ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه ** فهذا العيشُ ما لا خَيرَ فيهِ
ألا موتٌ لذيذُ الطعمِ يأتي ** يُخَلِّصَنِي من العيشِ الكَريهِ
إذا أبصرتُ قبراً مِن بعيدٍ ** وددتُ لو أنني مما يليهِ
ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍ ** تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ
فلما سمع الأبيات صديقة عبد الله الصوفي الذي كان يرافقه في تلك السفرة، اشترى له لحماً بدرهم وقام بطبخه وأطعمه وتفارقا، ثم تقلبت الأمور في الوزير المهلبي الأديب فاصبح وزير لمعز الدولة في بغداد، وفي المقابل اشتدت الضائقة على صاحبة عبد الله الصوفي الذي اشترى له اللحم في تلك السفرة، فقصد صاحبة، واراد ان يدخل على الوزير المهلبي لكن الحاجب منعه، فكتب أبيات في رقعة ثم دفعها إلى الوزير المهلبي:
ألا قل للوزير فدته نفسي ** مقال مُذَكِّرٍ ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ ** ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه
فلما قرأ الوزير المهلبي الرقعة وقف عليها، تذكر صاحبة، وهزته أريحية الكرام، وكتب على ظهر رقعته: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة : 261]، فأمر له بسبعمائة درهم، وأكرمه ثم قلده عملاً يرتفق به ويرتزق منه.