💍 دروس في تفسير القرآن 💍 @llbbjjdd Channel on Telegram

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

@llbbjjdd


دروس في علوم القرآن ( ٢٥٦ ) درس لأهم علوم القرآن ( رابط القناة https://t.me/LLBBJJDD )

وبعدها بدأنا بتفسير القرآن اعتمادا على تفسير الأمثل .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍 (Arabic)

💍 دروس في تفسير القرآن 💍nnقناة "llbbjjdd" هي قناة تهتم بتقديم دروس في علوم القرآن. تحتوي القناة على 256 درساً في أهم علوم القرآن. يمكنك الاطلاع على الدروس عبر الرابط التالي: https://t.me/LLBBJJDDnnمن خلال تلك الدروس، ستجد محتوى قيماً يساعدك على فهم وتفسير القرآن الكريم. تعتمد الدروس على تفسير الأمثل، وتقدم بشكل مبسط ومفهوم للجميع. ستجد في هذه القناة فرصة لزيادة معرفتك بعلوم القرآن وتعميق فهمك لمضامينه. انضم اليوم واستفد من الدروس القيمة التي تقدمها هذه القناة المميزة.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Nov, 22:02


#لطلب الذرية
احتفظ بهذا المنشور فقد جرب مرارا👇
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
https://t.me/addlist/RnQKAYQkQ6hlMGNk
اضغط انضمام فهنا الكثير من الفوائد لخير الدنيا والاخرة

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

21 Nov, 15:28


عاجل!!!

هنالك إمرأة في #البقيع يقال أنها لا ترد أحداً خائباً
لأصحاب الحوائج هل قناة مليانه ختمات وادعيه اتغير حياتك 👇👇❤️‍🔥

https://t.me/addlist/naP-MbsoDLVkZGMy

رابط مؤقت أنظم قبل الحذف ❤️‍🔥

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

19 Nov, 13:23


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الثاني 🟢

الأخلاق الحسنة والسيئة في القرآن‌

مقدّمة (منهج البحث):

تعرضنا في الجزء الأوّل من هذا الكتاب (الأخلاق في القرآن) إلى الاصول العامة في المسائل الأخلاقية والمناهج المختلفة لتهذيب النفس، والمذاهب الأخلاقية، والدوافع والنتائج وقد بحثنا هذه المواضيع والمسائل بالتفصيل على ضوء ارشادات وتعاليم القرآن الكريم على شكل تفسير موضوعي.

ونرى الآن أنّ الوقت قد حان لبحث جزئيات الفضائل والرذائل الأخلاقية بالاستفادة من تلك الاصول العامة واستعراض مواردها على ضوء تعليمات الوحي والآيات القرآنية.

ومن ذلك سنتعرض في هذا المجال للفضائل والرذائل الأخلاقيّة على مستوى الآثار والنتائج والعواقب الإيجابية والسلبية لكلّ واحدة منها، وبالتالي طرق الوقاية من الرذائل الأخلاقية ومعالجتها وكيفيّة كسب الفضائل والملكات الأخلاقية الحميدة.

ولدى‌ ورودنا في هذا الموضوع وهذه الدراسة تأمّلنا كثيراً في المناهج والنظم الدراسية والعلمية الّتي يمكن الاستفادة منها في هذا البحث العميق، فهل ينبغي البحث على مستوى المناهج اليونانية في تقسيم الأخلاق إلى أربعة أقسام (الحكمة، العدالة، الشهوة، الغضب)؟

في حين أنّ هذا التقسيم لا يتلاءم ولا ينسجم مع الآيات القرآنية الّتي نريد دخول هذا البحث من خلالها وعلى ضوئها، ولا أنّ هذا المنهج خال من العيوب والنقائص الّتي تمّت الإشارة إليها في الجزء الأوّل.

أم أنّ ترتيب الفضائل والرذائل ينبغي أن يكون على مستوى ترتيب حروف الالف باء، في‌
حين أنّ هذا المنهج يختلف كثيراً عن منهج الدراسة المنطقية ولا ينسجم معها كثيراً.

أم ينبغي أن نقرر هذه الدراسة وفق منهج المذاهب الشرقية والغربية في المسائل الأخلاقية في حين أنّ كلّ واحدة من هذه المذاهب لا تخلو من مشكلة أو مشكلات منهجية، مضافاً إلى أنّها لا تتناغم مع التفسير الموضوعي للقرآن الكريم والّذي نعزم دراسة القيم الأخلاقية على ضوئه.

وفجأة وبلطف الله والالهام الباطني تجلّى لنا منهج جديد في استيحاء المفاهيم الأخلاقية من القرآن الكريم، وهو أننا نعلم أنّ القرآن الكريم خصّص قسماً مهماً من أبحاثه الأخلاقية والسلوكية في ضمن دراسته لسلوكيات الأقوام السالفة وتاريخ المجتمعات البشرية الماضية وما ترجمه الأوائل على المستوى العملي من أخلاق وقيم وفضائل كانت تتحرك في تلك المجتمعات الإنسانية وبالتالي الكشف عن عواقب تلك السلوكيات وعرض نتائج تلكم الأعمال والممارسات الأخلاقية، وللانصاف فإن القرآن الكريم بحث المسائل الأخلاقية في دائرة التجربة العينية والخارجية في اطار ممارسة الأقوام السالفة لتتضح النتائج المترتبة عليها لكلّ قارئ ومستمع إلى هذا التاريخ الغابر، ويخرج منها بنتائج عملية وعميقة.
ولهذا السبب رأينا أنّ من الأفضل في معيار نظم المباحث الأخلاقية وبالنظر إلى السياق الّذي يحكم دراساتنا الماضية فإننا سوف نجعل من هذه الدراسة التاريخية للقرآن الكريم معياراً حاكماً في هذه المباحث العلمية والأخلاقية.

وبعبارة اخرى إننا بحثنا هذه المواضيع من قصة آدم وحواء ووسوسة آدم وهبوطهما من الجنّة وما ترتّب على ذلك من سلوكيات سلبية أدّت إلى هذه الواقعة التاريخية من طرد الشيطان الرجيم من مرتبة القرب الإلهي وحرمان آدم وحواء من الجنّة وأمثال ذلك، ونعلم أنّ الشيطان قد طُرد من الجنّة والمرتبة السامية بسبب (الاستكبار) و (الإنانية) و (العجب) وبالتالي بسبب (العناد والتعصب) حيث رفض السجود لآدم، وكذلك وقع آدم وحواء في مصيدة الشيطان بسبب (الحرص) وحيث أكلا من ثمرة الشجرة الممنوعة بدوافع من‌ وساوس الشيطان، ثمّ تصل النوبة إلى قصة (هابيل) و (قابيل) وما تضمنت هذه القصة من صفات قبيحة كانت هي الدافع على قتل هابيل، ثمّ نصل إلى قصة نوح وما جرى على الأقوام البشرية من الطوفان وكذلك الحوادث الّتي جرت على قوم بني إسرائيل ونبيهم موسى وما تضمّنته من سيرة الأنبياء من الفضائل والمكارم الأخلاقية في ذلك الوسط المنحرف والّذي تسبّب بأنواع الأذى والعقوبات الإلهية على هؤلاء القوم.

هذا المنهج مضافاً إلى كونه جذاباً ومشوّقاً فإنه يتناغم مع سياق البحوث القرآنية وتتجلّى فيه الفضائل والرذائل الأخلاقية في صورة تجسيد عيني لها في حركة الإنسان والواقع الاجتماعي على مستوى الحس والتجربة.

نسأل اللَّه تعالى توفيقنا وجميع أفراد المجتمع للتخلص من آثار الرذائل الأخلاقية الّتي تبدل المجتمع إلى جهنم وإلى نار محرقة، ونسأله تعالى أن يهب لنا التوفيق للتحرك من موقع الفضائل والمكارم الأخلاقية الّتي تصبغ قلوبنا بالصفاء والطمأنينة وتهب لنا السعادة والمراتب المعنوية السامية في حركة الإنسان التكاملية، أي مرتبة القرب من اللَّه تعالى.

(آمين يا ربّ العالمين).

ربيع الأوّل 1420 ه. ق‌

قم - ناصر مكارم الشيرازي‌

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

17 Nov, 14:00


فهذه الإدّعاءات، بعض منها من خواصّ الأنبياء، والاخرى لم يجرء على ادّعائها أحد من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، و أيّ شخصٍ له قليلٌ من الإلمامٌ بالدّين، سيتوجه إلى فَضاعةِ الأمرِ و خُطورته.

و إذا ما رَجعنا إلى كُتب أهل التّصوف، مثل، «تَذكرة الأَولياء» لِلشيخ العَطار، و «تاريخ التّصوف»، و «نفحات الانس»، و بعض أبحاث‌ «إحياء العُلوم»، نرى أنّ الإدّعاءات و الخُصوصيّات التي يضعوها لِلأقطاب، و شيخُ طريقتهم: فضيعةٌ، و لذلك فإنّ بعض مُحقّقي الشّيعة وفقهائهم، و قفوا بِشدّةٍ و قوّةٍ، مقابل هذه الطّائفة، حتى أنّ هذا الموقف تسبّب بإيذاء بعض الّذين يتعاملون مع المفاهيم الدينيّة، من موقع الجهل و السطحيّة، لكن الحقيقة أنّ المثقفين و المطّلعين، يعلمون أنّ إطلاق العِنان لمثل هذه الأفكار المُنحرفةُ من شأنه أن يَقضي، على فُروعِ و اصولِ الدّين الحَنيفِ بصورةٍ كاملةٍ.

نَصل هُنا و إيّاكم إلى نِهاية أبحاثنا، عن كلّيات المسائل الأخلاقيّة، في ظلّ الآيات القرآنية، أبحاثٌ تعتبر الأساس و القاعدة الّتي يقومُ عليها صَرحُ الأخلاق و تهذيب النّفوس، و تفتحُ أمامنا أبواب المباحثِ المستقبليّة، حول مصاديق الرّذائل و الفضائِل، واحدةً بعد اخرى.
إلهنا!:
«إنّ الوصول إلى أوج الفضائل الأخلاقيّة و الحياة، في أجواء القُرب منك، لا تُستطاع إلّا بتَوفيقك و تَسديدِك، فَأعنّا بعونَك، وجُد علينا بفضلك، وَ قرّبنا مِنك، و اجعلنا من أصحاب النّفوس المطمئنّة، لندخل فيمن يقعونَ مَورداً لخطابك،: «فَادْخُلي فِي عِبَادِي* وَ ادْخُلي جَنَّتي».
رَبّنا!:
إنّ حَبائلَ الشّيطانِ قويّةٌ، و سهامَه مَهلكةٌ، وهوى النّفس عدوٌّ لا يرحم، و رذائل- النّفس كالأشواك تُوخز الرّوحَ و تُؤذيها، و لا يُنجينا من ذلك كلّهُ إلّاعنايتُك الخاصّة و لطفُك الخَفي.
ربّنا!:
إننا نُسلّمُ الأمرَ إليكَ في خِتام حديثنا، و نقرأ الدّعاء المعروفَ الواردَ عن الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله، و نقول: «اللَّهُمَّ لا تَكِلنِي إِلى‌ نَفْسِي طَرفَةَ عِينٍ أَبَداً» .

تمّ والحمد للَّه‌ الجزء الأول‌ من كتاب الأخلاق في القرآن‌ .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

17 Nov, 13:58


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

الاستغلال السّي‌ء:

تتعرض المفاهيم البنّاءة و الصّحيحة، للُامم و الشّعوب في كلّ زمانٍ و مكانٍ للإستغلال و التّحريف دائماً، و هذا الإستغلال في الحقيقة لا يؤثر على صحة و قداسة أصل المسألة.
ولم تكن مسألة القدوة الأخلاقيّة في خطّ التربية و التّهذيب، و لزوم الإستفادة من الاستاذ العامّ و الخاصّ، لأجل السّلوك إلى اللَّه و تهذيب الأخلاق، مستثناة من هذا الأمر، فجماعةُ من الصّوفيّة طَرحوا أنفسهم، بعنوان: «مُرشد» أو «شيخ الطّريقة» و «القُطب»، و دعوا الناس لإتّباعهم و التّسليم المُطلق إليهم، بل و تعدّوا الحُدود، و قالوا إذا ما شاهدتم سلوكاً يصدر من الشّيخ، مخالفاً للشريعة، فلا عليك و لا ينبغي عليك الإعتراض، لأنّ ذلك يخالف روح التّسليم المُطلق للمرشد.

و يُستفاد ومن كلمات «الغزالي»، المؤيد للصّوفية، في فصولِ متعددّةٍ من كتابه «إحياء العلوم»، هذا المعنى أيضاً، حيث يُشمّ منها رائحة الصوفيّة، و الحقيقة أنّ فِرقاً من الصّوفية، تعتبره من كبار أعلامها، فقد قال في الفصل (51) من الجزء الخامس، الباب الخامس:
(نَظَرُ الصّوفية إنّ أدب المريدين في مقابل شيوخهم هو، أن يجلس المريد مقابل الشّيخ مسلوب الإختيار، فلا يتصرف في نفسه وماله إلّا بأمره ... و أفضلُ أدب المُريد أمام الشّيخ:
هو السّكوت و الخمود و الجمود، إلى أن يملي عليه شيخه، ما يراه له صلاحاً في أعماله و أفعاله ... و كلّما رآى من شيخه خِلافاً، و عسُر عليه فَهمه، تذكّر حكاية مُوسى و الخِضر عليهما السلام، فإنّ الخضر قد عمل أعمالًا أنكرها مُوسى، ولكن عندما كشف له الخِضر أسرارها إنتبه مُوسى، وعليه فكلّما فعل الشّيخ، كان له عُذراً بلسان العِلم و الحِكمة) .

و يقول العارف العّطار، في أحوال يوسف بن حسين الرّازي، عندما أمره ذو النّون المَصري: (مرشده)، الخُروج من بلدِه والعودة إلى دياره، طلب يوسف منه برنامجاً يعمل به، فقال له ذُو النّون : عليك بِنسيان ما قرأته، و امح كلّ ما كتبته، ليُزال الحِجاب!.
ونقل عن أبي سعيد، قوله للمُريدين:
«رَأسُ هذا الأمرِ، كَبْسُ الَمحابِرِ وَ خرَقُ الدَّفاتِر وَنِسيانِ العِلمِ» .
ونقل عن أحوال و حالات «أبو سعيد الكندي»، أنّه كان قد نزل في الخانقاه، و إجتمع عنده جمعٌ من الدّراويش، وكان يطلب العلم سرّاً، وفي يوم من الأيّام سقطت من جيبه محبرةٌ، فإنكشف سرّه: «و هو أنّه من هواة تحصيل العلم»، فقال له أحد الصّوفيين: (استر عليك عَورتك) .

ولا شك فإنّ الجو الحاكم هناك، كان نتيجةً لتعاليم مرشدهم في هذا الأمر، ولكنّ الحقيقة أنّ الاسلام قد أكّد على خلاف هذا المسلك، ففي الحديث الوارد عن الصّادق عليه السلام، عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أنّه قال: «وُزِّنَ مِدادُ العُلَماءِ بِدِماءِ الشُّهدَاءِ، فَرُجّحَ مِدادُ العُلَماءُ عَلى‌ دِماءِ الشُّهَدَاءِ» .
فانظر إلى الفرق بين المسلكين!!.
و لأجل الإطّلاع على كيفيّة التّحريف و الإنزلاق في منحدر الإفراط و التّفريط، و كيف تنحرف مسألةٌ معينةٌ عن المنطق و الشّرع، لدى وقوعها بأيدي مَنْ لا أَهليّة له، على التّنظير في امور الدّين ؟، و كيف تَتعرض للإستغلال و التّشويه، علينا إلقاء نظرة على كلام: «كيوان القِزويني المُلقّب ب منصور علي شاه»، حيث يُعتبر من أقطاب الصّوفية، فقد بيّن حدود و صلاحيّات القُطب، و قال:
«لِلقطب أن يدّعي عشرةَ خُصوصيّات:
١ - أنّ عندي باطنُ الولاية التي كانت عند الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ... مع فرقٍ واحدٍ هو، أنّه المؤسس وأنا المروّج والمدير والحارس!.

٢ - عندي القُدرة على تربية الأفراد، و تهذيب نفوسهم، و إزالة العناصر الخبيثة و الخصائص الشّريرة، في واقعهم ونزعها ونقلها إلى الكفّار.

٣ - أنا حرّ من قيود الطّبع و النّفس.

٤ - يجب أن تؤدى جميع عِبادات و مُعاملات المُريدين، بإجازةٍ و موافقةٍ منّي.

٥ - كلّ إسمٍ القّنه لِلمُريدين، و أجيزهم بذكره في القلب أو اللّسان، يكون هو ذلك الإسم فقط هو اللَّه، ويسقط الباقي من درجة الإعتبار.

٦ - كلّ المعارف الدينيّة و العقائديّة، إن كانت قد حصلت بموافقتي، فهي صحيحة، وإلّا فهي عينُ الزّيف، و مَحض الخَطأ.

٧ - أنا مفترضُ الطّاعة، و لازمُ الخِدمة، و لازم الحفظ.

٨ - أنا حرٌّ في عقائدي.

٩ - أنا ناظرٌ للأحوال القَلبيّة لمريديّ دائماً.

١٠ - أنا قسيم النّار والجنّة .

هذا الكلام أشبهُ بالهَذيان منه إلى البَحث المَنطقي، رغم أنّه قد لا يقبله أغلب الصّوفيين، ولكن مجرد أنّه يرى نفسه بِعنوان: «قُطب»، و إدّعائه أن للأقطابِ، إختياراتٌ و صلاحيّاتٌ لم‌ يدّعيها حتى الأنبياء لأنفسهم، فإن ذلك يكفي، في تبيان مدى إستغلال هؤلاء المدّعين، لمثل هذه العناوين الضّبابيّة و حاجة الناس للمعلم، في أمر السّير و السّلوك إلى اللَّه تعالى، و ما يمكن أن يترتّب على ذلك، من عواقبٍ سلبيّةٍ على مستوى، سَوقِ النّاس في خَطّ الباطل .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

15 Nov, 14:04


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

كلام العلّامة الشّهيد المطهّري:

نترك الكلام و القَلم هنا، للعلّامة الشّهيد المطهّري قدس سره، حيث يقول في كتابه: «ولاءها و
ولايتها»: (تستعمل هاتين الكلمتين عادة في أربع موارد: و لاء المحبة: (أي المحبّة لأهل البيت) عليهم السلام، و ولاء الإمامة، بمعنى التّأسي بالأئمّة عليهم السلام، و جعلهم القدوة لأعمالنا و سلوكيّاتنا، و ولاء الزّعامة، بمعنى حقّ القيادة الاجتماعيّة والسّياسية للأئمّة عليهم السلام، و ولاء التّصرف، أو الولاء الرّوحي و هو أسمى هذه المراحل).

و بعدها يوضّح الأوّل و الثّاني و الثّالث، ثمّ يعرج على المعنى الرّابع، الذي هو مورد بحثنا و يقول: (إنّ التّصرف الرّوحي والمعنوي، هو نوعٌ من القُدرة و التّسلط الخارق للتكوين، بمعنى أنّ الإنسان و من خلال عبوديّته الحقّة للَّه‌ تعالى، يحصل على مقام القُرب الإلهي المعنوي و الرّوحي، و نتيجة لهذا القُرب، يصبح إنساناً كاملًا، يتحرك في طريق هداية الناس نحو المعنويات، و يتسلط على الضّمائر، وتكون له قدرة الشّهود على الأعمال، و بالتّالي يصير حُجّة اللَّه في زمانه!
فمن وجهَة نظر الشّيعة، أنّ كلّ زمان لا يخلو من إنسانٍ كاملٍ، يتمتع بقدرة التّصرف الغيبي في العالم والإنسان، و ناظرٌ و شاهدٌ على الأرواح والقلوب، وهذا الإنسان هو حجّةُ اللَّه على الأرض.

و المقصود من التّصرف، أو الولاية التكوينيّة، ليس كما يعتقد بعض الجهّال، من أن يتولى الإنسان الكامل، مسألة القَيوميّة و التدبير في العالم، بحيث يكون الخالق و الرّازق و المفوض، من جانب اللَّه تعالى.
و هذا الإعتقاد، رغم أنّه لا يعتبر شركاً، بل هو كما ورد في القرآن، بالنّسبة إلى الملائكة:
«المُدَبِّراتُ أَمرَاً وَالمُقَسِّماتِ أمراً»، فهو بإذن اللَّه تعالى، والقرآن يُخبرنا أنّ لا نَنسب مسائل الخلقة و الرّزق والموت و الحَياة، إلى غير اللَّه تعالى.
ولكن المقصود، هو أنّ الإنسان الكامل، ولقربه من اللَّه تعالى، يصل إلى مرحلةٍ تكون له الولاية في التّصرف في (بعض امور) العالم.

ثم يضيف قائلًا: ويكفي هنا أن نشير إشارةً إجماليةً إلى هذا المطلب، وتوضيح اسسه بالإعتماد و على المفاهيم و المعاني القرآنية، لِئلّا يعتقد البعض، أنّ هذا جزافاً من الكلام.
فلا شك أنّ مسألة الولاية، بمعناها الرّابع، هي من المسائل العرفانيّة، و مجرد كونها عرفانيّة، لا يعني نكرانها بالكامل.
ثمّ يشرح بإسهاب، معطيات القرب من اللَّه تعالى، و يستنتج منها، ما يلي:
فعلى هذا الأساس، من المحال على الإنسان، و بعد قربه و طاعتِه للَّهِ تعالى، ألّا يصل إلى مقام الملائكة، بل وأرقى، أو على الأقل يساوي الملائكة في مقامهم، الملائكة التي تدبّر و تتصرف في عالم الوجود، بإذن اللَّه تعالى» .

ويمكن أن نخرج من هذا الحديث بنتيجة، و هي أنّ العلاقة المعنويّة، و الإرتباط بالإنسان الكامل، يمكن أن يساعد الإنسان في عمليّة التّصرف، و النّفوذ في حياة الناس المستعدّين والمتقبلين للإصلاح، وسوقهم تدريجياً في خطّ التّهذيب الأخلاقي، و إبعادهم من جو الرّذائل إلى جو الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحيّة .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

14 Nov, 13:08


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و الّنموذج الآخر لهذا التّأثير المعنوي، و الولاية التكوينيّة في تهذيب النّفوس المستعدّة، هو ما نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، عن الإمام الكاظم عليه السلام، و الجارية التي أرسلها هارون إليه.
فقد وَرد أنّ هارون الرّشيد، أنفذَ إلى موسى بن جعفر عليه السلام جاريةً خصيفةٌ، لها جمالٌ و وضاءةٌ لتخدمه في السّجن، فقال له: «بَل أَنْتُم بِهَدِيّتِكُم تَفرَحُونَ» ، لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها، قال: إستطار هارون غَضباً، و قال: إرجع إليه وقل له: ليس بِرضاك حبَسناك، و لا بِرضاك أخذناك، و إترك الجارية عنده و إنصرف.
قال: فَمضى و رجع، ثم قام هارون عن مجلسه، و أنفذَ الخادم إليه ليتفحص عن حالها، فرآها ساجدةً لربّها لا ترفعُ رأسها، تقول: قُدّوسٌ سُبحانك سُبحانك.
فقال هاورن: سَحرها و اللَّه موسى بن جعفر بسحره، عليّ بها، فأتى بها و هي تَرتَعد، شاخصةً نحو السّماء بصرها، فقال: ما شأنك؟.
قالت: شأني الشّأن البديع، إنّي كنت عنده واقفةً، و هو قائمٌ يصلّي ليله ونهاره، فلمّا إنصرف عن صلاته بوجهه، و هو يسبّح اللَّه و يقدّسه، قلت: ياسيّدي هلْ لك حاجة اعطيكها؟
قال: وما حاجتي إليك؟
قلت: إنّي ادخلت عليك لِحوائجك.
قال: ما بالُ هؤلاء؟.
قالت: فآلتفتُ فإذا روضةٌ مزهرةٌ، لا أبلغ آخرها من أوّله بنظري، ولا أوّلها من آخرها، فيها مجالسُ مفروشة بالوِشيّ و الدّيباج، و عليها و صفاً وَ وَصائِف، لم أر مثل وجوههم حُسناً، و لا مِثل لباسهم لِباساً، عليهم الحَرير الأخضر، والأكليلُ و الدّر و الياقوت، و في أيديهم الأباريق و المَناديل، و من كلّ الطّعام، فخَررت ساجدةً حتّى أقامني هذا الخادم؛ فرأيت نفسي حيثُ كنت.
فقال هارون: يا خبيثة، لعلّكِ سجدت فَنمت فرأيت هذا في مَنامك؟.
قالت: لا واللَّه ياسيّدي، إلّا قبل سُجودي، رأيت فسجدت من أجلِ ذلك.
فقال هاورن: إقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا مِنها أحد، فأقبلت في الصّلاة، فإذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيتَ العَبد الصّالح عليه السلام، فسئلت عن قولها، قالت: إنّي لما عَييت من الأمر نادتني الجواري، يا فلانة أبعدي عن العبد الصّالح، حتّي ندخل عليه، فنحن له دونك، فما زالت كذلك حتّى ماتت، و ذلك قبل موتِ موسى عليه السلام بأيّامٍ يسيرةٍ .
و في هذه القصّة، نشاهد نموذجاً آخر من تأثير الإمام عليه السلام، في روح تلك الجارية المستعدّة للتّربية و الإصلاح الرّوحي، و الهداية في طريق الحقّ و العودة إلى اللَّه تعالى.
والخلاصة: أنّ تاريخ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة الهداة عليهم السلام، حافل بمثل هذه الحوادث، حيث يتّفق لبعض الأشخاص، أن يلتقوا مع النّبي أو الإمام، فينقلب مَساره في حركة الحياة و الواقع و يتغيّر كلياً، و يتحوّل إلى النّقطة المقابلة، في حين أنّ هذا التغيّر، ما كان ليحصل بواسطة الأسباب العادية، بحسب الظّاهر، و هذا الأمر يدلّ على أنّ الإنسان الكامل، هو الذي تولى هذه العمليّة التغييريّة، في هؤلاء الأشخاص من خلال التّصرف و التّدخل في النّفوس، و هو ما نسمّيه بالولاية التكوينيّة.
و من المؤكّد أنّ هذه العناية، و اللّطف و التّوجه، لم يكن إعتباطاً، بل هو لوجود نقاط قوّة في شخصيّة الفرد المُعتنى به، لتشمله العناية الإلهيّة، بواسطة الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة الطّاهرين عليهم السلام .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Nov, 12:51


٥ - في الأحاديث العديدة عن أهل البيت (عليهم السلام) اعتبرت هذه الآية دليلا على عصمة الأنبياء والأئمة، وذلك لأن الله لا يمكن أن يصطفي المذنبين الملوثين بالشرك والكفر والفسق. بل لابد أن يقع اختياره على المطهرين المعصومين.
(يستدل كذلك من الآية أن هناك مراتب للعصمة).

٦ - يستدل بعض الكتاب المحدثين بهذه الآية على نظرية النشوء والارتقاء، معتقدين أن الآية تدل على أن " آدم " لم يكن هو الإنسان الأول، بل كان هناك أناس كثيرون فاصطفى الله من بينهم آدم الذي خلف نسلا متميزا من أبنائه، وأن
تعبير على العالمين دليل على ذلك. يقول هؤلاء: كان في عصر آدم مجتمع إنساني، ولذلك فليس ثمة ما يمنع من أن يكون الإنسان الأول - الذي وجد قبل ذلك بملايين السنين - قد نشأ وتطور من حيوانات أخرى متطورة، ويكون " آدم "
وحده الذي اصطفاه الله. ولكن في مقابل هذا الرأي يمكن القول أن ليس هناك أي دليل على أن " عالمين " هم أناس عاصروا آدم، بل قد يكون القصد هو مجموع المجتمعات
البشرية على امتداد التاريخ. وعلى هذا يكون معنى الآية: إن الله اصطفى من بين جميع المجتمعات البشرية على امتداد التاريخ أفراد كان أولهم آدم، فنوحا، فآل إبراهيم، فآل عمران. وبما أن كل واحد من هؤلاء كان يعيش في عصر غير عصر الآخر نفهم من ذلك أن القصد من " عالمين " هو البشر عموما على اختلاف
عصورهم وأزمانهم. لذلك ليس ثمة ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن آدم كان يعاصره أناس آخرون فاصطفاه الله من بينهم، فتأمل.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

11 Nov, 12:51


قال الله تعالى : (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـالَمِينَ * ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) آل عمران ٣٣ و ٣٤ .

في مبتدأ هذه الآية يشرع القرآن بسرد حكاية مريم وأجدادها ومقامهم، فهم النموذج الكامل لحب الله الحقيقي وظهور آثار هذا الحب في مقام العمل والذي أشارت إليه الآيات السابقة.
" اصطفى " من الصفو، وهو خلوص الشيء من الشوائب، ومنه " الصفا " للحجارة الصافية. وعليه فالإصطفاء هو تناول صفو الشيء .
تقول الآية: إن الله اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران من بين الناس جميعا. هذا الاختيار قد يكون " تكوينيا " وقد يكون " تشريعيا " أي أن الله قد خلق هؤلاء منذ البدء خلقا متميزا، وإن لم يكن في هذا الامتياز ما يجبرهم على اختيار طريق الحق، بل أنهم بملء اختيارهم وحرية إرادتهم اختاروه. غير أن ذلك التميز أعدهم للقيام بهداية البشر ثم على أثر إطاعتهم أوامر الله، والتقوى والسعي في سبيل هداية الناس نالوا نوعا من التميز الاكتسابي، الذي امتزج بتميزهم الذاتي، فكانوا من المصطفين.

قوله : ذرية بعضها من بعض .

تشير هذه الآية إلى أن هؤلاء المصطفين كانوا - من حيث الإسلام والطهارة والتقوى والجهاد في سبيل هداية البشر - متشابهين، بمثل تشابه نسخ عدة من كتاب واحد، يقتبس كل من الآخر: بعضها من بعض.

والله سميع عليم.

في النهاية تشير الآية إلى حقيقة أن الله كان يراقب مساعيهم ونشاطهم، ويسمع أقوالهم، ويعلم أعمالهم. وفي هذا إشارة أيضا إلى مسؤوليات المصطفين الثقيلة نحو الله ومخلوقات الله.
في هذه الآية إشارة إلى جميع الأنبياء من أولي العزم، فبعد نوح الذي صرح باسمه، يأتي آل إبراهيم الذين يضمون نوحا نفسه وموسى وعيسى ونبي الإسلام.
وذكر آل عمران تكرار للإشارة إلى السيدة مريم والمسيح، بالنظر لكون هذه الآية
مقدمة لبيان حالهما.

١ - امتياز الأنبياء:

هنا يبرز هذا السؤال: على الرغم من أن هذا التميز لم يجبر الأنبياء على السير في طريق الحق، وأنه لا يتعارض مع حرية الإرادة والاختيار، ولكن ألا يعتبر نوعا من التفضيل؟

في الجواب نقول: إن خلقا مصحوبا بنظام سليم يستتبع بالضرورة مثل هذا التفاضل، فتأمل جسم الإنسان - مثلا - مخلوق منظم، وللحفاظ على هذا التنظيم لابد من الاعتراف بالتفاضل بين عضو وعضو، إذ لو كانت جميع الخلايا في جسم الإنسان تشبه في لطافتها خلايا شبكية العين، أو تشبه في صلابتها وقوتها خلايا عظام الساق، أو تشبه خلايا الدماغ في حساسيتها، أو تشبه خلايا القلب في حركتها، لاختل حتما نظام الجسم. إذا لابد من وجود خلايا مثل خلايا الدماغ لكي تتولى إدارة سائر أعضاء الجسم وعضلاته، وخلايا العظام المتينة لتحفظ استقامة الجسم وخلايا الأعصاب الحساسة لتتسلم أبسط الإيعازات، والخلايا المتحركة لتخلق الحركة في الجسم.
ما من أحد يستطيع أن يقول لماذا ليس الجسم كله دماغا؟ أو في النباتات، لماذا لا تكون الخلايا كلها بلطافة خلايا أوراق الورد؟ إن حالة كهذه ستهدم بناء النبات وتعرضه للفناء.
النقطة المهمة هي أن هذا التميز الذاتي الضروري لإيجاد بناء منظم ليس بسيطا، بل هو مصحوب بمسؤولية عظيمة، هذا " الامتياز " وهذه المسؤولية الثقيلة نفسها تحفظ توازن كفتي ميزان الخلق. أي أن نسبة تميز الأنبياء على سائر البشر تتناسب مع أهمية المسؤولية التي يضطلعون بها. كما أن الاختلاف في تميز
الآخرين يتناسب مع مسؤولياتهم.
فضلا عن ذلك فإن التميز الذاتي لا يكفي للاقتراب من الله، بل لابد معه من التميز المكتسب.

في الآية بعض النقاط ينبغي ذكرها:
١ - ليست الآية بصدد ذكر جميع الذين اصطفاهم الله، بل تعدد بعضا منهم،
فإذا لم يكن بعض الأنبياء من بين هؤلاء، فلا يعني ذلك أنهم ليسوا مصطفين. ثم إن " آل إبراهيم " يشمل موسى بن عمران ونبي الإسلام والمصطفين من أهل أيضا لأنهم جمعا من " آل إبراهيم ".

٢ - يرى " الراغب " في كتابه " المفردات " إن " الآل " من " الأهل "، ولكنه خص بالإضافة إلى أقرباء العظماء من الناس والأشراف ودون الأزمنة والأمكنة.
ولكن " الأهل " يضاف إلى الكل، كالزمان والمكان وغير ذلك، فيقال: أهل المدينة
الفلانية، ولكن لا يقال: آل المدينة الفلانية.

٣ - غني عن القول أن إصطفاء آل إبراهيم وآل عمران لا يعني إصطفاء جميع أبناء إبراهيم وعمران، إذ يحتمل أن يكون بينهم حتى من الكفار، إنما المقصود هو " بعض " من آل إبراهيم وآل عمران.

٤ - " عمران " في هذه الآية هو أبو مريم، لا أبو موسى، إذ كلما ورد في القرآن اسم عمران كان المعنى به هو أبو مريم، كما يستدل على ذلك أيضا من الآيات التالية التي تخص شرح حال مريم.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Nov, 13:16


س : ما هو ثواب سورتي البقرة وسورة آل عمران ؟


ج : روب عن أبى عبد الله عليه السلام قال : من قرأ سورة البقرة وآل عمران جاء يوم القيمة تظلانه على رأسه مثل الغيابتين .

وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله أي سور القرآن أفضل ؟ قال : البقرة .
قيل أي آي البقرة أفضل ؟ قال : آية الكرسي .

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

09 Nov, 12:35


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و كذلك ما ورد ، في حديث أبي بَصير وجاره التوّاب، هو شاهدٌ آخر على هذا المَطلب:

قال أبو بَصير: كان لي جارٌ يتبعِ السّلطان، فأصابَ مالًا فإتّخذ قِياناً، و كان يجمع الجَموع و يشربُ المُسكِر و يُؤذيني، فشكوته إلى نفسه غيرَ مَرّة، فلم يَنتَهِ، فلّما ألحَحَتَ عليه، قال: يا هذا أنا رجلٌ مُبتلى، و أنت رجلٌ معافى، فلو عرّفتني لِصاحبك رَجوتُ أن يَستنقذني اللَّهُ بك، فوقع ذلك في قلبي، فلما صِرت إلى أبي عبداللَّه عليه السلام، ذكرتُ له حاله.
فقال لي: «إذا رجعت إلى الكُوفة، فإنّه سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن محمد: دعْ ما أنت عليه، و أَضمِنْ لك على اللَّه الجنّة».
قال أبو بَصير: فلمّا رجعت إلى الكوفة، أتاني فيمن أتى، فاحْتبستُه حتّى خَلا منزلي. فقلت:
يا هذا، إنّي ذكرتُك لأِبي عبداللَّه عليه السلام، فقال: «أَقرِأه السّلام و قل له: يترك ما هو عليه، و أَضمن له على اللَّه الجنّةَ».
فَبَكى، ثمّ قال: اللَّه، قال لك جعفر عليه السلام هذا؟
قال: فحلفت له، أن قال لي ما قلت لك.
فقال لي: حَسبُك وَمَضى، فلما كان بعد أيّامٍ بعث إليّ و دعاني، فإذا هو خَلف باب داره عُريان.
فقال: يا أَبا بصير، ما بقي في منزلي شي‌ءٌ، إلّا و خرجت عنه، و أنا كما ترى.
فَمشيت إلى إخواني، فجمعت له ما كسوته به، ثمّ لم يأت عليه إلّا أيّاماً يسيرةً، حتّى بعث إليّ: أنّي عليل فآئْتني، فجعلت أختلف إليه، و اعالجه حتّى نزل به الموت.
فكنت عِنده جالساً و هو يجود بِنفسه، ثم غُشي عليه غشيةً ثم أفاق، فقال: يا أبا بَصير، قد و فّى صاحبك لنا، ثم مات، فَحَججت فأتيت أبا عبداللَّه عليه السلام، فإستأذنت عليه، فلمّا دخلت قال مبتدئاً من داخل البيت، وإحدى رجليّ في الصّحن والاخرى في دهليز داره: «يا أبا بَصير قد وفيّنا لصاحبك».

بالطّبع يمكن أن يقال: إنّ هذا الحديث حمل في طيّاته، جانب التّوبة العاديّة المعروفة بين الناس، ولكنّنا نقول: إن ذلك الرّجل المذنب والملي‌ء بالمعاصي، من رأسه إلى أخُمص قدمه، لم يكنِ ليُغيّر طريقة حياته، و اتّخاذه جانب الصّلاح و الفلاح، و على حدّ إعترافه هو، بأنّه لولا الإمام عليه السلام و عنايته، لم يكن له أن يتحول من دائرة الظلّمة و المعصية، إلى دائرة النّور والهداية.

و يوجد إحتمالٌ قويٌّ، و هو أنّ هذا الإنقلاب و التّحول، في روح و سلوك هذا الرجل المذنب المستعد لِلتوبة، كان بسبب التّدخل الرّوحي للإمام عليه السلام، و تصرفه في محتواه النّفسي، و
ذلك لوجود نقطةٍ مضيئةٍ و بصيصٍ من الأمل في أعماق قلبه، و هو تمسّكه بالولاية، حيث أدّى إلى أن يتحرّك الإمام عليه السلام إلى نجدته و إنقاذه، في آخر لحظات حياته و أيّام عمره .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

07 Nov, 13:45


قال: فَسكت ولم يقل شَيئاً، ثم إلتفتَ إليّ، فقال لي: أنتَ هُشام بن الحّكم؟، فقلتُ: لا. قال من جُلسائه؟، قلت: لا، قال: فَمن أَنتَ، فقلت: من أهلِ الكوفة. قال: فأنت إذاً هوَ، ثمّ ضمّني إليه، و أَقعدني في مَجلسه، وزالَ عن مجلسه، و ما نطَق حتّى قُمت.
قال: فَضحِك أبوعبداللَّه عليه السلام، و قال: يا هُشام من عَلّمك هذا؟.
قلتُ: شي‌ءٌ أخذته منك، و ألّفته.
فقال الإمام: «هذا واللَّه مكتوبٌ في صُحف إبراهيم وَ موسى».
نعم، فإنّ الإمام بمنزلةِ القَلب، لِعالَم الإنسانيّة، و هذا الحديث يمكن أن يكون إشارةً، لِلولاية و الهداية التّشريعيّة أو التّكوينية، أو الإثنين معاً .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

07 Nov, 13:40


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

١٤ - الوجه الآخر للولاية، و دوره في تهذيب النّفوس‌

لا ينحصر دور الإعتقاد بالولاية، في المسائل الأخلاقية و تهذيب النّفوس و السّير إلى اللَّه تعالى، على إتّخاذ القُدوات الصّالحة و الإقتداء بكلامهم و فِعالهم، بل و بحسب إعتقاد بعض الأعاظِم و العُلماء، يوجد هناك نوعٌ آخر من الولاية، هو فرعٌ من الولاية التّكوينية، يستطيع معها القادُة الإلهِيّيون، و بواسطة نفوذهم الرّوحي المباشر، في عالم الوجود و التّكوين، من معرفة النّفوس المستعدّة للتربية و الإصلاح، و التّصرف المعنوي المَباشر، في المستوى الرّوحي لِلإنسان في خطّ التّربية.

و توضيح ذلك: إنّ الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، هَمْ القلب النّابض للُامّة الإسلاميّة، و كلّ عضوٍ من الأعضاء، يكون له إرتباطٌ وثيقٌ بالقلب، سيتسنى‌ لذلك العَضو أن يسترفِد من المنبع مَنافع أكثر، أو أنّهم بمنزلة الشّمس المشرقةِ، فكُلّما إنقشعت سُحب الأنانية عن القلب، فإنّ تلك الأشعّة ستتولى تربية عناصر الخير في النّفس، فَتورقُ و تثمرُ، و تنعكس آثارها على شخصيّة الإنسان، في إطار السّلوك و الفِكر.

و هنا تأخذ الولاية شَكلًا آخر، و تنحى‌ مَنْحاً يختلف عن السّابق، و سيكون الكلام فيها عن المَعطيات الخفيّة الغامضة، في دائرة التّأثير التّربوي، غير التي نعرفها سابقاً، في دائرة التّصرفات الظّاهريّة .

يقول القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً».
فهذه الشّمس المنيرة، و هذا السّراجُ المنير، يتولّى وظيفتين، فمن جِهة أنّه يُضي‌ء لِلإنسان الطريق إلى اللَّه تعالى، ليعرف الطّريق الصّحيح و الجادة المؤدّية إلى الحقّ و الصّلاح، و يبتعد عن حافّة الهاوية.
و من جهةٍ اخرى، فإنّ هذا النّور الإلهي، يؤثّر لا شعوريّاً في واقع الإنسان، و يتولى إصلاح النّفس في خطّ التّربية الأخلاقيّة، و يساعدها في عمليّة التّكامل و الرّقي.

و كَنموذجٍ على ذلك، ما نقرأه في الحديث المرفوع عن «هِشام بن الحَكم»، و مناظرته مع «عَمرو بن عُبيد»، العالم بِعلم الكلام السّني، عندما ذَهب هشام إلى البصرة، و أجبره ببيانٍ لطيفٍ و منطقي، على الإعتراف بِلزوم وجود الإمام في كلّ عصرٍ و زمانٍ.
قال هشام: بلغني ما فيه عَمرو بن عبيد، و جلوسه في مسجد البصرة، فعظُم ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتَيت مَسجد البَصرة، فإذا أنا بحلقةٍ كبيرةٍ فيها عَمرو بن عبيد، و عليه شَملةٌ سوداءٌ، متّزراً بها، من صوفٍ و شملةٌ مرتدياً بها، و النّاس يسألونه، فإستفْرَجت النّاس فأَفرَجوا لي، ثمّ قَعدت في آخر القَوم، على رَكبتي، ثم قلت: أيّها العالم، إِنّي رجلٌ غريبٌ تأذن، لي في مسألةٍ!.
فقال لي: نَعم.
فقلت له: أَلك عَينٌ؟
فقال: يا بُنيّ أيّ شي‌ءٍ هذا السّؤال، و شي‌ء تراه كيف تَسأل عنه.
فقلت: هكذا مَسألتي.
فقال: يا بُنيّ سَلُ وإن كانت مَسألتك حَمقاء.
قلت: أجبني فيها.
قال لي: سَلْ.
قلتُ: ألكَ عينٌ؟
قال: نَعم.
قلت: فما تَصنع بها؟.
قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلت: ألكَ أنفٌ؟
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع به؟
قال: أشمٌّ به الرّائحة.
قلتُ: ألكَ فمٌ؟
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع به؟.
قال: أذوقُ بِهِ الطّعام.
قلت: ألك اذنٌ.
قال: نَعم.
قلتُ: فما تصنع بها؟.
قال: أسمع بها الصّوت.
قلت: أَلك قلب؟.
قال: نعم.
قلتُ: فما تصنع به؟
قال: اميّز به كلّما ورد على هذه الجَوارح و الحَواس.
قلتُ: أوَ لَيس في هذه الجَوارح غِناً عن القلب؟.
فقال: لا.
قلتُ: و كيف ذلك، و هي صحيحةٌ سليمةٌ؟.
قال: يا بُني إنّ الجوارح إذا شكّت في شي‌ءٍ، شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القَلب‌
فيسْتَيقِن اليَقين و يُبطل الشّك.
فقلت له: فإنّما أقام اللَّه القلب؛ لِشّك الجَوارح؟.
قال: نعم.
قلتُ: لابدّ من القلب، و إلّالم تَستَيقن الجوارح؟.
قال: نعم.
فقلتُ له: يا أبا مَروان، فاللَّه تَباركَ و تعالى، لم يترك جوارحك حتّى جَعل لها إماماً، يُصحِّح لها الصّحيح، و يتيقّن له ما شكّ فيه، و يترك هذا الخَلق كلّهم في حِيرتهم و شَكّهم و إختلافهم، لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه شَكّهم و حِيرتهم، و يُقيم لَك إماماً لِجوارحك، تردّ إليه حيرتك و شَكّك؟

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

06 Nov, 14:08


س : ما الفرق بين كلمة ألقينا وأغرينا في قول الله تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) المائدة ١٤ . وفي الله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) المائدة ٦٤ ؟


ج : ١ . أن كلمة أغرينا استعملت مع النصارى ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ) وكلمة ألقينا استعملت مع اليهود ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) .

٢ . الإغراء معناه الحث على فعل ما من خلال ذكر آثاره وفوائد حتى يرغب المغرور بفعله بشدة واهتمام بينما معنى الإلقاء هو الحث على الفعل بفتور وليس بشدة .
إذاً الإغراء أشد من الإلقاء .

٣ . والسبب في الاختلاف هو أن النصارى انحرفوا أكثر من انحراف اليهود فجازاهم الله تعالى بذلك باعتبار أنهم حرفوا التوراة والإنجيل معاً بخلاف اليهود فقد حرفوا التوراة فقط .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

05 Nov, 17:24


قال الله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) الروم .

الآية تتحدث عن قسم آخر من الآيات في الأنفس، التي تمثل مرحلة ما بعد خلق الإنسان، فتقول: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها. أي من جنسكم والغاية هي السكينة الروحية والهدوء النفسي وحيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة، وبين جميع الناس عامة، يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني، فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة وجعل بينكم مودة ورحمة.

ولمزيد التأكيد تختتم الآية بالقول: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
الطريف هنا أن القرآن - في هذه الآية - جعل الهدف من الزواج الاطمئنان والسكن، وأبان مسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى " لتسكنوا " كما ورد نظير هذا التعبير في سورة الأعراف الآية ١٨٩.
والحق أن وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الاطمئنان في الحياة، هو أحد مواهب الله العظيمة.
وهذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من أن هذين الجنسين يكمل بعضهما بعضا، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحيث يعد كل منهما ناقصا بغير صاحبه، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبية القوية.
ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن الذين يهملون هذه السنة الإلهية وجودهم ناقص، لأن مرحلة تكاملية منهم متوقفة، (إلا أن توجب الظروف الخاصة والضرورة في بقائهم عزابا).
وعلى كل حال، فإن هذا الاطمئنان أو السكن يكون من عدة جهات " جسميا وروحيا وفرديا واجتماعيا ".
ولا يمكن إنكار الأمراض التي تصيب الجسم في حالة عدم الزواج، وكذلك عدم التعادل الروحي والاضطراب النفسي عند غير المتزوجين.
ثم أن الأفراد العزاب لا يحسوون بالمسؤولية - من الناحية الاجتماعية - كثيرا.. ولذلك فإن الانتحار تزداد بين أمثال هؤلاء أكثر.. كما تصدر منهم جرائم مهولة أكثر من سواهم أيضا.
وحين يخطو الإنسان من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الحياة الأسرية يجد في نفسه شخصية جديدة، ويحس بالمسؤولية أكثر،، وهذا السكن والاطمئنان في ظل الزواج.

وأما مسألة " المودة والرحمة " فهما في الحقيقة ملاك البناء في المجتمع الإنساني، لأن المجتمع يتكون من افراد متفرقين كما أن البناء العظيم يتألف من عدد من الطابوق و " الآجر " أو الأحجار. فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقين اجتمعوا، أو أن تلك الأجزاء المتناثرة وصلت بعضها ببعض، لنشأ من ذلك المجتمع أو البناء حينئذ.
فالذي خلق الإنسان للحياة الاجتماعية جعل في قلبه وروحه هذه الرابطة الضرورية.

والفرق بين " المودة " و " الرحمة " قد يعود إلى الجهات التالية:
١ - المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين، ولكن في النهاية، وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادرا على الخدمة، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحل محلها.
٢ - المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم، أما الأطفال والصبيان الصغار، فإنهم يتربون في ظل الرحمة.
٣ - المودة، غالبا ما يكون فيها " تقابل بين الطرفين "، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل، غير أن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحيانا، فأساس بقاء المجتمع هو " المودة " ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الايثار والرحمة.
وبالطبع فإن الآية تبين المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن يحتمل أن يكون التعبير " بينكم " إشارة إلى جميع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير، لأنه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلا بهذين الأصلين (المودة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع - وحتى نقصانهما يؤدي إلى أنواع الارباك والشقاء والاضطراب الاجتماعي .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

03 Nov, 13:56


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

و نحن بدورنا نستلهم من تلك القصّة، عدّة دروسٍ، منها:

١ - العثور على معلّمٍ مطّلع حكيمٍ للتعلّم عنده، و الإستنارة من نور علمه، أمرٌ من الأهميّة بمكان، بحيث امِرَ رسول من رُسل اولى العزم بذلك، وقد قطع المسافات الطويلة كي يَدرس عنده، و يقتبس من فَيض علمه.

٢ - عَدم تعجّل الامور، و إنتظار الفرصة المُناسبة، أو كما يُقال: «إنّ الامور مرَهونةٌ بِأَوقاتها».

٣ - الحوادث الجارية حولنا، ربّما تحمل ظاهِراً و باطناً، وعلينا عدم النّظر إلى الظّاهر فقط، لِئلّا نخطأ في الحكم على الامور، من موقع العجلة و عدم التّأنّي، و علينا الأخذ بنظر الإعتبار بَواطِنها.

٤ - عدم الإنضباط و الإلتزام بالعهود، ربّما يَحرم الإنسان من بعض البركات المَعنويّة إلى الأبد.

٥ - الدّفاع عن الأيتام و المستضعفين، و الوقوف في وجه الظّالمين و الكفار، يُعتبر واجباً على المؤمنين، الذين يتحرّكون في خطّ الرّسالة و المسؤوليّة، و قد تُدفع في سبيل ذلك الأثمان الباهظة.

٦ - أينما وصل الإنسان في مراحل العِلم و الرّقي، عليه أن لا يتغترّ بعلمه، و لا يتصور أنّه وصل إلى حدّ الكمال، لأنّه قد يتسبب هذا التّصور، في تجميد حركة الإنسان الصّاعدة، و القناعة بما عِنده من العلم.

٧ - إنّ للَّهِ تعالى جُنوداً و ألطافاً خفيّةً تنصرُ المظلوم، بِطرقه المختلفة، وكلّ إنسانٍ مؤمنٍ، عليه أن يتوقّعها في كلّ لحظةٍ.

و هناك نقاطٌ مفيدةٌ اخرى أيضاً.

و هذه القصّة سواء كانت تحمل أهدافاً حقيقةً لتعليم موسى عليه السلام، أم أنّها تحمل نِداءاتٍ للناس؛ لكي يتعلموا ويقتدوا بالأعاظم من البشر، لا تختلف عما نحن بصدده.

والخُلاصة: أنّ القدوة و الدّليل و الاسوة، هو أمرٌ لابدّ منه للاستزادة من العلوم، و تهذيب النّفوس في خطّ التّكامل المعنوي و بناء الذّات .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

02 Nov, 12:55


قال الله تعالى : فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) محمد .

إن هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب وهم على أعتاب الموت وقبض أرواحهم ليذوقوا وبال الكفر والنفاق والعناد، وهم يضربون وجوههم لأنها اتجهت نحو أعداء الله، ويضربون أدبارهم لأنهم أدبروا عن آيات الله ونبيه.

وهذا المعنى نظير ما ورد في الآية (٥٠) من سورة الأنفال حول الكفار والمنافقين: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق.

وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت، فتقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم.
لأن رضي الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكل سعي وجهد، وبناء على هذا، فمن الطبيعي أن تحبط أعمال أولئك الذين يصرون على إغضاب الله عز وجل وإسخاطه، ويخالفون ما يرتضيه، ويودعون هذه الدنيا وهم خالوا الوفاض، قد أثقلتهم أوزارهم، وأرهقتهم ذنوبهم.
إن حال هؤلاء القوم يخالف تماما حال المؤمنين الذين تستقبلهم الملائكة بوجوه ضاحكة عندما يشرفون على الموت، وتبشرهم بما أعد الله لهم: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولن سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون .

ومما يلفت النظر أن الجملة فعلية في مورد غضب الله تعالى: ما أسخط الله وهي أسمية في مورد رضاه: رضوانه، وقال بعض المفسرين: إن هذا التفاوت في التعبير يتضمن نكتة لطيفة، وهي أن غضب الله قد يحدث وقد لا يحدث، أما رضاه ورحمته فهي مستمرة دائمة.
وواضح أيضا أن غضب الله تعالى وسخطه لا يعني التأثر النفسي، كما أن رضاه سبحانه لا يعني انبساط الروح وانشراح الأسارير، بل هما كما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): " غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

01 Nov, 12:13


قال الله تعالى : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) الأنعام .

تصف الآية السابقة حال الكافرين بالقول: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.
لأن ممارسة الظلم في حقيقتها ظلم للنفس قبل الآخرين، لأن الظالم يتلف ملكاته الوجدانية، ويهتك حرمة الصفات الفطرية الكامنة فيه.
بالإضافة إلى أن الظلم متى ما شاع وانتشر في أي مجتمع، فالنتيجة الطبيعية له أن يعود على الظالمين أنفسهم ليشملهم الحال.
أما حين تحين ساعة الموت وتقبض الملائكة أرواحهم فيموتون ويزول حجاب الغفلة عن العيون فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء.

لماذا ينكرون عملهم القبيح ؟ فهل يكذبون لأن الكذب أصبح صفة ذاتية لهم من كثرة تكراره، أم يريدون القول : إننا نعلم سوء أعمالنا، ولكننا أخطأنا ولم تكن لدينا نوايا سيئة فيه ؟؟.
يمكن القول بإرادة كلا الأمرين.
ولكن الجواب يأتيهم فورا: إنكم تكذبون فقد ارتكبتم ذنوبا كثيرة: بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون حتى بنياتكم.
وليس المقام محلا للإنكار أو التبرير.. فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين.

التسليم بعد فوات الأوان:

قليل أولئك الذين ينكرون الحقيقة بعد رؤيتها في مرحلة الشهود، ولهذا نجد المذنبين والظالمين يظهرون الإيمان فورا بعد أن تزال عن أعينهم حجب الغفلة والغرور وحصول العين البرزخية في حال ما بعد الموت، كما بينت لنا الآيات السابقة فألقوا السلم.

وغاية ما في الأمر أن الكل مستسلم، ولكن الحديث يختلف من بعض إلى بعض، فقسم منهم يتبرأ من أعماله القبيحة بقولهم: ما كنا نعمل من سوء أي إنهم من كثرة ممارستهم للكذب فقد اختلط بلحمهم ودمهم والتبس عليهم الأمر تماما، فمع علمهم بعدم فائدة الكذب في ذلك المشهد العظيم ولكنهم يكذبون!
ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أن هناك من يكذب حتى في يوم القيامة، كما في الآية الثالثة والعشرين من سورة الأنعام: قالوا والله ربنا ما كنا مشركين!
وقسم آخر يظهر الندامة ويطلب العودة إلى لحياة الدنيا لإصلاح أمره، كما جاء في الآية (١٢) من سورة السجدة.
وقسم يكتفي بإظهار الإيمان كفرعون، كما جاء في الآية (٩٠) من سورة يونس.
وعلى أية حال.. سوف لا تقبل كل تلك الأقوال لأنها قد جاءت في غير وقتها بعد أن انتهت مدتها، ولا أثر لهكذا إيمان صادر عن اضطرار.

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

30 Oct, 14:16


قال الله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) الأنعام .

توقعات باطلة ومطاليب مستحيلة:

في الآيات السابقة تبينت هذه الحقيقة وهي: أننا أتممنا الحجة على المشركين، وآتيناهم الكتاب السماوي (أي القرآن) لهدايتهم جميعا، لكي لا يبقى لديهم أي عذر يبررون به مخالفتهم للرسالة ومعارضتهم للدعوة.

وهذه الآية تقول: ولكن هؤلاء الأشخاص المخاصمين المعاندين بلغوا في لجاجهم وعنادهم حدا لا يؤثر فيهم حتى هذا البرنامج الواضح البين، وكأنهم يتوقعون وينتظرون هلاكهم، أو ذهاب آخر فرصة، أو ينتظرون أمورا مستحيلة.
فيقول أولا: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لتقبض أرواحهم.
أو يأتي ربك إليهم فيرونه، حتى يؤمنوا به.

ويراد من هذا الكلام في الحقيقة أنهم ينتظرون أمورا مستحيلة، لا أن مجيء الله سبحانه وتعالى أو رؤيته أمور ممكنة.
وهذا النوع من البيان والكلام أشبه ما يكون بمن يقول لشخص مجرم معاند، بعد أن يريه ما لديه من وثائق كافية دامغة وهو مع كل هذا ينكر جنايته: إذا كنت لا تقبل بكل هذه الوثائق، فلعلك تنتظر أن يعود المقتول إلى الحياة، ويحضر في المحكمة ليشهد عليك بأنك الذي قتلته؟

ثم يقول: أو أنكم تنتظرون أن تتحقق بعض الآيات الإلهية والعلامات الخاصة بيوم القيامة ونهاية العالم يوم تنسد كل أبواب التوبة: أو يأتي بعض آيات ربك؟
وعلى هذا الأساس فإن عبارة آيات ربك وإن جاءت بصورة كلية وعلى نحو الإجمال، ولكنها يمكن أن تكون بقرينة العبارات اللاحقة التي سيأتي تفسيرها، بمعنى علامات القيامة، مثل الزلازل المخيفة، وفقدان الشمس والقمر والكواكب لأنوارها وأضوائها، وما أشبه ذلك.
أو يكون المراد من ذلك المطاليب غير المعقولة التي يطلبونها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن جملتها أنهم لا يؤمنون به إلا أن تمطر عليهم السماء حجارة، أو تمتلئ صحاري الحجاز القفراء اليابسة بالينابيع والنخيل!!

ثم يضيف عقيب ذلك قائلا: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأبواب التوبة حينذاك مغلقة في وجوه الذين لم يؤمنوا إلى تلك الساعة، لأن التوبة ساعتئذ تكون ذات صبغة اضطرارية إجبارية، وفاقدة لمعطيات الإيمان الاختياري وقيمة التوبة النصوح.
هذا، ويتضح مما قيل أن عبارة أو كسبت في إيمانها خيرا تعني أن الإيمان وحده لا ينفع في ذلك اليوم، بل حتى أولئك الذين آمنوا من قبل، ولكنهم لم يعملوا عملا صالحا، لم ينفعهم في ذلك اليوم أن يعملوا عملا صالحا، لأن أوضاعا كتلك تسلب من الإنسان القدرة على ارتكاب الذنب، وتقوده نحو العمل الصالح بصورة جبرية لا مفر منها، فلا يكون لمثل هذا العمل أية قيمة ذاتية.

ثم إنه في المقطع الأخير من الآية يوجه تهديدا شديدا إلى هؤلاء الأشخاص المعاندين، إذ يقول بنبرة شديدة: قل انتظروا إنا منتظرون.

بحث : لا فائدة للإيمان بدون عمل:

إن من النقاط الهامة التي نستفيدها من الآية الحاضرة هو أن الآية تعتبر طريق النجاة منحصرة في الإيمان، ذلك الإيمان الذي يكتسب المرء فيه خيرا ويعمل في ظله عملا صالحا.
ويمكن أن ينطرح هذا السؤال وهو: هل الإيمان وحده غير كاف ولو خلي من جميع الأعمال الصالحة؟
ونجيب: صحيح أن المؤمن يمكن أن يزل أحيانا ويرتكب بعض الذنوب المعاصي ثم يندم على فعله ويعمد إلى إصلاح نفسه، ولكن من لم يعمل أي عمل صالح طوال حياته، ولم يستغل الفرص الكثيرة والكافية لذلك، بل على العكس من ذلك صدر منه كل قبيح ووقعت منه كل معصية، واقترف كل إثم، فإنه يبدو من المستبعد جدا أن يكون من أهل النجاة، ومن الذين ينفعهم إيمانهم، لأنه لا يمكن أن نصدق بأن شخصا ينتمي إلى دين من الأديان، ولكنه لا يعمل بأي شيء من تعاليم ذلك الدين ولا مرة واحدة في حياته، بل كان يرتكب خلافها دائما، إذ إن حالته وموقفه هذا دليل قاطع وبين على عدم إيمانه، وعدم اعتقاده.
وعلى هذا الأساس يجب أن يقترن الإيمان ولو بالحد الأدنى من العمل الصالح، ليدل ذلك على وجود الإيمان .

💍 دروس في تفسير القرآن 💍

27 Oct, 13:40


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

قصّة موسى‌ و الخَضر عليهما السلام:

إتّخاذُ المعلّم و الدّليل، في طريق السّير و السّلوك إلى اللَّه تعالى، من الأهميّة بمكانٍ، بحيث أُمِرَ بَعض الأنبياء، في بُرهةٍ من الزّمن، للحُضورَ عند الاستاذ أو المُرشد.
و من ذلك قصّة موسى عليهما السلام و الخضر، المليئة بالمفاهيم والمضامين العميقة، و التي وَردت في سَورة الكهف، من القرآن المجيد.
فقد امِرَ موسى‌ عليه السلام، لأجل إسترفاد بعض العلوم، التي تحمل الجانب العملي و الأخلاقي أكثر من الجانب النّظري، أُمِرَ بالذّهاب إلى عالم زمانه، لِيَستقي منه العِلم، و قد عرّفه القرآن الكريم، بأنّه: «عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً».
فشدّ موسى عليه السلام، الرّحال فعلًا مع أحد أصحابه، متّجهاً نحو المكان الذي يتواجد فيه الخِضر عليه السلام، و مع غَضّ النّظر عَمّا صادفاه في الطّريق إليه، وَصل مُوسى عليه السلام إلى المكان الموعود، فقال له الخِضر عليه السلام،: «إِنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعي صَبراً»، ولكنّ موسى عليه السلام وعده بالصّبر.
توالت الأحداث الثّلاثة، واحدة بعد الاخرى، المعروفة و الواردة في القرآن الكريم: أولها خَرق السّفينة الّتي كانوا عليها، فإعترض موسى عليه السلام، و ذكّره بخَطر الغَرق لِلسفينة بِمن فيها، فقال له الخِضر: «ألم أَقُل لَكَ إِنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعي صَبراً» فندم و إختار عليه السلام السّكوت، حتى يوضّح له ملابسات الأمر.
ولَم يَمض قليلًا، حتى صادفوا صَبيّاً فقتله، الخِضر عليه السلام مباشرةً من دونِ توضيحٍ و دليلٍ، فهذا الأمرُ المُريع أثارَ موسى عليه السلام مرّةً اخرى، و نسِيَ ما تَعهّد به، و إعترض على استاذه بأشدّ من الّتي قَبلها، فقال: «أَقَتَلْتَ نَفساً بِغَيرِ نَفْسٍ لَقَد جِئتَ شَيئاً إمراً».
و لِلمرّة الثّانية، ذكّر الخِضر موسى عليه السلام بالعهد الذي قطعه على نفسه، و قال له: إذا تكرّر
منك هذا العمل لِلمرّة الثّالثة، فسوف تَنقطع العلاقة بيني و بينك، و ننفصل في هذا السّفر، فعلم موسى عليه السلام، أنّ في قَتل الغلام سِرّاً مُهمّاً، فآثر السّكوت، ليتّضح له السرّ فيما بعد.
و تَلَتها الحادثة الثّالثة، و قد وردوا في قَريةٍ، فلم يُضيفوهما ولم يعبؤوا بِهما، فَوجد الخِضر عليه السلام جداراً يُريد أن يَنقضّ، فَأقامَه عليه السلام، و طلب العَون من موسى‌ عليه السلام في هذا الأمر، فَرمَّم الجِدار، فضاق موسى ذَرعاً بالأمر، فَصاح: «لَو شِئتَ لَتَّخَذْتَ عَلِيهِ أَجراً».
فأين يكون موضع التّعامل مع هؤلاء من موقع الرّحمة، مع كلّ تلك القساوة التي واجهوها من أهل تلك القرية؟.
و هنا أعلن الخِضر عليه السلام إنفصاله عن موسى‌ عليه السلام، لأنّه نقض العَهد ثلاثَ مرّاتٍ، ولكنّه و قبل الفِراق، أعلمه بالأسرار لتلك الحوادث الثّلاثة، فقال له: إنّ السّفينة كانت لِمساكين، و كان عندهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ سَليمةٍ غَصباً، فَأعَبْتُها كَيْ لا يأخذها منهم، و الشّاب المقتول، كان يستحق الإعدام، لأنّه كافرٌ و مرّتدٌ، و كان الخوف على أبويه من موقع التّأثير عليهما، ولئّلا يحملهما على الكفر.
و الجِدار كان ليتيمين في المدينة، و كان تَحته كنزٌ لَهُما، وكان أبوهما صالحاً، فأراد ربّك أن يستخرجا كنزهما فيما بَعد، ليعيشا بذلك المال، ثم أكدّ عليه أن كلّ ذلك كان بأمر اللَّه تعالى، وليس تصرّفاً من وَحي أفكاري‌ .
رجع بعدها موسى عليه السلام، محّملًا بمعارفٍ و علومٍ في غاية الأهميّة .

5,312

subscribers

2

photos

1

videos