يوميَّات من غَزَّة

@gazadiary


يوميَّات من غَزَّة

28 Sep, 06:41


كلما قابلت أسيرًا ناجٍ من مُعتقلات الموت قص عليَّ قصص لا يُمكن تصورها، لا يمكن احتمال سماعها فما بالك بمن عايشها وقاسى آلامها!؟.
لا أعلم من أين يستمد الشخص فينا القدرة على تربط أيديه وأقدامه بالمرابط البلاستيكية ويظل على جلسةٍ واحدة ليل نهار دون حركة ولا طعامٍ وشراب!؟..هذه ليست قوة بشرية، بل يمدهم الله بها ليقارعوا بصمودهم.
يقول لي أحدهم؛ لما خرجت من هناك جلست فترة لا أقوى على فعل شيء، كنت مستغربًا كيف احتملت كل الأوجاع والآلام والقهر وخرجت رغم كل هذا حي، انها ارادة الله وقوته.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

28 Sep, 06:39


علَّمتنا الخيمة دروسًا كثيرة، وأدَّبتنا في التعامل مع النِعَم المُسغبة علينا مهما كانت صغيرة. صحيحٌ أن الخيمة قبر، لكنها مدرسةٌ يتعلَّم بها المرء حقيقة الحياة ومعنى النعمة، وتغير نظرة المرء تجاه الدنيا قاطبةً. فكما أن النِعم لا تدوم فالخيمة لن تدوم، تذهب ويبقى ما علمتنا اياه.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

24 Sep, 15:56


الآن في الأسواق ظهرت الأحذية البلاستيكية..سعر الحذاء كان قبل الحرب لا يتعدى ثمانية شواكل، الآن يُباع بخمسة وستين شيكل..أي بعشرة أضعاف سعره الطبيعي.

لن أتحدث عن فُجر التُجار ولن أكتب عن باعة المفرق والبسطات، ولن أقول لماذا هذه الأسعار النارية ولن اتساءل عن سبب الغلاء..أُريد أن أتحدث عني أنا المواطن المغلوبُ على أمرهِ، غالمواطن الواحد عيِّنة الشعب وصورةٌ مُصغَرةٌ عنه.

عامٌ كاملٌ دون دَخلٍ على الإطلاق، وهذا بالنسبة لأكبر شريحةٍ في المُجتمع، أما شريحةٌ أخرى تملك دخل لا يكفي لشراء واحد كلغم من البندورة أو أي نوعٍ من الخُضار..ولا تكاد ترى واحد في هذه الشرائح إلا وقد مزق حذاؤه وتم حياكته مرات عديدة.

السؤال الذي أريد أن أعرف له الإجابة؛ من أين يأتي واحدٌ من هذه الشرائح بهذا المبلغ الذي لا طاقة له به ليشتري حذاء كان يخجل من أن بلبسه قبل هذه المأساة!؟..هل عرفتم كيف يُصنع السارق!؟، هل شاهدتم كيف تُباع الضمائر والأوطان والكرامات!؟.

أنا لا أُبرر السرقة، ولكن قبل أن يُحاسب السارق والخائن والفاجر..يجب مُحاسبة التاجر لأنه صاحب اليد التشكيلية في صناعة كُل هؤلاء الأصناف.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

14 Sep, 14:02


-كانت الدنيا تخبئ لنا الحرب-
وكان القدر يُذع بيانه!
"آن آوان الحرب"
صوت السماء يقرع الفؤاد
فقد هُنا وهناك يشحذ أنيابه في الأحباب
نطوي اتساع القلب ، لا نريدُ مزيداً من الجراح
وتأبى انقباضة المهجة الفراق
أمام مرمى الثالث والعشرين
أتجرع هم العمر بأناقة
تحمل روحي كوناً
وقلباً ما زال يُجاهد
أُروضهما بأمل عتيد المراس
حين يضيع في دهاليز النزوح
يهزمني عقلي مرات ومرات
ويبقى أملي ينبض
لأنني كما يقولون :" وما استسلمت من يأس،
 ولكن يحن لراحة من خاض حرباً"
وهكذا أحتمل العمر عذاباً وحرباً.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

12 Sep, 18:32


كل يوم هنا يشبه الآخر، أو هكذا يبدو على الأقل. الحياة تتكرر، ولكن مع كل تكرار، تشعر بثقل أكبر على كتفيك. أخرج صباحاً لأقضي أموري اليومية التي باتت أبسطها معقدة. اليوم كان كل ما أحتاجه هو علبة بيض وحفاضات لصغيري، وكأنني كنت أطلب المستحيل. تجولت بين المحلات، صادفت الوجوه المرهقة نفسها، ربما بحثاً عن نفس الأشياء.

البيض كان متوفراً، لكن الطريق إليه لم يكن سهلاً. مشوار طويل، تحت الشمس الحارقة، وحين وجدته كان الانتظار طويلاً. ربما تفهمني إن قلت إنني شعرت وكأنني أخوض حرباً صغيرة، حرباً على التفاصيل التي اعتدنا أن نعتبرها تافهة.

أما الحفاضات، فكانت أزمة أخرى. مرتفعة السعر إلى حد لا يسمح لي حتى بالتفكير في شرائها. وقفت أمام الرفوف لبعض الوقت، أعد النقود التي معي وأحسب، هل أستطيع؟ لكن في النهاية أتركها وأمضي.

الحياة هنا، في غزة، صارت سلسلة من المحاولات الصغيرة للبقاء على قيد الحياة بشكل كريم. أحياناً أشعر بأن هذه اللحظات اليومية الصغيرة تحمل في طياتها شيئاً أعمق من مجرد أعباء الحياة. ربما هي تجربة تقوي صبرنا، ربما هي اختبار لإيماننا، أو ربما هي مجرد الحياة كما هي – معركة يومية في سبيل البقاء.

في كل يوم أستمد القوة من دعواتكم ومن كلماتكم التي تصلني، فأشعر أنني لست وحدي. هناك من يشاركني هذه الرحلة، حتى وإن كنا بعيدين عن بعضنا البعض.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

08 Sep, 19:23


إليك
وأنا لا أعلم عنك شيئًا، سوى أنك ثابتٌ متجذرٌ في قلبي
وأنك رغم هذا الغياب المُر، تدلّ عليّ، وأدلُّ عليك ..

وإليّ
وأنا أعلم يقينًا أنني سأظل أشتاق لك، وأغالب فيك الشوق فيغلبني في كل مرة، ويعز عليّ بُعدك ..

إنني أتحول مع الوقت إلى كومة دموع وذكريات، يأكل هذا الحزن قلبي، يعششُ في ملامحي ويسكنُ خلاياي، بعدما رُحت -وكنتَ من قبل تقول أننا صرنا "واحد"-
كأنك قد أخذت معك روحي فصرت أنا بلا روح وبلا حياة، وقد اختلف نبض هذا القلب فأصبح معجونًا بالألم ولكن رغم هذا البعد يظلّ يُحبك أكثر.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

08 Sep, 11:32


في مدارسنا، صرنا أرقامًا بلا أسماء، أسرٌ تكدست بين جدرانٍ ضاقت حتى صار الصف الواحد مأوى لخمسين إنسان. لا فراش ولا سقف، بعضهم بسط الأرض تحتهم، وبعضهم احتمى بقطع خشب ونايلون، وكأن العالم قد نسيهم.

الآلاف هنا، بلا خصوصية، بلا أي شيء يشبه الحياة. الأمراض تنتشر بسرعة بين الأطفال والنساء، بين من لا يملك إلا جسده ليتحمل المرض والبرد والجوع. حمامات قليلة، طوابير طويلة من مئات الأشخاص، تقف منتظرًا دورك لتدخل، لتخرج بسرعة تحت دقات الأبواب المستعجلة.

وفي كل مرة، كل ما نسمع صوت القصف، نتلفت للسماء، نتساءل بصمتٍ قاتل: هل حان دورنا؟ هل هذه النهاية؟ السماء هنا لا ترحم، ونحن، كل ما نملكه هو الانتظار.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

07 Sep, 11:30


في الآونة الأخيرة، لم أعد أعرف الليل كما كنت. السهر الذي كان يرافقني لسنوات أصبح الآن عبئاً ثقيلاً على روحي. كأنني عالق بين زمنين، واحد حمل لي ذكريات الفرح والضحك والآخر مشبع برائحة الدم والركام. في ليالي غزة، لم أعد أسهر برغبتي، بل أصبح السهر مفروضاً عليّ، فرضاً قاسياً يذكرني بكل ما فقدته.

أتذكر أول مرة بدأت أسهر فيها. كانت ليالي رمضان في بيتنا القديم. عائلتي كانت تجتمع حول المائدة، أمي تقوم الليل، إخوتي يضحكون بصوتٍ عالٍ، وأبي يدعو الله بصمتٍ. تلك الليالي كانت تبدو لا نهاية لها من الفرح البسيط، رغم الظروف، كان هناك دفء في كل زاوية من المنزل. لم يكن هناك صوتٌ يقطع الهدوء سوى صوت الأذان.

لكن الآن، لم يبقَ من تلك الليالي سوى الذكريات. الحرب أخذت كل شيء. بيتنا الذي كنا نجتمع فيه أصبح رماداً، العائلة تشتت، وبعضنا فارق الحياة. لم أعد أتحمل صوت المنبه. في كل مرة أسمع فيه رنينه، أتذكر صفارات الإنذار، أتذكر الأصوات التي تملأ السماء، وكأنني أعيش لحظة النهاية مراراً وتكراراً.

في ليلة ميلادي الأخيرة، كنت جالساً في الغرفة المظلمة، لا ضوء سوى من شمعة تكافح ضد الريح. لم يكن هناك احتفال، لا أصوات، فقط السكون الثقيل الذي يحيط بي. جلست في سريري أقرأ الرسالة التي كتبتها لي زوجتي قبل أن تسافر مع أطفالنا بحثاً عن أمان لم أستطع توفيره لهم. كتبت لي: "قد يكون الفراق الآن هو الأمل الوحيد الذي نملكه، عسى أن تعود الأمانة لأهلها، وتعود أنت لأطفالك ولحياتك".

في تلك اللحظة، شعرت بأن كل شيء ينهار داخلي. كيف يمكن للحرب أن تسرق منا حتى الأمل؟ كيف يمكن لليل أن يكون شاهداً على كل هذا الوجع؟ لكن رغم كل شيء، سأبقى هنا. سأظل أحرس الذكريات، حتى وإن كانت الحياة تهدد بابتلاعها.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

06 Sep, 05:18


حبيبي، ضيا عينيّ، بهجةُ أيامي، وبدر الليالي،
تتفجرُ وتنهمر غزيرا أشواقي، وأذوب حنينًا إليك، إلى نظرةٍ، إلى ضمةٍ، الأيام تبدو محاولات كثيرة للتأقلم والتعوّد، والليالي أضحت مستودعًا للدموع وللذكريات، وأحاديث كثيرة، أحدثك بها بإدراكٍ تام أنك لا تسمع، ولكنني بوهمٍ تام أقنع نفسي أنك تسمع، وتُجيب أيضًا، لستُ على حافة الجنون، رغم أنني أحبك حدّ الجنون، إلا أنني لازلتُ أحتفظ بعقلي في غيابك، غيابك المرّ، والمتعب، والممتلئ بالظنون، لم يُذهب عقلي بعد، لكنه محشو بالأسئلة التي ربما تكون بلا إجابات.
هذا الليل يفتكُ بي، يا حبيبي، يبدو بأسئلته وشكوكه، ليلا بلا نهاية، حالكًا، رطبًا، ومثاليًا جدًا لنوبة بكاء.
أحكي لك عن حنيني، وأنت بعيدٌ أكثر من نجمة، وقريبٌ، أقرب من نبضي ومن نَفَسي، أحكي لك عن ارتيابي، عن حبي الكبير الذي لا يَضمُر، واعجبي رغم هذا الغياب، كيف لك أن تكون كاملًا هكذا، بندوبك وسيئاتك، بجروح قلبك، وطيفك العزيز، مروركَ السريع في أحلامي الكثيرة، وفي غياهب الذاكرة، لازلت في نظري وأنا على مشارف سنةٍ من غيابك، لازلت كاملًا جدًا أكثر من أي وقتٍ مضى، وأحبك حبًا جمًا، وأتخيلك قادمًا لا محالة رغم كل الظنون، وكل الادعاءات الكاذبة، والصادقة، أن تجيء، تربي أنت زهورك، أن تكون لهن طول العمر لأنهن من صلبك، أن يعرفنك ولا يعرفن غيرك، إنَّ بعد كل شوقٍ لك تكون هذه كل أمنياتي، وأقول لأجلهن يا الله، رغم كل اليُتم الذي في المدينة.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

06 Sep, 05:17


قبل الحرب، كانت أختي تعيش حياتها مثل أي فتاة في عمرها، تذهب إلى الجامعة، تحمل كتبها بحماس، وتعود كل يوم وهي تتحدث عن محاضراتها وأحلامها الكبيرة. كانت تحلم بأن تُصبح مهندسة، كانت ترى المستقبل أمامها مليئًا بالفرص، وبطموحات لا حدود لها. كنا نجلس معًا ونتحدث عن مستقبلها، وعن مشاريع التخرج التي ستعمل عليها، وعن البيت الذي ستبنيه لنا، وعن حياة ستصنعها بيديها.

لكن كل شيء تغير مع الحرب. فجأة، توقفت الحياة. لم تعد الجامعة مفتوحة، ولم تعد الكتب تُفتح، كل ما حولنا صار خوفًا وصوت طائرات وهدير القذائف. أختي حاولت أن تبقى قوية، كانت تقول لي "ستنتهي الحرب، ونعود لحياتنا، سأكمل دراستي ونعود كما كنا". لكني كنت أرى في عينيها القلق الذي كنا نخبئه جميعًا.

مرت الشهور، والحرب لا تزال تلتهم كل ما حولنا. الجامعة لم تعد ذكرى بعيدة، وأحلامها بدأت تذبل مثل الزهور التي لم يُسقها أحد. كانت تجلس في غرفتها، تنظر إلى الكتب التي لم تُفتح منذ وقت طويل، وكأنها تنتظر شيئًا لا يأتي.

وفي ذلك اليوم الذي لا أنساه، أصابنا القصف. استشهدت أختي. رحلت، ولم تترك خلفها سوى ذكرياتٍ عن فتاة كانت تملأ حياتنا بالفرح والأمل. لم تعد هناك أحلام عن الجامعة أو التخرج، بل صمت ثقيل يعم البيت. كانت تود أن تكمل حياتها، أن تصنع مستقبلها، لكن الحرب أخذتها منا، وأخذت معها كل شيء.

أكتب اليوم عنها، لأنها كانت تستحق حياةً أطول، كانت تستحق أن ترى أحلامها تتحقق. كلما جلست أمام مكتبها، تذكرت تلك اللحظات التي كانت تملأ فيها أوراقها بالأفكار والتخطيط لمستقبلها. الآن، كل شيء بات فارغًا.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

06 Sep, 05:14


كانت الحياة قبلاً مثل شجرة مليئة بالثمار، تنظر إليها فتشعر بالامتلاء بالأحلام، بالخُطط التي كنت أرتبها في عقلي كل ليلة، وأعيد ترتيبها مع شروق الشمس. كانت غزة، رغم قسوتها وضيقها، هي بيتي، وهي المكان الذي علمتني فيه الحياة أن أقاوم. أذكر الأيام التي كانت فيها ضحكات عائلتي تتردد بين جدران البيت. كان والدي يقرأ الجريدة، وأمي تعد الغداء، وأختي تغني بصوتها الحلو الذي لا يغيب عن ذاكرتي حتى الآن.

لكن الآن؟ الآن كل شيء انتهى. البيت الذي كنا نسكنه، المكان الذي نبتت فيه كل تفاصيل حياتي، أصبح كومة من الركام. قُصف، كأن شيئاً لم يكن، كأن ضحكاتنا، وأحلامنا، وذكرياتنا لا تساوي شيئاً. أمي، أبي، أختي، وحتى جدي الذي كان يعيش معنا... استشهدوا جميعًا، وأنا فقط الناجي الوحيد.

كل شيء في لحظة أصبح فارغًا. الصمت هذا الذي يغلفني الآن كالكفن. أصبح وجودي مجرد بقايا، كأنني قطعة من حطام البيت الذي نُسف. لم تعد هناك أحلام، لم يعد هناك شيء أتعلق به. أستيقظ كل يوم وكأنني أعيش في كابوسٍ مستمر، كوابيس تغمرني ليلاً، وأحيانًا حتى وأنا يقظ. كوابيسهم. كوابيس أصوات الانفجار، صرخات أخيرتهم، وملامحهم التي تتلاشى في الظلام.

لقد كنت أحلم بمستقبل مختلف. كنت أريد أن أصبح مهندسًا، أن أبني بيوتًا جديدة في غزة، أن أعيد الحياة إلى المدينة التي ولدت فيها. لكن الآن؟ لا أستطيع حتى أن أبني نفسي من جديد. كل شيء تبخر، ضاع في لحظة قاسية، مثل حلمٍ تلاشى عند استيقاظك فجأة.

الليل أصبح عدوي. كلما أغمضت عيني، يعودون إليّ في كوابيسي. أراهم مبتسمين، يدعونني لألحق بهم، أو أراهم صامتين، يعاتبونني على نجاتي. أستيقظ مرعوبًا، قلبي ينبض بعنف، وأشعر بالاختناق. لماذا أنا؟ لماذا أنا الناجي الوحيد؟ سؤال لا يغيب عن بالي أبدًا.

الحياة الآن؟ أشبه بالسير على طريق مظلم، لا أرى فيه نهاية ولا بصيص نور. كأنني مجرد شبح، بلا روح، أتنفس فقط لأعيش يوماً آخر في انتظار شيء لا أعرفه.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

03 Sep, 19:45


قبل سبعة أشهر ..
في يوم ميلادك الثلاثين. فكرت بكَ كثيرا ..
كنت نازحة، مُرهقة، خائفة، تحت زخات الرصاص، والقذائف، والأحزمة النارية
فكرت أنك اليوم تُصبح 30، كنت أنتظر هذا اليوم أقول أن عُمرَ الثلاثينات سيبدو جميلا عليك، جذابا أكثر، وأشدّ وسامة، فكرت في نقاشنا اللطيف قبل غيابك وأنت تخبرني أنك لا تريدُ أن تكبر، وأنك تحب العشرينات أكثر، فأجيبك بأنني عكسك تمامًا، ونَضحك، لأننا بيقين تام، سنظل دومًا مثل أول مرة وأول لقاء، وأول شُعور، حيث أنا في الثامنة عشر، وأنت في الثالثة والعشرين، أفكر كيف كانت سنواتي السِّت معكَ خفيفة وهانئة، كيف مرّت سريعًا، كم كانت قليلة جدًا، ولكن ممتئلة، بكل ما هو جميل، فكرت فيكَ، في هذا الحرمان الكبير، وفي الخوف في عينين طفلتيك، من أصوات الانفجارات والطلقات النارية في كل مكان، فكرتُ أنهن يحتجن بابا أكثر مني في لحظات خوفٍ كهذه، بكيتُ وخفتُ وفكرتُ كثيرًا حدّ التعب، وحتى ضاق بيّ الكون كله، بسماءه وبحره ورحباته، ودعوتُ الله أن يحرمه عينيه، وأطرافه وسمعه وصوته، كل من ضيّق علينا حياتنا.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

31 Aug, 18:31


اليوم، أجد نفسي وحيدًا في هذا العالم. لا شيء تبقى لي بعد القصف الذي أخذ مني كل شيء. منزلي الذي كان يمتلئ بأصوات أحبتي، بات الآن كومة من الحطام. لم يعد هناك من ينتظرني عند الباب، لم يعد هناك من يشاركني أحلامي وآلامي. أصبحت وحدتي هي كل ما أملك.

أذكر كيف كانت حياتنا مليئة بالحب والضحكات، كيف كنا نجتمع معًا حول المائدة، نتحدث عن يومنا، ونخطط للمستقبل. كان لديّ والدان يمنحاني كل شيء، أشقاء أحبهم، وذكريات لا حصر لها. لكن الآن، أصبحت كل تلك الذكريات مجرد أطياف تعبر أمامي في ليالٍ طويلة لا تنتهي.

عندما أستيقظ كل صباح، أشعر بثقل لا يطاق في قلبي. أتمنى لو أن ما حدث كان كابوسًا، وأنني سأستيقظ لأجدهم حولي كما كانوا دائمًا. لكن الواقع أكثر قسوة من أي كابوس. لم يبقَ لي سوى صورهم، وذكرياتهم التي تحاصرني في كل لحظة. كل ركن من المنزل الذي لم يعد موجودًا يذكرني بهم، بكل لحظة عشتها معهم.

أحاول أن أجد سببًا للاستمرار، أن أبحث عن معنى لما حدث. لكن كل شيء يبدو فارغًا، بلا معنى. لم أعد أشعر بشيء سوى الألم، الألم الذي ينهش قلبي كلما تذكرت أنني لن أراهم مرة أخرى. لقد أخذت الحرب كل شيء مني، وتركتني في هذا العالم بدون أي سند.

أحيانًا، أفكر في الرحيل، في الانضمام إليهم حيثما كانوا. لكنني أعلم أن هذا ليس ما كانوا يريدونه لي. كانوا دائمًا يقولون لي إن الحياة تستحق العيش، حتى في أحلك الظروف. ربما سأجد القوة يومًا ما لأواصل، لأحمل ذكراهم معي وأمضي قدمًا. لكن اليوم، كل ما أستطيع فعله هو البقاء على قيد الحياة، محاولة النجاة في هذا العالم الذي لم يعد فيه شيء يشبه ما كان.

أصبحت حياتي الآن مجرد صراع يومي، صراع مع الحزن، مع الفراغ، ومع هذا الواقع الذي لا يمكن الهروب منه. سأظل أذكرهم في كل لحظة، وأحاول أن أعيش بالطريقة التي كانوا يتمنونها لي. لكن الحقيقة التي لا يمكن تغييرها هي أنني فقدت كل شيء، وأن الحياة كما عرفتها قد انتهت.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

31 Aug, 17:28


اليوم، مرّ ثلاثة أشهر منذ أن اختفى والدي، ولا يزال الغموض يحاصرني. هل هو حي؟ هل استشهد؟ أم أنه يعاني في سجون الاحتلال؟ لا أملك أي إجابة، ولا أملك سوى هذا الانتظار القاتل. كل يوم يمر يحمل في طياته صراعًا داخليًا لا يمكن وصفه، شعور بالضياع، بالخوف، وبالأمل المتردد الذي لا يريد أن يموت.

أذكر تلك اللحظات الأخيرة التي رأيت فيها والدي، كيف كان يودعني بابتسامة مطمئنة، كما لو أن كل شيء سيكون بخير. لكنني الآن أعيش في عالم مختلف، عالم مليء بالأسئلة التي لا تجد إجابة. كلما سمعت صوتًا في الخارج، أتساءل هل هناك خبر عنه؟ هل هو بخير؟ أم أن الحقيقة أقسى مما أتحمل؟

أعيش كل يوم في دوامة من المشاعر المتضاربة. أحيانًا أحاول أن أتمسك بالأمل، أتخيل أنه سيعود إليّ، أنني سأرى وجهه مرة أخرى، وأننا سنتحدث عن كل شيء كما كنا نفعل دائمًا. لكن في أوقات أخرى، يغمرني شعور بالعجز، بخوف لا يمكن الهروب منه. ماذا لو لم يعد؟ ماذا لو كان قد رحل إلى الأبد؟

أحاول أن أواصل حياتي، أن أبتسم أمام الآخرين، أن أتصرف كأن الأمور طبيعية. لكنني في داخلي، هناك نار مشتعلة، نار من القلق والحنين. كل شيء حولي يذكرني به، كل زاوية في البيت تحمل ذكريات.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

29 Aug, 11:52


تأخذنا الحياة في منعطفات صعبة لا نريدها، لا نحبها، ونتمنى لو لم تكُن.
كيف ذهبتَ، بهذه السرعة؟ بهذه البساطة
كيف تغيرت حياتي، لانني فقدتُك، أنت ارتكازي، محور كوني، وكلّي،
كيف انقلب كل اشي، أشعرُ أني غير مرئية، بلا صوت، كمجسم في زاوية معتمة، بلا ألوان، رمادي، حيادي
لا سعيد ولا حزين، لا أبيض ولا أسود، يشتاق أو لا، يحب أو يكره، يأكل قلبه الوجع ربما، من يهتم؟
من يهتم ياحبيبي، يا أنا، لماذا تركتني معي كل هذا الوجع، وأسئلة هائلة بدون أجوبة، وشوقٌ لا ينتهي، وحياةٌ بلا أُفق، ما جدوى حياتي بدونك؟ يا حياتي، يبدو أن سنة إلا شهر ليست كافية، بكل انهزام أنا أحبك جدًا
كأول مرة، أنت يا حبيبي كل الحياة..
أفكر بك علّني أجد نفسي، أفكر فيكَ يا عزائي الوحيد، وأبكي بصمتٍ، بلا نحيب أو ندبٍ أو نشيج، أبكي بهدوءٍ كامل، تنساب من عينيّ دموعٌ بغزارة مريرة،
أفكرُ أينك؟ أفكر وأظل أفكر وأتعب ويأكل خلايا عقلي وينقص عُمري هذا التفكير، أشعر مراتٍ أني أفقد عقلي، أحاول رغم كل شيء ألا أفكر في أنك ربما لن تعود أبدًا، إن هذا الأمل الذي أحدث به نفسي يقودني للجنون، الأمل الموجع، المُر، الأمل الضئيل، الذي كل ما مرّ الوقت، تقلصّ وانكمش، وكل ما مرّ شهر، صار يقترب إلى المستحيل، إلى كونه أملًا كاذبًا، إلا مني أنا
أظل أتمسك به، مهما كانت ضآلته، إلا أنني أواسي نفسي وأقول رغم كل شيء،
ربما يومًا يعود.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

28 Aug, 20:29


اليوم، أتجول في الأنقاض حيث كان من المفترض أن نبدأ حياتنا. كنت قد جهزت الغرفة بكل حب، كل تفصيل كان يحمل جزءًا من أحلامنا. الأثاث الذي اخترناه معًا، الألوان التي أحببناها، كل شيء كان ينبض بالأمل. لكن الآن، لا أجد سوى الحطام.

الصفائح المكسورة، الأثاث المدمَّر، وكل شيء كان يُفترض أن يكون جزءًا من سعادتنا أصبح رمادًا. كلما حاولت أن أبحث عن بقايا ما كنت أملكه، أجد أن كل شيء قد تحطم تحت قصف لم يرحم. حتى صورنا التي كانت تزين الجدران، لم تسلم من الدمار.

الألم لا يوصف، لا أستطيع حتى أن أصف كيف أن كل حلم كنت أراه معكِ قد تلاشى في لحظة. كل زينة، كل لمسة كانت تحكي عن حبنا، قد سُحِقت تحت الأنقاض. كنت أعيش على أمل أن نملأ هذا المكان بفرحنا، أن يكون ملاذنا من كل ما يحيط بنا. لكن الآن، أصبحت هذه الأنقاض تذكيرًا بأن كل شيء قد انتهى قبل أن يبدأ.

أفتقدكِ أكثر من أي وقت مضى. لم أكن أتخيل أبدًا أن تنتهي قصتنا بهذه الطريقة، أن تتحول تلك الأحلام الجميلة إلى ذكرى حزينة. أجلس بين أنقاض ما كان من المفترض أن يكون منزلنا، وأحاول أن أتذكر كل لحظة جميلة قضيناها معًا، تلك اللحظات التي لم أعد أستطيع إعادة حياتي إليها.

سأظل أحتفظ بذكرياتكِ، وبكل ما حلمنا به. سأبني مستقبلاً يليق بذكراكِ، لأنكِ كنتِ جزءًا من حياتي، وستظل إلى الأبد في قلبي، حتى وإن كانت الحياة قد أخذت منكِ كل شيء.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

28 Aug, 12:29


أجلس هنا، في هذا المكان الغريب الذي لا يشبه أي شيء عرفته من قبل. كل شيء حولي يشير إلى حياة جديدة لم أطلبها ولم أخترها. خيمة، وجوه غريبة، وذكريات مؤلمة تحاصرني. أفتقد الجامعة، أفتقد تلك الأيام التي كانت مليئة بالأمل والطموح، الأيام التي كنت فيها مجرد طالبة تحمل أحلامًا كبيرة.

كل صباح، كنت أستيقظ وأنا متحمسة لما سيأتي، دروسي، أصدقائي، وحتى تلك اللحظات البسيطة بين المحاضرات. كيف يمكن لتلك اللحظات أن تكون الآن مجرد ذكريات بعيدة؟ أتذكر كيف كنا نضحك، نناقش أحلامنا، نخطط للمستقبل الذي كان يبدو مشرقًا وواضحًا. لكن الآن، أصبح المستقبل مجرد ظلمة لا أرى فيها شيئًا.

أشتاق لصديقتي التي كانت بجانبي في كل خطوة. أشتاق لأحاديثنا، للمشاوير بين القاعات، وحتى لتلك الأوقات التي كنا ندرس فيها لساعات طويلة. كيف تحولت تلك الأوقات إلى شيء بعيد، وكأنه ينتمي لحياة أخرى لم أعد جزءًا منها؟

الآن، أنا هنا، في خيمة تشهد على واقع لا يشبه أي شيء عرفته. نزوح، تشريد، وضياع لكل ما كنت أعتقد أنه ثابت. لم أعد أمتلك شيئًا من تلك الأيام، سوى الذكريات التي ترفض أن تتركني. أشعر وكأنني فقدت جزءًا من نفسي، ذلك الجزء الذي كان ممتلئًا بالطموح والرغبة في التعلم.

أحاول أن أتمسك بما تبقى، أن أجد القوة في داخلي لأواصل. لكنني أعلم أنني لست كما كنت، وأن تلك الأيام الجميلة قد لا تعود أبدًا. الحياة الآن هي مجرد محاولة للبقاء، للبقاء على قيد الأمل، حتى وإن كان هذا الأمل يتلاشى يومًا بعد يوم.

ربما سيأتي يوم أستعيد فيه شيئًا من تلك الحياة، ربما سأعود إلى مقاعد الدراسة، وربما سألتقي بصديقتي مجددًا. لكن حتى ذلك الحين، سأبقى هنا، أعيش على أطراف الذكريات، وأفتقد تلك الأيام التي كانت بسيطة وجميلة في نفس الوقت.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

27 Aug, 12:41


الليالي هنا تطول بلا نهاية، وكل دقيقة تمضي تزيدني شوقًا إليك. أشتاق لحديثك، لصوتك، لتفاصيلك الصغيرة التي كنت أعتبرها يومًا من المسلمات. الآن، أصبحت تلك التفاصيل هي كل ما أملك. أغمض عيني وأتخيلك بجانبي، أسمع همساتك، وأشعر بيدك الدافئة تمسح على جبيني. لكن عندما أفتح عيني، لا أجد سوى الفراغ والبرد.

أحن إلى ضحكاتك التي كانت تملأ البيت فرحًا، إلى تلك النظرات التي كانت تريح قلبي مهما كان مثقلًا. أفتقد حتى شجاراتنا الصغيرة، تلك التي كانت تنتهي دائمًا باعتذار نابع من قلب صادق. الآن، لا أملك سوى الصمت، صمت المكان وصمت قلبي الذي يفتقدك بكل ما فيه.

كل زاوية في هذه الخيمة تذكرني بك، حتى الهواء يبدو أنه يحمل شيئًا منك. أبحث عنكِ في أحلامي، في الذكريات التي تملأ رأسي، وأتساءل كيف يمكن للإنسان أن يكون بعيدًا عن نصفه الآخر ويستمر في الحياة؟ أكتب لكِ هذه الكلمات على أمل أن تصلك، أن تشعري بمدى اشتياقي، بمدى حاجتي إليكِ هنا، الآن.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

27 Aug, 12:40


أجلس في هذه الخيمة، وحولي فراغ واسع يعجز عن احتواء حجم اشتياقي. كل شيء هنا يذكرني بكما. رائحة ثيابكِ التي نسيتها في عجلة الرحيل، صوت ضحكات ندى وهي تملأ البيت بالحياة. كيف يمكن للإنسان أن يكون محاطًا بالناس، ومع ذلك يشعر بوحدة قاسية لا تطاق؟

أفتح هاتفي على أمل أن أجد رسالة، صورة، أو حتى صوت ندى الصغير يناديني: "بابا". لكن الهاتف يظل صامتًا، تمامًا كما هذا المكان. أفكر فيكما طوال الوقت، أتساءل كيف هي حياتكما الآن. هل تشتاق ندى لألعابها التي تركتها خلفها؟ هل تذكرتِ أن تخبريها بقصة قبل النوم، كما كنت أفعل كل ليلة؟

الليالي هنا طويلة وموحشة، وأشعر أنني فقدت جزءًا مني عندما سافرتما. أتخيلكما معًا، وأحاول أن أطمئن نفسي بأنكما بأمان، بعيدًا عن كل هذا الخراب. لكن الخوف لا يتركني. الخوف من أن يطول الفراق، من أن تكبر ندى دون أن أكون بجانبها، من أن تصبح الذكريات بيننا هي كل ما يتبقى.

أحلم بيوم نلتقي فيه من جديد، يوم أستعيد فيه ما فقدته، وأرى ابتسامتكما تضيء عالمي المظلم. لكن حتى ذلك الحين، سأبقى هنا، أعيش على أطراف الذكريات، وأحتفظ بصوركما في قلبي كأثمن ما أملك. أعد نفسي كل يوم أنني سأصمد، سأتحمل، وسأنتظر، لأن العودة إليكما هي الشيء الوحيد الذي يمنحني القوة للاستمرار.

#يوميات_من_غزة

يوميَّات من غَزَّة

26 Aug, 12:04


مذكرات نازحة في وطنها

أجلس تحت سماءٍ لا تنطفئ نجومها، وأفكر في كل شيء تركته خلفي. البيت الذي كان ملاذي، الجدران التي كانت تحميني، الأحلام الصغيرة التي كنت أرسمها على صفحات الأيام. كل شيء الآن يبدو وكأنه سراب، يبتعد كلما حاولت الاقتراب منه.

أتساءل إن كان الزمن قادرًا على مداواة الجروح، أم أنه مجرد شاهد على ألمنا الذي لا ينتهي. أبحث في وجوه من حولي عن بعض من الطمأنينة، عن لمحة أمل، لكنني أجدها مثقلة بنفس التعب، بنفس الحزن العميق. نحن هنا معًا، لكن كل واحد منا يحمل عبئه وحده، عبء الفقد والوحدة والحنين.

أعلم أن هذه الخيمة ليست نهاية قصتي، لكنها فصلاً منها، فصل كتب بالدمع والشقاء. لكنني أرفض أن أسمح لهذه الفصول المظلمة بأن تكون النهاية. سأظل أؤمن، حتى وإن كانت الأرض تحتي تهتز، بأن هناك شمسًا ستشرق على هذا الليل الطويل.

ربما سأعود يومًا، ربما ستعود الحياة إلى طبيعتها، وربما سأنسى حتى كيف كان طعم الحزن. لكن حتى ذلك الحين، سأظل هنا، أكتب مذكراتي، أحفظها كأدلة على ما عشته، وعلى أنني رغم كل شيء، ما زلت هنا، ما زلت على قيد الحياة.

#يوميات_من_غزة