شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب @fekaha Channel on Telegram

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

@fekaha


https://t.me/fekaha
_

✒️ *مثَّل الله الإيمان بالله كالشجرة الطيبة*
*فما هي شجرة الإيمان؟*
*وما هي أوصافها؟*
*وما أسبابها؟*
*وماأصولها؟*
📚 *يجب علينا أن نتعرف على هذه الشجرة الطيبة حتى نجتهد على التحقق بهذه الأوصاف علمًا وعملاً*
https://t.me/fekaha

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب (Arabic)

في قناة "شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب" على تطبيق تليجرام @fekaha، ستجد كل ما تحتاجه لتطوير قلبك وتحسين إيمانك. تعتبر القناة مصدرًا قيّمًا لفهم أسرار الإيمان بالله وكيفية تحقيق الإصلاح الداخلي. يتناول الشرح موضوعات مختلفة مثل شجرة الإيمان، أوصاف القلوب الطيبة، وأسباب تحقيق الإصلاح.

هل تساءلت يومًا عن معنى شجرة الإيمان؟ أو عن كيفية الوصول إلى قلب طيب ومستقر؟ إذا كنت من الباحثين عن الحقيقة والإصلاح الحقيقي، فقناة "شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب" هي المكان المناسب لك. انضم الآن لهذه القناة المميزة واستمتع بالدروس والمحاضرات التي ستساعدك على النمو الروحي والعقلي.

لا تدع الفرصة تفوتك لاكتساب المعرفة وفهم أسرار القلب الطيب. انضم اليوم لقناة @fekaha على تطبيق تليجرام وابدأ رحلتك نحو التحقق بأوصاف القلب الطيب وتحقيق الإصلاح الداخلي. اكتشف الجوانب الروحية للحياة واستمتع بتحقيق التوازن والسعادة الداخلية. وتذكر دائمًا: "يجب علينا أن نتعرف على شجرة الإيمان الطيبة حتى نجتهد على التحقق بهذه الأوصاف علمًا وعملاً".

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


اللَّهُمَّ اغفِرْ لنا ولِوالِدِينِا ووالِديهم وذُرّياتِهم، ولمَشايخِنا، ولِوُلاةِ أمرِنا، وللمُسلِمِين والمُسلماتِ.

رَبّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرةِ حَسَنةً وقِنا عَذابَ النّارِ.

رَبّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بعدَ إذا هَديتَنا، وهَبْ لنا من لَدُنكَ رَحمةً، إنّك أنتَ الوَهّابُ.

اللَّهُمَّ يا حيُّ يا قيُّومُ، يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا ربَّ العالمين، أصلِحْ لنا أجمَعين النِّيةَ والذُّرِّيةَ والعملَ.

سُبحانَك اللَّهُمَّ وبِحمدِكَ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إلَيكَ.

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ نَبِيّنا مُحمّدٍ، وآلِه وصَحبِه أجمَعين.

جزاكمُ اللهُ خيرًا.

○--•°•✵✯✵•°•--○

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


ولهذا فما أعظمَ أن يكونَ العبدُ في هذه الحياةِ يَظُنُّ أن يَعتقِدَ أنَّهُ سَيَلْقَى الحِسابَ، وكُلَّما حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِخَطيئةٍ، أو مُخالَفَةٍ، أو تَهاوُنٍ في طاعةٍ، أو تَفْريطٍ في عبادةٍ، أو تَضْييعٍ لِواجِبٍ، ذَكَّرَها بِهَذا المَقامِ العظيمِ.

﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾

-أي: يا نَفْسُ إنَّكِ سَتُحاسَبِينَ، وسَتَقِفينَ بينَ يَدَي اللهِ -تباركَ وتعالى- لِلجَزاءِ والحِسابِ، فيومٌ عَسيرٌ إلَّا على المُؤمِنِ المُطيعِ للهِ -تباركَ وتعالى-، فإنَّهُ يَكونُ يَسيرًا عليهِ بِتَوفيقِ اللهِ -سُبحانَهُ- ومَنِّه.
•نعم.

_ هذه خُلاصَة مُهِمَّة جِدًّا.
ولهذا ينبغي على المُسْلِمِ أن يُعنَى بِهذِهِ العَقيدَةِ (عَقيدَةِ الإيمانِ بِاليومِ الآخِرِ)، فإنَّها إذا وُجِدَتْ في القلبِ كانَ وُجودُها وقِيامُها وقَرارُها فيهِ قيامَ الدِّينِ.

ثُمّ إنَّ إيمانَ أهلِ الإيمانِ باليومِ الآخِرِ على درجَتَين:
١• الدرجة الأُولى:
هي دَرَجَةُ الإيمانِ الجازِمِ.
وهو الذي لا يَقبَلُ اللهُ -سُبحانَهُ وتعالى- من العبدِ عملَهُ وطاعَتَهُ وعبادَتَهُ إلَّا إذا كانَ هذا القَدرُ مَوجودًا عندَهُ، إيمانًا جازِمًا بحيثُ يكونُ عندَهُ يَقينٌ لا شَكَّ فيهِ ولا رَيبَ بأنَّ هناكَ بَعثًا وحِسابًا وجَزاءً وعِقابًا.
_ قَالَ تعالى:
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ .. ﴿١٥﴾ [الحجرات].

-أي: أيْقَنوا ولَم يَشُكُّوا.

فهذا القَدْرُ مَطلوبٌ من كلِّ مُسْلِمٍ، فإذا لم يكنْ عندَ العبدِ يَقينٌ بالبَعثِ والجَزاءِ والحِسابِ، وعِندهُ بَدَلَ اليَقينِ الشَّكُّ فإنَّ هذا كُفرٌ مُحبِطٌ للأعمالِ ومُبطِلٌ للدِّينِ.
﴿.. وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ.. ﴿٥﴾ [المائدة].

٢• والدَّرَجةُ الثَّانِيةُ:
وهي درجةٌ عاليةٌ وعَظيمَةٌ إذا وُفِّقَ لها العبدُ وهي درجةُ الإيمانِ الرَّاسِخِ.
وهي التي يكونُ فيها الإيمانُ بِهذِهِ الحَقائِقِ العَظيمةِ راسِخًا في القلبِ، مُتمَكِّنًا في النفسِ، حاضِرًا مع العبدِ.

فَتَجِدُ هَذَا الرُّسُوخَ فِي الإِيمَانِ حَاضِرًا مَعَ العَبْدِ فِي المَقَامَاتِ وَالأَحْوَالِ المُتَنَوِّعَةِ، فَتَجِدُهُ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَلَى ذِكْرٍ لِلْبَعْثِ وَالجَزَاءِ وَالحِسَابِ، فَيَكُونُ لِهَذَا الرُّسُوخِ في الإِيمَانِ أَثَرٌ عَظِيمٌ للغاية فِي صَلَاحِ العَبْدِ وَاسْتِقَامَتِهِ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا، بَلْ وَفِي تَرَقِّيهِ فِي دَرَجَاتِ الكَمَالِ، مِمَّا يَنَالُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ رَفِيعَ المَنَازِلِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

فَعِنْدَمَا يَتَأَمَّلُ المُسْلِمُ فِي الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ بَدْءًا مِنْ دُخُولِ الإِنْسَانِ فِي قَبْرِهِ، وَالتَّفَاصِيلِ الكَثِيرَةِ المَذْكُورَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِمَّا يَكُونُ فِي القَبْرِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنَ البَعْثِ وَالحَشْرِ وَالحِسَابِ وَالجَزَاءِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، سَيَكُونُ لَهُ الأَثَرُ البَالِغُ عَلَيْهِ فِي رِقَّةِ قَلْبِهِ، وَخَشْيَتِهِ لِرَبِّهِ، وَإِقْبَالِهِ عَلَى طَاعَتِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

_ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الجَنَّةِ آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا، فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيُّ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ صَالِحًا. قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي.

هَذَا كَلَامٌ عَظِيمٌ: (أَنْتِ فِي الأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي).
إِذَا لَمْ يَعْمَلِ الآنَ، سَيَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمْنِيَةً تَمَنَّى لَوْ كَانَ يَعْمَلُ الصَّالِحَ، وَهِيَ أُمْنِيَةٌ لَا تُجْدِي وَلَا تَنْفَعُ.

وَلِهَذَا خَيْر لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَذَكَّرَ ذَلِكَ اليَوْمَ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ هَذِهِ التَّفَاصِيلَ، وَأَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى إِصْلَاحِهَا حَتَّى يَفُوزَ الفَوْزَ العَظِيمَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.

أَحَدُ السَّلَفِ أَخَذَ أَحَدَ العُصَاةِ مَعَهُ إِلَى المَقَابِرِ، وَقَالَ لَهُ: لَوْ كُنْتَ مَعَ هَؤُلَاءِ مَاذَا تَتَمَنَّى؟! مَا هِيَ أُمْنِيَتُكَ؟! قَالَ: أَتَمَنَّى أَنْ أَرْجِعَ لِلدُّنْيَا حَتَّى أَعْمَلَ صَالِحًا.
فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، أَنْتَ الآنَ فِي الأُمْنِيَةِ فَاعْمَلْ.

وَهَذَا هُنَا يَقُولُ: فَأَنْتَ فِي الأُمْنِيَةِ، يَقُولُ لِنَفْسِهِ فَاعْمَلِي.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


هَذَا يُوَضِّحُ لَكَ أَهَمِّيَّةَ اسْتِحْضَارِكَ أَيُّهَا العَبْدُ لِلإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، اسْتِحْضَارِكَ لِلإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِر، وَتَذَكُّرِكَ دَائِمًا، وَلَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، مِثْلَ مَا جَاءَ فِي النُّصُوصِ الكَثِيرَةِ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) فِي هَذَيْنِ المَقَامَيْنِ: التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.

-يَعْنِي: فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا تَذَكَّر: الإِيمَانَ بِاليَوْمِ الآخِرِ، حَتَّى يُعِينَكَ عَلَى تَحْسِينِ الصَّلَاةِ، إِنْ حَدَّثَتِ الإِنْسَانَ نَفْسُهُ تَأَخُّرًا أَوْ تَهَاوُنًا أَوْ تَبَاطُؤًا، يَذْكُرُ نَفْسَهُ بِاليَوْمِ الآخِرِ.

وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ المَعَاصِي، إِذَا حَدَّثَ المَرْءَ نَفْسُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعْصِيَةً، يَقُولُ لَهَا: يَا نَفْسُ، أَيَسُرُّكِ أَنْ تَلْقِي اللهَ بِهَذِهِ المَعْصِيَةِ؟!

وَاللَّهِ، يَا إِخْوَانِ، وَهَذَا مِمَّا يُؤْلِمُ بَعْضَ الأَشْخَاصِ قَدْ يُسَافِرُ مِنْ بَلَدٍ، وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ البَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسَافِرٌ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْوَاعٌ مِنَ المَعَاصِي، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى فِعْلِهَا وَارْتِكَابِهَا، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ يَمُوتُ فِي طَرِيقِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى البَلَدِ الَّذِي سَافَرَ لِعِصْيَانِ اللهِ فِيهِ، يَمُوتُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِل!

وَلِهَذَا، يَنْبَغِي دَائِمًا أَنْ يُذَكِّرَ المَرْءُ نَفْسَهُ بِهَذَا، إِنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ، يُذَكِّرُهَا بِاليَوْمِ الآخِرِ وَالنَّارِ وَالحِسَابِ وَالعِقَابِ، وَيَقُولُ لَهَا:
-أَتَرْضَيْنَ أَنْ تَلْقِيَ اللهَ بِذَلِكَ؟!
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ ..﴿١٨﴾ [الحشر].

-غَدُ: هَذَا هُوَ اليَوْمُ الآخِرُ.
يَذْكُرُ هَذَا اليَوْمَ ذِكْرًا عَظِيمًا فِي حَيَاتِهِ وَيُعِدُّ لِذَلِكَ اليَوْمِ عُدَّتَهُ.
•نعم.

_ فَكَمْ فِي تَذَكُّرِ المَآلِ مِنْ أَثَرٍ فِي زَمِّ النَّفْسِ وَأَطْرِهَا عَلى الحَقِّ، وَكَمْ فِي الغَفْلَةِ عَنْهُ مِنْ أَثَرٍ فِي إِنْفِلَاتِهَا وَانْسِيَاقِهَا وَرَاءَ المَلَذَّاتِ الفَانِيَةِ.

_ قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-:
وَنَحْنُ نُشِيرُ بِعَوْنِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ إِلَى الشَّوَاهِدِ إِشَارَةً يُعْلَمُ بِهَا حَقِيقَةَ الأَمْرِ، فَأَوَّلُ شَوَاهِدِ السَّائِرِ إِلَى اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ أَنْ يَقُومَ بِهِ شَاهِدٌ مِنَ الدُّنْيَا وَحَقَارَتِهَا وَقِلَّةِ وَفَائِهَا وَكَثْرَةِ جَفَائِهَا وَخِسَّةِ شُرَكَائِهَا وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهَا.

ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا قَامَ بِالعَبْدِ هَذَا الشَّاهِدُ مِنْهَا تَرَحَّلَ قَلْبُهُ عَنْهَا، وَسَافَرَ فِي طَلَبِ الدَّارِ الآخِرَةِ، وَحِينَئِذٍ يَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدٌ مِنَ الآخِرَةِ وَدَوَامِهَا وَأَنَّهَا هِيَ الحَيَاةُ الحَقِيقِيَّةُ، فَأَهْلُهَا لَا يَرْتَحِلُونَ مِنْهَا وَلَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا بَلْ هِيَ دَارُ القَرَارِ وَمَحَطُّ الرِّحَالِ وَمُنْتَهَى السَّيْرِ.

ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدٌ مِنَ النَّارِ وَتَوَقُّدِهَا، وَاضْطِرَامِهَا وَبُعْدِ قَعْرِهَا، وَشِدَّةِ حَرِّهَا، وَعَظِيمِ عَذَابِ أَهْلِهَا، فَيُشَاهِدُهُمْ وَقَدْ سِيقُوا إِلَيْهَا سُودَ الوُجُوهِ، زُرْقَ العُيُونِ، وَالسَّلَاسِلُ وَالأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ.

فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهَا فُتِحَتْ فِي وُجُوهِهِمْ أَبْوَابُهَا، فَشَاهَدُوا ذَلِكَ المَنْظَرَ الفَظِيعَ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ حَسْرَةً وَأَسَفًا.
﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا ﴿٥٣﴾ [الكهف].

فأَرَاهُمْ شاهِدُ الإيمانِ وهُمْ إِلَيْهَا يَدْفَعُونَ وأَتَى النِّداءُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ العَالَمِينَ.

﴿وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ ﴿٢٤﴾ [الصافات].

_ ثم قيل لهم:
﴿ هَٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٤﴾ أَفَسِحۡرٌ هَٰذَآ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ ﴿١٥﴾ ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴿١٦﴾ [الطور].

فيراهم شاهدُ الإيمان وَهُمْ فِي الحَمِيمِ عَلَى وُجُوهِهِمْ يُسْحَبُونَ، وفِي النَّارِ كَالحَطَبِ يُسْجَرُونَ، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ، فَبِئْسَ اللِّحَافُ وَبِئْسَ الفِرَاشُ، وَإِنِ اسْتَغَاثُوا مِنْ شِدَّةِ العَطَشِ:
﴿.. يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ .. ﴿٢٩﴾ [الكهف].

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


فَإِذَا شَرِبُوهُ تَقَطَّعَتْ أَمْعَاؤُهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ، وَصُهِرَ مَا فِي بُطُونِهِمْ!!
شَرَابُهُمُ الحَمِيمُ، وَطَعَامُهُمُ الزَّقُّومُ:
﴿.. لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ ﴿٣٦﴾ وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴿٣٧﴾ [فاطر].

فَإِذَا قَامَ بِقَلْبِ العَبْدِ هَذَا الشَّاهِدُ، إنْخَلَعَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَلَبِسَ ثِيَابَ الخَوْفِ وَالحَذَرِ، وَأَخْصَبَ قَلْبَهُ مِنْ مَطَرِ أَجْفَانِهِ، وَهَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مُصِيبَةٍ تُصِيبُهُ فِي غَيْرِ دِينِهِ وَقَلْبِهِ.
وَعَلَى حَسَبِ قُوَّةِ هَذَا الشَّاهِدِ؛ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ، فَيَذِيبُ هَذَا الشَّاهِدُ مِنْ قَلْبِهِ الفَضَلَاتِ وَالمَوَادَّ المُهْلِكَةَ، وَيُنْضِجُهَا، ثُمَّ يُخْرِجُهَا، فَيَجِدُ القَلْبُ لَذَّةَ العَافِيَةِ وَسُرُورَهَا.

فَيَقُومُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَاهِدٌ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
فَضْلًا عَمَّا وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّعِيمِ المُفَصَّلِ، الكَفِيلِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ اللَّذَّةِ مِنَ المَطَاعِمِ وَالمَشَارِبِ وَالمَلَابِسِ وَالصُّورِ وَالبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ.
فَيَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدُ دَارٍ قَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى النَّعِيمَ المُقِيمَ الدَّائِمَ بِحِذَافِيرِهِ فِيهَا:
•تُرْبَتُهَا المِسْكُ.
•وَحَصْبَاؤُهَا الدُّرُّ.
•وَبِنَاؤُهَا لَبِنُ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَقَصَبِ اللُّؤْلُؤِ.
•وَشَرَابُهَا أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ المِسْكِ وَأَبْرَدُ مِنَ الكَافُورِ وَأَلَذُّ مِنَ الزَّنْجَبِيلِ.
•وَنِسَاؤُهَا لَوْ بَرَزَ وَجْهُ إِحْدَاهُنَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ.
•وَلِبَاسُهُمْ الحَرِيرُ مِنَ السُّنْدُسِ وَالإِسْتَبْرَقِ..
•وَخَدَمُهُمْ وِلْدَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ المَنْثُورِ.
•وَفَاكِهَتُهُمْ دَائِمَةٌ لَا مَقْطُوعَةٌ وَلَا مَمْنُوعَةٌ.
•وَفُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ.
•وَغِذَاؤُهُمْ لَحْمُ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ.
•وَشَرَابُهُمْ عَلَيْهِ خَمْرَةٌ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ.
•وَخُضْرَتُهُمْ فَاكِهَةٌ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ.
•وَشَاهِدُهُمْ حُورُ عِينٍ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ.
•فَهُمْ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ، وَفِي تِلْكَ الرِّيَاضِ يُحَبَّرُونَ..
•وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ.
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى هَذَا الشَّاهِدِ شَاهِدُ (يَوْمِ المَزِيدِ) وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ -جَلَّ جَلَالُهُ-.
وَسَمَاعِ كَلَامِهِ مِنْهُ بِلاَ وَاسِطَةٍ.

_ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
"بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ".
ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
﴿سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ ﴿٥٨﴾ [يس].

ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ، وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ.

فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا الشَّاهِدُ إِلَى الشَّوَاهِدِ الَّتِي قَبْلَهُ، فَهُنَاكَ يَسِيرُ الْقَلْبُ إِلَى رَبِّهِ أَسْرَعَ مِنْ سَيْرِ الرِّيَاحِ فِي مَهَابِّهَا؛ فَلَا يَلْتَفِتُ فِي طَرِيقِهِ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا.
إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

فَكَمْ لِهَذَا مِنَ الأَثَرِ البَالِغِ عَلَى العَبْدِ فِي صَلَاحِ قَلْبِهِ وَطَاعَتِهِ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَبُعْدِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟!
أَصْلَحَ اللهُ قُلُوبَنَا أَجْمَعِينَ وَزَكَّاهَا بِالإِيمَانِ.
•نعم.

_ نَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُزَكِّيهَا بِالإِيمَانِ.

اللَّهُمَّ آتِ نُفوسَنا تَقواها، زَكِّها أنتَ خَيرُ مَن زَكّاها، أنتَ وليُّها ومولاها.

اللَّهُمَّ إنّا نسألُك الهُدى والتُّقى والعِفّةَ والغِنى، اللَّهُمَّ أصْلِحْ لنا دِينَنَا الذي عصمةُ أمرِنا، وأصلِحْ لنا دُنيانا التي فيها مَعاشُنا، وأصلِحْ لنا آخِرتَنا التي فيها مَعادُنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شَرِّ..

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


•كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
•صَلاحُ القُلُوبِ بِالْقُرْآنِ
•المُحَاضَرة السادسة عَشْرَة
~الجزء الثاني~

○--•°•✵✯✵•°•--○

•نَعَمْ.

_ فَهَذِهِ أُصُولُ الإِيمَانِ الَّتِي جَاءَتْ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَعَلَيْهَا قِيَامُ دِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَتَفَاصِيلُ هَذِهِ الأُصُولِ مُبَيَّنَةٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا تَرَسَّخَتْ فِي القَلْبِ عَظُمَ صَلَاحُهُ، وَطَابَ وَزَكَى، وَهِيَ غِذَاءُ القُلُوبِ وَقُوتُهَا وَصَلَاحُهَا وَقِوَامُهَا.
وَاللهُ تَعَالَى المَسْؤُولُ وَالمَرْجُوُّ وَحْدَهُ أَنْ يُزَيِّنَنَا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.
آمِينَ.
•نعم.

فَصْلٌ// الإِيمَانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ.

_ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ قَالَ:
دخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- جَالِسٌ في ظِلِّ الكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عليه، فأتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، فَقالَ: كُنَّا مع رَسولِ اللهِ ﷺ في سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا؛ فَمِنَّا مَن يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَن يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَن هو في جَشَرِهِ، إذْ نَادَى مُنَادي رَسولِ اللهِ ﷺ: "الصَّلَاةَ جَامِعَة"، فَاجْتَمَعْنَا إلى رَسولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ:
"إنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلَّا كانَ حَقًّا عليه أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ علَى خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه هذِه، فمَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ، وَمَن بَايَعَ إمَامًا فأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ؛ فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ".

فَدَنَوْتُ منه، فَقُلتُ له: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، آنْتَ سَمِعْتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ ﷺ؟ فأهْوَى إلى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بيَدَيْهِ، وَقالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، فَقُلتُ له: هذا ابنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بيْنَنَا بالبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا.
_ وَاللَّهُ تَعَالَى يقولُ:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا ﴿٢٩﴾ [النساء].
قالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: أَطِعْهُ في طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

_ الإِيمَانُ بِاليَوْمِ الآخِر:
مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، هُوَ مِنْ أُصُولِ الإِيمَانِ العَظِيمَةِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا دِينُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكَثِيرًا مَا يُقْرَنُ هَذَا الأَصْلُ بِالإِيمَانِ بِاللهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ أَوْ فِي مَقَامِ التَّرْهِيبِ.

مِثْلَ قَوْلِ:
"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ".
"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ".

جَاءَ فِي هَذَا المَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ:
"لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ".
فَيَأْتِي فِيهِ مَقَامُ التَّرْغِيبِ وَمَقَامُ التَّرْهِيبِ؛ ذِكْرُ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ:
١- الإِيمَانِ بِاللهِ.
٢- وَالإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ.

١- الإِيمَانُ بِالله:
يُذْكَرُ لِأَنَّهُ المَقْصُودُ بِالعَمَلِ المُتَوَجّهِ إِلَيْهِ بِالعَمَلِ -سُبْحَانَهُ-.

٢- وَالإِيمَانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ:
يُذْكَرُ لِأَنَّهُ دَارُ الجَزَاءِ عَلَى العَمَلِ:
﴿.. لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ بِٱلۡحُسۡنَى ﴿٣١﴾ [النجم].

وبهذا يُعلَمُ أنَّ هذا الأصْلَ عن الإيمانِ باليومِ الآخِرِ مُهِمٌّ جِدًّا في حياةِ المُسلِمِ أنْ يَعتَنيَ بتَجديدِ هذا الإيمانِ باليومِ الآخِرِ في قلبِهِ؛ لأنَّ تَجَدُّدَ الإيمانِ في قلبِهِ صَلاحٌ لِقَلبِهِ، وصَلاحُ قلبِهِ صَلاحٌ لِعَمَلِهِ.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


ولِهذا مَن تَكونُ لَهمُ النَّجاةُ يومَ القِيامةِ يُخبِرون أنَّ من أعظَمِ أسبابِ نَجَاتِهِمْ يومَ القِيامةِ أنَّهم كانوا خَائِفِينَ من اليومِ الآخِرِ، مُشْفِقِينَ منهُ:
﴿قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِيٓ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِينَ ﴿٢٦﴾ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ﴿٢٧﴾ [الطور].

﴿فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ﴿١٩﴾ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ﴿٢٠﴾ [الحاقة].

كُنتُ في الدُّنيا أعتَقِدُ أنَّه في حِسابٍ وبَعثٍ، ويومٍ آخَرٍ وجَزاءٍ، فَكُنتُ أستعِدُّ لهذا اليَومِ.
ولهذا .. الإيمانِ باليومِ الآخرِ، وإحضارِهِ في القَلبِ يُورِثُ استعدادًا لِذلِكَ اليَومِ:
﴿.. وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴿١٩٧﴾ [البقرة].

يُثمِرُ تَزَوُّدًا لذلِكَ اليَومِ.

آخِرُ آياتِ الحَجِّ في "سورةِ البَقَرةِ" أُمِرَ العِبادُ وخاصَّةً من أَكرَمَهُمُ اللهُ بالحَجِّ بالتَّقوى، قال:
﴿.. وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ﴿٢٠٣﴾ [البقرة].

وَهَذَا يَتَكَرَّرُ فِي آيَاتٍ:
﴿.. وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾.

هَذَا العِلْمُ بِالحَشْرِ بالحِسَابِ بِاليَوْمِ الآخِرِ بِالجَزَاءِ وَالعِقَابِ، هذا لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ عَلَى القَلْبِ صَلَاحًا.

وَسَيَأْتِي مَعَنَا أَنَّ الإِيمَانَ بِاليَوْمِ الآخِرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ:
١⁃ دَرَجَةُ الإِيمَانِ الجَازِمِ
٢⁃ وَدَرَجَةُ الإِيمَانِ الرَّاسِخ

الإِيمَانُ الرَّاسِخُ، لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا إِذَا وُفِّقَ القَلْبُ لِتَحَقُّقِ: الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، فِيهِ وَرُسُوخِهِ فيه، لأَنَّ هَذَا الإِيمَانَ يُصْبِحُ سَبَبًا لِاسْتِقَامَةِ العَبْدِ:
•إِنْ حَدَّثَتهُ نفسُهُ بِتَهَاوُنٍ فِي طَاعَة.
ذَكَرَ اليَومَ الآخِر، والجَزَاء، والحِساب، فَجَدَّ واجْتَهَد.
•وَإِنْ حَدَّثَتهُ نفسُهُ رُكُوبًا لِمَعْصِيَة.
تَذَكَّرَ ذٰلِكَ اليَوْم، وَأَنَّهُ فِيهَا حِسَابٌ وَعِقَابٌ، فَكَفَّ وَامْتَنَعَ.

وَلِهَذَا.. الإِيمَانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ فِي بَابِ الصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ.

_ وَهَذَا الحَدِيثُ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ العَاصِ مَلِيءٌ بِالفَوَائِدِ، وَسَبَقَ أَنْ عُقِدَ فِي هَذَا المَجْلِسِ شَرْحٌ مُفَصَّلٌ لِهَذَا الحَدِيثِ وَبَيَانُ مَضَامِينِهِ وَمَعَانِيهِ، لَكِنَّ الشَّاهِدَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-:
"فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ".

وَلَاحِظْ قُورِنَ هُنَا بَيْنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ.

ذَكَرَ هَذَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ هُوَ النَّجَاةُ:
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ.

-مَا مَعْنَى هَذَا الكَلَامِ؟
-فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؟!

المَعْنَى أَنْ تَكُونَ دَائِمَ تَجَدُّدِ إِيمَانِكَ بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، فَلَا تَأْتِيكَ المَنِيَّةُ إِلَّا وَأَنْتَ عَلَى هَذَا الإِيمَانِ.

فَهَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَجْدِيدِ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تَجْدِيدًا مُسْتَمِرًّا فِي القَلْبِ.

وَإِنْ تَمَكَّنَ المَرْءُ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى دَرَجَةِ الرُّسُوخِ (رُسُوخِ الإِيمَانِ) فَهَذَا مَبْلَغٌ عَظِيمٌ وَلَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ.
وَإِلَّا فَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ دَائِمًا عَلَى تَجْدِيدِ هَذَا الإِيمَانِ وَيَذْكُرُ نَفْسَهُ بِهَذَا الإِيمَانِ فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ وَفِي مَقَامِ التَّرْهِيبِ:
(فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ).

وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْوَاعًا مِنَ الفِتَنِ يُبْتَلَى بِهَا النَّاسُ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَمُعَامَلَةَ النَّاسِ بِالمُعَامَلَةِ الَّتِي تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ بِهَا هُوَ النَّجَاةُ مِنَ الفِتَنِ مَهْمَا كَانَتْ وَمَهْمَا عَظُمَتِ الفِتَنُ.

إِذَا اجْتَمَعَ لِلْعَبْدِ هَذَانِ الأَمْرَانِ:
١- الأَوَّلُ اعْتِقَادِيّ.
٢- وَالثَّانِي عَمَلِي

١⁃ الاعْتِقَادِيُّ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ.
٢⁃ وَالعَمَلِيُّ: أَنْ تَأْتِيَ إِلَى النَّاسِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْك.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:54


وَهَذَا اسْتَفَادَ مِنْهَا العُلَمَاءُ فَائِدَةً تَتَعَلَّقُ بِالمُعَامَلَةِ مَعَ السُّلْطَانِ.

_ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "فَلْتَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْك"
هَذَا يَنْطَبِقُ انْطِبَاقًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّ جَاءَ الحَدِيثُ فِي سِيَاقِ ذَلِكَ، يَنْطَبِقُ أَوَّلِيًّا فِي التَّعَامُلِ مَعَ السُّلْطَانِ.

مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَامِلَ السُّلْطَانَ فَلْيُعَامِلْهُ بِالمُعَامَلَةِ الَّتِي يُحِبُّ أَنْ يُعَامَلَ بِهَا لَوْ كَانَ هُوَ السُّلْطَانَ.
وَلِهَذَا، سُبْحَانَ اللهِ، تَجِدُ أُنَاسًا يَتَعَامَلُونَ مَعَ الحُكَّامِ مُعَامَلَةً لَوْ كَانُوا هُمُ الحُكَّامَ مَا رَضُوا أَنْ يُعَامَلُوا بِهَا أَبَدًا وَلَا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ.

إِذًا: هَذَا خِلَافُ القَاعِدَةِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، قَالَ:
"وَلْتَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْك".

_ وَلِهَذَا بَيَّنَ فِي الحَدِيثِ بَعْدَ هَذَا مُبَاشَرَةً قَالَ: "وَلْيَأْتِ لِلنَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ مَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامَهُ فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ"
•أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ.

وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا تَقَدَّمَ: "وَلْيَأْتِ لِلنَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ".

•فَالحَاصِلُ:
أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ وَنَافِعٌ لِلْغَايَةِ وَمَلِيءٌ بِالفَوَائِدِ، وَالشَّاهِدُ مِنْ أَثَرِ <<الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ>> فِي تَحَقُّقِ النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ، وَأَنَّ هَذَا الإِيمَانَ بِاليَوْمِ الآخِرِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ الَّتِي تُصْلحُ بِهَا القُلُوبُ.
•نعم.

_ هَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ فِيهِ بَيَانُ أَهَمِّيَّةِ الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ وَأَثَرِهِ العَظِيمِ عَلَى العَبْدِ فِي صَلَاحِ قَلْبِهِ، وَنَجَاتِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَنَجَاتِهِ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ.
وَأَنَّ مَنْ أَحَبَّ لِنَفْسِهِ الزَّحْزَحَةَ عَنِ النَّارِ، وَدُخُولَ الجَنَّةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، إِلَى أَنْ يَتَوَفَّاهُ اللهُ وَهُوَ عَلَى هَذَا الإِيمَانِ.

_ قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ﴿١٩﴾ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ﴿٢٠﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ﴿٢١﴾ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ﴿٢٢﴾ قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ﴿٢٣﴾ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ ﴿٢٤﴾ [الحاقة].

_ فقوله: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾.
فيه أثرُ الإيمانِ باليومِ الآخِرِ على القلوبِ، ومَكانَتِهِ العَلِيَّةِ في تَزْكِيَةِ النُّفوسِ، وإصلاحِ العبادِ، وأنَّ العبدَ كلّما كان على ذِكْرٍ واستِحضارٍ لِذلِكَ اليومِ، وأنَّ ثَمَّةَ يومٌ يُحاسَبُ فيهِ ويُعاقَبُ، فيهِ جَنَّةٌ ونارٌ، ولقاءٌ بالجَبَّارِ -سُبحانَهُ وتعالى-، والسُّؤالُ عمّا قدَّمَ في هذهِ الحياةِ؛ كانَ لذلكَ عظيمُ الأثَرِ على قلبِهِ، صَلاحًا واستقامةً على طاعةِ اللهِ -سبحانه وتعالى-.

أمَّا إذا ضَعُفَ هذا الإيمانُ في قلبِ الإنسانِ أو انعدَمَ، فإنَّ الخيرَ يضعفُ وينعدِمُ تَبَعًا لضعفِهِ أو انعدامِهِ، ولهذا كانَ من أولويَّاتِ الدِّينِ وأعظمِ ما ينبغي أن يُعنى به المسلمونَ: إصلاحَ الاعتقادِ الذي هو للدِّينِ بمثابةِ الأصولِ للأشجارِ والأعمدةِ للبنيانِ.

-وكَمْ يَتَرَتَّبُ من الآثارِ السَّيِّئةِ، والعواقبِ الوَخِيمةِ، حينما يَغفلُ الإنسانُ عن البعثِ، وعن الجزاءِ، وعن الحسابِ؟!
وينسى أنَّ هذهِ الأعمالَ التي يَقتَرِفُها ويقدِّمُها ويباشرُها في هذهِ الحياةِ ستكونُ مُحْضَرَةً كلّها يومَ القيامةِ.
﴿يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ﴿٣٠﴾ [آل عمران].

وأنّه يُجزى عليها بمثاقيل الذّر:
﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ﴿٧﴾ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ﴿٨﴾ [الزلزلة].

وإنْ نَسيَ ذلك فإنّه مُحصًى عليه:
﴿.. أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ .. ﴿٦﴾ [المجادلة].

ومكتوبٌ، يَجدُ كُلَّ ذلكَ حاضِرًا يومَ القيامةِ.
﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا ﴿٤٩﴾ [الكهف].

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

19 Jan, 19:49


‏مقطع صوتي من ~كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
•صَلاحُ القُلُوبِ بِالْقُرْآنِ
•المُحَاضَرة السادس عَشْرَ
~الجزء الثاني

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين أصلح لنا أجمعين النية والذرية والعمل.

_ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرًا.

○--•°•✵✯✵•°•--○

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


•ولهذا الأحكام قد يدخلها نسخ، يعني في شريعة نبي تأتي أحكام، فيأتي نبي بعده فينسخ تلك الأحكام أو شيء منها.
وفي شريعة النبي الواحد قد يأتي الحكم ثم يُنسخ.

لكن العقيدة هذه ليس فيها نسخ، لا يدخلها نسخ.
•العقيدة: شيء واحد عند جميع النبيين، لا يدخلها نسخ.
•النسخ في الأحكام.
•أما العقيدة واحدة.
•والنبيون من أولهم إلى آخرهم كلهم على هذه الأصول:
•الإيمان بالله
•والإيمان بالرسل
•والإيمان بالكتب
•والإيمان باليوم الآخر.
كلهم دعاة إلى هذه الأصول.

_ الشوكاني -رحمه الله- له رسالة أسماها: "إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات"
يعني هذه أصول متفق عليها، وأخذ يسوق الأدلة والشواهد والبراهين على أن هذه الأصول، أصول الإيمان متفق عليها في شرائع جميع الأنبياء.
•نعم.

_ ومما يبين أهميتها أنها تسمى أصول الإيمان وأركانه، لأنها أعمدته التي عليها قيامه، وهذا يعني أنه بزوالها أو بزوال شيء منها ينهدم الدين.
•نعم.

_ ينهدم لأن مثل ما تقدم:
﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾.

فإذا انهدم شيء منها انهدم الدين، لأن الدين مبني عليها، فإذا اختلت الأصول اختل ما بُني عليه.
•نعم.

ومما يبين أهميتها أنها للإيمان كالأصول للأشجار.
_ قال الله تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿٢٤﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٢٥﴾.

-والمراد بالشجرة الطيبة: النخلة.
وهذا مَثَل بديع ضربه الله -تبارك وتعالى- للإيمان، يفيد المؤمن معرفة للإيمان لأصوله الراسخة وفروعه الباسقة وثماره اليانعة وفوائده العميمة في الدنيا والآخرة.

وتأمل هذا التشبيه للإيمان بالنخلة، فإن الشبه في ذلك ظاهر، إذ النخلة لا بد فيها من ثلاثة أشياء: عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع مثمر.
•وهكذا الشأن في الإيمان لا بد فيه من ثلاثة أشياء:
١- اعتقاد القلب
٢- وقول اللسان
٣- وعمل الجوارح بطاعة الله -جل وعلا-.

وبهذا يُعلم أن الإيمان شجرة مباركة عظيمة النفع، كبيرة الفائدة، عظيمة الأثر، لها مكان تُغرس فيه ولها سقي خاص بها ولها أصل وفرع وثمر.
•نعم.

_ وفي هذا يُرجع إلى الرسالة النفيسة العظيمة التي ألفها الشيخ ابن السعدي -رحمه الله- وسماها: "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان".
هذه رسالة نفيسة وعظيمة جدًّا في بيان هذه الشجرة المباركة شجرة الإيمان، بيّن أصولها وبيّن فروعها وبيّن ثمارها وفوائدها.
•نعم.

_ أما مكانها الذي توضع فيه فسائلها ومنه تنشأ فروعها فهو قلب المؤمن.
_ قال الله -تبارك وتعالى-:
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}.
_ وقال تعالى:
{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ}.

_ وأما سقيُها فهو وحي الله -جل وعلا-

_ هذا الآن بداية نبات هذه الشجرة: أول ما يكون شرح الصدر لأنها تقوم هذه الشجرة على شيء في الصدر أولًا، في القلب، لا يمكن أن تنبت هذه الشجرة وتثمر إلا في نموٍ يبدأ أولًا من الصدر، ولهذا أول ما يكون الدخول في الإسلام هو شرح الصدر للإسلام، إذا انشرح الصدر للإسلام أصبح صدرًا مُهيَّأً لأن تنبت فيه شجرة الإيمان.
•نعم.

_ وأما سَقيها:
فهو وحي الله -جل وعلا- كلامه -سبحانه- وكلام رسوله ﷺ، فبهما تحيا هذه الشجرة وتنمو نموًّا مضطردًا.
_ قال الله تعالى:
{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ}.

-والنور هنا: هو وحي الله -تبارك وتعالى- الذي به تحيا هذه الشجرة.
_ وقال -جل وعلا-:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ}.

_ وأما أصولها:
فهي أصول الإيمان الستة التي لا قيام للإيمان ولا صلاح للدين ولا استقامة للإسلام إلا بها، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.

_ وأما فروعها:
فإنها الطاعات الزاكية والقربات المتنوعة، فالصلاة من الإيمان والزكاة من الإيمان، والحج من الإيمان، وكل طاعة يتقرب بها المؤمن إلى الله فهي من الإيمان وكذلك بُعد العبد عن الحرام، كل ذلك من الإيمان.

_ وأما ثمارها:
فهو كل خير في الدنيا والآخرة وكل نعمة فإن ذلك كله من ثمار الإيمان.
_ قال الله تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)}.

_ وقال تعالى:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)}.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


•انتبه لهذه الخمس، فينفعك الله بها نفعًا عظيمًا في معرفة شجرة الإيمان.
•الآن النخلة إذا أريد غرسها:
١- أولًا: تحتاج إلى مكان تغرس فيه، وليس كل مكان يصلح لأن تغرس فيه النخلة، ولهذا إذا غرست في مكان غير مناسب لا تنبت، وإن نبتت لا تثمر، وإن أثمرت يكون ثمرها ضعيفًا، فهي تحتاج إلى مكان تغرس فيه.
٢- وتحتاج إلى سقي تتعاهد به، إذا لم تتعاهد بسقيها بالماء تذبل إلى أن تموت.
٣- ولها أصول، أصل تقوم عليه.
٤- ولها فرع قائم.
٥- ولها ثمار.
هذه خمس كلها موجودة في النخلة.

وهي كذلك في شجرة الإيمان.
•شجرة الإيمان:
١• لها مكان تغرس فيه:
وهو " قلب المؤمن " الصدر الذي شرحه الله -عز وجل- لتنمو فيه هذه الشجرة العظيمة المباركة.

٢• ولها سقي شجرة الإيمان:
وهو الوحي تسقى بالوحي بكلام الله وكلام رسوله ﷺ.
٣• ولها أصول:
وهي هذه الأصول الستة التي يقوم عليها دين الله، ومكان هذه الأصول قلب المؤمن.
٤• ولها فروع:
وهي الطاعات؛ أنواع العبادات وأنواع القُرَب التي يتقرب بها إلى الله.
٥• ولها ثمار:
وثمار شجرة الإيمان كل خير يناله العبد ويظفر به في دنياه وأخراه.
•نعم.

_ فبالإيمان يحيى العبد الحياة الطيبة في الدارين، وينجو من المكاره والشرور والشدائد، ويدرك جميل العطايا وواسع المواهب، وبالإيمان ينال ثواب الآخرة فيدخل جنةً عرضها كعرض السماء والأرض؛ فيها من النعيم المقيم، والفضل العظيم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.

"لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة".
•هذا حديث.
•نعم.

•وبالإيمان: ينجو العبد من نارٍ عذابها شديد، وقعرها بعيد، وحرُّها أليم.
•وبالإيمان: يفوز العبد برضى ربه -سبحانه- فلا يسخط عليه أبدًا، ويتلذذ يوم القيامة بالنظر إلى وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
•وبالإيمان: يطمئن القلب وتسكن النفس ويُسَر الفؤاد:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)}.

وكم للإيمان من الفوائد العظيمة والآثار المباركة والثمار اليانعة والخير المستمر في الدنيا والآخرة، ما لا يحصيه ولا يحيط به إلا الله -عز وجل-، فهو أعظم المطالب وأجلُّ المقاصد وأنبل الأهداف وهو أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة. بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على الإيمان الصحيح.

_ نسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يزيننا أجمعين بزينة الإيمان، وأن يجعلنا هداةً مهتدين.
•اللهم آمين.

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علمًا وتوفيقًا وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطًا مستقيمًا.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وسدده في أقواله وأعماله.
اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد ولما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين.

اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وأعذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أنج المستضعفين من المسلمين، واحقن دماءهم يا رب العالمين، واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين.

اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد ﷺ، واجعلهم رحمةً على رعاياهم.

اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين إليك أواهين منبين لك مخبتين لك مطيعين.

اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا، واهدِ قلوبنا وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا، وثبت حجتنا، واهدِ قلوبنا وسدد ألسنتنا وَاسْلل سخيمة صدورنا.

اللهم زينَّا بزينة الإيمان واجعلنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.

اللهم حَبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة وقنا عذاب النار.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


•كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
•صَلاحُ القُلُوبِ بِالْقُرْآنِ
•المُحَاضَرة الخامسة عَشْرَة
~الجزء الثاني~

○--•°•✵✯✵•°•--○

١- الجملة الأولى:
_ قوله ﷺ:
"إِنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لاَ يَنَامُ".
-أي: أنه -تبارك وتعالى- منزهٌ عن النوم وعن مقدماته.
لأن النوم نقص، وإنما ينام من هو محتاجٌ للراحة والخلاص من التعب، وهو دليلٌ على نقص الإنسان وضعفه.

_ وأنَّ الله -تبارك وتعالى- فإنه غنيٌ غنىً ذاتيًّا من كل وجه ولا يلحقه نقص.

_ وفي قول النبي ﷺ عن الله -جل جلاله-: (لا ينام):
•إثبات كمال حياته -تبارك وتعالى_.
•وإثبات كمال قيوميته -عز وجل-.

_ ولهذا قال في "آية الكرسي":
{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ}.

(والسِّنةُ): هي بدايات النوم ومقدماته، وهو النعاس.
_ والله -عز وجل- منزهٌ عن ذلك كله، لكمال حياته وكمال قيوميته، فهو الحي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء، ولا يعتريها نقص، ولا تلحقها آفة من الآفات.
(والقيومُ): أي القائم بنفسه المقيم لخلقه.

٢- الجملة الثانية:
_ قوله ﷺ: (ولا ينبغي له أن ينام):
-أي: كما أن النوم في حقه لا يقع، والرب -عز وجل- منزهٌ عنه، فهو أيضًا ممتنع عليه ومستحيل.
-لأن كلمة: (لا ينبغي) كما أنها تأتي في الممنوع والمحظور شرعًا، فإنها تأتي أيضا في الممتنع المستحيل.
_ كقول الله -تبارك وتعالى-:
{وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)}.

-أي: هذا ممتنع في حقه.
-ومثله هنا:
(ولا ينبغي له أن ينام):
-أي أن هذا ممتنع في حقه -سبحانه وتعالى-، ففيه تأكيد للمعنى الأول، وأن الواجب على العباد أن يعرفوا ربهم -سبحانه وتعالى- أنه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، فالنوم مستحيل وممتنع في حقه وهو منزهٌ عنه.

٣- الجملة الثالثة:
_ قول النبي ﷺ:
(يخفض القسط ويرفعه):
وهذه الجملة فيها إثبات كمال عدل الله -تبارك وتعالى- وكمال تدبيره، وأن كل شيء عنده بميزان، وكل أمر يدبره بمقدار، يدبر أمور الخلق بالعدل فلا ظلم ولا حيف ولا هضم.
-والقسط: هو الميزان والعدل.
فهو عدلٌ لا يظلم والأمور كلها بميزان فيما يتعلق بأعمال العباد، وما يُرفع إليه منها كما سيأتي في الجملة التي بعدها، وفيما يتعلق بما هو نازل منه للعباد من أرزاق ونِعَم:
{وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (٢١)}.

_ فهو العليم بأحوال خلقه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم.
ولهذا ينبغي على العبد أن يكون معظِّمًا لله -سبحانه وتعالى- مقبلًا عليه في شدته ورخائه، وفي عسره ويسره، مؤمنًا بربه -سبحانه-.

٤- الجملة الرابعة:
_ قوله ﷺ:
(يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل).

لأن الرفع إنما يكون إلى أعلى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾.

وفي هذا عرض الأعمال على الله -سبحانه وتعالى-، أعمال النهار تُرفع إلى الله وتُعرض عليه قبل الليل، وأعمال الليل تُرفع إلى الله وتُعرض عليه قبل النهار، وهذا يدعو العبد إلى الإصلاح من شأن نفسه وأعماله، وأن يكون مُسارعًا في العمل ومُسابقًا إلى الخيرات. لأن عمل الليل يُرفع قبل النهار وعمل النهار يُرفع قبل الليل، ترفعه الملائكة.

٥- الجملة الخامسة:
_ قوله ﷺ:
(حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

وهذا فيه إثبات الوجه صفة لله، وإثبات البصر صفة لله -عز وجل-، وإثبات السبحات للوجه صفةً للوجه.
-وسبحاتُ الوجه: أي بهاؤه وجماله.

_ والضمير في قوله: (حجابه النور) عائدٌ إلى الله -جل جلاله-، وهذا فيه إثبات الحجاب، وذكرَ الحكمة منه فقال: (لو كشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

_ وبصره -تبارك وتعالى- محيط بجميع المخلوقات العلوية والسفلية:
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ﴾.

فلو كُشف الحجاب لأحرق العالم العلوي والسفلي.

•والحاصل:
أن هذا حديثٌ عظيمٌ، جليلُ القدر كبير الفائدة، ينبغي على المسلم أن يعنى بفهمه فهمًا صحيحًا يثمر صلاحًا في قلبه وعملًا رشيدًا وطاعة زاكيةً، وحُسن تقرب لله -سبحانه- وهذا من أثر صحة الاعتقاد على صلاح القلب واستقامة العمل، فإن المعتقد كلما صحّ معرفةً بالله -سبحانه وتعالى- وإيمانًا به وأوصافه العظيمة، وصفاته الجليلة، كان في ذلك أكبر معونةٍ للعبد على زكاء نفسه وإقامة نفسه على طاعة الرب.

_ رزقنا الله أجمعين حسن الإيمان بأسمائه وصفاته والتحقيق لتوحيده وتعظيمه إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
•نعم.

_ فصلٌ // أصول الإيمان.

_ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


(بينما نحن عند رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ، لا يُرَى عليه أثرَ السفرِ ولا يعرفُه منا أحد، حتَّى جلس إلى النبي ﷺ فأسند ركبتَيه إلى ركبتيه ووضع كفَّيهِ على فخذِيه وقال: يا محمدُ أخبرْني عن الإسلامِ، فقال رسول الله ﷺ: الإسلام أن تشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وتقيمَ الصلاةِ وتؤتيَ الزكاةَ وتصومَ رمضانَ وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سبيلًا. قال: صدقتَ: قال: فعجِبنا له يسألهُ ويصدقُه، قال: فأخبرني عن الإيمانِ، قال: أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ وتؤمن بالقدرِ خيرِه وشرِّه، قال: صدقتَ، قال: فأخبرني عن الإحسانِ، قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ، قال: أخبرني عن الساعةِ، قال: ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائلِ، قال: فأخبرني عن أمارتِها، قال: أنْ تلدَ الأمةُ ربَّتها وأنْ ترَى الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشَّاءِ يتطاولونَ في البنيان، قال: ثمَّ انطلقَ، فلبثتُ مليًّا، ثمَّ قال لي: يا عمرُ أتدري من السائلُ؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنه جبريلُ أتاكم يعلِّمَكم دينَكم).
•رواه مسلم.
•نعم.

هذا الفصل في:
_ أصول الإيمان.
وهي أصول ستة، يقوم عليها دين الله -سبحانه وتعالى-.
وقد جاءت هذه الأصول الستة مجتمعة في هذا الحديث المشهور بحديث جبريل، وفيه أن جبريل -عليه السلام- سأل النبي ﷺ عن الإيمان، قال: أخبرني عن الإيمان؟!
قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".

فذكر -عليه الصلاة والسلام- هذه الأصول الستة التي هي أركان الإيمان وأصوله التي عليها قيام الإيمان ولا قيام للإيمان إلا عليها.

ولهذا فإن الأعمال والتعبدات وأنواع التقربات إلى الله -سبحانه وتعالى- إذا لم تكن قائمة على هذه الأصول مبنيةً عليها لم تقبل ولم ينتفع بها العامل.

_ قال -تعالى-:
{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (١٩)}.

_ وقال -جل وعلا-:
{وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٥)}.

فهذه أصول للإيمان.
_ مكان هذه الأصول الستة: القلب.
١- الإيمان بالله
٢- والإيمان بالملائكة
٣- والإيمان بالكتب
٤- والإيمان بالرسل
٥- والإيمان باليوم الآخر
٦- والإيمان بالقدر الخير وشره

_ وعليه فإن أعظم ما تُستصلح به القلوب هذه الأصول العظيمة.
وأعظمها وهو أصل أصول الإيمان:
_ الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، فهو أصل أصول الإيمان.
وبقية أصول الإيمان تبع له.

_ ولهذا قال -تبارك وتعالى-:
﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾.
هذا أصل الأصول.

_ قال:
﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾.
هذه أصول لكنها تابعة ماذا؟
لأصل الأصول الذي هو: الإيمان بالله -عز وجل-.
•نعم.

_ هذا حديث عظيم اشتمل على أصول الدين ومهماته وقواعده، ويدخل فيه الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة، فجميع علوم الشريعة ترجع إليه من أصول الإيمان والاعتقادات.
ومن شرائع الإسلام العملية بالقلوب والجوارح.

_ وقد قيل: إنه يصلح أن يسمى "أم السُّنة" لرجوعها كلها إليه.
كما تسمى الفاتحة "أم الكتاب وأم القرآن" لمرجعه إليها.

ومن أعظم ما اشتمل عليه هذا الحديث: "إصلاح القلوب" بذكر أعظم ما تُستصلح به القلوب وهو: (الإيمان بأصول الإيمان الستة).

_ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".

وهي أصول عظيمة الشأن واجب على كل مسلم أن يؤمن بها بقلبه إيمانًا جازمًا لا يخالطه أدنى شكٍّ ولا ريب.
وقد جاء ذكر هذه الأصول الستة في القرآن الكريم في مواضع عديدة منه تأكيدًا على أهميتها وعظيم مكانتها.

"وسورة البقرة":
قد اشتملت على هذه الأركان في أولها وفي وسطها وفي خاتمتها.

_ ففي أولها يقول الله -سبحانه وتعالى- في أوصاف المتقين:
﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾.

_ قوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾.

_ جاء عن أبي العالية -رحمه الله- أنه قال: أن يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت والبعث، فهذا غيب كله.

والإيمان بالغيب صفةٌ امتاز بها المؤمنون، الذين امتنّ الله -تعالى- عليهم بالإيمان وهداهم له، فإنهم يؤمنون بكل ما غاب عنهم مما أخبرتهم به رسل الله.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:49


فشأن الإيمان بالغيب عظيم.
_ قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ: ﴿الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ .. ﴿٢﴾.
إلى قوله: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾.

_ وقوله -عز وجل-:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ .. ﴿٤﴾.
متضمن الإيمان بالكتب المنزلة، ومتضمن الإيمان بالرسل -عليهم السلام-

_ وقوله -تعالى-: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾.
فيه الإيمان باليوم الآخر.

_ وفي وسط "سورة البقرة" قال الله -سبحانه-:
﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦﴾.

_ فقول الله -جل وعلا-:
﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾.
فيه الإيمان بالله.

_ وقوله تعالى:
﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى آخر الآية.
متضمن الإيمان ببقية أركان الإيمان الستة.

_ وقال -تعالى- في "سورة البقرة":
﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ .. ﴿١٧٧﴾.

_ وتسمى هذه الآية: "آية البِر".
وقد تضمنت أصول الإيمان وأركانه وبُدئ بها في الآية لأنها أعلى أوصاف أهل البر.

_ قال ابن كثير -رحمه الله-:
اشتملت هذه الآية الكريمة على جمل عظيمة وقواعد عميمة وعقيدة مستقيمة.

_ ثم نقل عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه قال: هذه أنواع البِر كلها.

_ قال ابن كثير -رحمه الله- وصدق -رحمه الله-: فإن من اتصف بهذه الآية فقد دخل في عُرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدّق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله، والكتاب وهو: اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء -عليهم السلام-.
حتى خُتمت بأشرفها وهو: القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ الله به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمدٌ -صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين-.

_ ثم قال -رحمه الله-: وقوله:
﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ﴾.
-أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات، هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.

_ وفي خاتمه هذه السورة قال الله -سبحانه-:
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿٢٨٥﴾.

وهي مشتملهٌ على أركان الإيمان الستة المأمور بالإيمان بها.

_ وقد ثبت في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
"من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".

-أي: كفتاه من كل شر وسوء.
وفي تلاوتها كل ليلة تجديد للإيمان بهذه الأصول العظيمة.

_ وقال الله -سبحانه- في "سورة النساء":
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١٣٦﴾.

وهذه الآية فيها التنصيص على كفر من لم يؤمن بهذه الأركان، أو لم يؤمن بشيء منها، وأنه في غاية الضلال:
﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١٣٦﴾.

فمن أخلَّ بها أو بشيء منها فلا قبول لطاعته، ولا انتفاع له بشيء من عبادته.

_ ولهذا يقول -جل وعلا-:
﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٥﴾.

ومما يبين أهمية هذه الأصول وعظم شأنها ورفعة مكانتها أن الشرائع السماوية كلها ونبوءات الأنبياء جميعهم متفقة على هذه الأصول، وإن اختلفت شرائعهم.

_ كما قال -جل وعلا-:
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.

أما الأصول فواحدة لدى جميع المرسلين -عليهم السلام-.
•نعم.

_ ولهذا صح في الحديث عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:
"نحن الأنبياء أبناء علّات ديننا واحد وأمهاتنا شتى".

-ديننا واحد: أي أصول الإيمان أصول الاعتقاد واحدة عند جميع الأنبياء، لا تختلف من نبي إلى آخر، هي واحدة هذه الأصول الستة عند جميع النبيين.

_ أما الشرائع:
قد تختلف من نبي إلى آخر كما قال -سبحانه وتعالى-:
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

07 Jan, 13:47


كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
•صَلاحُ القُلُوبِ بِالْقُرْآنِ
•المُحَاضَرة الخامسة عَشْرَة
~الجزء الثاني

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس الثامن ج1⁩.docx

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس الثامن ج1⁩.pdf

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


١⁃ الماضي من الذُّنوب: ماذا يصنع به؟
يُغسَل.
الماضي.. ذنوب متراكمة، هذا يَطلبُ من الله أن يغسلَها، تذهب.
٢⁃ والحاضرُ الموجود:
يُنَقَّى.
٣⁃ والآتِي:
المباعدةُ بينه وبينه، فيما يأتي، يكون بعيدًا عن الذُّنوب.
ففيه إشارةٌ إلى الأزمنةِ الثَّلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل.
الغَسلُ للماضي، والتَّنقِيَة للحَاضِر، والمُبَاعَدَة للمستقبل.

_ ثمّ قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ”.

هذه أربعةُ أمورٍ تعوَّذ النّبيُّ ﷺ بالله منها:
١- الكَسَلُ:
هو فُتورُ النَّفس، وعدمُ قيامِها بما تقدرُ على فعله، وهذا فرقٌ بين العَجْزِ وَالْكَسَلِ.
-العَجزُ: عدمُ القُدرةِ على فعلِ الشَّيءِ.
-والكَسَلُ: عدمُ فعله مع القُدرةِ عليه.
عنده قُدرةٌ جسمِيَّةٌ، وعنده قُوَّةٌ ونشاطٌ، لكنه فيه كَسَلٌ، ما تنهضُ نفسُه، ولا تَنبَعثُ همَّتُه للعمل، لأنَّه كَسولٌ، فهذا مِمَّا يتَعَوَّذ بالله منه.

-الهَرَمُ: هذا يأتي في بعضِ النُّصوصِ، ذِكره بالتَّعَوُّذ مِن سُوءِ الكِبَرِ، أو التَّعَوُّذ مِن أنْ يُرَدَّ إلى أرذَلِ العُمر.
-الهَرَمُ: أَنْ يَكبَر الإنسانُ كِبَرًا، يَضعُفُ فيه فِكره وعقله، وتَضعفُ قواه.
فهذا التَّعَوُّذ من الْهَرَمِ، أو سُوءِ الكِبَرِ، أو من أن يُرَدَّ إلى أرذلِ العمر، هذا فيه يتضمَّن سؤالَ الله طلبَ التَّمتيع بالقُوى، والذَّاكِرة، والنَّشاط، إلى أن يموت.

".. متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّاتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا".
هذا نفس المعنى.

"وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ”:
-الْمَأْثَم: ما يُوجبُ الإثم والعقوبة.
-وَالْمَغْرَمِ: أن يكون في ذِمَّتِه للنَّاسِ حقوقٌ، لا يتمكَّن من أدائِها.

_ وكان نَبِيّنا -عَلَيه الصَّلَاة وَالسَّلَام- كَثيرًا ما يَتعَوَّذ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ.
-والْمَأْثَم: فيما يَتَعَلَّق بحقِّ الله.
-وَالْمَغْرَمُ: فيما يَتَعَلَّق بحقوقِ العِباد.

•الشَّاهد من الحديث:
غَسلُ القَلبِ، وتَنقِية القَلب.

-نَقِّ قَلْبِي: اغْسِلْ قَلْبِي.
-والمُبَاعَدَةُ: مُبَاعَدَةُ القلب عن الذُّنُوبِ.

فهذه ثلاثةُ سؤالات:
١-الغسل
٢- وَالتَّنْقِيَةِ
٣- والمُبَاعَدَة
غَسلُ القَلبِ، وتَنقِيَته، ومُبَاعدته عن الذُّنُوبِ.

إذا صار القلب بعيدًا عن الذُّنُوبِ، ما يتطلّع إليها، ولا يتشوّف لها، ولا يطلُبها، وإذا رآها مُقبلةً ابتعد عنها، حصلت المباعدة لقلبه عن الذُّنُوبِ.

_ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، هُوَ فِيهِ نَفْسُ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي السُّؤَالَات الثَّلاثَةِ: التَّطْهِيرِ وَالتَّنْقِيَةِ.

-التنقية هُنَا قَالَ: “طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا”.
-أَي: نَقِّه.
-وَالْمُبَاعَدَةُ: مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ.
_ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

١- أَوَّلًا:
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ الثَّابِتَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ.

٢- وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ فِي اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ:
“اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ”.

فَهِيَ ثَلاثَةُ أُمُورٍ: غَسْلٌ وَتَنْقِيَةٌ وَمُبَاعَدَةٌ.
اجْتَمَعَتْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلاثَةِ، وَجَاءَتْ أَيْضًا فِي غَيْرِهَا.

•هَذِهِ الدَّعَوَاتُ الثَّلاثَةُ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الْقَلْبِ، تَطْهِيرِهِ وَتَنْقِيَتِهِ، مِنْ أَدْوَاءِ الْقُلُوبِ وَأَسْقَامِهَا وَأَمْرَاضِهَا.
•نَعَم.

_ هَذِهِ دَعَوَاتٌ عَظِيمَةٌ، مَأْثُورَةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ، وَخارِجِهَا، تَكَرَّر فِيهَا سُؤَالُ اللَّهِ تَطْهِيرَ الْقُلُوبِ، وَتَنْقِيَتَهَا، وَغَسْلَهَا مِنَ الْخَطَايَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، مِمَّا يُدُلُّ عَلَى عَظِيمِ الْعِنَايَةِ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ الطَّهَارَةِ التَّامَّةِ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
•نَعَم.

_ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، مُهِمٌّ جِدًّا أَنْ نَنْتَبِهَ لَهَا، كَثْرَةُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَخَارِجَ الصَّلَاةِ، وَفِي الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَفِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، كَثْرَةُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلاثَةِ، تُنَبِّهُ الْمُسْلِمَ إِلَى هَذَا مَطْلَبٍ مُهِمٍّ، يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ عِنَايَةً عَظِيمَةً:

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


⁃ مِنْ جِهَةِ الدُّعَاءِ: كَمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
⁃ وَمِنْ جِهَةِ الْمُجَاهَدَةِ لِلنَّفْسِ: حَتَّى يَحْصُلَ لِقَلْبِهِ نَقَاءً وَطَهَارَةً مِنْ هَذِهِ الْأَسْقَامِ.
•نَعَم.

_ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَسَأَلْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ عَنْ مَعْنَى دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: “اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ”.

-كَيْفَ يُطَهِّرُ الْخَطَايَا بِذَلِكَ؟
-وَمَا فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِذَلِكَ؟

_ وَقَوْلُهُ فِي لَفْظٍ آخَرَ: “وَالْمَاءُ الْبَارِدُ، وَالْحَارُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ”.

_ فَقَالَ: الْخَطَايَا تُوجبُ لِلْقَلْبِ حَرَارَةً وَنَجَاسَةً وَضَعْفًا، فَيَرْتَخِي الْقَلْبُ وَتَضْطَرِمُ فِيهِ نَارُ الشَّهْوَةِ وَتُنَجِّسُهُ، فَإِنَّ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَطَبِ الَّذِي يُمِدُّ النَّارَ وَيُوقِدُهَا.
وَلِهَذَا كُلَّمَا كَثُرَتِ الْخَطَايَا، اشْتَدَّتْ نَارُ الْقَلْبِ وَضَعُفَ.

_ وَالْمَاءُ يَغْسِلُ الْخَبَثَ وَيُطْفِئُ النَّارَ، فَإِنْ كَانَ بَارِدًا أَوْرَثَ الْجِسْمَ صَلَابَةً وَقُوَّةً، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلْجٌ وَبَرَدٌ كَانَ أَقْوَى فِي التَّبْرِيدِ، وَصَلَابَةِ الْجِسْمِ وَشِدَّتِهِ، فَكَانَ أَذْهَبَ لِأَثَرِ الْخَطَايَا.

_ هَذَا كَلَامٌ عَظِيمٌ جِدًّا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فِي وَجْهِ تَخْصِيصِ الْغَسْلِ لِلْقَلْبِ بِأَنَّهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ.
فَذَكَرَ أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا تُوجِبُ لِلْقَلْبِ حَرَارَةً وَنَجَاسَةً وَضَعْفًا، فَالْمَاءُ يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ مِنْهُ يُذْهبُ الْحَرَارَةِ، والثَّلْجُ وَالْبَرَدُ يُذْهبُ الضَّعْفِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَالِارْتِخَاءِ، فَيَقْوَى الْقَلْبُ، يُصْبِحُ قَلْبًا قَوِيًّا.
•فناسبَ هَذِهِ الثَّلاثُ وَهِيَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذَا الدُّعَاءِ: بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَفِي لَفْظِ الْمَاءِ الْبَارِدِ.
•نَعَم.
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ.

○--•°•✵✯✵•°•--○

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
الدّرس الثامن ج-١-

○--•°•✵✯✵•°•--○

الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَك عَلَى عَبْدِهِ ورَسُولِهِ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، اللّهمّ اغْفِرْ لَنَا ولِشَيخِنا، ولِلمُسْلِمين وَالمُسْلِمات.
أَمَّا بَعْدُ:

_ فيَقولُ المُؤَلِّف -وَفَّقَهُ الله- في كِتابِه:
“أحَادِيثُ إِصلاحِ القُلُوبِ”
فَصلٌ// طَهَارَةُ القُلُوبِ.

_ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قَالَت: كَانَ النّبيّ ﷺ يَقُولُ:
"اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ النَّارِ وعَذابِ النَّارِ، وفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِ القَبْرِ، وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بماءِ الثَّلْجِ والبَرَدِ، ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وباعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الكَسَلِ، والمَأْثَمِ والمَغْرَمِ".
•مُتَّفَقٌ عليه.

وعن عبدِ الله بن أبي أوفى -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، أنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَدعُو فيَقُولُ:
"اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بالثَّلْجِ والْبَرَدِ، والْماءِ البارِدِ، اللَّهمَّ طهِّرْ قَلْبي مِن الخَطَايا كَما طَهَّرتَ الثَّوبَ الأبيَضَ مِن الدَّنَسِ، وبَاعِدْ بَيْني وبَيْنَ ذُنُوبي كَما بَاعَدتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغرِبِ".
•رواهُ مُسلِم وأَحمد واللَّفظ له.

_ وعنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا كَبَّرَ في الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، ما تَقُولُ؟ قالَ: أَقُولُ: "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِن خَطَايَايَ كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِن خَطَايَايَ بالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ".
•مُتَّفَقٌ عليه.
———————————————

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ.
الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اللّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا، وَأَصْلِحْ لَنَا إِلَهَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.
اللّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
أَمَّا بَعْدُ:

فَهذا الفَصْلُ في:
"طَهَارَةِ القُلُوبِ".

-وَالمُرَادُ بِطَهَارَتِهَا: أَيْ تَنْقِيَتُهَا مِنْ أَدْوَاءِ القُلُوبِ وَأَمْرَاضِهَا وَأَسْقَامِهَا، فَإنَّ القُلُوبَ قَدْ تُصَابُ بِأَدْوَاءٍ مُتَنَوِّعَةٍ تُمْرِضُ القَلْبَ، وَتُضْعِفُ إِيمَانَهُ، وَتُوَهِّي صِلَتَهُ بِرَبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَلَهَا آثَارٌ خَطِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ عَلَى العَبْدِ، وَلِهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْنَى بِهِ المُسْلِمُ طَهَارَةُ قَلْبِهِ، وَأَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى تَحَقُّقِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ لِقَلْبِهِ، مُسْتَعِينًا بِرَبِّهِ دَاعِيًا.

وَلِهَذَا سَيَأْتِي مَعَنَا أَدْعِيَةٌ كَثِيرَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فِيهَا سُؤَالُ اللَّهِ طَهَارَةَ القَلْبِ، بَلْ فِيهَا سُؤَالُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- غَسْلَ القَلْبِ، أَنْ يُغْسَلَ مِنْ هَذِهِ الأَوْسَاخِ وَالأَدْوَاءِ وَالأَمْرَاضِ وَالأَسْقَامِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا.

_ فَفي الدُّعَاءِ المَأْثُورِ سُؤَالُ اللَّهِ غَسْلَ القَلْبِ، وَسُؤَالُ اللَّهِ طَهَارَةَ القَلْبِ، وَسُؤَالُ اللَّهِ تَنْقِيَةَ القَلْبِ.

هَذَا مَطْلَبٌ مُهِمٌّ. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَهْتَمُّ اهْتِمَامًا بَالِغًا بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَنَقَائِهِ، مِثْلَ الثَّوْبِ، يَعْتَنِي بِنَقَائِهِ، وَلَوْ وَجَدَ عَلَى ثَوْبِهِ نَكْتَةٌ سَوْدَاءُ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْوَسَخِ الْقَلِيلِ، مَا تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَبْقَى، بَلْ يَعْمَلُ عَلَى تَنْظِيفِهِ، وَلَا يُبْقِي هَذَا الْوَسَخ فِي ثَوْبِهِ.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


وَيَكُونُ قَلْبُهُ فِيهِ أَوْسَاخٌ كَثِيرَةٌ، مَا يَعْمَلُ عَلَى تَنْقِيَةِ قَلْبِهِ مِنْهَا!
لاحِظِ الآنَ، سَيَأْتِي مَعَنَا رَبْطٌ بَيْنَ نَقَاءِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مِنَ الدَّنَسِ وَطَهَارَةِ القَلْبِ.
وَهَذَا فِيهِ لَفْتَ انتِبَاهٍ لِلْمُسْلِمِ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ، وَهَذَا مَطْلوبٌ مِنْهُ، أَنْ يَعْتَنِي بِنَظَافَةِ ظَاهِرِهِ، وَطَهَارَةِ ظَاهِرِهِ وَنَقَائِهِ، فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ، وَبِشَكْلٍ آكَدَّ، أَنْ يَعْتَنِي بِطَهَارَةِ قَلْبِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ أَوْسَاخِ القُلُوبِ، وَأَدْرَانِ القُلُوبِ، وَأَدْوَاءِ القُلُوبِ، وَسَخَائِمِ القُلُوبِ، وَأَمْرَاضِ القُلُوبِ، وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ.
فَهَذَا الفَصْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فِي طَهَارَةِ القَلْبِ، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ مِنَ الْمَطَالِبِ الْمُهِمَّةِ، وَالْمَقَاصِدِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْنَى بِهَا المُسْلِمُ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ سُؤَالِ رَبِّهِ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا سَيَأْتِي مَعَنَا فِي دُعَاءِ الاستفتاح، وَأَيْضًا خَارِجَ الصَّلَاةِ، يَعْتَنِي بِسُؤَالِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ، أَنْ يُنَقِّيَ قَلْبَهُ، أَنْ يُغَسِّلَ قَلْبَهُ، كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ نَبِيِّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

_ هَذَا الْحَدِيثُ، حَدِيثُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ- كَانَ يَقُولُ، أَيْ فِي دُعَائِهِ:
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ".

هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ تَعَوُّذَاتٌ، وَفِيهِ مَطَالِبُ.
-مَطَالِبُ: أَيْ سُؤَالَاتٍ، يَسْأَلُ الْعَبْدُ رَبَّهُ أَنْ يُحَقِّقَهَا لَهُ.
-التَّعَوُّذَاتُ: الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَحَدَ عَشَرَ تَعَوُّذًا!
-التَّعَوُّذَاتُ، الَّتِي جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدَ عَشَرَ تَعَوُّذًا.

فِي آخِرِهِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ".
•هَذِهِ ثَابِتَةٌ فِي مُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ.
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ".

لَمَّا تَعُدُّ هَذِهِ التَّعَوُّذَاتُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ تَجِدُهَا أَحَدَ عَشَرَ تَعَوُّذًا.
وَلَمَّا تَنْظُرَ فِي السُّؤَالَاتِ الثَّلاثَةِ:
١⁃ اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ.
٢⁃ وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ.
٣⁃ وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

•أَيْضًا هِيَ فِيهَا مَعْنَى التَّعَوُّذِ -مع أنَّها سؤالات- لِأَنَّهَا فِيهَا مَعْنَى التَّعَوُّذِ مِنْ مَاذَا؟ مِنْ شَرِّ الذُّنُوبِ وَغَائِلَتِهَا.

كَمَا فِي الدُّعَاءِ الآخَرِ:
"وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَو عَمَلٍ".

•"وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أوَ عَمَلٍ": هَذَا تَعَوُّذٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالتَّعَوُّذُ مِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ.
•عُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ: النَّارُ وَسَخَطُ اللَّهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
هَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنْهُ.

•هَذَا الْحَدِيثُ يَكَادُ يَكُونُ كُلُّهُ تَعَوُّذٌ.
_ وَتَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ .. -يَعْنِي هَذَا مِنْ أَدْعِيَتِهِ-.
وَلِهَذَا مِنَ الْخَيْرِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا الدُّعَاءَ، وَأَنْ يَكْثُرَ مِنْ دُعَاءِ اللَّهِ بِهِ، كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَفْعَلُ.

"فِتْنَةُ النَّارِ وَعَذَابُ النَّارِ": هَذَانِ شَيْئَانِ، يُتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْهُمَا.
-فِتْنَةُ النَّارِ: يُرَادُ بِهَا سُؤَالُ الْخَزَنَةِ، خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، لِلْدَّاخِلِينَ، عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ:

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


-أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟
-وَعَذَابُ النَّارِ: مَعْرُوفٌ، مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِيهَا، مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ فِيهَا لِأَهْلِهَا مِنْ صُنُوفِ الْعَذَابِ وَالْعُقُوبَةِ.
-وَفِتْنَةُ الْقَبْرِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ، شَيْئَانِ:
-فِتْنَةُ الْقَبْرِ: سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ، وَامْتِحَانُهُمَا، وَيُقَالُ لَهُمَا الْفَتَّانَانِ، لِأَنَّهَا فتنة، مَجِيء هَذَيْنِ الْمَلَكَيْنِ لِلْمَقْبُورِ هُوَ فِتْنَةٌ، وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ الْفَتَّانَانِ، لِأَنَّهُمَا يَفْتَتِنانِه، يَمتَحِنَانِه.

-وَعَذَابُ الْقَبْرِ: مَعْرُوفٌ.

_ وَقَدْ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ-: “وَعَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ”.

وَجَدِيرٌ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُكْثِرَ التَّعَوُّذَ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ.

_ وَقَوْلُهُ: “وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى”:
-أَيْ: وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، هَاتَانِ فِتْنَتَانِ:

﴿فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ ﴿١٥﴾ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ ﴿١٦﴾ [الفجر].

_ قَالَ اللَّهُ: ﴿كَلَّا﴾.
لَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ، وَإِنَّمَا مَنْ يُوَسِّعُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ هَذَا فِتْنَةٌ، وَمَنْ يُضَيِّقُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ أَيْضًا هَذَا فِتْنَةٌ.
وَهَذَا الْمَعْنَى وَاضِحٌ هُنَا فِي الْحَدِيثِ:
_ قَالَ: “شَرُّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرُّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ”:
لِأَنَّ الْغِنَى فِتْنَةٌ وَالْفَقْرُ فِتْنَةٌ.

_ وَاللَّهُ يَقُولُ:
﴿.. وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ .. ﴿٣٥﴾ [الأنبياء].

-فِتْنَةٌ: أَي ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ.
وَلِهَذَا مَنْ يُوَسِّعُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ هَذَا مُبْتَلًى وَمُمْتَحَنٌ، وَمَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ أَيْضًا هَذَا مُمْتَحَنٌ، فِي ابْتِلَاءٍ.
وَالْغِنَى لَهُ شَرٌّ، يُتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرُّ الْغِنَى الطُّغْيَانُ

﴿كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ ﴿٦﴾ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ﴿٧﴾ [العلق].

-الطُّغْيَانُ وَالتَّكَبُّرُ، أَيْضًا عَدَمُ أَدَاءِ الْحُقُوقِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ فِي الْمَالِ، مِثْلَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَأَيْضًا جَلْبُ الْمَالِ نَفْسِهِ، قَدْ يَكُونُ جَلْبُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ وُجُوهٍ مُحَرَّمَةٍ، هَذَا مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَشَرِّهِ، قَدْ يَكُونُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِغشٍّ، أَو بِانْتِهَابٍ، أَو بِالرِّبَا أَو غَيْرِ ذَلِكَ، هَذِهِ شَرُّ فِتْنَةِ الْغِنَى، هَذَا يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنْهُ.
وَأَيْضًا الْفَقْرُ فِيهِ شَرٌّ، يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، لِأَنَّ الْفَقْرَ -وَلَا سِيَّمَا إِذَا اشْتَدَّ- قَدْ يُوَقِعُ الْمَرْءَ فِي التَّسَخُّطِ، وَالْجَزَعِ، وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَقَدْ يُوَقِعُ أَيْضًا فِي وُجُوهٍ مُحَرَّمَةٍ، طَرَائِقَ مُحَرَّمَةٍ فِي جَلْبِ الْمَالِ وَتَحْصِيلِهِ، فَهَذَا شَرٌّ وَهَذَا شَرٌّ، يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ.

⁃ وَالنَّجَاةُ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى أَنْ يُلازِمَ الْغَنِيَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ.
⁃ وَالنَّجَاةُ فِي فِتْنَةِ الْفَقْرِ أَنْ يُلازِمَ الصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ الْابْتِلَاءُ.

"عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ"، يَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ-:
“إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَذَٰلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ".

"وَفِتْنَةُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ":
هَذِهِ أَعْظَمُ الْفِتَنِ.

_ كَمَا قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ:
"مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فِتْنَةٌ أَشَدُّ أَوْ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ".
لَيْسَ هُنَاكَ فِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا، هِيَ أَكْبَرُ الْفِتَنِ، وَلِهَذَا مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَّا وَأَنْذَرَ قَوْمَهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا عَلَامَاتِهِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا تُتَّقَى بِهِ فِتْنَةُ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَتُهُ فِيمَا يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ أُمُورٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةِ، مَذْهِلَةٍ لِلرَّائِي.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:43


_ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ أَلَّا يَقْتَرِبَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّ مَعَهُ فِتَنًا عَظِيمَةً، مَا يَأْمَنُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى تِلْكَ الْفِتَنَ فَيُبْتَلَى.

_ وَلِهَذَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ”.

-يَعْنِي: يَبْتَعِدُ، لَا يَقْتَرِبُ مِنْ مَنْطِقَتِهِ، لِأَنَّهُ خَطَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا، فِتْنَتُهُ أَشَدُّ الْفِتَنِ، وَيُلاَزِمُ الْمُسْلِمُ هَذَا التَّعَوُّذَ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.

_ ثُمَّ ذَكَرَ ثَلاثَ دَعَوَاتٍ، ثَلاثَ مَطَالِبَ:
•اللّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ.
-اغْسِلْ قَلْبِي: هَذَا غَسْلٌ لِلْقَلْبِ مِنْ أَدْرَانِهِ، أَدْوَائِهِ، أَمْرَاضِهِ، أَسْقَامِهِ، "اغْسِلْ قَلْبِي"، فَالْقَلْبُ فِيهِ أَدْوَاءٌ، وَهَذِهِ الأَدْوَاءُ لَا تَذْهَبُ إِلَّا إِذَا أَذْهَبَهَا اللَّهُ، وَطَهَّرَ قَلْبَ الْعَبْدِ مِنْهَا.
وَلِهَذَا يَجْدُرُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ أَنْ يَغْسِلَ قَلْبَهُ، وَأَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ.

_ قَالَ: "اللّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ".

_ سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: "اللّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ".

_ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: الذُّنُوبُ عِنْدَمَا يَرْتَكِبُهَا الْعَبْدُ، تُحْدِثُ في الْقَلْبَ شَيْئَيْنِ:
١⁃تُحْدِثُ فِيهِ حَرَارَةً.
٢⁃ وَتُحْدِثُ فِيهِ ارْتِخَاءً.

•الْمَاءُ الْبَارِدُ: يَغْسِلُ وَيُذْهِبُ الْحَرَارَةِ، حَرَارَةُ الذُّنُوبِ.
•وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ: يُصَلِّبُ الْقَلْبَ، يُقَوِّيهِ، يُصْبِحُ قَلْبًا قَوِيًّا.
لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، الذُّنُوبُ لَمَّا تَكَاثَرَتْ عَلَى قَلْبِهِ أَصْبَحَ قَلْبُهُ رَخُوًا، أَيَّ فِتْنَةٍ يَذْهَبُ إِلَيْهَا، أَيُّ دَاعِ شَرٍّ يُقْبِلُ عَلَيْهِ، أَيُّ شَهْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ يُدْعَى إِلَيْهَا، تَمْشِي نَفْسُهُ، رَخُوٌ قَلْبُهُ، أَرْخَتْ الذُّنُوبُ مَاذَا؟ قَلْبَهُ، صَارَ قَلْبًا ضَعِيفًا.
فَالْمُسْلِمُ يَحْتَاجُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ:
"اللّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ".
أَوْ:
"طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ".
•"وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ".

-نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا: الذُّنُوب.
-كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ: هَذَا شَيْءٌ نَرَاهُ، الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ لَمَّا يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَسَخِ، صَاحِبُهُ مَا يَرْتَاحُ أَبَدًا، تَجِدُهُ كُلَّ مَرَّةٍ يَنْظُرُ وَيَبحثُ عَنْ مَاءٍ، وَيَبحثُ عَنْ طَرِيقَةٍ لِتَنْظِيفِهِ وَإِزَالَتِهِ، وَلَا يَرْتَاحُ حَتَّى يَذْهَبَ الْوَسَخُ عَنْ ثَوْبِهِ.
•وَخُصَّ الْأَبْيَضَ بِالذِّكْرِ: لِأَنَّهُ يُظْهِرُ عَلَيْهِ الْوَسَخَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
لَوْ كَانَ الثَّوْبُ أَزْرَقًا أَوْ بُنِّيًّا مَا يظْهرُ عَلَيْهِ مِثْلَ الْأَبْيَضِ، فَخُصَّ لِذَلِكَ الْأَبْيَضِ بِالذِّكْرِ:
"كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ".
وَهَذَا فِيهِ لَفْتَ انتِبَاهٍ، أنَّ المُسلمَ مثلَ ما يَعْتَني بنظافةِ ثوبِه، ونقائِه وطهارتِه، يَعْتَني بشكلٍ أعظمَ وأكبرَ بنقاءِ قلبِه وطهارةِ قلبِه.
-أرَأَيْتُم الإنسانَ لو أَصَابَ ثوبَه شيءٌ، رَشَاشًا من بَوْلٍ.
ما يَرْتاحُ، ما يَرْتاحُ أبدًا، وهذه النجاسةُ في ثوبِهِ.
-كيف إذًا يَرْتاحُ بنجاسةٍ في قلبِهِ؟ ولا يعملُ على إزالتِها وتطهيرِ قلبِهِ منها؟!
فهذَا فيه لَفتُ انتباهٍ إلى هذا المعنى:
“ونَقِّ قلبي من الخطايا كما نَقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنَس، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".

هذِهِ أقصى مَسافةٍ الآن في البُعد، في المعاينةِ المشاهَدِ في هذه الأرضِ التي نَمْشي عليها، أقصى مَسافةٍ المشرقِ والمغرب، والمشرقُ والمغربُ لا يَلتقيان.
-فيكونُ المعنى: وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ الذُّنوبِ مباعدةً كبيرةً جدًّا، مَسافةً كبيرةً جدًّا، بحيث لا ألتقي هذه الذُّنوب ولا تَلْتَقِي بي، ولا أقرَبُها، ولا تَقْرَبني، وَأَكُون بعيدًا عنها.

_ بعضُ العلماءِ أشارَ في شرحِ هذا الحديثِ إلى لطيفةٍ جميلةٍ، قال: إنَّ الغسلَ، ثمَّ التَّنقيةَ، ثمَّ المُباعَدةَ، تتعلَّق بالأزمِنةِ الثَّلاثة: الماضي والحاضر وَالمُستَقبَل.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

30 Nov, 14:41


🤍 التعليق على أحاديث إصلاح القلوب
للشيخ/ عبد الرزاق البدر حفظه الله

📍المحاضرة الثامنة الجزء الأول

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:46


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس السادس ج2⁩.docx

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:45


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس السادس ج2⁩.pdf

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


-أَيْ: أَلَمْ يَجِئِ الْوَقْتُ الَّذِي تَلِينُ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَتَخْشَعُ لِذِكْرِ اللَّهِ؟!
وَتَخْشَعُ لِذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ، وَتَنْقَادُ لِأَوَامِرِهِ وَزَوَاجِرِهِ، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ وَهَذَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْاجْتِهَادِ عَلَى خُشُوعِ الْقَلْبِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا أَنزَلَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُونَ الْمَوَاعِظَ الْإِلَهِيَّةَ، وَالْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ كُلَّ وَقْتٍ، وَيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

﴿.. وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ ..﴾.

-أَيْ: وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أنزلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ الْمُوجِبَ لِخُشُوعِ الْقَلْبِ وَالْانْقِيَادِ التَّامِّ، ثُمَّ لَمْ يَدُومُوا عَلَيْهِ وَلَا ثَبَتُوا، بَلْ طَالَ عَلَيْهِمُ الزَّمَانُ، وَاسْتَمَرَّتْ بِهِمُ الْغَفْلَةُ، فَاضْمَحَلَّ إِيمَانُهُمْ، وَزَالَ إِيقانُهُمْ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ.
فَالْقُلُوبُ تَحْتَاجُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى أَنْ تُذَكَّرَ بِمَا أَنزَلَه اللَّهُ، وَتُنَاطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَلَا يَنْبَغِي الْغَفْلَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِقَسْوَةِ الْقَلْبِ وَجُمُودِ الْعَيْنِ.

﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴿١٧﴾.

فَإنَّ الآياتِ تَدُلُّ العُقولَ عَلَى العِلْمِ بِالمَطالِبِ الإلهِيَّةِ.

وَالَّذِي أَحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الأَمْوَاتَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، فَيُجَازِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ.
وَالَّذِي أَحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِمَاءِ المَطَرِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ القُلُوبَ المَيِّتَة، بما أنزلهُ منَ الحَقِّ على رسوله ﷺ.

وَهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عَقْلَ لِمَنْ لَمْ يَهْتَدِ بِآيَاتِ اللهِ، وَلَمْ يَنْقَدْ لِشَرَائِعِ اللهِ.
•نَعَمْ.

_ يَعْنِي خَتْمَ الآيَةِ بِقَوْلِهِ:
﴿.. لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ..﴾.
هَذَا يَدُلُّ، كَمَا يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ سَعْدِي رَحِمَهُ اللهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا عَقْلَ لِمَنْ لَمْ يَهْتَدِ بِآيَاتِ اللهِ وَلَمْ يَنْقَدْ لِشَرْعِهِ.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ.

_ وَشَبَّهَ اللهُ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى القُلُوبِ بِالمَاءِ الَّذِي يُنَزِّلُهُ عَلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ القُلُوبَ كَالأَوْدِيَةِ فِي حَظِّهَا وَنَصِيبِهَا مِنَ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ مَوْرِدٌ يَرِدُهُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، وَكُلٌّ يَنَالُ مِنْهُ عَلَى مَقْدَارِ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُ.

_ قَالَ تَعَالَى:
﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدٗا رَّابِيٗاۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ ﴿١٧﴾ [الرعد].

_ قَوْلُهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الآيَةِ:
﴿فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا﴾.

-يَعْنِي: أَنْتَ لَمَّا تَنْظُرُ الأَوْدِيَةَ تَجِدُهَا مُتَفَاوِتَةً، أَوْدِيَةٌ وَاسِعَةٌ، تَسْتَوْعِبُ مَاءً كَثِيرًا جِدًّا، وَأَوْدِيَةٌ صَغِيرَةٌ، لَا تَسْتَوْعِبُ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ.
كَذَلِكَ الْقُلُوبُ مَثَلُهَا مَثلُ الأَوْدِيَةِ، فِي الاسْتِيعَابِ، هَذَا الْغَيْثُ الَّذِي يَنْزِلُ، الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ، اسْتِيعَابُ الأَوْدِيَةِ لَهُ مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ حَجْمِ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ.

_ قَالَ: ﴿فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا﴾.

-يَعْنِي: كُلٌّ بِقَدْرِ مَا يَسْتَوْعِبُهُ.
فَمِنْهَا أَوْدِيَةٌ كَبِيرَةٌ، وَمِنْهَا أَوْدِيَةٌ صَغِيرَةٌ، وَهَكَذَا الشَّأْنُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقُلُوبِ.
•نَعَمْ.

_ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ- لَمَّا أَنزَلَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْقُلُوبُ الَّتِي تَنَالُ ذَلِكَ، شَبَّهَ الْإِيمَانَ بِالْمَاءِ النَّازِلِ وَالْقُلُوبَ بِالْأَوْدِيَةِ، فَمِنْهَا كِبَارٌ وَمِنْهَا صِغَارٌ.
وَبَيَّنَ أَنَّ الْمَاءَ كَمَا يَخْتَلِطُ بِمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، كَذَلِكَ الْقُلُوبُ فِيهَا شُبُهَاتٌ وَشَهَوَاتٌ تُخَالِطُ الْإِنْسَانَ.
_ وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الزَّبَدَ يَجْفَأُ جُفَاءً.

-يَعْنِي: يَذْهَبُ، فَيَذْهَبُ مِثْلَ مَا فِي الْآيَةِ: ﴿فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ ﴾.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


_ وَمَا يَنْفَعُ النَّاسَ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.
كَذَلِكَ الشُّبُهَاتُ، تَجفُوهَا الْقُلُوبُ، وَمَا يَنْفَعُ يَمْكُثُ فِيهَا.

_ وَلِهَذَا طَالِبُ الْعِلْمِ، يَنْبَغِي أَنْ يَعْظُمَ حِرْصَهُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، مَا هُوَ؟
•الْعِلْمُ.
•كَلَامُ اللهِ، وَكَلَامُ رَسُولِهِ.
•الْآيَةُ وَمَعَانِيهَا.
•وَالْأَحَادِيثُ وَهدَايَاتُهَا.
يَشْتَغِلُ بِهَذَا، هَذَا هُوَ الَّذِي يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.
_ أَمَّا سَائِرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ، هَذِهِ كُلَّهَا تَجْفُو جُفَاءً، تَذْهَبُ.
الَّذِي يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ وَيَنْفَعُ النَّاسَ هُوَ الْعِلْمُ.
فَإِنْ شَغَلَ طَالِبُ الْعِلْمِ نَفْسَهُ بِهِ، انتِفَاعًا أَوَّلًا، ثُمَّ نَفْعًا ثَانِيًا، يَبْقَى عِلْمُهُ.
أَمَّا إِذَا اشتغل بَغَيْرِ ذَلِكَ، الْقيلُ وَالْقَالُ وَضِيَاعُ الْأَوْقَاتِ، هَذَا كُلُّهُ يَذْهَبُ جُفَاءً.
الَّذِي يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ نَفْعًا وَفَائِدَةً لِلنَّاسِ هُوَ هَذَا.
_ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَفِّرَ طَالِبُ العلم وَقْتَهُ وَجُهْدَهُ، خَاصَّةً فِي مَرْحَلَةِ الطَّلَبِ، عَلَى ضَبْطِ الْعِلْمِ، يَحْفَظُ مَا يَسْتَطِيعُ مِنَ النُّصُوصِ وَيَعْتَنِي عِنَايَةً بِمَا يُيَسِّرُهُ اللهُ لَه مِّنْ فَهْمِ مَعَانِيهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ فَيَنْفَعَ، يَنْفَعُ النَّاسَ وَيَدُلُّهُمْ، خَاصَّةً مِنْ ذَوِي الْأَلْسُنِ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ!
-يَعْنِي: هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي فَهِمُوهُ لِلْقُرْآنِ يَنْقُلُونَهُ بِلُغَتِهِمْ لِأُنَاسٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا أَصْلًا.
فيحْتَاجُ الطَّالِبُ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ، يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقَوِّيَ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي يَمْكُثُ وَيَبْقَى، وَيَتْرُكُ الزَّبَدَ الَّذِي يَذْهَبُ جُفَاءً.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ.

•الْحَاصِلُ:
أَنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ:
•فَخَيْرُهَا: أَوْعَاها لِلْخَيْرِ وَالرَّشَادِ.
•وَشَرُّهَا: أَوْعَاها لِلْبَغْيِ وَالْفَسَادِ.

_ نَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ: “ذَمِّ الْهَوَى” عَنْ أَحْمَدَ بنِ خَضْرَوِيَّةَ، قَالَ: "الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، فَإِذَا امْتَلَأَتْ مِنَ الْحَقِّ أَظْهَرَتْ زِيَادَةَ أَنْوَارِهَا عَلَى الْجَوَارِحِ، وَإِذَا امْتَلَأَتْ مِنَ الْبَاطِلِ أَظْهَرَتْ زِيَادَةَ ظُلْمِهَا عَلَى الْجَوَارِحِ .."

_ لَعَلَّهَا أَظْهَرَتْ زِيَادَةَ، أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ.
لأنّ فيها أَنْوَارًا زَائِدَةً كَثِيرَةً، فَإِذَا امْتَلَأَتْ مِنَ الْحَقِّ، أَظْهَرَتْ زِيَادَةَ أَنْوَارِهَا عَلَى الْجَوَارِحِ، وَإِذَا امْتَلَأَتْ مِنَ الْبَاطِلِ أَظْهَرَتْ زِيَادَةَ ظُلْمِهَا أَوْ ظُلَمِهَا عَلَى الْجَوَارِحِ.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكم.

وَالْعَبْدُ لَا يَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي إِصْلاحِ قَلْبِهِ وَطَهَارَتِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَعِمَارَتِهِ بِحُبِّ اللهِ وَإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ.

_ قَالَ الْحَافِظُ بنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ:
"وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ ﷺ وَخَوَاصِّ أَصْحَابِهِ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ، بَلْ بِبَرِّ الْقُلُوبِ وَطَهَارَتِهَا، وَسَلَامَتِهَا وَقُوَّةِ تَعَلُّقِهَا بِاللَّهِ، خَشْيَةً لَهُ وَمَحَبَّةً وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا ورغبةً فِيمَا عِندَهُ، وَزُهْدًا فِيمَا يَفْنَى.

_ وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ قَلْبًا".

_ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِأَصْحَابِهِ: أَنتُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَهُمْ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ. قَالُوا: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا أَزهَدَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ.
•نَعَمْ.

_ الزُّهْدُ وَالرَّغْبَةُ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَلْبِ، يَعْنِي صَلَاحُ قُلُوبِهِمْ، وزكاؤها وَطَهَارَتُهَا وَنَقَاؤُهَا وَاسْتِقَامَتُهَا.
•نَعَمْ.

_ وَقَالَ بَكْرُ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِكَثْرَةِ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ.
_ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِين:
"الَّذِي وَقَرَ فِي صَدْرِهِ" هُوَ: حُبُّ اللَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِخَلْقِهِ.

_ وَسُئِلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ زَوْجَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بَعْدَ وَفَاتِهِ عَنْ عَمَلِهِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَانَ بِأَكْثَرِ الناسِ صَلَاة وَلَا بِأَكْثَرِهِمْ صِيَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَخْوَفَ لِلَّهِ مِنْ عُمَرَ، لَقَدْ كَانَ

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


يَذْكُرُ اللَّهَ فِي فِرَاشِهِ فَيَنْتَفِضُ انتِفَاضَ الْعُصْفُورِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، حَتَّى نَقُولَ: لَيُصْبِحَنَّ النَّاسُ وَلَا خَلِيفَةَ لَهُمْ.

_ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا بَلَغَ مَنْ بَلَغَ عِندَنَا بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بِسَخَاوَةِ النُّفُوسِ وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ وَالنُّصْح لِلْأُمَّةِ.
وَنَصَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ.
وكَذَلِكَ الِاشْتِغَالُ بِتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ مَعَ غشِّ الْقُلُوبِ وَدَغْلِهَا.
وَمَثَلُ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ مَعَ دَغْلِ قَلْبِهِ وَغشِّهِ، كَمَثَلِ مَنْ بَذَرَ بَذْرًا فِي أَرْضٍ دَغْلَةٍ كَثِيرَةِ الشَّوْكِ، فَلَا يَزْكُو مَا يَنْبتُ فِيهَا مِنَ الزَّرْعِ، بَلْ يمْحَقُهُ دَغْلُ الْأَرْضِ وَيُفْسِدُهُ، فَإِذَا نَظفَتِ الْأَرْضُ مِنْ دَغْلِهَا، زَكا مَا ينْبَتُ فِيهَا.

رَزَقَنَا اللَّهُ أَجْمَعِينَ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَأَصْلَحَ قُلُوبَنَا وَهَدَانَا إِلَيه صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا.

•نَعَمْ.
_ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا، يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِي بِهَا كُلُّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يَعْتَنِي بِهَا طَالِبُ الْعِلْمِ:
_ الِاشْتِغَالُ بِطَهَارَةِ الْقَلْبِ، تَزْكِيَتُهُ، وَذَلِكَ بِاتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ لَهُ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يُزَكِّيَ قَلْبَهُ، مَعَ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

_ وفي الدُّعاء: "اللّهُمَّ آتِ نُفوسَنا تَقواهَا، زكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاها، أَنْتَ وَلِيُّها وَمَوْلَاها".

وهنا لفتة، أنَّ بعض النَّاس قد يكون عندهُ اشتِغالٌ بِالعمل، العبادة، الصَّلاة، والأَعمال الظَّاهِرة.
اشتِغالٌ عظيمٌ بها، لكن قلبه فيه دغل، فيه غشّ، فيه صفات ذميمة من صفات القلوب، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ الْمُسْلِمُ بِتَطْهِيرِ قَلْبِهِ، وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ آفاتِ الْقُلُوبِ، وَإِقَامَةِ قَلْبِهِ عَلَى حُسْنِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ -سُبْحَانَهُ وتَعالَى-، أَعْظَمُ مِنْ عِنَايَتِهِ بِالْعَمَلِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْأَصْلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْأَسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ دِينُ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
هَذَا يُفِيدُنَا أَنَّ الْقُلُوبَ لَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ، غَايَةٌ فِي التَّأْثِيرِ فِي الدَّرَجَاتِ وَرِفْعَةِ الْمَنَازِلِ، يَوْمَ لِقَاءِ اللَّهِ.

_ انْظُرْ إِلَى مَا تَقَدَّمَ: مَا سَبَقَهُمُ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صيَامِ وَلَا صَلَاةٍ!!!
وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي الصَّدْرِ!!
•إِذًا:
الْقَلْبُ إِذَا صَلحَ وَحَسُنَ، حَتَّى مَعَ قِلَّةِ الْعَمَلِ يَسْبِقُ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى وَإِنْ كَثُرَتْ أَعْمَالُهُمْ.
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ فِي صَلَاحِ الْقُلُوبِ.

_ جَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ:
“مَفَاوِزُ الدُّنْيَا”.
-أَيْ، الْمَفَاوِزُ: الْأَرَاضِي وَالْبَرَارِي وَقَطْعُهَا بِالْأَسْفَارِ.
•مَفَاوِزُ الدُّنْيَا تُقْطَعُ بِالْأَقْدَامِ.
•وَمَفَاوِزُ الْآخِرَةِ تُقْطَعُ بِالْقُلُوبِ.

•لمَّا تَرِيدُ أَنْ تُسَافِرَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، تَسْتَعْمِلُ قَدَمَيْكَ أَوْ وَسَائِلَ النَّقْلِ، تَسْتَعِينُ بِهَا.

•لَكِنَّ السَّفَرَ إِلَى الآخِرَة، الْأَسَاسِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ السَّفَرُ إِلَى الْآخِرَةِ هُوَ مَاذَا؟!
الْقَلْبُ، الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ.
لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ.

_ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْنَاهُ يَقُولُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ:
•أَنَّ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ الِاشْتِغَالَ بِتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ، وَأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ، مَعَ غشِّ الْقُلُوبِ ودغلها.
-يَعْنِي: يحرص عَلَى أَنْ يُزِيلَ عَنْ قَلْبِهِ حَسَدًا أَوْ ضَغَائِنَ أَوْ حِقْدًا أَوْ غِلًّا أَوْ سَخَائِمَ، "وَاسْللْ سَخِيمَةَ صُدُورِنَا".
أَوْ بَغْضَاءَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، يُبْغِضُ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ لِشَيْءٍ مِنْ حِطَامِ الدُّنْيَا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ يُبْغِضُ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ لِشَيْءٍ مِنْ حطَامِ الدُّنْيَا، أَشَدَّ مِنْ بُغْضَائِهِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْبغْضَاءَ مِنَ النَّاسِ.

فَالِاشْتِغَالُ بِتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ مَعَ غشِّ الْقُلُوبِ وَدَغَلِهَا.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


_ وَمَثَلُ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ مَعَ دَغلِ الْقَلْبِ وَغشِّهِ، كَمَثَلِ مَنْ بَذَرَ بذْرًا فِي أَرْضٍ دَغِلَةٍ، كَثِيرَةِ الشَّوْكِ.
الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الدَّغْلُ: وَهِيَ النَّوَابِتُ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَتضرُّ الزُّرُوعَ.
الْآنَ لَمَّا تَزْرَعُ مَثَلًا شَيْئًا مِنَ النَّافِعِ زَرْعهُ لِتَجْنِيَهُ، إِذَا نَبَتَ مَعَهُ الدَّغْلُ، هَذَا الَّذِي لَا يَنْفَعُ، وَرُبَّمَا أَيْضًا يُضِرُّ، يُؤْذِيكَ غَايَةَ الْأَذَى فِي هَذَا النَّافِعِ.

فَمَثَلُ الَّذِي يَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ وَقَلْبُهُ فِيهِ الدَّغْلُ، فِيهِ الْغِلُّ، فِيهِ الْحِقْدُ، شَبِيهٌ بِهَذَا.
شَبِيهٌ بِمَنْ يَزْرَعُ فِي أَرْضٍ كَثِيرَةِ الدَّغْلِ وَالْأَشْوَاكِ.

فَإِذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ الدَّغْلِ وَالْأَشْوَاكِ، هَلْ يَتَيَسَّرُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الشَّوْكِ أَنْ يَجْنِيَ مِنْهَا؟
رُبَّمَا لَا يَجْنِي مِنْهَا إِلَّا بِعُسْرٍ، وَمَشَقَّةٍ وَعَنتٍ.
"مَثَلُ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الصوم وَالصَّلَاةِ مَعَ دَغْلِ الْقَلْبِ وَغشِّهِ كَمَثَلِ مَنْ بَذَرَ بِذْرًا فِي أَرْضٍ دَغِلَةٍ كَثِيرَةِ الشوك، فَلَا ينْبتُ فِيهَا مِنَ الزَّرْعِ بَلْ يمْحَقُهُ دَغْلُ الْأَرْضِ وَيُفْسِدُهُ.
فإِذَا نُظِّفَتِ الْأَرْضُ مِنْ دَغْلِهَا زَكَى مَا ينْبتُ فِيهَا، وَإِذَا طُهِّر الْقَلْبُ أَيْضًا مِنَ السَّخَائِمِ الَّتِي فِيهِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوَاءِ زَكَى وَطَابَ.
•نَعَمْ.
—————
_ فَصْلٌ: اسْتِقَامَةُ الْقَلْبِ.

_ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
“لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ”.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاحَ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ مُسْتَلْزِمٌ لِصَلَاحِ الْجَسَدِ.
فَأَسَاسُ الاسْتِقَامَةِ وَمَدَارُهَا عَلَى الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَمَعْدِنُهُ وَمَنْبَعُهُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَالْمُرَادُ بِاسْتِقَامَةِ إِيمَانِهِ، اسْتِقَامَةُ أَعْمَالِ جَوَارِحِهِ.
فَإِنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ لَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ.

-وَمَعْنَى اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ: أَنْ يَكُونَ مُمْتَلِئًا مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ طَاعَتِهِ وَكَرَاهَةِ مَعْصِيَتِهِ.

_ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ﴿٣٠﴾ نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿٣١﴾ [فصلت].

_ وقال تعالى:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ﴿١٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٤﴾ [الأحقاف].
•نعم.

_ نَفَعَنَا الله أَجْمَعِينَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَزَادَنَا عِلْمًا وَتَوْفِيقًا، وَأَصْلَحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَهَدَانَا إِلَيهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا.
_ اللّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
اللّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعِفَّةَ وَالْغِنَى.
اللّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زيادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِف عَنَّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بك من مُنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء.
اللَّهُمَّ أعنَّا ولا تُعِن عَلَيْنَا، وانصُرنَا ولا تَنْصُر عَلَيْنَا، واهْدِنَا ويَسِّر الهُدَى لَنَا، وانصُرنَا على من بَغى عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِين، لَكَ شَاكِرين، إِلَيْكَ أوَّاهِين مُنِيبين، لَكَ مُخبتِين، لَكَ مطيعين.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


اللَّهُمَّ تَقَبَّل تَوبَتَنَا، واغْسِل حَوْبَتَنَا، وثَبِّت حُجَّتَنَا، واهْدِ قُلُوبَنَا، وسَدِّد أَلسِنَتنَا، واسْلُل سَخيمَةَ صُدورنا.
اللَّهمَّ إِنَّا نَسألُكَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعَزيمةَ عَلَى الرُّشدِ، وَنَسألُكَ مُوجباتِ رَحمتك، وعَزائمَ مغفرتك، وَنَسألُكَ شُكرَ نِعمَتك، وحُسنَ عبادَتك.
وَنَسألُكَ قَلبًا سَليمًا، ولِسانًا صادِقًا.
وَنَسألُكَ من خَيرِ ما تَعلم، وَنعوذُ بكَ من شَرِّ ما تعلَم، ونستَغفِرك لِما تَعلم، إنَّك أَنْتَ عَلَّام الغُيوب.
اللّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذنبنا كلَّه، دِقَّهُ وجُلَّه، أَوَّله وآخِره، عَلانِيتَه وسِرَّه.
اللّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَوَالِدِيهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَلِمَشَايِخِنَا وَلِوُلَاةِ أَمْرِنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ.
اللّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَسَدِّدْهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ.
اللّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَلِمَا فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَام وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ.
اللّهُمَّ فَرِّج هَمّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنْ الْمُدِينِينَ، وَاشْفِ مَرَضَانَا وَمَرَضَى الْمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ.
اللّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأعِذْنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْقِنْ دِمَاءَهُمْ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاحْفَظْهُمْ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
اللّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ.
اللّهُمَّ إِنَّا نجعلك فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ اللّهُمَّ مِن شُرُّورِهِمْ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِك.
اللّهُمَّ اقسِم لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.
اللّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهَا الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثأرنا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مَصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تَسَلَّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.
اللّهُمَّ يا حَيُّ يَا قيوم يا ذا الجلال والاكرام يا رب العالمين، أَصْلِحْ لَنَا أَجْمَعِينَ النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْعَمَلَ.

_ سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
_ اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا.

○--•°•✵✯✵•°•--○

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:41


كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
المُحاضَرَة: السَّادِسَة ج -٢-

○--•°•✵✯✵•°•--○

_ فَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْعَظِيمُ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَعِظَمِ مَوْقِعِهُ، وَشَقَاءِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.
وَذَكَرَ أَقْسَامَ بَنِي آدَمَ بِالنِّسْبَةِ فِيه إِلَى شَقِيِّهِمْ وَسَعِيدِهِمْ، وَتَقْسِيمِ سَعِيدِهِمْ إِلَى سَابِقٍ مُقَرَّبٍ، وَصَاحِبِ يَمِينٍ مُقَتَصِدٍ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَاجَةَ الْعِبَادِ إِلَى الْعِلْمِ كَحَاجَتِهِمْ إِلَى الْمَطَرِ، بَلْ أَعْظَمُ، وَأَنَّهُمْ إِذَا فَقَدُوا الْعِلْمَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي فَقَدَتِ الْغَيْثَ.

_ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
“النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ”.
لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالْعِلْمَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعَدَدِ الْأَنْفَاسِ.
•نَعَمْ.

_ يَعْنِي فِي كُلِّ عَمَلٍ، كُلِّ أَمْرٍ يُحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ، فَبِحَيثُ يَكُونُ كُلُّ خُطْوَةٍ، كُلُّ عَمَلٍ يَخْطُوهُ، يَخْطُوهُ بِعِلْمٍ.
فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعِلْمِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ، فِي جَمِيعِ مَصَالِحِهِ.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ.

_ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَهُ الْكَمَالُ الَّذِي لَا يُقَدِّرُ الْعِبَادُ قَدْرَهُ، فِي أَنْوَاعِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَفَرَحِهِ وَبَهْجَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ الْإِلَهِيَّةُ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، فَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأَقْوَاتِ وَالْمَسَارِّ وَالْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ، مَا لَا يَجْعَلُهُ غَيْرُهُ.

_ وَهُوَ إِذَا فَرِحَ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ، فَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ تَائِبًا حَتَّى فَرِحَ بِتَوْبَتِهِ لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ.
وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْقُوتِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَمَّا يُقِيتُ الْقُلُوبَ وَيُغَذِّيَهَا كَثِيرٌ جِدًّا.
وَكَثِيرًا مَا تُوَصَفُ الْقُلُوبُ بِالْعَطَشِ وَالْجُوعِ، وَتُوَصَفُ بِالرِّيِّ وَالشَّبَعِ.

_ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “رَأَيْتُ كَأَنِّي أُوتِيتُ بِقَدَحٍ فَشَرِبْتُ، حَتَّى إنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظفارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلي عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَه يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ، فَجَعَلَ الْعِلْمَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرَابِ الَّذِي يُشْرَبُ.
•نَعَمْ.

_ يَعْنِي لاحِظْ فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ الرِّيِّ وَذَكَرَ الشَّرَابِ!
-الرِّيُّ: الَّذِي هُوَ ذَهَابُ الْعَطَشِ.
ذَكَرَ الرِّيُّ: حَتَّى إنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظفارِي.
لَمَّا سَأَلُوهُ قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: “الْعِلْمُ”
فَجَعَلَ الْعِلْمَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرَابِ الَّذِي يُشْرَبُ.
•نعم.

_ وَلِهَذَا شُبِّهَتْ حَيَاةُ الْقُلُوبِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِحَيَاةِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَذَلِكَ بِمَا يُنَزِّلُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَيَسْقِيهَا وَتَحْيَا بِهِ.

_ قَالَ تَعَالَى:
﴿۞ أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ﴿١٦﴾ ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴿١٧﴾ [الحديد].

﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..﴾.
هَذَا ذَكَرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾.

-يَعْنِي: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْوَحْيِ أَثَرٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ لِتَحْيَا بِهِ.
_ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهَا هَذَا الْمَثَلَ:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..﴾.

-أَيْ بِمَاذَا؟ بِالْمَطَرِ.
﴿.. يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..﴾.
-أَيْ: بِالْمَطَرِ.
-أَيْ: فَكَذَلِكَ الْقُلُوبُ، يُحْيِيهَا بَعْدَ مَوْتِهَا بِالْغَيْبِ، الَّذِي هُوَ الْوَحْيُ.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:40


🤍 التعليق على أحاديث إصلاح القلوب
للشيخ/ عبد الرزاق البدر حفظه الله

📍المحاضرة السادسة
الجزء الثاني

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

02 Nov, 14:29


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس السادس ج1⁩.docx

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:30


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس الخامس ج2⁩.pdf

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:30


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس الخامس ج2⁩.pdf

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


_ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي دُورِهِمِ الثَّلاثَةِ: فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.

_ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا تَتِمُّ لَهُ سَلَامَتُهُ مُطْلَقًا حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:
١- مِنْ شِرْكٍ يُنَاقِضُ التَّوْحِيدِ
٢- وَبِدْعَةٍ تُخَالِفُ السُّنَّةَ
٣- وَشَهْوَةٍ تُخَالِفُ الْأَمْرَ
٤- وَغَفْلَةٍ تُنَاقِضُ الذِّكْرَ
٥- وَهَوًى نَاقِضٍ التَّجْرِيدِ وَالِاخْلَاصِ.
انْتَهَى كَلَامُهُ.

_ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿.. إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ ..﴾ [الحجرات: ١٣].

_ قَالَ الْحَافِظُ بنُ رَجَبٍ فِي "جَامِعِ الْعُلُومِ": كَرَمُ الْخَلْقِ عِندَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى، فَرُبَّ مَنْ يَحْقِرُهُ النَّاسُ لِضَعْفِهِ وَقِلَّةِ حَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَعْظَمُ قَدْرًا عِندَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ قَدْرٌ فِي الدُّنْيَا!!!
فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ التَّقْوَى.

_ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾.
•نَعَمْ.

_ مَرَّ مَعَنَا فِي أَحَدِ الدُّروسِ، الْحَدِيثُ الثَّابِتُ:
كَانَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ((مَا تَعُدُّونَ هَذَا فِيكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَلَّا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَلَّا يُشَفَّعَ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَلَّا يُسْمَعَ لَهُ. فَسَكَتَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَمَرَّ شَخْصٍ آخَرَ، لَهُ هَيْئَةٌ، لَهُ مَكَانَةٌ، فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ هَذَا فِيكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَنْ يُسْمَعَ. فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ذَاكَ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ هَذَا)).

فَالْمِقْيَاسُ لَيْسَ فِي مَا يَرَاهُ النَّاسُ فِي ظَاهِرِهِمْ، فِي هَيْئَاتِ النَّاسِ وصورتهم وَحَدِيثِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَٰلِكَ، وَإِنَّمَا مَرَدُّ ذَٰلِكَ إِلَى تَقْوَى الْقُلُوبِ.

_ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَابِ التَّزْكِيَةِ:
﴿.. فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ﴾ [النجم: ٣٢].

_ وَفِي بَابٍ أَيْضًا الِاحْتِقَارِ وَالِانْتِقَاصِ، قَالَ: ((التَّقْوَى هَا هُنَا)).

نَبَّهَ فِي الْمَقَامَيْنِ عَلَى الْانْتِبَاهِ:
•إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُزَكِّي أَحَدًا، انتَبِهْ!! ظَاهِرُ الْعَمَلِ لَا يَكْفِي لِلْتَّزْكِيَةِ الْمُطْلَقَةِ، قَيِّدْ إِذَا كَانَ وَلَا بُدَّ، قُل: "نَحْسَبُهُ كَذَٰلِكَ، وَلَا نُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا".
لِأَنَّكَ تَتَحَدَّثُ عَمَّا يَظْهَرُ لَكَ، لَكِنَّ الْقَلْبَ مَا تَدْرِي عَنْهُ.

•وَأَيْضًا فِي بَابِ الْازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ وَالِانْتِقَاصِ الَّذِي يَقَعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ، يَنْتَبِهُ إِلَى أَنَّ التَّقْوَى أَيْنَ؟
فِي الْقَلْبِ.
قَدْ يَحْقِرُ شَخْصًا وَيُنْتَقَصُهُ وَيَزدريهِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ مِئَاتِ الْأَشْخَاصِ مِنْ هَذَا الْمُحْتَقرِ لَهُ.
•نَعَمْ.

_ قَالَ الْحَافِظُ بنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي "جَامِعِ الْعُلُومِ": كَرَمُ الْخَلْقِ عِندَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى، فَرُبَّ مَنْ يَحْقِرُهُ النَّاسُ لِضَعْفِهِ، وَقِلَّةِ حَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَعْظَمُ قَدْرًا عِندَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ قَدْرٌ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ التَّقْوَى.

_ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾.

_ وَسُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-)).

_ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ((الْكَرْمُ التَّقْوَى)).

_ وَالتَّقْوَى: أَصْلُهَا فِي الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾.
•انْتَهَى كَلَامُهُ.

_ وَاللَّهُ -تَعَالَى- لَا يَنْظُرُ إِلَى الصُّوَرِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ.
_ كما فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُورِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)).

_ وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آيَاتٌ عَدِيدَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّقْوَى وَبَيَانِ ثمَارِهَا وَثَوَابِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿.. وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا﴾ [الطلاق: ٤].

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


_ الآن لمَّا يَحْقِرُ الإِنْسَانُ شَخْصًا لِشَيْءٍ فِي ظَاهِرِهِ، طَرِيقَة حَدِيثه، أَوْ مَشْيه أَوْ لِبَاسه أَوْ لَوْنِ بَشَرَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَٰلِكَ، يُقَالُ لِمَنْ يَحْقِرُهُ:
-أَتَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ؟
-أَتَعْلَمُ حَالَ قَلْبِهِ؟
قَدْ يَكُونُ هَذَا الَّذِي تَحْقِرُهُ خَيْرًا مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَكَ، بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ صَلَاحٍ، وَهَذَا فِيهِ إَيْقَاظٌ لِقَلْبِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَقِرَ الْآخَرِينَ.
-تَحْتَقِرُه عَلَى مَاذَا؟
-يَعْنِي: إِذَا كُنتَ تَرَى فِيهِ عَيْبًا خَلْقِيًّا قَدْ تُبْتَلَى بِهِ أَوْ بِأَشَدَّ مِنْهُ، أَوْ آفَةٍ، أَوْ نَحْوَ ذَٰلِكَ، لَا يَحْقِرُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، إِنْ كَانَ يَحْقِرُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، قِلَّةَ ذَاتِ يَدٍ، أَوْ فِي أَعْضَائِهِ، أَوْ فِي طَرِيقَةِ حَدِيثِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَٰلِكَ، قَدْ يُبْتَلَى بِذَٰلِكَ.

•لَكِنَّ الْمَعْنَى الْمُهِمَّ الْقَلْبُ مَا تَدْرِي عَنْ حَالِ قَلْبِهِ، قَدْ يَكُونُ قَلْبُهُ أَزْكَى مِنْ قَلْبِكَ بِمِئَاتِ الْمَرَّاتِ، وَأَنْتَ تَحْقِرُهُ وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَلَهُ مَكَانَةٌ عِندَ رَبِّ الْعَالَمِينَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ.

_ أَفَادَ هَذَا الْحَدِيثُ: أَنَّ مَحَلَّ التَّقْوَى وَمَنْبَعَهَا هُوَ الْقَلْبُ، فَمَتَى عُمِرَ الْقَلْبُ بِهَا خَضَعَتِ الْجَوَارِحُ وَانْقَادَتْ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ.

_ وَقَدْ أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى التَّقْوَى إِلَى الْقُلُوبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾.

وإنمَا أَضَافَ التَّقْوَى إِلَى الْقُلُوبِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّقْوَى تَقْوَى الْقُلُوبِ!!

_ وَتَقْيِيدُ التَّقْوَى بِالْقُلُوبِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّقْوَى قِسْمَانِ:
١- تَقْوَى الْقُلُوبِ:
وَالْمُرَادُ بِهَا التَّقْوَى الْحَقِيقِيَّةُ الصَّادِقَةُ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ.
٢⁃ وَتَقْوَى الْأَعْضَاءِ:
وَالْمُرَادُ بِهَا التَّقْوَى الصُّورِيَّةُ الْكَاذِبَةُ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الْمُنَافِقُ الَّذِي كَثِيرًا مَا تَخْشَعُ أَعْضَاؤُهُ وَقَلْبُهُ سَاهٍ لَاهٍ.

_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿.. فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ﴾ [النجم: ٣٢].

لِأَنَّ التَّقْوَى مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَاللَّهُ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمُجَازِيُ عَلَى مَا فيه مِنْ بَرٍّ وَتَقْوَى.
_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦].

_ فَخَصَّ الْمُتَّقِينَ بِالِانتِفَاعِ لِأَنَّ التَّقْوَى الْقَائِمَةَ فِي قُلُوبِهِمْ تُحْدِثُ فِيهَا الرَّغْبَةَ فِي الْخَيْرِ، وَالرَّهْبَةَ مِنَ الشَّرِّ، النَّاشِئَتَيْنِ عَنْ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ، وَعَنْ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.

_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا﴾ [الأحزاب: ٣٢].

-أَيْ: مَرَضُ شَهْوَةِ الزِّنَا، فَإِنَّهُ مُفْتُونٌ يُحَرِّكُهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ أَدْنَى شَهْوَةٍ، لِأَنَّ قَلْبَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَأَقَلُّ سَبَبٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْحَرَامِ، يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، وَلَا يَتَعَاصى عَلَيْهِ.
•بِخِلَافِ الْقَلْبِ الصَّحِيحِ، الْمُتَّقِي لِلَّهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَيْسَ فِيهِ شَهْوَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَا تَكَادُ تَمِيلُهُ وَلَا تُحَرِّكُهُ الْأَسْبَابُ، لِصِحَّةِ قَلْبِهِ، وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْمَرَضِ.

_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ﴿٨٩﴾ [الشعراء].

_ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:وَالْقَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ الَّذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالشُّحِّ وَالْكِبْرِ، وَحُبِّ الدُّنْيَا وَالرَّئَاسَةِ، فَسَلِمَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ تُبْعِدُهُ عَنْ اللَّهِ، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ، وَمِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ تُعَارِضُ أَمْرَهُ، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ إِرَادَةٍ تُزَاحِمُ مِرَادَهُ، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ قَاطِعٍ يَقْطَعُ عَنْ اللَّهِ، فَهَذَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ فِي جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَفِي جَنَّةٍ فِي الْبَرْزَخِ، وَفِي جَنَّةٍ يَوْمَ الْمعَادِ.

_ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ﴾ [الانفطار: ١٣].

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَبْلَغَتْ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ)).

وَلْيَحْذَرِ الْمَرْءُ مِنْ أَنْ يُخِلَّ بِهَذَا الْمِعيار وَأَنْ تَنْقَلِبَ عِندَهُ الْمَوَازِينُ، فَإِنَّ أَسَاسَ الرِّفْعَةِ وَأَسَاسَ الشَّرَفِ وَعُلُوِّ الْفَضِيلَةِ وَالْمَنْقَبَةِ إِنَّمَا هُوَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى.

_ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَذْهَبَ عَنكُم عُبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمَ مِنْ تُرَابٍ)).

_ جَعَلَنَا اللَّهَ أَجْمَعِينَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُقَرَّبِينَ.
اللَّهُمَّ آمِينَ.

_ نَفَعَنَا الله أَجْمَعِينَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَزَادَنَا عِلْمًا وَتَوْفِيقًا، واصلح لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَهَدَانَا إِلَيهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا.

اللّهُمَّ آتِ نَفْسَنَا تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
اللّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.
اللّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زيادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَوَالِدِيهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَلِمَشَايِخِنَا وَلِوُلَاةِ أَمْرِنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ.

اللّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَسَدِّدْهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ.
اللّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَلِمَا فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَامِ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ.

اللّهُمَّ فَرِّج هَمّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنْ الْمُدِينِينَ، وَاشْفِ مَرَضَانَا وَمَرَضَى الْمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ.
اللّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأعِذْنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْقِنْ دِمَاءَهُمْ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاحْفَظْهُمْ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
اللّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ.
اللّهُمَّ إِنَّا نجعلك فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ اللّهُمَّ مِن شَرُّورِهِمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِك.
اللّهُمَّ اقسِم لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.

اللّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهَا الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثأرنا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مَصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تَسَلَّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.
اللّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا أَجْمَعِينَ النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْعَمَلَ.
سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
_ اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
_ جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا.

○--•°•✵✯✵•°•--○

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿.. وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا﴾ [الطلاق: ٥].

_ وَقَالَ تَعَالَى:
﴿.. وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ﴿٢﴾ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ .. ﴿٣﴾ [الطلاق].

_ فَتَقْوَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ وَلَهَا آثَارٌ مُبَارَكَةٌ، وَكُلَّمَا جَاهَدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَلَى تَحْقِيقِهَا، وَجَدَ التَّيْسِيرَ فِي أُمُورِهِ، وَالرِّزْقَ الطَّيِّبَ، وَالْمَخْرَجَ الْمُلَائِمَ لِكُلِّ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَشَاكِلَ، وَنَالَ بِذَلِكَ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ، وَغُفْرَانَ الذُّنُوبِ، وَرَفْعَةَ الدَّرَجَاتِ.
وَالتَّقْوَى لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تُقَالُ، أَوْ دَعْوَةٍ تُدَّعَى، لِأَنَّ مِنَ السَّهْلِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ! وَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِتَحْقِيقِ التَّقْوَى، وَقِيَامِهَا حَقِيقَةً فِي قَلْبِ الْعَبْدِ.

-وَمَعْنَى التَّقْوَى: أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخَافُهُ وَقَايَةً، وَتَقْوَى الْعَبْدِ لِرَبِّهِ: أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِنْ غَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعِقَابِهِ وَقَايَةً تَقِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلِ طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَصِيَتِهِ.
_ فَاللَّهُ تَعَالَى:
⁃ تَارَةً يَأْمُرُ بِتَقْوَاهُ، فَهُوَ الَّذِي يُخْشَى وَيُرْجَى، وَكُلُّ خَيْرٍ يَحْصُلُ لِلْعِبَادِ فَهُوَ مِنْهُ.

⁃ وَتَارَةً يَأْمُرُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِاتِّقَاءِ النَّارِ.
_ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿.. فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ ..﴾ [البقرة: ٢٤].

⁃ وَتَارَةً يَأْمُرُ بِاتِّقَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
_ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١].

وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ جَاءَ فِيهِ آيَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ شَارِحَة مَعْنَى التَّقْوَىٰ، مُفَسِّرَة مَدْلُولَهَا، مُبَيِّنَةٌ صِفَاتِ أَهْلِهَا.
_ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ:
﴿.. هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢].

_ ثُمَّ ذَكَرَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صِفَاتِهِمْ، قَالَ:
﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ [البقرة].

_ وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:
﴿۞ وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣].

_ ثُمَّ ذَكَرَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صِفَاتِهِمْ فَقَالَ:
﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿١٣٤﴾ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴿١٣٥﴾ [آل عمران].

•فَذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِمْ: مُلاَزَمَةَ الاستغفار، وَعَدَمَ الإصرار عَلَى الذُّنُوبِ.

_ وَمِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الْجَامِعَةِ لِمَعْنَى التَّقْوَى، وَبَيَانِ صِفَاتِ أَهْلِهَا، قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْآيَةِ الَّتِي تُعَرَفُ عِندَ أَهْلِ الْعِلْمِ بَآيَةِ الْبِرِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿۞ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧].

فَذَكَرَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَّقِينَ صَلَاحَ عَقِيدَتِهِمْ وَصَلَاحَ أَعْمَالِهِمْ.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


_ صَلَاحَ عَقِيدَتِهِمْ فِي قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ:
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ..﴾.
•هَذَا صَلَاحُ الْعَقِيدَةِ.

_ وَصَلَاحُ الْأَعْمَالِ:
﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾.
إِلَى تَمَامِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ.
•نَعَمْ.

_ وَجَاءَ عَنْ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عِبَارَاتٌ عَدِيدَةٌ فِي تَوْضِيحِ التَّقْوَى وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ:
_ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ".

_ وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: "الْمُتَّقُونَ اتَّقَوا مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَأَدَّوْا مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ".

_ وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامٍ وَلَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّخْلِيطِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَقْوَى اللَّهِ: تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَدَاءُ مَا افْتُرِضَ اللَّهُ".

_ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿.. ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ ..﴾ [آل عمران: ١٠٢].
_ قَالَ: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ.

_ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا التَّقْوَى فَحَقِيقَتُهَا الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، أَمْرًا وَنَهْيًا، فَيَفْعَلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، إِيمَانًا بِالْأَمْرِ، وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، وَيَتْرُكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ إِيمَانًا بِنَهْيِهِ، وَخَوْفًا مِنْ وَعِيدِهِ.

_ كَمَا قَالَ طَلقُ بْنُ حَبِيبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَاطْفِئُوهَا بِالتَّقْوَى. قَالُوا: وَمَا التَّقْوَى؟
قَالَ:
•أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِّنَ اللَّهِ، تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ.
•وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِّنَ اللَّهِ، تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ.

وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حَدِّ التقوى، فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا بد لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ وَغَايَةٍ، فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ طَاعَةً وَقُرْبَةً حَتَّى يَكُونَ مَصْدَرُهُ عَنْ الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ هُوَ الْإِيمَانُ الْمَحْضُ، لَا الْعَادَةُ وَلَا الْهَوَى، وَلَا طَلَبُ الْمَحْمَدَةِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَبْدَأُهُ مَحْضَ الْإِيمَانِ، وَغَايَتُهُ ثَوَابُ اللَّهِ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ وَهُوَ الْاحْتِسَابُ.

وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُقرَنُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ..)).
((وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ..)).
وَنَظَائِره

_ فَقَوْلُهُ: "عَلَى نُورٍ مِّنَ اللَّهِ"
إِشَارَةٌ إِلَى الْأَصْلِ الأوَّلِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ الْعَمَلِ، وَالسَّبَبُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ.

_ وَقَوْلُهُ: "تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ".
إِشَارَةٌ إِلَى الْأَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ الْاحْتِسَابُ، وَهُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُوَقِعُ الْعَمَلُ وَلَهَا يقْصدُ بِهِ.
•انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

_ إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- هِيَ الْأَسَاسُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِهَا يُنَالُ شَرِيف الْمَوَاهِبِ، وَرَفِيع الْمَقَامَاتِ، وَجَلِيل الْمَنَازِلِ، وَخَيْر الْمَناقبِ.

_ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ((قِيلَ لِلرَّسُولِ ﷺ: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ)).

_ وَهَذَا مَعْنًى مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾ [الحجرات: ١٣].

_ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي نَظْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَأَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأَعْجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبْلَغَتْ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ قَالَ ﷺ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ.

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:28


كتاب أَحَادِيثُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ
الدّرس الخامس ج-٢-

○--•°•✵✯✵•°•--○

<المُحَاضَرة الخَامِسَة>
~الجزء الثَّاني~

عُبُودِيَّةُ الفَقْرِ، فَقْرُ القَلْبِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ مِنَ العُبُودِيَّاتِ العَظِيمَةِ لِلْقُلُوبِ.

_ وَهُوَ كَمَا بَيَّنَ أَهْلُ العِلْمِ نَوْعَانِ، يَعْنِي عُبُودِيَّةَ الفَقْرِ:
١⁃ مِنْ جِهَةِ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
٢⁃ وَمِنْ جِهَةِ الاستعَانَةِ بِاللَّهِ.

وَلِهَذَا فِي عُمُومِ الطَّاعَاتِ، مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِ ذَٰلِكَ، يَسْتَشْعِرُ العَبْدُ فِي هَذِهِ الطَّاعَاتِ فَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَحَاجَتَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ يُكْمِلُ عُبُودِيَّاتِهِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، مُفْتَقِرًا إِلَى اللَّهِ، لِرَحْمَتِهِ، ثَوَابِهِ، إِنْعَامِهِ، إِكْرَامِهِ، نَجَاتِهِ مِنْ سَخَطِ رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وَكُلَّمَا قَوِيَ هَذَا الْمَعْنَى فِي القَلْبِ كَانَ أَكْمَلَ فِي العِبَادَةِ.

وَالْجَانِبُ الآخَرُ:
•جَانِبُ العُبُودِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الاستعَانَة بِاللَّهِ، بِحَيْثُ يَسْتَشْعِرُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ أَنَّهُ لَا غِنَى عَنْ رَبِّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِعِبَادَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَصِّلَ رِزْقًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ مُشْكِلَةٍ، إِلَّا إِذَا كَانَ اللَّهُ مَعَهُ حَافِظًا وَمُعِينًا وَمُؤَيِّدًا، فَيَسْتَشْعِرُ فَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ، كَمَا أَنَّهُ يَسْتَشْعِرُ فَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ فِي العِبَادَةِ، أَيْضًا يَسْتَشْعِرُ فَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الاستعَانَةِ.
•نَعَمْ.
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ.

فَصْلُ: //تَقْوَى الْقُلُوبِ//

_ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
((لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ-، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)).
•رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

_ هَذَا الْفَصْلُ حَدِيثٌ عَنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لِلَّهِ -سُبْحَانَه-، وَهَذِهِ التَّقْوَى الَّتِي فِي الْقُلُوبِ هِيَ الْأَسَاسُ، أَسَاسُ صَلاحِ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ الْقُلُوبُ عَامِرَةً بِتَقْوَى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
التَّقْوَى مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، مِثْلَ مَا فِي الْحَدِيثِ هُنَا أَشَارَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ يَقُولُ: ((التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا)).
ثَلاثَ مَرَّاتٍ يُعِيدُهَا تَأْكِيدًا، يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ.
-أَيْ: أَنَّ التَّقْوَى فِي الْقَلْبِ.
﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢]

_ هَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْقُلُوبِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي بِهَا الصَّلاحُ الْعَامُّ لِلْعَبْدِ، لَأَنَّ إِذَا اتَّقَى الْقَلْبُ الرَّبَّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، صَلُحَ الْعَمَلُ كُلُّهُ.

_ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي الحديث الْأَوَّلِ: ((أَلا أَنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ ..)).
-أَيْ: بِتَقْوَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ.

((.. صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ)).

_ لَاحِظْ فِي الْحَدِيثِ: ((التَّقْوَى هَا هُنَا)).
جَاءَتْ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ تَحْذِيرٍ مِن احْتِقَارِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ.

_ قَالَ: ((لَا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)).

•جَاءَتْ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ هَذَيْنِ:
_ بَيْنَ قَوْلِهِ:
((لَا يُحَقِّرْهُ)).
_ وَقَوْلِهِ:
((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)).

_ قَوْلُهُ: ((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)).

-أَلَيْسَ هَذَا تَكْمِيل لِقَوْلِهِ: "لَا يَحْقِرُهُ"؟
-أَلَيْسَ هُوَ تَكْمِيلٌ لَهُ؟
هَذَا تَكْمِيلٌ لَهُ: لَا يَحْقِرُهُ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ، لَكِنْ وَسَّطَ ماذا؟ بَيْنَهُمَا مَاذَا؟
((التَّقْوَى هَا هُنَا)).

هَذَا فِيهِ سِرٌّ عَظِيمٌ جِدًّا، نَبَّهَ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ، هَذَا فِيهِ سِرٌّ عَظِيمٌ جِدًّا.
-يَعْنِي: لِمَاذَا وُسِّطَتْ التَّقْوَى؟؟

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:25


🤍 التعليق على أحاديث إصلاح القلوب
للشيخ/ عبد الرزاق البدر حفظه الله

📍المحاضرة الخامسة
الجزء الثاني

شرح كتاب أحاديث إصلاح القلوب

22 Oct, 18:13


‎⁨أحاديث إصلاح القلوب الدرس الخامس ج1⁩.docx

7,840

subscribers

45

photos

233

videos