🔻فاتحون🔻

«وإما تخافَن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء»

وإما تخافن من قوم خيانة: بحيث يبدو من أعمالهم ما فيه مخيلة بعدم وفائهم، فأمره الله أن يرد إليهم عهدهم، إذ لا فائدة فيه إذ هم ينتفعون من مسالمة المؤمنين لهم، ولا ينتفع المؤمنون من مسالمتهم عند الحاجة.

فانبِذ إليهم: عهدهم، ارمه إليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم.

= وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة، دون وقوعها: لأن شئون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون، لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عرضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة.

= ولا تدار سياسة الأمة بما يدار به القضاء في الحقوق؛ لأن الحقوق إذا فاتت كانت بليتها على واحد، وأمكن تدارك فائتها، ومصالح الأمة إذا فاتت تمكن منها عدوها، فلذلك علق نبذ العهد بتوقع خيانة المعاهدين من الأعداء، ومن أمثال العرب: خذ اللص قبل أن يأخذك، أي: وقد علمتَ أنه لص.

ابن عاشور والسعدي

فى كل فتنة يجيئ أمر الله ويظهر الحق هذه من السنن. فلا تتعجل
قال تعالى: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ( 48 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لأصحابك، يا محمد, التمسوا صدَّهم عن دينهم وحرصوا على ردّهم إلى الكفرِ بالتخذيل عنه، كفعل عبد الله بن أبيّ بك وبأصحابك يوم أحدٍ، حين انصرف عنك بمن تبعه من قومه. وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتنة من قبل. ويعني بقوله: ( من قبل ) ، من قبل هذا ( وقلبوا لك الأمور ) ، يقول: وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك به الله الرأيَ بالتخذيل عنك, وإنكار ما تأتيهم به, وردّه عليك ( حتى جاء الحق ) ، يقول: حتى جاء نصر الله ( وظهر أمر الله ) ، يقول: وظهر دين الله الذي أمرَ به وافترضه على خلقه، وهو الإسلام ( وهم كارهون ) ، يقول: والمنافقون بظهور أمر الله ونصره إياك كارهون. وكذلك الآن، يظهرك الله ويظهر دينه على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر به، وهم كارهون.

أنا لا أشكك في نية الإمام الذي يصور نفسه بالفيديو في صلاة التروايح، ولكن هذا من وجهة نظري لا يفعله العقلاء ولا الكبار.

فيكفي فتنة للإمام إعجاب الناس بصوته والثناء عليه بعد الصلاة، وأن يثني عليه المأمومين فيقولون له: نحن نشعر بالخشوع خلفك، صوتك شجي، وقفاتك في القرآن جمال ما بعد جمال، احساسك بالآيات بيخلينا في السماء!!

وبعد كل هذه الثناءات التى قد تُمرض الإمام أو تضعه في فتنة عظيمة، يزيد عليها بتصوير هذا الخشوع وهذا الجمال بالفيديو بنفسه، حيث يضع الكاميرا في المحراب!!

أيها الإمام: أنت من تستجلب لنفسك ما يؤذيك فترفّع عن ذلك، فنحن نحبك ونحب لك الخير، ونحب أن تكون أكثرنا خشوعاً لأن هذا له تأثير علينا خلفك، فحفاظنا عليك هو حفاظ على أنفسنا، وتركك لهواك هو خسارة لنا جميعاً.
هذا رأيي وكما ذكرت: لا أشكك في النية ولكن لا يعجبني هذا التصرف.

لقائله وفقه الله

رمضان الموسم السنوي لمراجعة أفكارك وتصوراتك وهمومك وتقييمها من خلال الوحي.
رمضان موسم التلقّي الهادئ الطويل المتتابع المتفرغ -قدر المستطاع- لمعاني الوحي.
رمضان موسم التعامل المُكثف مع كلام الله مباشرة قراءة وسماعا وتدبرا، والتقليل من التعامل مع كلام البشر أيا كانوا.

وأحوج ما يكون لهذه الوقفة والمراجعة والتلقي هم طلبة العلم والدعاة والمنشغلون بالإصلاح؛ وذلك لحرص الشيطان على صرفهم عن الوصول لمراد ربهم، فمن كثُر أتباعه كثرت شياطينه1.
فكم من طالب علم أو مثقف أو داعية انحرف عن الصراط المستقيم، وتأثر بأهواء الغرب والشرق، أو فُتن بزينة الأرض، أو انبهر بزخارف السلطان، أو تغيّر بتغيّر موازين القوة، فيحتاج إلى آيات الله الصافية المُنزّلة لتعالج قلبه وتطهر روحه.

وقد يكون الإشكال عند هؤلاء أنهم لا يشعرون بالتغير الذي حدث لهم، فهو يقرأ كثيرا في كتب العلماء ويعلم تخريجاتهم وأصبح يعرف كيف يتأول لنفسه تلك الأهواء التي تلبّس بها، وسار مع الجزئيات وانشغل بها وانغمس في فروعها، فنسي وجهته السماوية وتغيّر قصده الأخروي، فلن تصلح معه تلك المناقشات العلمية، فالخلل قلبيّ روحي، ولن يصلحه إلا خطاب عُلوي ينفذ إلى الأعماق، فتقشعر جلودهم من الخشية من التقوّل على الله، ثم تلين وتطمئن بمحكمات الوحي مرة أخرى، فيُحاكم نفسَه ويُراجعها وينتصر لدينه منها.

فطوبى لمن عكف من هؤلاء على كلام ربه في هذا الشهر وبحث عن الهدى فيه.
اللهم اهدنا فيمن هديت.
...................................................................................

1)- (ما ازْدَادَ رجلٌ من السُّلطانِ قُرْبًا إلا ازْدَادَ عن الله بُعْدًا، ولا كَثُرَتْ أتْباعُهُ إلا كَثُرَت شياطِينُهُ، ولا كَثُرَ مالُهُ إلا اشْتَدَّ حسابُهُ).

هناد عن عبيد بن عمير مرسلًا