في أي شركة تسطر الإدارة مجموعة من الأهداف القابلة للتحقيق من وجهة نظرها، فإذا استطاعت تحقيقها تعتبر نجحت في سنتها تلك، وإذا لم تستطع فعلى الأقل تحقق أغلبها، فإن لم تستطع فهي تحكم على نفسها بالفشل والذريع، ومجلس الإدارة العاقل سيبادر لتغييرها.
خذ الأمر وأسقطه على حال الحكومات لتحكم بنجاح أو فشل أي حكومة بشكل موضوعي، كل الحكومات في العالم تستهدف مجموعة من الإنجازات القابلة للتحقيق بالنظر للإمكانيات، والقابلة للقياس لمحاسبة هذه الحكومات لاحقا والنظر فيما إن كانت قد نجحت في مسعاها أم لا، وبناء على ذلك سيحكم الناخب على نجاح الحكومة من عدمه.
لا يختلف الأمر في الحرب، لأنها وجه آخر لاستمرار السياسة، لكل حرب هدف عسكري وآخر سياسي، فالحكم على نجاح الحرب من فشلها هو مدى قدرة كل طرف على فرض حالة الإكراه على الطرف الآخر ليخضع لإرادته السياسية، ما زلت أذكر في حوار أحمد منصور للراحل سعد الدين الشاذلي، حين سأله الأول عن حرب 67 وهل خسرتها مصر؟، فأجابه الفريق الشاذلي بأن مصر لم تخسر الحرب سياسيا وإن كانت خسرتها عسكريا، وأوضح له مسألة الهدف السياسي من الحرب، وأن كيان العدو كان يهدف من خلالها إلى إسقاط نظام عبد الناصر، لكنه لم يسقط!، ولا أعتقد أن الفريق الشاذلي ناصري رغم أنه يميل في الكثير من أطروحاته لفترة عبد الناصر خاصة بعد النكسة أين كان الشاذلي ممن باشروا العديد من الإصلاحات بعد الخراب الذي خلفه عبد الحكيم عامر، ومخابراته القذرة، ربما دافع هذا الميل هو أن عبد الناصر هو من وضع الشاذلي على طريق الترقّي حتى وصل لرئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية زمن السادات، وربما لأن عداوة الشاذلي للسادات جعلته يتبنى لعض أطروحات خصومه من الناصريين، ولكن عموما وجهة نظر الشاذلي حول جزئية الهدف السياسي من حرب 67 تستحق التمعن والتدبّر.
بالعودة للأهداف السياسية المعلنة من طرف الكيان، فقد حقق بعضها وفشل في تحقيق أخرى، لقد استطاع أن يقضي على قادة مهمين وملهمين في حمـ١س، وهذه لا شك ضربة تنظيمية مؤلمة مفصليا، كما أنه استطاع القضاء على قيادات الصف الأول لحزب إيران الذي كان ظهيرا مهما للمقـ١ومة، لأنه بالنظر لأصل هذه الحركة فإنها نشأت بسردية مقـ١ومة الاحتلال قبل أن تبتلعها إيران وتحوّلها لمظهر نشاز في المنطقة، ومع ذلك فإنني أعتقد جازما أن حزب إيران في لبنان إنما ألجأتنا إليه الظروف القاهرة التي فرضتها الأنظمة العربية، وأن إحداث فوضى على حدود كيان العدو سينفع المقـ١ومة، وليس تدمير البنايات وقتل المدنيين هو عنوان النصر، نحن جميعا نعلم أن الكيان كان يمارس ذلك القتل الأعمى كانتقام هيستيري لا أكثر!، وأنه بمعية مخابرات كل القوى الغربية المساعدة والمتطورة عجز عجزا ذريعا عن تحرير رهائنه، أو حتى معرفة مكانهم!، بل إن جنونه قاده أحيانا إلى رغبة في القضاء على الجميع للتخلص من ضغط عوائل الأسرى!، ليس الأمر راجعا فقط إلى مدى القوة العسكرية وبطشها، فكفتا الميزان غير متعادلتين بين جيش الاحتلال وجيوش نظامية في المنطقة فضلا عن أن نقارنه بكتائب تقاتل بأسلوب الميليشيات أو حرب العصابات، ولكن بالعودة إلى رغبة العدو في فرض خارطة سياسية قبل الطوفان وحالة تقهقره بعده هناك انقلاب كبير في المشهد، فقبل أكثر من سنة ونصف كان الكيان يروّج لنفسه على أنه شرطي المنطقة القادر على حماية كل من يأوي إليه، لنراه بعد ذلك بقليل ينهار في مشهد دراماتيكي غير مسبوق!، ولنسمع قادته يتحدثون عن سيناريو الزوال!، بعدما أبان الكيان عن هشاشة غير عادية لدولة يدعمها كل الغرب دعما مطلقا!
ما قيمة اعتراف أي دولة عربية بالكيان مقابل اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين؟!، إن هذا يعتبر نصرا دبلوماسيا غير مسبوق!، بل لقد خسر الكيان سفاراته في بعض الدول ولو كانت بعيدة وغير مؤثرة، لكن هذا زيادة في عزلته الدولية، والسابقة أن صار قادته ملاحقين بأوامر قبض دولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية! .. لقد قلب طوفان الأقصى الرأي العالمي، واستطاع أن يحدث خرقا كبيرا في جدار سميك لطالما سعى الغرب لإحاطة شعوبه به حتى لا يبصروا نور الحقيقة.
كل هذا لا يعني أن المقـ١ومة قد أحرزت نصرا كاملا، ولكن ما أخفقت فيه ليس منها في نظري، وما يحوّل مجرى التاريخ ويصنع واقعا جديدا ليس الحسابات الزائدة بل هي الحالة الثورية مهما كانت التضحيات المقدمة، ولكن الذي أنقص صورة النصر المكتمل هي أنظمة الطوق الخانقة، الجاثمة على صدر الأمة، المعطلة لقواها، هذه الأنظمة هي من تتحمل وزر عدم قدرة المقـ١ومة على استكمال النصر، لأن النظام الذي يمنع دخول الخبز والماء ولو أمكنه لمنع الهواء لا يمكن إلا أن يكون شريكا في العدوان، وكل النخب التي تطبل ليل نهار لهذه الأنظمة بأي دعوى كانت هي شريكة في اغتيال وتزييف وتحريف الوعي!، النصر لابد أن ينطلق من دمشق والقاهرة!، تاريخيا هذه هي مراكز الثقل السياسي، وليست القدس هي مركز