ولقد أخذ الله العهد المؤكد على بني إسرائيل بما سيأتي ذكره قريبًا، وأقام عليهم اثني عشر رئيسًا ، كل رئيس يكون ناظرًا على من تحته، وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بالنصر والتأييد إذا أديتم الصلاة على الوجه الأكمل، وأعطيتم زكاة أموالكم، وصَدَّقْتم برسلي جميعًا دون تفريق بينهم، وعظمتموهم، ونصرتموهم ، وأنفقتم في وجوه الخير، فإذا قمتم بذلك كله لأكفرن عنكم السيئات التي ارتكبتموها، ولأدخلنكم يوم القيامة جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، فمن كفر بعد أخذ هذا العهد الموثق عليه فقد تنكّب طريق الحق عالمًا عامدًا.
والذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي لهم جزاء السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشى وجوههم ذلة وهوان ، ليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا أنزله بهم، كأنما ألبست وجوههم سوادًا من الليل المظلم من كثرة ما يغشاها من دخان النار وسوادها، أولئك المتصفون بتلك الصفات أصحاب النار هم فيها ماكثون أبدًا.
﴿واعف عنا ﴾ أي تجاوز وامح عنا ذنوبنا ﴿واغفر لنا ﴾ استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا ﴿ وارحمنا﴾ فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ولا نترك معصيتك إلا برحمتك ﴿ أنت مولانا ﴾ ناصرنا وحافظنا وولينا ﴿فانصرنا على القوم الكافرين ﴾ .
وما من مخلوق يدب على وجه الأرض مهما كان إلا تكفل الله برزقه تفضُّلًا منه، ويعلم سبحانه موضع استقراره في الأرض، ويعلم موضع موته الذي يموت فيه ، فكل من الدواب ورزقها ومواضع استقرارها ومواضع موتها، في كتاب واضح هو اللوح المحفوظ.
التفسير الميسر: قل: مَن مالك كل شيء ومَن بيده خزائن كل شيء، ومَن يجير مَنِ استجار به، ولا يقدر أحد أن يُجير ويحمي مَن أراد الله إهلاكه، ولا يدفع الشر الذي قدَّره الله، إن كنتم تعلمون ذلك؟.
يقول تعالى مخبرًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذروا بشغلهم لذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة، ولهذا قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ أي: لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وإن صانعتمونا ونافقتمونا، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.