منها العاشق ومنها المبتلي ومنها المعتاد ولكل قلبٍ حكايته ..
يجلس سلطان بجانب خطيبته لمياء يأكلان من اكواب حمص الشام الذى ابتاعه لها من احدى العربات التى تصطف على الكورنيش .
اردفت بضجر لمياء وهى تأكل بشراهة _ ايوة يعنى اخرة ده ايه يا سلطان ... بقالنا سنتين مخطوبين يا اخويا ومشوفتش منك لا ابيض ولا اسود ... هنقضيها خطوبة كدة ! ... الله يسامحك كان جايلي ابن بنت خالة امي راجع من الخليج على قلبه اد كدة بس انا اللى بحبك وصممت عليك وهم دلوقتى بيذلوا فيا وبيقطمونى ... شفلك حل يا سلطان انا مبقتش متحملة .
ترك سلطان الكوب الذى بيده واردف بضيق _ استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم يارب ... كل مرة نخرج يا لمياء لازم تحرقي دمى بالكلمتين دول ... مانا قلتلك تعالى نسكن مع امى فى البيت وهوضبلك المكان ... مانتى شايفة كل حاجة اهو ، شغل الحراسة ده مش جايب همه .. اعمل ايه يعنى يا بنت الناس اقطع نفسي ؟
اردفت محاولة اقناعه والتحدث ببعض اللين _ طيب و اهل ابوك يا سلطان ... هتسيبلهم ورثك كدة ! ... دانت ابنه الوحيد .... وهما صعايدة وعندهم الواد يقش ... جرب كدة وشوف يمكن ترجع المية لمجاريها .
نظر لها بعيون قاتمة وبرزت عروق فكه من شده الغضب عند ذكرها لتلك السيرة مردفاً بفحيح _ لو اتكلمتى فى الموضوع ده تانى اعتبري اللى بينا منهى ... انتى فاهمة .
كاد ان يقف ليغادر فأمسكت بكف يده مردفة بندم تلملم شتات تسرعها قبل ان يحدث مالا تحمد عقباه _ خلاص حقك عليا يا سلطان متمشيش ... اعد بس كدة .. هتزعلنى منك ... خلاص بقى .
نظر لها مطولاً يصارع افكاره فى تحملها ثم قرر الجلوس ثانياً وهو يلف وجهه عنها بضيق ... فذكراها لسيرة اهل والده تفقده صوابه ... نعم له عائلة عريقة فى المحافظة الصعيدية سوهاج ولكنهم تبرؤوا منه منذ ان مات والده وهذا فقط بسبب ان والدته قاهرية وانهم يظنون انها المتسببة فى موت والده لذلك تخلوا عنه بعدما ارادوه ان يتركها بمفردها ولكنه رفض وبشدة لذلك تبرؤوا منه .
ظل شارداً وباءت محاولاتها لارضاؤه بالفشل فقررت الصمت بغيظ واكملت تناولها لما يحتويه الكوب ..
بعد نصف ساعة عادا الى الحارة الذى يقطن بها سلطان وتقطن بها هى ايضاً ... اوصلها الى منزلها بوجه عابس دون ان يصعد وغادر عائداً الى منزله ..
دلف هذا البيت العشوائي الذى يتكون من طابق واحد .... منزل قديمٍ متآكل ورثته والدته اباً عن جد ...
جلس على الاريكة التى تحتل عرض الجدار ويوجد فى منتصفه شباك يطل على الشارع العمومي ..
لم يجد والدته فى البيت فجلس يفكر كيف له ان يزيد دخله وينتشل والدته من هذا البيت ومن هذا الفقر ... كيف يمكن ان يحصل على منزل فى احد الاماكن المرموقة ليس كالتى يعمل بها ... بالطبع لا .... يكفى ان يصلح للاستخدام الادمى ... يكفى ان يثبت لنفسه ولامه ولعائلته العريقة انه ليس قلة كما نعتوه ... فما يراه من حوله الآن ما هو الا مستوى معيشي كمن دُفنَ حياً .
أتت والدته من الخارج تحمل اكياساً قد ابتاعتها من السوق المجاور للحارة ... دلفت المنزل تلتقط انفاسها بعدما وضعت ما فى يدها على تلك الطاولة وهى ترى ابنها يجلس بشرود ... اقتربت تجلس بجواره مردفة بقلق _ سلطان ! ...جيت امتى ؟
لم ينتبه عليها بل ظل يتطلع لنقطةٍ ما بشرود فأردفت بقلق _ مالك يابنى سرحان في ايه ؟
افاق على صوتها فتطلع اليها مطولاً ثم اردف بتساؤل متجاهلاً سؤالها _ ايه ياما انتى كنتى فين كل ده !
اردفت منيرة وهى تشير الى تلك الاكياس _ كنت بجيب شوية خضار من السوق ... قول بس انت مالك سرحان في ايه ؟
ارجع رأسه للخلف يغمض عيناها يتحدث اليها كأنه يتحدث مع ذاته فهى اغلى ممتلكاته _ تعبت يا اما ... تعبت اوى ... نفسي ارتاح واريحك من الفقر ده ... ليه هما يتمتعوا واحنا نعيش عيشتنا دى ... مش ابويا ده يبقى ابنهم ! ... ليه يعيشوا اسياد واحنا عبيد ... دا حتى البنت اللى خطبتها بقالي سنتين مش عارف اتقدم خطوة واتجوزها ... حرام اللى بيحصل لينا ده حرااام .
نظرت منيرة لابنها بحزن ... هو دائما ينظر لما لا يملكه ويترك ما يملكه ... دائما يعترض علي وضعه .... اردفت منيرة بنبرة ذات معزى وحكمة _ ارضا يا ابن الحاج ابراهيم ... ارضا باللي ربنا قسمه لينا واحمد ربنا ان ليك بيت وليك وظيفة وصحتك بخير لا انت مريض ولا عاجز ... انت اللى دايما باصص لفوق ... وكل ما تتعين فى مكان ميعجبكش الشغل وتسيبه ... مناخيرك لفوق يا ابن السوهاجى ... هترتاح ازاي وتتجوز ازاي وانت يادوب شهر واحد فى اي شغلانة وتسيبها ! .... يعلم ربنا انى مقصرتش معاك ... ربيتك وعلمتك احسن علام ... ولو كان فى ايدي زيادة كنت عملت ... احمد ربنا واشتغل وكافح وامسك فى شغلك ده بايديك واسنانك لحد ما تحوش قرش ووقتها اتجوز واصرف على نفسك وعلى مراتك وكفي بيتك وملكش دعوة بيا .