• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ • @eaziz23 Channel on Telegram

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

@eaziz23


قناة تهتم بنشر العلم الشرعي والسلاسل العلمية..

#أحاديث_رياض_الصالحين.. #فوائد_من_بطون_الكتب.. #فتاوى.. #مواعظ_قصيرة.. #قصص.. #أحاديث_وشرحها.. #رسائل_في_التربية.. #التقويم_الهجري.. #التذكير_بالورد_اليومي.. #تلاوات_خاشعة.. #سلاسل_علمية.. وغيرها..

كُــنْ عَـزِيزَاً بإسْلاَمِــكْ (Arabic)

هل تبحث عن مصدر موثوق لنشر العلم الشرعي والمعرفة الدينية؟ إذاً، قناة "كُــنْ عَـزِيزَاً بإسْلاَمِــكْ" ما تبحث عنه! تهتم هذه القناة بنشر العلم الشرعي والسلاسل العلمية التي تهم كل من يبحث عن الفهم الصحيح للدين وتطبيقه في حياته اليومية. تضم القناة محتوى غني ومتنوع يشمل #أحاديث_رياض_الصالحين، #فوائد_من_بطون_الكتب، #فتاوى، #مواعظ_قصيرة، #قصص، #أحاديث_وشرحها، #رسائل_في_التربية، #التقويم_الهجري، #التذكير_بالورد_اليومي، #تلاوات_خاشعة، #سلاسل_علمية والعديد من المواضيع الهادفة الأخرى. انضم إلينا اليوم واستمتع بالفوائد العظيمة التي تقدمها لك هذه القناة القيمة. كن عزيزًا بإسلامك من خلال اكتساب المعرفة والتعلم المستمر!

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

05 Jan, 06:13


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم.

أمور أقسم عليها النبي صلى الله عليه وسلم

القَسَم والحلِف بمعنى واحد، ويُقْصَد به (القسم) تأكيد وتقوية معنى يراد غرسه في نفس المستمع، ويُؤْتَى به لدفع إنكار المنكرين، أو إزالة شكِّ الشاكين، أو لبيان عِظَم المُقْسَم عليه، قال الزركشي: "(القَسَم) إنما جيء به لتوكيد المقسم عليه"، وقال الآلوسي: "(القَسَم) يتضمن الإخبار عن تعظيم المُُقْسَم به، وأن الإقسام بالشيء إعظام له". والنبي صلوات الله وسلامه عليه كان تارة يحلف بقوله: (والذي نفسي بيده)، وأخرى يقول: (والذي نفس محمد بيده) ومرة أخرى يحلف بقوله: (والله)، (والله الذي لا إله غيره).. فلا ضير في تعدد صيغ الحلف مادام أن الحلف يكون بالله تعالى، إذ أن الحلف بغير الله شرك بالله عز وجل، فقد سمِعَ عبد الله بن عمر رضي الله عنه رجلاً يحلف ويقول: لا والكعبة، فقال له: (إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله قد أشرك) رواه أبو داود وصححه الألباني.
والناظر في السيرة النبوية يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم على بعض الأمور للتأكيد عليها وبيان أهميتها، ومن ذلك:

رؤية المؤمنين لربهم في الجنة:
أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هل تُضارون في رُؤية الشَّمسِ في الظهيرة، ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارُون في رؤيةِ القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيدِه! لا تُضارون في رُؤيةِ ربِّكم إلا كما تُضارُون في رؤيةِ أحدِهما (الشمس والقمر)) رواه مسلم.

حوض النبي صلى الله عليه وسلم:
مِنْ خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وفضائله الكوثر، وهو المراد في قول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}(الكوثر:1)، والكوثر نهر عظيم وعده الله به في الجنة، وهو يصب في حوضٍ له صلى الله عليه وسلم، فهو مادة الحوض كما قال ابن حجر في الفتح. وهذا الحوض من مكرمات نبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة، وقد جاء في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بوجود هذا الحوض الآن، وقد أقسم على ذلك، لعظم شأن هذا الحوض، وأهمية تعريف الأمة به، حتى يأخذوا بأسباب الورود عليه، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلّى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: (إني فَرَطُكُم (سابقكم)، وأنا شهيدٌ عليكم، وإني والله لأنظر إلى حَوضي الآن). وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني على الحوض حتى أنظر من يَرِدُ عليَّ منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا ربِّ! مِنِّي ومن أُمَّتِي، فيقال: هل شعرتَ ما عملوا بعدك؟ والله! ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم) رواه البخاري.

حُرمة الصحابة، وبيان فضلهم، وعدم جواز التعرض لهم:
التعرض لأحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء والانتقاص في غاية الخطر، وهذه المسألة مما ابتدعها أهل البدع والزندقة، للوصول إلى إسقاط السُنة، ومِنْ ثم فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة أصحابه رضوان الله عليهم، وعدم جواز التعرض لهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه) رواه مسلم. والمُد، جمع اليدين، فما أنفقه الصحابي بملء يديه، أو نصف ذلك، أفضل من نفقة أحدنا بمقدار جبل أحد. قال أبو زرعة الرازي ـ وهو من علماء الحديث المتقدمين ـ: "إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً مِن أصحاب رسول الله، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالَزْندقة والضلالة والكذب والفساد، هو الأقوم الأحق".

وجوب محبة المؤمنين:
محبة المؤمنين لبعضهم واجبة، وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومن الأشياء التي توصل إلى المحبة بين المسلمين: إفشاء السلام، فهو مفتاح المودة، وسبب الألفة، وإظهار لشعار من شعائر الدين، مع ما فيه من التواضع، ورعاية حرمة المسلمين، وإدخال السرور عليهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والَّذي نَفسِي بيده، لا تدخلونَ الجنَّة حتَّى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابَبتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكُم) رواه مسلم.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

05 Jan, 06:13


ثلاث أمور هامة أقسم عليهن النبى صلى الله عليه وسلم في حديث واحد:
عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث أقسم عليهن (أحلف عليهن) وأحدثكم حديثا (تحديثا عظيماً) فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلِمَ عبْدٌ مظلمةً صبر عليها إلا زاده الله عِزَّا، ولا فتح عبد باب مسألة (سؤال الناس) إلا فتح الله عليه باب فقر) رواه أحمد وصححه الألباني. قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن) فيه أن على دعاة الخير في أثناء تبليغ العلم والنصح أن يشوقوا السامع، ويجعلوه يشتاق وينتبه إلى ما سيُقال.

حُرْمة إيذاء الجار:
إيذاء الجار يكون بالفعل أو بالقول، وقد يكون إيذاء الجار في نفسه، أو في أهله، أو في أولاده، أو في مسكنه، أو في ضيفه. والنبي صلى الله عليه وسلم أقسم فيما أقسم به على تحريم أذية الجار، فقال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، ـ ثلاث مرات ـ قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه (مصائبه وشروره)) رواه البخاري. هذا الحديث والقَسم من النبي صلى الله عليه وسلم شديد فى الحض على ترك أذى الجار، إذ أكد ذلك بقسمه ثلاث مرات: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن).

فضل سورة الإخلاص:
القرآن الكريم مليء بآيات التوحيد، والقصص، والأحكام: ومعلوم أهمية التوحيد في الإسلام، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تشتمل على التوحيد، قال السعدي في تفسيره: " فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات". وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على فضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن الكريم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رجلًا سمع رجلًا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُردِّدُها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأنَّ الرجلَ يتقالُّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيدِهِ، إنها لتعدلُ ثلثَ القرآن) رواه البخاري. وفي ذلك حافز كبير على قراءة هذه السورة العظيمة، ومعرفة تفسيرها، والوقوف على معانيها، والامتثال لأوامرها، والتسليم بمقتضاها.

فضل التوبة والاستغفار:
كان صلى الله عليه وسلم يحث دائما على التوبة، ويُرَغِّب كثيراً في الاستغفار، ويقسم على فضل وأهمية ذلك فيقول: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم) رواه مسلم. قال الطيبي: "لم يرد به ونحوه قلة الاحتفال بمواقعة الذنوب، كما توهمه أهل الغرة (الغفلة)، بل كما أنه أحب الإحسان إلى المحسن أحب التجاوز عن المسيء، فمراده لم يكن ليجعل العباد كالملائكة منزهين عن الذنوب، بل خَلق فيهم من يميل بطبعه إلى الهوى، ثم كلفه توقيه، وعرفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفَّى فأجره على الله، وإن أخطأ فالتوبة بين يديه، وسر ذلك إظهار صفة الكرم والحلم والغفران". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رواه البخاري.

نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا ديننا، وبين لنا الحلال والحرام، بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، وحذر وأنذر، وقصَّ القصص، وضرب الأمثال.. ومع علمه صلى الله عليه وسلم بيقين أصحابه رضوان الله عليهم ويقيننا بصدقه، إلا أنه لجأ أحياناً للقَسَم والحلف في بعض المواقف والأمور العظام، ليوقظ الهمة، ويبين خطورة وأهمية الأمر الذي يقسم عليه. وقد كان قسمه صلوات الله وسلامه عليه إما على فضل وأهمية طاعة أو عمل صالح، فعلينا طاعته فيه وسرعة امتثالنا والتخلق به، وإما على أمر يحذرنا ويخشى علينا من خطره وعاقبته، فعندئذ يجب علينا الحذر من مغبة الوقوع فيما حذّرنا منه، وإما أن يكون قسمه وحلفه صلوات الله وسلامه عليه لتقرير أمر أو غرس معنى من معاني العقيدة في نفوسنا، فيجب علينا حينها الإيمان بما يخبرنا به ولو خالف عقولنا، لأنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.. ومِنْ هنا يتعلم الدعاة والمربون مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم أهمية أسلوب القسم، في جذب حواس المستمعين، وشحذ هممهم لما سيأتي بعد القسم والحلف، من أمور العقيدة والعبادة، والحلال والحرام، والجنة والنار، والفضائل والأخلاق، ومع ذلك ينبغي الإتيان به ـ القسم والحلف ـ في حينه وموطنه، وعدم الإفراط فيه، والإكثار منه.

https://www.islamweb.net/ar/article/233479

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

04 Jan, 10:08


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : أرأيت إذا صليت المكتوبات

➢ عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ، أن رجلا سأل رسول الله عليه وسلم فقال : أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ، قال : ( نعم ) رواه مسلم .

ومعنى حرّمت الحرام : اجتنبته ، ومعنى أحللت الحلال : فعلته معتقدا حلّه .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، جعل الغاية من ابتعاثه الرحمة بالخلق ، والإرشاد إلى أقصر الطرق الموصلة إلى رضى الربّ ، وإذا رأينا قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الحج : 107 ) ، تداعى إلى أذهاننا الكثير من الصور التي تؤكّد هذا المعنى ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدّخر جهدا في إنقاذ البشرية من الضلال ، وتبصيرهم بالهدى والحق .

وتحقيق هذا الهدف يتطلّب الإدراك التام لما عليه البشر من تنوّع في القدرات والطاقات ، إذ من المعلوم أن الناس ليسوا على شاكلة واحدة في ذلك ، بل يتفاوتون تفاوتا كبيرا ، فلئن كان في الصحابة من أمثال الصدّيق و الفاروق وغيرهم من قادات الأمة الذين جاوزت همتهم قمم الجبال وأعالي السحاب ، فإن منهم - في المقابل - الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السنّ ، وغيرهم ممن هم أدنى همّة وأقل طموحا من أولئك الصفوة .

ولذلك نرى - في الحديث الذي نتناوله - هذا الصحابي ، وقد أتى ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سؤال المشتاق إلى ما أعده الله تعالى لعباده المتقين في الجنة ، ومسترشدا عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها ، فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ".

إن هذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم بأشكال متعددة ، وعبارات متنوعة ، فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم ، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري .

ومما لا ريب فيه أن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي نحن بصدده - كان دقيقا في اختياره للمنهج الذي رسمه لنفسه ؛ فإنه قد ذكر الصلوات المكتوبات ، وهي أعظم أمور الدين بعد الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية خارج عن ملة الإسلام ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) .

وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو أحد أركان الإسلام العظام ، و مما أجمع عليه المسلمون ، وقد رتّب الله عليه أجراً كبيراً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما أحله الله في كتابه ، وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، واجتناب ما ورد في هذين المصدرين من المحرمات ، مكتفيا بما سبق ، غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

04 Jan, 10:08


ولسائل أن يسأل : لماذا لم يرد ذكر للحج والزكاة في الحديث ، على الرغم من كونهما من أركان الإسلام ، ولا يقلان أهمية عن غيرهما ؟ والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج منا إلى أن نعرف الفرق بين الحج والزكاة وبين غيرهما من العبادات ، فإن فرضيتهما لا تتناول جميع المكلفين ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، كما قال الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( آل عمران : 97 ) ، كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك النصاب، ونستطيع أن نقول أيضاً : إن هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فُرض في السنة الثامنة ، والزكاة وإن كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت عامة من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة ، ولعل هذا هو السر في عدم ذكرهما في الحديث .

وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام بهذا المنهج الواضح ، كاف لدخول الجنة ، وهذا يعكس ما عليه الإسلام من يسر وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت، فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في عباداته وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات البشر ، وهذا مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم .

لكن ثمة أمر ينبغي ألا نُغفل ذكره ، وهو أن التزام العبد بالطاعات وفق ما أمر الله به ، واجتناب المحرمات وتركها ، يحتاج إلى عزيمة صادقة ، ومجاهدة حقيقية للنفس ، وليس اتكالا على سلامة القلب ، وصفاء النية ، وليس اعتمادا على سعة رحمة الله فحسب ، لأن للجنة ثمنا ، وثمنها هو العمل الصالح كما قال الله تعالى : { وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ( الزخرف : 72 ) ، فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل ولابد .

وعلى أية حال فإنه يجب على الدعاة إلى الله أن يفهموا طبيعة هذا الدين ؛ حتى يتمكّنوا من تربية الناس على مبادئه ، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

https://www.islamweb.net/ar/article/70503

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Jan, 05:07


قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: "كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن"، ومن طريق علقمة: "جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟! فقال: ما على كل أحيانها تريد أن تراها"، ومن طريق مسلم بن نذير ـ بالنون مصغر ـ سأل رجل حذيفة: "أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيتَ ما تكره".

فائدة: قول (أنا) في الاستئذان وغيره:
عن جابر رضي الله عنه قال: (أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْن كان على أبي، فدققتُ الباب، فقال: من ذا؟ قلتُ: أنا، فقال: أنا، أنا، كأنه كرهها) رواه البخاري، وإنما كره ذلك لأن هذه الكلمة "أنا" لا يعرف صاحب البيت مِنْ خلالها مَنِ الذي يطرق بابه ويستأذن، قال ابن حجر: "قال المهلب: إنما كره قول: "أنا" لأنه ليس فيه بيان، إلا إن كان المستأذِن ممن يعرف المستأذَن عليه صوته ولا يلتبس بغيره، والغالب الالتباس".
والحكم على كلمة (أنا) ليس على إطلاقه، فأحياناً يجوز استعمالها، وأحياناً لا يجوز استعمالها، فلا يجوز استعمالها في أمر الاستئذان، لأنه لا يحصل بها المقصود من الاستئذان، ولذلك استنكرها وكرهها النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث جابر وقوله: (أنا، أنا؟!).. ولا يجوز أيضاً أن يستعملها الإنسان في الزهو، أو الفخر، نحو: أنا الذي عملتُ، وأنا الذي صنعتُ وما شابه ذلك من عبارات، ولذلك يقول ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "وليحذر كل الحذر من طغيان ثلاث كلمات: من طغيان: أنا، ولي، وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون.. فـ {أنَا خَيْرٌ مِنْهُ}(الأعراف: 12) لإبليس، و{لي مُلْكُ مِصْرَ}(الزخرف: 51) لفرعون، و{إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}(القصص: 78) لقارون".

ويجوز استخدام كلمة (أنا) في الكلام، ولا حرج من استعمالها في موضعها المناسب لها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا) في أحاديث كثيرة، مثل قوله: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) رواه البخاري. وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا ..) رواه مسلم. فقول أبي بكر (أنا) لا محذور فيه، لأنّه كان حاضراً في المجلس ويرونه، بخلاف ما لو كان في الاستئذان. وعن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ، قال: فجئتُ فقال: مَنْ هذا؟ قلتُ: أنا بريدة) رواه الحاكم. وفي البخاري مِنْ حديث أم هانيء: (فقلتُ: أنا أم هانيء). قال ابن القيم: "وأحسن ما وُضِعَت: "أنا" في قول العبد: أنا العبد المذنب المخطيء، المستغفر، المعترف ونحوه".

البيوت حَرَمٌ آمِن لأهلها وأصحابها، لا يدخلها أحد إلا بعلمهم وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه المسلم مِنْ آداب الاستئذان، وفي ثنايا التوجيهات والسنن النبويّة، يظهر لنا حرصه صلى الله عليه وسلم على حِفظ الأعراض والعورات، ومراعاة مشاعر الناس، واحترام خصوصياتهم..

https://www.islamweb.net/ar/article/232678

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Jan, 05:06


3 ـ السلام قبل الاستئذان:
عن ابن بريدة قال: (استأذن رجل على رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على الباب، فقال: أأدخل؟ ثلاث مرات، وهو ينظر إليه، فلم يأذن له، ثم قال: السلام عليكم، أأدخل؟ فقال: ادخل، ثم قال: لو قمتَ إلى الليل تقول: أأدخل؟ ما أذِنْتُ لك، حتى تبدأ بالسلام) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. وعن رِبْعي بن حِراش رضي الله عنه قال: حدثني رجل من بني عامر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: اخرجي فقولي له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فإنه لم يحسن الاستئذان، قال: فسمعتُها قبل أن تخرج إلي الجارية، فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ فقال: وعليك، ادخل. قال: فدخلت) رواه أحمد وصححه الألباني.

قال الألباني: "وفيه دليل صريح على أن مِنْ أدب الاستئذان في الدخول البدء بالسلام قبل الاستئذان، وفي ذلك أحاديث أخرى بعضها أصرح مِنْ هذا.. ويؤيده ما رواه البخاري في أدبه بسند صحيح عن عطاء عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: (لا يُؤْذن له حتى يبدأ بالسلام).

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام، قال الشنقيطي: "ولا يخفى أن ما صح فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم مُقَدَّم على غيره، فلا ينبغي العدول عن تقديم السلام على الاستئذان، وتقديم الاستئناس ـ الذي هو الاستئذان ـ على السلام في قوله: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا}(النور:27)، لا يدل على تقديم الاستئذان، لأن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، وإنما يقتضي مطلق التشريك".

وقال ابن كثير: "وقال العوفي عن ابن عباس: الاستئناس: الاستئذان. وكذا قال غير واحد".

4 ـ الاستئذان ثلاث مرات:
الاستئذان يكون ثلاث مرات، ويقول المُسْتَأْذِن في كل واحدة منها: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يؤذَن له عند الثالثة فليرجع، ولا يزد على الثلاث، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنتُ في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى رضي الله عنه كأنه مذعور، فقال: استأذنتُ على عمر ثلاثاً فلم يؤذَن لي، فرجعتُ، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذَن له فليرجع) رواه البخاري.

وعن قتادة في معنى قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}(النور:27) قال: هو الاستئذان ثلاثاً". وقال ابن عبد البر في التمهيد: "وقال بعضهم: المرة الأولى من الاستئذان: استئذان، والمرة الثانية: مشورة، هل يؤذن في الدخول أمْ لا؟ والثالثة: علامة الرجوع، ولا يزيد على ذلك على ثلاث"، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "وحكمة التعداد في الاستئذان أن الأولى: استعلام، والثانية: تأكيد، والثالثة: إعذار".

5 ـ رجوع المستأذِن إذا لم يؤذَن له:
اعتذار صاحب البيت عن الإذن بدخول المستأذِن إما أن يكون اعتذاراً ضمنياً، وإما أن يكون صريحاً، وقد دلّ قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا}(النور:28) على حالة الاعتذار الضمني، فربما كان صاحب البيت موجوداً في البيت، لكنه لم يشأ أن يرد على المستأذِن، أو يفتح له الباب، فيصدق على المستأذِن أنه لم يجد فيها أحداً، وفي حديث أبي سعيد: (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع) رواه البخاري.

أما الاعتذار الصريح إذا استأذن شخص ثلاثاً أو أقل وأجيب بقول صاحب الدار: ارجع، فالواجب أن ينصرف وهو على يقين أن هذا أفضل له، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}(النور:28). قال ابن كثير: "أي: إذا ردّوكم من الباب قبل الإذن أو بعده {فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} أي: رجوعكم أزكى لكم وأطهر"، وقال السعدي: "أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو مُتبرِِّع، فإن شاء أذِنَ أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكِبْر والاشمئزاز من هذه الحال، {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات".

6 ـ استئذان الأطفال والأبناء داخل البيت:
على الآباء أن يُعَوِّدوا أولادهم على الاستئذان، فإذا كان الهدْي النبوي أوجب الاستئذان لمن أراد أن يدخل بيت غيره، وحرَّم عليه أن يطلع على بيت غيره بدون إذن أهله، فقد أوجب كذلك الاستئذان في داخل البيت نفسه، كالاستئذان على الأم والأخت، لئلا تكون هناك عورة منكشفة، فعن عطاء بن يسار أن رجلا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (أستأذن على أمي؟ قال: نعم، فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذِن عليها، فقال الرجل: إني أخدمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، أتحب أن تراها عُرْيَانَة؟! قال: لا، قال: فاستأذِن عليها) رواه مالك في الموطأ، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهما..

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Jan, 05:06


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

آداب الاسْتِئْذان في الهَدْي النبَوي

الاسْتِئْذان هو طلب الإذن بالدخول لبيت لا يملكه المُسْتَأذِن، خوفاً من الاطلاع على العورات، أو وقوع النظر على ما لا يرغبه صاحب البيت، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(النور:27)، قال ابن كثير: "هذه آداب شرعية، أدَّب الله بها عباده المؤمنين"، وقال السعدي: "يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إنما جُعِل الاستئذان مِنْ أجل البصر)، فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده".

والاستئذان كما فيه صيانة لعِرْض الغير وعوراته وخصوصياته، فيه حفظ لمشاعر المستأذِن والمستأذَن عليه، سواء كان المستأذِن قريباً للمستأذَن عليه، أو أجنبياً عنه.. وهناك الكثير من الآداب النبوية التي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الاستئذان، منها: طريقة الاستئذان، وعدم وقوف المستأذن مقابل الباب، والسلام قبل الاستئذان، والاستئذان ثلاث مرات، ورجوع المُسْتَأْذِن إذا لم يؤذَن له، وإفصاح المستأذِن عن اسمه وعدم الاستئذان بقوله: أنا، واستئذان الأطفال والأبناء داخل البيت..

والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف التي علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه مِنْ خلالها آداب الاستئذان، ومِنْ ذلك:

1 ـ طريقة الاستئذان وقول السلام عليكم:
عن رِبْعِيِّ بن حِرَاشٍ قال: حدثنا رجل من بني عامر قال: (إنه أستأذَن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج ـ يعني: أأدخل ـ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، وقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له، فدخل) رواه أبو داود وصححه الألباني. وعن كلدة بن الحنبلي: (أن صفوان بن أمية بعثه بِلَبَنٍ وَجِدايَةٍ (ولد الظبي، بمنزلة الجدي من الغنم) وَضَغابِيسَ (القثاء الصغير) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلتُ عليه ولم أسَلِّم ولمْ أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليكم، أأدخل؟) رواه الترمذي وصححه الألباني.

2 ـ عدم وقوف المستأذِن مُقابِل الباب:
ينبغي ألاّ يقف المُسْتَأذِن مقابل الباب إذا كان الباب مفتوحاً، وكذلك إذا كان مغلقاً خشية أن يُفتح له فيرى من أهل المنزل ما لا يحبون أن يراه، وهذا بخلاف ما لو كان الباب عن يمينه، أو عن يساره، فإنه إذا فتح الباب لا يرى ما في داخل البيت. فعن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور) رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: (جئتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ، فقمتُ (وقفت) مقابل الباب فاستأذنتُ، فأشارَ إلَيَّ أن تباعد، ثم جئتُ فاستأذنتُ، فقال: وهل الاستئذان إلا من أجل النظر؟!) رواه الطبراني.

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحِلُّ لامرئٍ مسلمٍ أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل (أي: إذا نظر بعينه فكأنه دخل)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وعن هُزَيْل بن شُرْحَبيل قال: (جاء رجل فوقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن مُسْتَقْبِل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا عنك؟ فإنما الاستئذان من أجل النظر) رواه أبو داود وصححه الألباني.

فالمستأذِن لا يقف أمام البيت، ويقف بجانبه، بحيث يراعي حُرْمَة البيت، فإذا فتح الباب فلا يرى شيئاً في داخل البيت، وفي نفس الوقت لا يذهب المُسْتَأْذِنُ بعيداً عن الباب تماماً، لأنه ربما لا يسمعه أو يراه المستأذَن عليه.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Jan, 06:50


ويصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيقول: (كان صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر (كان وَجهُه مِثلَ الشَّمسِ والقَمر، في قُوَّةِ الضِّياء وكَثرَة النُّور)، وكان مستديرا) رواه البخاري. ويؤكد أبو هريرة رضي الله عنه وصف جابر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (ما رأيتُ شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه) رواه الترمذي.

ويصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَم وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "(ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أحسن الناس ثَغْراً (فمَاً)) رواه ابن حبان. وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبيض مليحا مُقَصَّدًا) رواه مسلم.

والمرادُ بالمَلاحة: مَلاحةُ الوَجه في صَفاء اللَّون، وكان صلى الله عليه وسلَّمَ مُقَصَّدًا، أي: وَسَطًا ليسَ بجَسيمٍ ولا نَحيفٍ، ولا طَويلٍ ولا قَصيرٍ، وهو مِن جَمالِ خِلقتهِ صلى الله عليه وسلم..

ويصفه أبو بكر رضي الله عنه فيقول:
أمينٌ مصطفىً للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام
ويُقبِّله بعد موته ويقول: (طِبْتَ حياً وميتاً يا رسول الله) رواه البخاري.

ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم:
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

وكان جمال النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقي مقرونا بالإجلال والإكبار، لقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: (وما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ولا أجَلَّ في عَيْنِي منه، وما كُنْتُ أُطِيقُ أنْ أمْلأَ عَيْنَيَّ منه إجْلالًا له، ولو سُئِلْتُ أنْ أصِفَهُ ما أطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أكُنْ أمْلأُ عَيْنَيَّ منه) رواه مسلم.

اختص الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بجمال خَلْقِهِ وكمال خُلُقِه، وفطره على صفات عظيمة ـ خَلْقِية وخُلُقية ـ لا تُعرف لأحدٍ غيره، فالذين عاشروه أحبوه لما رأوا مِن جمال خَلقه وعظيم خُلُقِه، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فِطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خَلقا وخُلُقا؟! وقد قال الله عز وجل عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)..

https://www.islamweb.com/ar/article/236806

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Jan, 06:50


وفي "ألفية السيرة النبوية" للحافظ العراقي، قال فيه عن وصف أم معبد للنبي صلى الله عليه وسلم:
تقولُ فيهِ بِلِسَانٍ نَاعِتِ أبْلَجُ وجهٍ ظَاهرُ الوضَّاءَةِ
الخَلْقُ مِنْهُ لمْ تَعِبْهُ ثَجْلَهْ كَلاَّ ولَمْ تُزْرِ بهِ مِنْ صَعْلَهْ
أَدَعْجُ والأهدابُ فيها وَطْفُ مِنْ طولِها أو غَطَفٌ أوَ عَطْفُ
والجِيدُ فيهِ سَطَعٌ، وَسِيمُ والصَّوْتُ فيهِ صحل، قسيم
كيثف لِحْيةٍ، أَزَجُّ، أَقْرَنُ أَحْلاه مِنْ قُرْبٍ لَهُ وأحسن
أجمله من بعد وأبهى يَعْلُوهُ إذْ ما يَتَكَلمُ الْبَهَا
كذاكَ يَعْلُوهُ الوقار إن صمت منطقه كخرز تحدّرت
فَصْلُ الكلامِ ليسَ فيه هَذرُ حُلوُ المَقَالِ ما عَرَاهُ نَزْرُ
لا بَائِنٌ طولا، ولا يُقْتَحَمُ مِنْ قِصَرٍ، فهْوَ عَلَيهِمْ يَعظُمُ
بِنَضْرَةِ المَنْظَرِ والمِقدَارِ تَحُفُّهُ الرِّفْقَةُ بائتِمَارِ
إنْ أُمِروا تَبَادَروا امْتِثَالا أو قالَ قَولاً أنْصَتوا إجْلالا
فَهْوَ لدَى أصحابِهِ مَحْفودُ أيْ: يُسْرِعونَ طَاعَةً، مَحْشودُ
ليسَ بعابِسٍ، ولا مُفنِّدِ بِذَاكَ عَرَّفَتْهُ أمّ معبد
ناعت: واصف. الأبلج: الأبيض الحسن الواسع الوجه. الثجلة: عظم البطن واسترخاؤه، الصعلة -بفتح الصاد وإسكان العين المهملة -: الدقة والنحول والخفة في البدن. الوطف: كثرة شعر الأهداب مع استرخاء وطول. الغطف والعطف والوطف بمعنىّ، وقول المصنف (أو) يشير إلى روايات أخرى فيها الغطف والعطف مكان الوطف. الجيد: العنق. السطع: الطول والارتفاع. الصحل: بحة في الصوت. قسيم - من القسامة - وهي: الحُسن والجمال. أزج - من الزجج - وهو: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. أقرن - من القرن - وهو: التقاء الحاجبين. الخرز- جمع خرزة -: وهي التي تنظم في السلك ليتزين بها.

وصْف النبي صلى الله عليه وسلم بعيون بعض أصحابه:
مِن دلالات حب الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم، نقلهم لنا وصفه حتى كأننا نراه، ومما جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم من بعض أصحابه:

عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: (كان صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية، وَكنتُ إذا نظرتُ إليهِ قلتُ أَكحلُ العينينِ وليس بأَكحل). وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان رَبْعَةً من القوم (ليس بالطويل ولا بالقصير)، أزْهر اللون (أبْيضَ مُشرَبًا بحُمْرةٍ)، ليس بأبيض أمهق (شديد البياض) ولا آدم (أسود)) رواه البخاري. ويصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه حُمرة) رواه البيهقي. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا ً(مُتوسِّطَ القامةِ بيْن الطَّويلِ والقَصير)، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه (عَريضَ أعْلى الظَّهرِ، شَعرُ رَأسِه طَويلٌ يَبلُغُ شَحْمةَ أُذُنَيه)) رواه البخاري.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Jan, 06:50


أم مَعْبَد تصف النبيَّ صلى الله عليه وسلم:
روى البيهقي والحاكم والطبراني وغيرهم عن حُبيش رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فُهيرة رضي الله عنه ودليلهما الليثي عبد الله بن أُرَيْقِط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (كهلة كبيرة السن)، جلدة (قوية وعاقلة)، تحتبي (تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى على ركبتيها)، بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين (نفذ زادهم)، مُسنتين (داخلين في جدب ومجاعة وقحط)، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر (جانب) الخيمة، خلّفها الجَهْد (المشقة والهزال)عن الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي، إنْ رأيتَ حلبا (لبنا في الضرع، فاحلبها)، فدعا بالشاة فاعتقلها (وضع رجلها بين ساقه وفخذه)، ومسح ضرعها وسمّى الله - وفي رواية: ودعا لها في شائها -، فتفاجّت (فتحت ما بين رجليها كما هو شأن الغنم إذا حلبت)، ودرّت، ودعا بإناء يربض (يشبع ويروي) الرهط (الجماعة)، فحلب فيه ثجّا (كثيرا)، وسقى القوم حتى رووا، وسقى أم معبد حتى رويت، ثم شرب آخرهم، وقال: ساقي القوم آخرهم شربا، ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل (النهل: الشربة الأولى، والعلل: الشربة الثانية)، ثم حلب فيه آخرا، وغادره عندها ثم ركبوا، وذهبوا.. فقلما لبث أن جاء أبو معبد زوجها يسوق أعنزا عجافا (هزالا)، يتساوكن هزلا (يتمايلن في مشيتهن من الهزال والضعف) لا نقي بهن (مخهن قليل)، فلما رأى اللبنَ أبو معبد عَجِبَ، وقال: ما هذا يا أم معبد؟ أنّى لك هذا؟! والشاء عازب (بعيدة المرعى)، حيال (ليس بها حمل) ولا حلوب (ذات لبن) بالبيت، فقالت: لا ـ والله ـ، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك فمِنْ حاله كذا، وكذا (كناية عما رأته)، فقال: صفيه يا أم معبد، فقالت:

رأيتُ رجلا ظاهر الوَضَاءَة (الحُسن والبهجة)، أبْلج الوجه (مشرقه)، حَسن الخَلْق، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ (عظم البطن)، وَلَمْ تُزْرِيه صُعْلَةٌ ( صغر الرأس)، وسيم قسيم (حسن جميل)، في عينيه دَعَجٌ (شدة سواد العينين)، وفي أشفاره (رموش عينيه) وَطَفٌ (طول وغزارة )، وفي صوته صَحَل (بحة خفيفة فليس في صوته غلظ)، أحور(شدة بياض العينين، وشدة سواد سوادهما)، أكحل (سواد في أجفان العينين)، أَزَجُّ (دقيق الحاجبين في طول)، أَقْرَنُ (مقرون الحاجبين)، شديد سواد الشعر، في عنقه سطح (ارتفاع وطول)، وفي لحيته كثاثة (غزارة من غير دقة)، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن (كلامه متناسق، ومتصل بعضه ببعض، فأشبه في تناسقه الدُرر)، حلو المنطق، فصْل (يفصل الحق من الباطل)، لا نزر(قليل)، ولا هذر (كثير الكلام، فهو وسط بين هذا وذاك)، أجهر الناس (أرفعهم صوتا من غير إفراط مع الوضوح)، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب (أفردت الضمير حملا على لفظ الناس)، رَبْعة (ليس بالطويل ولا بالقصير) لا تشنؤه من طول (لا يٌبغض لفرط طوله)، ولا تقتحمه (لا تتجاوزه إلى غيره ازدراء له وإعراضا) عين من قِصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به (يحيطون به)، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا لأمره (تسابقوا إلى امتثاله)، محفود (مخدوم)، محشود (يجتمع الناس له)، لا عابس (مقطب الوجه)، ولا مفنّد( يكثر من اللوم)). وفي رواية قالت: (أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُه وَأَجْمَلُه مِنْ قَرِيب).

لقد حلت البركة والخير على أم معبد وأهلها ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا في شدة وضيق، وجدب وقحط أوشكوا منه على الهلاك، وفي هذه القصة ـ وفي حلبه صلى الله عليه وسلم للشاة المجهدة وإدرار اللبن منها ـ معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودليل من دلائل نبوته، مما جعل أبا معبد عند مشاهدته لذلك يقول كما ذكر ابن القيم في "زاد المعاد": "قال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممتُ أن أصحبه، ولأفعلنَّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلا".

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Jan, 06:50


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

النبيُّ صلى الله عليه وسلم كأنَّك تَرَاه

في طريق الهجرة النبوية مِن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم مَعْبَدٍ في قديد (مكان بعيد عن الطريق) حيث مساكن خزاعة، وكان له معها قصة تناقلها الرواة وأصحاب السِيَر، وأبرز ما فيها وصف أم معبد رضي الله عنها الدقيق للنبي صلى الله عليه وسلم رغم قِصر مدة رؤيتها له.. وأم مَعْبَد هي عاتكة بنت كعب الخزاعية، وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وممن روى قصتها بطولها الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك وابن هشام في السيرة النبوية، والبيهقي في دلائل النبوة، وقال عنها ابن كثير:

"وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا". وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "الإصابة" أم معبد مِن جملة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "أم معبد الخزاعية التي نزل عليها النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا هاجر، مشهورة بكنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد".

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

01 Jan, 09:25


4 ـ رفقه بشاب يستأذن في الزنا:
عن أبي أُمَامة رضي الله عنه قال: (إن فتى شابا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مَهْ مَهْ (أي: اسكت وانزجر)، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) رواه أحمد. رواه أحمد. وفي رواية أخرى: وقال: (اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه - الزنا -). في هذا الموقف النبوي مع هذا الشاب الذي يستأذن في الزنا أساليب كثيرة منها: الرفق واللين مع المخطئ، وعدم ترويع السائل الجاهل، وطلب دنو السائل واقترابه، ومنها: الإقناع العقلي، والدعاء للسائل والمخطئ، وهذا ما يغفل عنه الكثير من الآباء والدعاة والمربين، فالدعاء للعاصي في مواجهته يشعره بحرص الداعي عليه، وحبه له، ورغبته في هدايته، مما يصلح مِن أمره ويقرِّبه إلى الله عز وجل..

لا شك أن الواقع في الخطأ والإساءة له حق علينا، يتمثل في نصحه وتوجيهه، بحكمة ورفق، فالله عز وجل يعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة والعنف، وسيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وحياته مليئة بمواقفه التربوية والمضيئة بالرفق مع العصاة والمخطئين، والتي ينبغي أن نقتدي بها في دعوتنا للناس وتعاملنا مع الآخرين، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في رفقه وفي أخلاقه كلها، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب:21) . قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف: وإنك لعلى خلق عظيم
https://www.islamweb.net/ar/article/237232

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

01 Jan, 09:25


لقد عظّم النبي صلى الله عليه وسلم شأن الرفق في الأمور كلها، وبين ذلك بفعله وقوله بيانًا شافيًا كافيًا، لكي تعمل أمته به في أمورها كلها، وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل والمُرَبين، فإنهم أوْلى الناس بالرفق في دعوتهم وتعليمهم وتربيتهم، وفي جميع أحوالهم. والرفق يدخل في تعامل الإنسان مع زوجته وأولاده، وأهله وأقاربه، وأصحابه وجيرانه، بل ومع المخطئين والمسيئين.. ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم في رفقه بمن أخطأ وأساء كثيرة، ومنها:

1 ـ رفقه مع مَن تكلم في الصلاة:
عن معاوية بن الحكم السُلمي رضي الله عنه قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إذ عطس رجل من القوم، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم (أسرعوا في الالتفات إلي، ونفوذ البصر فيَّ)، فقلتُ: واثكل أمياه (الثُّكل فقدان المرأة ولدَها، وحزنُها عليه لفقدِه، والمعنى: وَافَقْدَها لي فإنِّي هلكتُ)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني (ما انتهرني ولا عَبَس في وجهي) ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "فيه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعليم مِن الرفق بالجاهل". وقال النووي: "فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم، وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه".

2 ـ رِفقه بِمَن بال في المسجد:
مِن طبيعة الإنسان التي خُلق عليها الخطأ والنسيان، ولا أحد في هذه الحياة مهما علا شأنه يخلو من خطأ، فلا عِصمَةَ لأحَدٍ إلَّا الأنبياء والرسل، ولذلك كان على الإنسانِ إذا وَقَعَ في خَطَأٍ أو مَعصيةٍ أنْ يُبادِرَ بالعَودَة والتَّوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّ بني آدم خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائين التَّوابون) رواه الترمذي. والمخطئ أحيانا لا يشعر أنه أخطأ، فينبغي أن نزيل الغشاوة عن عينيه ـ برفق ـ ليعلم أنه أخطأ. عن أبى هريرة رضي الله عنه: (دخلَ أعرابِيٌّ المسجِد، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم جالِس، فصلَّى، فلما فرغَ (انتهى من صلاته) قال: اللهمَّ ارحمني ومحمدًا ولَا ترحمْ معنا أحدًا، فالتفَتَ إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: لقدْ تَحَجَّرْتَ واسعًا، فلم يلبثْ أنْ بالَ في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي صلى اللهُ عليه وسلّم: أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ، أوْ دلْوًا مِنْ ماء، ثُمَّ قال: إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرين ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّريْن) رواه الترمذي.
(لقد تَحجَّرتَ واسِعًا) أي: منَعتَ وضيَّقتَ أمرًا جعَل اللهُ فيه السَّعةَ، ألَا وهو رحمة اللهِ عزَّ وجلَّ الَّتي تشمَلُ كلَّ عبادِه الموحِّدين.. قال ابن حجر: "وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا". وقال النووي: " وفيه الرّفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافاً أو عناداً، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما".

3 ـ رفقه وحِلمه بالأعرابي الذي جذبه مِن ملابسه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نَجْرَاني (نَوعٌ مِنَ الثِّياب نِسْبَة إلى نَجْران باليمن) غليظ الحاشية (غليظُ الجانب)، فأدركه أعرابي، فجبذه جبذة شديدة (فأمسكه من ثوبِه بشِدَّة)، حتى نظرتُ إِلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَثَّرَتْ بها حاشية البرد، من شدة جَبْذته، قال: يا مُحمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر له بعطاء) رواه البخاري. قال النووي: "فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله.. وفيه كمال خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وحلمه وصفحه الجميل".

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

01 Jan, 09:20


مواقف نبوية في الرِفْقِ مَع المُخْطِئ

الرِفْقُ هو لِين الجانب بالقول والفعل، والتلطف في اختيار الأسلوب والكلمات، والأخذ بالأسهل الذي لا يتعارض مع الشرع، وترك التعنيف والشدة مع الناس وإن كانوا مخطئين.. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقًا، ليِّنَ الجانب في القول والفعل، يدعو إلى الرفق في الأمر كله، ويُثني على من يتصف به، ويبين عظيم ثوابه، ويأخذ بالأيسر رفقا بأمته، وقد وصفه الله عز وجل بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159).

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم، مُمْتنَّاً عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجْرِه، وأطاب لهم لفظه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي: أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم. قال قتادة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} يَقُولُ: فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ.. وقال الحسن البصري: هذا خُلُق مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به. وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التَّوْبة:128)". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرفقَ لا يكون في شيء إلا زانه (أَكمَلَه وزيَّنه)، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه (عابَه وجَعَله قَبيحًا)) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يحبُّ الرفقَ في الأمرِ كلِّه) رواه مسلم.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

29 Dec, 06:31


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : إذا لم تستح فاصنع ما شئت

➢ عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت )* رواه البخاري .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

الحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة صاحبه وطهارة روحه ، ولئن كان الحياء خلقا نبيلا يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة من شعب الإيمان التي تقود صاحبها إلى الجنة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ) رواه أحمد والترمذي .

والحق أن الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ، ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ، ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ، ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛ ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غيرما موضع من النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته .

وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه ، حتى قال عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ذلك : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ) ، وهكذا نشأ الأنبياء جميعا على هذه السجيّة ، فلا عجب إذا أن يصبح الحياء هو الوصية المتعارف عليها ، والبقية الباقية من كلام النبوة الأولى ، والتي يبلغها كل نبي لأمته .

وللحياء صور متعددة ، فمنها : حياء الجناية ، ومعناه : الحياء من مقارفة الذنب مهما كان صغيراً ، وذلك انطلاقا من استشعار العبد لمخالفته لأمر محبوبه سبحانه وتعالى ، ومن هذا الباب اعتذار الأنبياء كلهم عن الشفاعة الكبرى حينما يتذكرون ما كان منهم من خطأ - وإن كان معفوا عنه - ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول :

إذا ما قــــال لــي ربي أما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب من خلقي وبالعـصيــان تأتينــــي

فـما قـولي لـه لــمـــــــا يعاتـبـنــي ويُقـصـيـني

وهناك نوع آخر من الحياء ، وهو الحياء الذي يتولد من معرفة العبد لجلال الرب ، وكمال صفاته ، ويكون هذا الحياء دافعا له على مراقبة الله على الدوام ؛ لأن شعاره هو قول القائل : " لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى عظم من عصيته " .
ويمكن أن يُضاف نوع ثالث ، وهو حياء النساء ، ذلك الحياء الذي يوافق طبيعة المرأة التي خُلقت عليها ، فيزيّنها ويرفع من شأنها ،واستمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول : " كنت أدخل بيتي الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي ، فأضع ثوبي – أي أطرحه - فأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دُفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي ؛ حياء من عمر " .

فإذا اكتمل الحياء في قلب العبد ، استحيا من الله عزوجل ومن الناس ، بل جرّه حياؤه إلى الاستحياء من الملائكة الكرام ، ولهذا جاء في الحديث : ( من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) رواه مسلم .

لقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في سلوكيات عملية ، تدرّب المرء على هذا الخلق النبيل ، فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استحيوا من الله حق الحياء ) ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ، قال : ( ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) رواه الترمذي ، وهذا التصوير النبوي لخلق الحياء ، يدلّنا ويرشدنا إلى أسباب وصول أمتنا لهذا المستوى من الذلّ والمهانة ، إننا لم نستح من الله حق الحياء ؛ فأصابنا ما أصابنا ، ولو كنا على المستوى المطلوب من خلق الحياء ، لقدنا العالم بأسره ، فالحياء ليس مجرّد احمرار الوجه وتنكيس الرأس ، بل هو معاملة صادقة ، وإخلاص تام في حق الخالق والمخلوق .

ولعل مما يحسن التنبيه إليه في هذا الباب أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بحجة الحياء من الناس - قصور في الفهم ، وخطأ في التصوّر ؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير ، والنبي صلى الله عليه وسلم على شدة حيائه ، كان إذا كره شيئا عُرف ذلك في وجهه ، ولم يمنعه الحياء من بيان الحق ، وكثيرا ما كان يغضب غضبا شديدا إذا انتُهكت محارم الله ، ولم يخرجه ذلك عن وصف الحياء .

وبعد: فهذه جولة سريعة مع خلق الحياء ، عرفنا فيها معالمه وفضائله ، وصوره وجوانبه ، وجدير بنا أن نحرص على هذا الخلق النبيل ، وأن نجعله شعار لنا حتى نلقى ربنا الجليل .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

https://www.islamweb.net/ar/article/75077

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

28 Dec, 06:52


وللاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع ، فهي باب من أبواب الخير ، وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب ، بل تشمل كل من حوله ، ويفهم هذا من قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } ( الجن : 16 ) ، وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي بهم مطاف الحياة ، وهم ثابتون على كلمة التوحيد ، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا ، كما قال الله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم } ( فصلت : 30-32 ) .

وإذا أردنا أن تتحقق الاستقامة في البدن فلا بد من استقامة القلب أولا ، لأن القلب هو ملك الأعضاء ، فمتى استقام القلب على معاني الخوف من الله ، ومحبته وتعظيمه ، استقامت الجوارح على طاعة الله ، ثم يليه في الأهمية : استقامة اللسان ، لأنه الناطق بما في القلب والمعبّر عنه ، نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

https://www.islamweb.net/ar/article/70177

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

28 Dec, 06:52


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : قل آمنت بالله ثم استقم

عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي ، رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك ، قال : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) رواه مسلم في صحيحه .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

إن غاية ما يتطلع إليه الإنسان المسلم ، أن تتضح له معالم الطريق إلى ربّه ، فتراه يبتهل إليه في صلاته كل يوم وليلة أن يهديه الصراط المستقيم ، كي يتخذه منهاجا يسير عليه ، وطريقا يسلكه إلى ربه ، حتى يظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة .

ومن هنا جاء الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله رضي الله عنه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتهز الفرصة ليسأله عن هذا الشأن الجليل ، فجاءته الإجابة من مشكاة النبوة لتثلج صدره ، بأوضح عبارة ، وأوجز لفظ : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) .

إن هذا الحديث على قلة ألفاظه ، يضع منهجا متكاملا للمؤمنين ، وتتضح معالم هذا المنهج ببيان قاعدته التي يرتكز عليها ، وهي الإيمان بالله : ( قل آمنت بالله ) ، فهذا هو العنصر الذي يغير من سلوك الشخص وأهدافه وتطلعاته ، وبه يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لتقبل أحكام الله وتشريعاته ، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته ، فيعيش آمنا مطمئنا ، ناعما بالراحة والسعادة ، قال الله تعالى مبينا حال المؤمن : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ( الأنعام : 122 ) ، فبعد أن كان خاوي الروح ، ميّت القلب ، دنيوي النظرة ، إذا بالنور الإيماني يملأ جنبات روحه ، فيشرق منها القلب ، وتسمو بها الروح ، ويعرف بها المرء حقيقة الإيمان ومذاقه.

فإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان ، وتمكنت جذوره في قلبه ، استطاع أن يثبت على الحق ، ويواصل المسير ، حتى يلقى ربّه وهو راض عنه ، ثم إن ذلك الإيمان يثمر له العمل الصالح ، فلا إيمان بلا عمل ، كما أنه لا ثمرة بلا شجر ، ولهذا جاء في الحديث : ( ثم استقم ) فرتّب الاستقامة على الإيمان ، فالاستقامة ثمرة ضرورية للإيمان الصادق ، ويجدر بنا في هذا المقام أن نستعرض بعضاً من جوانب الاستقامة المذكورة في الحديث .

إن حقيقة الاستقامة ، أن يحافظ العبد على الفطرة التي فطره الله عليها ، فلا يحجب نورها بالمعاصي والشهوات ، مستمسكا بحبل الله ، كما قال ابن رجب رحمه الله : " والاستقامة في سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها : الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها " ، وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم : 30 ).

وقد أمر الله تعالى بالاستقامة في مواضع عدة من كتابه ، منها قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } ( هود : 112 ) ، وبيّن سبحانه هدايته لعباده المؤمنين إلى طريق الاستقامة ، كما قال عزوجل : { وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم } ( الحج : 54 )، وجعل القرآن الكريم كتاب هداية للناس ، يقول الله تعالى في ذلك : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ( إبراهيم : 1 ).

ولئن كانت الاستقامة تستدعي من العبد اجتهاداً في الطاعة ، فلا يعني ذلك أنه لا يقع منه تقصير أو خلل أو زلل ، بل لا بد أن يحصل له بعض ذلك ، بدليل أن الله تعالى قد جمع بين الأمر بالاستقامة وبين الاستغفار في قوله : { فاستقيموا إليه واستغفروه } ( فصلت : 6 ) ، فأشار إلى أنه قد يحصل التقصير في الاستقامة المأمور بها ، وذلك يستدعي من العبد أن يجبر نقصه وخلله بالتوبة إلى الله عزوجل ، والاستغفار من هذا التقصير ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : ( استقيموا ولن تحصوا ) رواه أحمد ، وقوله أيضا : ( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري .

والمقصود منه المحاولة الجادة للسير في هذا الطريق، والعمل على وفق ذلك المنهج على قدر استطاعته وإن لم يصل إلى غايته، شأنه في ذلك شأن من يسدد سهامه إلى هدف ، فقد يصيب هذا الهدف ، وقد تخطئ رميته ، لكنه بذل وسعه في محاولة تحقيق ما ينشده ويصبو إليه .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Dec, 05:11


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث: من أحدث في أمرنا هذا

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )* رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : *( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )* .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدين خاتم الأديان ، وآخر الشرائع ، ليتخذه الناس منهاجا لهم ، وسبيلا إلى ربهم ، ومن هنا جاءت تعاليمه شاملة لجوانب الحياة المختلفة، فلم تترك خيرا إلا دلت البشريّة عليه ، ولا شرا إلا حذّرت منه ، حتى كملت الرسالة بموت نبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة : 3 ) .


وبتمام هذا الدين ، لم يعد هناك مجال للزيادة فيه ، أو إحداث شيء في أحكامه ؛ لأن الشارع قد وضّح معالم الدين ، وجعل لأداء العبادات طرقا خاصة في هيئتها وعددها ، وفي زمانها ومكانها ، ثم أمر المكلّف بالتزام هذه الكيفيات وعدم تعدّيها ، وجعل الخير كل الخير في لزوم تلك الحدود والتقيد بتلك الأوامر ، حتى تكون العبادة على الوجه الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى .

إن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يتركا سبيلا لقول قائل أو تشريع مشرّع، ومن رام غير ذلك ، وزعم قدرته على الإتيان بما هو خير من هدى الوحيين مما استحسنه عقله ، وأُعجب له فكره ، فهو مردود عليه .

هذه هي القضية التي تناولها الحديث ، وأراد أن يسلط الضوء عليها ، فكان بمثابة المقياس الذي يُعرف به المقبول من الأعمال والمردود منها ، مما جعل كثيرا من العلماء يولون هذا الحديث اهتماماً ودراسةً ، ويعدّونه أصلا من أصول الإسلام .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) ، إنه النهي عن كل طريقة مخترعة في الدين ، والتحذير من إدخال شيء ليس فيه من الأمور العباديّة ؛ ولذلك قال هنا : ( في أمرنا ) ، فأمر الله : هو وحيه وشرعه ، كما قال الله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ( الشورى : 52 ) .

وعليه : فإن كل عبادة لا بد أن تكون محكومة بالشرع ، منقادة لأمره ، وما سوى ذلك فإنه مردود على صاحبه ، ولو كان في نظره حسنا ، إذ العبرة في قبول العمل عند الله أن يكون صواباً موافقاً لأمره ، وهذا الاعتبار يدلّ عليه قول الله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ، يقول الفضيل بن عياض : " إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة " .

وفي ضوء ذلك ، فليس أمام المكلّف سوى أحد طريقين لا ثالث لهما : طريق الوحي والشرع ، وطريق الضلال والهوى .

إن من ضلّ وابتدع ، وأدخل في دين الله ما ليس منه ، هو في حقيقته قادح في كمال هذا الدين وتمامه ، لأن مقتضى الزيادة في الدين الاستدراك على ما حوته الشريعة ، فكأنه جاء بفعله هذا ليكمل الدين .

ومن ناحية أخرى فإن من أتى ببدعة محدثة لم يحقّق شهادة أن محمدا رسول الله - والتي تقتضي اتباع سنته وعدم الحيدة عنها -، كما قال تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ( الأنعام : 153 ) .

وثمّة ملمح مهم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ) ، وهو أن البدعة هي ما كانت في العبادات ، بخلاف ما أُحدث في حياة الناس من أمور الدنيا كالصناعات والمخترعات ، وتدوين الكتب وإصلاح الطرق ، وما أشبه ذلك من أمور الدنيا ، فهي وإن كانت " محدثة " من ناحية اللغة ، ولكنها لا تدخل في الإحداث المذموم ، بدلالة القيد المذكور في نص الحديث : ( أمرنا ) .

كذلك في قوله : ( ما ليس منه ) إيماء إلى أن الإحداث المنهيّ عنه هو ما كان خارجا عن الهدي والسنة ، بخلاف ما ظنّه الناس بدعة مذمومة بينما هو سنّة مهجورة ، وهذا يحدث كثيرا لاسيما مع وجود الجهل بين الناس وغربة الدين ، وهذا يدعونا إلى عدم التسرّع في إطلاق الحكم على العبادات حتى نتأكّد من عدم ورود الدليل المعتبر على فعلها .

وختاما : فسبيل الله واحد ، واضح المعالم ، كالمشكاة المنيرة ، إذا اقتربت منها أحدٌ أنارت له السبيل ، وتبيّنت له معالم الطريق ، وإن ابتعد عنها تخبّط في ظلمات الجهل ، وتردّى في دركات الهوى ، فما على المسلم إلا أن يتعلّم الدين ويتقيّد بتعاليمه إن أراد النجاح والفلاح .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

https://www.islamweb.net/ar/article/78249/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%86%D8%A7-%D9%87%D8%B0%D8%A7

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

23 Dec, 07:18


ومن خلال ما سبق ، يتبين لك أيها القاريء الكريم خطأ كثير من المسلمين ، الذين يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ، فتراه يصوم مع الناس إذا صاموا، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة الذنوب ، وارتكاب المعاصي ، ناسيا - أو متناسيا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرشدا أمته : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي ، ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما قال الحسن البصري رحمه الله : " ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه " .

ومن دلالات هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عزوجل : { إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل } ( الطارق : 13-14 ) ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما يشغله عن هذا الهدف الذي جعله نُصب عينيه.

وحتى يرسّخ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ، واختلفت على أنبيائها ، فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ، وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ، فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .

وأخيراً : نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله أولا وآخرا .
https://www.islamweb.net/ar/article/59065/%
《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

23 Dec, 07:18


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

➢ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : *( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم )* رواه البخاري ومسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

لقد ارتضى الله سبحانه للبشرية الإسلام دينا ، وجعله الدين الخاتم الذي لا يُقبل من أحدٍ سواه ، وكان من سمات هذا الدين قوامه على الأوامر والنواهي ، فهو يأمر بكل فضيلة ، وينهى عن كل رذيلة ، ومن هنا جاء هذا الحديث ؛ ليبين الموقف الصحيح تجاه هذه الأوامر والنواهي.

وقد جاء في صحيح مسلم بيان سبب ورود هذا الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا )، فقال رجل : أكلُّ عام يا رسول الله ؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ) ثم قال : ( ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) ، وفي رواية أخرى : ( ذروني ما تركتكم ) ، فأرشد صحابته إلى ترك السؤال عما لا يُحتاج إليه .

ولا يُفهم من النهي عن كثرة السؤال ، ترك السؤال عما يحتاجه المرء ، فليس هذا مراد الحديث ، بل المقصود منه النهي عن السؤال عما لا يحتاجه الإنسان مما يكون على وجه الغلو أو التنطّع ، أو محاولة التضييق في أمرٍ فيه سعة .

وإذا نظرت إلى منهج الصحابة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أسئلتهم على قسمين :

القسم الأول : السؤال عما قد وقع لهم ، أو أشكل عليهم ، فمثل هذه الأسئلة مأمور بها شرعا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بسؤال أهل العلم ، وها هم الصحابة رضوان الله عليهم قد ترجموا هذا الأمر عمليا ، فقد سألوا عن الفأرة التي سقطت في سمن ، وسألوا عن متعة الحج ، وسألوا عن حكم اللقطة ، إلى غير ذلك .

القسم الثاني : سؤالهم عما يتوقعون حصوله فعلا ، ومن ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مُدى ، فقال : ( ما أنهر الدم ، وذكر عليه اسم الله فكُل ، ليس السن والظفر ) ، ومن ذلك أيضا سؤالهم عن الصلاة أيام الدجال ، عندما يكون اليوم كالسنة ، فأجابهم : ( اقدروا له قدره ) .

وفي الحديث إرشاد للمسلم إلىكيفية التعامل مع الأحكام والنصوص الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أم مكروها ، وتأكيدا للمعنى السابق جاء التعبير بلفظة ( اجتنبوا ) ، فهي لفظة تعطي معنى المباعدة ، فكأنك تكون في جانب ، والمعاصي في الجانب الآخر ؛ لذلك هي أبلغ في معنى الترك .

أما فيما يتعلق بالأوامر ، فلم نُكلف إلا بما نستطيع ، وما يدخل في حدود الطاقة ، فإذا عجز المكلّف عن أمرٍ ، جاءه الشرع بالتخفيف ، وهذا يدل على يسر الإسلام وسماحته ، كما قال الله عزّوجل : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ( البقرة : 185 ) ، وانطلاقا من هذا المعنى ، استنبط العلماء قاعدة فقهيّة مهمة ، وهي قاعدة : ( المشقة تجلب التيسير ) ، وجعلوها مبدأ ترتكز عليه كثير من الأحكام الفقهيّة .

والملاحظ هنا أن الشريعة قد شددت في جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ، بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء تسعى دائما للحد من وقوع الشر ، والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عزوجل ، ولذلك يقول الله تعالى في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } ( النور : 21 ) ، فحرّم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام نفسه.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

22 Dec, 07:29


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:أدعية وأذكار
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم

الدعاء شأنه عند الله كبير، وأجره عظيم، ومعناه إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحَوْل والقوة، كما أن فيه معنى الثناء على الله الغني القادر، بكل المحامد، ونسبة الجود والكرم المطلق إليه سبحانه، فإنه هو الرزاق الكريم، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة أمر الله ـ عز وجل ـ لعباده بالدعاء، وعِظم شأنه وفضله، فهو من أعظم العبادات بل هو العبادة نفسها، فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60) ) رواه الترمذي. قال ابن كثير: "وقوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي: عن دعائي وتوحيدي، {سيدخلون جهنم داخرين} أي: صاغرين حقيرين".

والدعاء من أعظم أسباب دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إِنَّ الدعاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَعليكُمْ عِبادَ اللهِ بالدعاءِ) رواه الطبراني وحسنه الألباني، كما أنه سبب لانشراح الصدر وتفريج الهم وزوال الغم، وهو مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين، ففي حديث معاذ رضي الله عنه الذي رواه البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب).

أَتَـهزَأُ بالـدعاء وتَـزدَريه وما يُدريك ما صنعَ الدعاءُ
سهام الليل لا تُخطي ولكنْ لهـا أمدٌ وللأمد انـقضاءُ

وقال ابن القيم في كتابه الداء والدواء: "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحاً تامًّا لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير".

وأعجز الناس من عجز وترك الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه الطبراني.

فينبغي للمسلم أن يواظب على الدعاء ويكثر منه، و لا يتساهل فيه، أو يتغافل ويتكاسل عنه، فالله عز وجل يغضب على عبده الذي لا يدعوه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يسألِ اللهَ يغضب عليه) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

قال ابن القيم: "هذا يدل على أنَّ رضاه في مسألته وطاعته، وإذا رَضِيَ تعالى، فكل خير في رضاه، كما أنَّ كل بلاء ومصيبة في غضبه, والدعاء عبادة، وقد قال تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60)، فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن ابن آدم يغضب على من سأله:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسْأَل يغضب".

وإذا كان من فوائد وآثار الدعاء أنه ينفع فيما نزل ولم ينزل، فليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صُوَر الاستجابة تتنوع، فإما أن يُعْطَى العبد ما سأل، وإما أن يُصْرف عنه من السوء مثله، أو أن يُدَّخَّر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يَصْرِفَ عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نُكْثِر! قال: الله أكثر) رواه أحمد وصححه الألباني.

قال ابن عبد البر في "التمهيد": "فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة"، فكُلُّ دَاعٍ لم يقم به مانع من إجابة الدعاء فإنه يُسْتَجَاب لَهُ، لَكِنْ تَتَنَوَّع الْإِجَابَة: فَتَارَة تَقَع بِعَيْنِ مَا دَعَا بِهِ، وَتَارَة بِعِوَضِه، كما قال ابن حجر.

وقال ابن الجوزي: "اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء مُتَعَبَّد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مُفَوِض".

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

22 Dec, 07:29


وقال الشيخ ابن عثيمين: "الدعاء عبادة لله عز وجل، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لابد أن يغنم؛ إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة، لأن الدعاء عبادة فلا بد فيه من خير".

هذه بعض فوائد الدعاء، فاحرص أخي -المسلم عموماً والصائم خصوصاً- على استغلال الأوقات والأحوال الشريفة في رمضان وفي غيره في طاعة ربك، والدعاء والطلب منه سبحانه، وقد وعدك بالاستجابة لك حين تدعوه فقال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر:60 )، وأكثِر من الدعاء لنفسك ووالديك وأولادك وإخوانك، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، قوله صلى الله عليه وسلم: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملَك الموكل به: آمين ولك بمثل) رواه مسلم.

قال النووي: "وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تُستجاب ويحصل له مثلها".

الدعاء استراحة المؤمن من الهموم، وساحة مفتوحة لمن يريد حقه ممن ظلمه، وهو طريق ممهد لمن يطمع في الدرجات العليا في الدنيا والآخرة، وإذا كانت الحاجات كثيرة، والعمل لا يُعين، فكان الدعاء والطلب ممن بيده تدبير الأمور، الذي يكشف الضر والسوء، ويجعل العسير يسيراً، والمستحيل ممكنًا، قال الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} (النمل:62).

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

20 Dec, 05:10


الكاتب: إسلام ويب
التصنيف: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
يا أبا بَكْرٍ، لعَلَّك أغْضَبْتَهُمْ

مراعاة مشاعر الناس تزيد في الود والحب، وتؤلف بين قلوب أفراد المجتمع، وهي مِن هَدْي نبينا صلى الله عليه وسلم وشمائله، ومن الأمور التي اهتم بها وأكد عليها.

والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأمثلة الدالة على مراعاة مشاعر الآخرين، ومن هذه المواقف: ما حدث حين مَرَّ أبو سفيان ـ قبل إسلامه ـ على سلمان وصهيب وبلال ـ رضي الله عنهم ـ بعد صلح الحديبية، فقالوا: "والله ما أخذت سيوف الله من عُنُق عدو الله مأخذها"، ويقصدون أبا سفيان لِمَا فعله بهم في مكة، فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: "أتقولون هذا لشيخ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟!"، ثم ذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما دار بينه وبين أصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر لعلك أغضبْتَهم)، أي: قدْ تكون أغضبتهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولئن كنتَ أغضبتهم لقد أغضبت ربك).

وهذا الموقف رواه مسلم في صحيحه عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه: (أن أبا سفيان أتى على سلمان وبلال وصهيب في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها (حقها منه لما فعله بهم)، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟! فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا أبا بكرٍ، لعلك أغْضَبْتَهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبتَ ربَّك، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي).

قال النووي: "وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء، وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم". وقال ابن الجوزي: "وقوله: "لَعَلَّك أغضبتهم" تعْظيم لهم، لأن الحق عز وجل أوصاه بهم وبأمثالهم من الفقراء والموالي بقوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}(الأنعام:52)، وقوله: {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم}(الْأَنْعَام 54)، قَال الحسن: كان إِذا رَآهُمْ بدأهم بالسَّلام".
وقال العينى في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري": "وفي هذا الحديث فوائد: الدلالة على فضل أبي بكر على جميع الصحابة، وليس ينبغي للفاضل أن يغاضب من هو أفضل منه.. وفيه: ما طُبِع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأول لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}(الأعراف:201)، وفيه: أن غير النبي ولو بلغ في الفضل الغاية فليس بمعصوم، وفيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم".

وقال ابن عثيمين: "ذكر المؤلف (النووي) ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله في قضية الضعفاء والمساكين، وأنه تجب ملاطفتهم والرفق بهم والإحسان إليهم، أن أبا سفيان مر بسلمان وصهيب وبلال، وهؤلاء الثلاثة كلهم من الموالي، صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، فمر بهم فقالوا: ما فعلت أسيافنا بعدو الله ما فعلت يعني: يريدون أنهم لم يشفوا أنفسهم مما فعل بهم أسيادهم من قريش، الذين كانوا يعذبونهم ويؤذونهم في دين الله عز وجل، فكأن أبا بكر رضي الله عنه لامهم على ذلك، وقال: أتقولون لسيد قريش مثل هذا الكلام؟ ثم إن أبا بكر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: (لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) .. فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى هؤلاء النفر وسألهم: آغضبتكم؟ فقالوا: لا، قال: يا إخوتاه، آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أبا بكر.. وفي هذا دليل على وَرَع أبي بكر رضي الله عنه وعلى حرصه على إبراء ذمته، وأن الإنسان ينبغي له بل يجب عليه إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل أو بأخذ مال أو سب أو شتم أن يستحله في الدنيا قبل يأخذ ذلك منه في الآخرة، لأن الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة، ويأخذه من أشرف شيء وأعز شيء على الإنسان يأخذه من الحسنات من الأعمال الصالحة التي هو في حاجة إليها في ذلك المكان".

لما ذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما دار بينه وبين أصحابه، قال له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكرٍ، لعلك أغْضَبْتَهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبتَ ربَّك)، أي: إن كُنْتَ أغضبت هؤلاء الفقراء المساكين الذين يحبون الله فقد أغضبت ربك، وذلك لمكانة ومنزلة بلال وسلمان وصهيب رضي الله عنهم عند الله عز وجل من ناحية،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

20 Dec, 05:10


ومن ناحية أخرى: كأن النبي صلى الله عليه وسلم التمس لهم العذر في قولهم: (ما أخذَتْ سيوفُ الله من عنُقِ عدوِّ اللهِ مأخذها)، وقدَّر مشاعرهم عندما رأوا أبا سفيان يمشي أمامهم، وتذكروا كل ما فعله بهم وبإخوانهم، وأنهم بسبب مشركي مكة عامة وبسبب أبي سفيان خاصة شُرِّدوا من ديارهم ووطنهم، ومن ثم قالوا هذه الكلمات التي هي من أثر ونتيجة المعاناة النفسية والجسدية الشديدة التي عانوا منها هم وإخوانهم الضعفاء في مكة.. وكان باستطاعة أبي بكر رضي الله أن يذكر للنبي صلى الله عليه وسلم بعض المبررات السائغة والمعتبَرة لقوله لأصحابه: (أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيِّدِهم؟)، ومنها: أنهم في وقت هُدْنة، إذ كان هذا الموقف بعد صلح الحديبية بين المسلمين والمشركين، ولا داعي لإثارة أمور قد تثير الحرب بين الطرفين، وأن أبا سفيان هو سيد قريش، ويُرْجَى إسلامه، ولو أسلم لأسلمت قريش من ورائه، وربما تكون هذه الكلمات سبباً في نفرته نهائيا من الإسلام، وقد أُمِرْنا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبالرفق.. ورغم هذه المبررات السائغة لقول أبي بكر لأصحابه: (أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيِّدِهم؟)، إلا أنه فور سماعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (لعلك أغضبتَهم، ولئن كنت أغضبتهم لقد أغضبتَ ربك)، سارع إلى الاعتذار وترضية أصحابه..
وفي هذا الموقف دلالة على أنه ينبغي على المسلم إذا خشي أن يكون قدْ سبب لإنسان أذى في نفسه ـ لكلمة قالها أو فعل فعله ـ أن يسارع لتطييب خاطره، والاعتذار إليه، وطلب مسامحته، فقد أسرع أبو بكر رضي الله عنه إلى أصحابه: سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم وقال لهم: (يا إخوتاه أغضبتكم؟!) وذلك من باب الاستحلال والترضية والحب لأصحابه، كما أنه ينبغي على من اعْتُذِر إليه أن يقبل العذر، وأن يسارع إلى تطيب خاطر الآخر الذي يعتذر إليه، ولذلك رد سلمان وصهيب وبلال على أبي بكر ـ رضي الله عنهم ـ بقولهم: (لا، يغفر الله لك يا أخي).

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

09 Dec, 04:24


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : احفظ الله يحفظك

➢ عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : *( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )* رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

➢ وفي رواية الإمام أحمد : *( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .*

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

اصطفى الله تعالى هذه الأمة من بين سائر الأمم ، ليكتب لها التمكين في الأرض ، وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود تربية إيمانية جادة تؤهلها لمواجهة الصعوبات التي قد تعتريها ، والأعاصير التي قد تحيق بها ، في سبيل نشر هذا الدين ، وإقامة شرع الله في الأرض .

ومن هذا المنطلق حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك! فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها نصرة هذا الدين ، وتحمّل أعباء الدعوة .

وفي الحديث الذي نتناوله ، مثال حيّ على هذه التنشئة الإسلامية الفريدة ، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة ، بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة ، وقواعد مهمة ، لا غنى للمسلم عنها .

وأولى الوصايا التي احتواها هذا الحديث ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ) ، إنها وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى ، ويلتزم بأوامره ، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه ، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 ) ، وقال أيضا : { فاذكروني أذكركم } ( البقرة : 152 ) .

وهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين :

الأول : حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) أي : بأمره ، وهو عين ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داوود و ابن ماجة ، وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع ، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا } ( الكهف : 82 ) .

الثاني : حفظ الله للعبد في دينه ، فيحميه من مضلات الفتن ، وأمواج الشهوات ، ولعل خير ما نستحضره في هذا المقام : حفظ الله تعالى لدين يوسف عليه السلام ، على الرغم من الفتنة العظيمة التي أحاطت به وكادت له ، يقول الله تعالى في ذلك : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } ( يوسف : 24 ) ، وتستمر هذه الرعاية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمنا موحدا .

ولكن الفوز بهذا الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالا حقيقيا على الدين ، واجتهادا في التقرب إلى الله عزوجل ، ودوام الاتصال به في الخلوات ، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث : ( تعرّف إلى الله في الرخاء ، يعرِفك فـي الشدة ) ، فمن اتقى ربه حال الرخاء ، وقاه الله حال الشدّة والبلاء .

ثم انتقل الحديث إلى جانب مهم من جوانب العقيدة ، ويتمثّل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس : ( إذا سأَلت فاسأَل الله ) ، وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : ( الدعاء هو العبادة ) ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين في كتابه العزيز فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ( الأنبياء : 90 ).

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

09 Dec, 04:24


وإن من تمام هذه العبادة ترك سؤال الناس ، فإن في سؤالهم تذلل لهم ومهانة للنفس ، ولا يسلم سؤالهم من منّة أو جرح للمشاعر ، أو نيل من الكرامة ، كما قال طاووس لعطاء رحمهما الله : " إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ، ووعدك أن يجيبك " ، وصدق أبو العتاهية إذ قال :

لا تسألن بني آدم حاجـــة وسل الذي أبوابه لا تُحجب
فاجعل سؤالك للإله فإنمـا في فضل نعمة ربنـا تتقلب

وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } ( البقرة : 273 ) ، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطا من أصحابه على ترك سؤال الناس ، وكان منهم أبوبكر الصديق و أبو ذر الغفاري و ثوبان رضي الله عنهم أجمعين ، فامتثلوا لذلك جميعا ، حتى إن أحدهم إذا سقط منه سوطه أو خطام ناقته لا يسأل أحدا أن يأتي به .

إن ما سبق ذكره من الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ، وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عزوجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك .

وفي قوله : ( وإذا استعنت فاستعن بالله ) أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره ، لأن العبد من شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده ، ومصالح دنياه وآخرته ، وليس يقدر على ذلك إلا الحي القيوم ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، فمن أعانه الله فلا خاذل له ، ومن خذله الله فلن تجد له معينا ونصيرا ، قال تعالى : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده } ( آل عمران : 160 ) ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : ( اللهم أعني ولا تعن علي) ، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه النسائي وأبو داود .

وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه ، ولم يُكتب في علم الله ، كما قال سبحانه : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } ( الحديد : 22 ) .

ولما وعى سلفنا الصالح هذه الوصية ، أورثهم ذلك ثباتا في العزيمة ، وتفانيا في نشر هذا الدين ، غير مبالين بالصعوبات التي تواجههم ، والآلام التي تعتريهم ، لأنهم علموا أن طريق التمكين إنما يكون بالعمل بهذه الوصية النبوية ، وأن الفرج يأتي من بعد الكرب ، وأن العسر يعقبه اليسر ، وهذا هو الطريق الذي سلكه أنبياء الله جميعا عليهم السلام ، فما كُتب النصر ل نوح عليه السلام ، إلا بعد سلسلة طويلة من الجهاد مع قومه ، والصبر على أذاهم ، وما أنجى الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت ، إلا بعد معاناة طويلة عاشها مستغفرا لربّه راجيا فرجه ، معتمدا عليه في كل شؤونه ، حتى انكشفت غمّته ، وأنقذه من بلائه ومحنته ، وهكذا يكون النصر مرهونا بالصبر على البلاء والامتحان .

إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات الطريق ، فما أحوجنا إلى أن نتبصّر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ، ونستلهم منها الحلول الناجعة لمشكلات الحياة ، ونجعلها السبيل الأوحد للنهضة بالأمة نحو واجباتها .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Dec, 04:46


○ الكاتب: موقع إسلام ويب
○ تصنيف المقال: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
○ عنوان المقال: الابتسامة سُنَّةٌ نبوية

الابتسامة هي البَشاشة وطلاقة الوجه، وتظهر في ملامح الوجه وحركة الشِفاه، كما تبدو في التبسط والتحبب، ومحاولة التقارب وروعة الاستهلال، وهي ـ الابتسامة عامة وعند اللقاء خاصة ـ أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، وهي مِنَ الخصال المُتَّفَق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فَطر الله تعالى الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه البسَّام، وهي مع ذلك كله سُنَّة نَبَوية.. فالابتسامة كانت إحدى صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي تحلّى واتصف بها، يُدرِك ذلك كل مَنْ صاحبه وخالطه، كما قال عبد الله بن الحارث بن حزم رضي الله عنه: (ما رأيتُ أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي. وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك) رواه مسلم. وفي رواية: (ولا رآنِي إلا تبسَّمَ أو ضحك).. وقال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب". قال القاري: "(البِشْر) بالكسر، وهو طلاقة الوجه والبشاشة وحُسْن الخُلُق مع الخَلْق، وفي التعبير بكان ودوام البِشر إشعار بأن حُسْن خُلُقه كان عاما غير خاص بجلسائه، وفيه إيماء بأنه كان رحمة للعالمين"..

صفة ابتسامته وضحكه صلى الله عليه وسلم:
الابتسامة والتبسم: انبساط الوجه، وتحريك الشفتين، والضَّحِكُ بقَدْر ما تظهر الثنايا وهي الأسنان الأربع بمقدَّم الفم، وكان هذا جُلَّ ضَحِكِه صلى الله عليه وسلم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته (اللحمة التي في أعلى الحنجرة)، إنما كان يتبسم) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: ( ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما) رواه الترمذي. وبالنظر في كتب السُنة والسيرة النبوية نجد أن أكثر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم هي الابتسامة، وفي بعض الأحيان كان يزيد على ذلك فيضحك باعتدال، دون إكثارٍ منه أو علوّ في الصوت، وهذه هي سنة الأنبياء كما قال الزجّاج: "التبسّم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام".

وقال ابن حجر: "والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في معظم أحواله عن التبسّم، وربما زاد على ذلك فضحك، والمكروه في ذلك إنما هو الإكثار من الضحك أو الإفراط، لأنه يُذهب الوقار".. وقد جمع الإمام البخاري أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم وبوَّب لها: "(باب التبسم والضحك)، وكذلك جمع الإمام مسلم في صحيحه أحاديث بوَّب لها النووي في شرحه فقال في كتاب الفضائل: "(باب تبسمه وحُسن عشرته صلى الله عليه وسلم)".. والسيرة النبوية مليئة بالمواقف التي ذُكرت فيها طلاقة وجه النبي صلى الله عليه وسلم وابتساماته، ومِن ذلك:

مع زوجاته:

1 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية (صغيرة) لم أحمل اللحم ولم أبدُن (لم يزد وزني)، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالِي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنتُ ونسيتُ خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالِي حتى أسابقك، فسابقتُه فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك) رواه أحمد. (فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك) أي: سَبَقتُكِ كما سَبَقْتِني مِن قَبْل، فأصبَحْنا مُتساوِيَيْن في ذلك، وهذا مِن جميلِ مُعاشَرته صلى الله عليه وسلم لأزْواجه. وفي الحديث: تَواضع النَّبي صلى الله عليه وسلم ولُطْفه مع أَهْلِه، وبيان ما كان عليه مِنْ حُسْنِ الخُلُق وضحكه ومزاحه صلى الله عليه وسلم مع أهله..

2 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لِعب، فقال: ما هذا يا عَائشة؟! قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟! قالت: أما سمعتَ أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه (أواخر أسنانه)) رواه أبو داود.

مع أصحابه:

1 ـ عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (وقع عليَّ من الهمّ ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك (فَرَك) أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئا، إلا أنه عرك أذني (فرَكَها بيدِه)، وضحِكَ في وَجْهي (سُرورًا)، فقال: أبْشِر) رواه الترمذي.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Dec, 04:46


2 ـ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (احتلمتُ (أصابَتْني جَنابة) في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إنِ اغْتَسَلْتُ أن أهْلك، فتيَمَّمْتُ (مَسَحْتُ وجْهي ويَدَيَّ بالتُّراب بَدَلَ الغُسْل لعَدَمِ القُدْرة على اسْتِعمال الماء) ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، صليتَ بأصحابك وأنت جُنب؟! فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال وقلتُ: إني سمعتُ الله عز وجل يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}(النساء:29)، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا) رواه أبو داود.. النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمِنينَ رَؤوف رَحيم كما وصَفه ربُّه تبارك وتعالى في كتابِه الكريم، ولا أَدَلَّ على ذلك مِنْ سِيرتِه مَع النَّاسِ ومع أصحابِه، وفي هذا الحديث مَظهرٍ مِن مظاهرِ التَّخفيف الذي جاءتْ به الشريعة، وموقف من مواقف ضحكه وابتسامته، وفيه تلطف مع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإقرار لفَهْمِه ولِفِعْلِه..

3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاء رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ! (فعَلْتُ ما هو سَبَبٌ لِهَلاكي) قَالَ: وما شَأْنُك؟ قال: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي في رمضان (جامع امرأتَه في نهارِ رمضان)، قَالَ: تَسْتَطِيع تُعْتِقُ رَقَبَة (عبْدُ مملوك)؟ قال: لَا، قال: فَهلْ تَسْتَطِيع أنْ تصوم شَهْرَيْن مُتَتَابِعَيْن؟ قال: لَا. قال: فَهلْ تَسْتَطِيع أنْ تُطْعِم سِتِّين مِسْكِينًا؟ قال: لَا، قال: اجْلِسْ. فَجَلَس، فَأُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تَمْرٌ (العَرَقُ: المِكْتَلُ الضَّخْم) قال: خُذْ هذا فَتَصَدَّق به، قال: أعَلَى أفْقَرَ مِنَّا (أي: أتصَدَّق به على شَخصٍ أفقَرَ مِنَّا؟! ليس هناك في المدينة مَنْ هو أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فأنا أَوْلى بهذه الصَّدَقةِ من غيري)؟ فَضَحِكَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُه (آخِرُ الأسنان أو هي الأضراس تَعجُّبًا مِن حالِه)، قال: أطْعِمْهُ عِيَالَك) رواه البخاري. وفي هذا الموقف: استِعمال الكِنايةِ فيما يُستَقْبَح ظُهورُه بصَريحِ لَفظِه، وفيه: الرِّفق بالمُتعلِّم، والتَّلطُّف في التَّعليم، والتَّأليف على الدِّين، وفيه: النَّدمُ على المَعصية، واستِشعار الخَوف كما قال الرجل: (هلكتُ)..

4 ـ عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أنه قيل له: (أَكُنْتَ تُجَالِس رسولَ الله صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نَعَمْ، كَثِيرًا، كانَ لا يَقوم مِن مُصَلَّاه الَّذي يُصَلِّي فيه الصُّبْحَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْس، فإذَا طَلَعَتْ قام، وكانُوا يَتحَدَّثون فيَأْخذون في أمْرِ الجاهِلِيَّة (فَتْرة ما قبْل الإسلام، وكانوا يَتحدَّثون في أمْرِها عَلى سَبيلِ المذَمَّة، أو بطَريق الحِكايَة لِمَا فيه مِن فائدة) فيَضْحَكون ويَتَبَسَّمُ صلى اللَّه عليه وسلم) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "(فيضحكون ويتبسم) فيه جواز الخبر والحديث عن أخبار الجاهلية وغيرها من الأمم، وجواز الضحك، وأن التبسم هو المُسْتَحْسَن منه، اللائق بأهل الفضل والسمت، وهو كان أكثر ضحكه عليه الصلاة والسلام".

5 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء) رواه مسلم.

قال النووي: "فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء مَنْ يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يُتعجب منها في العادة، وفيه كمال خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصَفْحِه"..

الابتسامة أو التبسم: إحدى وسائل غرس الألفة والمحبة بين الناس، وهي سنة نبوية ووسيلة دعوية، ومفتاح للقلوب.. والسيرة النبوية فيها مِنَ المواقف الكثير، التي ذُكِر فيها تبسمه صلى الله عليه وسلم، سواء منها ما كان مع زوجاته، أو في مجالسه مع أصحابه، أو الوافدين عليه، أو فيمن كان يدعوهم، وكانت أسباب ابتسامته مختلفة، فمنها: ما كان للتعجب، وبعضها للملاطفة، وتارة لإيناس مَنْ تبَّسم إليه.. وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لا يُفَرِّق في ابتسامته وحُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، يعرف ذلك كل مَنْ صاحبه وخالطه.. ولم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون قدوة لنا في الابتسامة، بل دعانا إليها وحثَّنا عليها بقوله.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

03 Dec, 04:46


عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة) رواه الترمذي. (تبسُّمك في وجه أخيك) أي: على وجه الانبساط. قال المناوي: "(تبسُّمك في وجه أخيك) أي في الإسلام، (لك صدقة) يعني: إظهارك له البَشَاشَة والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة".

وقال ابن بطَّال: "فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه مِنْ أخلاق النُّبوة، وهو منافٍ للتكبُّر، وجالب للمودَّة". وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرَّن مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْق (ضاحكٍ مُستبشِر)) رواه مسلم.

قال ابن هبيرة: "في هذا الحديث مِن الفقه ما يدل على أن لقاء الأخ بالقطوب (العبوس) مكروه، وأن لقاءه بالبِشْر مُسْتَحب، فإن كنتُ في حال مقطبًا (كنت حزينا) لغير حال تتعلق بأخيك، فالأوْلى أن لا تُكشر في وجه أخيك، متكلفًا ذلك، لتحظى بأجره وأجر تكلفك له، وإن هذا مِن أدنى برك بأخيك، فكيف إذا كلمتَه وصافحتَه وصاحبته ورافقتَه إلى غير ذلك؟! والوجه الطَلْق ضد العابس". وقال القاضي عياض: "فيه الحض على فعلِ الخير، قلّ أو كثر، وألا تحقر منه شيئاً، وهذا كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}(الزلزلة:7).

وفيه أن طلاقة الوجه للمسلمين والانبساط إليهم محمود مشروع مثاب عليه.. وكفى بخُلق نبينا عليه الصلاة والسلام في ذلك، وبما وصفه الله به ونزهه عنه مِن قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159)"..

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Dec, 06:01


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه

➢ عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : *( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه )* رواه البخاري ومسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

نشأ العرب في جاهليتهم على بعض القيم الرفيعة ، والخصال الحميدة ، وسادت بينهم حتى صارت جزءاً لا يتجزّأ من شخصيتهم ، يفتخرون بها على من سواهم ، ويسطّرون مآثرها في أشعارهم .

وتلك الأخلاق العظيمة التي امتازوا بها ، لم تأت من فراغٍ ، ولكنها نتاج طبيعي من تأثّر أسلافهم بدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام ، حتى اعتادوا عليها ، وتمسّكوا بها عند معاملتهم للآخرين ، ثم ما لبث فجر الإسلام أن بزغ ، فجاءت تعاليمه لترسي دعائم تلك الأخلاق ، وتعمق جذورها في نفوس المؤمنين ، والتي كان منها : الحث على إكرام الضيف ، والحفاوة به .

إن إكرام الضيف يمثل سمة بارزة للسمو الأخلاقي الذي تدعو إليه تعاليم الشريعة ، والتخلق بها يعدّ مظهرا من مظاهر تمام الإيمان وكماله ، ويكفينا دلالة على ذلك ، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بين أيدينا : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) .

وليس المقصود من الحديث نفي مطلق الإيمان عمّن لم يأت بهذا الخلق - أو غيرها من الخصال المذكورة - ، إنما أريد به المبالغة في الحث على المسارعة في الامتثال لهذه الأوامر، كما يقول القائل : " إن كنت ابني فأطعني " ، ويعنون بذلك تشجيع الولد على طاعة أبيه ، فهو إذا : تشجيع على التمسك بتلك الفضائل .

وقد وعى المؤمنون في الصدر الأول ذلك جيدا ، وفهموا المراد منه ، فصار للضيافة شأن عظيم في حياتهم ، فلا عجب أن تنقل لنا كتب السير في هذا المضمار من الأمثلة أروعها ، ومن المواقف أسماها ، يأتي في مقدمتها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ضيف ، فلم يجد ما يضيفه به ، فقال لأصحابه : ( من يضيف هذا الليلة رحمه الله ) فقام رجل من الأنصار فقال : " أنا يا رسول الله " ، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : " هل عندك شيء ؟ " قالت : " لا ، إلا قوت صبياني " ، قال : " فعلّليهم بشيء ، فإذا دخل ضيفنا فأطفيء السراج ، وأريه أنّا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه " ، قال : فقعدوا وأكل الضيف ، فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ) ، إن هذا الموقف العظيم ، وهذا التفاني في إسداء الكرم للضيف ، لثمرة من ثمار إيمانهم العميق بثواب الله وأجره .

وبعد أن عرفنا مكانة الضيافة في منظومة الأخلاق ، وقدرها عند الله ، فإنه يجدر بنا أن نقف وقفة سريعة مع بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها في الضيافة ، فمن ذلك : أن يدعو الإنسان لضيـافته الأتقياء والصالحين ، ويتجنب دعوة الفسقة من الناس ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ، كذلك فإنه يدعو لضيافته دون تمييز بين الفقير والغني ، فإن هذا من التواضع الذي ينبغي أن يتحلّى به المؤمن ، وقد جاء في الحديث : ( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ) متفق عليه ، فإذا حضر ضيوفه ، يستقبلهم عند بابه ، ويبشّ عند قدومهم ، ويطيب في حديثه معهم ، وقد سئل الأوزاعي رحمه الله : " ما إكرام الضيف ؟ " ، قال : " طلاقة الوجه ، وطيب الكلام " ، وقال الشاعر :

وإني لطـلـق الـوجــه للمـبتغـي القــِرى وإن فنــائي لـلـقــرى لــــرحيب
أضاحـك ضـيـفـي عنـد إنـزال رحـلـــه فيخـصب عنـدي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يُكثر القِرى ولكنـما وجه الكــريم خصـيـــب

فإذا حضر وقت الطعام ، فإنه يأتيهم بما تسير له ، ولا ينبغي له أن يتكلف ما لايستطيع ؛ فإن هذا مخالف للهدي النبوي ، وفيه أذى وإحراج للضيف من ناحية أخرى ، ومن إكرام الضيف : أن يخرج معه إلى باب الدار عند توديعه ؛ فإن ذلك يشعره بمدى الحفاوة به ، والفرحة بحصول زيارته .

ولئن كان الإسلام قد أولى العناية بحق الضيف على بعده وقلّة حضوره ، فإن اهتمامه بالجار من باب أولى ، وحسبنا دلالة على ذلك : أن الله تعالى قرن الأمر بالإحسان إليه مع الأمر بعبادته سبحانه ، قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب } ( النساء : 36 ) ، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق في قوله : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

02 Dec, 06:01


ومن هنا كان إيذاء الجار من كبائر الذنوب عند الله عزوجل ، بل هو منافٍ لكمال الإيمان ، وقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ) ، قيل : ومن يا رسول الله ؟ ، قال : ( الذي لا يأمن جاره بوائقه ) ، أي لا يسلم من شره وأذاه .

ولاشك أن الإحسان إلى الجار قربة عظيمة إلى الله تعالى ، ومن هنا جعل الإسلام له حقوقا عديدة ، من جملتها : أن يمدّ جسور المحبة بينه وبين جيرانه ، وأن يأتي كل ما من شأنه أن يوطّد هذه العلاقة ، ويزيدها قوة ، فيتعهّده دائما بالزيارة والسؤال عن أحواله ، ويمدّ له يد العون في كل ما يحتاجه ، ويقف معه في الشدائد والنوائب التي قد تصيبه ، ويشاركه في أفراحه التي تسعده .

ومن حقوقه أيضا : أن يستر ما يظهر له من عيوبه ، ويحفظ عينه من النظر في عوراته ، ويتواصل معه بالهدايا بين الحين والآخر ؛ فإن ذلك يزيد الألفة ، ويقوي المحبة ، مهما كانت الهدية قليلة القدْر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحقرن جارة جارتها ، ولو فرسن شاة ) رواه البخاري ومسلم ، والفرسن : هو عظم قليل اللحم .

إن الإحسان إلى الجار ، والكرم مع الضيف ، يعدان من مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام ، هذا وقد ذكر الحديث شعبة أخرى من شعب الإيمان ، وهي المتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ) ففيه دعوة إلى الكلمة الطيبة من ناحية ، ومن ناحية أخرى تحذير من إطلاق اللسان فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى .

وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة على بيان خطر هذه الجارحة ، فكم من كلمة أودت بصاحبها في نار جهنم ، وكم من كلمة كانت سببا لدخول الجنة ، وقد ثبت في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) .

وهكذا أيها القارئ الكريم ، يتبين لنا مما سبق بعضا من الجوانب المشرقة والأخلاق الرفيعة ، التي يدعو إليها الإسلام ، ويحث على التمسك بها ، فما أجمل أن نتخلق بها ، ونتخذها نبراسا ينير لنا الطريق .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

01 Dec, 04:57


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه

➢ عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : *( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )* ، رواه البخاري ومسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم علاقة الناس بربهم تبارك وتعالى ، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة ، وفي الوقت ذاته شرع لهم ما ينظم علاقتهم بعضهم ببعض ؛ حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع المسلم ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية ، وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي قويّ الروابط ، متين الأساس .

ومن أجل هذا الهدف ، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى تحقيق مبدأ التكافل والإيثار ، فقال : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، فبيّن أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب ، أن يحب الإنسان للآخرين حصول الخير الذي يحبه لنفسه ، من حلول النعم وزوال النقم ، وبذلك يكمل الإيمان في القلب .

وإذا تأملنا الحديث ، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس ، يتطلب منها سموا في التعامل ، ورفعة في الأخلاق مع الغير ، انطلاقا من رغبتها في أن تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه ، وليس ذلك فحسب ، بل إنه يشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم ، ويعود المريض منهم ، ويواسي المحتاج ، ويكفل اليتيم ، ويعيل الأرملة ، ولا يألو جهدا في تقديم صنائع المعروف للآخرين ، ببشاشةِ وجه ، وسعة قلب ، وسلامة صدر .

وكما يحب للناس السعادة في دنياهم ، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو يسعى دائما إلى هداية البشرية ، وإرشادهم إلى طريق الهدى ، واضعا نصب عينيه قول الله تعالى : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } ( فصلت : 33 ) .

ويتسع معنى الحديث ، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين ، فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان ، وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان ، ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ) .

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة ، روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) .

أما سلفنا الصالح رحمهم الله ، فحملوا على عواتقهم هذه الوصية النبويّة ، وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه ، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " إني لأمر على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم " ، ولما أراد محمد بن واسع رحمه الله أن يبيع حمارا له ، قال له رجل : " أترضاه لي ؟ ، فردّ عليه : لو لم أرضه لك ، لم أبعه " ، وهذه الأمثلة وغيرها مؤشر على السمو الإيماني الذي وصلوا إليه ، والذي بدوره أثمر لنا هذه المواقف المشرفة.

ومن مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه ، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة ، كالحسد والحقد ، والبغض للآخرين ، والأنانية و الجشع ، وغيرها من الصفات الذميمة ، التي يكره أن يعامله الناس بها .

وختاما : فإن من ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة ، كالجسد الواحد القوي ، الذي لا تقهره الحوادث ، ولا تغلبه النوائب ، فتتحقق للأمة سعادتها ، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

30 Nov, 08:38


📚 حديــــــــــــــث اليــــــــــوم *📚 :


( إن اللـه كتــــــب الحســــنات والسيئــــــــات)


عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن : فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.



📘# شـــــــــرح الحـديــــــــث # 📘🖌 :


أفعال الله تعالى دائرة بين الفضل والعدل ، فما من تقدير في هذه الحياة ، بل ولا شيء في الدنيا والآخرة ، إلا داخلٌ ضمن فضل الله وعدله ، فرحمته سبحانه بالمؤمنين فضل ، وتعذيبه للعاصين عدل ، وهو – جلّ وعلا – مع ذلك أخبر أن رحمته سبقت غضبه ، وأن رحمته وسعت كل شيء ، وأَمَرَنا أن نسأله من فضله وعطائه الجزيل .



وهذا الحديث الذي بين أيدينا خير شاهد على فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ، فالله سبحانه وتعالى لما حثّ عباده على التسابق في ميادين الطاعة والعبادة ، لم يجعل جزاء الحسنة بمثلها ، ولكنه ضاعف أجرها وثوابها عشرة أضعاف ، كما قال سبحانه : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ( الأنعام : 160 ) ، ثم ضاعف هذه العشرة سبعين ضعفا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن الله تعالى يُكاثر هذه الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة ، لمن شاء من عباده .



وقد جاء في القرآن تصوير هذه الحقيقة في مثل رائع ، يجسد فيه معنى المضاعفة ، ويقرّب صورتها إلى أذهان السامعين ، إنه مشهد من يبذر بذرة في أرض خصبة ، فتنمو هذه البذرة وتكبر حتى تخرج منها سبع سنابل ، العود منها يحمل مائة حبة ، ثم تتضاعف هذه السنابل على نحو يصعب على البشر عده وإحصاؤه ، كذلك حال المؤمن المخلص لربه المحسن في عمله ، قال تعالى في محكم التنزيل : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } ( البقرة : 261 ) .



ولا يقتصر فضل الله عند هذا الحد ، بل يتسع حتى يشمل مجرد الهم والعزم على فعل العمل الصالح ، فإن العبد إذا هم بالحسنة ولم يفعلها ، كتب الله له حسنة كاملة - كما هو نص الحديث - ، لأن الله سبحانه جعل مجرد إرادة الخير عملا صالحا يستحق العبد أن ينال عليه أجرا .



ذلك حال من هم بالحسنة ، أما من هم بالسيئة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ) ، ولعل السر في ذلك : أن العبد إذا كان الدافع له على ترك المعصية هو خوف الله والمهابة منه ، فعندها تُكتب له هذه الحسنة ، وقد أتى بيان ذلك في الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( وإن تركها - أي السيئة - فاكتبوها له حسنة؛ إنما تركها من جرائي ) ومعناها : طلبا لرضا الله تعالى.



وهذا بخلاف من همّ بالسيئة وسعى لفعلها ، ثم عرض له عارض منعه من التمكن منها ، فهذا وإن لم يعمل السيئة ، إلا أنه آثم بها ، مؤاخذ عليها ؛ لأنه سعى إلى المعصية ولم يردعه عن الفعل خوف من الله ، أو وازعٌ من الضمير ، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقيل : يا رسول الله . هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) .



وإذا ضعف وازع الخير في نفس المؤمن ، وارتكب ما حرمه الله عليه ، كُتبت عليه سيئة واحدة فحسب ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } ( الأنعام : 160 ) ، وذلك من تمام عدله سبحانه .



وعلاوة على ذلك ، فقد تدرك الرحمة الإلهية من شاء من خلقه ، فيتجاوز الله عن زلته ويغفر ذنبه ، كما دلّ على ذلك رواية مسلم : ( فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة أو محاها ) فهو إذاً بين عدل الله تعالى وفضله .



فإذا استشعر العبد هذه المعاني السامية أفاضت على قلبه الطمأنينة والسكينة ، والرجاء بالمغفرة ، ودفعته إلى الجد في الاستقامة ، والتصميم على المواصلة ، بعزيمة لا تنطفئ وهمّة لا تلين .


« شـــــرح أحاديــــث الأربعين النووية »

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

30 Nov, 05:12


قال القاضي عياض: "(ولكن ابتع علي) أمر من الابتياع أي: اشتر واستلف.. (فإذا جاءنا) أي من عند الله (شيء) اي مما أولاه (قضيناه) أي حكمنا به لك أو أديناه عنك، (فقال له عمر) أي بناء على نظر الرحمة إليه (ما كلفك الله ما لا تقدر عليه) أي من تحمل الدَيْن.. (فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك) بناء على جَبْرِ خاطر السائل وما يعتريه من خيبة الأمل.. (فقال) له (رجل من الأنصار) قيل هو بلال لكنه من المهاجرين، وقد يُجمع بأنها قالا له، والإمام الغزالي مال إلى جعل القائل نفس السائل حيث قال في الإحياء: فقال الرجل: (يا رسول الله أنفق)، أي بلالا، (ولا تخش) أي لا تخف كما في نسخة، (من ذي العرش إقلالا) أي تقليلا، فإن المُلْكَ كله ملك لصاحب العرش سبحانه وتعالى تعظيما وتبجيلا، (فتبسم صلى الله عليه وسلم) أي انشراحا بمن تكلم، (وعُرِفَ البِشْرُ) بصيغة المجهول أي وظهرت البشاشة والطلاقة وآثار السرور وظهور النور (في وجهه) أي بتهلله وإشراق خده ولله در القائل:

تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله

(وقال: بهذا أُمِرْتُ) أي بهذا الكرم أمرني ربي قبل ذلك أو جاءني جبريل على وفق ما هنالك. ذكره الترمذي أي في شمائله". وفي الحديث الذي رواه مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اللهَ قال لي: أَنفِق أُنفِق عليك).

لقد بلَغ من كرمه وجوده وحيائه صلى الله عليه وسلم أنه ما سُئل شيئًا قطُّ فقال: لا، إما أن يجيب سؤال السائل بما سأل أو أكثر منه، وإما أن يردَّه بمَيسور من القول إن لم يكن عنده شيء، وقد عبّر أحد الأعراب عن مدى جود وكرم وعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لقومه: (يا قوم أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر) رواه مسلم.

وكان عطاؤه وجوده صلى الله عليه وسلم كلّه لله عز وجل، وكان يبذل المال إما لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله، أو يتألف به على الإسلام، وكان يُؤثر على نفسه وأهله وأولاده، وقد قال لبلال رضي الله عنه: (أنفق بلال، ولا تَخْشَ من ذي العرش إقلالا).

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

30 Nov, 05:12


○ الكاتب: موقع إسلام ويب
○ تصنيف المقال: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
○ عنوان المقال: أنْفِق يا بلال، ولا تخْشَ مِنْ ذِي العَرْشِ إِقْلَالا

لم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يردّ سائلاً أو محتاجاً أبداً، ولو كان على حساب نفسه، إذ كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، فكان صلوات الله وسلامه عليه المثل الأعلى والقدوة الحسنة في العطاء والجُود والإيثار، وقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (ما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ فقال: لا) رواه البخاري. (فقال: لا) أي: إنْ كان عنده ما طُلِبَ منه أعطاه، أو يقول للسائل قولا ميسوراً من القول فيعده بقضاء حاجته أو يدعو له، فليس المراد أنه يعطي ما طُلِب منه جزماً، بل إنه لا ينطق بالرد أبدا: لا، فإن كان عنده المسؤول وساغ الإعطاء أعطى وإلا وعد بخير، قال النووي: "في هذا كله بيان عظيم سخائه وغزارة جُودِه صلى الله عليه وسلم، ومعناه ما سُئِل شيئا من متاع الدنيا".

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

عن سَهْلِ بن سعد رضي الله عنه قال: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ، فقال: سهل للقوم أتدرون ما الْبُرْدَة؟ فقال القوم: هي الشَّمْلَة، فقال سهل: هي شَمْلَةٌ منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أَكْسُوك هذه؟ فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل مِنَ الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فَاكْسُنِيهَا، فقال: نعم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لَامَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنتَ حين رأيتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألتُه إياها !!، وقد عَرَفْتَ أنه لا يُسأل شيئاً فيمنعه، فقال: رجوتُ بركتَها حين لَبِسَهَا النبي صلى الله عليه وسلم لَعَلِّي أُكَفَّنُ فيها) رواه البخاري، وفي رواية أخرى قال الصحابي: (والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه).

وفي هذا الموقف النبوي فوائد كثيرة، منها:
ـ عطاؤه وكرمه صلى الله عليه وسلم الذي وصل إلى درجة أنه لا يرد فيه سائلاً، وإيثاره لأصحابه على نفسه، وأن ذلك كان خُلُقه وعادته، لقول الأعرابي: (وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه)، وفي رواية أخرى: (ثم سألته وعلمت أنه لا يرُّد)، أي أن عدم رد السائل كان طبعه وخلقه دائما صلوات الله وسلامه عليه، وقد خلع النبي صلى الله عليه وسلم هذه البُرْدة للسائل بعد أن لبسها، رغم حاجته إليها.

ـ تعظيم الصحابة لكل ما لامس جسد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن السائل ما طلب البردة ليلبسها، بل طلبها ليُكفَّن بها، قال الأعرابي: (رجوتُ بركتَها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها)، وعند البخاري: (قال سهل: فكانت كفنه).

ولولا علم الصحابة رضوان الله عليهم بجواز ذلك، وأنها يمكن أن تنفعه في قبره لأنكروا عليه، وقد ثبتت بركة النبي صلى الله عليه وسلم بأدلة كثيرة قطعية اتفق عليها المسلمون سلفا وخلفاً، وقد رأى الصحابة رضوان الله عليهم هذه البركة بأعينهم، فكانوا يقتتلون على وضوئه، ويأخذوا من ريقه وعرقه، ويمسحوا أبدانهم بيده، ويحرصوا على ملامسته، وكل ذلك بمرأى منه وإقرار صلوات الله وسلامه عليه، وقد ثبت ذلك كله بأحاديث صحيحة.

ـ جواز التصرف في الهدية بإهداءٍ أو بيع أو هِبة، أو غير ذلك من التصرفات الجائزة شرعاً، وذلك أن الرجل بمجرد قبوله للهدية فقد امتلكها، ولا يشترط في تصرفه فيها الرجوع إلى مَنْ أهداها إليه، فقد كانت الهدايا تأتيه صلى الله عليه وسلم فيقبلها ويحتفظ بما شاء منها ويهدي ما شاء، وعلى المُهْدِي ألا يجد في نفسه حرجاً من فعل المُهْدَى إليه إن تصرف بهديته في وجه من وجوه الخير، لكن لو علم المُهْدَى إليه أنه إن أهدى هذه الهدية لغيره، ربما يتأثر بذلك المُهْدِي فإنه يُخْفِي عنه ذلك، مراعاة لشعوره ونفسه.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيته. فقال عمر: يا رسول الله، قد أعطيته، فما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره صلى الله عليه وسلم قول عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعُرِف في وجهه البِشْر لقول الأنصاري، ثم قال: بهذا أُمِرتُ) رواه الترمذي وضعفه الألباني.

وعلى مثل هذا الخلق النبيل ـ من الكرم والجود والعطاء والإيثار ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم يربّي أصحابه، فقد ذكر الطبراني في الكبير وأحمد في الزهد، والبيهقي في الشعب، والبزار في المسند وغيرهم عن جماعة من الصحابة بألفاظ متقاربة أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه: (أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا) صححه الألباني في الصحيحة.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

29 Nov, 07:00


○ الكاتب: موقع إسلام ويب
○ تصنيف المقال: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
○ عنوان المقال: الاسْتِخارة سُنَّة نبَوية

مِنْ هَدْي وسُنن نبينا صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة، والاستخارة هي طلب الخِيَرة، بأن يطلب المسلم مِنْ ربه سبحانه أن يوفقه لما فيه الخير له في دينه ودنياه.. قال ابن حجر: "الاستخارة: اسم، واستخار اللهَ طلب منه الخِيَرة، والمراد طلب خَيْر الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما". فالإنسان يتعرض في حياته للكثير مِنَ الأمور المجهولة العواقب، لا يدري خيرها مِنْ شَرِّها، ولا نفعها مِنْ ضرها، فيقع في حيرةٍ مِنْ أمره.. ومِن ثم شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة التي فيها الدعاء العظيم، الذي فيه توحيد الله سبحانه، والإقرار بوجوده وصفاته وكماله، وقدرته وربوبيته، وتفويضِ الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكلِ عليه، والتبرؤ مِنَ الحول والقوة، واعتراف العبد بعجزه عن معرفة مصلحته.. وصلاة الاستخارة سُنة نبوية بإجماع أهل العلم لمن أراد الإقدام على عملٍ وأمر مباح لا يَعلَم وَجْه الصَّواب فيه، فيستخير المسلمُ اللهَ تعالى في هذا الأمر، ويسأله سبحانه أن يختار له ويوفقه لما فيه الخير له في دينه ودنياه.. والاستخارة لا تكون في أمْرٍ واجب أو مندوب، لأن المسلم مأمور بفعلهما شرعًا، ولا تكون كذلك في أمر مُحَرَّم أو مكروه، لأنه مأمور بتركهما شرعًا.. ولأهمية الاستخارة في حياة المسلم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه رضوان الله عليهم في أمورهم كلِّها كما يعلمهم السورة مِنَ القرآن الكريم..

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّها، كما يُعَلِّمنا السورة مِنَ القُرْآن، يقول: إِذا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْر الفَرِيضة، ثُمَّ لِيَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِك، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك، وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك العَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِر، وَتَعْلَم ولا أَعْلَم، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوب، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَم أَنَّ هذا الأَمْر خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أو قال: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِه -، فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيه، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَم أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي. قال: وَيُسَمِّي حَاجَتَه (أي: يذكر حاجته عند قوله: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) رواه البخاري.

قال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "قوله: (أستخيرك): الاستخارة طلب الخير في الشيء، وهي استفعال من الخير، ضد الشر. وقوله: (أستقدرك) أي أطلب منك أن تجعل لي قدرة. وقوله: (فاقْدُرْه) أي اقض به وهيئه.. قوله: (مِن غير الفريضة) بعد قوله: (كما يعلمنا السورة من القرآن) يدل على الاعتناء التام البالغ حده بالصلاة والدعاء، وأنهما تلوان للفريضة والقرآن.. قوله: (بعلمك، وبقدرتك).. أي إني أطلب خيرك مستعيناً بعلمك، فإني لا أعلم فيم خيرتي، وأطلب منك القدرة، فإني لا حول لي ولا قوة إلا بك.. ثم عم الطلب بقوله: (واقْدُر لي الخير حيث كان) ثم ختم الدعاء بقوله: (ثم أرضني به) ورضي العبد ورضي الرب متلازمان، بل رضي العبد مسبوق برضي الله، ورضوان الله جماع كل الخير، وإن اليسير منه خير من الجِنان (جمع الجنة)".

وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "فقه هذا الحديث: أنه يجب على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله، وصرف أزمتها والتبرؤ مِنَ الحول والقوة إليه، وينبغي له أن لا يروم شيئًا من دقيق الأمور وجليلها، حتى يستخير الله فيه ويسأله أن يحمله فيه على الخير ويصرف عنه الشر، إذعانًا بالافتقار إليه فى كل أمر والتزامًا لذلة العبودية له، وتبركًا باتباع سُنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم في الاستخارة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن لشدة حاجتهم إلى الاستخارة في الحالات كلها كشدّة حاجتهم إلى القراءة في كل الصلوات".

وقال الشوكاني في " نيل الأوطار": "قوله: (في الأمور كلها) دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم".

وقال ابن القيِّم في "زاد المعاد" في كلامه على دعاء الاستخارة: "فتضمَّن هذا الدعاء الإقرارَ بوجودِه ـ سبحانه - والإقرار بصفاتِ كماله، مِن كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكُّل عليه، والخروج مِن عُهْدة نَفسه، والتبرِّي مِن الحَوْل والقوة إلا به - سبحانه - واعتراف العبد بعجْزِه عن علْمِه بمصلحة نفسه

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

29 Nov, 07:00


وقدْرتِه عليها وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيدِ وليِّه وفاطرِه وإلهِه الحق"..

فائدة:

1 ـ لا استخارة في واجب أو حرام، ففِعل الواجبات لا خِيَرة فيه لأن الله عز وجل ألزمنا به، وكذلك ترك المحرَّمات، فالاستخارة إنما تكون في المباحات لترجيح أحَدِ الأمْرينِ على الآخر.. والأمور التي يتعرض لها المسلم تدور على الأحكام الخمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم. والواجب والمستحب والمكروه والمحرم مِن ناحية الأصل ليست مجالًا للاستخارة لأن الشرع جاء بحكمها.. لكن المباحات المجهولة النتائج هذه مجال الاستخارة. وذكر العلماء: أنه إذا ازدحم ـ أحيانا ـ واجبان لا يدري أيهما يقدم يكون هناك مجال الاستخارة، أو تعارض مستحبان ولا بدّ من تقديم واحد منهما فقط ولا يمكن أن تقوم بالأمرين معًا فهذا مجال للاستخارة فتقدم أحد الأمرين وتسميه في دعائك وتستخير عليه.. وقد اتفق العلماء على أن الاستخارة لا محل لها في الواجب، والحرام، والمكروه، وإنما تكون في المندوبات والمباحات، والاستخارة في المندوب لا تكون في أصله لأنه مطلوب، وإنما تكون عند التعارض، أي إذا تعارض عنده أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه، أما المباح فيستخار في أصله.. قال ابن حجر: "قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) قال ابن أبي جَمْرة (عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة من العلماء بالحديث): هو لفظ عام أريد به الخصوص، فإن الواجب والمُسْتَحب لا يُستخار في فعلهما، والحرام والمكروه لا يُسْتخار في تركهما، فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه، قلتُ (أابن حجر): ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم".

2 ـ استحب بعض العلماء تقديم الاستشارة على الاستخارة، فإذا أراد المسلم أن يُقْدم على أمْرٍ مِنَ الأمور التي لا يعلم وجه الصواب فيها أن يقوم أولًا باستشارة إخوانه، وأهل العلم والدين والخبرة بذلك الشأن، ثم يستخير الله تعالى فيه. قال النووي: "يستحب أن يستشير قبل الاستخارة مَنْ يعلم مِنْ حاله النصيحة، والشفقة، والخبرة، ويثق بدينه، ومعرفته، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر}(آل عمران:159)، وإذا استشار وظهر أنه مصلحة، استخار الله تعالى في ذلك". والأمر في هذا واسع، فإن قدم الاستشارة على الاستخارة فحسن، وإن قدم الاستخارة أولاً فلا بأس، والمقصود هو الجمع بينهما.. قال ابن القيم: "وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما ندم مَنِ استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره".. وقال ابن القيم: "فالمقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبله، والرضا بعده، فمن توفيق الله لعبده وإسعاده إياه أن يختار قبل وقوعه، ويرضى بعد وقوعه، ومِنْ خذلانه له ألا يستخيره قبل وقوعه، ولا يرضى به بعد وقوعه".

3 ـ يُستحب أن يُسْتقبل القِبْلة في دعاء الاستخارة، وأن يرفع يديه، ويراعي جميع آداب الدعاء، وعلى المستخير أن يفعل ما انشرح له صدره بعد الاستخارة دون هوى، قال النووي: "ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأساً، وإلا فلا يكون مستخيراً لله بل يكون مستخيراً لهواه، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبرؤ من العلم والقدرة، وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اختياره لنفسه"..

لا يَعْلم الغَيب إلَّا الله، ولا يُقدِّرُ الخيرَ أو الشَّرَّ للعَبدِ سِوى خالِقِه عز وجل، فيَنْبغي على المسلم ألَّا يَقصِدَ شيئًا مِن دَقيق الأمور وجَليلِها حتَّى يَستخير اللهَ تعالى فيه، ويَسأَله أنْ يَحمِله فيه على الخيرِ، ويَصرِف عنه الشَّرّ، إذْعانًا بالافتقارِ إليه في كلّ أمر، والْتزامًا بذِلَّة العُبوديَّة له، واتِّباعًا لسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم في الاستخارة، وقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (كان رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّها، كما يُعَلِّمُنا السُّورَة مِنَ القُرْآنِ).. فالاستخارة عبوديةٌ لله تعالى، ودليلٌ على تعلُّق قلب المؤمن بربِّه سبحانه، وتفويض أمره إليه، والرضا بما قسمه له، وهي مَخرجٌ مِن الحيرة ومَدْعاة للطمأنينة، وهي سُنة نبوية..

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

29 Nov, 06:50


*📚# حديــث الــــيوم 📚* :

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما .


- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

*📘# شـــــــــرح ـــــ الحـديـــث🖌*:


كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ( البقرة : 286 ) ، وقوله سبحانه : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } ( الأحزاب : 5 ) .



والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه الله قال : " وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا " .



وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين : أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ، وهو ما جاء الحديث ببيانه .



فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .



ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري ومسلم في غزوة خيبر لما تبارز الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ، فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا قتل نفسه فبطل بذلك عمله ، فذهب أخوه سلمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال : ( من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته عليه ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .



على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العباد ؛ لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما بين الله تعالى ذلك في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ( النساء : 92 ) .



وأما النسيان : فقد بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .



وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .



وقد أنزل الله تعالى قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ، فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .



وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ، نحو قتل النفس المعصومة أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .



وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها، فلله الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .


« شرح أحاديث الأربعين النووية».

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

28 Nov, 10:12


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

➢ عن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته رضي الله عنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( دع ما يريبك ، إلى ما لا يريبك )* رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأمته ، يوجههم إلى ما فيه خير لمعاشهم ومعادهم، فأمرهم بسلوك درب الصالحين ، ووضح لهم معالم هذا الطريق ، والوسائل التي تقود إليه ، ومن جملة تلك النصائح النبوية ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى اجتناب كل ما فيه شبهة ، والتزام الحلال الواضح المتيقن منه .

والراوي لهذا الحديث هو : الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسبط : هو ولد البنت ، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم و للحسن سبع سنين ؛ ولذلك فإن الأحاديث التي رواها قليلة ، وهذا الحديث منها .

وقد صدّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله : ( دع ما يريبك ) فهذا أمر عام بترك كل ما يريب الإنسان ، والريبة هي الشك كما في قوله سبحانه وتعالى : { الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه } ( البقرة : 1-2 ) ، وعليه فإن الحديث يدعو إلى ترك ما يقع فيه الشك إلى ما كان واضحاً لا ريب ولا شك فيه .

وفي هذا الصدد بحث العلماء عن دلالة الأمر بترك ما فيه ريبة ، هل هو للوجوب ؟ بحيث يأثم الإنسان إذا لم يجتنب تلك المشتبهات ؟ أم إنه على الاستحباب ؟ .

إن المتأمل لهذا الحديث مع الأحاديث الأخرى التي جاءت بنفس المعنى ، يلاحظ أنها رسمت خطوطا واضحة لبيان منهج التعامل مع ما يريب ، فالأمر هنا في الأصل للتوجيه والندب ؛ لأن ترك الشبهات في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام ، يقود الإنسان إلى الورع والتقوى ، واستبراء الدين والعرض كما سبق في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، ولكن الناس في ذلك ليسوا سواء ، فإذا تعلقت الريبة في أمر محرم أو غلب الظن أن الوقوع في هذا العمل يؤدي إلى ما يغضب الله ورسوله ، عندها يتوجب على العبد ترك ما ارتاب فيه .

ولسلفنا الصالح رضوان الله عليهم الكثير من المواقف الرائعة ، والعبارات المشرقة ، التي تدل على تحليهم بالورع ، وتمسكهم بالتقوى ، فمن أقوالهم : ما جاء عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال : " تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفا أن يكون حراما " ، ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله : " يزعم الناس أن الورع شديد ، وما ورد عليّ أمران إلا أخذت بأشدهما ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، وعن أبي إسماعيل المؤدب قال : جاء رجل إلى العمري فقال : " عظني " ، قال : فأخذ حصاة من الأرض فقال : " زنة هذه من الورع يدخل قلبك ، خير لك من صلاة أهل الأرض " .

ولقد ظهر أثر الورع جليا على أفعالهم ، فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري رضي الله عنه ، أن أبا بكر رضي الله عنه ، كان له غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يأكل من خراجه ، فجاء له الغلام يوما بشيء ، فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام : " تدري ما هذا؟ " فقال :" وما هو ؟ " قال الغلام : " كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية ، وما أُحسِن الكهانة ، إلا أني خدعته ، فلقيني ، فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلت منه " ، فما كان من هذا الخليفة الراشد رضي الله عنه ، إلا أن أدخل يده فقاء ما في بطنه .

ومما ورد في سير من كانوا قبلنا ، ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اشترى رجل من رجل عقارا له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : " خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ، ولم أبتع منك الذهب " ، وقال الذي له الأرض : " إنما بعتك الأرض وما فيها " فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : " ألكما ولد ؟ " قال أحدهما : " لي غلام " ، وقال الآخر : " لي جارية " ، قال : " أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدقا ) .

وقد رؤي سفيان الثوري في المنام ، وله جناحان يطير بهما في الجنة ، فقيل له : بم نلت هذا ؟ فقال : بالورع .

وللفقهاء وقفة عند هذا الحديث ، فقد استنبطوا منه قاعدة فقهية مهمة تدخل في أبواب كثيرة من الأحكام ، ونصّ القاعدة : " اليقين لا يزول بالشك " ، فنطرح الشك ونأخذ باليقين ، وحتى نوضّح المقصود من هذه القاعدة نضرب لذلك مثلا ، فإذا أحدث رجل ، ثم شك : هل تطهّر بعد الحدث أم لا ؟ فإن الأصل المتيقّن منه أنه قد أحدث ، فيعمل به ، ويلزمه الوضوء إذا أرد أن يصلي ؛ عملا بالقاعدة السابقة ، وهكذا إذا توضأ ثم شك : هل أحدث بعد الوضوء أم لا ؟ فالأصل أنه متوضأ ؛ لأن وضوءه متيقنٌ منه ، وحدثُه مشكوك فيه ، فيعمل باليقين .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

28 Nov, 10:12


وللحديث زيادة أخرى وردت في بعض طرق الحديث ، فقد جاء في الترمذي : ( فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة ) ، وفي ذلك إشارة إلى أن المسلم إذا ابتعد عن كل ما يريبه ، فقد حمى نفسه من الوقوع في الحرام من باب أولى ، وهذا يورثه طمأنينة في نفسه ، مبعثها بُعده عن طريق الهلاك ، أما إذا لم يمتثل للتوجيه النبوي ، وأبى الابتعاد عن طريق الشبهات ، حصل له القلق والاضطراب ، لأن من طبيعة المشكوك فيه ألا يسكن له قلب ، أو يرتاح له ضمير.

وخلاصة القول : إن هذا الحديث يعطي تصورا واضحا للعبد فيما يأخذ وفيما يترك ، ومدى أثر ذلك على راحة النفس وطمأنينة الروح ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الورع والتقى ؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Nov, 04:46


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : الطهور شطر الإيمان

➢ عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن - تملأ - ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها )* رواه مسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في قومه ما أوتيه من الفصاحة والبلاغة في كلامه ؛ فعلى الرغم من كونه أميا لا يحسن القراءة و الكتابة ، إلا أنه أعجز الفصحاء ببلاغته ، ومن أبرز سمات هذا الإعجاز ما عُرف به من جوامع الكلم ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرشد أمته ويوجهها بألفاظ قليلة ، تحمل في طيّاتها العديد من المعاني ، ولم تكن هذه الألفاظ متكلفة أو صعبة ، بل كانت سهلة ميسورة على جميع فئات الناس .

وها نحن أيها القاريء الكريم ، نتناول أحد جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا الحديث قد اشتمل على العديد من التوجيهات الرائعة ، والعظات السامية ، تدعوا كل من آمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، أن يتمسك بها ، ويعمل بمقتضاها .

وأول ما ابتدأ به النبي صلى الله عليه وسلم وصيّته هو الطهور ، والطهور شرط الصلاة ، ومفتاح من مفاتيح أبواب الجنان ، ويقصد به الفعل الشرعي الذي يزيل الخبث ويرفع الحدث ، ولا تصح الصلاة إلا به ، ويشمل أيضا تطهير الثياب والبدن والمكان .

وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ) على أقوال، منها : أن الإيمان الحقيقي يشمل طهارة الباطن والظاهر ، والوضوء يطهّر الظاهر ، وهذا يدل على أن الوضوء شطر الإيمان ، واستشهدوا بالحديث الذي رواه مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فأحسن الوضوء ، خرجت خطاياه من جسده ، حتى تخرج من تحت أظفاره ) ، وقالوا أيضا : الطهارة هي شطر الصلاة ؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهور ، ومستند هذا القول أن المقصود بقوله في الحديث : ( شطر الإيمان ) هو : الصلاة ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ( البقرة : 143 ) ، أي : صلاتكم ، ومما قالوه أيضا : أن الطهور شطر الإيمان ؛ لأن الطهارة تُكفر صغائر الذنوب ، بينما الإيمان يكفر الكبائر ، فصار شطر الإيمان بهذا الاعتبار ، ولعل من الملاحظ أن هذه الأقوال متقاربة ، وكلها تصب في ذات المعنى .

ثم انتقل الحديث إلى الترغيب في ذكر الله عزوجل ، فقال : ( والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن - تملأ - ما بين السماوات والأرض ) ، وهذا يبين عظيم الأجر المترتب على هذه الكلمات الطيبات ، فالحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة ؛ وذلك لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له ؛ لذلك يستحب للعبد إذا دعا أن يقدم بين يديه الثناء الجميل ، مما يكون أدعى لقبول دعائه ، ثم إن الحمد والتسبيح يملآن ما بين السماء والأرض - بنص الحديث - ؛ والسرّ في ذلك : ما اجتمع فيهما من التنزيه للذات الإلهية ، والثناء عليها ، وما يقتضيه ذلك من الافتقار إلى الله ؛ وهذا ما جعل هاتين الكلمتين حبيبتين إلى الرحمن ، كما جاء في حديث آخر .

وأما الصلاة ، فقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنور ، وإذا كان الناس يستعينون على الظلمة بالنور ، كي تتضح لهم معالم الطريق ، ويهتدوا إلى وجهتهم ، فذلك شأن الصلاة أيضا ، فهي نور الهداية الذي يلتمسه العبد ؛ حيث تمنع الصلاة صاحبها من المعاصي ، وتنهاه عن المنكر ، كما قال تعالى في كتابه : { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت : 45 ) ، ويقوى هذا النور حتى يُرى أثره على وجه صاحبه ، قال الله تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } ( الفتح : 29 ) ، ولن تكون الصلاة نورا لصاحبها في الدنيا فحسب ، بل يشمل ذلك الدار الآخرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد ، بالنور التام يوم القيامة ) رواه الترمذي .

وإذا كانت الصلاة من مظاهر العبودية البدنية ، فإن الصدقة تعد عبادة مالية ، يزكّي بها المسلم ماله ، ويطهّر بها روحه من بخلها وحرصها على المال ، لاسيما وأن النفوس قد جبلت على محبّة المال والحرص على جمعه ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { وتحبون المال حبا جما } ( الفجر : 20 ) .

ومن محاسن هذه العبادة - أي الصدقة - أن نفعها متعد إلى الغير ، إذ بها تُسدّ حاجة الفقير وتُشبع جوعته ، ويكفل بها اليتيم ، وغير ذلك من مظاهر تلاحم لبنات المجتمع المسلم ؛ الأمر الذي جعل هذه العبادة من أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وبرهانا ساطعا على إيمان صاحبها ، وصدق يقينه بربّه .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Nov, 04:46


ولنقف قليلا مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( والصبر ضياء ) ، لنستوضح دقة هذا التعبير النبوي وروعته ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد وصف الصبر بالضياء ، والضياء في حقيقته : النور الذي يصاحبه شيء من الحرارة والإحراق ، بعكس النور الذي يكون فيه الإشراق من غير هذه الحرارة ، ويوضّح هذا المعنى قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } ( يونس : 5 ) ، فالشمس ضياء لأنها مشتملة على النور والحرارة والإحراق ، أما القمر فهو نور ، وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( والصبر ضياء ) أدركنا أن الصبر لابد أن يصاحبه شيء من المعاناة والمشقة ، وأن فيه نوعاً من المكابدة للصعاب ، فلا ينبغي للمسلم أن يعجزه ذلك أو يفتّ من عزيمته ، ولكن ليستعن بالله عزوجل ، ويحسن التوكل عليه ، حتى تمرّ المحنة ، وتنكشف الغمّة .

ثم ينتقل بنا المطاف إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فإن الله عزوجل أنزل كتابه ليكون منهاجا للمؤمنين وإماما لهم ، يبيّن لهم معالم هذا الدين ، ويوضّح لهم أحكامه ، ويأمرهم بكل فضيلة وينهاهم عن كل رذيلة ، فانقسم الناس نحوه إلى فريقين : فريق عمل بما فيه ، ووقف عند حدوده ، وتلاه حق تلاوته ، وجعله أنيسه في خلوته ، فذلك السعيد به يوم القيامة ، وفريق لم ينتفع به ، بل هجر قراءته ، وانحرف عن دربه ولم يعمل بأحكامه ، فإن هؤلاء يكون القرآن خصيما لهم يوم القيامة ، وبين هذا الفريق وذاك يقول الله عزوجل واصفا إياهما : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } ( الإسراء : 82 ).

ثم يتوّج النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بوصية رائعة ، يحدد فيها أحوال الناس وطبائعهم ، إذ الناس سائرون في خضم هذه الحياة ، يغدون ويروحون ، يكدحون في تحقيق مآربهم وطموحاتهم ، والذي يفرُق بينهم : الهدف الذي يعيشون لأجله ، فمنهم من سعى إلى فكاك نفسه وعتقها من نار جهنم ، فباع نفسه لله تعالى ، ومنهم من جعل همّه الحصول على لذات الدنيا الفانية ، وشهواتها الزائلة ، فأهلك نفسه وباعها بثمن بخس ، قال الله عزوجل : { ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها } ( الشمس : 7 – 10 ) ، فمن زكّى نفسه ، فقد باعها لله واشترى بها الجنة ، ومن دسّ نفسه في المعاصي ، فقد خاب وخسر ، وكتبت عليه الشقاوة في الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ، ويكرمنا بدخول جنته .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

22 Nov, 12:55


📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚

🔹عن أبي هريرةَ رَضِيَ الله عنه : أن رسول الله الله ذكر يوم الجمعة فقال : *( فيه سَاعَة، لا يُوافِقُها عبدٌ مُسلِم وهو قائمٌ يُصلّي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاهُ إِيَّاه)* وأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُها .

📚 رواه البخاري .

📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌

■ يُخبر النبي ﷺ عَن شيء من فضائل يوم الجمعة، وهو أنَّ فيه ساعةً جَعَلَها الله سبحانه مُجابة الدعوة؛

■ فما مِن عبد يوافقها، أي: يُصادفها، ويدعو الله سبحانه وتعالى بشيء فيها وهو قائم يصلي، إلا استجاب له تعالى وأعطاه ما سأل،

■ وأشار بيده الشريفة يُقلّلها؛ يُشير إلى أنها وقت قليل خفيف. وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة على أقوال كثيرة؛ أصحها قولان:

■ الأوَّلُ: أنَّها مِن جُلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء صلاة الجمعة، والقول الثاني: أنَّها بَعدَ العَصرِ .

■ وقد يُستشكل قوله : "قائم يُصلّي " مع أنَّ تِلكَ السَّاعَةَ لا يُصلَّى فيها، وقد أجاب عبد الله بن سَلَام عن هذا - كما في حديث آخَرَ - بقوله:

■ "أَلَمْ يَقُلْ رسولُ اللهِ ﷺ: مَن جَلَسَ مَجلِسًا ينتظر الصَّلاةَ، فهو في صلاة حتَّى يُصلّي "؟!

■ فيكون المراد هو الانشغال بالدعاء والذكر حال انتظارِ الصَّلاةِ. وقيل : يحتمل أن يكون المراد من الصَّلاةِ الدُّعاء،

■ والمراد من القيام : الملازمة والمواظبة، لا حقيقة القيام.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

21 Nov, 06:27


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : لا ضرر ولا ضرار

➢ عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندا .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

امتازت قواعد الشريعة الإسلامية بشموليتها واتساع معناها ، بحيث يستطيع المرء أن يعرف من خلالها الحكم الشرعي لكثير من المسائل التي تندرج تحتها ، ومن جملة تلك القواعد العظيمة ، ما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، فإن هذا الحديث على قصره يدخل في كثير من الأحكام الشرعية ، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس ، في العاجل والآجل .

وإذا عدنا إلى لفظ الحديث ، فإننا نجد أنه قد نفى الضرر أولا ، ثم نفى الضرار ثانيا ، وهذا يشعرنا بوجود فرق بين معنى الضرر ومعنى الضرار ، وقد ذكر العلماء كلاما مطولا حول ذلك، وأقرب تصوّر لمعنى الكلمتين : أن نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام ، وأما نفي الضرار : فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله .

ومن هنا ، فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين الإسلامي يرسّخ معاني الرحمة والتيسير ، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق ، فلا يمكن أن تجد في أحكامه أمراً بما فيه مضرّة ، أو نهياً عن شيء يحقق المصلحة الراجحة ، وإذا نظرت إلى ما جاء تحريمه في القرآن الكريم أو في السنة النبوية فلابد أن تجد فيه خبثا ومفسدة ، مصداقا لقوله تعالى : { ويحرّم عليهم الخبائث } ( الأعراف : 157 ) .

ومن ناحية أخرى فإن كل ما ورد في الكتاب والسنة من أوامر ، فالأصل أنها مقدورة ، داخلة ضمن حدود الطاقة ، وإذا عرض للإنسان أحوال تمنعه من إتمام الامتثال بالأمر الشرعي ، كأن يلمّ به مرض أو عجز أو نحوهما ، فهنا يأتي التخفيف من الله تعالى ، كما في رخصة الإفطار في نهار رمضان ، ورخصة الجمع والقصر في الصلاة ، وغير ذلك كثير.

على أن الضرر المنفي في الدين لا يتناول العقوبة والقصاص ؛ لأن عقاب المجرم على جريمته هو السبيل الوحيد الذي يردع الناس عن انتهاك حدود الله ، والاعتداء على حقوق الآخرين ، بل إننا نقول : إن هذه الحدود التي شرعها الله عزوجل هي مقتضى العدل والحكمة ؛ إذ لا يُعقَل أن نغلّب جانب مصلحة الفرد على حساب مصلحة المجتمع كله ، ولا يُعقل أن ننظر بعين العطف على الجاني ، ونتناسى حق من جنى عليهم ، ولذلك يقول الله عزوجل : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } ( البقرة : 179 ) .

ولم يقتصر الحديث على نفي الضرر في الشريعة ، بل أتبعه بالنهي عن إضرار العباد بعضهم لبعض ، فالمكلف منهي عن كل فعل يترتب عليه إضرار الآخرين ، سواء قصد صاحبه الإضرار أم لم يقصد .

وهذا أصل عظيم من أصول الدين ؛ فإن الفرد إذا التزم بصيانة حقوق غيره وعدم الإضرار بها، فإن من شأن ذلك أن تقل المنازعات بين الناس ، فينشأ المجتمع على أساس من الاحترام المتبادل بين أفراده .

أما إذا تخلى الناس عن العمل بهذا المبدأ ، وصار كل إنسان ينظر إلى مصلحته دون أي اعتبار للآخرين ، فهنا تحصل الكارثة ، وتشيع الأنانية المدمرة ، وهذا ما جاء الإسلام بإزالته والقضاء عليه .

لقد حرّم الإسلام الضرار بكل صوره ، وجميع أشكاله ، حتى حرّم الإضرار بالآخرين منذ ولادتهم إلى حين وفاتهم ، بل وبعد موتهم ، فحرّم إضرار الأم بولدها ، كما قال الله تعالى : { لا تضار والدة بولدها } ( البقرة : 233 ) ، وحرّم تغيير الوصية بعد سماعها ، وحرّم إضرار الموصي في وصيّته ، وحفظ للأموات حقوقهم حتى حرّم سب الأموات ، فما أعظمها من شريعة ، وما أحسنه من دين .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

21 Nov, 06:27


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي.

➢ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : *( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )* رواه مسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

بين يديك - أخي الكريم - أحد الأحاديث القدسية العظيمة ، التي يرويها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل وعلا ، فتعال بنا نعيش مع هذا الحديث ، ونستظل بفيئه ، وننهل من عذبه الصافي .

لقد بدأ الحديث بإرساء قواعد العدل في النفوس ، وتحريم الظلم والعدوان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) ، وحقيقة الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا مناف لكمال الله تعالى وعدله ، فلذلك نزّه الله تعالى نفسه عن الظلم فقال : { وما أنا بظلام للعبيد } ( ق : 29 ) ، وقال أيضا : { وما الله يريد ظلما للعباد } ( غافر : 31 ) .

ولئن كان الله تعالى قد حرّم الظلم على نفسه ، فقد حرّمه على عباده ، وحذّرهم أن يقعوا فيه ؛ وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم ، وآثاره المدمرة على المجتمعات ، وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ، وتعجيل العقوبة عليهم ، كما قال سبحانه في كتابه العزيز : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود : 102 ) ، ومن ثمّ كانت دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ، ويرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ، بل إنه سبحانه وتعالى يقول لها ( وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ) كما صح بذلك الحديث .

ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار الخلق إلى ربهم وحاجتهم إليه ، وذلك في قوله : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ) ، فبيّن أن الخليقة كلها ليس بيدها من الأمر شيء ، ولا تملك لنفسها و لا لغيرها حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في أمور معاشها أم معادها ، وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ، حيث قال : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ( الحج : 73 ) أي : إذا أخذ الذباب شيئا من طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه ما استطاعوا أبدا ، فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم ومعادهم .

وليس افتقار العباد إلى ربهم مقصورا على الطعام والكساء ونحوهما ، بل يشمل الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ : { اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة : 6 ) .

ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال : ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ) ، إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر ، فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ، وهذه الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) ، فإذا كان الأمر كذلك فإن على الإنسان المسلم أن يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما فرّط في جنب الله ، ثم يوظّف هذا الندم الذي يصيبه بأن يعزم على عدم تكرار هذا الذنب ، فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة والعهد ولم ييأس ، ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده المخطئين .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

21 Nov, 06:27


ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه - شيئا من مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ، مبتدئا بالإشارة إلى استغناء الله عن خلقه وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } ( فاطر : 15 ) ، فالله تعالى غني حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ، بل لو آمن من في الأرض جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ، ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ، لأن الله سبحانه وتعالى مستغن بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عزوجل : { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } ( الأنعام : 104 ) ، فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ، ومن تعامى عن معرفة الحق ، وآثر عليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ، وأوردها الردى .

وبالرغم من ذلك فإن نعم الله سبحانه مبثوثة للطائع والعاصي على السواء ، دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ، وهذا من كرم الله تعالى وجوده ، وهي أيضا مظهر من مظاهر سعة ملك الله تعالى ، فإن الله لو أعطى جميع الخلق ما يرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر.

ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ، بيّن سبحانه أن العباد محاسبون على أعمالهم ، ومسؤولون عن تصرفاتهم ، فقد جعل الله لهم الدنيا دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ، فإذا رأى العبد في صحيفته ما يسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ، إذ لولا الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ، وإن كانت الأخرى ، فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه.

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

21 Nov, 06:25


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : كل سلامى من الناس عليه صدقة

➢ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )* رواه البخاري ومسلم .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

سبق وأن بيّنا في مقال سابق أن للصدقة مفهوما واسعا لا يقتصر على بذل المال وإنفاقه في أوجه البرّ والخير ، وأنه يشمل كثيرا من الطاعات والعبادات التي تبرهن على صدق صاحبها في عبوديته لربّه تبارك وتعالى ( والصدقة برهان ) ، كما وضّحنا أن من الصدقة ما يكون نفعها قاصرا على العبد ، ومنها ما يكون نفعها متعدّ إلى الذين من حوله ، وفي الحديث الذي بين يدينا أتى التركيز على تلك الأعمال التي يعمّ خيرها على الجميع ، فيتحقّق بها الائتلاف بين لبنات الأمة ، وتجتمع القلوب على كلمة سواء ، ومحبة دائمة .

وهنا يبتديء النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بتذكير المؤمنين بنعمة عظيمة من نعم الله عزوجل على الناس فيقول : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ) ، إنه تذكير بعظمة الله وقدرته على خلق الإنسان والإبداع في تركيبه وتنظيم عمل أعضائه ، على نحو تعجز عنه طاقات البشر وإمكاناتهم ، وقد جاء التذكير الرباني بهذه النعمة في عدة مواضع من كتاب الله ، يقول الله عزوجل : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ( النحل : 78 ) ، ويقول أيضا : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك } ( الانفطار : 6 – 8 ) .

وهذه النعمة العظيمة تتطلب من الإنسان شكرا لها ، وهذا الشكر سببٌ لمباركة هذه النعم ودوامها .

وقد يظن البعض أن شكر النعم يكون باللسان فقط ، والحقيقة أن هذا لا يكفي ، نعم : الشكر باللسان أمر مطلوب شرعا ، ولكن ينبغي أن يضمّ إليه الشكر بالعمل ، فيحقّق بذلك أعلى درجات الشكر للخالق ، وحين نستعرض الصور التي وردت في الحديث الذي نتناوله ، نجد أكثرها يدخل في باب الشكر بالعمل .

فالعدل بين المتخاصمين شكر على نعمة اللسان الذي نطق بالحق ، وشكر على نعمة العقل الذي أعان العبد على اختيار الحق والقضاء به ، وشكر على نعمة الهداية والتوفيق التي أعانت على الإصلاح بين المتخاصمين ، ولو مضينا في ذكر هذه النعم فلن نحصيها عددا ، وحسبنا أن نعلم أن هذا العمل الخيّر هو من أفضل القربات إلى الله عزوجل ، كما أنه سبب تلتئم به المشاحنات التي تحصل بين الناس ، فهو إذا صدقة على المجتمع المسلم .

والصورة التالية التي ذُكرت في الحديث : ( وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة ) إنّه مثال حيّ على قضية التعاون على البرّ والتقوى ، ووجه من وجوه التكافل الإنساني ، لاسيما وأن الفرد بطبيعته لا يستطيع أن ينفرد بقضاء شؤونه كلها ، بل لابد له من الاستعانة بغيره ، وهذه سنة الله في خلقه أن جعل الناس يتخذون بعضهم بعضا سخريّا ، فإذا قام كل فرد بإعانة أخيه وتوفير حاجته ، انتشرت المحبّة بين المؤمنين .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( والكلمة الطيبة صدقة ) : فهو حديث عن صدقة من أعظم الصدقات ، إنها الكلمة الطيبة ، فكم كان للكلمة الطيبة من أثر واضح على كثير من الناس ، ولكم تناهى إلى أسماعنا من قصص في القديم والحديث تدل على أثر الكلمة الطيبة ، يروي أحد السلف قصته فيقول : " كنت غلاما حسن الصوت ، جيّد الضرب بالطنبور ، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنّيهم ، فمر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، فدخل فضرب البساط وكسر الطنبور ، ثم قال : لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت!! . ثم مضى ، فقلت لأصحابي : من هذا ؟ ، قالوا : هذا عبدالله بن مسعود ، فألقى الله في نفسي التوبة ، فسعيت أبكي وأخذتُ بثوبه ، فأقبل عليّ فاعتنقني وبكى ، وقال لي : مرحبا بمن أحبه الله " ، فلك أن تتخيّل أن كل عمل عمله هذا الرجل إنما هو في ميزان حسنات عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، والسبب في ذلك : كلمة طيبة وافقت ساعة هداية .

وللكلمة الطيبة وجوه متعددة وصور متنوعة ، فهي الذكر لله عزوجل ، وهي الشفاعة الحسنة التي تقضي للناس حوائجهم ، وهي التسلية للمصاب لتخفف عنه بلاءه ، وهي الموعظة الصادقة التي ترشد العباد إلى ربهم ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي كل ما يُسرّ بها السامع ، وما يجمع القلوب ويؤلفها .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

21 Nov, 06:25


ثم يأتي الحث على حضور الصلوات في المساجد ، لإدراك الخير ، وتحصيل الأجر ، وقد ورد في فضل ذلك الكثير من الأحاديث ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) ، وقال أيضا : ( من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح ) متفق عليه .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) ففيه إشارة إلى أن جميع الأعمال الصالحة التي تصدر عن العبد تحقق معنى الشكر ، مهما كان هذا العمل صغيرا في نظر صاحبه ، دقيقا في مقياس الخلق ، وفي هذا دلالة على عظم هذا الدين وشموليته .

وختاما : فإن أعمال العباد كلها لا تساوي قدر أقل نعمة من نعم الله المتكاثرة ، فلئن كان شكرها لا يوافي قدرها ، فلا أقل من رعاية الحواس حق الرعاية ، وصيانتها من استعمالها في غير مرضاة خالقها ومولاها ، لعل ذلك يكون أقل ما يجب.نسأل الله التوفيق والسداد.

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

18 Nov, 05:54


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : البينة على المدعي

➢ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : *( لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم ، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر )* حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

جبل الله النفس على الضعف ، كما قال تعالى : { وخلق الإنسان ضعيفا } ( النساء : 28 ) ، وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي ، والضعف البدني ، وقد يصبح الضعف في بعض الأحيان مولداً للأخلاق الرديئة ، والصفات الذميمة ، حتى يقود الإنسان إلى أن يدّعي على أخيه ما ليس من حقّه ، فيزعم أنه قد أخذ له مالاً ، أو سفك له دماً ، أو أخذ أرضا ، بدعوات كثيرة ليست مبنية على دليل أو برهان ، بل هي تهم باطلة قائمة على البغي والعدوان .

ولو كانت الموازين البشرية أو مقاييسها هي المرجعية فيما يقع بين الناس من اختلاف ، لعمت الفوضى ، وانتشر الظلم ، وضاعت حقوق الناس ، وأُهدرت دماء واستبيحت أموال بغير حق ، لكن من رحمة الله أنه لم يترك الناس هملا ، ولم يكلهم إلى أنفسهم ، بل شرع لهم من الشرائع ما هو كفيل بتحقيق العدل والإنصاف بين الناس ، وما هو سبيل لتمييز الحق من الباطل ، بميزان لا يميل مع الهوى ، ولا يتأثر بالعاطفة ، ولكنه راسخ رسوخ الجبال ، قائم على الوضوح والبرهان .

ومن هذا المنطلق أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ، ليكون أصلا في باب القضاء بين الناس ، إذ هو منهج يجب أن يسير عليه كل من أراد أن يفصل بين خصومات الناس ، ليعود الحق إلى نصابه وأهله ، ويرتدع أصحاب النفوس المريضة عن التطاول على حقوق غيرهم .

إن هذا الحديث يبيّن أن مجرد ادعاء الحق على الخصم لا يكفي ، إذا لم تكن هذه الدعوى مصحوبة ببينة تبين صحة هذه الدعوى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكن البيّنة على المدّعي ) .

وتعريف البيّنة : اسم جامع لكل ما يظهر الحق ويبيّنه ، وعلى هذا فهناك أمور كثيرة يصدق عليها هذا المعنى ، فمن ذلك : الشهود ، فعندما يشهد الشهود على حق من الحقوق فإن ذلك من أعظم البراهين على صدق المدّعي ، ومن هنا أمرنا الله بالإشهاد في الدَّيْن حفظا لهذا الحق من الضياع فقال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ( البقرة : 282 ) .

ومن البينات أيضا : إقرار المدعى عليه ، وهو في الحقيقة من أعظم الأدلة على صحة الدعوى ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ومن هذا الباب أيضا : القرائن الدالة على القضية ، وفهم القاضي للمسألة باختبار يجريه على المتخاصمين ، إلى غير ذلك من أنواع البيّنات .

فإذا افتقرت هذه الخصومة إلى بينة تدل على الحق ، أو لم تكتمل الأدلة على صحتها ، توجه القاضي إلى المدعى عليه ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالمنكر ، والمقصود أنه ينكر الحق الذي يطالبه به خصمه ، وينكر صحة هذه الدعوى .

ويطلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف على عدم صدق هذه الدعوى ، فإذا فعل ذلك ، برئت ذمته ، وسقطت الدعوى ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال : " كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله : ( شاهداك أو يمينه ) .

ولعل سائلا يسأل : لماذا اختص المدعي بالبينة ، والمنكر باليمين ؟ وما هي الحكمة من هذا التقسيم ؟ والجواب على ذلك : أن الشخص إذا ادعى على غيره أمرا ، فإنه يدعي أمرا خفيا يخالف ظاهر الحال ، فلذلك يحتاج إلى أن يساند دعواه تلك ببيّنة ظاهرة قوية تؤيد صحة دعواه، بينما يتمسّك المنكر بظاهر الأمر ، ويبقى على الأصل ، فجاءت الحجة الأضعف – وهي اليمين – في حقه .

فإذا لم يأت المدعي بالبينة ، وأنكر المدعى عليه استحقاق خصمه وحلف على ذلك ، لزم القاضي أن يحكم لصالح المنكر ، لأنه حكمه هذا مبني على ظاهر الأمر والحال .

لكن ثمة أمر ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن قضاء القاضي لا يحل حراما ولا يحل حلالا ، ولا يغير من حقائق الأمور ، لأن القاضي لا يعلم الغيب ، وقد يكون هناك من الأدلة الزائفة أو الشهادات الكاذبة ما يخفى عليه فيحكم بموجبها ، كما ثبت في البخاري و مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على تخويف الناس من أخذ الحرام فقال : ( من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر - أي كاذب - ، لقي الله وهو عليه غضبان ) ،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

18 Nov, 05:54


وأنزل الله تصديق ذلك : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } ( آل عمران : 77 ) .

وعلى أية حال : فإن هذا الحديث تربية شاملة للأمة الإسلامية على الأمانة في أقوالهم ، والعدل في أحكامهم ، دون النظر إلى لون أو جنس أو معرفة سابقة ، وجدير بمجتمع يقوم على هذه القيم أن يكتب له التمكين على الأرض .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

17 Nov, 09:18


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

➢ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، *أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ البَادِيَةِ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قالَ: ويْلَكَ! وما أعْدَدْتَ لَهَا؟ قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: إنَّكَ مع مَن أحْبَبْتَ. فَقُلْنَا: ونَحْنُ كَذلكَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَفَرِحْنَا يَومَئذٍ فَرَحًا شَدِيدًا، فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ -وكانَ مِن أقْرَانِي- فَقالَ: إنْ أُخِّرَ هذا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ* .

📚 المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 6167 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه مسلم (2639) باختلاف يسير.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

وَقْتُ قِيامِ السَّاعةِ مِنَ الغَيبيَّاتِ الَّتي استأثرَ المولى سُبحانه وتعالَى بها، ولم يُطلِعْ عليه أَحدًا؛ ولذلك فإنَّ المؤمنَ لا يَنشِغلُ بِمَوعدِ قيامِها، وإنَّما يَجِبُ أنْ تَنصرِفَ هِمَّتُه إلى زادِه إليها وما أعدَّ لها مِنَ العملِ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مِن أهلِ الباديةِ -وهو الذي يسكُنُ الصَّحراءَ- قيل: هو ذو الخُوَيصِرة اليَمانيُّ، وهو الذي بال في المسجِدِ؛ سَألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن وقْتِ قيامِ السَّاعةِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ويْلَكَ! وما أعددْتَ لها؟»، والويلُ هو الدُّعاءُ بِالهلاكِ، وليس مَقصودًا هنا، وإنَّما هو تَعنيفٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه سلَّم؛ لِيَنشغِلَ بِالأصلحِ له -وهو العملُ الصَّالحُ- لا بِموعدِ قيامِ السَّاعةِ.

فقال له الرَّجلُ بعْدَ أنْ سَمِعَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك: «ما أعددْتُ لها إلَّا أنِّي أُحبُّ اللهَ ورَسولَه»، ولم يذكُرْ غيرَها من العباداتِ القَلبيَّةِ والبَدَنيَّةِ والماليَّةِ؛ لأنها كُلَّها فروعٌ للمَحَبَّةِ مترتِّبةٌ عليها، ولأنَّ المحبَّةَ هي أعلَمُ منازِلِ السَّائِرين، وأعلى مقاماتِ الطَّائرين؛ فإنها باعِثةٌ لمحبَّةِ اللهِ أو نتيجةٌ لها، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّكَ مع مَن أحببْتَ»، أي: معهم في الجنَّةِ.

وليس المرادُ بالمَعِيَّةِ التساوي في الدَّرَجةِ والمنَزلةِ، بل المرادُ كَونُهم في الجنَّةِ بحيث يتمكَّنُ كُلُّ واحدٍ منهم من رؤيةِ الآخَرِ وإن بَعُد المكانُ؛ لأنَّ الحجابَ إذا زال شاهَدَ بَعضُهم بعضًا، وإذا أرادوا الرُّؤيةَ والتلاقي قدَروا على ذلك.

فقال الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم: «ونحْنُ كذلك»، أي: نحْنُ أيضًا نُحبُّ اللهَ ورسولَه، فهل نكونُ مع مَن أحبَبْنَا؟ فقال لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «نَعمْ»، فَفرِحوا بذلك فرحًا شديدًا.

ثم أخبر أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ غُلامَ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ -وهو مملوكُه دونَ سِنِّ البُلوغِ والتكليفِ، واسمُه محمَّدٌ،

وقيل: سعيدٌ- مرَّ عليهم، وكان مِن أقرانِ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي اللهُ عنه، أي: مُقارِبٌ له في عُمْرِه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنْ أُخِّرَ هذا» أي: إنْ عاشَ ولم يَمُتْ في صِغَرِه، «فلنْ يُدرِكَه الهرمُ حتَّى تقومُ السَّاعةُ»، أي: ساعةُ الحاضرِينَ عندَه، يعني مَوتَهم؛ لأنَّ مَن ماتَ فقدْ قامَتْ قِيامَتُه، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرادَ المبالغةَ في بيان قُربِها، أو أنَّه عَلِمَ أنَّ هذا الغلامَ لا يَعيشُ حتَّى يَكبُرَ في العُمُرِ.

➢ وفي الحَديثِ:
- فَضلُ حُبِّ اللهِ ورَسولِه والصَّالحينَ مِن المؤمِنين.
- وفيه: ضرورةُ انشِغالِ المسلِمِ بالأصلَحِ والأنفَعِ له، وتَرْكُ السؤالِ عَمَّا لا ينفَعُه.
- وفيه: مخاطبةُ النَّاسِ على قَدْرِ عُقولِهم.
- وفيه: أنَّ السَّاعةَ قد تُطلَقُ ويُرادُ بها الموتُ.

*📚 مصدر شرح الحديث: الدُّرر السَّنيّة.*

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

16 Nov, 06:25


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : فعليكم بسنتي

➢ عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : *( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )* رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

خلال ثلاث وعشرين سنة ، لم يدّخر النبي صلى الله عليه وسلم جهدا في تربية الناس وإرشادهم ، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم هداية للناس ، ونورا للأمة ، يضيء لهم معالم الطريق ، ويبين لهم عقبات المسير وصعوباته .

لقد ظل هذا النبي الكريم على هذا المنوال طيلة حياته ، حتى جاء ذلك اليوم الذي نزل عليه قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } (النصر : 1 - 3 ) ، حينها أدرك دنوّ أجله ، وازداد يقينا بذلك حينما خيّره الله بين البقاء في الدنيا والانتقال للدار الآخره ، وتكاثرت الإرهاصات الدالّة على قرب لحوقه بربّه ، فأدركته الشفقة على أمته من بعده ، وأراد أن يعظهم موعظة نافعة ، ووصية جامعة ، تعطيهم منهاجا متكاملا للتعامل مع ما سيمرّ بهم من فتن ، وما قد يبتلون به من محن ، فتكون هذه الوصية لهم بمثابة طوق النجاة في بحر الحياة الخِضم .

وكان لهذه الموعظة العظيمة أكبر الأثر في تلك النفوس الكريمة والمعادن الأصيلة ، لقد استشعروا في هذه الوصية قرب فراق نبيهم للدنيا ؛ ولذلك ذرفت عيونهم وخفقت قلوبهم ، وأحسوا بعظم الموقف مما جعلهم يقولون : " يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا ".

لقد طلبوا منه وصية تكفيهم من بعده ، وتكفل لهم البقاء على الجادّة ، وصحة المسير ، فجاءتهم الوصية النبوية بتقوى الله ؛ فإنها جماع كل خير ، وملاك كل أمر ، وفيها النجاة لمن أراد في الدنيا والآخرة .

ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ببيان حقوق الإمام التي كفلها الشرع، فقال : (.. والسمع والطاعة - أي : للأمير - ، وإن تأمر عليكم عبد ) ، فالسمع والطاعة حقّان من حقوق الإمام الشرعي كما قال الله عزوجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ( النساء : 59 ) ، وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : ( يا أيها الناس اتقوا الله ، واسمعوا وأطيعوا وأن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع ، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل ) رواه أحمد وأصله في البخاري ، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على ذلك .

وعلى الرغم من دخول السمع والطاعة للإمام في باب التقوى ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده بالذكر ؛ تأكيدا على أهميته، وعظم شأنه وخطره .

لكن ثمة أمر ينبغي أن نلقي الضوء عليه ، وهو أن هذه الطاعة التي تلزم للإمام الشرعي مشروطة بأن تكون موافقة لأحكام الشرعية ، وليست مستقلة بنفسها ، فإذا تعارض أمره مع شرع الله ورسوله فلا تجب طاعته في ذلك ، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري ومسلم .

وقد ذكر العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن تأمّر عليكم عبد ) أمران ، الأول: أن ذلك من باب الإخبار بالأمور الغيبية ، حين تُسند الولاية إلى غير أهلها ، وتوضع في غير موضعها ، فهنا يجب له السمع والطاعة درءا لحدوث الفتن ، والثاني : أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر جاء من باب ضرب المثل ، وذلك كقوله في الحديث الآخر : ( من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر ، بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه ابن ماجة ، ومفحص القطاة أقل من أن يتسع لفرد ، وأصغر من أن يكون مسجدا .

ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اختلاف أمته من بعده ، وكيفية النجاة من هذا الاختلاف ، لقد قال : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) ، إنها إشارة إلى ما سيؤول إليه أمر الأمة من تفرّق يوهن قوتها ، وابتعاد عن الهدى والحق ، فوصف الداء وبيّن الدواء ، وأرشدها إلى التمسك بسنته ، وسنة خلفائه الراشدين من بعده ، الذين منّ الله عليهم بالهداية ومعرفة الحق ، والاستقامة على المنهاج النبوي ، حتى صار عصرهم أنموذجا رفيعا يُقتدى به .

وفي ضوء ذلك، يمكن أن نفهم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم الله على التزام هديهم عندما قال : ( عضّوا عليها بالنواجذ ) ، والنواجذ هي آخر الأضراس ، فهي إذاً كناية عن شدة التمسّك وعدم الحيدة عن هذا الطريق .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

16 Nov, 06:25


إن هذه النصيحة النبوية لتحمل في ثناياها التصوّر الواضح والتأصيل الشرعي الصحيح الذي ينبغي على المسلم أن ينتهجه في حياته ، وبذلك تزداد الحاجة إلى تأمل هذا الحديث واستخراج معانيه العظيمة ، نسأل الله تعالى أن يكتب لنا العصمة من الضلال .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

15 Nov, 04:01


🖋فـضـلُ يـوم الجمعة

1⃣ قال رسول الله ﷺ :
أفضلُ الأَيَّامِ عندَ اللهِ يومُ الجمعةِ

📚صححه الألباني في
السلسلة الصحيحة - رقم: (1502)
صحيح الجامع - رقم: (1098)

2⃣ قال رسول الله ﷺ :
أفضلُ الصلواتِ عند اللهِ صلاةُ الصبحِ يومَ الجمعةِ في جماعة

📚السلسلة الصحيحة -
الألباني صحيح - رقم: 1566

3⃣ قال رسول الله ﷺ :
أكثِروا الصَّلاةَ عليَّ يومَ الجمُعةِ و ليلةَ الجمُعةِ ، فمَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليهِ عَشرً

📚صحيح الجامع
الألباني حسن - رقم: 1209

4⃣ قال رسول الله ﷺ :
ما مِن مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ
الجمعةِ إلَّا وقاهُ اللَّهُ فِتنةَ القبرِ

📚حسنه الألباني في صحيح الترمذي - رقم: (1074) ، تخريج مشكاة المصابيح - رقم: (1316) الألباني :إسناده حسن أو صحيح لغيره

5⃣ قال رسول الله ﷺ :
الصَّلاةُ الخمسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ
كفَّارةٌ لما بينَهنَّ ما لم تُغشَ الْكبائرُ

📚صحيح مسلم - رقم: (233)

6⃣ وفي رواية اخرى :
الجمُعةُ إلى الجمُعةِ كفَّارةُ ما بينهما
ما لم تُغْشَ الكبائرُ

📚الألباني - صحيح الجامع رقم: (3110)

7⃣ قال رسول الله ﷺ :
لا يُقيمَنَّ أحدُكم أخاه يومَ الجُمُعةِ . ثم لِيخالفَ إلى مقعدِه فيقعدُ فيه .
ولكن يقولُ : أَفسِحُوا

📚صحيح مسلم - رقم: (2178)

8⃣ قال رسول الله ﷺ :
إذا راح أحدُكم إلى الجمعةِ فليغتسل

📚صحيح البخاري - رقم: (882)

9⃣ قال رسول الله ﷺ :
مَن قرأَ سورةَ الكَهفِ في يومِ الجمعةِ ؛ أضاءَ لهُ منَ النُّورِ ما بينَ الجُمعتَينِ

📚حسنه الألباني في
تخريج مشكاة المصابيح - رقم:(2116)

🔟 وفي رواية اخرى :
من قرأ سورةَ الكهفِ ليلةَ الجمعةِ ،
أضاء له من النورِ ما بينه وبين البيتِ العتيقِ

📚صححه الألباني في
صحيح الترغيب -رقم: (736)

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

11 Nov, 04:06


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : إن الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها

➢ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : *( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء - رحمة لكم غير نسيان - فلا تبحثوا عنها )* حديث حسن ، رواه الدارقطني وغيره .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

عندما نقف متأملين لهذا الحديث ، فإننا نلحظ ما فيه من استيعاب لأحكام الشريعة الإسلامية ، وما فيه من توضيح لطبيعة هذا الدين وحقيقته ؛ ولأجل ذلك أولى العلماء هذا الحديث اهتماما بالغا قادهم إلى دراسته واستخراج معانيه ، وبلغ بهم أن قالوا عن هذا الحديث : " ليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من هذا الحديث " .

وإذا نظرنا إلى هذا الحديث ، فإننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد لنا معالم هذا الدين وطبيعته ، فعبّر عن شرع الله بألفاظ أربعة : الفرائض والمحارم ، والحدود والمسكوت عنه ، وترتبط هذه الألفاظ ارتباطا وثيقا محكما ، لترسم لنا التصوّر الصحيح للمنهج الذي ينبغي أن يسير عليه المسلم في هذه الدنيا .

لقد كانت أول قضيّة يتناولها الحديث بيان موقف المكلّف نحو ما يرد عليه من الأوامر في الكتاب والسنة فقال : ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ) ، إنه توجيه إلى عدم التفريط في أداء الفرائض ، والفرائض هي الواجبات الشرعية التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها ، ومنها ما يكون واجبا على كل أفراد الأمة ، وهو ما يسمّى بالفرائض العينيّة ، ومنها ما هو واجب على الكفاية ، أي : إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين .

فهذه الفرائض - بنوعيها - واجبة على كل مكلّف مادام مستطيعا ، وإذا ورد الأمر من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلّم فلا مجال لردّه أو عدم تنفيذه ؛ لأن هذا هو مقتضى إيمان العبد بالله ورسوله ، كما قال الله تعالى في كتابه : { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } ( الأنفال : 1 ) ، فهذه الطاعة هي هي عنوان العبودية والتسليم لحكم الله وشرعه .

وإذا تأمّلنا نصوص الوحيين فإننا نجد أنه قد جاء التعبير عن الفرض بكلمة أخرى هي الواجب، والحقيقة أنه لا فرق بين هذين اللفظين من حيث العمل ، فكلاهما لازمٌ أداؤه ، لكن ذهب بعض أهل العلم - كالإمام أحمد وغيره - إلى التفريق بينهما من ناحية المرتبة ، فجعلوا ما ثبت عن طريق الكتاب فرضا ، وما ثبت عن طريق السنة واجبا ، وبعضهم جعل الفرض أعلى رتبة من الواجب ؛ لأن الفرض عندهم هو ما ثبت بدليل قطعي ، والواجب ما ثبت بالظن ، وعلى أية حال فإن هذا تفريق اصطلاحي لا يؤثر على حكم العمل بهما .

أما فيما يتعلّق بالمحرّمات ، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تركها فقال : ( وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ) ، فدعا إلى ترك المعاصي بجميع أنواعها ، وإنما عبّر هنا بلفظ الانتهاك؛ ليبيّن ما عليه حال من يقارف المعاصي من تعدٍّ وعدوان على أحكام الله عزوجل ، فأتى بهذه اللفظة للتنفير عن كل ما نهى الله عنه.

ولما كان مدار التكليف كله على فعل المأمور وترك المحذور ، والتقيد بأحكام الشريعة ، والالتزام بما ورد فيها ، والوقوف عند حدودها وعدم تجاوزها ، أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ( وحدّ حدودا فلا تعتدوها ) .

والحدود لفظة وردت في مواضع كثيرة من الكتاب والسنة ، ولها مدلولات كثيرة بحسب ما تتعلق به ، ففي الأوامر : يكون الوقوف عند حدود الله بعدم الخروج عن دائرة المأذون به إلى دائرة غير المأذون ، وأما فيما يتعلّق بالنواهي فيحرم مجرّد الاقتراب منها ؛ لأن الله تعالى إذا حرّم شيئاً ، حرّم كل ما يؤدي إليه ، وتلك هي خطوات الشيطان التي جاء التحذير منها في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } ( النور : 21 ) .

فإذا كان هذا هو موقف المسلم تجاه ما ورد بيانه في الشريعة ، فما هو موقفه تجاه ما سكت عنه الشرع ولم يوضح حكمه ؟ وللجواب عن هذا نقول : إذا لم يرد نصّ في حكم مسألة ما ، فإننا نبقى على الأصل ، وهو الإباحة .

وهذا هو السكوت المقصود في قوله : ( وسكت عن أشياء - رحمة لكم غير نسيان - فلا تبحثوا عنها ) ، إنه سكوت عن إظهار حكمه ، ومقتضاه أن يكون باقيا على أصل إباحته ، وليس معنى هذا جواز الابتداع في الدين والزيادة فيه ، بحجة أنه مسكوت عنه ؛ فإن الابتداع ليس مسكوتا عنه ، بل هو محرّم كما دلّت الأدلّة على ذلك .

ومما سبق يتبين لنا معاني تلك الألفاظ الأربعة ، والتي ترشدنا إلى القيام بحقوق الله ولزوم شريعته ، مع العفو عما سُكت عنه ، فدخل الدين كله في تلك الكلمات القليلة الجامعة المانعة .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

11 Nov, 04:02


• وردك_حياتك
• ابدأ_يومك_بكلام_ربك
• افتح_مصحفك
• القرآن_من_أعظم_الزاد
• أنشر تؤجر

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

10 Nov, 09:52


• وردك_حياتك
• ابدأ_يومك_بكلام_ربك
• افتح_مصحفك
• القرآن_من_أعظم_الزاد
• أنشر تؤجر

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

10 Nov, 07:00


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : ازهد في الدنيا يحبك الله

➢ عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ، فقال : *( ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس )* رواه ابن ماجة .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

الإنسان اجتماعي بطبعه ، يحبّ أن يأنس بالناس ، وأن يأنس به الناس ، كما يعجبه أن يكون محبوبا في مجتمعه ، محترما في بيئته ، لذا فهو يسعى دائما لكسب ود الناس وحبهم ، والعاقل من البشر من يسعى لرضى ربّ الناس قبل سعيه في كسب رضى الناس .

ولا شك أن لنيل محبّة الله ثم محبّة الناس سبيل وطريق ، من حاد عنه ، خسر تلك المحبّة ، ومن سلكه فاز بها ، وأنس بلذتها ، ولذلك أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ، ليكون معلما ومرشدا ، وليبيّن لنا الكيفية التي ينال بها العبد محبة ربّه ومحبة خلقه .

إن محبّة الخالق للعبد منزلة عظيمة ، فهي مفتاح السعادة ، وباب الخير ، ولذلك فإنها لا تُنال بمجرّد الأماني ، ولكنها تحتاج من العبد إلى الجدّ والاجتهاد في الوصول إلى هذه الغاية ، وقد جاء في الكتاب والسنة بيان للعديد من الطرق التي تقرّب العبد من مولاه وخالقه ، وتجعله أهلا لنيل رضاه ومحبته ، وكان من جملتها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من التخلق بخلق الزهد .

والزهد هو قصر الأمل في الدنيا ، وعدم الحزن على ما فات منها ، وقد تنوعت عبارات السلف في التعبير عنه ، وأجمع تعريف للزهد هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : " الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة " ، وهذا يشمل ترك ما يضر ، وترك ما لا ينفع ولا يضر .

ولا يفهم مما سبق أن الأخذ من طيبات الحياة الدنيا على قدر الحاجة ينافي معنى الزهد ، فقد كان من الصحابة من كانت لديه الأموال الكثيرة ، والتجارات العديدة ، كأمثال أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين ، لكن هذه التجارات وتلك الأموال كانت في أيديهم ، ولم تكن في قلوبهم ، ولهذا ترى الصحابة رضي الله عنهم في باب الصدقة ومساعدة المحتاج والإنفاق في سبيل الله ، تراهم كمطر الخير الذي يعطي ولا يمنع ، ويسقي حتى يُشبِع .

وعلى هذا فإن حقيقة الزهد : أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك ، فإذا كان العبد مقبلا على ربّه ، مبتعدا عن الحرام ، مستعينا بشيء من المباحات ، فذلك هو الزهد الذي يدعو إليه الحديث ، وصدق بشر رحمه الله إذ يقول : " ليس الزهد في الدنيا تركها ، إنما الزهد أن يُزهد في كل ما سوى الله تعالى ، هذا داود و سليمان عليهما السلام قد ملكا الدنيا ، وكانا عند الله من الزاهدين " .

ولقد وعى سلفنا الصالح تلك المعاني ، وقدروها حقّ قدرها ، فترجموها إلى مواقف مشرفة نقل التاريخ لنا كثيرا منها ، وكان حالهم ما قاله الحسن البصري رحمه الله : " أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا إذا أقبل ، ولا يأسفون على شيء منها إذا أدبر ، وكانت في أعينهم أهون من التراب ".

لقد نظروا إليها بعين البصيرة ، ووضعوا نُصب أعينهم قول الله تعالى : { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } (فاطر : 5 ) ، وقوله : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح } ( الكهف : 45 ) ، فهانت عليهم الدنيا بكلّ ما فيها ، واتخذوها مطيّة للآخرة ، وسبيلاً إلى الجنّة .

ثم يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم السبيل إلى محبة الناس فقال : ( وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) ، ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ، فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ، وأحبته نفوسهم .

والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ، فإذا تعفف العبد عما في أيدي الناس ، عظم في أعينهم ؛ لركونهم إلى جانبه ، وأمنهم من حقده وحسده .

فما أعظم هذه الوصية النبوية ، وما أشد حاجتنا إلى فهمها والعمل بمقتضاها ، حتى ننال بذلك المحبة بجميع صورها .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

09 Nov, 06:14


• وردك_حياتك
• ابدأ_يومك_بكلام_ربك
• افتح_مصحفك
• القرآن_من_أعظم_الزاد
• أنشر تؤجر

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

09 Nov, 05:50


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب

➢ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه )* رواه البخاري .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، واجتهدت نفوسهم في نيل الرضا والفلاح ، ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم أولياء الله .

إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 - 63 ) ، وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في النفس ، ويقينا في القلب .

ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) .

فانظر أيها القاريء الكريم كيف يدافع الله عن أوليائه وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم بالحرب .. حينها تعلم أن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه أو يتركهم فريسة لأعدائهم - ولو تأخّر هذا النصر وطالت مدّته - ؛ فهذه النصرة وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ، فإن تابوا وأنابوا وزالت عداوتهم للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وبذلك ينتصر الله لأوليائه ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم .

وإن بلوغ هذه المكانة شرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها من يشاء من عباده ، وحق لنا أن نتسائل : ما الطريق الذي يعيننا على نيل هذه المرتبة العظيمة ؟

لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أول طريق الولاية حين قال : ( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله ، فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي والمحرمات .

ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي التودد إلى الله تعالى بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ، فيُقبل على ربّه مرتادا لميادين الخير ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ، والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .

وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة لربه وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ، فما بالك بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ، والسمو الإيماني الذي يصل إليه .

حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى كلمات الذكر ، ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله ، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها )، وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يجيب الله دعاءه ، ويحقق سؤله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

09 Nov, 05:50


ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ، وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال : " كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليزه فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا ، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي " ، وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال : " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر - وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا " .

لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 – 63 ) ، ومن هنا قال من قال من أهل العلم : " من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً " .

《 شرح أحاديث الأربعين النووية 》.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

26 Oct, 03:29


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

➢ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : *( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه )* حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ( البقرة : 286 ) ، وقوله سبحانه : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } ( الأحزاب : 5 ) .

والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه الله قال : " وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا " .

وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين : أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ، وهو ما جاء الحديث ببيانه .

فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .

ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري ومسلم في غزوة خيبر لما تبارز الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ، فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا قتل نفسه فبطل بذلك عمله ، فذهب أخوه سلمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال : ( من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته عليه ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .

على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العباد ؛ لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما بين الله تعالى ذلك في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ( النساء : 92 ) .

وأما النسيان : فقد بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .

وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .

وقد أنزل الله تعالى قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ، فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .

وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ، نحو قتل النفس المعصومة أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .

وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها، فلله الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 13:49


◆ وعند الاحتياج والدعاء "وإذا سألك عبادي"، ومن انتسب إلى الكريم نالته العناية.

◆ من أيقنَ أن الله سميعٌ قريب مُجيب ﷻ، لا يُضيع دعاء عبْده، حملهُ ذلك على الاستكثارِ والإلحاح، ومن كان كذلك فقد سلك والله سبيل الفوز والفلاح.

◆ إياك أن تمل الدعاء، مهما تأخرت الإجابة، فهو سبحانه يؤخر الإجابة امتحانًا لا حرمانًا، ليبلو عباده في حُسن ظنهم به، فلا تظن باللهِ إلا خيرًا،

◆ وارتقب أوقات العَطاء واغتنمها بكثرةِ الدُّعاء، إذ ليس شيءٌ أكرم على الله من الدُّعاء، َوربنا ﷻ قريب مجيب كريم منان،

◆ وصدق الله، ولا أصدق منه: ﴿ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾ القادر العظيم ﷻ لا يليق به إلا الإحسان العظيم.

إلهنا يا قريب يا سميع يا مجيب الدعاء يا لطيف لما يشاء آتنا من لدنك أجرا عظيما، واهدنا صراطا مستقيما.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 13:49


◆ ومن الحكم أن الحق ﷻ علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه، فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه،

◆ يستغيثون به، فهذا من النعم في طي البلاء، وتأخر إجابة الدعاء.

◆ القريب المجيب ﷻ رب كل العبيد، أقرب ما يكونون إليه وهم سجود، يدنو يوم عرفة مباهيا بعباده ملائكته،

◆ وينزل كل ليلة ثلث الليل الآخر نزولا يليق بجلاله وعظمته ﷻ، فيستجيب الدعوات، على اختلاف الألسن واللغات والأوقات،

◆ وتفنن المطالب الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، يجيب الدعاء، ويسمع الشكوى والنداء، سبحانه وبحمده.

◆ القريب المجيب ﷻ كريم لا يحجب فضله عن عباده، بل يقترب ويجود، ويمنُّ ويجيب، نسبهم إليه في أخصِّ مواطن الضعف،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 13:49


◆ إجابته إجابة عامة لكل من سأله بحسب ما تقتضيه حكمته، وبحسب ما كتب من قضاء،

◆ وإجابته إجابة خاصة لكل مضطر ومكروب ومسافر ومريض ومظلوم وصائم ووالد،

◆ سبحانه ﷻ أجاب دعاء عباده نوح وأيوب ويونس وزكريا، وكل من دعاه، ومن سأله فلن يخيب.

◆ تأخر الإجابة من القريب المجيب ﷻ له حكم منها: أنه ﷻ مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه،

◆ وأن حكمته ﷻ ثابتة بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة، والحق أن الحكمة لا تقتضيه،

◆ وقد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد يكون امتناع الإجابة لآفة في الداعي *من مأكل حرام، أو غفلة وقت الدعاء، أو ذنب لم يتب منه،*

◆ وربما كان في حصول ما يريد الداعي زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 13:49


🔹القريب المجيب ﷻ🔹

◆ القريب ﷻ من كل أحد، ليس ببعيد عن أحد بعلمه ومراقبته وإحاطته.

◆ القريب ﷻ من خاصة خلقه بنصره وتأييده وتوفيقه وإجابته وعنايته، فهو القريب اللطيف ﷻ وهو سبحانه قريب في علوه، علي في دنوه.

◆ القريب ﷻ من عرفه أحبه، وقوي رجاؤه فيه، وراقبه، وأخفى دعاءه وأسره، موقنا بقربه،

◆ وناجاه مناجاة العبد لسيده القريب لا البعيد، واقتدى بعبده ونبيه زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا.

◆ المجيب ﷻ يقابل الدعاء والسؤال بالعطاء؛ لا يخيب من أمّله، ولا يقنط من كرمه مَن وقف ببابه وسأله،

◆ يُحب أن يسأله العباد جميعَ أمورهم، لأنه المجيب ﷻ الذي لا يتعاظمه شيء أعطاه،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 13:39


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

➢ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: «فيه سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ » وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا .

📚 المصدر :صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 935 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

● فضَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ الجُمُعَةِ على سائرِ الأيَّام؛ لِمَا وقَع فيه مِن أحداثٍ عِظامٍ، ولِمَا فيه مِن فَضائِلَ جِسامٍ.

● وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن شَيءٍ مِن فَضائلِ يَومِ الجُمُعةِ؛ وهو أنَّ فيه ساعةً جَعَلَ اللهُ سُبحانه وتعالَى الدُّعاءَ فيها مُجابًا؛

● فما مِن عبْدٍ يُوافقُها، أي: يُصادفُها ويَقصِدُها ويَتحرَّاها بالدُّعاءِ، ويَطلُبُ فيها التَّوبةَ والمغفرةَ، ويَسأَلُ ربَّه سُبحانه مِن نعيمَيِ الدُّنيا والآخِرةِ،

● وهو علَى حالٍ يَتقرَّبُ فيها مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ بالدُّعاءِ أوِ انتِظارِ الصَّلاةِ؛ فمَنِ انتَظَرَ الصَّلاةَ فهو في صَلاةٍ، وهذا هو المُرادُ بالصَّلاةِ في قَولِهِ: «قائِمٌ يُصَلِّي»،

● وقيل: يَحتمِلُ أنْ يكونَ المرادُ مِن الصَّلاةِ الدُّعاءَ، والمرادُ مِن القِيامِ المُلازَمةَ والمواظبةَ، لا حَقيقةُ القيامِ.

● فمَن فعَلَ ذلك استجابَ له سُبحانَه وتعالَى، وأعطاهُ ما سَألَ أو خَيرًا منه، أو دفَعَ عنه مِنَ البَلاءِ والسُّوءِ، أو يُؤخِّرُهُ له إلى يَومِ القيامةِ.

● وأشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه الشَّريفةِ يُقلِّلُها؛ أي: يُشيرُ إلى أنَّها وَقتٌ قَليلٌ خَفيفٌ. وقدِ اختُلِفَ في تَحديدِ وَقتِ هذه السَّاعةِ على أقوالٍ كثيرةٍ؛ أقْواها قَوْلانِ:

◇ الأوَّلُ: أنَّها مِن جُلوسِ الإمامِ على المِنبرِ إلى انقِضاءِ صَلاةِ الجُمُعة،
◇ والثَّاني: أنَّها بعْدَ العَصرِ.

https://dorar.net/hadith/sharh/13754

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 12:20


شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

حبى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بصفات عظيمة جليلة، صفات خلقية ظهرت على سلوكه القويم ، وصفات خلقية ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، ونحن أخي الزائر الكريم نتذاكر وإياك من خلال هذا المقال بعض تلك الصفات الخلقية التي وهبها الله لرسوله المرتضى، ونبيه المجتبى، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فقد كان صلى الله عليه وسلم متوسط القامة ، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين، كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: *( كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا-متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه )* متفق عليه.

وكان صلى الله عليه وسلم أبيض اللون، لين الكف، طيب الرائحة، دل على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال : *( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون- أبيض مستدير- ، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مسست ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم )* رواه مسلم .

وكانت أم سليم رضي الله عنها تجمع عرقه صلى الله عليه وسلم، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: *( دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال -أي نام نومة القيلولة- عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت -تجمع- العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب )* رواه مسلم .

وكان بصاقه طيبا طاهرا، فعن عبد الجبار بن وائل قال حدثني أهلي عن أبي قال: *( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مج في الدلو، ثم صب، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك )* رواه أحمد وحسنه الأرنؤوط.

وكان وجهه صلى الله عليه وسلم جميلا مستنيرا، وخاصة إذا سر، فعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: *( فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه )* رواه البخاري .

وكان وجهه صلى الله عليه وسلم مستديرا كالقمر والشمس ، فقد سئل البراء أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: *(لا بل مثل القمر )* رواه البخاري ، وفي مسلم *( كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا )* .

وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، كما وصفه أحد أصحابه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: *( وكان كثير شعر اللحية )* رواه مسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، ذو شعر جميل، ففي الخبر عن أنس رضي الله عنه قال : *(كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، لم أر بعده مثله، وكان شعر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لا جعد - أي لا التواء فيه ولا تقبض- ولا سبط - أي ولامسترسل- )* رواه البخاري .

ووصفه الصحابي الجليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال: *( كان رسول صلى الله عليه وسلم ضليع - واسع - الفم، أشكل العين - حمرة في بياض العينين - منهوس العقبين- قليل لحم العقب- )* رواه مسلم .

وكان له خاتم النبوة بين كتفيه، وهو شئ بارز في جسده صلى الله عليه وسلم كالشامة ، فعن جابر بن سمرة قال: *( ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده )* رواه مسلم .

ومن صفاته صلى الله عليه وسلم أنه أعطي قوة أكثر من الآخرين، من ذلك قوته في الحرب فعن علي رضي الله عنه قال: *( كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه )* رواه أحمد و الحاكم .

تلك هي بعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلقية التي نقلت إلينا ممن رآه وصاحبه، نقلا صحيحا ثابتا، إنها صفات طيبة، وصدق الصديق أبو بكر رضي الله عنه عندما قال عنه وهو يقبله بعد موته صلى الله عليه وسلم: *(طبت حيا وميتا يارسول الله)،* فعليك أخي الزائر الكريم أن تكون قوي الصلة بصاحب تلك الصفات من خلال اتباعه، والسير على هديه، وتعميق حبه، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، والله أعلم.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 04:14


ولم يكن الموقف الذي بين أيدينا سوى صورةٍ مصغّرة للكمال النبوي، لتُصبح سيرته عليه الصلاة والسلام أنموذجاً يُحتذى به، وطريقاً نسير عليه.

ولو شاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأجرى الله بين يديه ألوان النعيم، ولكان له من ذلك أوفر الحظّ والنصيب، لكنّه كان راضياً بالقليل، قانعاً باليسير، واضعاً نُصب عينيه قول الحقّ تبارك وتعالى: { ورزق ربك خير وأبقى} (طه : 131).

يروي لنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن نفسه: (إن عبداً عُرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة) رواه أحمد ، ونزل إليه ذات مرّة ملكٌ من السماء فقال له: " إن الله يخيّرك بين أن تكون عبداً نبيّاً، وبين أن تكون ملكاً نبيّا "، فأجاب: (بل أكون عبداً نبياً) رواه البخاري في تاريخه، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) متفق عليه.

ولعلّ في هذه القلّة التي كان يعيشها النبي -صلى الله عليه وسلم- سلوىً للفقراء، وعزاءً لكل مسكين، فلا يعيقهم مكروه أصابهم أو بأسٌ حلّ بهم أو شدّة ألمّت بواقعهم عن بلوغ أهدافهم، بل تتّصل قلوبهم بالله وتمتلئ نفوسهم رضاً بقضاء الله وقدره وقسمته.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 04:14


◆ القصص النبوي "لهم الدنيا ولنا الآخرة" ◆

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أُهُب معلّقة؛ فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى؛ فقال: (ما يبكيك؟) فقال له: "يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله" فقال عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) متفق عليه.

وفي رواية أخرى : "..ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردّ البصر غير أُهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله"، وكان متكئا فقال: ( أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا ) متفق عليه.

↫ معاني المفردات
○ ما بينه وبينه شيء: ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين هذا الحصير شيء.
○ وسادة من أدم: الأدم هو الجلد.
○ قرظاً: القرظ نوعٌ من الورق يُستخدم لدبغ الجلود.
○ مصبوباً: مجموعاً
○ أُهُب معلّقة: جلود معلّقة

↫ تفاصيل الموقف

كم وقتٍ مرّ فيه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أمام بيتٍ النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يكاد يتذكّر مشاهدته للأدخنة وهي تتصاعد من تنّور بيته عليه الصلاة والسلام -سوى مرّة تقريباً كلّ ثلاثة أشهر-، فيؤلمه الواقع ويُحزنه الحال.

ولطالما أبصر عمر رضي الله عنه سيّد الأوّلين والآخرين في ثيابٍ متواضعة، وهيئةٍ بسيطة، ومركبٍ معتاد، فلا ترف ولا إسراف، ولا حاشية ولا خدم، كما هو شأن الأباطرة والأكاسرة، ولكن كساءٌ خشن، وإزارٌ غليظ، ورداء نجراني، وركوبٍ على بغلةٍ بيضاء أو ناقةٍ حمراء ،لا سراج من حرير أو خطام مطعّم بخيوط الذهب، بل مادّة ذلك كلّه الليف الخشن الذي يصنع الأخاديد على راحة اليد، ولا قصور مشيّدة ولا بساتين عالية، ولكن بيوت طينٍ له ولزوجاته، فيزداد ألم عمر رضي الله عنه ويتعاظم.

وتتوالى الأيّام واحدةً تلو الأخرى، ومع مرورها تزداد مشاعر الإشفاق على حال النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء اليوم الذي دخل فيه عمر رضي الله عنه ليناجيه في بعض الأمور، فهاله ما رأى!!.

ها هو النبي صلى الله عليه وسلّم نائمٌ في حجرته، وسريره -إن جاز لنا أن نسمّيه سريراً- ليس سوى قطعة حصيرٍ بالية تكاد تلتصق بالأرض، وعليها وسادة جلديّة محشوّة بالليف، أهذا هو سرير خير الخلق وأعلاهم منزلة؟ أين هذا مما يسمعه من الأبّهة التي عليها ملوك الأرض في زمانه، الذين ينامون على أسرّةٍ تُصنع من أغلى المعادن وأنفسها، فتُحلّى قضبانها بالذهب الخالص وتُرصّع بألوان الجواهر والياقوت، وتُحشى بطانتها بأفضل أنواع القطن وأجوده، وتجد عليها أستار الحرير ومن حولها قناديل الذهب، في أجواء الرفاهيّة المشبعةٍ بأذكى العطور وأجملها رائحة.

ويرمي عمر رضي الله عنه ببصره إلى نواحي البيت فلا يكاد يقف على شيء من الأثاث سوى قِطَعٍ جلديّة رثّة، وجرّة بها ماؤه ووضوؤه، وصحافٍ قديمة ليس بينها مائدة طعام، ورفٍّ عليه شيء من الشعير الذي تصنع منه عائشة رضي الله عنها ما يأكلون.

وبينما كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه غارقاً في تأمّلاته إذ قام النبي -صلى الله عليه وسلم- من حصيره وقد أثّر على جنبه، عندها تفجّرت مآقي الدمع من عيون عمر رضي الله عنه، ولم يستطع أن يحتمل أكثر من ذلك.

كان بكاء عمر رضي الله عنه مفاجئاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، الأمر الذي جعله يتساءل عن سرّ بكائه وأحزانه، فيُفضي إليه عمر رضي الله عنه بمشاعره ولوعاته: "يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله" وفي الرواية الثانية: " فارس والروم وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله".

أَوَهذا الذي يُبكيك يا عمر ؟، دع طغاة الأرض وملوكها في قصورهم الشاهقة ومعاشهم الرغيد ومركبهم الأنيق، دعهم يتنسّموا عبير زهرة الحياة الدنيا مرّة بعد مرّة، فلسوف يأتي اليوم الذي تذبل زهرتها ولو بعد حين، ويُفضي كلّ امرئ منهم إلى ما قدّم.

هو اختيارٌ واضحٌ إذاً: أولئك القوم اختاروا الدنيا على الآخرة، وفضّلوا العاجلة على الباقية، فلهم ما اختاروا، {وما كان عطاء ربّك محظوراً} ، ولئن رضوا باختيارهم هذا فأخلدوا إلى الأرض، فسوف نرتفع بهاماتنا إلى السماء، ونسموا بهمّتنا إلى العلياء، مستعذبين في سبيل ذلك كلّ مكروه، وصابرين على كلّ بلاء، ومستقلّين من متع الدنيا؛ لأن المسافر لا يأخذ معه إلا ما هو ضروري، وهذه هي حقيقة الاستعلاء على الشهوات والرغبات التي يرسمها لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- منهاج حياة.

↫ إضاءات حول الموقف

درسٌ من الطراز الأوّل يقدّمه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في علوّ الهمّة، وقوّة العزيمة، وسموّ المطلب، والاستخفاف بملاهي الحياة، والزهد بما فيها، وتوظيف من يقابله الإنسان من الشدائد والمكاره في تهذيب النفوس والأخلاق.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

25 Oct, 04:12


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

➢ عن أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ:
« من غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ ثمَّ بَكَّرَ وابتَكرَ ومشى ولم يرْكب ودنا منَ الإمامِ فاستمعَ ولم يلغُ كانَ لَهُ بِكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها »

📚 المصدر :صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم: 345 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

ليومِ الجُمعةِ فضائلُ كثيرةٌ، وأجورٌ عظيمةٌ، ومِن هذا ما ورَد في هذا الحديثِ؛ حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مَن غَسَلَ يومَ الجُمعةِ"، غسل يُروَى (غَسَل) بتخفيف السِّين و(غسَّل) بتشديدِها، ومعناهُ غسَلَ رأسَه خاصَّةً أو غسل أعضاءه للوُضوءِ،

"واغتَسَل"، أي: غسَل جَميعَ جسَدِه ويَدخُلُ في ذلك الرَّأسُ أيضًا، وخُصَّ الرَّأسُ بالغَسْلِ مِن أجلِ الشَّعرِ الكثيرِ الَّذي يَحتاجُ إلى تَنظيفٍ وعنايةٍ؛ لِيَزولَ ما فيه مِن روائحَ كريهةٍ وغيرِها. وقيل: إنَّ معنى (غسل) أصابَ أهلَه قبلَ خروجِه إلى الجُمُعةِ؛ ليكون أملكَ لنَفْسِه وأحْفَظَ في طريقِه لبَصرِه؛ فكأنَّه غَسَل امرأتَه أو غسَّلها، أي: أحوجَها إلى الغُسلِ.

وقيل: المرادُ بهذينِ اللَّفظينِ (غسل واغتسل) التوكيدُ ولم تقَعِ المخالفةُ بينَ المعنيَينِ لاختلافِ اللَّفظينِ.
"ثُمَّ بَكَّر"، أي: خرَج للجُمعةِ مُبكِّرًا في الوقتِ، "وابْتَكَر"، أي: حضَر الخُطبةَ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، ولم يَفُتْه شيءٌ مِنها، "ومَشى ولَم يَركَبْ"، أي: ذهَب إلى المسجِدِ ماشيًا؛ وذلك لأنَّ الأجرَ على قدْرِ التَّعَبِ والمشقَّةِ،

"ودَنا مِن الإمامِ فاستَمَع ولم يَلْغُ"، أي: كان قريبًا مِن الإمامِ، مُنصِتًا لِما يَقولُ، مُتجنِّبًا اللَّغوَ معَ أيِّ أحدٍ.
فجَزاءُ ذلك كلِّه: "كان له بكُلِّ خُطْوةٍ عَمَلُ سنَةٍ؛ أجْرُ صِيامِها وقِيامِها"، "الخُطْوةُ" بُعْدُ ما بَينَ الرِّجْلَينِ في المَشْيِ، أي: له بكلِّ خُطْوةٍ يَخْطوها إلى المسجِدِ أجرُ وثوابُ أعمالِ سنَةٍ، معَ قَبولِ صِيامِها وقيامِها، فكأنَّ في كلِّ خُطوَةٍ كتابةَ حسَنةٍ ومَحْوَ سيِّئةٍ، وهذا فضلٌ كبيرٌ، وثوابٌ عظيمٌ مِن اللهِ تعالى، اختَصَّ به يومَ الجمُعةِ.

وفي الحديثِ: بيانٌ لفضلِ التَّبكيرِ إلى الجُمعةِ، واستِماعِها وعدَمِ اللَّغوِ فيها، وأنَّ اللهَ يُعْطي مِنَ الأجرِ الكبيرِ على اليَسيرِ من الأعمالِ.

*📚 مصدر شرح الحديث: الدُّرر السَّنيّة.*

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Oct, 07:15


ثم تتضح سعة فضل الله تعالى على عباده ، حينما رتّب الأجر والثواب على ما يمارسه الإنسان في يومه وليلته مما هو مقتضى فطرته وطبيعته ، وذلك إذا أخلص فيه النية لربه ، واحتسب الأجر والثواب ، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء إذا أتى أهله ، ونوى بذلك إعفاف نفسه وأهله عن الحرام ، والوفاء بحق زوجته ، وطلب الذرية الصالحة التي تكون ذخرا له بعد موته ، فإنه يؤجر على هذه النيّة .

وهكذا يتسع مفهوم الصدقة ليشمل العادات التي يخلص أصحابها في نياتهم ، فهي دعوة إلى احتساب الأجر عند كل عمل ، واستحضار النية الصالحة عند ممارسة الحياة اليوميّة ، نسأل الله أن يعيننا على طاعته .

⇚ شرح أحاديث الأربعين النووية الحديث الأول .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Oct, 07:15


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

حديث : ذهب أهل الدثور بالأجور

➢ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال : ( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون ؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ، قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر ) رواه مسلم .

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

يوم أن خلق الله تعالى هذه الدنيا ، بثّ فيها ما يكفل للإنسان عيشا رغيدا وحياة هانئة سعيدة ، إلا أن هذه الحياة على اتساعها وجمال ما فيها مآلها إلى الفناء ، كالزهرة اليانعة في البستان سرعان ما تذبل وتسقط أوراقها ، وإنما هيأها الله لبني آدم كي تكون مزرعة للآخرة ، ومجالا واسعا للتنافس على طاعة الله ، والتسابق في ميادين الخير .

ولقد كان هذا هو همّ الصحابة الأول ، وتطلعهم الأسمى ، فشمّروا عن سواعد الجد ، وانطلقوا مسارعين إلى ربهم ، بقلوب قد طال شوقها إلى الجنة ، ونفوس قد تاقت إلى نعيمها الدائم ، فكان الواحد منهم إذا سمع عن عمل يقرّبه إلى الله ويدنيه من رحمته كان أول الممتثلين له ، عملا بقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ( آل عمران : 133 ) .

ولئن كانت ميادين الصلاة والصيام ونحوها مقدورة من أغلب الناس ، إلا أن الصدقة بالمال مقصورة على أغنياء المسلمين القادرين على بذله والجود به ، ومن هنا دخل الحزن قلوب فقراء الصحابة ، إذ فاتهم هذا المضمار من مضامير الخير ، وكلما سمعوا آية أو حديثا يحث الناس على البذل والصدقة ، ويبيّن فضلها وما أعد الله لأهلها ، حزّ ذلك في نفوسهم ، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكين له ، ولنعش معا لحظات ماتعة مع هذا الموقف العظيم الذي يرويه لنا أبو ذر رضي الله عنه .

لقد قال الصحابه : " يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور " ، ولم يكن قولهم هذا انطلاقا من الحسد لإخوانهم ، أو طمعا في الثراء ، ولكنه خرج مخرج الغبطة وتمني حصول الخير ، ليحوزوا المرتبة التي امتاز بها الأغنياء ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ) متفق عليه .

وهنا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما يدور في نفوس أصحابه من اللهفة إلى الخير ، فعالج ذلك الموقف بكل حكمة ، وبيّن لهم سعة مفهوم الصدقة ، فإنها ليست مقصورة على المال فحسب ، بل تشمل كل أنواع الخير ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( إن بكل تسبيحة صدقة ) .

إن ذكر الله تعالى من التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد ، هو من الباقيات الصالحات التي ذكرها الله تعالى في قوله : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } ( الكهف : 46 ) ، وقد وردت نصوص كثيرة تدل على فضل الذكر ، ففي مسند أحمد وعند الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ؟ ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا :بلى يا رسول الله . قال : ذكر الله عز وجل ) وقال أبو الدرداء راوي الحديث : " لأن أقول الله أكبر مائة مرة ، أحبّ إليّ من أن أتصدق بمائة دينار " ، وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون . قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ) رواه مسلم . فذكر الله من أعظم صدقات العبد على نفسه .

وفي الجانب الآخر : فإن دعوة الناس إلى التزام الأوامر وترك النواهي إنما هو صدقة متعدية إلى أفراد المجتمع ، ودليل على خيرية هذه الأمة ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110 ) ، وهذا النوع من الصدقة واجب على كل أفراد الأمة كلٌّ بحسبه ، علاوة على أنه ضمان لسلامتها وتصحيح مسارها .

ويجدر بنا أن نشير إلى أن أبواب الخير غير مقصورة على ما ورد في الحديث ، بل وردت أعمال أخرى أخذت وصف الصدقة : منها التبسم في وجه الأخ ، وعزل الشوكة أو الحجر عن طريق الناس ، وإسماع الأصم والأبكم حتى يفهم ، وإرشاد الأعمى الطريق ، والسعي في حاجة الملهوف ، ونفقة الرجل على أهله ، بل كل ما هو داخل في لفظة " المعروف " يعتبر صدقة من الصدقات إما على النفس أو على المجتمع .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

24 Oct, 06:05


الإعجاز العلمي في السُّنّة النّبويّة

شاهد المعاصرون لرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بأعينِهم كثيرًا مِن المعجزاتِ الدّالّة على صدق نبوّته ورسالته، فأراد الله عزّ وجلّ أَن يُريَ أهلَ هذا العصرِ معجزةً لرسولِه صلّى الله عليه وسلّم تتناسبُ مع عصرِهم، ويتبيَّنُ لهم بها أنّ القرآنَ حقٌّ، وتلك البيِّنةُ هي بيِّنةُ الإعجازِ العلميِّ في القرآنِ الكريم والسُّنّةِ النّبويّة، لأنّ كثيرًا من أهل عصرِنا لا يذعنون لشيءٍ كإذعانِهم للعلمِ، على اختلافِ أجناسِهم وأديانِهم.

وقد جعلَ اللهُ جلّ وعلا النظرَ في ملكوتِ السماواتِ والأرض -الذي تقومُ عليه جميع العلومُ التجريبيّةُ- طريقًا إلى الإيمانِ به سبحانه وتعالى، وطريقًا إلى الإيمانِ برسولِه صلّى الله عليه وسلّم، وطريقًا إلى الإيمانِ بدينِه الحقِّ، الذي يدعو إلى العلمِ ويحثّ عليه، والعلمُ يدعو إليه ويُبرهِن عليه.

ولذا فإنّ بإمكان المسلمين أنْ يتقدَّموا لتصحيحِ مسارِ العلمِ في العالَمِ، ليضعوه في مكانِه الصحيحِ اللائق به، ويجعلوه طريقًا إلى الإيمانِ باللهِ عزّ وجلّ، والإيمان برسولهِ صلّى الله عليه وسلّم، ويجعلوه مصدّقًا لِما في القرآنِ الكريم والسنّة النّبويّة، ودليلاً على أحقِّيَّةِ الإسلامِ بالاتّباع والتّصديق.

وإنّ التفكُّرَ في خلقِ السماواتِ والأرضِ عبادةٌ من أجلِّ العباداتِ، والتفكُّرَ في معاني الأحاديثِ عبادةٌ مِن أرفعِ المستويات، وتقديمَها للناسِ دعوةٌ خالصةٌ إلى اللهِ خالقِ الأرضِ والسماواتِ -سبحانه وتعالى-، وهذا كلُّه متحقّقٌ في ما يُكتب حول الإعجازِ العلميِّ في القرآنِ الكريم والسنّةِ النّبويّة، لأنه مِن شأنِه أنْ يحفّزَ المسلمين إلى اكتشافِ أسرارِ الكونِ بدوافعَ إيمانيةٍ، وسيجدُ الباحثون المسلمون في كلامِ الخالقِ عزّ وجلّ عن أسرارِ مخلوقاته أدلّةً تهديهم في أثناءِ سَيْرِهم في أبحاثهم، تقرِّبُ لهم النتائجَ، وتوفِّرُ عليهم الجهود.

إذَا علِمنَا أهميَّةَ ذلك في تقويةِ إيمانِ المؤمنين، ودفعِ الفتنِ والشّبهات التي أَلْبَسها الإلحادُ ثوبَ العلمِ عن عقولِ المسلمين، وفي دعوةِ غيرِ المسلمين إلى هذا الدِّينِ القويم، وفي فهْمِ ما خُوطِبْنَا بهِ في القرآنِ الكريمِ والسنّة الصحيحةِ، وفي حفزِ المسلمين المخلصين إلى الأخذِ بأسبابِ النهضةِ العلميّةِ التي تتوافقُ مع الدين؛ تبيَّنَ مِن ذلك كلِّه أنّ القيامَ بذلك مِن أهمِّ فروضِ الكفاياتِ.

ولذا فإنّنا خصّصنا هذا المحور: "إعجاز السُّنّة النّبويّة"، لتسليط الضّوء على بعض الأحاديث النّبويّة الشّريفة الّتي تحتوي على كمٍّ من الحقائق العلميّة الّتي اكتشفها العلم الحديث مؤخرًا، رغم أنها قيلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزّمن، حيث تعرّضنا لبيان وجوه الإعجاز فيها مع التّفصيل، والشّرح، والإيضاح، واللهَ نسأل أن يكتب بها النّفع والفائدة والقبول، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

23 Oct, 05:10


↫ ثم لك أن تتأمل ما رتبه الله من الأجر والثواب لأولئك الذين اجتمعوا في بيت من بيوت الله تعالى ؛ يتلون آياته ، وينهلون من معانيه ، لقد بشرهم بأمور أربعة : أن تتنزل عليهم السكينة، وتعمهم الرحمة الإلهية ، وتحيط بهم الملائكة الكرام ، والرابعة - وهي أحلاها وأعظمها - : أن يذكرهم الله تعالى في ملأ خير من ملئهم ، ويجعلهم محل الثناء بين ملائكته ، ولو لم يكن من فضائل الذكر سوى هذه لكفت .

↫ على أن تلك البشارات العظيمة لا تنال إلا بجد المرء واجتهاده ، لا بشخصه ومكانته ، فلا ينبغي لأحد أن يتكل على شرفه ونسبه ؛ فإن ميزان التفاضل عند الله تعالى هو العمل الصالح ، فلا اعتبار لمكانة الشخص إن كان مقصرا في العمل ، ولذا يقول الله عزوجل في كتابه : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ( المؤمنون : 101 ) ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغن عن أبي طالب شيئا ، ولقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في كلمات جامعة حين قال : ( ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه ) .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

23 Oct, 05:10


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

■ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )* رواه مسلم .

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

↫ عني الإسلام بذكر مكارم الأخلاق والحث عليها ، وجعل لها مكانة عظيمة ، ورتب عليها عظيم الأجر والثواب ، ومن ذلك هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه .

↫ لقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم في أول وصيته على تنفيس الكرب عن المؤمنين ، ولا ريب أن هذا العمل عظيم عند الله ، عظيم في نفوس الناس ، إذ الحياة مليئة بالمشقات والصعوبات ، مطبوعة على التعب والكدر ، وقد تستحكم كربها على المؤمن ، حتى يحار قلبه وفكره عن إيجاد المخرج .

↫ وحينها ، ما أعظم أن يسارع المسلم في بذل المساعدة لأخيه ، ومد يد العون له ، والسعي لإزالة هذه الكربة أو تخفيفها ، وكم لهذه المواساة من أثر في قلب المكروب ، ومن هنا ناسب أن يكون جزاؤه من الله أن يفرج عنه كربة هي أعظم من ذلك وأشد : إنها كربة الوقوف والحساب ، وكربة السؤال والعقاب ، فما أعظمه من أجر ، وما أجزله من ثواب .

↫ ومن كريم الأخلاق : التجاوز عن المدين المعسر ، فقد حث الشارع أصحاب الحقوق على تأخير الأجل للمعسرين وإمهالهم إلى حين تيسر أحوالهم ، يقول الله عز وجل : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ( البقرة : 280 ) ، وأعلى من ذلك أن يسقط صاحب الحق شيئا من حقه ، ويتجاوز عن بعض دينه ، ويشهد لذلك ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كان رجل يداين الناس ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه ؛ لعل الله أن يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه ) .

↫ ثم يحث الحديث على ستر عيوب المسلمين ، وعدم تتبع أخطائهم وزلاتهم ، وذلك لون آخر من الأخلاق الفاضلة التي تكللت بها شريعتنا الغراء ، فالمعصوم من عصمه الله ، والمسلم مهما بلغ من التقى والإيمان فإن الزلل متصور منه ، فقد يصيب شيئا من الذنوب ، وهو مع ذلك كاره لتفريطه في جنب الله ، كاره أن يطلع الناس على زلله وتقصيره ، فإذا رأى المسلم من أخيه هفوة فعليه أن يستره ولا يفضحه ، دون إهمال لواجب النصح والتذكير .

↫ وقد جاء في السنة ما يوضح فضل هذا الستر ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) رواه ابن ماجة ، في حين أن تتبع الزلات مما يأنف منه الطبع ، وينهى عنه الشرع ، بل جاء في حقه وعيد شديد ، روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال : ( يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ) .

↫ ولما كان للعلم منزلة عظيمة ، ومكانة رفيعة ؛ جاء الحديث ليؤكد على فضله وعلو شأنه ، فهو سبيل الله الذي ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، والمشتغلون به إنما هم مصابيح تنير للأمة طريقها ، وهم ورثة الأنبياء والمرسلين ، لذلك شرفهم الله تعالى بالمنزلة الرفيعة ، والمكانة عالية ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) رواه أحمد ، فهم أهل الذكر ، وهم أهل الخشية ، وشتان بين العالم والجاهل .

↫ وأولى ما يصرف العبد فيه وقته : تعلم القرآن ونشر علومه ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ، وهذه الخيرية إنما جاءت من تعلق هذا العلم بكلام الله تعالى ، وشرف العلم بشرف ما تعلق به .

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

20 Oct, 18:18


● "وإنِ اجتَمَعوا على أن يَضُرُّوك بشيءٍ لم يَضُرُّوك إلَّا بشيءٍ قد كتَبه اللهُ عليك"، أي: وَلْيَكُنْ عِندَك عِلمٌ أيضًا أنَّك لن تَرى إلَّا ما قدَّره اللهُ عليك، فلَن يَبلُغَك ضُرٌّ إلَّا ما قدَّره اللهُ عليك، ولو اجتَمَع على ضُرِّك أهلُ الأرضِ جميعًا،

⇚ وهذا مُتَّفِقٌ مع الحُكمِ المقرَّرِ في الاعتقادِ أنَّ اجتِماعَهم على إيصالِ النِّفعِ والضُّرِّ بدونِ مَشيئةِ اللهِ مِن المُحالِ، وخُلاصةُ المعنى أنَّ المطلوبَ مِنك أن تُوحِّدَ اللهَ في المطلَبِ والمهرَبِ، فهو الضَّارُّ النَّافعُ، والمعطي المانعُ.

● "رُفِعَت الأقلامُ"، أي: كُتِبَت مَقاديرُ الخلائقِ جميعًا، ورُفِع القلمُ، فلا زِيادةَ ولا نُقْصانَ في كِتابَةِ الأحْكامِ،

● "وجَفَّتِ الصُّحفُ"، أي: جفَّت الصُّحفُ بما كتَبَته الأقلامُ فيها مِن مَقاديرِ الخلائقِ، فلا تَبْديلَ ولا تَغْييرَ، فكلُّ شيءٍ قد كُتِبَ في اللَّوحِ المحفوظِ؛

● فعبَّر عن سبْقِ القضاءِ والقدَرِ برَفْعِ القلَمِ، وجَفافِ الصَّحيفةِ؛ تَشبيهًا بفراغِ الكاتبِ في الشَّاهدِ مِن كتابتِه، وهذا كلُّه مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ للأُمَّةِ على أن تتَعامَلَ بصِدقٍ مَع اللهِ،

● وأنْ تُراقِبَه في كلِّ أعمالِها، وألَّا تَخافَ غيرَه سُبحانه؛ فمِنْه النَّفعُ والضَّرُّ، وأن تُربِّيَ أطفالَها على هذه المفاهيمِ الطَّيِّبةِ فيَنشَؤوا ويَشِبُّوا عليها.

● وهذا الحَديثُ أصلٌ عظيمٌ في مُراقبةِ اللهِ، ومُراعاةِ حقوقِه، وتَفويضِ الأُمورِ إليه، والتَّوكُّلِ عليه، وشُهودِ تَوحيدِه وتفرُّدِه، وعجْزِ الخلائقِ كلِّهم وافتقارِهم إليه وحدَه،

● وفيه أبلغُ ردٍّ على مَن اعتقَدَ النَّفعَ والضرَّ في غَيرِ الله مِن الأولياءِ والصَّالِحين وأهلِ القبورِ، أو سألَهم واستعانَ بِهم مِن دُونِ اللهِ تعالى.

➢ وفي الحَديثِ:
● الحثُّ على حِفظِ اللهِ عزَّ وجلَّ في أوامِرِه ونَواهيه.
● وفيه: الحثُّ على طلَبِ العونِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ وحْدَه.

*📚 مصدر شرح الحديث: الدُّرر السَّنيّة.*

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

20 Oct, 18:18


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

➢ عَنْ عَبدِالله بُنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: *(يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّه يَحْفَظْك احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ.).*

📚 المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم : 2516 ، صحَّحهُ الألباني رحمه الله.

————————————————

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

● أُوتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جَوامِعَ الكَلِمِ، فكان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَجمَعُ المواعِظَ الجمَّةَ والوصايا الجامِعةَ،

● والحِكَمَ البالِغةَ في الكلامِ القليلِ، وكان مِن هَدْيِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تَربيةُ الصِّغارِ وتَعليمُهم أمورَ دِينِهم؛ مِن العقيدةِ الصَّحيحةِ وحُسْنِ التَّوكُّلِ على اللهِ.

● وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِعَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ: "يا غلامُ"، والغُلامُ هو الصَّبيُّ الصَّغيرُ الَّذي لم يَبلُغِ الحُلُمَ بَعدُ،

● "إنِّي أُعلِّمُك كَلِماتٍ"، أي: أُعلِّمُك أُمورًا وأشياءَ يَنفَعُك اللهُ بها، "احفَظِ اللهَ"، أي: احْفَظْ حُدودَه وحُقوقَه وأوامَرَه ونواهيَه،

● فاتَّقِ اللهَ في أوامِرِه ونَواهيه بحيثُ يَجِدُك في الطَّاعاتِ والقُرباتِ، ولا يَجِدُك في المعاصي والآثامِ،

● ومِن أعظمِ ما يُحافَظُ عليه الصَّلاةُ والطَّهارةُ التي هي مِفتاحُ الصَّلاةِ، وحِفظُ الرأسِ وما وعَى وهو يَتضمَّنُ حِفظَ السَّمعِ والبَصرِ واللِّسانِ مِن المُحرَّماتِ، وحفظُ البَطنِ وما حوَى،

● ويتَضمَّن حِفظَ القلبِ عن الإصرارِ على المحرَّماتِ، وكذلك مِنْ أعظمِ ما يَنبغي حِفْظُه مِن نواهي الله عزَّ وجلَّ: الفَرْجُ وأنْ يُحفَظ ولا يُوضَعُ إلَّا في حلالٍ،

● "يَحْفَظْك"، أي: إذا اتَّقيتَه وحَفِظتَه كان جَزاؤُك أن يَصونَك مِن الشُّرورِ والموبِقاتِ ويَحفَظَك في نَفسِك وأهلِك ومالِك ودِينِك ودُنياك، ويَحفظَك مِن مكارِهِ الدُّنيا والآخِرَة؛

● فحِفظُ اللهِ لعَبدِه نوعان؛ أحَدُهما: حِفظُه له في مَصالِحِ دُنياه، كحِفْظِه في بدَنِه وولَدِه، وأهلِه ومالِه؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]؛

● فمَن حَفِظ اللهَ في صِباه وقوَّتِه، حَفِظه اللهُ في حالِ كِبَرِه وضَعْفِ قوَّتِه، ومتَّعه بسَمعِه وبصَرِه وحَوْلِه وقوَّتِه وعقلِه

●. النَّوعُ الثَّاني: حِفظُ اللهِ للعبدِ في دِينِه وإيمانِه، فيَحفَظُه في حَياتِه مِن الشُّبهاتِ المضلَّةِ، ومِن الشَّهَواتِ المحرَّمةِ، ويَحفَظُ عليه دِينَه عندَ موتِه، فيتوفَّاه على الإيمانِ،

● وعلى العكسِ من هذا؛ فمَن ضيَّع اللهَ ضيَّعه اللهُ، فضاع بينَ خلقِه، حتَّى يَدخُلَ عليه الضَّررُ والأذى ممَّن كان يَرْجو نفْعَه مِن أهلِه وغيرِهم.

● "احفَظِ اللهَ"، أي: اتَّقِ اللهَ في الأوامِرِ والنَّواهي، والْزَمِ الطَّاعاتِ، ولا تَقرَبِ المعاصيَ، "تَجِدْه تُجاهَك"،

● والمعنى: أنَّك تَجِدُه حينَئذٍ كأنّه حاضرٌ تِلقاءَك وقُدَّامَك في مقام إحسانك وإيقانك وكمال إيمانك، كأنَّك تراه بحيثُ تُغْنَى بالكُلِّيَّةِ عن نظَرِك ما سِواه،

● وقيل: المعنى: إذا حَفِظْتَ طاعةَ اللهِ وجَدتَه يَحفَظُك ويَنصُرُك في مُهِمَّاتِك أينَما توجَّهتَ، ويُسهِّلُ لك الأمورَ الَّتي قصَدتَ،

● وقيل المعنى: تجِدُ عِنايتَه ورَأفتَه قَريبًا منك؛ يُراعيك في جَميعِ الحالاتِ، ويُنقِذُك مِن جميعِ المضَرَّاتِ.

● "إذا سألتَ فاسأَلِ اللهَ"، أي: إذا أرَدتَ أن تَطلُبَ شيئًا، فلا تَطلُبْ إلَّا مِن اللهِ، "وإذا استَعنتَ فاستَعِنْ باللهِ"، أي: وإذا أردتَ العونَ فلا تَطلُبِ العونَ إلَّا مِن اللهِ ولا تَستَعِنْ إلَّا باللهِ،

● "واعْلَمْ"، كرَّرَ فِعلَ الأمْرِ زِيَادَةً في الحَثِّ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ تعالى "أنَّ الأُمَّةَ لو اجتَمَعَت"، أَيِ: اتَّفَقَتْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا "على أن يَنفَعوك بشيءٍ لم يَنفَعوك" أَيْ: لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ،

● "إلَّا بشيءٍ قد كتَبه اللهُ لك"، والمعنى: وَلْيَكُنْ عِندَك عِلمٌ ويقينٌ أنَّه لن يَكونَ إلَّا ما قدَّره اللهُ لك؛ فلن تُحصِّلَ مَنفَعةً إلَّا ما كتَبه الله لك، ولو اجتَمَع على مَنفَعتِك أهلُ الأرضِ جَميعًا،

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

19 Oct, 06:59


#القرآن_هو_الروح_الذي_يحيا_به_القلب
#أنشر_تؤجر

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

19 Oct, 06:59


#القرآن_هو_الروح_الذي_يحيا_به_القلب
#أنشر_تؤجر

• كُــنْ عَـزِيْزَاً بإسْلاَمِــكْ •

19 Oct, 05:45


*📚 حـــــــديث اليـــــــوم 📚*

➢ عَنْ عَبدِالله بُنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَال:*(سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهَادَتَهُ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: وكانَ أصْحَابُنَا يَنْهَوْنَا ونَحْنُ غِلْمَانٌ أنْ نَحْلِفَ بالشَّهَادَةِ والعَهْدِ.).*

📚 المصدر :صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6658
———————————-

*📘 #شــــــرح_الـحــديـث 🖌*

● فاضَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، كما فاضَلَ في أحاديثَ مُتعَدِّدةٍ بين أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم وغيرِهم،

● وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم،

● وفيه يقولُ عبْدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: «سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَيُّ النَّاسِ خيرٌ» مِن غَيْرِهمْ أو أفضلُ مِنهمْ؟

● فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُوضِّحًا أنَّ أفْضَلَ النَّاسِ هُم أهلُ زَمانِه ومَن عاصَرَ النُّبوَّةَ، وهمُ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم،

● والمرادُ بالقَرْنِ: أهلُ زَمانٍ واحدٍ، ثُمَّ القَرْنُ الذي يكونُ بعْدَ الصَّحابة، وهم التَّابِعون، ثُمَّ القَرْنُ الذي يَلي التَّابعين، وهمْ أتباعُ التَّابعين؛

⇚ فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَقاصدِ التَّشْريعِ،

● وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ وتابَعوا مَسيرةَ الجِهادِ،

● وهكذا إلى أنْ يَتباعدَ الزَّمانُ عنْ زَمانِ النُّبوَّةِ، فيَبْعُدونَ عن الهَدْي والسُّنَّةِ وصَحيحِ الدِّينِ شَيئًا فَشيئًا.

● ثم يَأتي زَمانٌ يَتهَاونُ فيه النَّاسُ في أمرِ الدِّينِ بعْدَ أنْ كانوا يَخافونَ مِن الشُّبُهاتِ، فتسبقُ شهادةُ أحدِهمْ يمينَه، ويَسبِقُ يمينُه شَهادتَه،

● وهذا كِنايةٌ عن كَثرةِ شَهادةِ الزُّورِ واليمينِ، فيَشْهَدونَ دُونَ أنْ تُطلَبَ منهمُ الشَّهادةُ؛ استِهْتارًا وليسَ منْ بابِ الحِرصِ على إيصالِ الحقوقِ لأصحابِها، وكذلكَ يُقسِمونَ بالأَيْمانِ مِثل الشَّهادةِ دونَ أنْ يُطلَبَ منهم الأَيْمانُ.

● وهذا يبدو مخالِفًا في الظَّاهِرِ للحديثِ الآخَرِ عند ابنِ ماجَهْ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أدَّى شهادَتَهُ قَبْلَ أنْ يُسأَلَها»،

● والجَمعُ بينهما إمَّا بأن يُحمَلَ الذَّمُّ على من بادر بالشَّهادةِ في حَقِّ من هو عالمٌ بها قبل أن سألها صاحِبُها، ويكونُ المدحُ لمن كانت عنده شهادةٌ لأحَدٍ لا يَعلَمُ بها، فيُخبِرُه ليستشهِدَ به عند القاضي، أو يُحمَلَ الذَّمُّ على الشَّهادةِ الباطِلةِ التي هي شهادةُ الزُّورِ،

● أمَّا المبادرةُ إلى الشَّهادةِ الصَّحيحةِ مِن أجْلِ إظهارِ الحَقِّ، وإعانةِ المظلومِ، ودَفْعِ الظُّلمِ عنه، فإنها عمَلٌ صالحٌ يُؤجَرُ ويثابُ عليه صاحِبُه، والأحاديثُ يُفَسِّرُ بَعْضُها بعضًا.

● وذَكَر إبراهيمُ النَّخعيُّ -راوي الحديثِ-: وكان أصحابُنا ينهَونَنا -وفي روايةٍ للبُخاري: «يَضرِبونَنا»- وهم صِغارٌ أن نحلِفَ بالشَّهادةِ والعَهدِ،

● يريد: أُشهِدُ اللهَ، وعلى عَهدِ اللهِ؛ لأنهما يمينانِ مُغَلَّظانِ، وهذا مما لا يستوجِبُ في حَقِّهما أن يكونا عُرضةً وعادةً للحالِفِ،

● ووجهُ النَّهيِ عنهما كما ذُكِرَ أن قَولَه: أشهَدُ باللهِ، يقتضي معنى العِلمِ بالقَطْعِ، وعَهدُ اللهِ لا يقدِرُ أحَدٌ على التزامِه بما يجِبُ فيه.

➢ وفي الحَديثِ:
● إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

● وفيه: ذَمُّ التَّساهُل في أُمورِ الشَّهاداتِ والأَيْمانِ.

*📚 مصدر شرح الحديث: الدُّرر السَّنيّة.*

2,364

subscribers

1,480

photos

680

videos