Последние посты القناة العلمية لأبي محمد حسن بن حامد (@hassanelim) в Telegram

Посты канала القناة العلمية لأبي محمد حسن بن حامد

القناة العلمية لأبي محمد حسن بن حامد
لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم
1,129 подписчиков
930 фото
70 видео
Последнее обновление 27.02.2025 19:04

Похожие каналы

اشاوس الدعم السريع
17,258 подписчиков

Последний контент, опубликованный в القناة العلمية لأبي محمد حسن بن حامد на Telegram


بسم الله الرحمن الرحيم
دَوَاءُ الْقَبَلِيَّةِ الْقَاتِلَةِ

قال الشيخ المحدث وصي الله عباس في درسه في شرح صحيح مسلم في المسجد الحرام :
" قولها رضي الله عنها : "ما تقاولت به الانصار يوم بعاث" .
إن قيل : لِمَ سمح لهم بذلك وقد يكون سبباً في تهييج الشر واثارة الأحقاد؟
أجاب العلماء بأن الصحابة قد تمكن الإسلام من قلوبهم فلا يُخشى ذلك عليهم بل يذكرون بذلك نعمة الله عليهم بالتآلف والمحبة ، قال تعالى : { وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا}"
قال أبو محمد : هذه الفائدة النفيسة قيّدتها من درس أول أمس للشيخ حفظه الله والحديث بتمامه هو ما رواه مسلم بإسناده عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا».
قال الإمام النووي :
" أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر ، وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الأنصار : الأوس والخزرج في الجاهلية حرب ، وكان الظهور فيه للأوس ."
قولها رضي الله عنها : (بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ) أي: قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء.
بيّن الشيخ وصي الله حفظه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من تناشد الأشعار التي قيلت في معارك العرب الكبرى مع أنها قد تُثير الحمية وتُوقظ العصبية القبلية وتُنتج الشر وتُفرِّق الكلمة لأن الصحابة لما خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان وترسخت بينهم الأخوة الإيمانية والعصبية الإسلامية وكان لسان حالهم
أبي الإسلام لا أب لي سواه*إذا افتخروا بقيس أو تميم
كانت تلك الأشعار سبباً في تذكيرهم بنعمة الإسلام التي حقنت دماؤهم ووحدت كلمتهم وانتجت عزهم ووجهت أسيافهم لتضرب حيث يحب الله .
فما أحوجنا الى دعوة الاسلام الحق التي كان عليها السلف لتُقوِّمَ أعوجاجنا وتُوحد كلمتنا وتدرأ الفتنة عنا ، وما أحوجنا إلى إعداد الدعاة العالِمين لينتشروا بين أهلنا ويبثوا فيهم نور التوحيد والسنة وبصيرة الكتاب والسنة الكفيلة بسعادة الدارين .

أبو محمد حسن بن حامد
٨ شعبان ١٤٤٦ هـ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رُؤْيَا تَحَقَّقَتْ

ذَكَرُوا فِي تَرْجَمَةِ الْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ آدَمَ الْوَلَوِيِّ الْإِتْيُوبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَنَّهُ رَأَى فِي نَوْمِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقْرُؤُهُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ فَمَا نَظَرَ بَعْدَهَا الَى صَفْحَةٍ الَّا وَحَفِظَهَا بِيُسْرٍ ، وَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ صُعُوبَةً . "
الْعَلَامَةُ مُحَمَّدٌ الْإِتْيُوبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ مَفَاخِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ السَّلَفِيِّينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ تَمَكُّنًا وَرُسُوخًا فِي الْعِلْمِ وَسَعَةً فِي الْإِطْلَاعِ وَاتِّقَانًا فِي الْحِفْظِ وَحُسْنًا فِي الْفَهْمِ وَاسْتِقَامَةً فِي السَّيْرِ وَثَبَاتًا عَلَى مَنْهَجِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ هُمْ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَهُمْ وَيَتَّصِلَ بِهِمْ شَبَابُ الْأُمَّةِ إِنْ ارَادُوا بِنَاءً مَنْهَجِيًّا حَقًّا لَا هَدْمًا حَرَكِيًّا وَإِنْ تَسَمَّى بِالْبِنَاءِ !

أَبُو مُحَمَّدٍ حَسَنُ بْنُ حَامِدٍ
٧ شعبان ١٤٤٦ هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الْكَثْرَةُ مِصْيَدَةُ الضَّلَالِ

من تدبر القرآن ودرس سيرة الأنبياء والمصلحين لم تغره الكثرة ولم تُعشِ بصره الجموع الهادرة.
فإن الكثرة لم تكن يوما وصفاً للحق والصلاح ولا معلماً له.
والكثرة ليست مطلبا للمصلحين بل إن المجابهة بالحق ممن يُريد الله والدار الآخرة سبب في انفضاض أصحاب الأهواء وطلاب الشهوات ، قال بعض السلف : "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقا : نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين حتى والله لقد رموني بالعظائم وأيم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه "
والقرآن الكريم يقرر قاعدة عامة، وسنة كونية، حاصلها أن الخير والصلاح والهداية في البشر عامة قليل، وأن الأكثرية على عكس ذلك، فكثير منهم لا يؤمنون، وكثير منهم لا يعلمون، وكثير منهم لا يشكرون، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تناولها القرآن الكريم.
بل ذم الكثرة في القرآن أكثر من مدحها، وقد ورد ذلك في عدد كبير من الآيات؛ منها قول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ ، ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ ، ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ ، ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾ ، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾.
وربنا يحذِّرنا في القرآن من اتباع أكثر الناس؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ .
غير أنه قد يُعجب أقوام وينبهرون بالكثرة فيعميهم ذلك عن الباطل المختفي وراءها ، فينساقون !
فانتبه يا عبد الله لا تغتر، ولايستهوينك باطلُهم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: " الزَم طريق الهدى ولا يضرك قله السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين" ، ويقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره :
" { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطِّيبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: لَا يَعْتَدِلُ الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ، وَالصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَالْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يَقُولُ: لَا يَعْتَدِلُ الْعَاصِي وَالْمُطِيعُ لِلَّهِ عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ كَثُرَ أَهْلُ الْمَعَاصِي فَعَجِبْتَ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ قَلُّوا دُونَ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ مَعَاصِيهِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فَيُمْهِلُهُ وَلَا يُعَاجِلُهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَةَ لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ دُونَهُمْ "
فالكثرة ليست ميزانًا يوزن به الحق والباطل؛ روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ)، فاخبرني، هل هؤلاء الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا على الحق؛ لأن أتباعهم قلة، بل غاية في القلة ، بل فيهم من لم يتبعه أحد؟!
معاذ الله أن يُقال ذلك لكن حينما تشتد غربة الدين يقل الصالحون؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، فَقِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)؛ رواه أحمد وصححه الألباني.
بينما القرآن الكريم إذا ذكَر (القِلّة) فهو يذكرها غالبًا في مقام المدح والإشادة ، والإشارة إلى أنّ القِلّة الطيّبة خير من الكثرة السيئة، إلّا إذا نُسبت الكثرة إلى الله، فإنها حينئذٍ تكون جامعة للحُسنيَيْن؛ لكثرةِ العدد، وجلال القيمة ، قال تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ } ، { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِیكُم بِنَهَرࣲ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَیۡسَ مِنِّی وَمَن لَّمۡ یَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّیۤ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِیَدِهِۦۚ فَشَرِبُوا۟ مِنۡهُ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ قَالُوا۟ لَا

طَاقَةَ لَنَا ٱلۡیَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ} ، { وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا } ، {ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ } ، { قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِی بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَقَلِیلࣱ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ ۩ } ،
ولا يعكِّر على ذلك أنْ نرَى بعض الآيات الكريمة يُذكر فيها الخير والشرّ موصوفَيْن بالكثرة، كقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ ، فلهذا وجهه وتأويله.
يقول النيسابوري: «وأهلُ الهدى كثيرٌ في أنفسهم، وحيث يوصَفون بالقِلّة: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ، ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ ؛ إنما يوصَفون بها بالقياس إلى أهل الضلال، وأيضًا فإنّ المهديين كثيرٌ في الحقيقة، وإنْ قلُّوا في الصورة.
إِنَّ الكِرَامَ كثِيرٌ في البِلادِ، وإنْ ** قَلُّوا، كَمَا غَيْرُهُمْ قُلٌّ وإنْ كَثُروا».
ومع ذلك فإن الكثير من الطوائف وفيهم من انتسبوا إلى منهج السلف اغتروا بالكثرة ، وجعلوا يحتجون بها على من خالفهم ، فيقال لهم ، إن الكثرة ليست هي الدليل على الحق في كل وقت وحين ، الكثرة تكون محمودة إذا كانت على المحجة ، اما الكثرة القائمة على الشرك أو البدع أو التعصب والتقليد والتحزب فليست بحجة ولا فضل لها.
قال الشيخ محمد ناصر الالباني :
" الذين يعرفون هذا المنهج النقي الأبيض إنما هي الطائفة المنصورة التي تحدث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها في حديث متواتر ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطرق قطعية الثبوت ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة )
( لا يضرهم من خالفهم ) هل هم الكثرة الكاثرة من المسلمين أم هي الطائفة القليلة المنصورة؟
الحديث صريح في ذلك ولذلك فلا يكن هم أحدكم أن يكون مع الأكثرين لأن الله رب العالمين يذم الأكثرين في غالب آيات القرآن الكريم بمثل قوله (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) (( ولكن أكثر الناس لا يشكرون )) (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )) ولذلك فينبغي أن يكون هَمُّ أحدنا أن يكون من عباده القليل من الطائفة المنصورة ما صفة هذه الطائفة المنصورة؟ هنا بيت القصيد في هذه الكلمة هي ما جاء ذكره في أحاديث الغربة، أحاديث الغربة التي جاء فيها ثلاث روايات صحيحة، الرواية الأولى في صحيح مسلم من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) هذا حديث مسلم، الحديث الثاني في مسند الإمام أحمد رحمه الله ذكر هذا الحديث وزاد زيادة طيبة وهي أن سائلا سأل فقال " من هم الغرباء يا رسول الله؟ " فقال عليه الصلاة والسلام ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) انظروا هنا يمدح القلة ولا يمدح الكثرة بل هو يذمها قال ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) فإذن مِن صفة هؤلاء الغرباء الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطوبى وهي شجرة في الجنة يمشي الراكب المسرع تحتها مئة عام لا يقطعها هؤلاء هم الغرباء الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه البشارة العظمى فقال ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) وهذه الصفة ينبغي أن تكون صفة عامة في الغرباء أما الصفة التالية وهي في الحديث الثالث، فهي صفة من خاصة الغرباء، هي صفة من خاصة الغرباء أي هي صفة في علماء الغرباء ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاب مرة عن ذاك السؤال من هم الغرباء؟ فقال عليه الصلاة والسلام في المرة الأخرى ( هم الذين يُصْلِحُون ما أفسد الناس من سنة من بعدي ) فإذًا كلمة الغرباء تعني المتمسكين بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف أي هم الفرقة الناجية، ولكن ليس من الضروري أن يكون كل فرد ممن يكون حقا من الفرقة الناجية أن يكون عالما، هذا أمر ضروري جدا ثم ليس من الضروري أن يكون كل من كان من الفرقة الناجية وعالما أيضا أن يكون عالما بالكتاب والسنة فقد يكون عالما من العلماء الذين يتبعون مذهبا من مذاهب الأئمة المهتدين المتبعين ولكنه

لا يستطيع أن يميز الصواب من الخطأ مما اختلف فيه الناس، لا يستطيع أن يميز السنة من البدعة حينما اختلطت السنن بالبدع وما أكثر هذا الاختلاط في هذا الزمان ولذلك فقوله صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه الآخر عن الغرباء ( هم الذين يُصْلِحُون ما أفسد الناس من سنة من بعدي ) هذا بلا شك وصف في خاصة الغرباء وخاصة الفرقة الناجية، لذلك فمن عاش ومن أدرك منكم في هذا الزمن المضطرب بالمختلفة من الفتن فعليه أولا وقبل كل شيء أن يكون من الفرقة الناجية وهذا ليس من الضروري أن يكون عالما لأنه ليس من الفرض العيني على كل مسلم أن يكون عالما ولكن من الفرض العيني على كل مسلم أن يعرف ما يجب عليه فيما يتعلق بعقيدته فيما يتعلق بعبادته وفيما يتعلق بسلوكه العيني الواجب العيني عليه، فإذا لم يكن عالما كما هو شأن عامة الناس يأتي هنا قول الله عز وجل في القرآن الكريم ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) "

أبو محمد حسن بن حامد
٦ شعبان ١٤٤٦ هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الزُّكَامُ وَالزُّحَامُ

الإسلام جاء بتقعيدات وتشريعات تكفل لمن عمل بها الراحة والسعادة والسلامة في الدارين.
فمن ذلك أن المريض تسقط عنه كثير من الأحكام إما رأساً أو إلى تخفيف ومنه شهود صلاة الجماعة إذا كانت تشق عليه لا سيما اذا كان مرضه معدياً وإن شهدها أخذ بالإجراءات الاحترازية التي تمنع انتشار العدوى إن أمكن.
والمسلمون إلا من رحم الله لا يأخذون بهذه الأحكام ولهذا فإن من من اعتمر أو حجّ لا بد أن يصيبه الزكام ويعاني منه أنواع الآلام ! إلا ما شاء الله.
لأن المريض به يغشى الحرمين مع شدة الزحام وينشر الجراثيم بلا اكتراث ولا اهتمام ، فيعطس ولا يتلقى ذلك بمنديل ونحوه ولا يهتم، ويسعل ويكح ناشراً الجراثيم ولا يكظم.
مع أن المعذور
عن شهود الجماعة في الحرمين يثبت له التفضيل والأجور!
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه عنه ابْنُ عَبَّاسٍ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " رواه أحمد وله طرق.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
قال ابن العربي : " الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجا للأعضاء وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء ، وقد شاهدنا من وقع له ذلك. " فتأمل كمال الشريعة وحكمتها !
وفي الحديث أدب من آداب العطاس ومثله السعال وهو متأكد في حق المريض حتى لا يؤذي أحدا ، فالمريض يُشرع له أن يضع منديلا على أنفه وفمه عند السعال والعطاس ، وأن لا يفعل ذلك في وجه أحد من الناس .
وقد قرر العلماء أن الزكام إذا كان شديدا يتأذى به الناس فإن المصاب به لا يحضر الجماعة والجمعة ويُعذر في تركها.
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وبعض الناس إذا كان مريضا فعطس أو سعل فإنه يتلقى ذلك بيده اليمنى التي يصافح بها الناس ويناولهم بها الأشياء ! فيتسبب في نشر العدوى وأذية الناس كما حصل ذلك كثيرا والله المستعان .
وإذا كان تنبيه عموم المسلمين على هذه المسائل مطلوباً فإنه يتأكد في حق المعتمرين والحُجّاج وهذا من جملة الوظائف التي ينبغي أن تُعنى بها الجهات المسؤولة عنهم .

أبو محمد حسن بن حامد
٥ شعبان ١٤٤٦ هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
حُكْمُ الْأَمْوَالِ الَّتِي اسْتُرِدَّتْ مِنْ الدَّعَّامَةِ الْمُنَافِقِينَ وَحَازَهَا الْجَيْشُ مِنْهُمْ

يتسائل الكثيرون عن حكم الأموال النقدية والعينية التي تُوجد عند الدعّامة اللصوص المنافقين بعد هزيمتهم ودحر الجيش لهم ، ما حكمها ؟
والجواب : أنه لا يُعتبر شيء من هذه الاموال غنيمة على القول الراجح من أقوال العلماء لأنهم مع عظيم جرمهم وإفسادهم وخيانتهم ليسوا كفاراً ، ثم إن هذه الأموال متنوعة ، فما كان منها من معسكرات وما فيها ومركبات قتالية وأسلحة ومعينات عسكرية ونحوها فهذه أموال جهةٍ كانت تتبع للدولة وقد تمردت عليها فتئول للدولة وهي القاضية عليها وفيها.
وما كان من أموال نهبوها من المواطنين فهي أموال معصومة لا يجوز لأحد التصرف فيها بل يجب حصرها وضبطها وحفظها حتى تُعاد لأصحابها قال ابن حزم : " اتفقوا أن ما وجد بيده -أى المحارب- وبيد الباغين المتأولين مردود إلى أربابه" ، ولايحق لعسكريٍ أو غيره التصرف فيها أخذاً أو إعطاءً فإن لم يُعرف أصحابها فلا يبعد أن تُصرف للمتضررين من المواطنين ممن فقدوا ممتلكاتهم تعويضاً لهم وتكون صدقة لأصحابها وهذه وظيفة الدولة وواجبها .
وأما الأموال الخاصة بالمتمردين المأجورين فأكثر العلماء على أنها لا تُغنم ولا يزول ملكهم عنها ولو كانوا خوارج أو محاربين لأنهم مسلمون ، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في المطلب الحميد : " الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون المحققون أن الخوارج لا يكفرون."
على أنهم لمّا كانوا قد توسعوا في تدمير مرافق الدولة وبِنيتها التحتية ونهب أموال الناس وسرقتها فأنها تُضبط وتُحاز لجبر الضرر العام والخاص الحاصل من عدوان هؤلاء الأوباش ويؤيد ذلك أنها قد تدخل في التعزير بالمال على القول به وهو اختيار شيخ الإسلام ، وفي مسألة الظَفَر في بعض الصور وغيرها ، بل يُلاحقون قضائيا داخلياً وخارجياً هم والدول التي ثبتت مشاركتها لهم في تمردهم وعدوانهم وخروجهم وحرابتهم للمطالبة بالتعويض العادل وإيقاع العقوبة الرادعة على تعدياتهم التي طالت الاموال العامة والخاصة ، دعك من جرائمهم ضد البشر والشجر والحجر والبيئة والبهائم وغيرها ، ولإن المقرر عند العلماء أن الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة يوجب الضمان والتعويض ، ولو كان الاعتداء يسيراً (وهذا أحد الفروق في الأحكام بين البغاة والخوارج) ، والله أعلم .
وما كان من صوابٍ في هذا التقرير فهو من توفيق الله وما كان من خطإٍ فهو مني وجزى الله خيرا من دلّني عليه والله المستعان.
وهذه بعض النقول عن العلماء في بيان شيء من ذلك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية: " وشرُّ من قاتلهم علي: هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار، بل حرَّم أموالهم وسبيهم".
وقال في "مجموع الفتاوى": "فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ، وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ، فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا".
وقال أبو محمد ابن حزم رحمه الله في المحلى : واختلفوا أيضا في قتال أهل البغي ؟ فقال بعض أصحاب الحديث : تقسم أموالهم وتخمس - وبه قال الحسن بن حي : أموال اللصوص المحاربين مغنومة مخمسة ، ما كان منها في عسكرهم .
وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة : ما وجد في أيدي أهل البغي من السلاح والكراع فإنه فيء يقسم ويخمس - ولم ير ذلك في غير السلاح والكراع .
وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه : أما ما دامت الحرب قائمة فإنه يستعان في قتالهم بما أخذ من سلاحهم وكراعهم خاصة ; فإذا تلف من ذلك شيء في حال الحرب فلا ضمان فيه ، فإذا وضعت الحرب أوزارها لم يؤخذ شيء من أموالهم لا سلاح ، ولا كراع ، ولا غير ذلك - يرد عليهم ما بقي مما قاتلوا به في الحرب من سلاحهم وكراعهم وقال مالك ، والشافعي ، وأصحابنا : لا يحل لنا شيء من أموالهم : لا سلاح ، ولا كراع ، ولا غير ذلك - لا في حال الحرب ولا بعدها ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه ، بعون الله تعالى .
فنظرنا فيما احتج به أبو حنيفة ، وأصحابه ، بأن يستعمل سلاحهم ، وكراعهم ما دامت الحرب قائمة - فلم نجد لهم في ذلك حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا إجماع - وما كان هكذا فهو باطل بلا شك ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } والسلاح والكراع مال من مالهم فهو محرم على غيرهم ، لكن الواجب أن يحال بينهم وبين كل ما يستعينون به

على باطلهم ; لقول الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
فصح بهذا يقينا أن تخليتهم يستعملون السلاح في دماء أهل العدل والكراع في قتالهم تعاون على الإثم والعدوان فهو محرم بنص القرآن .
وصح أن الحيلولة بينهم وبين السلاح والكراع في حال البغي : تعاون على البر والتقوى ، وأما استعماله فلا يحل ; لما ذكرنا ، إلا أن يضطر إليه فيجوز حينئذ ، ومن اضطر إلى الدفاع عن نفسه بحق ففرض عليه أن يدفع الظلم عن نفسه ، وعن غيره ، بما أمكنه من سلاح نفسه أو سلاح غيره ، فإن لم يفعل فهو ملق بيده إلى التهلكة ، وهذا حرام عليه - فسقط قول أبي حنيفة وأصحابه .
ثم نظرنا في قول أبي يوسف فلم نجد لهم شبهة إلا خبرا رواه فطر بن خليفة عن محمد بن الحنفية : أن عليا قسم يوم الجمل فيهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح - وهذا خبر فاسد ، لأن فطرا ضعيف .
وذكروا أيضا ما كتب به إلى يوسف بن عبد البر النمري قال : نا أحمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني نا بكر بن سهل نا نعيم بن حماد نا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي البختري ، والشعبي ، وأصحاب علي " عن علي أنه لما ظهر على أصحاب الجمل بالبصرة يوم الجمل جعل لهم ما في عسكر القوم من السلاح ، فقالوا : كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ولا نساؤهم ؟ قال : هاتوا سهامكم فأقرعوا على عائشة ، فقالوا : نستغفر الله ، فخصمهم علي رضي الله عنه وعرفهم أنها إذا لم تحل لم يحل بنوها " وهذا أيضا أثر ضعيف ، ومداره على نعيم بن حماد وهو الذي روى بإسناد أحسن من هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم { تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أشدها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال } فإن أجازوه هنا فليجيزوه هنالك .
ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة ; لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم قولة لعلي رضي الله عنه قد خالفوها بآرائهم .
ثم نظرنا فيما ذهب إليه الحسن بن حي فلم نجد لهم علقة إلا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أصحابه عن حكيم بن جبير عن عصمة الأسدي قال : بهش الناس إلى علي فقالوا : اقسم بيننا نساءهم وذراريهم ، فقال علي : عنتني الرجال فعنيتها وهذه ذرية قوم مسلمين في دارهم ، لا سبيل لكم عليهم ما أوت الدار من مال فهو لهم ، وما أجلبوا به عليكم في عسكرهم فهو لكم مغنم .
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا خبر في غاية الفساد ; لأن ابن عيينة - رحمه الله - رواه عن أصحابه الذين لا يدرى من هم ، ثم عن حكيم بن جبير - وهو هالك كذاب فلم يبق إلا من قال : إن جميع أموالهم مخمسة مغنومة ، وقول من قال : لا يحل منها شيء فنظرنا في تلك .
فوجدناهم يحتجون بما نا به حمام بن أحمد قال نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا عفان بن مسلم نا محمد بن ميمون نا محمد بن سيرين عن أخيه معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يخرج ناس من قبل المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه سيماهم التحليق والتسبيد } .
ومن طريق مسلم ني محمد بن المثنى نا محمد بن أبي عدي عن سليمان - هو الأعمش - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق وهم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق } ، وذكر باقي الخبر .
قالوا : وقد قال الله تعالى { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } .
قالوا : فمن الباطل المتيقن أن يكونوا مسلمين ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم شر الخلق ، أو من شر الخلق ، فالخلق والبرية سواء ، قالوا : فإذ هم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شر الخلق ، وقد مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه أبدا ، فهم بيقين من المشركين ، الذين قال الله تعالى : إنهم { شر البرية } لا من الذين آمنوا الذين شهد الله تعالى لهم أنهم من { خير البرية } فأموالهم مغنومة مخمسة كأموال الكفار .
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا قول صحيح ، واحتجاج صادق ، إلا أنه مجمل غير مرتب ، والصحيح من هذا هو جمع الآيات والأحاديث ، فمن خرج بتأويل هو فيه مخطئ ، لم يخالف فيه الإجماع ، ولا قصد فيه خلاف القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتعمد خلافهما ، أو يعند عنهما بعد قيام الحجة عليه ، أو خرج طالبا غلبة في دنيا ، ولم يخف طريقا ، ولا سفك الدم جزافا ، ولا أخذ المال ظلما ، فهذا هو الباغي الذي يصلح بينه وبين من بغى عليه ، على ما في آية البغاة وعلى ما قال عليه السلام من خروج المارقة بين الطائفتين من أمته ، إحداهما باغية ، وهي التي تقتل عمارا ، والأخرى أولى بالحق ،

وحمد عليه السلام من أصلح بينهما .
كما روينا من طريق البخاري نا صدقة نا ابن عيينة نا أبو موسى عن الحسن سمع أبا بكرة قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر ، والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة ، وإليه مرة ، ويقول : ابني هذا سيد ، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين } فإن زاد الأمر حتى يخيفوا السبيل ، ويأخذوا مال المسلمين غلبة ، بلا تأويل ، أو يسفكوا دما كذلك ، فهؤلاء محاربون لهم حكم المحاربة ، فإن زاد الأمر حتى يخرقوا الإجماع فهم مرتدون : تغنم أموالهم كلها حينئذ وتخمس وتقسم - وبالله تعالى التوفيق .
ولا يحل مال المحارب ، ولا مال الباغي ولا شيء منه ; لأنهما وإن ظلما فهما مسلمان - ولا يحل شيء من مال المسلم ، إلا بحق ، وقد يحل دمه ، ولا يحل ماله ، كالزاني المحصن ، والقاتل عمدا - وقد يحل ماله ولا يحل دمه ، كالغاصب ونحو ذلك ، وإنما يتبع النص ، فما أحل الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من دم أو مال حل ، وما حرما من دم أو مال فهو حرام ، والأصل في ذلك التحريم حتى يأتي إحلال ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } وبالله تعالى التوفيق ."

أبو محمد حسن بن حامد
٣ شعبان ١٤٤٦ هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
إِعْتِذَارُ مَنْ لَيْسَ بِمَلُومٍ !

قال الشيخ عبد القادر بن يحيى الضرير البصري رحمه الله في كتابه الطريقة الأثرية (ص ٢٠٨) :
" وهذا الذي تيسر جمعه على وجه العجلة مع اشتغال البال [وتفرق] القلب شذر مذر مع البضاعة المزجاة التي لا يفتح لها أبواب السُدُد.
ومن يفتح باب العلم ومذاكرته معدوم غير موجود .
فَعُودُ العلم النافع الكفيل بالسعادة قد أصبح ذاويا ورباطه قد أوحش من اهله وعاد منه خاليا والله المستعان . "
يُقال : تَفَرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ أي ذَهَبُوا فِي جِهَاتٍ شَتَّى مُخْتَلِفينِ.
بِضَاعَة مُزْجَاة أَيْ : قَلِيلَةٍ رَدِيئَةٍ كَاسِدَةٍ
وأوْحَشَ الْمَكَاِنُ : أصْبَحَ خَالِياً.
أوْحَشَ البَلَدَ : وجَدَهُ غَيْرَ مَسْكُونٍ، خَالِياً.
والسُدُدُ جمع سدّ وهو المانع والحاجز .
ذوَى العُودُ وغيرُه: ذَيَّا، وذُوِيًّا: ذَبَل و يبسَ وضَعُفَ ويقال: ذَوى عُودُ فلاِن: شاخ. فهو ذَاوٍ، وهي ذاوية.
والرِباط موضع المرابطة، مثل الحِصْن وغيره يقيم فيه الجيش وأُطلق على دار الضيافة، والنُزُل وله إطلاقات أُخرى.
المعاني التي اشتمل عليها هذا الكلام الذي نقلته عن الشيخ عبد القادر الحنبلي مما تكرر في كلام العلماء وهي تدل على أمور ، منها :
■ أنهم يُعانون في حياتهم وتُقابلهم شدائد متنوعة لكنّها لا تقطعهم عن العلم تحصيلاً ونشراً .
■ أنهم يعتذرون بذلك وبكونهم كتبوا بعض مصنفاتهم على عجلة أو على جناح سفر ونحو ذلك عما قد يقع في كتبهم من أخطاء ، مع التذكير بأن الخطأ لا يسلم منه غير معصوم ، ولهذا قال بعض العلماء : " ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة، إن كانت على سبيل السهو والإغفال؛ فإنه لم يَعْرُ من الخطإ إلا من عصم الله جل ذكره، وقد قالت الحكماء: (الفاضل من عُدّت سقطاته)، وليتنا أدركنا بعض صوابهم, أو كنا ممن يميز خطأهم ! "
■ أنهم كانوا على جانبٍ كبير من التواضع فمع رسوخهم في العلم وتمكنهم منه يصفون أنفسهم بأنهم أصحاب البضاعة المزجاة!!
ولهذا نَبَلوا وعلتْ مراتبهم.
العِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتَى الـمُتَعَالِي*كالسَّيلِ حَرْبٌ لِلْمَكانِ العالِي
■ أنهم يتحسرون ويتوجعون من تلك الآفات المُشاهدة من قلة العلماء وندرة الفقهاء ومن العزوف عن العلم والإعراض عنه وعن طلبه وعن العناية والحفاوة الحقة به ، وإذا كان ذلك في تلك الأزمنة فماذا نقول عن زمننا هذا ؟!
ولا أزال أذكر - وقد أشرتُ إلى ذلك سابقاً - شيخنا الفاضل إسماعيل بن محمد بن إدريس رحمه الله وهو يُظهر تألمه من ضعف إقبال الشباب المستقيم - مع كثرتهم - على دروس العلم التأصيلية فرحمه الله ورفع قدره في عليين.
قال الشيخ الأديب محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله :
" إن طريق العلم محفوف بالعوائق، من مقت يحيق، ووقت يضيق، وإن الأقدار قد وضعت في طريقكم إلى العلم عائقًا جديدًا هو شر العوائق وأضرّها ...
هو هؤلاء الدعاة الغاشون، والسماسرة المضلّون، يدعونكم إلى السياسة ليصدّوكم عن العلم، وإلى الحزبية ليفرّقوكم من الجماعة، وإلى الوطنية ليشغلوكم باسمها عن حقيقتها، ويلهوكم بلفظها عن تحصيل أقوى وسائلها، وهو العلم، إنهم يملأونكم بالخيالات صغارًا، لتفرغوا من الحقائق كبارًا، وإنه لنوع من التسميم المرجأ لا يشعر به المصاب إلا بعد فوات الوقت.
العلم ... العلم ... أيها الشباب
لا يلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب، في المجامع صخاب، ولا يلفتنكم عنه معلّل بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب، ولا يفتنّنكم عنه منزوٍ في خنقة، ولا ملتو في زنقة، ولا جالس في ساباط، على بساط، يحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط. فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلّاب وساحر كذّاب.
إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصعتم إلى هؤلاء العواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يوم يجني الزارعون ما حصدوا، ولات ساعة ندم ... "

أبو محمد حسن بن حامد
٢ شعبان ١٤٤٦ هـ