغير حقّ دائماً وبأيّة حالة، فلا يليق بالإنسان أن يتصرّف من موقع التكبّر ويلبس هذا الرداء الّذي لا يليق إلّا بالقدرة الإلهية المطلقة.

«الآية الخامسة» تتحدّث عن زمان شعيب وقومه، وهنا نرى أيضاً أنّ السبب الأساسي لشقاء قوم شعيب وضلالهم هو الاستكبار حيث تقول الآية: «قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ» .

لماذا يجب على شعيب والّذين آمنوا معه وسلكوا طريق التقوى والانفتاح على اللَّه أن يخرجوا من ديارهم ومدنهم ؟ هل هناك دليل آخر غير تحرّك الأثرياء والمتكبّرين من قوم شعيب في التصدي للدعوة الإلهية والرسالة السماوية ونظرتهم إلى الّذين آمنوا من موقع الاستصغار والاستحقار وبالتالي الانطلاق في سبيل إلغائهم ونفيهم وإبعادهم عن ديارهم ؟

أما قولهم «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا» فلا يعني أنّ الّذين آمنوا مع شعيب كانوا على ملّة هؤلاء المستكبرين ودينهم، بل بسبب أنّهم كانوا منسوبين إليهم وإلى هذه المدينة، ونعلم أنّ التكبّر وحبّ الذات يوجب على الإنسان المتصف بهذه الصفة أن يرى كلّ شي‌ء متعلّقاً به ومن ممتلكاته .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Nov, 20:02


#لطلب الذرية
احتفظ بهذا المنشور فقد جرب مرارا👇
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
اضغط انضمام فهنا الكثير من الفوائد لخير الدنيا والاخرة

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Nov, 17:42


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

«الآية الثالثة» تتحرك حول استعراض قصة نوح أول أنبياء اولي العزم وصاحب الشريعة، هذه القصة توضح لنا أنّ المصدر الأساسي للكفر وعناد قوم نوح مع نبيّهم يمتد إلى حيث صفة التكبّر والاستكبار. فعندما نقرأ الشكوى الّتي تقدّم بها نوح إلى اللَّه تعالى من قومه نجد أنّه يؤكد على هذه المسألة وهي أنّ مخالفتهم نابعة من شدّة استكبارهم حيث تقول الآية:
«وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصبِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً» .

فهنا نرى أيضاً أنّ التكبّر ورؤية الذات من موقع الغرور والعجب والتفوق على الآخرين يمثل منبع الكفر والعناد مع الحقّ.

لقد كان تكبّرهم إلى درجة أنّهم لم يتحملوا حتّى سماع كلام الحقّ والّذي يمكن أن يؤثر في تنبّههم وإيقاضهم من ضلالهم ولذلك كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون‌ ثيابهم على رؤوسهم لكي لا يصل إليهم صوت نوح ويتأثروا بهذا الكلام الإلهي الصادر من أعماق الفطرة الإنسانية، فهذا العداء وهذه الكراهية لكلام الحقّ ليس لها مسوّغ ودافع سوى حالة التكبّر الشديد الّذي كان يعيشه هؤلاء القوم الظالمون.

هؤلاء كانوا يتعرضون لنوح ودعوته ويتساءلون من موقع الاعتراض أنّ نوح كان يحيط به الأراذل من الناس والفقراء والمساكين وأبناء الطبقات الضعيفة من المجتمع، فلذلك قرروا عدم الاقتراب من نوح والجلوس معه ما دام هؤلاء الأراذل والضعفاء بحسب تعبيرهم مع نوح.

أجل فإنّ التكبّر والأنانية العجيبة الّتي كان يعيشها هؤلاء الناس كانت قد أحرقت الفضائل الأخلاقية في واقعهم وحوّلتها إلى رماد.

وفي الحقيقة فإنّ هذه الرذيلة الأخلاقية وهي التكبّر تعدّ عاملًا أساسياً لعنادهم وإصرارهم على الكفر إلى درجة أنّهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويغطّون رؤوسهم بثيابهم خوفاً من تأثير كلام نوح في أنفسهم.

ومن الملفت للنظر أنّ هذا العمل إنّما يدلّ على أنّهم كانوا يعترفون في قرارة أنفسهم بحقّانية دعوة نوح ويعتقدون به ويدل على ذلك وضعهم أصابعهم في آذانهم وتغطيتهم رؤوسهم بثيابهم.

ويُحتمل أيضاً أنّهم كانوا يغطون رؤوسهم بثيابهم لكيلا يروا نوح ولا يراهم نوح فلعلّ رؤيتهم له توجب الأُنس به والرغبة والميل لسماع كلماته.

وأخيراً فإنّ حالة العجب والغرور ورّثتهم الجهل وعدم سماع انذارات نوح عليه السلام في آخر لحظات العمر حيث كانت هناك فرصة للنجاة فلم يكونوا يحتملون صدقه في هذا الانذار لذلك عندما كان نوح عليه السلام يصنع السفينة فإنّ هؤلاء القوم الظالمين كانوا يمرّون عليه ويهزءون به ويسخرون منه ولكن نوح كان قد حذّرهم بقوله: «... انْ تَسْخَرُوا مِنّا فَانَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ» ، ولكن في ذلك اليوم سوف لا تكون لكم فرصة للتنبّه حيث تحيط بكم أمواج البلاء والطوفان فلا ملجأ.

وأساساً فإنّ أحد علامات المستكبرين هو أنّهم لا يتعاملون مع المسائل الّتي لا تدور في دائرة مصلحتهم ومنفعتهم من موقع الجديّة بل يتخذونها وسيلة للعب واللهو ويتحركون دائماً من موقع الاستهزاء والسخرية بالمستضعفين حيث يمثل ذلك جزءاً من سلوكهم وديدنهم في حياتهم، وكم رأينا أنّهم في مجالسهم ينطلقون للعثور على مؤمن مستضعف ليجعلونه محور سخريتهم وضحكهم، وبذلك يكون هذا السلوك منشأ للترفيه عن أنفسهم، فهؤلاء وبسبب هذه الروح الاستكبارية يرون أنّهم العقل الكلّي ويتصورون أنّ الثروة الّتي اكتسبوها من الطريق الحرام هي علامة وآية لذكائهم ولياقتهم الّتي تبيح لهم أن يتعاملوا مع الآخرين من موقع التحقير والتهميش .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Nov, 15:16


"اختر شهر ميلادك وشاهد هديتك📨".

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

23 Nov, 11:53


وبسبب هذه الحالة الدنيئة والفعل الدني‌ء فإنّ اللَّه تعالى قد جعل الشيطان ذليلًا وألبسهُ لباس الهوان والحقارة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة: «الَا تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً، وَاعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ سَعِيراً» .

والخلاصة أنّه كلّما تدبّرنا في قصة إبليس وافرازات التكبّر والغرور فإننا نستجلي دقائق مهمّة وكثيرة عن أخطار التكبّر والاستكبار .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

23 Nov, 11:53


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

تفسير و استنتاج:

البلاء العظيم على طول التاريخ البشري:

إنّ الآيات القرآنية الكريمة مليئة ببيان مفاسد الاستكبار والعواقب الوخيمة المترتبة على التكبّر وكذلك المشكلات البشرية الّتي تزامنت وترتبت على هذه الصفة الذميمة على طول التاريخ البشري وتأثير هذه الصفة الرذيلة السلبي في تقدّم وتكامل الإنسان في أبعاده‌ المعنوية والمادية حيث لا تخفى على أحد، وما قرأنا في الآيات أعلاه إنّما هو في الحقيقة ناظرٌ إلى هذا الموضوع.

«الآية الاولى والثانية» تتحدّث عن إبليس والقصة المعروفة لسجود الملائكة عندما أمرهم اللَّه تعالى بالسجود لآدم تعظيماً له وقد كان إبليس في ذلك الوقت في صف الملائكة بسبب علوّ مرتبته ومقامه، وقد سجد جميع الملائكة إلّا إبليس لأنّه آثر عصيان الأمر الإلهي وتكبّر على الحقّ وعلى اللَّه، وبالتالي تمّ طرده من ذلك المقام السامي بسبب رفضه الصريح للسجود وحتّى اعتراضه على أصل الأمر الإلهي له، ولذلك أمره اللَّه تعالى بالخروج من ذلك المقام وتلك المرتبة إلى أسفل السافلين حيث تقول الآية: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى‌ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» . «قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصغِرِينَ» .

وفي الحقيقة أنّ هذه أوّل معصية وقعت في عالم الوجود هذه المعصية هي الّتي أدّت بمخلوق مثل إبليس والّذي كان قد عبداللَّه ستة ألاف سنة (كما ورد في الخطبة القاصعة لأمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة) وأُخرج من ذلك المقام بسبب تكبّر ساعة فحبطت أعماله وعباداته وطاعاته وسقط من ذلك المقام الّذي كان يُعدّ فيه مع الملائكة حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إذْ احْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ ... عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ» .

وفي هذه القصة المثيرة والمعبّرة نقرأ دقائق ونكات مهمّة جداً حول عواقب التكبّر ونستوحي منها أنّ هذه الصفة الرذيلة يمكن أن تؤدي إلى واقع الكفر والخروج من الإيمان تماماً كما ورد في الآيات محل البحث «أَبَى‌ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» .
وهكذا يتجلّى في هذه القصة أنّ إبليس وبسبب حجاب الكِبر والغرور قد تعامل مع الواقع من موقع الجهل التامّ حيث خاطب اللَّه تعالى من موقع الاعتراض والرفض للأمر الإلهي وقال: «قَالَ لَمْ اكُنْ لِاسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسنُونٍ» .

في حين أنّ من الواضح أن شرف آدم لم يكن لأنّه مخلوق من الطين بل بسبب تلك النفخة الإلهية والروح الإلهي الّتي نفخها اللَّه تعالى في آدم: «فَاذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» ، وحتّى إبليس لم يكن ليدرك افضلية التراب على النار، التراب الّذي صار مصدر جميع البركات في واقع الخِلقة وظهور الحياة وأنواع المعادن والذخائر الطبيعية من الماء والنباتات وسائر المواد الاخرى الّتي تتولد منها النار ولذلك قال بمنتهى الغرور «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» .

مضافاً إلى أنّ الكثير من الأشخاص الّذين يقعون في الخطيئة والزيغ فإنّهم قد يعودون إلى مسارهم الفطري والسليم بعد أن يدركوا خطئهم ويتحركوا من موقع إصلاح الخلل والتوبة، ولكن حالة التكبّر والإستكبار هي من الامور الّتي لا تفسح المجال للإنسان المخطي‌ء في سلوك طريق التوبة بعد الانتباه وإدراك الخطأ، ولهذا السبب فإنّ الشيطان عندما التفت إلى خطئه لم يتب منه، لأنّ الكبر والغرور لم يسوّغ له أن يتحرك من موقع التسليم والتعظيم لجوهر الخلقة (أي الإنسان) بل إنّه زاد من تكبره وعناده وأقسم على إضلال جميع الناس‌ (إلّا عَبادَ اللَّهِ المخلصين) وطلب من اللَّه تعالى العمر المديد ليستمر في غيّه ونصب شراكه وفخاخه لبني آدم ليضلهم عن سبيل اللَّه وعن سلوك طريق الحقّ.

وبهذا فإنّ التكبّر والأنانية والعجب وأمثال ذلك تعدّ مصدراً من مصادر الحالات السلبية والصفات الذميمة الاخرى من قبيل الحسد، الكفر، الإفساد، ارتكاب الفحشاء والمنكر.
وبهذا يكون الشيطان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة القاصعة قد وضع أساس‌
التكبّر والتعصب في الأرض وعمل على التصدي للقدرة الإلهية المطلقة من موقع العناد واللجاجة: «فَعَدُوُّ اللَّهِ امَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ الّذي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ وَنَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

22 Nov, 11:59


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢


١ - التكبّر والاستكبار

تنويه:

إنّ أوّل صفة من الصفات الأخلاقية الذميمة وأوّل رذيلة نقرأها في تاريخ الأنبياء وبداية خلقة الإنسان، وكما يعتقد أكثر علماء الأخلاق أنّها أُمّ المفاسد والرذائل الأخلاقية وأصل جميع أنواع الشقاء الإنساني، هي (التكبّر والاستكبار) والّتي وردت في قصة إبليس عندما خلق اللَّه سبحانه وتعالى آدم وأمر الملائكة وكذلك إبليس بالسجود له.
هذه القصة المثيرة والمعبّرة هي قصة محذرة ومليئة بالعبر لجميع الأفراد والمجتمعات البشرية، والجدير بالذكر أنّ النتائج والعواقب الوخيمة للتكبّر والاستكبار لا تتجلّى في قصة خلق آدم فحسب، بل نراها متجلية على طول الخط في سيرة الأقوام السالفة من تاريخ الأنبياء ومدى الدور المخرب والمدّمر لهذه الصفة الذميمة في حركة الإنسان والمجتمع البشري.
واليوم نرى أنّ مسألة الإستكبار لها الدور الأوّل في خلق الأجواء الفاسدة وزيادة المفاسد الأخلاقية والإجتماعية في العالم والمجتمعات البشرية المعاصرة وتعد بحقّ البلاء الكبير على واقع الإنسانية المعاصرة والحضارة البشرية الفعلية والّتي لا نجد صدىً واسعاً وتجاوباً من قِبل المفكّرين والمصلحين في إصلاح هذا الخلل الكبير الّذي يتعرض له‌ المجتمع البشري من جراء هذه الصفة الرذيلة.

وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته الشريفة ما يرشدنا ويُلقي بالضوء على هذا البحث، أي الآيات المتعلّقة بسيرة آدم إلى سيرة نبيّنا الأكرم في دائرة آثار ودوافع هذه الصفة الأخلاقية الذميمة.
١ - «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى‌ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ا لْكَافِرِينَ» .

٢ - «قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصغِرِينَ» .

٣ - «وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصبِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً» .

٤ - «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ» .

٥ - «قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ» .

٦ - «وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَى‌ بِالبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الْأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ» .

٧ - «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَا وَةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى‌ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ» .

٨ - «ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هذَآ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ» .

٩ - «الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى‌ كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ» .

١٠ - «قِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ» .

١١ - «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَإِنْ يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِنْ يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ» .

١٢ - «لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ» .

١٣ - «لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلئكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتي وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا» .

١٤ - «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى‌ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُمجْرِمِينَ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Nov, 22:02


#لطلب الذرية
احتفظ بهذا المنشور فقد جرب مرارا👇
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
اضغط انضمام فهنا الكثير من الفوائد لخير الدنيا والاخرة

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Nov, 15:28


عاجل!!!

هنالك إمرأة في #البقيع يقال أنها لا ترد أحداً خائباً
لأصحاب الحوائج هل قناة مليانه ختمات وادعيه اتغير حياتك 👇👇❤️‍🔥

https://t.me/addlist/naP-MbsoDLVkZGMy

رابط مؤقت أنظم قبل الحذف ❤️‍🔥

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

19 Nov, 13:23


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

الأخلاق الحسنة والسيئة في القرآن‌

مقدّمة (منهج البحث):

تعرضنا في الجزء الأوّل من هذا الكتاب (الأخلاق في القرآن) إلى الاصول العامة في المسائل الأخلاقية والمناهج المختلفة لتهذيب النفس، والمذاهب الأخلاقية، والدوافع والنتائج وقد بحثنا هذه المواضيع والمسائل بالتفصيل على ضوء ارشادات وتعاليم القرآن الكريم على شكل تفسير موضوعي.

ونرى الآن أنّ الوقت قد حان لبحث جزئيات الفضائل والرذائل الأخلاقية بالاستفادة من تلك الاصول العامة واستعراض مواردها على ضوء تعليمات الوحي والآيات القرآنية.

ومن ذلك سنتعرض في هذا المجال للفضائل والرذائل الأخلاقيّة على مستوى الآثار والنتائج والعواقب الإيجابية والسلبية لكلّ واحدة منها، وبالتالي طرق الوقاية من الرذائل الأخلاقية ومعالجتها وكيفيّة كسب الفضائل والملكات الأخلاقية الحميدة.

ولدى‌ ورودنا في هذا الموضوع وهذه الدراسة تأمّلنا كثيراً في المناهج والنظم الدراسية والعلمية الّتي يمكن الاستفادة منها في هذا البحث العميق، فهل ينبغي البحث على مستوى المناهج اليونانية في تقسيم الأخلاق إلى أربعة أقسام (الحكمة، العدالة، الشهوة، الغضب)؟

في حين أنّ هذا التقسيم لا يتلاءم ولا ينسجم مع الآيات القرآنية الّتي نريد دخول هذا البحث من خلالها وعلى ضوئها، ولا أنّ هذا المنهج خال من العيوب والنقائص الّتي تمّت الإشارة إليها في الجزء الأوّل.

أم أنّ ترتيب الفضائل والرذائل ينبغي أن يكون على مستوى ترتيب حروف الالف باء، في‌
حين أنّ هذا المنهج يختلف كثيراً عن منهج الدراسة المنطقية ولا ينسجم معها كثيراً.

أم ينبغي أن نقرر هذه الدراسة وفق منهج المذاهب الشرقية والغربية في المسائل الأخلاقية في حين أنّ كلّ واحدة من هذه المذاهب لا تخلو من مشكلة أو مشكلات منهجية، مضافاً إلى أنّها لا تتناغم مع التفسير الموضوعي للقرآن الكريم والّذي نعزم دراسة القيم الأخلاقية على ضوئه.

وفجأة وبلطف الله والالهام الباطني تجلّى لنا منهج جديد في استيحاء المفاهيم الأخلاقية من القرآن الكريم، وهو أننا نعلم أنّ القرآن الكريم خصّص قسماً مهماً من أبحاثه الأخلاقية والسلوكية في ضمن دراسته لسلوكيات الأقوام السالفة وتاريخ المجتمعات البشرية الماضية وما ترجمه الأوائل على المستوى العملي من أخلاق وقيم وفضائل كانت تتحرك في تلك المجتمعات الإنسانية وبالتالي الكشف عن عواقب تلك السلوكيات وعرض نتائج تلكم الأعمال والممارسات الأخلاقية، وللانصاف فإن القرآن الكريم بحث المسائل الأخلاقية في دائرة التجربة العينية والخارجية في اطار ممارسة الأقوام السالفة لتتضح النتائج المترتبة عليها لكلّ قارئ ومستمع إلى هذا التاريخ الغابر، ويخرج منها بنتائج عملية وعميقة.
ولهذا السبب رأينا أنّ من الأفضل في معيار نظم المباحث الأخلاقية وبالنظر إلى السياق الّذي يحكم دراساتنا الماضية فإننا سوف نجعل من هذه الدراسة التاريخية للقرآن الكريم معياراً حاكماً في هذه المباحث العلمية والأخلاقية.

وبعبارة اخرى إننا بحثنا هذه المواضيع من قصة آدم وحواء ووسوسة آدم وهبوطهما من الجنّة وما ترتّب على ذلك من سلوكيات سلبية أدّت إلى هذه الواقعة التاريخية من طرد الشيطان الرجيم من مرتبة القرب الإلهي وحرمان آدم وحواء من الجنّة وأمثال ذلك، ونعلم أنّ الشيطان قد طُرد من الجنّة والمرتبة السامية بسبب (الاستكبار) و (الإنانية) و (العجب) وبالتالي بسبب (العناد والتعصب) حيث رفض السجود لآدم، وكذلك وقع آدم وحواء في مصيدة الشيطان بسبب (الحرص) وحيث أكلا من ثمرة الشجرة الممنوعة بدوافع من‌ وساوس الشيطان، ثمّ تصل النوبة إلى قصة (هابيل) و (قابيل) وما تضمنت هذه القصة من صفات قبيحة كانت هي الدافع على قتل هابيل، ثمّ نصل إلى قصة نوح وما جرى على الأقوام البشرية من الطوفان وكذلك الحوادث الّتي جرت على قوم بني إسرائيل ونبيهم موسى وما تضمّنته من سيرة الأنبياء من الفضائل والمكارم الأخلاقية في ذلك الوسط المنحرف والّذي تسبّب بأنواع الأذى والعقوبات الإلهية على هؤلاء القوم.

هذا المنهج مضافاً إلى كونه جذاباً ومشوّقاً فإنه يتناغم مع سياق البحوث القرآنية وتتجلّى فيه الفضائل والرذائل الأخلاقية في صورة تجسيد عيني لها في حركة الإنسان والواقع الاجتماعي على مستوى الحس والتجربة.

نسأل اللَّه تعالى توفيقنا وجميع أفراد المجتمع للتخلص من آثار الرذائل الأخلاقية الّتي تبدل المجتمع إلى جهنم وإلى نار محرقة، ونسأله تعالى أن يهب لنا التوفيق للتحرك من موقع الفضائل والمكارم الأخلاقية الّتي تصبغ قلوبنا بالصفاء والطمأنينة وتهب لنا السعادة والمراتب المعنوية السامية في حركة الإنسان التكاملية، أي مرتبة القرب من اللَّه تعالى.

(آمين يا ربّ العالمين).

ربيع الأوّل 1420 ه. ق‌

قم - ناصر مكارم الشيرازي‌

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

17 Nov, 14:00


فهذه الإدّعاءات، بعض منها من خواصّ الأنبياء، والاخرى لم يجرء على ادّعائها أحد من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، و أيّ شخصٍ له قليلٌ من الإلمامٌ بالدّين، سيتوجه إلى فَضاعةِ الأمرِ و خُطورته.

و إذا ما رَجعنا إلى كُتب أهل التّصوف، مثل، «تَذكرة الأَولياء» لِلشيخ العَطار، و «تاريخ التّصوف»، و «نفحات الانس»، و بعض أبحاث‌ «إحياء العُلوم»، نرى أنّ الإدّعاءات و الخُصوصيّات التي يضعوها لِلأقطاب، و شيخُ طريقتهم: فضيعةٌ، و لذلك فإنّ بعض مُحقّقي الشّيعة وفقهائهم، و قفوا بِشدّةٍ و قوّةٍ، مقابل هذه الطّائفة، حتى أنّ هذا الموقف تسبّب بإيذاء بعض الّذين يتعاملون مع المفاهيم الدينيّة، من موقع الجهل و السطحيّة، لكن الحقيقة أنّ المثقفين و المطّلعين، يعلمون أنّ إطلاق العِنان لمثل هذه الأفكار المُنحرفةُ من شأنه أن يَقضي، على فُروعِ و اصولِ الدّين الحَنيفِ بصورةٍ كاملةٍ.

نَصل هُنا و إيّاكم إلى نِهاية أبحاثنا، عن كلّيات المسائل الأخلاقيّة، في ظلّ الآيات القرآنية، أبحاثٌ تعتبر الأساس و القاعدة الّتي يقومُ عليها صَرحُ الأخلاق و تهذيب النّفوس، و تفتحُ أمامنا أبواب المباحثِ المستقبليّة، حول مصاديق الرّذائل و الفضائِل، واحدةً بعد اخرى.
إلهنا!:
«إنّ الوصول إلى أوج الفضائل الأخلاقيّة و الحياة، في أجواء القُرب منك، لا تُستطاع إلّا بتَوفيقك و تَسديدِك، فَأعنّا بعونَك، وجُد علينا بفضلك، وَ قرّبنا مِنك، و اجعلنا من أصحاب النّفوس المطمئنّة، لندخل فيمن يقعونَ مَورداً لخطابك،: «فَادْخُلي فِي عِبَادِي* وَ ادْخُلي جَنَّتي».
رَبّنا!:
إنّ حَبائلَ الشّيطانِ قويّةٌ، و سهامَه مَهلكةٌ، وهوى النّفس عدوٌّ لا يرحم، و رذائل- النّفس كالأشواك تُوخز الرّوحَ و تُؤذيها، و لا يُنجينا من ذلك كلّهُ إلّاعنايتُك الخاصّة و لطفُك الخَفي.
ربّنا!:
إننا نُسلّمُ الأمرَ إليكَ في خِتام حديثنا، و نقرأ الدّعاء المعروفَ الواردَ عن الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله، و نقول: «اللَّهُمَّ لا تَكِلنِي إِلى‌ نَفْسِي طَرفَةَ عِينٍ أَبَداً» .

تمّ والحمد للَّه‌ الجزء الأول‌ من كتاب الأخلاق في القرآن‌ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

17 Nov, 13:58


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

الاستغلال السّي‌ء:

تتعرض المفاهيم البنّاءة و الصّحيحة، للُامم و الشّعوب في كلّ زمانٍ و مكانٍ للإستغلال و التّحريف دائماً، و هذا الإستغلال في الحقيقة لا يؤثر على صحة و قداسة أصل المسألة.
ولم تكن مسألة القدوة الأخلاقيّة في خطّ التربية و التّهذيب، و لزوم الإستفادة من الاستاذ العامّ و الخاصّ، لأجل السّلوك إلى اللَّه و تهذيب الأخلاق، مستثناة من هذا الأمر، فجماعةُ من الصّوفيّة طَرحوا أنفسهم، بعنوان: «مُرشد» أو «شيخ الطّريقة» و «القُطب»، و دعوا الناس لإتّباعهم و التّسليم المُطلق إليهم، بل و تعدّوا الحُدود، و قالوا إذا ما شاهدتم سلوكاً يصدر من الشّيخ، مخالفاً للشريعة، فلا عليك و لا ينبغي عليك الإعتراض، لأنّ ذلك يخالف روح التّسليم المُطلق للمرشد.

و يُستفاد ومن كلمات «الغزالي»، المؤيد للصّوفية، في فصولِ متعددّةٍ من كتابه «إحياء العلوم»، هذا المعنى أيضاً، حيث يُشمّ منها رائحة الصوفيّة، و الحقيقة أنّ فِرقاً من الصّوفية، تعتبره من كبار أعلامها، فقد قال في الفصل (51) من الجزء الخامس، الباب الخامس:
(نَظَرُ الصّوفية إنّ أدب المريدين في مقابل شيوخهم هو، أن يجلس المريد مقابل الشّيخ مسلوب الإختيار، فلا يتصرف في نفسه وماله إلّا بأمره ... و أفضلُ أدب المُريد أمام الشّيخ:
هو السّكوت و الخمود و الجمود، إلى أن يملي عليه شيخه، ما يراه له صلاحاً في أعماله و أفعاله ... و كلّما رآى من شيخه خِلافاً، و عسُر عليه فَهمه، تذكّر حكاية مُوسى و الخِضر عليهما السلام، فإنّ الخضر قد عمل أعمالًا أنكرها مُوسى، ولكن عندما كشف له الخِضر أسرارها إنتبه مُوسى، وعليه فكلّما فعل الشّيخ، كان له عُذراً بلسان العِلم و الحِكمة) .

و يقول العارف العّطار، في أحوال يوسف بن حسين الرّازي، عندما أمره ذو النّون المَصري: (مرشده)، الخُروج من بلدِه والعودة إلى دياره، طلب يوسف منه برنامجاً يعمل به، فقال له ذُو النّون : عليك بِنسيان ما قرأته، و امح كلّ ما كتبته، ليُزال الحِجاب!.
ونقل عن أبي سعيد، قوله للمُريدين:
«رَأسُ هذا الأمرِ، كَبْسُ الَمحابِرِ وَ خرَقُ الدَّفاتِر وَنِسيانِ العِلمِ» .
ونقل عن أحوال و حالات «أبو سعيد الكندي»، أنّه كان قد نزل في الخانقاه، و إجتمع عنده جمعٌ من الدّراويش، وكان يطلب العلم سرّاً، وفي يوم من الأيّام سقطت من جيبه محبرةٌ، فإنكشف سرّه: «و هو أنّه من هواة تحصيل العلم»، فقال له أحد الصّوفيين: (استر عليك عَورتك) .

ولا شك فإنّ الجو الحاكم هناك، كان نتيجةً لتعاليم مرشدهم في هذا الأمر، ولكنّ الحقيقة أنّ الاسلام قد أكّد على خلاف هذا المسلك، ففي الحديث الوارد عن الصّادق عليه السلام، عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أنّه قال: «وُزِّنَ مِدادُ العُلَماءِ بِدِماءِ الشُّهدَاءِ، فَرُجّحَ مِدادُ العُلَماءُ عَلى‌ دِماءِ الشُّهَدَاءِ» .
فانظر إلى الفرق بين المسلكين!!.
و لأجل الإطّلاع على كيفيّة التّحريف و الإنزلاق في منحدر الإفراط و التّفريط، و كيف تنحرف مسألةٌ معينةٌ عن المنطق و الشّرع، لدى وقوعها بأيدي مَنْ لا أَهليّة له، على التّنظير في امور الدّين ؟، و كيف تَتعرض للإستغلال و التّشويه، علينا إلقاء نظرة على كلام: «كيوان القِزويني المُلقّب ب منصور علي شاه»، حيث يُعتبر من أقطاب الصّوفية، فقد بيّن حدود و صلاحيّات القُطب، و قال:
«لِلقطب أن يدّعي عشرةَ خُصوصيّات:
١ - أنّ عندي باطنُ الولاية التي كانت عند الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ... مع فرقٍ واحدٍ هو، أنّه المؤسس وأنا المروّج والمدير والحارس!.

٢ - عندي القُدرة على تربية الأفراد، و تهذيب نفوسهم، و إزالة العناصر الخبيثة و الخصائص الشّريرة، في واقعهم ونزعها ونقلها إلى الكفّار.

٣ - أنا حرّ من قيود الطّبع و النّفس.

٤ - يجب أن تؤدى جميع عِبادات و مُعاملات المُريدين، بإجازةٍ و موافقةٍ منّي.

٥ - كلّ إسمٍ القّنه لِلمُريدين، و أجيزهم بذكره في القلب أو اللّسان، يكون هو ذلك الإسم فقط هو اللَّه، ويسقط الباقي من درجة الإعتبار.

٦ - كلّ المعارف الدينيّة و العقائديّة، إن كانت قد حصلت بموافقتي، فهي صحيحة، وإلّا فهي عينُ الزّيف، و مَحض الخَطأ.

٧ - أنا مفترضُ الطّاعة، و لازمُ الخِدمة، و لازم الحفظ.

٨ - أنا حرٌّ في عقائدي.

٩ - أنا ناظرٌ للأحوال القَلبيّة لمريديّ دائماً.

١٠ - أنا قسيم النّار والجنّة .

هذا الكلام أشبهُ بالهَذيان منه إلى البَحث المَنطقي، رغم أنّه قد لا يقبله أغلب الصّوفيين، ولكن مجرد أنّه يرى نفسه بِعنوان: «قُطب»، و إدّعائه أن للأقطابِ، إختياراتٌ و صلاحيّاتٌ لم‌ يدّعيها حتى الأنبياء لأنفسهم، فإن ذلك يكفي، في تبيان مدى إستغلال هؤلاء المدّعين، لمثل هذه العناوين الضّبابيّة و حاجة الناس للمعلم، في أمر السّير و السّلوك إلى اللَّه تعالى، و ما يمكن أن يترتّب على ذلك، من عواقبٍ سلبيّةٍ على مستوى، سَوقِ النّاس في خَطّ الباطل .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

15 Nov, 14:04


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

كلام العلّامة الشّهيد المطهّري:

نترك الكلام و القَلم هنا، للعلّامة الشّهيد المطهّري قدس سره، حيث يقول في كتابه: «ولاءها و
ولايتها»: (تستعمل هاتين الكلمتين عادة في أربع موارد: و لاء المحبة: (أي المحبّة لأهل البيت) عليهم السلام، و ولاء الإمامة، بمعنى التّأسي بالأئمّة عليهم السلام، و جعلهم القدوة لأعمالنا و سلوكيّاتنا، و ولاء الزّعامة، بمعنى حقّ القيادة الاجتماعيّة والسّياسية للأئمّة عليهم السلام، و ولاء التّصرف، أو الولاء الرّوحي و هو أسمى هذه المراحل).

و بعدها يوضّح الأوّل و الثّاني و الثّالث، ثمّ يعرج على المعنى الرّابع، الذي هو مورد بحثنا و يقول: (إنّ التّصرف الرّوحي والمعنوي، هو نوعٌ من القُدرة و التّسلط الخارق للتكوين، بمعنى أنّ الإنسان و من خلال عبوديّته الحقّة للَّه‌ تعالى، يحصل على مقام القُرب الإلهي المعنوي و الرّوحي، و نتيجة لهذا القُرب، يصبح إنساناً كاملًا، يتحرك في طريق هداية الناس نحو المعنويات، و يتسلط على الضّمائر، وتكون له قدرة الشّهود على الأعمال، و بالتّالي يصير حُجّة اللَّه في زمانه!
فمن وجهَة نظر الشّيعة، أنّ كلّ زمان لا يخلو من إنسانٍ كاملٍ، يتمتع بقدرة التّصرف الغيبي في العالم والإنسان، و ناظرٌ و شاهدٌ على الأرواح والقلوب، وهذا الإنسان هو حجّةُ اللَّه على الأرض.

و المقصود من التّصرف، أو الولاية التكوينيّة، ليس كما يعتقد بعض الجهّال، من أن يتولى الإنسان الكامل، مسألة القَيوميّة و التدبير في العالم، بحيث يكون الخالق و الرّازق و المفوض، من جانب اللَّه تعالى.
و هذا الإعتقاد، رغم أنّه لا يعتبر شركاً، بل هو كما ورد في القرآن، بالنّسبة إلى الملائكة:
«المُدَبِّراتُ أَمرَاً وَالمُقَسِّماتِ أمراً»، فهو بإذن اللَّه تعالى، والقرآن يُخبرنا أنّ لا نَنسب مسائل الخلقة و الرّزق والموت و الحَياة، إلى غير اللَّه تعالى.
ولكن المقصود، هو أنّ الإنسان الكامل، ولقربه من اللَّه تعالى، يصل إلى مرحلةٍ تكون له الولاية في التّصرف في (بعض امور) العالم.

ثم يضيف قائلًا: ويكفي هنا أن نشير إشارةً إجماليةً إلى هذا المطلب، وتوضيح اسسه بالإعتماد و على المفاهيم و المعاني القرآنية، لِئلّا يعتقد البعض، أنّ هذا جزافاً من الكلام.
فلا شك أنّ مسألة الولاية، بمعناها الرّابع، هي من المسائل العرفانيّة، و مجرد كونها عرفانيّة، لا يعني نكرانها بالكامل.
ثمّ يشرح بإسهاب، معطيات القرب من اللَّه تعالى، و يستنتج منها، ما يلي:
فعلى هذا الأساس، من المحال على الإنسان، و بعد قربه و طاعتِه للَّهِ تعالى، ألّا يصل إلى مقام الملائكة، بل وأرقى، أو على الأقل يساوي الملائكة في مقامهم، الملائكة التي تدبّر و تتصرف في عالم الوجود، بإذن اللَّه تعالى» .

ويمكن أن نخرج من هذا الحديث بنتيجة، و هي أنّ العلاقة المعنويّة، و الإرتباط بالإنسان الكامل، يمكن أن يساعد الإنسان في عمليّة التّصرف، و النّفوذ في حياة الناس المستعدّين والمتقبلين للإصلاح، وسوقهم تدريجياً في خطّ التّهذيب الأخلاقي، و إبعادهم من جو الرّذائل إلى جو الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحيّة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Nov, 13:08


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و الّنموذج الآخر لهذا التّأثير المعنوي، و الولاية التكوينيّة في تهذيب النّفوس المستعدّة، هو ما نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، عن الإمام الكاظم عليه السلام، و الجارية التي أرسلها هارون إليه.
فقد وَرد أنّ هارون الرّشيد، أنفذَ إلى موسى بن جعفر عليه السلام جاريةً خصيفةٌ، لها جمالٌ و وضاءةٌ لتخدمه في السّجن، فقال له: «بَل أَنْتُم بِهَدِيّتِكُم تَفرَحُونَ» ، لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها، قال: إستطار هارون غَضباً، و قال: إرجع إليه وقل له: ليس بِرضاك حبَسناك، و لا بِرضاك أخذناك، و إترك الجارية عنده و إنصرف.
قال: فَمضى و رجع، ثم قام هارون عن مجلسه، و أنفذَ الخادم إليه ليتفحص عن حالها، فرآها ساجدةً لربّها لا ترفعُ رأسها، تقول: قُدّوسٌ سُبحانك سُبحانك.
فقال هاورن: سَحرها و اللَّه موسى بن جعفر بسحره، عليّ بها، فأتى بها و هي تَرتَعد، شاخصةً نحو السّماء بصرها، فقال: ما شأنك؟.
قالت: شأني الشّأن البديع، إنّي كنت عنده واقفةً، و هو قائمٌ يصلّي ليله ونهاره، فلمّا إنصرف عن صلاته بوجهه، و هو يسبّح اللَّه و يقدّسه، قلت: ياسيّدي هلْ لك حاجة اعطيكها؟
قال: وما حاجتي إليك؟
قلت: إنّي ادخلت عليك لِحوائجك.
قال: ما بالُ هؤلاء؟.
قالت: فآلتفتُ فإذا روضةٌ مزهرةٌ، لا أبلغ آخرها من أوّله بنظري، ولا أوّلها من آخرها، فيها مجالسُ مفروشة بالوِشيّ و الدّيباج، و عليها و صفاً وَ وَصائِف، لم أر مثل وجوههم حُسناً، و لا مِثل لباسهم لِباساً، عليهم الحَرير الأخضر، والأكليلُ و الدّر و الياقوت، و في أيديهم الأباريق و المَناديل، و من كلّ الطّعام، فخَررت ساجدةً حتّى أقامني هذا الخادم؛ فرأيت نفسي حيثُ كنت.
فقال هارون: يا خبيثة، لعلّكِ سجدت فَنمت فرأيت هذا في مَنامك؟.
قالت: لا واللَّه ياسيّدي، إلّا قبل سُجودي، رأيت فسجدت من أجلِ ذلك.
فقال هاورن: إقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا مِنها أحد، فأقبلت في الصّلاة، فإذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيتَ العَبد الصّالح عليه السلام، فسئلت عن قولها، قالت: إنّي لما عَييت من الأمر نادتني الجواري، يا فلانة أبعدي عن العبد الصّالح، حتّي ندخل عليه، فنحن له دونك، فما زالت كذلك حتّى ماتت، و ذلك قبل موتِ موسى عليه السلام بأيّامٍ يسيرةٍ .
و في هذه القصّة، نشاهد نموذجاً آخر من تأثير الإمام عليه السلام، في روح تلك الجارية المستعدّة للتّربية و الإصلاح الرّوحي، و الهداية في طريق الحقّ و العودة إلى اللَّه تعالى.
والخلاصة: أنّ تاريخ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة الهداة عليهم السلام، حافل بمثل هذه الحوادث، حيث يتّفق لبعض الأشخاص، أن يلتقوا مع النّبي أو الإمام، فينقلب مَساره في حركة الحياة و الواقع و يتغيّر كلياً، و يتحوّل إلى النّقطة المقابلة، في حين أنّ هذا التغيّر، ما كان ليحصل بواسطة الأسباب العادية، بحسب الظّاهر، و هذا الأمر يدلّ على أنّ الإنسان الكامل، هو الذي تولى هذه العمليّة التغييريّة، في هؤلاء الأشخاص من خلال التّصرف و التّدخل في النّفوس، و هو ما نسمّيه بالولاية التكوينيّة.
و من المؤكّد أنّ هذه العناية، و اللّطف و التّوجه، لم يكن إعتباطاً، بل هو لوجود نقاط قوّة في شخصيّة الفرد المُعتنى به، لتشمله العناية الإلهيّة، بواسطة الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة الطّاهرين عليهم السلام .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Nov, 12:51


٥ - في الأحاديث العديدة عن أهل البيت (عليهم السلام) اعتبرت هذه الآية دليلا على عصمة الأنبياء والأئمة، وذلك لأن الله لا يمكن أن يصطفي المذنبين الملوثين بالشرك والكفر والفسق. بل لابد أن يقع اختياره على المطهرين المعصومين.
(يستدل كذلك من الآية أن هناك مراتب للعصمة).

٦ - يستدل بعض الكتاب المحدثين بهذه الآية على نظرية النشوء والارتقاء، معتقدين أن الآية تدل على أن " آدم " لم يكن هو الإنسان الأول، بل كان هناك أناس كثيرون فاصطفى الله من بينهم آدم الذي خلف نسلا متميزا من أبنائه، وأن
تعبير على العالمين دليل على ذلك. يقول هؤلاء: كان في عصر آدم مجتمع إنساني، ولذلك فليس ثمة ما يمنع من أن يكون الإنسان الأول - الذي وجد قبل ذلك بملايين السنين - قد نشأ وتطور من حيوانات أخرى متطورة، ويكون " آدم "
وحده الذي اصطفاه الله. ولكن في مقابل هذا الرأي يمكن القول أن ليس هناك أي دليل على أن " عالمين " هم أناس عاصروا آدم، بل قد يكون القصد هو مجموع المجتمعات
البشرية على امتداد التاريخ. وعلى هذا يكون معنى الآية: إن الله اصطفى من بين جميع المجتمعات البشرية على امتداد التاريخ أفراد كان أولهم آدم، فنوحا، فآل إبراهيم، فآل عمران. وبما أن كل واحد من هؤلاء كان يعيش في عصر غير عصر الآخر نفهم من ذلك أن القصد من " عالمين " هو البشر عموما على اختلاف
عصورهم وأزمانهم. لذلك ليس ثمة ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن آدم كان يعاصره أناس آخرون فاصطفاه الله من بينهم، فتأمل.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Nov, 12:51


قال الله تعالى : (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـالَمِينَ * ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) آل عمران ٣٣ و ٣٤ .

في مبتدأ هذه الآية يشرع القرآن بسرد حكاية مريم وأجدادها ومقامهم، فهم النموذج الكامل لحب الله الحقيقي وظهور آثار هذا الحب في مقام العمل والذي أشارت إليه الآيات السابقة.
" اصطفى " من الصفو، وهو خلوص الشيء من الشوائب، ومنه " الصفا " للحجارة الصافية. وعليه فالإصطفاء هو تناول صفو الشيء .
تقول الآية: إن الله اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران من بين الناس جميعا. هذا الاختيار قد يكون " تكوينيا " وقد يكون " تشريعيا " أي أن الله قد خلق هؤلاء منذ البدء خلقا متميزا، وإن لم يكن في هذا الامتياز ما يجبرهم على اختيار طريق الحق، بل أنهم بملء اختيارهم وحرية إرادتهم اختاروه. غير أن ذلك التميز أعدهم للقيام بهداية البشر ثم على أثر إطاعتهم أوامر الله، والتقوى والسعي في سبيل هداية الناس نالوا نوعا من التميز الاكتسابي، الذي امتزج بتميزهم الذاتي، فكانوا من المصطفين.

قوله : ذرية بعضها من بعض .

تشير هذه الآية إلى أن هؤلاء المصطفين كانوا - من حيث الإسلام والطهارة والتقوى والجهاد في سبيل هداية البشر - متشابهين، بمثل تشابه نسخ عدة من كتاب واحد، يقتبس كل من الآخر: بعضها من بعض.

والله سميع عليم.

في النهاية تشير الآية إلى حقيقة أن الله كان يراقب مساعيهم ونشاطهم، ويسمع أقوالهم، ويعلم أعمالهم. وفي هذا إشارة أيضا إلى مسؤوليات المصطفين الثقيلة نحو الله ومخلوقات الله.
في هذه الآية إشارة إلى جميع الأنبياء من أولي العزم، فبعد نوح الذي صرح باسمه، يأتي آل إبراهيم الذين يضمون نوحا نفسه وموسى وعيسى ونبي الإسلام.
وذكر آل عمران تكرار للإشارة إلى السيدة مريم والمسيح، بالنظر لكون هذه الآية
مقدمة لبيان حالهما.

١ - امتياز الأنبياء:

هنا يبرز هذا السؤال: على الرغم من أن هذا التميز لم يجبر الأنبياء على السير في طريق الحق، وأنه لا يتعارض مع حرية الإرادة والاختيار، ولكن ألا يعتبر نوعا من التفضيل؟

في الجواب نقول: إن خلقا مصحوبا بنظام سليم يستتبع بالضرورة مثل هذا التفاضل، فتأمل جسم الإنسان - مثلا - مخلوق منظم، وللحفاظ على هذا التنظيم لابد من الاعتراف بالتفاضل بين عضو وعضو، إذ لو كانت جميع الخلايا في جسم الإنسان تشبه في لطافتها خلايا شبكية العين، أو تشبه في صلابتها وقوتها خلايا عظام الساق، أو تشبه خلايا الدماغ في حساسيتها، أو تشبه خلايا القلب في حركتها، لاختل حتما نظام الجسم. إذا لابد من وجود خلايا مثل خلايا الدماغ لكي تتولى إدارة سائر أعضاء الجسم وعضلاته، وخلايا العظام المتينة لتحفظ استقامة الجسم وخلايا الأعصاب الحساسة لتتسلم أبسط الإيعازات، والخلايا المتحركة لتخلق الحركة في الجسم.
ما من أحد يستطيع أن يقول لماذا ليس الجسم كله دماغا؟ أو في النباتات، لماذا لا تكون الخلايا كلها بلطافة خلايا أوراق الورد؟ إن حالة كهذه ستهدم بناء النبات وتعرضه للفناء.
النقطة المهمة هي أن هذا التميز الذاتي الضروري لإيجاد بناء منظم ليس بسيطا، بل هو مصحوب بمسؤولية عظيمة، هذا " الامتياز " وهذه المسؤولية الثقيلة نفسها تحفظ توازن كفتي ميزان الخلق. أي أن نسبة تميز الأنبياء على سائر البشر تتناسب مع أهمية المسؤولية التي يضطلعون بها. كما أن الاختلاف في تميز
الآخرين يتناسب مع مسؤولياتهم.
فضلا عن ذلك فإن التميز الذاتي لا يكفي للاقتراب من الله، بل لابد معه من التميز المكتسب.

في الآية بعض النقاط ينبغي ذكرها:
١ - ليست الآية بصدد ذكر جميع الذين اصطفاهم الله، بل تعدد بعضا منهم،
فإذا لم يكن بعض الأنبياء من بين هؤلاء، فلا يعني ذلك أنهم ليسوا مصطفين. ثم إن " آل إبراهيم " يشمل موسى بن عمران ونبي الإسلام والمصطفين من أهل أيضا لأنهم جمعا من " آل إبراهيم ".

٢ - يرى " الراغب " في كتابه " المفردات " إن " الآل " من " الأهل "، ولكنه خص بالإضافة إلى أقرباء العظماء من الناس والأشراف ودون الأزمنة والأمكنة.
ولكن " الأهل " يضاف إلى الكل، كالزمان والمكان وغير ذلك، فيقال: أهل المدينة
الفلانية، ولكن لا يقال: آل المدينة الفلانية.

٣ - غني عن القول أن إصطفاء آل إبراهيم وآل عمران لا يعني إصطفاء جميع أبناء إبراهيم وعمران، إذ يحتمل أن يكون بينهم حتى من الكفار، إنما المقصود هو " بعض " من آل إبراهيم وآل عمران.

٤ - " عمران " في هذه الآية هو أبو مريم، لا أبو موسى، إذ كلما ورد في القرآن اسم عمران كان المعنى به هو أبو مريم، كما يستدل على ذلك أيضا من الآيات التالية التي تخص شرح حال مريم.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Nov, 13:16


س : ما هو ثواب سورتي البقرة وسورة آل عمران ؟


ج : روب عن أبى عبد الله عليه السلام قال : من قرأ سورة البقرة وآل عمران جاء يوم القيمة تظلانه على رأسه مثل الغيابتين .

وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله أي سور القرآن أفضل ؟ قال : البقرة .
قيل أي آي البقرة أفضل ؟ قال : آية الكرسي .

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Nov, 12:35


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و كذلك ما ورد ، في حديث أبي بَصير وجاره التوّاب، هو شاهدٌ آخر على هذا المَطلب:

قال أبو بَصير: كان لي جارٌ يتبعِ السّلطان، فأصابَ مالًا فإتّخذ قِياناً، و كان يجمع الجَموع و يشربُ المُسكِر و يُؤذيني، فشكوته إلى نفسه غيرَ مَرّة، فلم يَنتَهِ، فلّما ألحَحَتَ عليه، قال: يا هذا أنا رجلٌ مُبتلى، و أنت رجلٌ معافى، فلو عرّفتني لِصاحبك رَجوتُ أن يَستنقذني اللَّهُ بك، فوقع ذلك في قلبي، فلما صِرت إلى أبي عبداللَّه عليه السلام، ذكرتُ له حاله.
فقال لي: «إذا رجعت إلى الكُوفة، فإنّه سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن محمد: دعْ ما أنت عليه، و أَضمِنْ لك على اللَّه الجنّة».
قال أبو بَصير: فلمّا رجعت إلى الكوفة، أتاني فيمن أتى، فاحْتبستُه حتّى خَلا منزلي. فقلت:
يا هذا، إنّي ذكرتُك لأِبي عبداللَّه عليه السلام، فقال: «أَقرِأه السّلام و قل له: يترك ما هو عليه، و أَضمن له على اللَّه الجنّةَ».
فَبَكى، ثمّ قال: اللَّه، قال لك جعفر عليه السلام هذا؟
قال: فحلفت له، أن قال لي ما قلت لك.
فقال لي: حَسبُك وَمَضى، فلما كان بعد أيّامٍ بعث إليّ و دعاني، فإذا هو خَلف باب داره عُريان.
فقال: يا أَبا بصير، ما بقي في منزلي شي‌ءٌ، إلّا و خرجت عنه، و أنا كما ترى.
فَمشيت إلى إخواني، فجمعت له ما كسوته به، ثمّ لم يأت عليه إلّا أيّاماً يسيرةً، حتّى بعث إليّ: أنّي عليل فآئْتني، فجعلت أختلف إليه، و اعالجه حتّى نزل به الموت.
فكنت عِنده جالساً و هو يجود بِنفسه، ثم غُشي عليه غشيةً ثم أفاق، فقال: يا أبا بَصير، قد و فّى صاحبك لنا، ثم مات، فَحَججت فأتيت أبا عبداللَّه عليه السلام، فإستأذنت عليه، فلمّا دخلت قال مبتدئاً من داخل البيت، وإحدى رجليّ في الصّحن والاخرى في دهليز داره: «يا أبا بَصير قد وفيّنا لصاحبك».

بالطّبع يمكن أن يقال: إنّ هذا الحديث حمل في طيّاته، جانب التّوبة العاديّة المعروفة بين الناس، ولكنّنا نقول: إن ذلك الرّجل المذنب والملي‌ء بالمعاصي، من رأسه إلى أخُمص قدمه، لم يكنِ ليُغيّر طريقة حياته، و اتّخاذه جانب الصّلاح و الفلاح، و على حدّ إعترافه هو، بأنّه لولا الإمام عليه السلام و عنايته، لم يكن له أن يتحول من دائرة الظلّمة و المعصية، إلى دائرة النّور والهداية.

و يوجد إحتمالٌ قويٌّ، و هو أنّ هذا الإنقلاب و التّحول، في روح و سلوك هذا الرجل المذنب المستعد لِلتوبة، كان بسبب التّدخل الرّوحي للإمام عليه السلام، و تصرفه في محتواه النّفسي، و
ذلك لوجود نقطةٍ مضيئةٍ و بصيصٍ من الأمل في أعماق قلبه، و هو تمسّكه بالولاية، حيث أدّى إلى أن يتحرّك الإمام عليه السلام إلى نجدته و إنقاذه، في آخر لحظات حياته و أيّام عمره .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

08 Nov, 20:09


♤ ماهو اكبر الكائنات الحية👇🧐

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

07 Nov, 13:45


قال: فَسكت ولم يقل شَيئاً، ثم إلتفتَ إليّ، فقال لي: أنتَ هُشام بن الحّكم؟، فقلتُ: لا. قال من جُلسائه؟، قلت: لا، قال: فَمن أَنتَ، فقلت: من أهلِ الكوفة. قال: فأنت إذاً هوَ، ثمّ ضمّني إليه، و أَقعدني في مَجلسه، وزالَ عن مجلسه، و ما نطَق حتّى قُمت.
قال: فَضحِك أبوعبداللَّه عليه السلام، و قال: يا هُشام من عَلّمك هذا؟.
قلتُ: شي‌ءٌ أخذته منك، و ألّفته.
فقال الإمام: «هذا واللَّه مكتوبٌ في صُحف إبراهيم وَ موسى».
نعم، فإنّ الإمام بمنزلةِ القَلب، لِعالَم الإنسانيّة، و هذا الحديث يمكن أن يكون إشارةً، لِلولاية و الهداية التّشريعيّة أو التّكوينية، أو الإثنين معاً .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

07 Nov, 13:40


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

١٤ - الوجه الآخر للولاية، و دوره في تهذيب النّفوس‌

لا ينحصر دور الإعتقاد بالولاية، في المسائل الأخلاقية و تهذيب النّفوس و السّير إلى اللَّه تعالى، على إتّخاذ القُدوات الصّالحة و الإقتداء بكلامهم و فِعالهم، بل و بحسب إعتقاد بعض الأعاظِم و العُلماء، يوجد هناك نوعٌ آخر من الولاية، هو فرعٌ من الولاية التّكوينية، يستطيع معها القادُة الإلهِيّيون، و بواسطة نفوذهم الرّوحي المباشر، في عالم الوجود و التّكوين، من معرفة النّفوس المستعدّة للتربية و الإصلاح، و التّصرف المعنوي المَباشر، في المستوى الرّوحي لِلإنسان في خطّ التّربية.

و توضيح ذلك: إنّ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، هَمْ القلب النّابض للُامّة الإسلاميّة، و كلّ عضوٍ من الأعضاء، يكون له إرتباطٌ وثيقٌ بالقلب، سيتسنى‌ لذلك العَضو أن يسترفِد من المنبع مَنافع أكثر، أو أنّهم بمنزلة الشّمس المشرقةِ، فكُلّما إنقشعت سُحب الأنانية عن القلب، فإنّ تلك الأشعّة ستتولى تربية عناصر الخير في النّفس، فَتورقُ و تثمرُ، و تنعكس آثارها على شخصيّة الإنسان، في إطار السّلوك و الفِكر.

و هنا تأخذ الولاية شَكلًا آخر، و تنحى‌ مَنْحاً يختلف عن السّابق، و سيكون الكلام فيها عن المَعطيات الخفيّة الغامضة، في دائرة التّأثير التّربوي، غير التي نعرفها سابقاً، في دائرة التّصرفات الظّاهريّة .

يقول القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً».
فهذه الشّمس المنيرة، و هذا السّراجُ المنير، يتولّى وظيفتين، فمن جِهة أنّه يُضي‌ء لِلإنسان الطريق إلى اللَّه تعالى، ليعرف الطّريق الصّحيح و الجادة المؤدّية إلى الحقّ و الصّلاح، و يبتعد عن حافّة الهاوية.
و من جهةٍ اخرى، فإنّ هذا النّور الإلهي، يؤثّر لا شعوريّاً في واقع الإنسان، و يتولى إصلاح النّفس في خطّ التّربية الأخلاقيّة، و يساعدها في عمليّة التّكامل و الرّقي.

و كَنموذجٍ على ذلك، ما نقرأه في الحديث المرفوع عن «هِشام بن الحَكم»، و مناظرته مع «عَمرو بن عُبيد»، العالم بِعلم الكلام السّني، عندما ذَهب هشام إلى البصرة، و أجبره ببيانٍ لطيفٍ و منطقي، على الإعتراف بِلزوم وجود الإمام في كلّ عصرٍ و زمانٍ.
قال هشام: بلغني ما فيه عَمرو بن عبيد، و جلوسه في مسجد البصرة، فعظُم ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتَيت مَسجد البَصرة، فإذا أنا بحلقةٍ كبيرةٍ فيها عَمرو بن عبيد، و عليه شَملةٌ سوداءٌ، متّزراً بها، من صوفٍ و شملةٌ مرتدياً بها، و النّاس يسألونه، فإستفْرَجت النّاس فأَفرَجوا لي، ثمّ قَعدت في آخر القَوم، على رَكبتي، ثم قلت: أيّها العالم، إِنّي رجلٌ غريبٌ تأذن، لي في مسألةٍ!.
فقال لي: نَعم.
فقلت له: أَلك عَينٌ؟
فقال: يا بُنيّ أيّ شي‌ءٍ هذا السّؤال، و شي‌ء تراه كيف تَسأل عنه.
فقلت: هكذا مَسألتي.
فقال: يا بُنيّ سَلُ وإن كانت مَسألتك حَمقاء.
قلت: أجبني فيها.
قال لي: سَلْ.
قلتُ: ألكَ عينٌ؟
قال: نَعم.
قلت: فما تَصنع بها؟.
قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلت: ألكَ أنفٌ؟
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع به؟
قال: أشمٌّ به الرّائحة.
قلتُ: ألكَ فمٌ؟
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع به؟.
قال: أذوقُ بِهِ الطّعام.
قلت: ألك اذنٌ.
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع بها؟.
قال: أسمع بها الصّوت.
قلت: أَلك قلب؟.
قال: نعم.
قلتُ: فما تصنع به؟
قال: اميّز به كلّما ورد على هذه الجَوارح و الحَواس.
قلتُ: أوَ لَيس في هذه الجَوارح غِناً عن القلب؟.
فقال: لا.
قلتُ: و كيف ذلك، و هي صحيحةٌ سليمةٌ؟.
قال: يا بُني إنّ الجوارح إذا شكّت في شي‌ءٍ، شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القَلب‌
فيسْتَيقِن اليَقين و يُبطل الشّك.
فقلت له: فإنّما أقام اللَّه القلب؛ لِشّك الجَوارح؟.
قال: نعم.
قلتُ: لابدّ من القلب، و إلّالم تَستَيقن الجوارح؟.
قال: نعم.
فقلتُ له: يا أبا مَروان، فاللَّه تَباركَ و تعالى، لم يترك جوارحك حتّى جَعل لها إماماً، يُصحِّح لها الصّحيح، و يتيقّن له ما شكّ فيه، و يترك هذا الخَلق كلّهم في حِيرتهم و شَكّهم و إختلافهم، لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه شَكّهم و حِيرتهم، و يُقيم لَك إماماً لِجوارحك، تردّ إليه حيرتك و شَكّك؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

06 Nov, 14:08


س : ما الفرق بين كلمة ألقينا وأغرينا في قول الله تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) المائدة ١٤ . وفي الله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) المائدة ٦٤ ؟


ج : ١ . أن كلمة أغرينا استعملت مع النصارى ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ) وكلمة ألقينا استعملت مع اليهود ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) .

٢ . الإغراء معناه الحث على فعل ما من خلال ذكر آثاره وفوائد حتى يرغب المغرور بفعله بشدة واهتمام بينما معنى الإلقاء هو الحث على الفعل بفتور وليس بشدة .
إذاً الإغراء أشد من الإلقاء .

٣ . والسبب في الاختلاف هو أن النصارى انحرفوا أكثر من انحراف اليهود فجازاهم الله تعالى بذلك باعتبار أنهم حرفوا التوراة والإنجيل معاً بخلاف اليهود فقد حرفوا التوراة فقط .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

05 Nov, 17:24


قال الله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) الروم .

الآية تتحدث عن قسم آخر من الآيات في الأنفس، التي تمثل مرحلة ما بعد خلق الإنسان، فتقول: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها. أي من جنسكم والغاية هي السكينة الروحية والهدوء النفسي وحيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة، وبين جميع الناس عامة، يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني، فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة وجعل بينكم مودة ورحمة.

ولمزيد التأكيد تختتم الآية بالقول: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
الطريف هنا أن القرآن - في هذه الآية - جعل الهدف من الزواج الاطمئنان والسكن، وأبان مسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى " لتسكنوا " كما ورد نظير هذا التعبير في سورة الأعراف الآية ١٨٩.
والحق أن وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الاطمئنان في الحياة، هو أحد مواهب الله العظيمة.
وهذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من أن هذين الجنسين يكمل بعضهما بعضا، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحيث يعد كل منهما ناقصا بغير صاحبه، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبية القوية.
ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن الذين يهملون هذه السنة الإلهية وجودهم ناقص، لأن مرحلة تكاملية منهم متوقفة، (إلا أن توجب الظروف الخاصة والضرورة في بقائهم عزابا).
وعلى كل حال، فإن هذا الاطمئنان أو السكن يكون من عدة جهات " جسميا وروحيا وفرديا واجتماعيا ".
ولا يمكن إنكار الأمراض التي تصيب الجسم في حالة عدم الزواج، وكذلك عدم التعادل الروحي والاضطراب النفسي عند غير المتزوجين.
ثم أن الأفراد العزاب لا يحسوون بالمسؤولية - من الناحية الاجتماعية - كثيرا.. ولذلك فإن الانتحار تزداد بين أمثال هؤلاء أكثر.. كما تصدر منهم جرائم مهولة أكثر من سواهم أيضا.
وحين يخطو الإنسان من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الحياة الأسرية يجد في نفسه شخصية جديدة، ويحس بالمسؤولية أكثر،، وهذا السكن والاطمئنان في ظل الزواج.

وأما مسألة " المودة والرحمة " فهما في الحقيقة ملاك البناء في المجتمع الإنساني، لأن المجتمع يتكون من افراد متفرقين كما أن البناء العظيم يتألف من عدد من الطابوق و " الآجر " أو الأحجار. فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقين اجتمعوا، أو أن تلك الأجزاء المتناثرة وصلت بعضها ببعض، لنشأ من ذلك المجتمع أو البناء حينئذ.
فالذي خلق الإنسان للحياة الاجتماعية جعل في قلبه وروحه هذه الرابطة الضرورية.

والفرق بين " المودة " و " الرحمة " قد يعود إلى الجهات التالية:
١ - المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين، ولكن في النهاية، وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادرا على الخدمة، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحل محلها.
٢ - المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم، أما الأطفال والصبيان الصغار، فإنهم يتربون في ظل الرحمة.
٣ - المودة، غالبا ما يكون فيها " تقابل بين الطرفين "، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل، غير أن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحيانا، فأساس بقاء المجتمع هو " المودة " ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الايثار والرحمة.
وبالطبع فإن الآية تبين المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن يحتمل أن يكون التعبير " بينكم " إشارة إلى جميع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير، لأنه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلا بهذين الأصلين (المودة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع - وحتى نقصانهما يؤدي إلى أنواع الارباك والشقاء والاضطراب الاجتماعي .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

03 Nov, 13:56


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و نحن بدورنا نستلهم من تلك القصّة، عدّة دروسٍ، منها:

١ - العثور على معلّمٍ مطّلع حكيمٍ للتعلّم عنده، و الإستنارة من نور علمه، أمرٌ من الأهميّة بمكان، بحيث امِرَ رسول من رُسل اولى العزم بذلك، وقد قطع المسافات الطويلة كي يَدرس عنده، و يقتبس من فَيض علمه.

٢ - عَدم تعجّل الامور، و إنتظار الفرصة المُناسبة، أو كما يُقال: «إنّ الامور مرَهونةٌ بِأَوقاتها».

٣ - الحوادث الجارية حولنا، ربّما تحمل ظاهِراً و باطناً، وعلينا عدم النّظر إلى الظّاهر فقط، لِئلّا نخطأ في الحكم على الامور، من موقع العجلة و عدم التّأنّي، و علينا الأخذ بنظر الإعتبار بَواطِنها.

٤ - عدم الإنضباط و الإلتزام بالعهود، ربّما يَحرم الإنسان من بعض البركات المَعنويّة إلى الأبد.

٥ - الدّفاع عن الأيتام و المستضعفين، و الوقوف في وجه الظّالمين و الكفار، يُعتبر واجباً على المؤمنين، الذين يتحرّكون في خطّ الرّسالة و المسؤوليّة، و قد تُدفع في سبيل ذلك الأثمان الباهظة.

٦ - أينما وصل الإنسان في مراحل العِلم و الرّقي، عليه أن لا يتغترّ بعلمه، و لا يتصور أنّه وصل إلى حدّ الكمال، لأنّه قد يتسبب هذا التّصور، في تجميد حركة الإنسان الصّاعدة، و القناعة بما عِنده من العلم.

٧ - إنّ للَّهِ تعالى جُنوداً و ألطافاً خفيّةً تنصرُ المظلوم، بِطرقه المختلفة، وكلّ إنسانٍ مؤمنٍ، عليه أن يتوقّعها في كلّ لحظةٍ.

و هناك نقاطٌ مفيدةٌ اخرى أيضاً.

و هذه القصّة سواء كانت تحمل أهدافاً حقيقةً لتعليم موسى عليه السلام، أم أنّها تحمل نِداءاتٍ للناس؛ لكي يتعلموا ويقتدوا بالأعاظم من البشر، لا تختلف عما نحن بصدده.

والخُلاصة: أنّ القدوة و الدّليل و الاسوة، هو أمرٌ لابدّ منه للاستزادة من العلوم، و تهذيب النّفوس في خطّ التّكامل المعنوي و بناء الذّات .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

02 Nov, 12:55


قال الله تعالى : فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) محمد .

إن هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب وهم على أعتاب الموت وقبض أرواحهم ليذوقوا وبال الكفر والنفاق والعناد، وهم يضربون وجوههم لأنها اتجهت نحو أعداء الله، ويضربون أدبارهم لأنهم أدبروا عن آيات الله ونبيه.

وهذا المعنى نظير ما ورد في الآية (٥٠) من سورة الأنفال حول الكفار والمنافقين: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق.

وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت، فتقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم.
لأن رضي الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكل سعي وجهد، وبناء على هذا، فمن الطبيعي أن تحبط أعمال أولئك الذين يصرون على إغضاب الله عز وجل وإسخاطه، ويخالفون ما يرتضيه، ويودعون هذه الدنيا وهم خالوا الوفاض، قد أثقلتهم أوزارهم، وأرهقتهم ذنوبهم.
إن حال هؤلاء القوم يخالف تماما حال المؤمنين الذين تستقبلهم الملائكة بوجوه ضاحكة عندما يشرفون على الموت، وتبشرهم بما أعد الله لهم: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولن سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون .

ومما يلفت النظر أن الجملة فعلية في مورد غضب الله تعالى: ما أسخط الله وهي أسمية في مورد رضاه: رضوانه، وقال بعض المفسرين: إن هذا التفاوت في التعبير يتضمن نكتة لطيفة، وهي أن غضب الله قد يحدث وقد لا يحدث، أما رضاه ورحمته فهي مستمرة دائمة.
وواضح أيضا أن غضب الله تعالى وسخطه لا يعني التأثر النفسي، كما أن رضاه سبحانه لا يعني انبساط الروح وانشراح الأسارير، بل هما كما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): " غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

02 Nov, 01:44


سورة من القرآن لا تبدأ بالبسملة ؟ 🤔

◯ التوبه

◯ البقره

◯ الفاتحه

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

01 Nov, 12:13


قال الله تعالى : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) الأنعام .

تصف الآية السابقة حال الكافرين بالقول: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.
لأن ممارسة الظلم في حقيقتها ظلم للنفس قبل الآخرين، لأن الظالم يتلف ملكاته الوجدانية، ويهتك حرمة الصفات الفطرية الكامنة فيه.
بالإضافة إلى أن الظلم متى ما شاع وانتشر في أي مجتمع، فالنتيجة الطبيعية له أن يعود على الظالمين أنفسهم ليشملهم الحال.
أما حين تحين ساعة الموت وتقبض الملائكة أرواحهم فيموتون ويزول حجاب الغفلة عن العيون فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء.

لماذا ينكرون عملهم القبيح ؟ فهل يكذبون لأن الكذب أصبح صفة ذاتية لهم من كثرة تكراره، أم يريدون القول : إننا نعلم سوء أعمالنا، ولكننا أخطأنا ولم تكن لدينا نوايا سيئة فيه ؟؟.
يمكن القول بإرادة كلا الأمرين.
ولكن الجواب يأتيهم فورا: إنكم تكذبون فقد ارتكبتم ذنوبا كثيرة: بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون حتى بنياتكم.
وليس المقام محلا للإنكار أو التبرير.. فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين.

التسليم بعد فوات الأوان:

قليل أولئك الذين ينكرون الحقيقة بعد رؤيتها في مرحلة الشهود، ولهذا نجد المذنبين والظالمين يظهرون الإيمان فورا بعد أن تزال عن أعينهم حجب الغفلة والغرور وحصول العين البرزخية في حال ما بعد الموت، كما بينت لنا الآيات السابقة فألقوا السلم.

وغاية ما في الأمر أن الكل مستسلم، ولكن الحديث يختلف من بعض إلى بعض، فقسم منهم يتبرأ من أعماله القبيحة بقولهم: ما كنا نعمل من سوء أي إنهم من كثرة ممارستهم للكذب فقد اختلط بلحمهم ودمهم والتبس عليهم الأمر تماما، فمع علمهم بعدم فائدة الكذب في ذلك المشهد العظيم ولكنهم يكذبون!
ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أن هناك من يكذب حتى في يوم القيامة، كما في الآية الثالثة والعشرين من سورة الأنعام: قالوا والله ربنا ما كنا مشركين!
وقسم آخر يظهر الندامة ويطلب العودة إلى لحياة الدنيا لإصلاح أمره، كما جاء في الآية (١٢) من سورة السجدة.
وقسم يكتفي بإظهار الإيمان كفرعون، كما جاء في الآية (٩٠) من سورة يونس.
وعلى أية حال.. سوف لا تقبل كل تلك الأقوال لأنها قد جاءت في غير وقتها بعد أن انتهت مدتها، ولا أثر لهكذا إيمان صادر عن اضطرار.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

30 Oct, 14:16


قال الله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) الأنعام .

توقعات باطلة ومطاليب مستحيلة:

في الآيات السابقة تبينت هذه الحقيقة وهي: أننا أتممنا الحجة على المشركين، وآتيناهم الكتاب السماوي (أي القرآن) لهدايتهم جميعا، لكي لا يبقى لديهم أي عذر يبررون به مخالفتهم للرسالة ومعارضتهم للدعوة.

وهذه الآية تقول: ولكن هؤلاء الأشخاص المخاصمين المعاندين بلغوا في لجاجهم وعنادهم حدا لا يؤثر فيهم حتى هذا البرنامج الواضح البين، وكأنهم يتوقعون وينتظرون هلاكهم، أو ذهاب آخر فرصة، أو ينتظرون أمورا مستحيلة.
فيقول أولا: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لتقبض أرواحهم.
أو يأتي ربك إليهم فيرونه، حتى يؤمنوا به.

ويراد من هذا الكلام في الحقيقة أنهم ينتظرون أمورا مستحيلة، لا أن مجيء الله سبحانه وتعالى أو رؤيته أمور ممكنة.
وهذا النوع من البيان والكلام أشبه ما يكون بمن يقول لشخص مجرم معاند، بعد أن يريه ما لديه من وثائق كافية دامغة وهو مع كل هذا ينكر جنايته: إذا كنت لا تقبل بكل هذه الوثائق، فلعلك تنتظر أن يعود المقتول إلى الحياة، ويحضر في المحكمة ليشهد عليك بأنك الذي قتلته؟

ثم يقول: أو أنكم تنتظرون أن تتحقق بعض الآيات الإلهية والعلامات الخاصة بيوم القيامة ونهاية العالم يوم تنسد كل أبواب التوبة: أو يأتي بعض آيات ربك؟
وعلى هذا الأساس فإن عبارة آيات ربك وإن جاءت بصورة كلية وعلى نحو الإجمال، ولكنها يمكن أن تكون بقرينة العبارات اللاحقة التي سيأتي تفسيرها، بمعنى علامات القيامة، مثل الزلازل المخيفة، وفقدان الشمس والقمر والكواكب لأنوارها وأضوائها، وما أشبه ذلك.
أو يكون المراد من ذلك المطاليب غير المعقولة التي يطلبونها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن جملتها أنهم لا يؤمنون به إلا أن تمطر عليهم السماء حجارة، أو تمتلئ صحاري الحجاز القفراء اليابسة بالينابيع والنخيل!!

ثم يضيف عقيب ذلك قائلا: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأبواب التوبة حينذاك مغلقة في وجوه الذين لم يؤمنوا إلى تلك الساعة، لأن التوبة ساعتئذ تكون ذات صبغة اضطرارية إجبارية، وفاقدة لمعطيات الإيمان الاختياري وقيمة التوبة النصوح.
هذا، ويتضح مما قيل أن عبارة أو كسبت في إيمانها خيرا تعني أن الإيمان وحده لا ينفع في ذلك اليوم، بل حتى أولئك الذين آمنوا من قبل، ولكنهم لم يعملوا عملا صالحا، لم ينفعهم في ذلك اليوم أن يعملوا عملا صالحا، لأن أوضاعا كتلك تسلب من الإنسان القدرة على ارتكاب الذنب، وتقوده نحو العمل الصالح بصورة جبرية لا مفر منها، فلا يكون لمثل هذا العمل أية قيمة ذاتية.

ثم إنه في المقطع الأخير من الآية يوجه تهديدا شديدا إلى هؤلاء الأشخاص المعاندين، إذ يقول بنبرة شديدة: قل انتظروا إنا منتظرون.

بحث : لا فائدة للإيمان بدون عمل:

إن من النقاط الهامة التي نستفيدها من الآية الحاضرة هو أن الآية تعتبر طريق النجاة منحصرة في الإيمان، ذلك الإيمان الذي يكتسب المرء فيه خيرا ويعمل في ظله عملا صالحا.
ويمكن أن ينطرح هذا السؤال وهو: هل الإيمان وحده غير كاف ولو خلي من جميع الأعمال الصالحة؟
ونجيب: صحيح أن المؤمن يمكن أن يزل أحيانا ويرتكب بعض الذنوب المعاصي ثم يندم على فعله ويعمد إلى إصلاح نفسه، ولكن من لم يعمل أي عمل صالح طوال حياته، ولم يستغل الفرص الكثيرة والكافية لذلك، بل على العكس من ذلك صدر منه كل قبيح ووقعت منه كل معصية، واقترف كل إثم، فإنه يبدو من المستبعد جدا أن يكون من أهل النجاة، ومن الذين ينفعهم إيمانهم، لأنه لا يمكن أن نصدق بأن شخصا ينتمي إلى دين من الأديان، ولكنه لا يعمل بأي شيء من تعاليم ذلك الدين ولا مرة واحدة في حياته، بل كان يرتكب خلافها دائما، إذ إن حالته وموقفه هذا دليل قاطع وبين على عدم إيمانه، وعدم اعتقاده.
وعلى هذا الأساس يجب أن يقترن الإيمان ولو بالحد الأدنى من العمل الصالح، ليدل ذلك على وجود الإيمان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

29 Oct, 05:13


هل يجوز للمرأه أن تسافر بدون محرم 🛣⁉️

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

27 Oct, 13:40


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

قصّة موسى‌ و الخَضر عليهما السلام:

إتّخاذُ المعلّم و الدّليل، في طريق السّير و السّلوك إلى اللَّه تعالى، من الأهميّة بمكانٍ، بحيث أُمِرَ بَعض الأنبياء، في بُرهةٍ من الزّمن، للحُضورَ عند الاستاذ أو المُرشد.
و من ذلك قصّة موسى عليهما السلام و الخضر، المليئة بالمفاهيم والمضامين العميقة، و التي وَردت في سَورة الكهف، من القرآن المجيد.
فقد امِرَ موسى‌ عليه السلام، لأجل إسترفاد بعض العلوم، التي تحمل الجانب العملي و الأخلاقي أكثر من الجانب النّظري، أُمِرَ بالذّهاب إلى عالم زمانه، لِيَستقي منه العِلم، و قد عرّفه القرآن الكريم، بأنّه: «عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً».
فشدّ موسى عليه السلام، الرّحال فعلًا مع أحد أصحابه، متّجهاً نحو المكان الذي يتواجد فيه الخِضر عليه السلام، و مع غَضّ النّظر عَمّا صادفاه في الطّريق إليه، وَصل مُوسى عليه السلام إلى المكان الموعود، فقال له الخِضر عليه السلام،: «إِنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعي صَبراً»، ولكنّ موسى عليه السلام وعده بالصّبر.
توالت الأحداث الثّلاثة، واحدة بعد الاخرى، المعروفة و الواردة في القرآن الكريم: أولها خَرق السّفينة الّتي كانوا عليها، فإعترض موسى عليه السلام، و ذكّره بخَطر الغَرق لِلسفينة بِمن فيها، فقال له الخِضر: «ألم أَقُل لَكَ إِنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعي صَبراً» فندم و إختار عليه السلام السّكوت، حتى يوضّح له ملابسات الأمر.
ولَم يَمض قليلًا، حتى صادفوا صَبيّاً فقتله، الخِضر عليه السلام مباشرةً من دونِ توضيحٍ و دليلٍ، فهذا الأمرُ المُريع أثارَ موسى عليه السلام مرّةً اخرى، و نسِيَ ما تَعهّد به، و إعترض على استاذه بأشدّ من الّتي قَبلها، فقال: «أَقَتَلْتَ نَفساً بِغَيرِ نَفْسٍ لَقَد جِئتَ شَيئاً إمراً».
و لِلمرّة الثّانية، ذكّر الخِضر موسى عليه السلام بالعهد الذي قطعه على نفسه، و قال له: إذا تكرّر
منك هذا العمل لِلمرّة الثّالثة، فسوف تَنقطع العلاقة بيني و بينك، و ننفصل في هذا السّفر، فعلم موسى عليه السلام، أنّ في قَتل الغلام سِرّاً مُهمّاً، فآثر السّكوت، ليتّضح له السرّ فيما بعد.
و تَلَتها الحادثة الثّالثة، و قد وردوا في قَريةٍ، فلم يُضيفوهما ولم يعبؤوا بِهما، فَوجد الخِضر عليه السلام جداراً يُريد أن يَنقضّ، فَأقامَه عليه السلام، و طلب العَون من موسى‌ عليه السلام في هذا الأمر، فَرمَّم الجِدار، فضاق موسى ذَرعاً بالأمر، فَصاح: «لَو شِئتَ لَتَّخَذْتَ عَلِيهِ أَجراً».
فأين يكون موضع التّعامل مع هؤلاء من موقع الرّحمة، مع كلّ تلك القساوة التي واجهوها من أهل تلك القرية؟.
و هنا أعلن الخِضر عليه السلام إنفصاله عن موسى‌ عليه السلام، لأنّه نقض العَهد ثلاثَ مرّاتٍ، ولكنّه و قبل الفِراق، أعلمه بالأسرار لتلك الحوادث الثّلاثة، فقال له: إنّ السّفينة كانت لِمساكين، و كان عندهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ سَليمةٍ غَصباً، فَأعَبْتُها كَيْ لا يأخذها منهم، و الشّاب المقتول، كان يستحق الإعدام، لأنّه كافرٌ و مرّتدٌ، و كان الخوف على أبويه من موقع التّأثير عليهما، ولئّلا يحملهما على الكفر.
و الجِدار كان ليتيمين في المدينة، و كان تَحته كنزٌ لَهُما، وكان أبوهما صالحاً، فأراد ربّك أن يستخرجا كنزهما فيما بَعد، ليعيشا بذلك المال، ثم أكدّ عليه أن كلّ ذلك كان بأمر اللَّه تعالى، وليس تصرّفاً من وَحي أفكاري‌ .
رجع بعدها موسى عليه السلام، محّملًا بمعارفٍ و علومٍ في غاية الأهميّة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

26 Oct, 07:31


للزواج والرزق مجرب
السر الاول ( للزواج + الرزق)باذن الله وهو حقيقة لامجال للشك فيها
تقرأ كل يوم هذه الآية

تجدونه👇 داخل قناة المجانيه....معرف القناة👇


https://t.me/addlist/naP-MbsoDLVkZGMy

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Oct, 13:47


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و نَستوحي من الأحاديث العشرة الآنفة الذّكر، أنّ الإسلام قد أعطى الأهميّة القُصوى، لمسألة الحُبّ في اللَّه والبغض في اللَّه، و إعتبرها أفضل الأعمال، وعلامة كمال الدّين، و أسمى من:
الصّلاة و الزّكاة و الصّيام والحج والإنفاق في سبيل اللَّه تعالى، ومن يَتَحلّى بهذه الصّفة، يكون مع الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله في الجنّة، بحيث يغبطه فيها الأنبياء و الشّهداء و الصّديقين.

فهذه التّعبيرات و غيرها، تبيّن لنا دور و فعّاليّة مسألة التبرّي و التّولّي، في جميع البرامج الدّينية و الإلهيّة، ودليل هذا الأمر واضحٌ جدّاً، لأنّ الإنسان المؤمن، عندما يُحِبّ القُدوة الإلهيّةُ و الإنسان الكامل، لتقواه وإيمانه وفضائله الأخلاقية، فإنّ ذلك من شأنه، أن ينعكس على روحه و سُلوكه صفاتِ و سلوك هذه القدوة، و يدفعه لِلتأسّي بها في أعماله و حركاته و سَكناته!

و هذا هو بالفعل، ما يَصبو وَيدعو إليه علماء الأخلاق، بإعتباره أصلًا أساسياً في تهذيب و تربية النّفوس، و أنّ الإقتداء بالقُدوة الصّالحة، من شأنه أن يكون شرطاً أساسياً، لأن يسلك بالإنسان طريق الهداية و الصّلاح، في خطّ الإيمان و الإنفتاح على اللَّه تعالى.

و من الأدلّة المهمّة، التي أوردها القرآن الكريم، و أكّد عليها رسوله الكريم صلى الله عليه و آله، هو التّذكير بأَنبياء اللَّه تعالى و أفعالهم و تأريخهم و حياتهم، و الغَرض من ذلك كُلّه، الإقتداء بهم و إتّباع سيرتهم.

جديرٌ بالذّكر، أنّ كلّ إنسانٍ يحبُّ البطولات و الأبطال، و يحبُّ أن يَقتدي بأحد الأبطال، ليجعله اسوةً و قدوةً في حياته في جميع أبعاده المختلفة.
عمليّة إنتخاب مثل هؤلاء الأبطال، يؤثر على حياة الإنسان، من موقع صياغة الشّخصية و كيفيّة السّلوك، و على فرض حدوثِ تغيّرٍ في نظرة الإنسان نحو القُدوة، فَستتغير حياتُه بالكامل، تَبعاً لها.

و الكثير من الأفراد أو الشعوب، لمّا لم يُسعفهم الحظّ في إتخاذ القُدوة الصّالحة، تَوسّلوا بأبطالٍ مزيّفين، كَي يُعوّضوا النّقص الحاصل لديهم في هذا المجال، و أدخلوهم في ثقافتهم و تأريخهم، وألّفوا في سيرتهم الأساطير و الحكايات، و البطولات الخياليّة.

و البيئة و الدّعاية السّليمة أو المغرضة، لَها دورها في إختيار اولئك الأبطال، فيُمكن أن يكونوا من رجال الدّين، و السّياسة، أو وجوهٌ رياضيّةٌ أو تمثيليّةٌ.

و هذا الميل البَشري لِلأبطال، و القُدوات الإنسانية، يمكن أن يوجّه بالصّورة الصّحيحة، و يفعّل دوره في تربية الفضائل الأخلاقيّة و السّلوكيات الحسنة، في الحياة الفرديّة و الإجتماعيّة.

و بناءً على ذلك، فإنّ الآيات و الرّوايات أكّدت على هذه الضّرورة، و هي مسألة التولّي و التّبرّي، و إتّخاذ أولياء اللَّه قدوةً و اسوةً حسنةً، و بدونها ستبقى برامج التّربية و التّهذيب، ناقصةُ الُمحتوى و المُضمون .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

22 Oct, 14:20


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


٤ - و في حديثٍ آخر عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّه قال لجابر الجُعفي رحمه الله:
«إِذا أَرَدتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيراً فَانظُرْ إِلى‌ قَلْبِكَ فَإنْ كانَ يُحِبُّ أَهْلَ طاعَةِ اللَّهِ وَ يُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، فَفِيكَ خَيرٌ وَاللَّهُ يُحِبُّكَ، وَإِنْ كانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طاعَةِ اللَّهِ وَ يُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ،
فَليسَ فَيكَ خَيرٌ، وَاللَّهُ يُبْغِضُكَ وَالمَرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» .

وَ جُملة: «والمَرء معَ من أحبّ»، هي إشارةٌ جميلةً و لطيفةً إلى هذه الحقيقة، و هي أنّ هذه العِلاقة ستمتد وتستمر إلى يوم القيامة، وهي دليلٌ واضحٌ على أهميّة مسألة «الوِلاية»، في المباحث الأخلاقيّة.

٥ - في حديثٍ آخر عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال:
«وُدُّ المُؤمِنِ لِلمُومِنِ فِي اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الإِيمانِ، أَلا وَمَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ وَأَعطى‌ فِي اللَّهِ وَمنَعَ فِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَصفِياءِ اللَّهِ» .

٦ - في حديثٍ آخر عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام، أنّه قال:
«إِذا جَمَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الأَوَّلِينَ وَ الآخَرِينَ، قامَ مُنادٍ فَنادى‌ يُسْمِعُ النّاسَ ، فَيَقُولُ: أَينَ المُتَحابُّونَ في اللَّهِ، قالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنْ النّاسِ، فَيُقالُ لَهُم إِذْهَبُوا إِلَى الجَنَّةِ بِغَيرِ حِسابٍ، قَالَ: فَتَلَقَّاهُم المَلائِكَةُ فَيَقُولُونَ إِلى‌ أَينَ ؟ فَيَقُولُونَ إِلى‌ الجَنَّةِ بِغَيرِ حِسابٍ!، قَالَ: فَيَقُولُونَ فَأَيُّ ضَرْبٍ أَنْتُم مِنْ النّاسِ ؟، فَيَقُولُونَ نَحْنُ المُتَحابُونَ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَيَقُولُونَ وَ أَيُّ شَي‌ء كانَتْ أَعمالُكُم ؟، قَالُوا كُنّا نُحِبُّ في اللَّهِ وَ نُبْغِضُ فِي اللَّهِ، قَالَ فَيَقُولُونَ، نِعْمَ أَجرُ العامِلِينَ» .

و تعبير «نِعْمَ أَجرُ العامِلِينَ» يبيّن أنّ المحبّة لأولياء اللَّه والبغض لأعداء اللَّه هو أكبر مصدر للخير في واقع الإنسان والحياة والمانع عن الشر والانحراف في مسيرة التكامل الأخلاقي.

٧ - وَرد في حديثٍ عن الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله:
«إنَّ حَولَ العَرشِ مَنابِرٌ مِنْ نُورٍ، عَلَيها قَومٌ لِباسُهُم وَ وُجُوهُهُم نُورٌ، ليسُوا بِأَنْبِياءٍ يَغْبِطَهُمُ الأَنْبِياءُ وَ الشُّهَداءُ، قالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ حَلِّ لَنا، قَالَ: هُم المُتَحابُّونَ في اللَّهِ وَالمُتَجالِسُونَ فِي‌
اللَّهِ وَالمُتَزاوِرُونَ في اللَّهِ» .

٨ - و إكمالًا للحديث أعلاه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
«لَو أَنَّ عَبدَينِ تَحابا فِي اللَّهِ أَحَدُهُما بِالمِشْرِقِ وَالآخرُ بِالمَغْرِبِ لَجَمَعَ اللَّهُ بَينَهُما يَومَ القِيامَةِ وَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: أَفْضَلُ الأَعْمالِ الحِبُّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ» .

و يبيّن هذا الحديث، أنّ أوثق العُرى والأواصر في دائرة العلاقات الإجتماعيّة، هي آصرة الدّين التي تُحقّق التّوافق و الوئام بين الأفراد، وتدفعهم لِلمحبّة للَّه‌ وفي اللَّه، وهذه الحالة تؤثّر في النّفوس، من موقع التّزكية و التّهذيب.

٩ - نقرأ في الحديث القُدسي، قال اللَّه تعالى لموسى عليه السلام:
«هَلْ عَمِلْتَ لي عَمَالًا؟!، قالَ صَلَّيتُ لَكَ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ لَكَ، قَالَ اللَّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى‌، وَ أَمّا الصّلاةَ فَلَكَ بُرهانٌ، والصَّومَ جُنَّةٌ والصَّدَقَةُ ظِلُّ، والذِّكْرُ نُورٌ، فَأَيُّ عَمَلٍ عَمِلْتَ لِي ؟!، قَالَ مُوسى‌: دُلَّني عَلى‌ العَمَلِ الِّذي هُوَ لَكَ، قَالَ يا مُوسى‌ هَلْ وَالَيتَ لي وَلِيّاً وَ هَلْ عادَيتَ لِي عَدُوّاً قطُّ، فَعَلِمَ مُوسى‌ إِنَّ أَفْضَلَ الأَعمالِ، الحُبِّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ» .

١٠ - ونختم هذا البحث، بحديثٍ آخر عن الإمام الصّادق عليه السلام، (رغم وجود الكثير من الأحاديث الشّريفة في هذا الموضوع، أنّه قال:
«مَنْ أَحَبَّ للَّهِ وَأَبْغَضَ للَّهِ وَأَعْطىْ للَّهِ وَمَنَعَ للَّهِ فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَ إِيمانُهُ» .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Oct, 02:25


انت ولـد ولا بنت •؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

20 Oct, 12:48


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


و نُشير هنا إلى مجموعةٍ من الأحاديث الشّريفة، في هذا المجال، جمعت من كُتبٍ مُختلفةٍ:
١ - قال عليٌّ عليه السلام في خطبته القاصعة، و في وصفه للرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله:
«وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ مِنْ لَدُنْ أَنْ كانَ فَطِيماً أَعَظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طِرِيقَ الَمكارِمِ وَمَحاسِنَ أَخلاقِ العالَمِ، لَيلَهُ وَ نَهارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ إِتِّباعَ الفَصِيلِ أَثَرَ امِّهِ يَرْفَعُ لي في كُلِّ يِومٍ مِنْ أَخلاقِهِ عَلَماً وَ يَأَمُرُني بِالإِقتِداءِ بِهِ» .

و يبيّن هذا الحديث، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نفسهُ كان له من يرشده و يهديه، ولديه القدوة الحسنة على شكل ملكٍ من ملائكة اللَّه العِظام.
و كذلك الإمام علي عليه السلام، جعل من الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قدوةً له، فكان يتبعه في كلّ اموره وحركاته وسكناته، فيتعلم منه كلّ يوم أمراً جديداً، عِلماً مفيداً، و أخلاقاً نبيلةً.
فلّما كان كُلٌّ من الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و علي عليه السلام، يحتاجان إلى القُدوة الحسنة، في بداية المسير إلى اللَّه، فكيف بحال الباقين؟

٢ - الحديث المعروف: «بْنِيَ الإسلام ...»، الذي وَرد من طُرق متعدّدةٍ عن المَعصومين، و منها ما ورد عن زُرارة عن الباقر عليه السلام، أنّه قال:
«بُني الإِسلامُ عِلى‌ خَمْسَةِ: عَلَى الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ والحَجِّ وَالصِّومِ وَالولايَةِ»، قَالَ زُرارَةُ، فَقُلتُ: وَأَيُّ شَي‌ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟، فَقالَ: الوَلايَةُ أَفْضَلُ لَانّها مِفتاحُهُنَّ وَالوالي هُوَ الدَّلِيلُ عَليهِنَّ» .

و من هذا الحديث يُستفاد، أنّ الإقتِداء بالقُدوة الصّالحة، يعين الإنسان على إحياء سائر البرامج، الدينية و المسائل العباديّة الفردية و الإجتماعيّة، و هي إشادةٌ واضحةٌ بدور الولاية، في مسألة تهذيب النّفوس و تحصيل مكارم الأخلاق.

٣ - عن الإمام الصّادق عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لأصحابه:
«أيُّ عُرَى‌ الإِيمانِ أَوثَقُ؟، فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَ قَالَ بَعْضُهُم الصَّلاةِ، وَ قَالَ بَعْضُهُم الزَّكاةُ، وَقَالَ بَعْضُهُم الصِّيامُ، وَقَالَ بَعْضُهُم الحجُّ والعُمْرَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُم الجِهادُ.
فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: لَكُلِّ ما قُلْتُم فَضْلٌ وَلَيسَ بِهِ، وَلَكِنْ أَوثَقُ عُرَى‌ الإِيمانِ الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ وَتَوَلِّي أَولِياءِ اللَّهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ أَعداءِ اللَّهِ» .

و قد حرّك الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أذهان أصحابه بهذا السّؤال. و هكذا كانت سيرة الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، عندما كان يريد أن يطرح موضوعاً مهمّاً، فبعض منهم أبدى جهله، وبعض منهم قال الصّيام و ... ولكن في نفس الوقت، الذي أكّد رسول اللَّه على أهميّة تلك الامور في الإسلام، قال: «الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ».

و التّعبير بكلمة: «عُرى‌» جَمع «عُروة»، هي بمثابة حلقة الوصل لِلقرب من اللَّه تعالى، و إشارةٌ إلى أنّ السّلوك إلى اللَّه، لا يتمّ إلّا من خلال التمسّك بهذه العروة، و الصّعود بواسطتها إلى مراتب سامية من الكمال المعنوي، وليس ذلك إلّا لأنّ الحبّ في اللَّه و الإقتداء بأولياء اللَّه، عاملٌ مهمٌّ في تسهيل الحركة في جميع إتّجاهات الخير و الصّلاح.

و بإحياء هذا الأصل، سوف تنتعش بقيّة الاصول الدّينيّة، ولكن مع إهماله وترك العمل به، فإنّ سائر الاصول ستَضعف و تَموت .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

19 Oct, 13:41


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


النّتيجة:

يُستفاد ممّا ذكر آنفاً، من الآيات التي إستعرضت مسألة «التّولّي و التّبرّي»، أنّ مسألة الوُصول إلى مرتبة القُرب من الذّات المقدّسة، و تولّي أولياءه من عباده الصّالحين، و التّبرّي من الظّالمين و الغاوين، و في كلمةٍ واحدةٍ : «الحُبُّ في اللَّهِ وَالبُغْضُ في اللَّهِ»، تعدّ من أهمِّ المسائل و المفاهيم، في دائرة التّعليمات القُرآنية، ولها دورها الكبير و أثرها العميق، في مُجمل المسائل الأخلاقيّة، في حركة الإنسان المعنويّة.

و هذا الأساس القرآني و المفهوم الإسلامي، له دورُه المُباشر في جميع المَسائل الحياتيّة، إن على المستوى الفَردي أو الاجتماعي، الدنيوي أو الاخروي، لا سِيّما في المسائل الأخلاقيّة و السّلوك الأخلاقي لِلأفراد، في تعاملهم و تَفاعلهم مع الآخرين، في حركة الحَياة و الُمجتمع.

فهذه المفردة العقائديّة، في دائرة المفاهيم الإسلاميّة، بإمكانها أن تبني نفوس المؤمنين على إتّباع الصّالحين و الطّاهرين، و إتخاذهم اسوة حسنة، خُصوصاً الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام، في كلّ خطوةٍ يخطوها الإنسان المُؤمن في خطّ الإيمان، و بذلك تكون من العوامل المهمّة، للوصول إلى الهدف الحقيقي من وراء خلقة الإنسان، ألا وَ هِيَ تهذيب النّفوس و تربية الفَضائل الأخلاقية في واقع النّفس البشريّة.

التولّي و التبرّي في الرّوايات الإسلاميّة:

وَردت أحاديثٌ مستفيضةٌ في هذا الصّدد، سواء عن طريق أهلِ السُّنة أو الشّيعة، و طَرحت موضوع التبرّي والتولّي بقوّةٍ، و أكّدت عليه بصورةٍ شديدةٍ، قلّما نَجِدُ لها نظيراً، بالنّسبة إلى المواضيع الاخرى‌.

ولا شَكَّ أنّ هذه الأهميّة، نابعةٌ من المعطيات الإيجابيّة الكِثيرة، لِمسألة التّولي لأِولياء اللَّه، والبراءة من أَعداءِه تعالى، حيث توثّق عُرى‌ الإيمان و أواصِر المحبّة و الصّداقة، مع أولياء اللَّه تعالى، و تُعمّق حالةَ الإبتعاد و النّفور من الظّالمين الفاسقين، و تنعكس هذه النّتائج على إيمان الشّخص و أَخلاقه و تَقواه، من موقع القوّة و الصّفاء و الإمتداد في واقع الإنسان و محتواه الداخلي، و تحثّ هذه الأحاديث النّاس، على إختيار القُدوة الصّالحة في عمليّة السّير و السّلوك، في طريق اللَّه سبحانه وتعالى .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

16 Oct, 13:43


عظمة القرآن


عن النبي (صلى الله عليه وآله) :

من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار .


وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال :

حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنة يوم القيامة .


وعنه النبي (صلى الله عليه وآله) قال :

إذا قال المعلم للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم .


مصدرها : وسائل الشيعة ج ٦ - ص ١٦٩ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

16 Oct, 13:38


معنى الساعة في القرآن الكريم :


قال الله تعالى : ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ ، «الساعة» جزء من أجزاء الزمان أي اللحظة .

ويختلف المراد بها في القرآن الكريم حسب اختلاف موارد استعمالها ، فربّما يراد بها لحظة الموت ، أو لحظة انعدام هذا النظام الكوني ، أو لحظة قيام الناس وبعثهم . وفي الغالب يراد بها أحد الأخيرين .


الهادي في تفسير القرآن الكريم للسيد مرتضى المهري : ج١ ص ١٧٤ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Oct, 13:19


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

«الآية السّابعة»: فرّقت بين المؤمنين و الكافرين، على مستوى السّلوك في واقع الحياة، فالمؤمنون يتّخذون من صفات جَماله و جَلاله، اسوةً لهم في مسيرتهم المعنويّة و الأخلاقيّة، و الكافرون اسوتهم الطّاغوت، حيث تكون أعمالهم و صفاتهم إنعكاس لأِعمال وَ صفات الطّاغوت، فقالت: «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

فالخروج من الظّلمات إلى النّور، يعتبر نتيجةً و ثمرةً لِلإيمان باللَّه تعالى و ولايته، و الخروج من النّور إلى الظّلمات، هو من معطيات الطّاغوت و ولايته.
و النّور و الظّلمة هنا، لهما مفهومٌ واسعٌ جِدّاً، بحيث يستوعبان، جميع الفضائل و القبائح و الحسنات و السّيئات.

نَعم، فإنّ الشّخص الذي يعيش في أجواء المَلكوت، و في ظلّ ولاية «اللَّه»، فإنّه سيبدأ رِحلته و هِجرته، من الرّذائل إلى الفضائل و من القبائح إلى الجَمال الرّوحي، و من السّيئات إلى الحسنات، لأنّ صِفات جَماله و جَلاله، هي اسوته الحقّة في رحلته المعنويّة.
فذاته المُقدّسة، منزّهةٌ عن كلِّ عيبٍ و نقصٍ، و هو الرّؤوف الرّحيم، الجَواد الكَريم، و هكذا يتحرّك نحو التّحلي بالفضائل الأخلاقية الاخرى، لأنّ هدفه هو وِصال الَمحبوب و المَعبود.
و العَكس صحيحٌ، فإنّ الحركة من الفَضائل إلى الرّذائل هي من شأن عَبدَةِ الطّاغوت و الأَوثان، التي لا تنفع في شي‌ءٍ أبداً .

«الآية الثّامنة» : خاطبت المؤمنين من موقع النّصيحة، بإلتزام طريق التّقوى و صحبة المؤمنين، و قالت: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».

في الحقيقة أنّ الجملة الثّانية، في الآية الشّريفة: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»، هي إكمال لِلجملة الاولى: «اتَّقُوا اللَّهَ ...».

نعم، فإنّه يتوجب على السّالك لِطريق التّقوى و الزّهد و الطهّارة، أن يكون مع الصّادقين و تحت ظلّهم، و قد وَرد في الرّوايات من الطّرفين: السنّة و الشّيعة، و في الكُتب المُعتبرة، أنّ المِصداق الأكمل لهذه الآية، هو الإمام علي عليه السلام، أو أهلَ بيته عليهم السلام.

و هذه الرّوايات، موجودةٌ في كتبٍ، مثل: «الدّر المَنثور لِلسَيوطي» و «المَناقب لِلخَوارِزمي» و «دُرَر السّمطين لِلزرندي» و «شَواهد التّنزيل للحَسَكاني»، و غيرها من الكُتب الاخرى‌ .

و كِذلك أوردها: «الحافظ سُليمان القُندوزي» في‌ «يَنابيع المَودّة»، و «العلّامة الحمويني» في‌ «فَرائد السّمطين»، و «الشّيخ ابو الحَسن الكازروني» في‌ «شَرف النّبي» .

و قد وَرد في بعض الأحاديث، و بعد نزول الآية الآنفة الذّكر، أنّ سلمان الفارسي رحمه الله، سأل الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و قال له: هل أنّ هذه الآية عامّةٌ أو خاصّةٌ؟، فأجاب النّبي الأكرم صلى الله عليه و آله:
«أَمّا المَأمُورُونَ فَعامَّةُ المُؤمِنِينَ وَأَمَّا الصَّادِقُونَ فَخَاصَّةُ أَخِي عَلِيٌّ وَ أَوصِيائُهُ مِنْ بَعْدِهِ إِلى‌ يَومِ القِيامَةِ» .

و من الطّبيعي فإنّ إتّباع الإمام علي عليه السلام و أوصياءه، جاريةٌ و مستمرةٌ إلى يومِ القيامة، للإهتداء بِهَديِهِم، و الإقتداء بفعالهم و أخلاقهم في حركة الحياة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

12 Oct, 13:55


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

«الآية الرابعة» : نوهت إلى النّقطة المقابلة، ألا وَ هَي : البُغض في اللَّه تعالى في خطّ الحقّ، فتقول: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ».

فهذه الآية الشريفة، صرّحت و أرشدت، إلى الطريق التي يجب على المؤمن سلوكها، عند تقاطع الطّرق، و تضارب «العلاقة الإلهيّة» مع «العلاقات الاسريّة»، فلو أنّ الآباء و الإخوة و الأقرباء، تحرّكوا في خطّ الباطل و الإنحراف و الكُفر، فإنّ طريق اللَّه هي الجادّة الحقيقيّة، لِلإلتحاق بالرّكب الإلهي المقدس .

و ما ورد في هذه الآية، من قوله تعالى: «أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
ليس إلّا تأكيداً على المعنى المتقدم، و تشجيعاً لذلك الأمر المهم الحياتي، أي أنّ‌ «الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ»، نابعٌ من الإيمان، و طريق التّكامل الحقيقي في خطّ الإيمان، السّلوك المعنوي، و بعبارةٍ اخرى: إنّ هذين الأمرين، يؤثّر أحدهما في الآخر بصورةٍ مُتقابلةٍ، مع فارقٍ واحدٍ، و هو أنّه يجب الإبتداء في عمليّة السّلوك المعنوي، بالإيمان بالمبدأ و المعاد، و التّكامل المعنوي يكون، من حصّة: «الحُبُّ في اللَّهِ وَالبُغْضُ في اللَّهِ» .

«الآية السّادسة» : تطرّقت لأواصر المحبّة المعنويّة بين المؤمنين، و قالت: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
فهذا الرّباط المعنوي، يتّخذ من الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و إقام الصّلاة و إِيتاء الزّكاة، و طاعة اللَّه و رسوله، أساساً و دَعامةً في صياغة السّلوك، حيث يعين الفرد، على إستلهام الأخلاق الحَسنة و الأعمال النّافعة، من الآخرين، فيكون كلّ واحدٍ منهم اسوةً للآخر، و من أراد الإلتحاق بهذه الجماعة، عليه أن يكون مُشابهاً لها في دائرة الفكر و السّلوك، دون الجماعات المنحرفة الضّالة المضلّة، التي يجب عليه البَراءة منها و الإبتعاد عنها.

و في الحقيقة، فإنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الذي يُعدّ عاملًا مُساعداً و فَعّالًا، في عمليّة تهذيب وتربية النّفوس، يدعوهم إلى الإلتزام بالإنضباط الدّيني و الأخلاقي، من موقع النّصيحة و التّواصي بالحقّ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

10 Oct, 13:46


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


«الآية الثانية»: إستمراراً لبحثنا الآنف الذّكر، تتحدث عن إبراهيم عليه السلام و صحبه، فتقول :
«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ».
و فرّق هذه الآية عن الّتي قبلها، في أمرين:
الأوّل: إنّ هذه الآية أكّدت على مسألة: «الحُبُّ في اللَّهِ وَالبُغْضُ في اللَّهِ»، بأنّها من‌ علامات الإيمان باللَّه والمعاد.

الثاني: إنّ التّأكيد على هذا الأمر، لا ينبع من حاجة الباري إليه، بل هو من حاجة الإنسان إليه، في مساره التّكاملي و المعنوي إلى اللَّه تعالى، و لحِفظ سَلامة المجتمع البشري في حركة الواقع و الحياة .

«الآية الثّالثة»: ناظرةٌ إلى غَزوة الأحزاب، وهي في الحقيقةِ تشيرُ إلى مُلاحظةٍ مُهمّةٍ جِدّاً، ألا و هي : أنّ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و بالرّغم من الأزمات النّفسية و التّحديات الصّعبة في تلك الظّروف، و سوء ظنّ بعض المسلمين الجدد، بالوعد الإلهي بالنّصر في ميادين الوَغى‌، فإنّه بَقي صامِداً ينظّر لِلحرب، و يستخدم أفضل التّكتيكات العسكريّة، إنتظاراً لِلّحظة الحاسمة، و كان ينتظر الفُرصة للإنقضاض على عدوّة، فكان يَمزح مع أصحابه ليقوّي من معنوياتهم، و أخذ المِعوَل بنفسه لِيحفُر الخَندق بيده، و يُشجع أصحابه ويذكّرهم باللَّه تعالى وثوابه، ويبشّرهم بالفتوحات المُقبلة العَظيمة.
و هذا الأمر تَسبّب في تماسك المسلمين، و مقاومتهم أمامَ عدوّهم، و جيشه الجرّار المتفوق عليهم بالعدّة و العَدَد، بالتّالي الإنتصار عليهم، فقال تعالى‌:
«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً».

فالرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، لا يُتأَسّى‌ به فقط في ميادين الجِهاد الأصغر، بل وكذلك في ميادين الجِهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النّفس و التّصدي لِلأهواء المُضلّة، من موقع المحاربة، فَمن يتّخذِه اسوةً حسنةً في هذا المضمار، فإنّه سيصل من أقرب الطّرق و أسرعها، إلى غايته و هدفِه المَنشود.

و الجدير بالذّكر، أنّ هذه الآية، علاوةً على ذكرها لِمسألة الإيمان باللَّه و اليوم الآخر: «لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ...»، أكّدت على ذِكر اللَّه تعالى بجملة: «وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً». فهم يقتدون بقائدهم الربّاني و يستلهمون منه الإيمان، و ذِكر اللَّه كثيراً حيث يحرك فيهم الذّكرُ الكثيرِ، عنصر الإهتمام للمسؤوليات التي القيت على عاتقهم، وَ مَنْ أَفضل من الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، لِيكون لهم اسوةً و قدوةً، في خطّ الإلتزام الدّيني و الأخلاقي و الإنفتاح على اللَّه ؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Oct, 13:31


 
٣ - هناك تفسير ثالث للآيتين ورد فيما أثر عن أهل البيت(عليهم السلام)، وهو أنّ المقصود من عبارة السّيئات جزاء الأعمال السيئة وعقوبة المعاصي التي ينزلها الله بالعاصين، ولما كانت العقوبة هي نتيجة لأفعال العاصين من العباد، لذلك تنسب أحياناً إِلى العباد أنفسهم وأحياناً أُخرى إِلى الله، وكلا النسبتين صحيحتان، إذ يمكن القول في قضية إِنّ القاضي هو الذي قطع يد السارق، كما يجوز أن يقال إِنّ السارق هو السبب في قطع يده لارتكابه السرقة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Oct, 13:31


س : قال الله تعالى : (( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْـمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا )) النساء ٧٨ .

وقال الله تعالى : (( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا )) النساء ٧٩ .


جاء في الآية الأولى ان الحسنة والسيئة من الله تعالى وفي الآية الثانية ان الحسنة من الله تعالى والسيئة من النفس فهل يوجد تعارض ؟


ج : والآية - هذه - تحمل في آخرها تقريعاً وتأنيباً للمنافقين الذين لا يتفكرون ولا يمعنون في حقائق الحياة المختلفة، حيث تقول: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) .
 
وبعد هذا - في الآية التالية - يصرّح القرآن بأنّ كل ما يصيب الإِنسان من خيرات وفوائد وكل ما يواجهه الكائن البشري من سرور وإنتصار هو من عند الله، وإِن ما يحصل للإِنسان من سوء وضرر وهزيمة أو خسارة فهو بسبب الإِنسان نفسه تقول الآية: (ما أصابك من حسنة فمن عند الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك...) وتردّ الآية في آخرها على أُولئك الذين كانوا يرون وجود النّبي (صلى الله عليه وآله) سبباً لوقوع الحوادث المؤسفة فيما بينهم فتقول: (وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى بالله شهيداً) .
 
جواب على سؤال مهم :

السّؤال المهم الذي يتبادر إِلى الذهن حين قراءة هاتين الآيتين الأخيرتين هو : لماذا نسب الخير والشر في الآية الأُولى كلّه لله ؟ ولماذا حصرت الآية التالية الخير - وحده - لله، ونسبت الشرّ إِلى الإِنسان ؟
 
حين نمعن النظر في الآيتين تواجهنا عدّة أُمور، يمكن لكل منها أن يكون هو الجواب على هذا السؤال .
 
١ - لو أجرينا تحلي على عناصر تكوين الشر لرأينا أنّ لها اتجاهين : أحدهما إِيجابي والآخر سلبي، والإِتجاه الأخير هو الذي يجسد شكل الشر أو السيئة ويبرزه على صورة "خسارة نسبية" فالإِنسان الذي يقدم على قتل نظيره بسلاح ناري أو سلاح بارد يكون قد ارتكب بالطبع عملا شريراً وسيئاً، فما هي إِذن عوامل حدوث هذا العمل الشرير ؟
إِنّها تتكون من :
أوّلا : قدرة الإِنسان وعقله وقدرة السلاح والقدرة على الرمي والتهديف الصحيحين واختيار المكان والزمان المناسبين، وهذه تشكل عناصر الإِتجاه الإِيجابي للقضية، لأنّ كل عنصر منها يستطيع في حدّ ذاته أن يستخدم كعامل لفعل حسن إِذا استغل الإِستغلال الحكيم كان يستخدم السلاح لدرء خطر حيوان مفترس أو للتصدي لقاتل ومجرم خطير، أمّا الإِتجاه السلبي فهو في استغلال كل من هذه العناصر في غير محله، كأن يُستخدم في قتل إِنسان بريء، فيجسد بذلك فعل الشر، وإِلاّ فإِنّ قدرة الإِنسان وعقله وقدرته على الرمي والتهديف، وأصل السلاح وكل هذه العناصر، يمكن أن يستفاد منها في مجال الخير.
 
وحين تنسب الآية الأُولى الخير والشرّ كلّه لله، فإِن ذلك معناه أنّ مصادر القوّة جميعها بيد الله العليم القدير حتى تلك القوّة التي يساء استخدامها، ومن هذا المنطلق تنسب الخير والشرّ لله، لأنّه هو واهب القوى.
 
والآية الثّانية: تنسب "السيئات" إِلى الناس إنطلاقاً من مفهوم "الجوانب السلبية" للقضية ومن الإِساءة في استخدام المواهب الإِلهية .
 
تماماً مثل والد وهب ابنه مالا ليبني به داراً جديدة، لكن هذا الولد بدل من أن يستخدم هذا المال في بناء البيت المطلوب، اشترى مخدرات ضارة أو صرفه في مجالات الفساد والفحشاء، لا شك أنّ الوالد هو مصدر هذا المال، لكن أحداً لا ينسب تصرف الابن لوالده، لأنه أعطاه للولد لغرض خيري حسن، لكن الولد أساء استغلال المال، فهو فاعل الشرّ، وليس لوالده دخل في فعلته هذه .
 
٢ - ويمكن القول - أيضاً - بأنّ الآية الكريمة إِنّما تشير إِلى موضوع "الأمر بين الأمرين".
 
وهذه قضية بحثت في مسألة الجبر والتفويض، وخلاصة القول فيها أنّ جميع وقائع العالم خيراً كانت أم شرّاً - هي من جانب واحد تتصل بالله سبحانه القدير لأنّه هو الذي وهب الإِنسان القدرة والقوّة وحرية الإِنتخاب والإِختيار، وعلى هذا الأساس فإِنّ كل ما يختاره الإِنسان ويفعله بإِرادته وحريته لا يخرج عن إِرادة الله، لكن هذا الفعل ينسب للإِنسان لأنّه صادر عن وجوده، وإِرادته هي التي تحدد اتجاه الفعل.
 
ومن هنا فإِنّنا مسؤولون عن أعمالنا، واستناد أعمالنا إِلى الله - بالشكل الذي أوضحناه - لا يسلب عنّا المسؤولية ولا يؤدي إِلى الإِعتقاد بالجبر.
 
وعلى هذا الأساس حين تنسب "الحسنات" و"السيئات" إِلى الله سبحانه ، ففاعلية الله في كل شيء، وحين تنسب السيئة إِلى الإِنسان فلإِرادته وحريته في الإِختيار .
 
وحصيلة هذا البحث إِنّ الآيتين معاً تثبتان قضية الأمر "الأمر بين الأمرين" (تأمل بدقّة)!

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

06 Oct, 13:30


قال الله تعالى : يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) آل عمران .


هذه الآية تكملة لكلام الملائكة مع مريم. فبعد أن بشرها بأن الله قد اصطفاها، قالوا لها: الآن اشكري الله بالركوع والسجود والخضوع له اعترافا بهذه النعمة العظمى.

نلاحظ هنا أن الملائكة يصدرون إلى مريم ثلاثة أوامر:
الأول: القنوت أمام الله. والكلمة تعني الخضوع ودوام الطاعة.

الثاني: السجود، الذي هو أيضا دليل الخضوع الكامل أمام الله.
والثالث: الركوع، وهو أيضا خضوع وتواضع.

أما القول : واركعي مع الراكعين فقد يكون إشارة إلى صلاة الجماعة، أو طلب التحاقها بجموع المصلين الراكعين أمام الله. أي اركعي مع عباد الله المخلصين الذين يركعون لله.
في هذه الآية، الإشارة إلى السجود تسبق الإشارة إلى الركوع، وليس معنى هذا أن سجودهم قبل ركوعهم في صلاتهم، بل المقصود هو أداء العبادتين دون أن يكون القصد ذكر ترتيبهما، كما لو كنا نطلب من أحدهم أن يصلي، وأن يتوضأ، وأن يتطهر، إذ يكون قصدنا أن يقوم بكل هذه الأمور. إن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب. ثم إن الركوع والسجود أصلا بمعنى التواضع والخضوع، وما حركتا الركوع والسجود المألوفان سوى بعض مصاديق ذلك .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

05 Oct, 13:23


ثمّ تستمر الآيات، «و بالذّات في الآية الرابعة»، على حثّ المسلمين على الإقتداء بإبراهيم‌
النبي عليه السلام، و أصحابه المخلصين، و أنّهم اسوةٌ حسنةٌ للمؤمنين، الذين يتحرّكون من موقع الرسالة: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ».

الاسوة «على وزن لُقمة»، تحمل مَعْناً مصدرياً، بمعنى التّأسي والإتّباع للآخرين، و بمعنى آخر هو الإقتداء بالآخرين.
و من البديهي أنّ هذا الأمر، يمكن أن يكون على مُستوى الفضيلة أو الرّذيلة، و لذلك فإنّ الآية الشّريفة، عبّرت عن إبراهيم عليه السلام بأنّه قدوةٌ حسنةٌ، لأنّه قطع كلّ أواصر المحبة و وشائج الموّدة، التي كانت بينه و بين قومه، في سبيل عقيدته وتوحيده للَّه‌تعالى.
يقول «الرّاغب» في «مفرداته»، إنّ كلمة «الأسى» على وَزن (عَصا)، وهي بمعنى الغمّ و الألم، فكلمة اسوةٌ أخذت من هذه المادة، و يقال لِلمصاب بمصيبةٍ: «لكَ بِفلانٍ اسوةٌ».
ولكنّ بعض أرباب اللّغة، مثل: إبن فارس في «المقاييس»، فصّل بين المعنيين، فقال: «أنّ الأوّل ناقصٌ (واوي)، و الثّاني ناقصٌ (يائي)»، و على كلّ حالٍ فإنّ القرآن المجيد، حثّ المسلمين على مسألة: «الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ»، و جعل لهم إبراهيم عليه السلام قدوةً، لأنّ إختيار القدوة الصّالحة لحركة الإنسان، في خطّ التّقوى و الإيمان، له دورٌ عميقٌ في طهارة روح الإنسان، و أفكاره و سلوكياته.
و هذا هو ما يؤكّد عليه علماء و الأخلاق، في عمليّة السّير و السّلوك إلى اللَّه، فإنّ إختيار القدوة يُعدّ أهمَّ خطوةٍ لحركة الإنسان في طريق الرّقي .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

05 Oct, 13:23


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

الآيات:

١ - «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» .

٢ - «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَ‌
اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ» .

٣ - «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» .

٤ - « لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» .

٥ - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» .

٦ - «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .

٧ - «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» .

٨ - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» .

تفسير و إستنتاج:

يتّضح من آيات سورة المُمتحنة، أنّ بعض المؤمنين السّذج، وخلافاً لأوامر الشّريعة و
تعليمات الإسلام، كانوا على علاقةٍ سريّةٍ بالأعداء.
و قد جاء في شأن النّزول للآيات الاولى من هذه السّورة الشّريفة، و قبل فتحِ مكّة المشرّفة أنّه كتب أحد الأشخاص، إسمه‌ «حاطِب بن أبي بلتعة»، لكفّار قريش رسالةً سلّمها بيد إمرأةٍ، إسمها «سارة»، حذّرهم فيها، من أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، يعدّ العدّة لفتح مكّة، فعليهم أنّ يستعدّوا لِلقتال، فإنّ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، قادم.
حدثِ هذا الأمر، و الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، يتهيأ و يعدّ العدّة، و هو يسعى حثيثاً لِئَلّا يصل هذا الخبر إلى المشركين، حرصاً منه على أن لا تُراق في ذلك دماءٌ كثيرةُ، و أن يتمّ الفتح بدون مقاومة، فأخذت هذه المرأة الرّسالة، و أخفتها في جَدائلها، و تحرّكت مسرعةً نحو مكّة.
فأخبر الأمين جبرائيل عليه السلام، الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله بالخبر، فأرسل على أثرها الإمام علي صلى الله عليه و آله، و قال لها: أخرجي ما عندك، فأنكرت في البداية، ولكنّها إستسلمت أخيراً تحت واقع التّهديد بالقتل، و سلّمت الرّسالة لِعلي عليه السلام، و هو بدوره سلّمها لِلرسول الكريم صلى الله عليه و آله.
فأمر صلى الله عليه و آله بإحضار حاطِب و وبّخه كثيراً، فإعتذر حاطب عن فعلته بأعذارٍ واهيةٍ، لكنّ الرسول صلى الله عليه و آله قبلها صوريّاً، فما ورد في الآيات الاولى، من السّورة هو تحذيرٌ للمسلمين، لإجتناب مثل هذه الأعمال، و بيان واحدٍ من الاصول والمبادي‌ء الإسلاميّة المهمّة، على مستوى التّبري من الأعداء وموالاة الأولياء، أو كما قِيل: «الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ».

و في بداية السّورة، تحرّكت الآية الكريمة لتخاطب جميع المؤمنين، من موقع التّحذير، من إقامة العلاقة الودّية والعاطفيّة مع الأعداء، و قالت:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ».
و نعلم أنّه عندما تتقاطع أواصر «المحبّة و الصّداقة» مع أواصر « «العَقائد و القِيم»، فالنّصر سيكون حليف أواصر المحبّة و الصّداقة، على حساب إهتزاز العقيدة، و بذلك ينحدر الإنسان في خطّ البّاطل، فما نراه من التّأكيد على: «الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ في اللَّهِ»، أو تولّي الأولياء و التّبري من الأعداء، نابعٌ من هذا الأساس .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

03 Oct, 12:50


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

١٣ - القُدوات في خطّ الإستقامة

إشارة:

كلّ إنسانٍ يسعى للسّير قُدُماً، تبعاً للُاسوة التي يتأسّى بها، ليواكب معها ويعيش في رحابها، و في آفاقها الواسعةٌ ولتنعكس صفاتها في نفسه وذاته.

و بعبارةٍ اخرى، فإنّه يوجد في قلب كلّ إنسان، مكانٌ فارغٌ لا يشغله إلّا الأبطال و القُدوات و المُثل، و لهذا السّبب فإنّ الامم البشريّةً تفتخر بأبطالها الحقيقييّن أو تخترع لنفسها أبطالًا من افق خيالها، بحيث تُشكل قسماً من ثقافة الامم و الشّعوب، و أنساقاً تحتيّةً تبني عليها تأريخها، فتفتخر ببطولاتهم وتشيد بهم في معطياتهم، و تسعى دائماً لِلاقتداء بهم في صفاتهم وبطولاتهم .

علاوةً على أنّ (المحاكاة)، هي أصلٌ مُسَلّم به، من الاصول النّفسية في واقع الإنسان و حركته في الحياة، وطبقاً لهذا الأصل و الأساس، فإنّ الإنسان يسعى ليصبغ نفسه بصِبغة الآخرين، و يحاكيهم على مستوى الممارسة و السّلوك، (خُصوصاً) الأبطال، و ينجذب لأعمالهم وصفاتهم التي تمثل قيماً مطلقة في وعيه وثقافته.

و هذا التّأثير و التّأثر و الجذب و الإنجذاب، بالنّسبة إلى الأفراد الذين يؤمنون بالقُدوة والرّمز أقوى وأَشد.
و بناء على ذلك، نجد في الإسلام أصلين مهمّين، في دائرة المفاهيم الدينيّة، باسم «التّولّي» و «التبرّي».
أو بعبارةٍ اخرى: «الحبُّ في اللَّه» و «البغض في اللَّه»، وكلٌّ منهما، يحكي لنا عن حقيقةٍ مهمّةٍ في واقع الإنسان، و تَماشياً مع هذا الأصل المهمّ في دائرة المعتقد، فإنّه يتوجب على الإنسان المسلم، أن يُحبّ من يحبّه اللَّه، و يكره من يُبغضه اللَّه تعالى، و أن يتّخذ من الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة المعصومين عليه السلام، اسوةٌ له في حركته المنفتحة على اللَّه و الحقِّ.

و هذا الأمر بدرجةٍ من الأهمية، بحيث ورد في القرآن الكريم، أنّه من علامات الإيمان، و في الرّوايات الشّريفة عرّف بأنّه: «أَوثَقْ عُرى‌ الإِيمانِ» و أنّ حركة الإنسان في خطّ الإيمان، لا تكون مثمرةً بدون: «التّولّي» و «التّبرّي»، و معه سوف تقبل منه سائر العبادات و الطّاعات.

و هذين الأمرين، يعني التولّي والتبرّي، أو الحب في اللَّه و البُغض في اللَّه، هُما من أهمِّ الخُطى‌ المؤثّرة، على مُستوى تهذيب النّفوس و القلوب، و السّير إلى اللَّه تعالى في خطّ الإستقامة.

و على هذا الأساس، نرى أنّ كثيراً من علماء الأخلاق، و أرباب السّير و السّلوك، يؤكّدون على ضرورة اتخاذ الاستاذ و المُرشد في خطّ التّربية و التّهذيب، و سنتناوله في المستقبل إن شاء اللَّه تعالى، بصورةٍ وافيةٍ.
و الآن نعرج على الآيات القرآنية، لنستوحي منها ما يتعلق بمسألة التولّي و التبّري، و دورهما في صِياغة السّلوك الدّيني للإنسان :

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

30 Sep, 13:41


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

المرحلة الثّالثة: الذّكر القلبي، و قالوا في تفسيره، إنّه الإحساس الوجداني بحضور اللَّه تعالى، في أجواء القلب، ثم جريان ذكر اللَّه على اللّسان، فعندما يرى عجائب خلقته، و دقائق صنعته، من أرضٍ و سماءٍ و مخلوقاتٍ، و ما بثّ فيها من دابّةٍ، سيقول: «العَظَمَةُ للَّهِ الوَاحِدِ القهَّارِ».
فهذا الذّكر نابعٌ من القلب، و ينبى‌ءُ عن حالةٍ باطنيّةٍ في داخل الإنسان.

و مرّةَ يشهد الإنسان في نفسه، نوعاً من الحُضور المعنوي للَّه‌ تعالى، من دون واسطةٍ، فيترنّم بأذكارٍ، مثل‌ «يا سُبُّوحُ وَيا قُدُّسُ» أو «سُبحانَكَ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ».

و هذا الأذكار القلبيّة، لها دورها الفاعل في تهذيب النّفوس وتربية الفضائل الأخلاقيّة، كما عاشت الملائكة هذا النوع من الذّكر، عندما شاهدوا آدم عليه السلام، وسِعة علمه و إطلّاعه على الأسماء الإلهيّة، فقالوا: «سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» .

و أشار القرآن الكريم، إلى مراحلٍ من الذّكر، فقال: «وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» .
و في مكانٍ آخر، يقول: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ» .

ففي الآية الاولى، نجد تقريراً على مستوى التّوجه لِلذكر اللّفظي العميق، ثم التّبتل و الإنقطاع إلى اللَّه تعالى، أَيْ: التّحرك من موقع الإبتعاد عن الناس، و الإتصال باللَّه تعالى في خطّ العبادة و الذّكر.

و الآية الثّانية: تتحدث عن الذّكر القلبي، الذي يؤدّي إلى أن يعيش الإنسان، حالة التّضرع و الخوف من الباري تعالى، في أجواء الذكر الخفي، فتتحرك عمليّة الذّكر بشكلٍ بطي‌ءٍ من الباطن و تجري على اللّسان.

٣ - موانع الذّكر

لا توجد موانع تقف في طريق الذّكر اللّفظي، فيمكن لِلإنسان أن يذكر أسماء و صفات اللَّه الجماليّة و الجلاليّة، و يجريها على لِسانه في أيِّ وقتٍ شاء، إلّا أن يكون الإنسان مُنشغلًا وغارقاً في الدّنيا، لدرجةٍ لا يبقى‌ وقتٌ لِلذكر اللّفظي.

أمّا الذّكر القلبي و المعنوي، فتقف دونه موانعٌ و سدودٌ كثيرةٌ، أهمّها ما يَكمُنْ في واقع الإنسان نفسه، فبالرّغم من أنّ اللَّه تبارك و تعالى، مع الإنسان في كلِّ مكانٍ و زمانٍ، و أقرب إلينا من كلّ شي‌ءٍ: «وَنَحْنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ» .
أو كما ورد في الحديث العلوي المشهور: «ما رأَيتُ شَيئاً إلّا وَرَأيتُ اللَّهَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ وَ مَعَهُ».
ولكن مع ذلك، فإنّ كثيراً من أعمال الإنسان و صفاته الشّيطانيّة، تضع الحُجب على عينه، فلا يُحسّ بوجود اللَّه تعالى أبداً، من موقع الحضور و الشّهود القلبي، و كما يقول الإمام السّجاد عليه السلام، في دعاء أبي حمزة الثمالي: «وإنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلّا أَن تَحجُبَهُم الأَعمالُ دُونَكَ»، و أهم تلك الحُجب، هي «الأنانيّة» التي تذهل الإنسان عن ذكر ربه.
فالأناني لا يعيش مع اللَّه تعالى من موقع الوُضوح في الرّؤية، لأنّ الأنانيّة من أنواع الشّرك التي لا تتناسب مع حقيقة التّوحيد!.
و نقرأ في حديثٍ عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: «كُلُّ ما أَلهى مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ إِبلِيسَ» .
و في حديث آخر عن عليِّ عليه السلام أنّه قال: «كُلُّ ما أَلهى‌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ المَيسرِ» .

ونعلم أن المَيسر، جُعِل في القرآن الكريم، رديفاً لعبادة الأوثان‌ .

و نختم هذا الكلام عن موقع الذّكر، بحديثٍ عن الرّسول الأكرم، و قد جاء في معرض تفسيره للآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ» .
قال صلى الله عليه و آله: «هُم عِبادٌ مِنْ امَّتي، الصَّالِحُونَ مِنْهُم لا تُلهِيهِم تِجارَةٌ ولا بَيعْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عنِ الصَّلاةِ المَفرُوضَة الخَمْسِ» .

نعم فإنّهم في كلّ حركاتهم و سكناتهم، يبتغون وجه اللَّه تعالى، ولا غير .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

27 Sep, 11:14


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


و نُكمِّل بحثنا بثلاثِ نقاطٍ، و ملاحظاتٍ، لا تخلو من فائدة:

١ - ما هي حقيقة الذِّكر

يقول «الرّاغب» في كتاب «المُفردات»: إنّ الذِّكر له مَعنيان، فمرّةً حضور الشّي‌ء في الذّهن، و مرّةً بمعنى حفظِ المَعارف و الإعتقادات الحقّة في باطن الرّوح.
و قال الأعاظم من علماء الأخلاق: إنّ «ذكرَ اللَّه تعالى»، ليس هو لِقَلقَةِ لِسانٍ، أو مجرّد التّسبيح و التّحميد و التّهليل و التّكبير، في دائرة الألفاظ والكلمات، بل هو التّوجه الحقيقي للَّهِ تعالى، و الإذعان لِقُدرته و الإحساس بوجوده أينَما كُنّا.

و لا شكّ أنّ مِثلَ هذا الذّكر هو المطلوب، وهو الغاية القصوى و الدّافع للإتجاه نحو الحسنات، و الإعراض عن السّيئات و القَبائح .

و لذلك نقرأ عن الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله في حديثٍ في هذا المضمار:
«وَلَيْسَ هُوَ سُبحانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ للَّهِ وَلا إِلهَ إِلّا اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبرُ، وَلَكِنْ إِذا وَرَدَ عَلى‌ ما يَحْرُمُ عَلَيهِ، خافَ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ» .

و نقل ما يقرب لهذا المعنى في حديث عن الإمامين: الصّادق و الباقر عليهما السلام‌ [2].
و نقل حديث آخر عن علي عليه السلام، أنّه قال: «الذِّكْرُ ذِكْرانِ: ذِكْرٌ عِنْدَ المُصِيبَةِ، حَسَنْ جَمِيلٌ وَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حاجِزاً» .

و نستنتج من ذلك، أنّ الذّكر الحقيقي، هو الذّكر الذي يترك أثره الإيجابي في أعماق روح الإنسان، و يفعّل إتجاهاته الفكريّة و العمليّة في خطّ التّقوى و الإلتزام الدّيني، و يربّي في النّفس و الرّوح، عناصر الخير و الصّلاح، و يدعو الإنسان إلى اللَّه العزيز الحكيم.

و من يذكر اللَّه تعالى على مستوى اللّسان، و يتبع الشّيطان على مستوى المُمارسة و العمل، فهو ليس بِذاكِرٍ حقيقي، و لا يذكر اللَّه من موقع الإخلاص، بل هو كما قال الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام: «مَنْ الذِّكْرِ ولَمْ يَسْتَبِقْ إِلى‌ لِقائِهِ فَقَدْ إسْتَهزَءَ بِنَفْسِهِ» .

٢ - مراتب الذّكر

ذكر علماء الأخلاق، أن ذّكر اللَّه تعالى، على مراتب و مراحل:
المرحلة الاولى : الذِّكر اللّفظي، حيث يجري فيها الإنسان أسماء اللَّه الحُسنى، و صفات جَماله و جَلاله، على لسانه، من دون التّوجه إلى معانيها و مُحتواها، كما يفعل كثيرٌ من المصلّين السّاهين في صلاتهم، وهو نوع من الذّكر، و له تأثيره المحدود على آفاق النّفس و الفِكر! ولكن لماذا ؟.
لأنّه أولًا : يعتبر مقدمةً لِلمراحل التّالية .
و ثانياً : أنّه لا يخلو من التّوجه الإجمالي نحو اللَّه تعالى، لأنّ المصلي و على أيّةِ حالٍ، يعلم أنّه يصلّي و هو واقفٌ بين يَدَيِّ اللَّه تعالى، ولكنّه لا يتوجه لما يقول بصورةٍ تَفصيليَّةٍ، ولكن مع ذلك فهذا النّوع من الذّكر، لا يؤثّر في حياة الإنسان، على مستوى تهذيب النّفس و تربية الأخلاق .

المرحلة الثانية : الذّكر المعنوي، وهو أن يلتفت الإنسان لمعاني الأذكار التي تجري على لسانه، و من البديهي أنّ التّوجه لمعاني الأذكار، و خصوصيّة كلّ واحدةٍ منها، سيعمّق الإمتداد المعنوي لمضامين الذّكر في واقع الإنسان، و بالإستمرار و المداومة سيحسّ الذّاكر، بمعطيات هذا الذّكر في نفسه و روحِهِ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

25 Sep, 18:30


قال الله تعالى : (( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )) الفتح ٢٥ .

آية تتعلق بمسألة صلح الحديبية وحكمتها إذ تقول الآية : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله .

كان أحد ذنوبهم كفرهم، والذنب الآخر صدهم إياكم عن العمرة زيارة بيت الله ولم يجيزوا أن تنحروا الهدي في محله، أي مكة (الهدي في العمرة ينحر [أو يذبح] في مكة وفي الحج بمنى) على حين ينبغي أن يكون بيت الله للجميع وصد المؤمنين عنه من أعظم الكبائر، كما يصرح القرآن بذلك في مكان آخر من سورة:
ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .

ومثل هذه الذنوب يستوجب أن يسلطكم الله عليهم لتعاقبوهم بشدة! لكن الله تعالى لم يفعل ذلك فلماذا؟! ذيل الآية يبين السبب بوضوح إذ يقول: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم .
وهذه الآية تشير إلى طائفة (من الرجال والنساء) المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام في مكة ولم يهاجروا إلى المدينة لأسباب خاصة.
فلو قاتل المسلمون أهل مكة لأوقعوا أرواح هؤلاء المستضعفين في خطر ولامتدت ألسنة المشركين بالقول: إن جنود الإسلام لم يرحموا لا أعداءهم ومخالفيهم ولا أتباعهم ومؤالفيهم، وهذا عيب وعار كبير!
وقال بعضهم أيضا، إن المراد من هذا العيب لزوم الكفارة ودية قتل الخطأ، لكن المعنى الأول أكثر مناسبة ظاهرا.

" المعرة " من مادة " عر " على زنة " شر " والعر على زنة الحر في الأصل معناه مرض الجرب وهو من الأمراض الجلدية التي تصيب الحيوانات أو الإنسان أحيانا ثم توسعوا في المعنى فأطلقوا هذا اللفظ على كل ضرر يصيب الإنسان.
ولإكمال الموضوع تضيف الآية: ليدخل الله في رحمته من يشاء.
أجل، كان الله يريد للمستضعفين المؤمنين من أهل مكة أن تشملهم الرحمة ولا تنالهم أية صدمة..
كما يرد هذا الاحتمال أيضا وهو أن أحد أهداف صلح الحديبية أن من المشركين من فيه قابلية الهداية فيهتدي ببركة هذا الصلح ويدخل في رحمة الله.
والتعبير ب‍ " من يشاء " يراد منه الذين فيهم اللياقة والجدارة، لأن مشيئة الله تنبع من حكمته دائما، والحكيم لا يشاء إلا بدليل ولا يعمل عملا دون دقة وحساب..
ولمزيد التأكيد تضيف الآية الكريمة: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما أي لو افترقت وانفصلت صفوف المؤمنين والكفار في مكة ولم يكن هناك خطر على المؤمنين لعذبنا الكفار بأيديكم عذابا أليما.
صحيح أن الله قادر على أن يفصل هذه الجماعة عن الآخرين عن طريق الإعجاز، ولكن سنة الله - في ما عدا الموارد الاستثنائية - أن تكون الأمور وفقا للأسباب العادية.
جملة " تزيلوا " من مادة زوال، وهنا معناها الانفصال والتفرق.
ويستفاد من روايات متعددة منقولة عن طرق الشيعة والسنة حول ذيل هذه الآية أن المراد منها أفراد مؤمنون كانوا في أصلاب الكافرين والله سبحانه لأجل هؤلاء لم يعذب الكافرين..
ومن جملة هذه الروايات نقرأ في الرواية أنه سأل رجل الإمام الصادق (عليه السلام): ألم يكن علي (عليه السلام) قويا في دين الله؟ قال (عليه السلام): بلى. فقال: فعلام إذ سلط على قوم (في الجمل) لم يفتك بهم فما كان منعه من ذلك؟!
فقال الإمام: آية في القرآن!
فقال الرجل: وأية آية؟!
فقال الصادق (عليه السلام) قوله تعالى: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما..
ثم أضاف (عليه السلام): أنه كان لله عز وجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن علي ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع.. وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع الله عز وجل .
أي أن الله سبحانه يعلم أن جماعة سيولدون منهم في ما بعد وسيؤمنون عن اختيارهم وإرادتهم ولأجلهم لم يعذب الله آباءهم وقد أورد هذا القرطبي في تفسيره بعبارة أخرى.
ولا يمنع أن تكون الآية مشيرة إلى المؤمنين المختلطين بالكفار في مكة وإلى المؤمنين الذين هم في أصلاب الكافرين وسيولدون في ما بعد!

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

24 Sep, 14:00


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

علاقة ذِكر اللَّه، بِتهذيب النّفوس في الأحاديث الإسلاميّة:

إنّ إستعراض الكلام، عن أهميّة ذِكر اللَّه في الأحاديث الإسلاميّة، لا يتّسع له هذا الُمختصر، و ما نَبتغيه في هذا المجال، هو أنّ ذكرَ اللَّه، يعدّ من العوامِلَ المهمّة في تهذيب النّفوس و تشذيب الأخلاق و بناء الرّوح، و قد أغنتنا الرّوايات في هذا المجال، و ما وَرد عن المعصومين الأربعة عشر، إلى ما شاء اللَّه، ولكنّنا نختار منها ما يلي:

١ - نقرأ في حديثٍ عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «مَن عَمَّرَ قَلْبَهُ بِدَوامِ الذِّكرِ حَسُنَتْ أَفْعالُهُ في السِّرِّ وَالجَهْرِ» .

فقد بيّن الحديث الشّريف، هذه العلاقة و الرّابطة بوضوحٍ تامٍّ.

٢ - نقرأ في حديثٍ آخر عن الإمام عليه السلام نفسه، حيث قال: «مُداومَةُ الذِّكرِ قُوتُ الأَرواحِ وَ مِفْتاحُ الصَّلاحِ» .

٣ - و عنه عليه السلام أيضاً، قال: «أصلُ صلاحِ القَلبِ إِشتِغالُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ» .

٤ - و أيضاً في حديث آخر عنه عليه السلام، قال: «ذِكرُ اللَّه دَواءُ أَعلالِ النُّفُوسِ» .

٥ - و عنه عليه السلام، قال: «ذِكرُ اللَّهِ رَأسُ مالِ مُؤمِنٍ، وَرِبْحُهُ السَّلامَةُ مِنَ الشَّيطانِ» .

٦ - و أيضاً عن هذا الإمام الهمام عليه السلام، أنّه قال: «الذِّكْرُ جَلاءُ البَصائِرِ وَنُورُ السَّرائِرِ» .

٧ - و أيضاً عن إمام المتقين عليه السلام، قال: «مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ سُبحانَهُ أَحيَى‌ قَلبَهُ وَنَوَّرَ عَقْلَهُ وَلُبَّهُ» .

٨ - و أيضاً عن الإمام نفسه عليه السلام، أنّه قال: «إسْتَديمُوا الذِّكْرَ فَإنَّهُ يُنِيرُ القَلبَ وَهُوَ أَفْضَلُ العِبادَةِ» .

٩ - وَرد في «ميزان الحكمة»، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً خالِصاً، تَحْيُوا بِهِ أَفْضَلَ الحَياةِ وَتَسْلُكُوا بِهِ طُرُقَ النَّجاةِ» .

١٠ - وَ وَرد عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة، في وصيّته المعروفة لإبنه الإمام الحسن عليه السلام، أنّه قال: «اوصِيكَ بِتَقوَى‌ اللَّهِ يا بُنَيَّ! وَلُزُومِ أَمْرِهِ وَعِمارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ» .

١١ - وَرد في غُرر الحِكم، عن مولى الموحدين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، قال: «ذِكْرُ اللَّهِ مَطْرَدَةُ لِلشَّيطانِ» .

١٢ - وَلِحُسن الخِتام، نَختم هذا البحث، بحديثٍ عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، وإن كانت هناك رواياتٌ وافرةٌ لا يسعها هذا المختصر، قال: «ذِكْرُ اللَّهِ شِفاءُ القُلُوبِ» .

و نَستلهم ممّا ذُكر آنفاً، أنّ ذِكر اللَّه تعالى، له علاقةٌ وثيقةٌ و قريبةٌ جدّاً بتهذيب النّفوس، فهوُ ينَوّر القلب، و يجلو الرّوح من عناصر الكِبَر و الغُرور و البخل و الحَسد، و الأهمّ من ذلك أنّه يطرد الشّيطان الرجيم، من واقع الإنسان الدّاخلي، وَ يُعيد لِلنفس ثِقتها.
و على حدِّ تعبير بعض العلماء الأكارم، أنّ القلب لا يَخلو من أمرين، لا يجتمعان في مكانٍ واحدٍ، فإمّا أن يتّجه لِذكر اللَّه سُبحانه و تعالى و يغذيه بنوره و يطرد منه الظّلمات و الشّيطان، و إمّا أن يكون مَرتعاً و مَلعباً لِلشَيطان الرّجيم و وساوسه، يوجهه حيث يشاء.
و من جهةٍ اخرى، فإنّ الذّات المقدسة هي مصدر لكلِّ الكمالات، و ذكر اللَّه تعالى يُؤدّي‌
إلى أنّ الإنسان يقترب من ذلك المصدر في كلّ يومٍ، و بالتّالي يتحرك في طريق الإبتعاد عن الرّذائل الأخلاقيّة و الأهواء النّفسانية، التي تنبع من النّقص المعنوي في واقع النّفس.
و بناءً على ذلك يجب الإستعانة بهذا السّلاح الماضي، و النّور المخترق لِلظلمات، لِلعبور من متاهات هذا الطّريق الموحش المُظلم، المحفوف بالأخطار الجسيمة، إلى جادّة السّلام، و الكمال الإلهي في عالم النّفس، ممّا يورث إستقرارها و إتّصالها ببارئها .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Sep, 08:18


هنا يتبادر إلى الذهن سؤالان:

١ - هل يوجد في تاريخ المسيحية ما يدل على أنهم اتخذوا من (مريم) معبودة ؟ أم أنهم إنما قالوا فقط بالتثليث أو الآلهة الثلاثة: (الإله الأب) و (الإله الابن) و (روح القدس) على اعتبار أن (روح القدس) هو الوسيط بين (الإله الأب) و (الإله الابن) وهو ليس (مريم).

للإجابة على هذا السؤال نقول: صحيح أن المسيحيين لم يؤلهوا مريم، ولكنهم كانوا يؤدون أمام تمثالها طقوس العبادة، كالوثنيين الذي لم يكونوا يعتبرون الأصنام آلهة، ولكنهم كانوا يعتبرونها شريكة لله في العبادة.
وهناك فرق بين " الله " بمعنى الخالق، وال‍ " إله " بمعنى المعبود، وكانت (مريم) عند المسيحيين (آلهة) لا أنها بمثابة " الله ".
يقول أحد المفسرين: إن المسيحيين على اختلاف فرقهم، وإن لم يطلقوا كلمة (إله) أو معبود على مريم، واعتبروها أم الإله لا غير، فهم في الواقع يقدمون لها طقوس الدعاء والعبادة، سواء أطلقوا عليها هذا الاسم أم لم يطلقوه، ثم يضيف قائلا: قبل مدة صدر في بيروت العدد التاسع من السنة السابقة من مجلة (المشرق) المسيحية بمناسبة الذكرى الخمسين للبابا (بيوس التاسع) وفيها مواضيع مثيرة عن السيدة مريم، منها تصريح بأن كلتا الكنيستين الشرقية والغربية تعبدان (مريم).
وفي العدد الرابع عشر من السنة الخامسة من المجلة نفسها مقال بقلم (الأب انستانس الكرملي) حاول فيه أن يعثر عن أصول عبادة مريم حتى في العهد القديم، فراح يفسر حكاية الأفعى (الشيطان) والمرأة (حواء) باعتبارها حكاية مريم .
وعليه فإن عبادة مريم موجودة بينهم.

٢ - السؤال الثاني: كيف يتحدث المسيح (عليه السلام) عن مشركي أمته بعبارات يشم منها رائحة الشفاعة لهم فيقول: وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ؟
أيكون المشرك أهلا للشفاعة والغفران ؟

في الجواب نقول: لو كان قصد عيسى (عليه السلام) هو الشفاعة لهم لكان عليه أن يقول: فإنك أنت الغفور الرحيم لأن غفران الله ورحمته هما اللذان يناسبان مقام الشفاعة، ولكننا نراه يقول فإنك أنت العزيز الحكيم من هذا يتضح أنه لم يكن في مقام الشفاعة لهم، بل كان يريد أن ينفي عن نفسه أي اختيار وأن يوكل الأمر كله إلى الله، إن شاء عفا، وإن شاء عاقب، وكل مشيئة منه سبحانه تستند إلى حكمة.
ثم ربما كما بينهم جماعة أدركت خطأها وسارت على طريق التوبة، فتكون هذه الجملة قد قيلت بحقها .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Sep, 08:18


قال الله تعالى : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) المائدة .

براءة المسيح من شرك أتباعه:

هذه الآيات تشير إلى حديث يدور بين الله والمسيح يوم القيامة، بدليل أننا بعد بضع آيات نقرأ: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا شك أنه يوم القيامة.

ثم أن جملة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم دليل آخر على أن الحوار قد جرى بعد عهد نبوة المسيح (عليه السلام)، والفعل " قال " الماضي لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه، لأن القرآن مليء بذكر أمور عن يوم القيامة استعمل فيها الزمن الماضي، وهو إشارة إلى أن وقوعه حتمي، أي أن مجيئه في المستقبل على درجة من الثبوت والحتمية بحيث أنه يبدو وكأنه قد وقع فعلا، فيستعمل له صيغة الماضي.
على كل حال تقول الآية الأولى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله.

لا ريب أن المسيح (عليه السلام) لم يقل شيئا كهذا، بل دعا إلى التوحيد وعبادة الله، أن القصد من هذا الاستفهام هو استنطاقه أمام أمته وبيان إدانتها.
فيجيب المسيح (عليه السلام) بكل احترام ببضع جمل على هذا السؤال:
١ - أولا ينزه الله عن كل شرك وشبهة: قال سبحانك .
٢ - ثم يقول: ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي ما لا يحق لي قوله ولا يليق بي أن أقوله.
فهو في الحقيقة لا ينفي هذا القول عن نفسه فحسب، بل ينفي أن يكون له حق في قول مثل هذا القول الذي لا ينسجم مع مقامه ومركزه.
٣ - ثم يستند إلى علم الله الذي لا تحده حدود تأكيدا لبراءته فيقول: إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب .
٤ - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم، لا أكثر من ذلك.
٥ - وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد .
أي كنت أحول دون سقوطهم في هاوية الشرك مدة بقائي بينهم، فكنت الرقيب والشاهد عليهم، ولكن بعد أن رفعتني إليك، كنت أنت الرقيب والشاهد عليهم.
٦ - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، أي على كل حال فالأمر أمرك والإرادة إرادتك، إن شئت أن تعاقبهم على انحرافهم الكبير فهم عبيدك وليس بامكانهم أن يفروا من عذابك، فهذا حقك بإزاء العصاة من عبيدك، وإن شئت أن تغفر لهم ذنوبهم فإنك أنت القوي الحكيم، فلا عفوك دليل ضعف، ولا عقابك خال من الحكمة والحساب .

5,426

subscribers

1

photos

1

videos