ليس من التَّواضع أن يظنَّ حافظُ القرآن حفظَ القرآن رأس الأمر وعموده، ويظنَّ عالمُ الأصول علمَ الأصول ذروة السَّنام وأساسه، ويظنَّ حاملُ الحديث بابَ السُّنَّة أصلٌ لا أصلَ قبله ولا بعده، ثمَّ يروح كلُّ واحد منهم يزدري من هم دونه في ما تفوَّق به عليهم، فهذه وإن كانت أركان الدِّين وقوام علومه؛ فإنَّ الانتفاع بها وبركة تحصيلها لَيُنسف بحظِّ النَّفس ما لم يحميه التَّواضعُ والإيمان، فيأكله الكِبرُ والنِّفاق، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.
قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : " التَّقوىٰ أن لا ترىٰ نفسك خيرًا من أحد "، فمحال لمن ابتعد عن التَّقوىٰ في نفسه، أن ينقل العلم والإيمان لغيره، جعلنا الله وإيَّاكم من أهل الإيمان والتَّقوىٰ.
وفي قرين ذلك قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله - : " إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُبَّ رجل فتح له في الصَّلاة ولم يفتح له في الصَّوم، وآخر فتح له في الصَّدقة ولم يفتح له في الصَّوم، وآخر فتح له في الجهاد "، فلا يحصر الخير في ما تفوَّق فيه؛ إلَّا قليل علم أو صاحب هوىٰ، أعاذنا الله وإيَّاكم من ذلك.