قال ابن تَيمِية : كما في «مجمُوع الفتاوَى» (28/13): إذَا كانَ المُعلِّمُ أو الأُستاذُ قد أَمرَ بهَجرِ شَخصٍ أو بإِهدارِه وإِسقاطِه وإِبعادِه ونَحوِ ذلِكَ، نُظِرَ فيهِ: فإِنْ كانَ قَد فَعلَ ذَنبًا شَرعيًّا عُوقبَ بقَدرِ ذَنبِه بلَا زِيادةٍ، وإِن لم يكُنْ أَذنبَ ذَنبًا شَرعيًّا لم يجُزْ أَن يُعاقَبَ بشَيءٍ لِأَجلِ غَرضِ المُعلِّمِ أو غيرِه.
ولَيسَ للمُعلِّمينَ أن يُحزِّبوا النَّاسَ ويَفعَلوا مَا يُلقِي بَينَهم العَداوةَ والبَغْضاءَ، بَل يَكونونَ مِثلَ الإِخوةِ المُتعاوِنينَ على البِرِّ والتَّقوَى، كما قالَ تَعالَى: (وتَعاوَنوا على البر والتقوى ولا تَعوَنوا على الإثم والعُدوان) [المائدة: ٢].
ولَيسَ لأَحدٍ مِنهُم أن يَأخذَ على أَحدٍ عَهدًا بمُوافقَتِه على كلِّ مَا يُريدُه، ومُوالاةِ مَن يُوالِيه، ومُعاداةِ مَن يُعادِيه...
بَل علَيهِم وعلى أَتباعِهم عهدُ الله ورَسولِه بأن يُطِيعوا اللهَ ورَسولَه، ويَفعَلوا مَا أَمرَ اللهُ بهِ ورَسولُه، ويُحرِّموا مَا حرَّمَ اللهُ ورَسولُه، ويَرعَوا حُقوقَ المُعلِّمينَ كما أَمرَ اللهُ ورَسولُه، فإِنْ كانَ أُستاذُ أَحدٍ مَظلومًا نَصرَه، وإِنْ كانَ ظالِمًا لم يُعاوِنْه على الظُّلمِ، بل يَمنعُه مِنه، كما ثَبتَ في الصَّحِيحِ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: (انصُرْ أَخاك ظالِمًا أَو مَظلومًا، قلتُ: يَا رَسولَ الله! أَنصرُه مَظلومًا، فكَيفَ أَنصرُه ظالِمًا؟ قالَ: تَمنعُه مِن الظُّلمِ، فذَلِك نَصرُك إيَّاه).
وإذَا وَقعَ بينَ مُعلِّمٍ ومُعلِّمٍ أو تِلميذٍ وتِلميذٍ أو مُعلِّمٍ وتِلميذٍ خُصومةٌ ومُشاجَرةٌ لم يجُزْ لأَحدٍ أَن يُعِينَ أَحدَهما حتَّى يَعلمَ الحقَّ، فلَا يُعاوِنُه بجَهلٍ ولَا بهَوًى، بل يَنظرُ في الأَمرِ، فإذَا تبيَّنَ له الحقُّ أَعانَ المُحِقَّ مِنهُما على المُبطِلِ، سَواءٌ كانَ المُحِقُّ مِن أَصحابِه أو أَصحابِ غَيرِه، وسَواءٌ كانَ المُبطِلُ مِن أَصحابِه أو أَصحابِ غَيرِه...
ومَن مالَ معَ صاحبِه -سَواءٌ كانَ الحقُّ له أو علَيهِ- فقَد حَكمَ بحُكمِ الجاهِليَّةِ، وخَرجَ عن حُكمِ الله ورَسولِه...».
قلتُ: وممَّا يؤسِف أنَّ هَذا كلَّه وقَعَ اليومَ بينَ أَهلِ الحقِّ وهُم يَنظُرون! وقد رَأينا كَثيرًا مِنهُم يَقولُ ما لَا يَعتقدُ، بل يَعتقِد ما يَنتقِد؛ إرضاءً لشيخِه ومُريدِيه، فإذَا تكلَّم الشَّيخُ في خَصمٍ له، قامَ متكلِّفٌ بتَسجيلِ مُوافَقتِه باختِيالٍ؛ خوفًا على جاهِه مِن الاغتِيالِ، وإلَّا فالمريدُ مُتجسِّسٌ ناقِل، وجَرحُ الشَّيخِ قاتِل، ومَن كانَ همُّه الدُّنيَا والعلوَّ في الأَرضِ آثَرَ العِوضَ العاجِل، على الثَّوابِ الآجِل، ولو أَيقنَ بأنَّ عُظمَ البَلاءِ ممَّا بينَ لَحْيَيه، لذَكَر قولَ القائلِ: مَقْتلُ الرَّجلِ بينَ فكَّيه.
وقد ربَّوا صِغارَهم على هَذا: تجسُّسٌ على الكِبارِ، وتَحسُّسٌ مِن الصَّاحبِ والجارِ، حتَّى هابَ الكبارُ الصِّغارَ، وخيَّمَت النَّظرةُ السَّوداويَّةُ على حَياتِهم، وعلى قَدرِ المَهابَة، تَأتي الكَآبة، والنَّـمَّامُ طامِعٌ، والمسكوتُ عنه قانِعٌ، والمنسيُّ غيرُ آمنٍ، والموافِقُ غيرُ ضامنٍ، إِرْهابٌ لكِن للمسلِمينَ فقَطْ، فاللَّهمَّ رُحْماك!
قالَ اللهُ عز وجل: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّ في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
من كتاب «عليكم بالجماعة.. مَن هيَ الجماعة»
تأليف : فضيلة الشيخ عبد المالك الرمضاني حفظه الله