تعبير "متديّن" تعبير شائع، ويقصد به انسان ملتزم دينيا. اعتقد أنه يمثل مشكلة من مشاكل الوعي الديني والحياتي، فهو مصطلح موهم، لم يرد تعبير متدين، ولا احب استعماله. وما هو أفضل منه هو الاستقامة التي أمر الله تعالى بها فقال: ( فاستقم كما أمرت) الاستقامة هي التي يريدها الله تعالى، وهي التي تتطلبها الحياة لتسير بشكل صحيح.
حتى في التعبير عن الالتزام الدين لم يكن تعبير "متدين" مستعملا، بل يقال: فلان ذو دين، او صاحب دين او يضاف بنحو ما عرضا الى الدين، ولا يستخدم مصطلح متدين الذي يدل على تعمّق ومبالغة.
الاستقامة هي المروءة، ولا دين لمن لا مروءة له، ومن ليس له مروءة فإن تديّنه خطر عليه وعلى المجتمع وعلى صورة الدين.
ان مشكلة التدين أنه صارا محصورا بين مشكلتين كبيرتين: الطقوسية والفقهية، وكل واحدة منهما تمثل مشكلة. اما الطقوسية فهي استهلاك العقل والوقت لطقوس مخترعة مبتدعة تعمق الفرقة بين الناس بما فيهم المؤمنون. وحتى غير المخترعة، فهو يتصور ان الدين هو صلاة وصيام وحج وعمرة وزيارة، فهذا هو الدين بالنسبة له.
اما الفقهية فهي وهم أخطر، فالمتدين محصور بالفقه حتى أن الحاسة الاخلاقية ضعفت عنده كثيرا. فالدين عنده العبادة، وهو يبالغ في سؤال الشرع عن كل مسألة ولا يعرف أنه أمات بذلك فطرته الاخلاقية. كما انه يتصور أن الفقه قادر على تقديم حل لكل مشكلة، السياسية والاجتماعية رغم ان الفقه يعيش اغترابا عن الواقع، كما ان الشكلية اثقلته عن القيام بذلك، فضلا عن النزعة اللفظية والتبريرية. لهذا المتدين يمكن أن يبرر لنفسه كثيرا من الأخطاء، وافضل مثال هي الكوارث التي نراها، متدين يكره بل يقتل من يختلف معه، لا يعترف بمفهوم الوطن او الدولة، يبرر سرقة المال العام، واذا اراد أن يعمل في السياسة فهو طائفي بالضرورة، ويبرر مع ذلك كل اخطائه. بينما الانسان المستقيم يتقبل الحياة، ويمكن ان يحب المختلف معه دينيا، ولا يتقبل الخيانة او يبررها، ولا يبرر الرشوة او الغش او غير ذلك.
لكي أثبت لك صحة كلامي، يمكن ان تلاحظ كم لدينا من تضخم في الطقوس والشكليات والنقاشات الدينية، وكما لدينا من فقر في السلوك الاخلاقي والرؤية السياسي والانتماء الوطني... وربنا المستعان
عز الدين البغدادي