كتابات علي المؤمن @alialmomen64 Channel on Telegram

كتابات علي المؤمن

@alialmomen64


قناة خاصة بكتابات علي المؤمن

كتابات علي المؤمن (Arabic)

هل تبحث عن قناة تحتوي على كتابات ملهمة ومثيرة؟ إذاً، قناة 'كتابات علي المؤمن' هي المكان المناسب لك! يتضمن هذه القناة تجميعات من النصوص الأدبية التي تصلح لتحفيزك وتلهمك يومياً. من خلال متابعة هذه القناة، ستجد نصوصًا تعكس الجمال والعمق، وستحصل على دفعة إيجابية تساعدك على التفكير بشكل إيجابي وبناءة. إذا كنت من عشاق الكتابة والقراءة، فستجد في هذه القناة محتوى مميز ومنوع يثري معرفتك ويحفز إبداعك. يدير هذه القناة المستخدم بإسم المستخدم '@alialmomen64'، وهو شخص مهتم بالأدب والكتابة. يسعى المدير لنشر الكلمات التي تلامس القلوب وتثري الأفكار، ويسعى جاهداً لتوفير محتوى متميز لكل متابعيه. فلا تتردد في الانضمام إلى هذه القناة الرائعة واستمتع بقراءة أجمل الكتابات والنصوص الأدبية التي ستلهمك وتثري وقتك. انضم الآن وكن جزءًا من مجتمع الكتابة والإلهام على قناة 'كتابات علي المؤمن'!

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 21:46


في الداخل.

ولذلك؛ بادرت إيران بتشكيل قوات عقدية خاصة، من مقاتلين إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وباكستانيين وأفغانستانيين وآذربيجانيين، ودعمتها بالسلاح والإمكانات اللوجستية والمال والتدريب والتخطيط والقيادة. وقد تألفت هذه القوات (وفق تقديرات العام ٢٠١٦) من:

١- "قوات الدفاع الوطني"، وهي قوات خاصة سورية تتألف من (٢٥) ألف مقاتل شيعي وعلوي سوري.

٢- "قوات زينبيون"، وتتألف من (١٠) آلاف مقاتل أفغانستاني.

٣- "قوات فاطميون"، وتتألف من (٥) آلاف مقاتل باكستاني.

٤- قوات المقاومة الإسلامية العراقية، وتنقسم إلى أربع ألوية أساسية، تتألف بمجموعها من (١٥) ألف مقاتل.

٥- قوات حزب الله اللبناني، وتتألف من (١٠) آلاف مقاتل.

٦- المستشارون الإيرانيون، الذين وصل عددهم إلى (١٥) ألف قائد ومدرب ومستشار.

وقد بلغ مجموع هذه القوات في العام ٢٠١٦ نحو (١٠٠) ألف مقاتل، وهي القوات التي منعت سقوط سوريا طيلة (١٣) عاماً، وكان تأثيرها على الأرض أقوى بكثير من تأثير الجيش السوري، وأقوى من تأثير الطيران والصواريخ الروسية التي دخلت المعركة فيما بعد.
إلّا أنّ قرارات النظام السوري بالتخلي عن هذه القوات بالتدريج، وتحديداً بين العامين ٢٠١٦ و٢٠٢٢، نتج عنها حل الوحدات السورية منها، وإخراج الوحدات غير السورية إلى خارج سوريا، وذلك خضوعاً للتهديدات الأمريكية والتركية والإسرائيلية، والإلحاحات الأردنية والمصرية، والإغراءات الإمارتية والسعودية، بالرغم من الرفض الإيراني وتحذيراته المتكررة.

وكان النظام السوري يطمع مقابل ذلك ببقائه وإطالة عمره وإعادة اندماجه في الواقع العربي ودعمه اقتصادياً، ومساعدته على رفع العقوبات الدولية عنه، وهو ما كانت توحي له به الأنظمة العربية الطائفية، وخاصة الإمارات والسعودية. وكانت النتيجة أن بقيت سوريا عارية دون غطاء ودون درع وسيف. وكان النظام يعتقد أن اعتماده على الجيش سيمنع سقوطه، في الوقت الذي كان أغلب جسد الجيش يتكون من عناصر طائفية لا يعنيها سقوط النظام، وهي العناصر التي قامت بالانقلاب على النظام، وسلمت المدن السورية الواحدة تلو الأُخر إلى جماعة الجولاني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 21:46


١- موقف نظام الأسد المبدئي من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، والرفض القاطع لكل أنواع التطبيع، مقابل تيار الاستسلام العربي المنخرط في مشروع الولايات المتحدة الأمريكية والمتحالف أمنياً مع الكيان الصهيوني، وهو الموقف الذي ظلّ يكلف نظام الأسد الكثير من أمنه واقتصاده.

٢- إنصاف نظام الأسد لشيعة سوريا وعلوييها، ورفع الظلم والتهميش الطائفي التاريخي عنهم، وتنميتهم سياسياً وثقافياً وتعليمياً ودينياً واجتماعياً ومعيشياً، وفسح المجال أمام التبليغ الشيعي بكل أشكاله.

٣- احتضان نظام الأسد شيعة لبنان والعراق والخليج وأفغانستان وغيرها، في أحلك الظروف وأكثرها قسوة، وتحديداً في فترات المعارضة والأزمات والتشريد، مقابل ما كانوا يتعرضون له من عدوانية من أنظمة الدول العربية الطائفية.

٤- انخراط نظام الأسد في محور المقاومة الذي تقوده إيران، وتحمّل جراء ذلك عقوبات الأنظمة العربية ومؤامراتها، وفي الوقت نفسه رفض إغراءاتها.

٥- مشكلة البديل الذي سيأتي عقب سقوطه، وهو خليط من الجماعات المسلحة والسياسية المرتبطة بالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية والتركية والسعودية والقطرية والإماراتية، والتي تتميز بخطابها الطائفي العنيف، والتكفيري غالباً. وهو ما حصل بالفعل، وبوضوح كامل، بعد سقوط نظام الأسد في ٧ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤.

وقد كانت هذه المعايير هي نفسها التي تدفع الأنظمة العربية والجماعات الطائفية والكيان الصهيوني وأمريكا وتركيا، لمعاداة نظام الأسد والتآمر عليه، أو محاولة إغرائه بأن ينقلب على هذه المعايير.

ولذلك؛ فإن المحور الشيعي لم يكن ير في سقوط نظام الأسد مشكلة سورية داخلية؛ إنما مشكلة مركبة عميقة، ستكون لها ارتداداتها الكبيرة على مستوى الصراع مع الكيان الصهيوني ومواجهة المشروع الأمريكي وتيار التطبيع العربي، وامتداد التيارات التكفيرية الأممية إلى لبنان والعراق، فضلاً عما تخلقه من تهديد وجودي وعقدي لشيعة سوريا وعلوييها. وهو ما يعني أن انخراط الشيعة في جبهة نظام الأسد، لمنع سقوطه، لم يكن انخراطاً من أجل شخص الأسد نفسه وأسرته وحزبه، وإنما لما يترتب على سقوطه من كارثة على الواقع الشيعي برمته، سواء من ناحية ما سيتركه من فراغ في محور المقاومة، أو ناحية البديل الطائفي الذي سيحل محله.

وهذا الخطاب الطائفي المتجذر، لم تكن تخفيه جماعات المعارضة السورية، السلمية منها والمسلحة، والتي ظلت ترفع شعارات الوصول إلى كربلاء والنجف، وظلت ترفع الشعارات نفسها بعد استلامها السلطة. وإذا كان جزء من خطابها التكفيري والطائفي، قد تغيّر خلال السنة الأخيرة؛ فإنما هو تغيير مؤقت ومصطنع ونفاقي، من أجل أن يستتب لها الأمر وتستقر، ثم تبدأ بتنفيذ مشروعها الطائفي بعد بضع سنوات.

ولا شك أن الالتحام الدفاعي لأجنحة محور المقاومة بقوات الدولة السورية منذ العام ٢٠١١، لا يعني تسويغ الفكر العنصري العلماني للبعث وخلفياته العفلقية، ولا بالفساد الأخلاقي والسياسي والإداري، ولا السلوكيات القمعية والاستبدادية التي كانت يمارسها النظام ضد معارضيه، ولا السلوكيات الخاطئة التي أثّرت سلباً على أمن العراق بعد العام ٢٠٠٣، وتسببت في إراقة دماء كثير من العراقيين. وهي سلوكيات يتحمل مسؤوليتها ــ غالباً ــ بقايا الطائفيين في حزب البعث السوري ومخابراته، والذين بدأوا بالانقلاب تدريجياً على قيادة الأسد فيما بعد، وتحديداً خلال العام ٢٠٠٥، وهو ما كتبتُ عنه حينها قبل انشقاق عبد الحليم خدام وفاروق الشرع وغيرهما عن النظام.

ولا تزال كلمات السياسي العراقي الدكتور فاضل الأنصاري، عضو القيادة القومية لحزب البعث السوري، ترن في الآذان، وهو يتحدث في العام ١٩٩٩ عن طائفية بعض القيادات السنية في حزب البعث السوري، أمثال عبد الحليم خدام وفاروق الشرع وعبد الله الأحمر، وكيف كان الأحمر يدعم البعثيين العراقيين السنة على حساب البعثيين العراقيين الشيعة، وكيف كان بعض هؤلاء يخاطبونه بمصطلح (عجمي)، بسبب كونه شيعي، وكان الأنصاري يشبِّه طائفية هؤلاء القياديين البعثيين السوريين السنة بطائفية بعث العراق، وقد كادوا يطيحون بالأنصاري أكثر من مرة، لولا دعم الرئيس حافظ الأسد له.

حين كسر النظام السوري درعه وسيفه:

خلال الهجوم الدولي الشامل على سورية بأدوات تكفيرية وطائفية في العام ٢٠١١، وبدعم مباشر من حكومات أمريكا وتركيا و(إسرائيل) والإمارات وقطر والسعودية والأردن ومصر وبريطانيا وفرنسا، استنجد النظام السوري بإيران، وكانت مصلحة محور المقاومة الشيعي تلتقي بمصلحة النظام السوري؛ لأن سوريا كانت حلقة أساسية في سلسلة محور المقاومة، وأن سقوطها بيد الجماعات التكفيرية والطائفية المدعومة من أمريكا وأوروبا وتركيا وإسرائيل والأنظمة الطائفية العربية؛ لن يؤدي إلى تقطيع أوصال المحور وحسب، وإنما سيجعل أمريكا وتركيا وإسرائيل والأنظمة العربية تحاصر شيعة لبنان من الشرق، وشيعة العراق من الغرب، وتحول دون دعم الفلسطينيين

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 21:46


ولم يقتصر ذلك على العراقيين، بل كانت هناك أعداد كبيرة من السعوديين والبحرانيين والأفغانستانيين والباكستانيين الشيعة وغيرهم، يقيمون في سوريا، ويتحركون بحريتهم، دون أن يجدوا ملاذاً آخر لهم في أية دولة عربية.

وكانت سوريا تلعب دوراً مهماً في دعم شيعة لبنان، معنوياً وسياسياً وعسكرياً، وخاصة حركة أمل وحزب الله والمجلس الشيعي الأعلى، وظلت بعد العام ١٩٨٢، الممر الآمن لمرور الدعم الإيراني المفتوح لشيعة لبنان، بما في ذلك الدعم العسكري الضخم، وكان ذلك سبباً مهماً في قدرة حزب الله على مواجهة الكيان الصهيوني.

ورغم إنصاف نظام الأسد لعلويي سوريا وشيعتها، وحماية شيعة العراق ولبنان والخليج، والتحالف مع إيران الشيعية، إلّا أن إطلاق تهمة الطائفية على نظامه ربما لا تصح؛ لأنه في الوقت نفسه كان يحتضن أيضاً الجماعات الفلسطينية السنية، بما فيها حركة حماس، فضلاً عن الجماعات القومية السنية العربية والأحزاب الماركسية.

ولم يكن نظام الأسد يمارس تهميشاً لسنّة سوريا أو إقصاءً لهم من المناصب الرأسية والقيادية العليا في الحزب والدولة والقوات المسلحة؛ فكون رئيس الحزب ورئيس الجمهورية في سوريا كان شيعياً، لم يحوّل النظام الى نظام طائفي علوي. على العكس مما كان عليه نظام البعث العراق؛ فقد كان رئيس النظام البعثي العراقي و٩٠% من أعضاء مجلس قيادة الثورة وقيادات حزب البعث والوزراء وقيادات الجيش، من السنة العرب، رغم أن نسبة السنة العرب لا تتجاوز ١٦% من نفوس العراق. بينما تبلغ نسبة العلويين والشيعة في سوريا حوالي ٢٠% من السكان، وفي المقابل؛ لا تتعدى نسبة العلويين والشيعة في قيادة حزب البعث السوري والحكومة وكبار المسؤولين نحو ١٠% من عدد المناصب العليا، أي وزيراً واحداً عادة في كل حكومة، وعضوين قياديين في كل تشكيلة قيادية، وربما محافظاً واحداً، بل أن كثيراً من الحكومات البعثية في سوريا كانت تخلو من وزراء علويين وشيعة.

وحتى رئيس الجمهورية السورية، العلوي الشيعي، كان يصلي خلف علماء الدين السنة وهو يتكتف، احتراماً للأكثرية السنية في سوريا؛ بينما كان صدام حسين يصلي وهو متكتف داخل ضريح الإمام علي وفي عقر دار المرجعية الشيعية في النجف. والأكثر من ذلك؛ أن النظام البعثي العراقي منع طباعة رسالة المرجع الأعلى السيد الخوئي بسبب وجود مسألة شرعية تتعلق بمبطلات الصلاة، وأحدها التكتّف؛ لأن رئيس النظام سنياً ويتكتف في الصلاة.

وفي حين كانت مناهج الدين والتاريخ في المدارس والجامعات السورية، سنّية بامتياز، ولم تُكتب يوماً في إطار ثقافة شيعية وعلوية إطلاقاً؛ فإنّ المناهج الدراسية العراقية في الدين والتاريخ، كانت على العكس منذ تأسيس الدولة العراقية في العام ١٩٢١ وحتى العام ٢٠٠٣؛ فقد كانت مذهبية سنية طائفية، وقومية عربية عنصرية، تتطابق تماماً مع ثقافة الأقلية السنية العربية البالغة ١٦% فقط من الشعب العراقي.

٣- على مستوى الحقوق والحريات الدينية والمذهبية والاجتماعية والإعلامية، كان نظام الأسد يعطي فسحة مهمة من النقد الإعلامي والفني والمعارضة السياسية، ويسمح لكل المشارب الدينية والمذهبية بممارسة شعائرها وطقوسها، وكان السوريون يحظون بكل وسائل التواصل والاتصال، من الموبايل إلى الإنترنيت إلى الكمبيوتر إلى الستلايت، وكل هذا لم يكن متاحاً في عراق البعث، بأي شكل. ويعرف المتابعون للدراما والمسرح السوريين منذ سبعينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام، حجم النقد الكبير الذي كان يوجّه للحكومة وأجهزتها الأمنية، وهو النقد الذي كان يقود في عراق البعث، حتى ولو واحد بالمائة منه، إلى منصات الإعدام وثرامات اللحم ومسالخ الجلود.

وبالتالي؛ فإن التشابه بين حزب البعث الأسدي وحزب البعث العفلقي الصدامي هو تشابه نظري وشكلي، أي تشابه في الفكر القومي العربي العام، وتشابه في بعض سلوكيات الاستبداد والقمع الداخلي. أما الاختلاف بينهما في المواقف الفكرية والسياسية وفي ثقافة الدولة وسلوك الحكومات؛ فإنه اختلاف جوهري.

وحين تَكرّس بعد العام ٢٠٠٦ انخراط الدولة السورية في محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران؛ فقد قررت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات، إسقاط نظام البعث - الأسد، وإعادة سوريا الى وضعها الطائفي السابق، وضمِّها الى الحلف الأمريكي الإسرائيلي السعودي، تمهيداً للقضاء على المحور الشيعي برمته، وهو التهديد الذي كان يستهدف أحد أهم أجنحة محور المقاومة، وصولاً إلى تهديد لبنان ثم العراق ثم إيران.

معايير التحالف بين نظام الأسد في سوريا والمحور الشيعي:

كانت علاقة التحالف والدعم المتبادل بين المحور الشيعي، الإيراني اللبناني العراقي السوري الخليجي الأفغانستاني الباكستاني، ونظام الأسد في سوريا، تحكمها خمسة معايير، هي:

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 21:46


العلاقة الإشكالية بين نظام الأسد في سوريا والمحور الشيعي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

منذ سقوط نظام البعث في سوريا في ٧ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤، والأسئلة تتراكم وتتكاثر حول مساحات التشابه والاختلاف بينه وبين نظام البعث العراقي، وأسباب تأييد شيعة العراق لنظام الأسد البعثي ومعارضتهم لنظام صدام البعثي، وحلف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشيعة لبنان مع نظام الأسد.

وسأتناول هذه الأسئلة وأجيب عليها، ليس من منطلق المسموعات والمعرفة النظرية، وإنما بناءً على معايشتي للواقع السوري خلال إقامتي في لبنان منذ العام ١٩٩٢.

التشابه والاختلاف بين نظامي البعث في العراق وسوريا:

بعيداً عن تعقيدات الانشقاق في حزب البعث في شباط/ فبراير ١٩٦٦، الى بعث عراقي وبعث سوري، وأسبابه ومساره التاريخي؛ فإن الجذور الفكرية والثقافية والتنظيمية والسلوكية للحزبين البعثيين في سوريا والعراق هي جذور واحدة، لكن هناك فروقات جوهرية بينهما، أبرزها:

١- إن حزب البعث السوري ليس عفلقياً في آيديولوجيته وقيادته؛ إذ يعتبر البعثيون السوريون ميشيل عفلق منحرفاً فكرياً عن مبادئ البعث، وجاسوساً للغرب، وخائناً، وهو موقفهم نفسه من حزب البعث العراقي وقيادته.

وكان حزب البعث العراقي قد تحوّل من حزب عفلقي الى حزب عفلقي صدّامي منذ العام ١٩٧٩ وحتى وفاة ميشيل عفلق في العام، ثم تحوّل الى حزب صدّامي بامتياز بعد ذلك وحتى الآن. وصدام حسين المولود في عائلة سنية؛ يمثل التيار الأكثر طائفية وعنصرية في حزب البعث العراقي، رغم أنه علماني لا ديني، لكن طائفيته السياسية الاجتماعية العلمانية تستقي جذورها من المشروع القومي العربي العراقي الطائفي.

في حين أن حزب البعث السوري كان عفلقياً حتى العام ١٩٦٦، ثم استحال أسديّاً بامتياز، أي أنه ظل مطبوعاً بطابع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وهو علوي متمسك بعلويّته الاجتماعية، مثله مثل الأغلبية الساحقة للعلويين النافدين في الحزب والدولة السورية. ورغم أن العلويين هم شيعة إثنا عشريون، وليسوا كما يشيع عنهم خصومهم بأنهم (علي اللهية) و(نصيرية)، إلّا أن لهم نظاماً اجتماعياً دينياً خاصاً منفصلاً عن النظام الاجتماعي الديني الشيعي الإثني عشري العام، فضلاً عن غلبه الطابع العلماني على علويي الحزب والدولة، شأنهم في ذلك شأن علويي تركيا وإيران ولبنان، مقابل تميّز الشيعة السوريين من غير العلويين بالطابع الديني؛ لكن هذا لم يمنع من التحام الطرفين وتحالفهم على مر التاريخ، بما في ذلك فترة نفوذ العلويين في قرار الحزب والدولة السورية.

٢- الفارق الأهم بين حزب البعث العراقي وحزب البعث السوري يرتبط بالمشروع الطائفي، وهو فارق لا يعترف به الحزبان، بل يتبادلان الاتهام بشأنه فيما بينهما؛ فحزب البعث العراقي يصف حزب البعث السوري بأنه طائفي منحاز لطائفة الأقلية العلوية الشيعية في سوريا، وحزب البعث السوري يتهم حزب البعث العراقي بأنه طائفي منحاز لطائفة الأقلية السنية العربية في العراق، وهذه التوصيفات الطائفية للطرفين ليست اتهامات، وإنما هي حقيقة، ولذلك؛ نجد أن البعثيين العراقيين والإسلاميين السنة العراقيين هم الأكثر فرحاً وترحيباً بسقوط نظام البعث في سوريا، على العكس من الشيعة العراقيين غالباً.

والحقيقة أن دور العلويين عموماً وآل الأسد خصوصاً في إعادة توجيه حزب البعث السوري والدولة السورية باتجاه إنصاف علويّي سوريا خصوصاً والشيعة عموماً، لا يمكن إنكاره بأي وجه؛ فقد تمكن العلويون بعد العام ١٩٧١، وخاصة بيت الأسد، من كبح جماح الطائفية والعنصرية في الحزب وفي الدولة السورية، بل انقلب الواقع تدريجياً على الطائفيين في سوريا عموماً وعلى البعثيين الطائفيين خصوصاً، والذين لم يكونوا يخفون فخرهم بأنهم أمويون قبل العام ١٩٧١، ولم يعد هناك إقصاء وتهميش للشيعة أو السنة أو أية طائفة أخرى، بل أصبحت سوريا حليفة لشيعة لبنان في حياة السيد موسى الصدر، وخاصة بعد العام ١٩٧٤، وهي السنة الذي تحوّل فيها بيت الأسد إلى شيعة إثنى عشرية، وليس مجرد علويين، بفضل السيد موسى الصدر. ثم أصبحت سوريا الأسد حليفة لإيران بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، انطلاقاً من إيمان حافظ الأسد الحقيقي بتشكيل جبهة إقليمية ضد الكيان الصهيوني.

كما بدأت سوريا الأسد منذ العام ١٩٨٠، باحتضان المعارضين الشيعة العراقيين لنظام البعث العراقي، وبقي العراقيون المعارضون والمهاجرون في سوريا، يتحركون كما يشاؤون في سوريا، ويدرسون ويعملون، دون أن يحمل أغلبهم الوثائق الثبوتية من جواز سفر وإقامة، في الوقت الذي كانت الدول العربية تمنع سفر العراقيين إليها، وتلقي القبض على المعارضين وتسلِّمهم إلى نظام صدام.

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 04:26


أرى أن أعظم عظماء الشيعة، بعد أئمة آل البيت، هم أربعة عشر:
المختار الثقفي، السيد زيد بن علي، السيد إدريس الأول، السيد الحسن الأطروش، الشيخ عثمان العمري، الشيخ الصدوق، الشيخ المفيد، الشيخ أبو جعفر الطوسي، حمدان بن حمدون، علي بن بويه، السيد عبيد الله الفاطمي، السيد اسماعيل الصفوي، السيد سعادت علي خان، والإمام الخميني.
وأعظمهم على الإطلاق: الإمام الخميني. علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 04:25


الأخلاق المذهبية بين أتباع الإمام الصادق وأتباع ابن تيمية
د. علي المؤمن
في جلسة عامة في الجزائر خلال العام 1999، وخلال ذروة نشاط الجماعات التكفيرية الوهابية فيها؛ سألني بعض المثقفين الجزائريين العلمانيين عن قضية يتصورونها إشكالية معقدة: ((لماذا أنتم الإسلاميون الشيعة مختلفون عن الآخر المذهبي المتدين أو السلفي اختلافاً في الجوهر والشكل، ونراكم منفتحين ثقافياً وفكرياً وسلوكياً ومذهبياً على الجميع، ولا تكفِّرون أحداً، بل متعاونون مع أهل السنة وداعمون لقضاياهم، رغم أن أغلبهم لا يتقبلكم بالأساس!!)).
قلت لهم: نعم؛ نحن نختلف، والسبب، بكل بساطة؛ إننا أتباع جعفر بن محمد الصادق وهم أتباع أحمد ابن تيمية. إمامنا الصادق يأمرنا أن نتعامل مع أهل السنة كإخوة في مجتمع واحد وأجزاء في أمة واحدة؛ بقوله: ((صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه)). أما أحمد بن تيمية فإنه يحكم على الشيعة بالكفر ويستبيح دماءهم ويستحل أعراضهم وأموالهم، بل يستبيح دم كل من يخالفه في الرأي.
ولا يزال هذا الواقع الأخلاقي العقيدي قائماً؛ فنحن دائماً شركاء لإخواننا السنة في قضاياهم وأفراحهم وأحزانهم، بل نعد قضاياهم المصيرية قضايانا؛ فقد وقفنا معهم في ثوراتهم التحررية ومقاومتهم للعدوان، في الجزائر وليبيا وأفغانستان وفلسطين ومصر وسوريا وتركيا والسودان وإندونيسيا والهند وبورما والفليبين وكل البلدان التي يتواجدون فيها. ثم حمل الشيعة همّ فلسطين وقضيتها منذ العام 1979، وبذلوا من أجلها الأرواح والأموال والجهد على كل الصعد، ولولاهم لقضى الحكام العرب على قضية فلسطين، ولأصبحت في مهب التاريخ، ولباتت (إسرائيل) شقيقةً حاضرةً علناً في كل عاصمة عربية.
وبالتالي؛ هناك تباين جوهري، أخلاقي عقيدي، بين أتباع آل البيت في تضامنهم وتعاطفهم وتعاضدهم مع قضايا إخوانهم السنة، وبين الطائفيين الذين يشمتون بالشيعة في مصائبهم.
وفي السنة الماضية؛ بمجرد الإعلان عن اغتيال اسماعيل هنية ثم يحيى السنوار، ضجّت وسائل الإعلام الشيعية وحسابات الشيعة وصفحاتهم في التواصل الاجتماعي، شخصيات وأفراداً وجماعات ومؤسسات وحكومات، وهي تنعى وتعبر عن الحزن والشراكة في المصاب، والدعوة للثأر والانتقام من المعتدي، حتى تعتقد أنهم أصحاب العزاء. ثم يصلي على جثمان هنية مرجع الشيعة، ويقيمون له تشييعاً مليونياً لم يحدث لأية شخصية سنية في التاريخ، حتى في البلدان السنية. وانتقم الشيعة لمقتله عاجلاً، رغم أن هذا الانتقام كلفهم كثيراً من الأنفس والأموال والجهود والتداعيات. وهذه ليست بدعة في المشهد الشيعي، بل هو أصل وقاعدة وجوهر، لأن هذا المشهد يعود بتعاليمه إلى محمد وعلي والحسين وجعفر الصادق.
وفي المقابل؛ نرى الطائفيين في وسائل الصحافة والإعلام والتواصل الاجتماعي، يضجّون بالشماتة والسخرية بعد موت أو مقتل كل شخصية شيعية، منذ إعدام السيد محمد باقر الصدر ووفاة الإمام الخميني، وحتى مقتل السيد إبراهيم رئيسي واغتيال السيد حسن نصر الله. ففي كل مصاب كنا نتمنى أن يبادر شيخ أو جماعة أو مؤسسة أو حكومة إلى التعزية باستشهاد أحد شهداء الشيعة في العراق وإيران ولبنان وأفغانستان والبحرين والسعودية وباكستان وسوريا واليمن ومصر وغيرها، ولكن لا نحصد من انتظارنا سوى خيبة الأمل والألم والاستفزاز.

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 04:25


وفوق كل هذا؛ يرمون الشيعة بدائهم الطائفي المزمن، ويعملون بكل جهد على جر بعض الشيعة المنفعلين والبسطاء إلى الصراعات الطائفية وتبادل الشتائم والمهاترات، لأن انتشار عدوى الطائفية هدف استراتيجي للطائفيين.
هذه دعوة لكل شيعي بأن يبقى على الخط الذي رسمه له إمامه جعفر الصادق، ولا يصاب بداء الطائفية المزمن، ولا يتعلم من الطائفيين لغة العصبية الجاهلية والحقد والضغينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته (بنسخة Pdf) على تلغرام :
https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 04:19


كتب الأستاذ إياد آل عوض الحسناوي: فيما يلي نص تعقيبنا على مقال المفكر الاسلامي الكبير الاستاذ الفاضل الدكتور علي المؤمن المحترم والمنشور في صفحته على الفيسبوك : (( اطلعت على مقالكم الموسوم (الازمه المعرفيه عند النخب السنية والعلمانية) ،، وقد وجدت انه من المفيد الاشاره الى ما يلي تاييدا لماذا ذهبتم اليه في جانب مهم من هذا الموضوع ؛ وبالمقابل فأننا نجد ان الباحث والمفكر والكاتب ورجل الدين الشيعي هم على اطلاع واسع وتفصيلي لما ورد في مؤلفات وكتب اهل السنه وخاصة كتب التفسير والحديث والفقه والتأريخ والسير والتراجم وغيرها ، وقد الف الكثير منهم كتب في تحليل ونقد في كل ما ورد في هذه المصادر والمراجع وخاصه الكب المعتبره والمعتمده لديهم . وهنا احب ان اذكر الاتي : (1) ان مؤلفات وبحوث الشيعه في العلوم والمواضيع والمعارف الاسلامية والمؤلفة في العصور المتاخرة نجد مصادر ومراجع الكتاب او البحث فيها نسبه كبيرة من مؤلفات لكبار علماء السنه وخاصه المشهور منها ولأعلام متقدمين . (2) ان اي استعراض لمكتبات الشيعه العامه او الخاصه ان كان في العراق او في البلدان الاسلاميه الاخرى فاننا نجد نسبه كبيره منها قد تصل الى 50% او 60% هي من مصادر وكتب علماء اهل السنه وخاصة المتقدمين منهم . (3) في مسائل الاحتجاج والخلاف تجد ان للشيعه لهم اليد الطول والحجة الاقوى في الرد على اهل السنه وذلك لاعتمادهم على مصادر الطرف المقابل الكبيره والمعتبره في اثبات صحه ارائهم وعلى قاعده (من فمك ادينك) في حين نجد الطرف الاخر يقف عاجزا عن الرد بالمثل . (4) اما تجربتي الشخصية بهذا الخصوص فقد كانت بدايتي في اوائل الستينيات من القرن الماضي حيث بدات بتاسيس مكتبه تضم مواضع مختلفة ولكن الغالب عليها هي كتب التراث الاسلامي حيث كنت ولا زال اعشق هذا النوع من الكتب فكان اكثر من 90% من كتب العلوم والمعارف الاسلاميه هي من مؤلفات كبار علماء اهل السنه وخاصه المتقدمين منهم وذات الشهرة الواسعة ولم يوجد فيها كتب او مصادر شيعيه الا القليل كمؤلفات المرحوم الدكتور محمد جواد مغنيه ككتاب (مع علماء النجف الاشرف) و(الاسلام والعقل) و (التفسير الكاشف) و(الفقه على المذاهب الخمسة) وغيرها او كتاب (شرح شرائع الاسلام) للمحقق الحلي ،، ولكن بعد السقوط فقد توفرت كتب ومصادر كثيره لمراجع ومفكرين من الشيعة ان كانوا من المتقدمين او المتقدين حيث اقتنيت اعدادا كبيره منها ،، لقد ثبت لدي بعد هذا المشوار الطويل مع الكتب والمكتبات ان كل عقائد الشيعه المهمه والحساسة اثبتتها كتب ومصادر اهل السنه)) .

كتابات علي المؤمن

22 Jan, 04:15


هناك (400) مليون شيعي، فيهم خيرة قادة العالم؛ فلماذا يتخيل بعض الشيعة من أصحاب العقول الانهزامية والشخصيات المهزوزة، أن الهندوسي والبوذي والأوروبي والأمريكي والوهابي والسني، يستطيع أن يكون قائداً، وأن الشيعي هو وحده الذي لا يستطيع؟
ينبغي الخروج من سجن العقل وقوقعة الانعزال وجلد الذات، وأن يعرف الشيعي أنه يعيش عصر صعوده ونهضته، ولا يوجد صعود ونهوض دون ثقة عالية بالله وبالنفس، ودون تضحيات.. علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

16 Jan, 21:57


الشيعية العالمية، وخاصة بعد أن بلورها الشيخ الطوسي وأعاد هيكلتها وصنع من النجف عاصمة لها. ولم يكن هذا النظام يوماً نظاماً دينياً محضاً، بل ظل منظومة شاملة لأغلب جوانب الحياة، من العلوم الدينية، إلى الآداب والفلسفة، إلى النظام الاجتماعي، إلى السياسة والاقتصاد والمال، بما يمكن تسميتها بالدولة ناقصة السيادة.

وقد تطور النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي في القرن العشرين، تطوراً غير مسبوق، وبات يضم أحزاباً سياسية عابرة للحدود، وجماعات جهادية، ورأس مال عالمي، وأوقاف عالمية، ومؤسسات تبليغية عالمية، وصولاً إلى تأسيس دولة كبيرة. وبقي هذا النظام في حالة صعود سريع ونوعي خلال العقود الأربعة الأخيرة، حتى بات أحد الفواعل الأساسية عالمياً، والفاعل الأول في الشرق الأوسط، إلى جانب المشروع الإقليمي الصهيوني ـ الأمريكي، ثم المشروع السعودي الوهابي الطائفي المتحالف مع المشروع الأمريكي، ثم المشروع التركي القومي الطائفي السني الجديد. وبالتالي؛ فإن المشروعين الأساسيين المتصارعين في الشرق الأوسط، هما المشروع الشيعي المقاوِم الذي تقوده إيران، والمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي المهاجِم، وعلى أطرافها يتمدد المشروع التركي النامي.

وبالتالي؛ هل من الحكمة أن يتنكر الشيعة لنظامهم الاجتماعي الثقافي السياسي الجهادي الديني، والتضحية بإنجازاتهم ومكتسباتهم السياسية والمذهبية والتنموية والثقافية والإعلامية التي حققوها عبر مشروعهم الأممي الطبيعي خلال العقود الأربع الأخيرة، لمجرد وجود فحيح يتهمهم بعدم الوطنية؟، أو لحدوث خسارة هنا وثغرة هناك؟، أو لوجود عقدة لدى بعض القوميين العرب الشيعة عنوانها إيران، على اعتبار أن إيران هي التي تقود هذا المشروع الشيعي الأُممي لزاماً، بوصفها الأخ الأكبر؟، أو لوجود أوهام تذهب إلى أن المشروع الأُممي يحول دون تركيز كل مجتمع شيعي تفكيره وأداءه في واقعه الوطني؟

ولا شك أن هذه الهواجس والحساسيات موجودة في الواقع الشيعي؛ فهناك تيارات شيعية دينية انعزالية وخائفة أساساً، وكانت خائفة ومنعزلة حتى قبل نشوء المشروع العالمي الشيعي الجديد بعد العام 1979، وظل يزداد خوفها ودعوتها للانعزال بشكل مطرد، كلما حقق المشروع الشيعي إنجازاً أو تعرّض لخسارة، وهناك خطوط شيعية مرجعية وسياسية خاصة، بعضها جديد، وبعضها قديم، وهي ــ بالأساس ــ لم تكن منسجمة مع الخط المرجعي الشيعي العام وخط ولاية الفقيه. وتنطلق هذه الخطوط من هواجس فئوية ضيقة متخمة بالحسد والعُقد، وتمارس مناكفات ضد الخط المرجعي العام، وتتمنى لو تحطمت كل المكتسبات الشيعي الجديدة، لمجرد أن الذي يحققها هو الخط المرجعي العام أو خط ولاية الفقيه. وتشمل هذه التيارات أيضاً الجماعات والأفراد الذين لديهم عقدة مستعصية من إيران؛ فهؤلاء يروِّجون بأن كل عمل تقوده إيران أو تشترك فيه إيران، هو عمل مرفوض ومشكوك به، لأنه يحقق مصلحة لإيران، حتى لو كانت نتائج هذا العمل مهمة واستراتيجية لكل شيعة العالم وتضمن لهم كثيراً من مصالحهم.

وهناك أيضاً تيارات حذرة متوجسة، ترعبها التهم التي يوجهها الخصوم الطائفيون للشيعة بعدم الوطنية وبالتبعية للخارج، وتحديداً لإيران، ولذلك؛ تقوم هذه التيارات بالانكفاء محلياً، وطرح خطاب معاد للمرجعيات والجماعات والحكومات الشيعية في البلدان الأخرى، وخاصة المنخرطة في المشروع الشيعي العالمي، وتردد المصطلحات نفسها التي يرددها الإعلام الطائفي والصهيوني والأمريكي، بل لا تخفي براءتها أحياناً من الرموز المعبرة عن الهوية الشيعية العالمية، لكي تثبت وطنيتها واندكاكها بالوطن.

وهذه التيارات، تساهم عمداً أو غفلة، في محاولات تقطيع أوصال حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وتفكيك التحالفات بين شيعة البلد الواحد، بذريعة أنها تحالفات طائفية، وكذلك تفكيك التحالفات بين شيعة البلدان المختلفة، بذريعة أنها تتعارض مع الانتماء الوطني. وهي بذلك تقدم أكبر مساعدة للمشروع الأمريكي الصهيوني الإقليمي، والمشروع الوهابي السعودي والمشروع التركي القومي السني، بالرغم من كونها مشاريع شمولية عابرة للحدود، ومعادية للشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

16 Jan, 21:57


المشروع العالمي حرامٌ على الشيعة.. حلالٌ على غيرهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

إذا وضعنا الأصول التشريعية لعالمية الإسلام ووحدة المسلمين ووجوب الاهتمام بشؤون المسلمين دون النظر الى الجنسية والقومية والحدود، وعالمية النظام الاجتماع الشيعي، جانباً، وقاربنا موضوع المشاريع العالمية أو الدولية أو الأممية وفق قواعد المصالح والمفاسد الدنيوية والمادية؛ فسنرى أن الإنجازات الكبرى التي حققتها وتحققها البشرية تقوم على المشاريع العالمية العابرة للحدود، كالتحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، أو التحالفات الشاملة أو الوحدات الاندماجية، ليس بين الدول وحسب، وإنما بين الأفراد والجماعات والشركات، على أساس المشترك المناطقي أو العقدي أو القومي أو الاجتماعي الديني، وغيرها من المشتركات الإنسانية. في حين أن الذي يدمر الدول والمجتمعات والجماعات الإنسانية، ويحجِّمهما ويضعفهما، هو الفكر الانعزالي المحلي وتطبيقاته العملية، وهي سنة إلهية وتاريخية.

ومثال ذلك: المشاريع الأمريكية العالمية والإقليمية، التي لا تقتصر على الدول، بل تشمل الجماعات والعصابات أيضاً، وهي منتشرة في كل قارة وبقعة جغرافية في العالم، ولا تبدأ بحلف شمال الأطلسي، ولا تنتهي بمشروع الشرق الأوسط المتغير.

وكذا الحال بالنسبة للمنظومة الشيوعية، التي كانت تناطح الغرب بأسره باقتدار، منذ أربعينات القرن الماضي، بسبب مشروعها العالمي، رغم حداثته آنذاك، والذي لم يكن قد بلغ ربع قرن من عمره. ولم تتفرد واشنطن بالعالم إلّا بعد تفكك المنظومة الشيوعية العابرة للحدود. وقد ورثت روسيا كثيراً من تحالفات وامتدادات المنظومة الشيوعية العالمية، وظلت محافظة عليها بقوة، لكي تعزز حضورها قوةً عالمية في مقابل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

وكذلك المشروع الصهيوني العالمي، الذي بدأ في نهايات القرن التاسع عشر، وتحوّل بمرور الزمن إلى أقوى وأنجح مشروع قومي ــ ديني في العالم، رغم حداثته من جهة، ورغم قلة عدد اليهود (5 ملايين نسمة في مطلع القرن العشرين)، ورغم أنهم كانوا أكثر الجماعات الإنسانية المنبوذة والمحتقرة في أوروبا وأمريكا وروسيا، لكنهم تحولوا بفضل مشروعهم العابر للحدود إلى أهم أقلية بشرية مؤثرة في العالم.

وهكذا الأمر بالنسبة للكيان الوهابي السعودي، الذي يبذل منذ تأسيسه، مليارات الدولات سنوياً لإنجاز مشاريع عقدية ــ سياسية عابرة للحدود، وقد نجح بعضها، وتجد له أصداء في جزء من الدول العربية والأفريقية والشرق آسيوية؛ حتى أن الأحزاب العقدية ــ السياسية والجماعات المسلحة المرتبطة بالسعودية، والمشاركة في السلطة في بعض بلدان شرق آسيا ووسط أفريقيا، هي التي تقف وراء ضرب الحضور الإنساني الشيعي هناك بقسوة وقوة. وقد حققت السعودية هذه النجاحات دون أن يكون لديها أية لوازم وأنساق موروثة، سوى المال، أي أنها بدأت في ثلاثينات القرن الماضي من الصفر، حتى بات لدى الوهابية السعودية، عبر ضخ المال، أكبر مشروع طائفي وهابي ـ سني في العالم.

وما الحراكات العابرة للحدود التي تنفّذها تركيا الأرودغانية منذ العام 2003، بدءاً بآذربيجان، ثم الدول الناطقة بالتركية، ثم ليبيا ثم العراق ثم سوريا، إلّا مساعي حثيثة سريعة للحاق بركب المشاريع الشاملة العابرة للحدود، وهي ليست مجرد حراكات مصالح سياسية واقتصادية، إنما هو مشروع مركب، قومي مذهبي سياسي اقتصادي عالمي؛ إذ تتحرك تركيا الأردوغانية على مستويين: قومي، من خلال الدول الناطقة بالتركية، والتي جمعتها في منظمة الدول التركية (Turkish state organization) واتحاد البلديات في العالم التركي، ومستوى مذهبي، وهو يعتمد على احتواء الجماعات الإسلامية السنية غير الوهابية.

وإذا كانت جميع الدول والجماعات الإنسانية الطموحة والصاعدة، تحظى بمشاريع عملاقة عابرة للحدود؛ فلماذا عندما يصل الأمر إلى الشيعة ووحدتهم وتحالفاتهم البينية التي تضمن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم المذهبية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة، يكون الموضوع محرّماً ومتعارضاً مع الوطنية ومصالح الوطن. في حين أن ما يحقق المصالح الخاصة والمحلية والوطنية، على كل الصعد، هي التحالفات والمشاريع الإقليمية والعالمية، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الجماعات أو الدول. ولعل الشيعة هم أكثر جماعة إنسانية في العالم تمتلك أدوات وأنساقاً لمشاريع عابرة للحدود، سواء على المستوى العقدي والاجتماعي الديني أو على المستوى المادي.

وإذا كانت المشاريع العالمية والإقليمية: الأمريكي الصهيوني، والروسي، والسعودي الوهابي، والتركي القومي السني، مشاريع مصطنعة طارئة لا عمق تاريخي وفكري لها؛ فإن المشروع الشيعي العالمي المقاوِم المستند بالكامل إلى النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هو نظام عالمي أصيل وطبيعي ومتجذر يبلغ عمره (1200) عاماً، أي من عمر منظومة المرجعية الدينية

كتابات علي المؤمن

16 Jan, 17:45


محبتي أصدقائي المعلقين الذين اختلفوا معي في الرأي عندما نشرتُ عن انتصار المحور الشيعي في معركة الـ (15) عشر الأخيرة.. حتى من تكلّم بقلة أدب وبعيداً عن الذوق.
أحترم آراءكم، وأنا على يقين أن حديث أغلبكم ينطلق من الحرص والانتماء، وأود أن أبيِّن وجهة نظري في هذا المجال.
يعرف أغلبكم أنني لا أكتب من منطلق عاطفي أو تعبوي إطلاقاً، وإنما أنطلق في رؤيتي من البحث واستقراء المعطيات، وأكتب بناءً على مسؤولية الكلمة أمام الله والتاريخ، ومسؤولية الموقف أمام انتمائي، ولا يمكن أن أغش أمتي وأهلي.
وبالتالي؛ فإنّ ما أقوله عن نجاح المحور الشيعي في امتحان إسناد غزة، وعن الانتصار في لبنان واليمن وإيران والعراق؛ إنما أراه بوضوح كامل من وجهة نظر استراتيجية عميقة شاملة.
أما ما خسره المحور الشيعي من قيادات وسلاح وبناء؛ فهو فادح لا شك، لكنه يتعوّض قطعاً، وهي مسالة وقت فقط، وهي خسائر تهون أمام النجاح في امتحان الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني، وأمام الانتصارات الكبيرة والمؤزرة والاستراتيجية والرادعة، مادياً ومعنوياً. ولعل من أهمها دخول الناس في مدرسة آل البيت أفواجاً أفواجاً أفواجاً، وهي قضية ربما لم يلتفت إليها أغلبكم، ولا أريد أن اتوسع فيها، تجنباً للحساسيات، ولم تعد تنفع كثيراً الدعايات المضادة، لأن الناس تلمّسوا طهارة هذه المدرسة عملياً ومصداقيتها بالفعل وليس في الكتب، مقابل زيف ونفاق خصومها. ولعلكم تسمعون صراخ الوهابيين والطائفيين وازدياد تصريحاتهم ونشاطاتهم في هذا المجال.
يكفي أن الكيان الصهيوني نفسه يكرر اعترافه بالهزيمة في لبنان وإيران واليمن والعراق وغزة، ويكفي أن الوهابيين والطائفيين يعترفون بخسائرهم المعنوية الهائلة أمام المحور الشيعي.
صدقوني حتى أحفادنا سيحصدون ثمار هذه الانتصارات مستقبلاً. متمنياً أن لا يكتفي بعضنا في تلمس القشور، وإنما الغوص في عمق الموضوع، من أجل أن نستثمر الانتصارات ونحصد ثمارها إعلامياً وعلى الأرض، ولا ندع دماء الشهداء القادة تذهب هدراً. وسأكتب عن تفاصيلها في مقال تفصيلي.
علي المؤمن
1/ 16/ 2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

11 Jan, 05:36


لماذا يجب حصر حكم العراق في الأغلبية الشيعية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

ابتداءً؛ أؤكد بأن الدعوة لإلغاء المحاصصة الطائفية والقومية في هوية الدولة العراقية، وفي قرار الدولة، وفي مناصبها، لا علاقة له بالمستجدات الإقليمية والمحلية، ولا بالحدث السوري ولا بالتهديدات الإسرائيلية والأمريكية للعراق، إطلاقاً، إنما هي رؤية قديمة راسخة تعود إلى العام 2005، وهي قائمة على دراسات منهجية شاملة، وقد كتبتُ في ذلك كثيراً. وتتلخص هذه الرؤية في أن الهوية العائمة أحياناً والمتعددة أخرى للدولة العراقية، وكذا نظام المحاصصة المكوناتية والحزبية، هما أهم أسباب الفشل في حركة الدولة العراقية، وتعدد مسارب الفساد فيها، وعدم تحوّلها إلى قوة إقليمية رصينة، وكثرة التدخلات في شؤونها.

ويكمن الحل في أن تكون هوية الدولة العراقية أحادية واضحة، وهي هوية الأغلبية السكانية، أي الهوية الشيعية، وأن يكون حكم العراق بكل مناصبه العليا بيد هذه الأغلبية، أي بيد الشيعة حصراً، كما يتم تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف سياسي شيعي واحد، ويمكن لهذا الائتلاف أن يمنح حلفاءه السنة، العرب والكرد والتركمان، حقائب وزارية أو مناصب، بحسب أحجامهم. أما رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب ورئاسة القضاء ورئاسة المحكمة العليا، وقيادات الجيش والقوات المسلحة، والوزارات السيادية؛ فتكون لأصحاب الكفاءة من الشيعة، وممن يختارهم الائتلاف الذي يستطيع تشكيل أغلبية برلمانية.

ولعل هناك من يتساءل: وهل نجح الشيعة بعد العام 2003، لكي نسلمهم حكم العراق بأكمله؟ ولماذا لا يكون المعيار هو الكفاءة، بغض النظر عن الديانة والمذهب والقومية؟، وجواب ذلك:

1- إن الحديث هنا ليس عن المناصب وحسب، وإنما عن أصل هوية الدولة العراقية، وقد شرحنا معنى ذلك وضروراته ومآلاته في دراسة منهجية سابقة.

2- إن الشيعة لم يفعلوا بعد العام 2003 ما فعله الحكم السني قبل 2003؛ فما فعله الحكم السني بالعراق وشعبه وشيعته معروف بكل تفاصيله، منذ العهد العثماني، ثم الملكي ثم الجمهوري العارفي ثم البعثي. وهناك ملايين الوثائق وآلاف الدراسات ومئات الكتب في هذا المجال، وكلها تقطر دماً وقيحاً، ومخنوقة برائحة الرصاص والدمار والخراب والحروب والتشريد والجوع والتخلف.

3- يجب أن لا يكون العراق شاذاً عن البلدان العربية والإسلامية الأخرى، والتي تحكمها الأغلبية السكانية (السنية)؛ فنسبة شيعة السعودية 20% من عدد السكان، وليس لديهم حتى سفير واحد، فضلا عن وزير وأمير ورئيس وملك، ونسبة شيعة باكستان 25% ووضعهم لا يختلف عن وضع شيعة السعودية، وفي أفغانستان النسبة والحالة نفسيهما، وكذا في الكويت (وزير واحد غالباً)، ولم يكن يوماً رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب شيعياً، رغم أن نسبة الشيعة لا تقل عن 35% من عدد سكان الكويت. وفي سوريا أعلن النظام الجديد أنه شكل وسيشكل الحكومة السورية من الأغلبية السنية حصراً، رغم أن نسبة الشيعة والعلويين تبلغ 20% من عدد السكان، وهي نفس نسبتهم تقريباً في تركيا، وليس بينهم رئيساً أو وزيراً أو سفيراً. أما البحرين فهي حالة متفردة بذاتها، ووضعها الشاذ يشبه وضع العراق قبل العام 2003؛ فنسبة شيعة البحرين تبلغ 70% من عدد السكان، لكن الحكم بيد عائلة سنية واحدة وحلفائها من العوائل والعشائر السنية.

وفي الحال الحاضر؛ فإن العراق هو البلد العربي والمسلم الشاذ الوحيد الذي تشارك الأقليات القومية والطائفية في حكمه، بحجم مشاركة الأغلبية السكانية الشيعية نفسها، رغم أن نسبة الشيعة تبلغ 65% من عدد سكان العراق، والسنة العرب 16% والسنة الكرد 14%؛ بل لا يسمى السنة العرب أقلية مذهبية ولا السنة الكرد أقلية في العراق، في حين يسمى الشيعة أقلية مذهبية في الدول العربية والإسلامية، حالهم حال الأقليات الدينية والقومية.

على مستوى الرئاسات الثلاث في العراق؛ فإن للشيعة في الحال الحاضر، منصب واحد فقط، ولكل من السنة الكرد والسنة العرب منصب واحد أيضاً. وهذه المثالثة موجودة نفسها في جميع الوزارات، ما يعني أن للشيعة ثلث هوية الدولة وقرارها ومناصبها، في حين أن للسنة ثلثي الهوية والقرار والمناصب. وبالتالي؛ فهي مشاركة ليست متساوية وليست عادلة، وهي تقود كل مكون إلى الاستقواء بالخارج، وتسمح لدوله بالتدخل السافر في شؤون العراق، بينما ينبغي أن تكون الهوية واحدة فقط، أي شيعية، وتكون المناصب الرأسية للشيعة حصراً، ويتم اعطاء ثلث ما دونها للسنة العرب والكرد بالتساوي.

وعلى مستوى هوية الدولة أيضاً، ينبغي أن لا تكون المناهج الدينية والتربية الوطنية والتاريخ متحاصصة في العراق، وتُرضي الجميع، وإنما تكون ذات هوية محددة، هي هوية الاغلبية الدينية المذهبية، وهكذا بالنسبة لمواقيت بدايات الأشهر الهجرية والأعياد والمناسبات الدينية.

كتابات علي المؤمن

11 Jan, 05:36


وإذا أخذنا الأذان الرسمي - كأبسط مثال- فسنجده في الكويت والبحرين والسعودية وباكستان وأفغانستان وسوريا ولبنان هو أذان سني، رغم أن في هذه الدول مجتمعات شيعية كبيرة، تتفوق عددياً أحياناً على نسبة السنة في العراق، بينما في العراق هو أذان مقسم حسب الوقت؛ حيث أذان الصبح والظهر والمغرب هو أذان شيعي، وأذان العصر والعشاء سني.

وخلاصة هذه الدعوة، هي أن يكون توصيف العراق توصيفاً شيعياً وأنه دولة شيعية، وأن تكون جميع مظاهر الدولة ومفاصلها ومناصبها العليا متطابقة مع هذه الهوية، حالها حال جميع الدول السنية التي تحظى بهوية سنية حصرية، بما فيها البلدان التي تتواجد فيها كثافة سكانية شيعية كبيرة، تقارب ثلث أو ربع عدد السكان كما ذكرنا. وبالتالي؛ فإن المحاصصة الطائفية لهوية الدولة العراقية ومناصبها، ليس فيها ظلماً عظيماً للشيعة وحسب، وإنما هو شذوذ عن باقي الدول العربية والإسلامية من جهة، ويشكل عائقاً كبيراً أمام حركة الدولة وأمنها وسلامتها واستقرارها ونموها من جهة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

11 Jan, 02:24


لماذا يواجَه المجدد الديني بالرفض غالباً؟
علي المؤمن
غالباً ما يتعرض المجدد أو المصلح الديني للرفض، بسبب خروجه على القوالب المألوفة، التي تعدّها الأغلبية الدينية القوّامة، صمامات أمان ديني اجتماعي، وثوابت موروثة تعبِّر عن الإجماع المنظور. وقد يذهب جزء من تلك الأغلبية بعيداً، الى اعتبار هذا الخروج خروجٌ على ثوابت الدين وليس مجرد خروج على ثوابت الموروث. وليس بالضرورة أن يكون موقف الرفض الذي يواجَه به المجدد، خاطئاً؛ فهناك رفض لابد منه، وهو بالفعل يشير الى مشكلة أو انحراف في دعوة التجديد؛ فيكون الرفض كبحاً لجماحها، وحائلاً أمام اتساعها عمودياً وأفقياً، ولكن في الوقت نفسه، هناك رفض متعسف وغير صحيح، سواء في الجانب النظري أو أسلوب الرفض وحجمه وانفعالاته، خاصة إذا كان مبالغاً به وقاسياً، أو شخصانياً وتسقيطياً.
ومن المنطق والشرع، التعامل مع دعوات التجديد والإصلاح وفق قاعدة حسن الظن ابتداءً، إذا لم يكن المجدد مرتبطاً بأجندة مخاصِمة، وكانت أهدافه سليمة، وكان متخصصاً، وبخلافه تكون مواجهته ضرورية، بشكل ومضمون منسجمين مع حجم الضرر المتوقع، لا أكثر ولا أقل؛ فإذا لم يكن - مثلاً - متخصصاً في المجال الذي يعمل على التجديد والإصلاح فيه؛ وجب توجيهه من أهل الاختصاص، بالتي هي أحسن: ((هذا ليس اختصاصك، وسيكون مآل تجديدك وإصلاحك انحرافاً، وإن كانت نواياك حسنة وأهدافك خيرة)).
ولعل المجدد والمصلح المتخصص العادل، يقع هو الآخر، في مطبات تتعلق بالمنهج أو أسلوب الطرح أو النتاج، لأن التجديد التخصصي عملٌ إبداعي واجتهادي دقيق، ينطوي على تجديد في الأدوات والاستنطاقات والقراءات والاستنباطات، وهنا قد يصيب المجدد وقد يخطئ. وبكلمة أخرى؛ قد يكون خروج المجدد والمصلح المتخصص على القوالب المألوفة والمتغيرات الدينية الموروثة، صحيحاً وضرورياً حيناً، أو صحيحاً وغير ضروري أخر، أو غير صحيح ثالثاً. وربما نجد حيناً رابعاً، أن المجدد المختص العادل، يفتقد الى الوعي بالمصلحة العامة حيال جزئية معينة؛ فيكون خطابه ونتاجه وبالاً على المؤسسة الدينية وعلى المجتمع، وسبباً في افتتانهما وتخندقهما. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
وربما أخطر حالات الانفعال والتطرف تجاه دعاوى التجديد والإصلاح، هو التهويل والمبالغة في تقويمها وتقويم أصحابها دينياً؛ فتكون المواقف المنفعلة والمتطرفة حيالها، تكفيراً وتفسيقاً وارتداداً وتضليلاً أحياناً، أو تنزيهاً مطلقاً وتعصيماً وتصنمياً أحياناً أخرى، وكلا الموقفين وجهان لعملة التطرف، المتعارض مع العلم والعدالة والتبيّن.
وفي المحصلة؛ ينبغي التعامل مع مناهج التجديد والإصلاح، ومخرجاتهما وأساليب طرحهما، تعاملاً منصفاً مرناً، كجزئيات مستقلة عن بعضها، وإن كانت صادرة من شخص واحد؛ فلا نرفضها كلها ولا نقبلها كلها، سواء كنا نؤمن بهذا الشخص ونتبعه، أو كنا نخاصمه ولا نؤمن به، لأن الرفض والقبول المطلقين والمنفعلين، لا يمثلان وعياً، وإن صدرا من شخص واع، بل هما تعبيران عن التعصب والجهل، فليس بالضرورة أن تكون كل انفعالات الشخص الواعي واعية.
وأعتقد أنّ المنهج السليم في موضوع التجديد والإصلاح الروائي والعقدي والفقهي، وفي البنى والأنساق الفكرية والاجتماعية الدينية، هو المنهج المحافظ التخصصي، لأنه المنهج المتوازن الوسطي. أما المنهج التغييري الثوري في التجديد، أو منهج الصدمة والصعقة؛ فلا أراه صالحاً ومنتجاً، لأنه منهج متطرف، ويسلك - غالباً- طرقاً ومناهج انتقائية وارتجالية ودعائية، تعود بالضرر الكبير على المنظومة العقدية والفكرية والاجتماعية الدينية، وتخلق أسوء مظاهر الانفلات الفكري، والفتن الاجتماعية الدينية، دون أن تحقق نتاجاً وبناءً صالحاً للتجديد المطلوب. وضرر هذه المنهج لا يقل خطورة عن ضرر المنهج الخشبي التخديري الظلامي، الذي يعيش خارج العصر ومتطلباته، ولا يستشرف المستقبل واستدعاءاته، ويغطي على السلبيات والمخاطر، عبر مظاهر الجمود والانكماش والانعزال، وهو المنهج الذي يقابل المنهج الثوري، وكلاهما تعبير عن التطرف ومصدر للإضرار بالدين والمجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

11 Jan, 02:22


التجديد الشمولي في النظام المعرفي الإسلامي
علي المؤمن
التجديد الحقيقي المنتج في الفكر الإسلامي ومجمل النظام المعرفي والعلمي الإسلامي، هو التجديد الشامل أو ما يمكن توصيفة ب (التجديد المنظومي الشمولي)، وليس التجديد الأحادي الذي يقتصر على الشريعة فقهاً وعقيدة، أي أن التجديد في الفكر الإسلامي وفي الخطاب الإسلامي لا يقتصر على الاستنطاق الجديد للقرآن والاكتشاف الجديد فيه، ولا على تنقية السنة والحديث ومجمل الإرث الروائي الذي تستند اليه القواعد والتشريعات والأحكام، والتراث المعرفي الكلامي والفقهي والتفسيري، بل ينبغي أن يستوعب كل الموروث المرتبط بالدين بشكل وآخر، والذي يدخل في دائرة المتغيرات، بما في ذلك الموروث التاريخي، أي السيرة النبوية وسيرة أئمة آل البيت، وكذا سيرة الصحابة والتابعين والرواة والمحدثين، أو ما يدرسه علم الرجال والتراجم، لأن تدوين السيرة النبوية خصوصاً، وسيرة أئمة أل البيت والصحابة والتاريخ الإسلامي عموماً، أنتج معرفة دينية وفقهاً وسنةً وكلاماً وتفسيراً. وكذا الأمر بالنسبة للموروث الأصولي والفكري والفلسفي واللغوي والأدبي، إضافة الى مناهج فهم الدين والنص، وعلاقة النظام المعرفي الإسلامي بالعلوم والمعارف الإنسانية والاجتماعية والتجريبية والتطبيقية الحديثة، وبالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحلي والدولي.
وبالتالي؛ فإن التجديد هي منظومة واحدة، لا تنفصل جوانبها ومكوناتها ومخرجاتها، وتستوعب كل المعرفة الدينية الخاصة، والمعارف العامة ذات الصلة بالمعرفة الدينية، والعلوم الآلية التي أنتجت المعرفة الدينية. وهو ما يعني أن مهمة بهذا الحجم الكمي والنوعي، لن يتمكن منها الفقيه بمفرده، أو المتكلم أو المؤرخ أو المفسر أو الفيلسوف أو الرجالي أو المحدث، بل هي مهمة تشاركية تعاضدية مؤسسية، تبدأ موضوعياً وشكلياً بالتزامن، من مقدمات كل الحقول وتنتهي بكل مخرجاتها، لأن هذا العمل يحتاج الى تكامل أفقي وعمودي، أي بين التخصص العمودي العميق المنتج في كل الحقول والمعارف والعلوم المذكورة، وبين تشعب هذه الحقول أفقياً واتساعها، وكلاهما فوق طاقة أي شخص، مهما بلغ من العبقرية والعمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

07 Jan, 20:53


معيار التفاضل بين العرب والعجم
علي المؤمن

خلق اللهُ الناسَ من طينة واحدة؛ فهم عائلة واحدة بالأصل، تكونت من الطينة الإنسانية الأصلية نفسها ((كان الناس أمةً واحدة))، وتتكلم بلغة واحدة، ولديها العادات والتقاليد نفسها، والصفات الجينية والوراثية نفسها: ((كلكم من آدم، وآدم من تراب))، ثم تحولت العائلة الى عوائل، وأصبحت كل عائلة عشيرة، ثم قبيلة، ثم قوم، ثم عرق، وهو ما يُعبّر عنه انثروبولوجيّاً بالسلالات البشرية. وبات لكل قوم أو قومية لغة مختلفة، وصفات جينية وانثروبولوجية مختلفة، تميزه عن غيره من الأقوام.

هذه اللغات المختلفة والصفات التمييزية ليست معايير للتفاضل بين الأعراق والقوميات إطلاقاً، لأن الأقوام وجود تكويني، صنعه الله، وليس للإنسان أي دور في صناعة قوميته وصفاتها، أو انتمائه اليها. أما اللغة فهي صناعة بشرية، ولا قيمة لها سوى أنها أداة مشتركة للتواصل بين البشر. وبالتالي؛ لا فضل للمتكلم بلغة معينة على غيره ممن يتكلم بلغة أخرى، ولا فضل لمن ينتمي لقومية معينة لها صفات جينية تكوينية وتنشئة إنسانية مغايرة، على غيره ممن ينتمي الى قومية أخرى.

صحيح؛ أن الله أكرمٓ اللغة العربية بأن جعلها لغة خاتم الأنبياء ولغة خاتم الكتب السماوية، لكن هذا التكريم هو للغة حصراً، وليس لمن يتكلم بها أو يعيش في بيئتها الاجتماعية والقومية، وإلّا لكان أبو لهب (عم النبي) وكفار قريش ومنافقي المدينة وأهل الردة، أفضل من بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وسائر المؤمنين من القوميات غير العربية، وكما قال رسول الله عن العصبية القومية الجاهلية: ((ما بالُ دعوى الجاهلية؟... دَعُوها فإِنّها مُنْتِنَة))، أي أنها نتن وعفن.

وكلام الله: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم))، وكذا كلام نبيه الخاتم: ((يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلّا بالتقوى))، ليس حجّةٌ على العرب فقط، بل هي حجة على جميع القوميات والأعراق، سامية كانت أو آرية، صينية أو فارسية، قوقازية أو سلافية، ومن لا يترك هذه العصبية الجاهلية؛ فليس من أمة محمد، كما قال هو بلسانه:((ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)).

ولا يقتصر نهي القرآن والرسول وأئمة آل البيت، على الأعراق والقوميات فقط، بل ينطبق على القبائل والعشائر والأسر أيضاً، لأن كثيراً منها يعيش حالة العصبية الجاهلية؛ إذ يتناصر بعض أبنائها على الباطل، ويتعاونون على العدوان، حتى في زماننا هذا، الذي شاعت فيه وسائل التوعية؛ فحين سئل الرسول عن العصبية قال: ((أن تعين قومك على الظلم)).

هذه العصبية الجاهلية التي نهى عنها القرآن ورسول الله بشدة، أعادها آل أمية الى الحياة؛ فكانوا يحتقرون كل القوميات الأخرى التي فتح العرب بلدانها، سواء القوميات العراقية أو الإيرانية أو الأمازيغية أو التركية أو المصرية، وحوّلوا العرب من دعاة دينيين فاتحين، الى مقاتلين من أجل استعباد الشعوب الأخرى وازدرائها ومصادرة مقدراتها، وهو ما كان يرفضه أئمة آل البيت بشدة، بل استعان آل أمية ببعض الوضّاعين والرواة، لوضع أحاديث مكذوبة عن الرسول، لشرعنة ايديولوجيتهم القومية واستعبادهم الشعوب الأُخرى.

وبعد مضي قرون على ضعف العصبية القومية، بفعل الاندماج القومي الذي حصل في العصر العباسي، ثم في الدول الفاطمية والحمدانية والبويهية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية؛ عادت العصبية القومية في البيئات المسلمة بثوب جديد، متأثرة بالأفكار الأوربية القومية، وخاصة النازية والشوفينية التي دوّنها الفلاسفة الألمان، أمثال "يوهان فيخته" و"فان دن بروك" و"مارتن هايدغر" و"أوسفالد شبنغلر"، وتحوّلت من عصبية قومية جاهلية الى ايديولوجية وعقيدة جديدة أكثر خطورة من العصبية التي طبّقها آل أمية؛ إذ أن الايديولوجية القومية الجديدة تتعارض مع بديهيات التعاليم الإسلامية والفطرة الإنسانية، وكان أبطالها مفكرون وساسة علمانيون متغربون، فرس وعرب وأتراك، أمثال الشاه رضا بهلوي وأحمد كسروي وحكمي زاده في إيران، واتاتورك وضياء كوك الب ويوسف آقجورا في تركيا، وساطع الحصري وميشيل عفلق وجمال عبد الناصر في البلدان العربية.

وقد بذل هؤلاء المفكرون والساسة محاولات بائسة فاشلة للتنظير لقاعدة عدم تعارض ايديولوجياتهم القومية مع الإسلام، وسبب هذا الفشل هو أن الإسلام حسم هذا الموضوع حسماً نهائياً بعشرات النصوص والأدلة الدينية والإنسانية التي تؤكد عدم وجود أية أفضلية بين الأعراق والقوميات، وبأن نصرة المسلم لقومه على الباطل هو تعصب جاهلي يتعارض مع تعاليم الإسلام، وأن معيار الانحياز والوحدة والنصرة هو الدين وليس اللغة والقومية.

كتابات علي المؤمن

07 Jan, 20:53


بيد أن الإسلام لم يتنكر لفطرة الإنسان في الاعتزاز بحسبه ونسبه، وفي محبة قومه وعشيرته، كما يقول الإمام السجاد: ((ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم))، أي أن هذا الاعتزاز والحب ينبغي أن لا يتحول الى عقيدة ودين وآيديولوجيا، تعطي الحق للإنسان بأن يعد نفسه صاحب العرق الأفضل والقومية الأسمى والعشيرة الأهم، وأن يبني كياناً ايديولوجياً معياره الوحدة القومية وليس وحدة الدين. وبالتالي؛ فإن الإسلام وضع معياراً واضحاً للنصرة والانحياز، هو معيار الدين فقط، وليس الأحساب والأنساب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

06 Jan, 14:38


الحب مقابل الرصاص!!

لا يزال بعض المتصوفين الجدد، يدعون شيعة العراق بإلحاح، إلى الحب والسلام والتسامح، رغم التهديدات الكبرى التي تواجه وجود الشيعة منذ سقوط نظام البعث، وكأنّ الشيعة هم الذين يمارسون العنف ضد (البعث) و(الطائفيين) و(القاعدة) و(داعش) و(السعودية) و(أمريكا) و(إسرائيل)، وكأنّ الخصوم ظلوا يرمون الورود على الشيعة، ويخاطبونهم بالأشعار الرومانسية ويعزفون لهم الموسيقى الروحية.

فهل سيواجه هؤلاء المتصوفون رصاص العدو الذي يقتحم بيوتهم ويعتدي عليهم وعلى أطفالهم ونسائهم ويدمر ممتلكاتهم؛ بالحب والشعر والتأمل؟!.

علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:44


كتب الأستاذ أياد آل عوض الحسناوي:

فيما يلي نص تعقيبنا على ماورد في مقال الأستاذ والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور علي المؤمن، والذي كان تحت عنوان ((لو كان الشيعة والسنة واقعيين لما حدث الصراع الطائفي في العراق)):

الأخ الاستاذ الفاضل الدكتور علي المؤمن
تحية طيبة ومساء الخير
لقد اطلعت على مقالكم المنشور على صفحتكم في الفيسبوك والذي كان تحت عنوان ((لو كان الشيعه والسنه واقعيين لما حدث صراع طائفي في العراق))، وقد وجدت من المفيد أن أذكر ما تبلور لدي حول هذا الموضوع من خلال الأحداث التي عشتها وأطلعت عليها منذ العهد الملكي في خمسينيات القرن الماضي والى هذا اليوم، ولو بشكل مختصر جدا، لأن الموضوع فيه تفاصيل كثيرة.

ابتداء ان النفس الطائفي موجود منذ مئات السنين وهو مرتبط بالعصبيات المختلفه التي تلازم النفس البشريه والتي تعود الى عوامل متعدده تترسخ بالعقل الباطن للشخصيه كالبيئة والمحيط والاسرة وتاثيراتها المعروفه ، اما بالنسبه للأصطفاف والتخندق الطائفي الذي عندنا في العراق وهذا مااثبتته الاحداث وخاصة بعد تموز عام 1958، هو يحدث عندما تسقط الانظمة وليس الانقلابات العسكرية ، وفي تأريخ العراق الحديث سقط نظامين هما النظام الملكي عام 1858 ونظام صدام عام 2003 فهاذين النظامين عندما سقطا اعقبهما اصطفاف طائفي ، والسبب يعود اما الى اهتزاز المعادلة التقليديه في الحكم كما حصل بعد ثوره 14 تموز 1858 او انقلاب هذه المعادله كما حدث بعد سقوط نظام صدام وبتعبير اوضح هو عندما اهل السنه في العراق يرفضون المتغير الحادث.

ففي الحاله الاولى وعلى الرغم ان الدوله وكبار مسؤوليها لم يكونوا من الشيعه ولكن كان من تداعيات ثوره 14 تموز هو بروز نشاط الحزب الشيوعي الذي كثير من قياداته وجماهيره هم من الشيعة كما ان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم على الرغم انه كان بعيد عن اي نفس طائفي فقد حسب على الشيعه ،، وهكذا جرى استهدافة وتعرض نظامه الى سته وثلاثون مؤامرة كان واحدة منها هي محاولة اغتياله واصيب فيها اصابه بالغة وكان اخرها الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 ،، ان هذا الصراع في تلك المرحلة اخذ صورة اخرى وهو صراع القوميين والشيوعين لان الظروف السياسيه والاجتماعيه والثقافيه كانت لا تسمح بذكر صريح لحقيقة الصراع ، فالتوجهات الدينيه والاسلاميه كانت في تلك المرحلة هي في طور سبات وكانت العلمنه والعصرنة هي السائدة. اما بعد عام 2003 والذي انقلبت فيه المعادلة التقليدية فقد اخذ الصراع عنوان واضح وصريح.

ان السبب الحقيقي لموقف اهل السنه الرافض في كلا الحالتين هو يعود الى المقدسات الحقيقية والتي لا يمكن المساس بها كتحصيل حاصل ، فاهل السنه اصبحت مقدساتهم ليس البخاري او الترمذي او النسائي او الرازي او غيرهم من العلماء ولا حتى ابا حنيفة او الشيخ الكيلاني وحتى ابا بكر وعمر ، وانما اصبحت مقدساتهم الحقيقية هي الدولة والسلطة والحاكم مهما كان يحمل من صفات ومزايا ان كان فاضلا وعادلا ، او فاسقا فاجرا ، ولذلك فهم يستميتون في منع اي مكون ان يترأس الدولة والسلطة والاجهزة الحساسة المهمة لان ذلك يعتبراعتداء على مقدساتهم ولذا نجد ان المناطق الساخنة التي ظهرت بعد السقوط هي نفسها كانت ساخنة قبل اكثر من ستة عقود ، فهل هذا جاء بمحض الصدفة ؟!! وحتى الشعارات التى رفعوها متشابهة فاليوم (الهجمة الصفوية) ، وايام الزعيم الراحل (بالهجمة الشعوبية) وكلها تجري تحت قاعدة (اليك اعني واسنمعي ياجارة).

اما بالنسبة للشيعة فقد اصبحت مقدساتهم هي الرموز الكبيره والمناسبات الدينيه والشعائر والطقوس المعروفه ، فهم كذلك ايضا مستعدون للتضحية من اجل الدفاع عنها وان اي محاوله استلابها ومنعها تؤدي الى ردود افعال قوية ولذلك فقد رأينا ان صراعهم مع السلطات المتعاقبة على حكم العراق؟ هو يكاد يكون فقط بسبب منع القيام بهذة الشعارات ولم نسمع انهم في يوم من الايام تحدثوا عن التهميش او الاقصاء على الرغم من مما اصابهم من مظلومية كبيرة ،، او ان كان لهم طمع في قياده الدوله والحكم ،، وحتى الصراع مع البعثيين كانت البدايه في حادثه خان النصف في سبعينيات القرن الماضي عندما منع زائري الاربعين من الوصول الى كربلاء.

ان الخطأ االذي وقع فيه اهل السنه هو ابتعادهم عن الواقعية بعد هذة المتغيرات الحادثة في الساحة العراقية على مستوى الفرد والمجتمع وذلك بسبب العصبيات المتوارثة. وهذه المعادلات التي اشرنا اليها كانت ماضيه ولحد الستينيات او السبعينات من القرن الماضي عندما كان شرطي في قوة الخياله وليس في مديرية الامن العامه يقود عشائر ويطاع اطاعة عمياء ،، اما لو نذهب اليوم فقط الى مدينه الصدر فكم سنرى فيها من مئات الالوف من المسلحين ؟! وكم يوجد فيها من اشخاص اشد شراسه وعنفا من (ناظم كزار مدير الامن العام الشهير) ! فكيف سيتم اعاده المعادلة السابقة وفي خضم تصاعد قوه الشيعه على الرغم من الظروف السلبية

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:44


والمدانة التي رافقت العمليه السياسيه التي جاءت بعد 2003.

     إياد آل عوض الحسناوي
                  ٣/ ١ / ٢٠٢٥

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:43


كتبت الباحثة والأكاديمية العراقية الدكتورة أمل محمد الأسدي:

((يستحق الدكتور علي المؤمن الترويج لفكره الذي يبني هوية الفرد الشيعي الذي تعرض للقمع والملاحقة والتهميش علی مر العصور، نعم؛ نحتاج إلی أُطروحة إسلامية تتلاءم مع طبيعة المجتمع وتحترم خصائصه ولا تنال من ثوابته ولا تعمل علی نزع هويته وتذويبها. لهذا؛ فكر الدكتور المؤمن جدير بالدراسة والتطبيق.

وعن نفسي؛ فقد أفدت من فكره في كتابي «الاجتماع الديني الشيعي للزيارة الأربعينية»، ولكن مشكلتنا أن إعلامنا يعيش علی رد الفعل ولا يوظف إمكاناته في خدمة المجتمع وهويته الغالبة، بل منشغل برد ما يسوقه الإعلام المعادي الذي يهاجم كل شيء في عراق ما بعد 2003، ويدلس علی القبح كله قبل 2003، وعلی هذا بقي إعلامنا منشغلا برده!

أما الجامعات، وبحسب ما أراه عن كثب؛ فقد باتت مهتمة بدرجات التقييم السنوي والجودة، لهذا فإنّ الورش والندوات التي تُعقد كثيرة جداً، ولكنها شكلية غير مدروسة ومقننة ومحددة الأهداف؛ لذا لا تترك هذه الندوات أثرا في الغالب! مع أننا نحتاج إلی مركزية تحدث نهضةً في بناء هوية الفرد وتصحيح ما تم إلصاقه بالمجتمع الشيعي من متبني الفكر الغربي!

دام موفقا جناب المفكر الشجاع علي المؤمن

أمل محمد الأسدي)).

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:43


من العجيب جداً أن يتشدق المسلم، مهما بلغت وضاعته واستهتاره، بأنه أُموي؛ بالنظر لما تمثله العقيدة الأموية وسلوك مؤسسيها من خروج على الإسلام وأحكامه وأخلاقه، بما في ذلك التعاليم العبادية والسلوكية الفردية البسيطة.

حكام سوريا الجدد يعلنون صراحة، وبمزيد من الفخر والتشفي واللؤم، بأنهم أمويّون، وأنهم أحفاد معاوية ويزيد، رغم زعمهم أنهم متدينون وملتزمون بأحكام الشريعة، حتى أنهم لا يصافحون النساء ولا يستمعون إلى الغناء؛ فكيف يستقيم ذلك مع فخرهم بأنهم اتباع الأمويين الذين كانوا عصابة ارتكبت كل أنواع المحرمات، من الخروج على خليفة رسول الله إلى قتل ريحانته وسبي عياله، إلى استباحة مدينته وذبح صحابته، إلى تهديم الكعبة، إلى اغتصاب المسلمات، إلى ممارسة الدعارة وشرب الخمر ولعب القمار والغناء الخليع.. جهاراً نهاراً؟!

علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:42


عندما تصبح تنقية الموروث الإسلامي استعراضاً شعبوياً
علي المؤمن

يتعامل بعض علماء الدين والمثقفين الدينيين مع موضوع تصحيح التراث الإسلامي وتنقيته، تعاملاً استعراضياً ودعائياً وشعبوياً، وهو تعامل يتعارض مع خصوصيات عملية تنقية التراث الديني، ومراجعته ومسارات التصحيح العلمي، ويتعارض مع مبدأ التخصص في الفهم الديني المستند الى عملية تصحيح التراث المعرفي والعلمي الديني، بالرغم من أهمية عملية التنقية والتصحيح؛ كونها من لوازم استمرار ربط الفهم الديني بالواقع وتحولاته، لأن الموروث الديني يمثل المادة المعرفية التي نستند إليها في مواجهة تحولات الحاضر ومآلات المستقبل، وبدون ذلك؛ ستتوسع الهوة بين الفهم الديني والعصر، وسيؤدي الى انسلاخ شرائح من المتدينين عن الدين، وكذلك انسلاخ شرائح أخرى منهم عن الواقع، وكلا الانسلاخين ليسا في مصلحة الدين ومؤسسته العلمية.

ولكن؛ ينبغي أن تكون تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفق المناهج والأدوات العلمية الصحيحة، وداخل المؤسسات المتخصصة، ومن قبل أصحاب الاختصاص، لأنه عمل شبيه بالأبحاث الأكاديمية والمختبرية الدقيقة. أما منهج التسفيه الإعلامي والخطاب الشعبوي، الذي يستخدمه قسم من المثقفين الدينيين وعلماء الدين حيال التراث التفسيري والروائي والمعرفي الديني، بذريعة التنقية والتصحيح والتجديد والإصلاح؛ فهو ــ في حقيقته ــ منهج استعراضي دعائي رخيص، يهدف الى إغواء بعض الشباب، وكسبهم كأنصار يصفقون له في وسائل التواصل وفي المحافل العامة، ولكي يقال عن هذا (الأفندي) أو ذاك (المعمم) بأنه مثقف مستنير، وصاحب فكر منفتح وسلوك عابر على الجمود الديني والانحياز الطائفي!.

أما ما يهم جمهور المتدينين؛ فهي مخرجات نتائج التصحيح والاكتشاف والتجديد، وليس العمليات العلمية المختبرية الاستدلالية التي يقوم بها أصحاب الاختصاص العلمي في الدراية والرجال والكلام والتفسير ودلالات الألفاظ والأمارات والأصول، والخلافات العلمية الدقيقة بشأنها، بل أن من لوازم التوعية الجماهيرية بشوائب الموروث الديني ومشاكله، هي أن تكون جرعاته ومستوياته متناسبة مع الفهم العام وليس مع الفهم التخصصي، حاله حال التوعية العامة الصحية أو التوعية البيئية أو الاقتصادية؛ فالجمهور لا يعنيه معرفة التفاصيل التقنية للعمليات الجراحية والشروحات الفنية للأزمات الاقتصادية؛ بل تعنيه مخرجات ذلك وحلوله، بالشكل الذي ينفعه في حياته العملية.

وبالتالي؛ فإن ما يسمونه أسلوب (الصدمة العامة) في طرح شوائب الموروث الديني عبر الاستعراضات الإعلامية؛ لها نتائج سلبية عكسية خطيرة؛ فكما أن هذه الشوائب تقف وراءها النخبة العلمية الدينية، التي عاشت في فترات سابقة، وقد ولدت داخل المؤسسات الدينية العلمية، وتداولها أهل الاختصاص العلمي، ولم يكن يعني الجمهور المتدين منها سوى مخرجاتها العامة المتعلقة بإيمانه العقدي النظري وتكليفه الشرعي العملي؛ فإن التنقية والتصحيح كذلك؛ ينبغي أن يكونا بحوزة أهل الاختصاص، ثم تخرج نتائجهما للجمهور، بما ينفعهم في عقيدتهم وتكاليفهم، دون ضجيج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

04 Jan, 22:41


كتب الأستاذ إياد آل عوض الحسناوي:

فيما يلي نص تعقيبنا على البحث الرائع الذي قدمه المفكر الاسلامي الكبير الاستاذ الفاضل الدكتور علي المؤمن والموسوم (( ماذا يخبئ الشام للعراق)) وهو بحث يقع في ثلاث حلقات ،ومن الضروري اطلاع الاخوة الاصدقاء على ماورد فية مع فائق التقدير :

في بحثكم القيم والرائع (ماذا يخبئ الشام للعراق) كان تحديدكم وتوصيفكم للقوى والتكتلات التكفيرية والطائفية والتي باتت تشكل خطرا جديا على الوضع القائم في العراق كان في الواقع دقيقا وشاملا ، ولكن نرى ان الامر الاخر الذي لا يقل خطورة هو موقف وتصرف وتعامل الطبقة السياسية الشيعية في العراق تجاه هذه التحديات ومدى جديتها في اتخاذ الاجراءات القوية والشجاعة والجريئة والحازمة في عدم السماح لاي نشاط لحاضنات هذه القوى في الداخل العراقي او التي تتعاطف معها في المناطق التي عرفت بالمناطق الساخنه منذ بدايه السقوط والى يومنا هذا ان كانت على الساحة البغدادية او العراقية وهي نفسها كانت ساخنة قبل اكثر من ستة عقود ابان حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم باستثناء المناطق التي انشئت حديثا فهل هذا جاء بمحض الصدفة ؟!

والجواب قطعا لا وانما الاسباب التي جعلت هذه المناطق ساخنه هي واحده على الرغم من تباعد الحقبتين الزمتين فهي تستميت في الدفاع عن اهم مقدساتها وهي قيادة الدوله والسلطه والحكم.

ان فشل هذه الطبقه السياسيه وعدم ارتقائها الى مستوى الكفاءه والجرأة والقدرة على تقدير الموقف والتردد وعدم اتخاذ القرار الشجاع امام كل هذه التحديات التي اصبحت من الخطورة بمكان بعد احداث لبنان واخرها سيطرة القوى التكفيرية والسلفية على سوريا ،، ان هذه القيادات عندنا في العراق لا زالت تعيش امراضها الاجتماعية والنفسية والتي اشرنا اليها في الكثير من مقالاتنا وتعليقاتنا التي نشرناها.

ان استمرار هذا الوضع وبقاء هذه القيادات بهذا التوصيف الذي اشرنا اليه هو الخطر بعينه ، وفي الواقع ان هنالك شواهد كثيره على ما ذهبنا اليه ، فعلى سبيل المثال ، يقول وزير الداخلية السابق السيد صولاغ بانه ذهب الى السيد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في حينه لاحاطته حول عملية امنية واسعة ضد تنظيم القاعده في منطقه الكرخ في بغداد واذا يفاجئ بهذا الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة يتناول سبحه وياخذ (خيرة) ومن ثم يخبره بان الخيرة لا تشجع !! فهل يوجد مثل هذا في دول العالم او الدول الاسلامية ؟! وهل وزاره الدفاع الامريكية واضحه (مسابح) في (البنتاجون) للاستخاره عند تنفيذ العمليات العسكريه والامنية ؟!! وهنا تتسائل هل هذه دولة ام (تكية) وهل هذا رئيس الوزراء ام (فوال) ؟! ام ماذا !! ،،، ورئيس وزراء اخر وقائد عام للقوات المسلحه يظهر على شاشة التلفزيون ويقول انه اصدر امرا لاسترجاع ابنيه وسيارات ومواد اخرى استحوذ عليها احد المقاولين المتنفذين في المنطقة الخضراء وبسبب علاقته فان الاوامر لم ينفذ وعندها جاء ابنه وقام بتنفيذ الامر؟!

فهل حدثت مثل هذا في تاريخ الدولة العراقيه او المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر ارفع مؤسسه عسكرية في الشرق الاوسط ومن خلال الاسماء اللامعه والكبيره لضباطها وقادتها التي شهدتها في تأريخها الحديث.

والمثال الاخر هو مانراه الان من هذا النشاط المحموم وهذه التصريحات الطائفية لاشخاص كانوا هاربين بتهم الارهاب وتم اعادتهم من قبل احد شخصيات الاطار التنسيقي من الطبقة السياسيه الشيعيه.

وفي الحقيقه فان هنالك شواهد أخرى كثيرة والتي لا يسع المجال لذكرها . وخلاصة القول ان الامور لا تبشر بخير وفي مرحله دقيقة وحساسة وامام هذه الهجمة المسعورة المعادية ان كانت على مستوى الولايات المتحدة او المحيط العربي والتركي او على مستوى القوى التي في الداخل والمتمثله بالخلايا النائمه التي تنتظر لحظه الانطلاق وهي تهتف (قادمون يابغداد).

إياد آل عوض الحسناوي
٣٠ / ١٢ / ٢٠٢٥

كتابات علي المؤمن

24 Dec, 01:06


ونقصد بالمراجعة النوعية هنا: إعادة قراءة الفكر الإسلامي بنظرة موضوعية شمولية تنطوي على استيعاب الحاجات الجديدة والتي ستُستجد، والاستجابة لها من خلال عمليات الإصلاح والتأصيل والاكتشاف والتأسيس. وتتمثل شمولية هذه النظرة أيضاً في استيعابها لكل مفردة من مفردات الفكر الإسلامي، بما في ذلك علوم الشريعة ومناهجها. فالنظرة المنفعلة والتجزيئية للواقع وللفكر الإسلامي هي التي تؤدي إلى ألوان من اللا توازن والإفراط والتفريط والخلل. وبالطبع فإنّ هذه المراجعة تتوقف عند المتغيّر الفكري، أمّا الأُصول الإسلامية فهي الثابت الإلهي المقدس الذي لا يخضع لضغوطات الزمان والمكان، وهو أمرٌ أُشبع بحثاً أيضاً، ولا نجد بعد ذلك ما قد يتسبب في حصول لبس أو سوء فهم خلال الحديث.

وتنطوي متطلبات المستقبل على معرفة جملة من الحقائق النسبية، من خلال استطلاع المعطيات التي ستؤدي إليها، واستشراف طبيعة العناصر التي شكلتها. ومن أبرز هذه الحقائق: حقيقة الزمن الذي سنعيشه، أي عالم المستقبل، والتحديات الداخلية التي ستبرز في واقع هذا الزمن، والتحديات الخارجية التي ستواجهنا. ففي الإجابة عن تساؤل: «في أي زمن سنعيش؟!» تكمن عملية الاستشراف المستقبلي، التي تكشف لنا عن نوعية الزمن الذي سنعيشه وشكله وضغوطاته وتحدياته. والإجابة عن هذا السؤال ستجرّنا بصورة طبيعية إلى سؤال آخر هو: «كيف سنعيش؟»، وهذه الكيفية إمّا نصنعها نحن وإمّا نساهم في صنعها، ويستلزم ذلك ألواناً من التخطيط، أو نكون مسلوبي الإرادة ولا نمتلك أيّ برنامج وتخطيط لحياتنا.

والحقيقة أنّ معرفة الزمن الذي سنعيشه، وطبيعة ممارستنا للحياة فيه، يتطلب معرفة دقيقة بالزمن الذي نعيشه الآن، ومعرفة أُخرى بآليات التطور ومعادلاته وقوانين الانتقال من الحاضر إلى الغد؛ لأنّ هذه المعرفة هي القناة التي توصلنا إلى الزمن القادم؛ إذ إنّ الزمن القادم تصنعه معطيات الحاضر وقراراته وتخطيطه. وعلى هذا الأساس؛ ستكون المعرفة بالزمن أو العصر شاملة ومتكاملة. في حين إن عجزنا عن دخول عصرنا ومعرفته، سيؤدي إلى عجز آخر؛ يتمثل في عدم توقع الآتي وكيفية استقباله؛ وبالتالي عجز عن التخطيط له. ويعود هذا إلى أنّ المسلمين لم يصنعوا حاضرهم، ولم يساهموا في صناعته؛ لأنّهم لم يخططوا له فيما مضى، وإذا خططوا له فهو تخطيط يستبطن ألواناً من الإحباط وعدم الثقة بالنفس والخوف)).

يضم كتاب «الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات منهجية» ستة فصول:

الفصل الأول حمل عنوان: «مداخل الفكر الإسلامي المستقبلي»، والتي تتضمن قواعد هذا الفكر القائمة على محاولات أسلمة الدراسات المستقبلية، والتي أسميناها (المستقبلية الإسلامية) وهي منهجية جديدة في التفكير الإسلامي، لا تزال بحاجة إلى مزيد من التنظير؛ من أجل أن تنضج وتتبلور وتتكامل. وفي الفصل الثاني: «حركة التاريخ وصناعة المستقبل»، بحثنا في المدارس الأساسية التي أُسست لدراسة التاريخ وحركته، وذهبنا إلى تبنّي المدرسة التكاملية. والفصل الثالث عنوان: «المشترك الإنساني للفكر الإسلامي المستقبلي»، والذي أكد وحدة المصير الإنساني الذي ينبغي أن يأخذه الفكر الإسلامي بنظر الاعتبار. أمّا الفصل الرابع: فقد قارب بعض المفردات الفكرية الإسلامية ذات العلاقة بسحب الفكر الإسلامي من دائرة المعاصرة إلى دائرة المستقبلية. بينما كرّس الفصل الخامس موضوعاته لدراسة تجربة: (المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية)، الذي مثل محاولة مؤسَّسية لأسلمة الدراسات المستقبلية والتمهيد لمقاربة الفكر الإسلامي المستقبلي. وتخصّص الفصل السادس: في عرض عدد من المقابلات التخصصية مع الباحث حول منهجية المستقبلية الإسلامية في وسائل الإعلام العربية.

كتابات علي المؤمن

24 Dec, 01:06


كتاب «الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية» للدكتور علي المؤمن

بقلم: المحرر الثقافي في صحيفة المثقف

صدر في بيروت عن دار روافد «كتاب الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية» للدكتور علي المؤمن. وجاء في كلمة الناشر: ((كتاب الفكر الإسلامي المستقبلي، محاولة في طريق التأسيس لفكر إسلامي مستقبلي، وهو حصيلة محاولات بحثية نظرية وتجربة مؤسسية عملية، بدأها المفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن في العام 1998، ولا تزال جزءاً من اهتماماته الفكرية، وكان من أهم نتاجاتها تأسيس «المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية»، الذي وضع القواعد النظرية لمحاولات أسلمة الدراسات المستقبلية والمقاربات التمهيدية لقواعد الفكر الإسلامي المستقبلي، ونشر بعضها في مجلة «المستقبلية» البحثية، وفي الكتب والدراسات الأُخر. وقد أطلق المؤلف على قواعد هذا الفكر: «المستقبلية الإسلامية»، وهي منهجية جديدة في التفكير الإسلامي، تناول الكتاب مداخلها ومفاصلها الأساسية، إضافة الى بحث مدخلية حركة التاريخ في صناعة المستقبل، ومحاولة تجسير المسافة بين الفكر الإسلامي المعاصر والمستقبلي)).

وفي الإجابة على سؤال: ((هـل هنـاك فكر إسلامي معاصر حتى نتحدث عن فكر إسلامي مستقبلي، أو عن عمليـة نقـل الفكـر الإســلامي من مقـولة المعـاصرة إلـى مقولـة المستقبلية؟!))، قال الدكتور علي المؤمن في مقدمة كتابة: ((لا يمكن الإجابة عن السؤال بنعم أو لا؛ لأنّ هناك نتاجاً فكرياً إسلامياً يلتزم بمقومات الانسجام مع العصر، وهناك فكر تجاوزه العصر؛ ولا يزال كم هائل من المسلمين يتمسكون به. ومن هنا، فالأفضل أن يتركز الحديث عن المقولة وليس عن الإنتاج. وكي لا تلتبس الأُمور؛ فما نقصده بالفكر الإسلامي هنا، هو النتاج الفكري البشري الذي يعتمد الأُصول الإسلامية مصادر وقواعد يستند إليها في المعالجات وحل الإشكاليات والإجابة عن التساؤلات. وتدخل في هذه المجالات؛ معادلات وثنائيات ترمز إلى صعوبة التعاطي مع عملية الإنتاج الفكري الإسلامي؛ باعتبارها خاضعة للاجتهادات الشخصية والانتماءات الجغرافية والزمانية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن الضغوطات العامة والمصالح الخاصة.

وعليه، يظل أي نتاج فكري إسلامي عرضة للتساؤل والنقد والمصادرة والإلغاء والإقصاء؛ بالرغم من أنّ جميع المنتجين يؤكدون انتماءهم إلى المرجعية الإسلامية. وربما؛ لا ينفع هنا كثيراً، وضع ضوابط نظرية تركز على ما نسميه بالثابت والمتغير، والملزم وغير الملزم، والمقدس واللا مقدس، والإلهي والبشري وغيرها؛ لأنّ هذه الضوابط، رغم كثرة مصاديقها، هي أيضاً عرضة لاختلاف الرأي. بيد أنّ قدراً متيقناً من المعيارية يوضح انتساب المنتج الفكري إلى الإسلام ورؤيته الكونية.

وبناءً على حقيقة التبدل والتغير في الموضوعات الحياتية؛ على مختلف أسمائها ومضامينها؛ فإنّ نوعية الناتج الفكري، أو بالأحرى، الحلول والمعالجات التي يطرحها؛ ستكون هي الأُخرى عرضة للتبدّل والتطور. وقد تكون الظروف المحيطة بصاحب الإنتاج ضاغطة إلى درجة تجعل هذا التطور قهقرائياً وتراجعياً، أو تجعله قفزة غير موضوعية إلى الأمام؛ فيكون في كلا الحالتين هروباً من الواقع وحرفاً لحقائقه. وهذا ـ دون شك ـ لا ينطبق على الإبداع الفكري والتجديد الموضوعي الذي يلتصق بالواقع ويعمل على تطويره وتحديثه، وهذا ما يمكن تسميته بالفكر الإسلامي العصري الواقعي والعملي والتطبيقي؛ حتى وإن كان يعالج موضوعات كلامية نظرية.

والفكر الإسلامي الإبداعي العصري هو فكر للحاضر والمستقبل؛ وليس فكراً للواقع المعاش وحسب؛ لأنّه فكر لصيق بالزمان والمكان. وإذا كان الواقع يعيش ـ بشكل أو بآخر ـ في المستقبل؛ فإنّ ذلك الفكر سيكون فكراً ينطلق من الحاضر لمعالجة إشكاليات المستقبل، ويجيب عن تساؤلات الإنسان المستقبلي، وهذا ما يؤكد بقوة جدوى الفكر الإسلامي، وأنّه ليس أدبيات ترفيّة.

ويتمتع الفكر الإسلامي بجملة من العناصر التي تؤهله لتطويع الواقع وضغوطاته، والاستجابة لتحديات المستقبل أياً كان شكلها أو مضمونها؛ فيما لو أحسن أصحاب الاختصاص التعامل مع القواعد الأساسية التي يستند إليها والتي تتدخل في تشكيل بنيته. ولعل الدينامية والمرونة والحصانة من أهم هذه العناصر، والتي تدفع الفكر الإسلامي باتجاه التجدد والاكتشاف والتأسيس، وتحول دون خشيته من المراجعة المستمرة؛ هذه المراجعة التي تضمن له احتفاظه بعناصر القوة فيه وبقابليته على إخضاع الزمان والمكان للشريعة وأحكامها.

ولا نريد هنا تكرار المقولات التي تؤكّد أهمية التجديد وضرورته؛ لاعتقادنا بأنّ هذه المقولات قد تم استيعابها استدلالاً وشرحاً. ولكن نجد من الضروري إعادة التأكيد على ما تقتضيه متطلبات المستقبل واستدعاءاته ومشاكله الأكثر تعقيداً، من مراجعة نوعية للفكر الإسلامي من خلال أدوات ومناهج أصيلة؛ تفرزها طبيعة المرحلة التي يراد استقبالها وتشوّف حاجاتها.

كتابات علي المؤمن

23 Dec, 13:45


ومن المتوقع أن يصل مجموع العناصر المسلحة لهذه الجماعات ومعها الخلايا النائمة في محافظات غرب العراق، إلى ما يقرب من (250) ألف عنصر مسلح، وسيتسللون بالتدريج إلى داخل العراق وأرياف مدن الغربية، ويتجمدون في مضافات جديدة، بانتظار ساعة الصفر. وليس من الضروري أن يكونوا هؤلاء المسلحين ضمن تحالف سياسي أو مليشياوي واحد، كالذي نتوقع تشكيله؛ لأن بعض الجماعات، كداعش والقاعدة وغيرهما، سوف لن ينخرطوا في تحالف واحد مع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلحة، البعثية والقومية العربية والكردية.

محاولات استقطاب بعض الشيعة:

لعل الخطر الأكبر والأهم الذي ينطوي عليه حراك الأطراف التكفيرية والطائفية العراقية الخمسة التي مرّ ذكرها، يكمن في عدم اقتصاره على السنة العرب في العراق، بل أنه سيعمل بجدية لاستقطاب بعض شيعة الوسط والجنوب، من خلال إنتاج خطاب قومي عنصري ووطني انعزالي خاص، بهدف دغدغة مشاعرهم القومية واستمالتهم. وسيتم الترويج لهذا الخطاب عبر قصف دعائي مركّز وحراك أمني دقيق، لفرض تحولات في التفكير والمواقف لدى الشيعة، وسيكون من شأن هذه التحولات تضخيم مساحات الخلاف التقليدية بين شيعة العراق وخلق بؤر جديدة للخلاف، بهدف تمزيقهم اجتماعياً وسياسياً ومرجعياً.

وسيكون العمل ضد الحركات الإسلامية الشيعية الحاكمة وجماعات المقاومة والحشد الشعبي، وكراهية إيران، ومعارضة مراجع النجف من أصول غير عراقية، ورفض مشاريع التضامن مع شيعة البلدان الأخرى، ضمن أولويات هذا الخطاب. كما سيكون إنتاج هذا الخطاب وصناعة وسائل ترويجه، من اختصاص التنظيمات البعثية العراقية، بمساعدة التنظيمات البعثية والقومية العربية الإيرانية (الأهوازية). وسيجد هذا الخطاب صدىً إيجابياً لدى بعض الشخصيات والخطوط والجماعات الشيعية العراقية الخاصة، السياسية والدينية والعلمانية، بمن فيهم أصحاب الانتماءات البعثية القديمة وأبنائهم.

ومن المتوقع أن يبلغ التفاعل مع هذا الخطاب مستوى ظهور تحالفات سياسية وإعلامية وميدانية قومية عربية، وبعناوين وطنية، تضم أربعة أطراف عراقية:

1- الشخصيات والجماعات السنية العراقية المستقوية بسوريا الطائفية الجديدة، سواء المتواجدة في سوريا أو بغداد والمحافظات الغربية.

2- الشخصيات والجماعات الشيعية المناوئة لإيران وللأحزاب الشيعية وجماعات المقاومة، بمن فيهم بعض المحسوبين على المتدينين والمعممين.

3- البعثيون العراقيون (الشيعة) في جنوب العراق، العاملون بأسماء تنظيمية جديدة، إضافة إلى البعثيين السابقين وأبنائهم.

4- الشخصيات والجماعات العلمانية والشيوعية.

وستبادر هذه الأطراف الأربعة إلى تحريك جمهور المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب، ودفعهم للقيام بتظاهرات مطلبية في ظاهرها، بما يشبه ما حدث سابقاً، وستكون ساعة الصفر للزحف نحو بغداد حينها مختلفة عما حدث في العامين 2013 و2014؛ لأنه سيكون زحفاً متزامناً متجهاً من الجنوب والوسط (المحافظات الشيعية) والشمال والغرب والشرق (المحافظات والمناطق ذات الأكثرية السنية) باتجاه بغداد، من أجل إسقاط الدولة. في حين ستبقى سلطة إقليم كردستان وحزبها الرئيس محفزين وداعمين إعلامياً وسياسياً لهذا الزحف؛ بانتظار حصد النتائج، لا سيما أن ما حصل في سوريا كان لمصلحتهما.

ما لعمل؟:

ما سبق يوضح بشكل إجمالي ما يتم التخطيط له منذ اللحظة الأُولى لسقوط دمشق، وبدأ العمل به على الأرض تدريجياً، وهي تمثل مخططات نظرية طموحة للجماعات الطائفية والدول التي تقف وراءها، وهي تمثل بمجموعها مسارب التأثير السلبي لسوريا الطائفية الجديدة على الواقع العراقي عموماً والشيعي خصوصاً، من النواحي الأمنية والسياسية والاجتماعية والإعلامية، ولكن ليس بالضرورة أن تتحقق، كلها أو بعضها؛ لأن ذلك سيكون رهناً بالإعداد والوقاية والفعل الاستباقي الشامل الذي ستبادر إليه الدولة العراقية والأحزاب الشيعية الحاكمة وجماعات المقاومة والحوزة العلمية النجفية. في حين أن الاكتفاء بمراقبة الأوضاع وتأمين الحدود العراقية السورية والتحشيد العسكري وتكرار شعارات اللحمة الوطنية، المصحوبة بالتنازل والترضيات والخوف والتقهقر؛ سيؤدي إلى انهيارات حقيقية هذه المرة، و((العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)) كما يقول الإمام علي.

أما بشأن ما يمكن لأمريكا والجماعات الطائفية والتكفيرية أن تفعلانه وتحققانه من أهداف داخل العراق، والعمل الوقائي والاستباقي الشامل الذي يمكن للعراق ومؤسساته السياسية والعسكرية والدينية القيام به تجاه تهديد الجماعات التكفيرية والطائفية من جهة، والتهديد الأمريكي من جهة أخرى؛ فسنخصص له مقاربة أُخرى قادمة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

23 Dec, 13:45


والتكفيرية، المسلحة والسياسية.

8- إنّ حجم الأضرار التي ستلحق بالواقع العراقي جراء نشاطات الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سوريا والداخل العراقي، سيتناسب عكسياً مع الإعداد والوقاية والفعل الاستباقي للدولة العراقية والأحزاب الشيعية المشاركة في الحكم وفصائل المقاومة والحوزة العلمية النجفية؛ فكلما كانت الوقاية شاملة ومركّزة ونوعية وواسعة؛ ستكون الأضرار أقل.

9- إنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستقف في حقيقة الأمر، موقفاً إيجابياً من تحركات هذه الجماعات، بغض النظر عن موقفها المعارض المعلن، وستستخدمها لابتزاز الدولة العراقية ومصادرة قرارها وزعزعة استقرارها وتهديد وجود الأحزاب الإسلامية الشيعية وجماعات المقاومة، وسيكون في مقدمة موضوعات الابتزاز:

أ‌- تفكيك جماعات المقاومة ومصادرة سلاحها.

ب‌- حل الحشد الشعبي ودمج عناصره المحايدة في القوات المسلحة العراقية.

ت‌- توسيع حجم مشاركة السنة العرب والأكراد في القرار السياسي للدولة.

ث‌- منع الحضور الإيراني في العراق.

ج‌- منع تنفيذ أي مشروع استراتيجي مع الصين.

ح‌- منع أية اتفاقيات تسليحية مع روسيا.

خ- منع أي تعرض عسكري لإسرائيل وأي خطاب كراهية ضدها.

وبخلافه؛ ستقوم أمريكا بإطلاق يد الجماعات التكفيرية والطائفية في المحافظات الغربية، وإعادة التظاهرات في محافظات الوسط والجنوب، وقصف مقرات الحشد وفصائل المقاومة، وضرب الاقتصاد العراقي، كمقدمة لإسقاط الدولة العراقية وإعادة احتلالها.

مناقشة الفرضيات:

لعل أول ما يواجهنا عند مناقشة الفرضيات التسع المذكورة، حقائق التفوق العراقي الحالي؛ فلا شك أن العراق أكبر مساحة من سوريا، وأن عدد سكان العراق أكثر من سكان سوريا، وأن العراق أكثر ثراء وإمكانات مادية، وأن الجيش العراقي والحشد الشعبي أكثر قوة وتجهيزاً مما تملكه الجماعات السورية والعراقية الطائفية المسلحة مجتمعة، وأن الدولة العراقية ليست ضعيفة، رغم معاناتها من السطوة الأمريكية، وأن الأحزاب الشيعية وجماعات المقاومة، باتت أكثر حنكة ويقظة، فضلاً عن الشارع الشيعي العراقي، الذي بات اكثر وعياً ومناعة، وإن كان ذلك نسبياً.

ويعني ذلك صعوبة قيام الجماعات الطائفية الحاكمة في سوريا من تحقيق إنجاز على الأرض فيما لو حرّكت كل حلفائها الأجانب والعراقيين باتجاه العراق، كما حصل بعد العام 2013، خاصة وأن هذه الجماعات المسلحة السورية منشغلة في تثبيت قواعدها وعقيدتها في الدولة ومفاصلها وجيشها. وبالتالي؛ فإن فرضية عدم قدرة التغيير في سوريا على إحداث تحولات استراتيجية في الواقع العراقي هي فرضية واقعية، ويدل عليها التفوق العراقي في كل المجالات.

ولكن هذا لا يلغي حجم الأذى والضرر والتخريب الميداني الذي سيلحق بالعراق، وخاصة شيعته، على يد الجماعات العراقية الطائفية المنخرطة في عمليات الجماعات السورية المسلحة الطائفية الحاكمة، فضلاً عن أمريكا وإسرائيل وتركيا والسعودية، وهو أمر طبيعي، بالنظر لكم الثغرات الكبير الذي تعاني منه الوحدة الوطنية العراقية، بسبب تعارض كثير من الغايات والأهداف والمطالب والمواقف بين المكونات العراقية، بل داخل المكون الواحد، فضلاً عن الثغرات الواقعية التي يمكن للخصوم الدخول منها، وخاصة في مجال الخدمات والنزاهة الإدارية والمالية والأخلاقية.

الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سوريا باتجاه العراق:

تتمثل خارطة الشخصيات والجماعات والتيارات العراقية الطائفية التي تعمل أو ستعمل ضد العراق، انطلاقاً من سوريا، في خمسة أطراف أساسية:

1- المجموعات العراقية الطائفية التكفيرية المنخرطة في جبهة النصرة وغيرها من تنظيمات هيئة تحرير الشام، والتي كان أغلبها منخرطاً في الجماعات الإرهابية التي عملت في بغداد والمحافظات الغربية وديالى بعد العام 2003، ثم انخرطت فيما بعد بتنظيم (القاعدة) ثم تنظيم (داعش)، وهي عشرات المجموعات.

2- المجموعات البعثية العراقية المنخرطة في جبهة النصرة غالباً، وهي تضم ضباط الجيش العراقي والمخابرات السابقين، وهي ذات توجهات دينية طائفية، وقد كان لها ولا يزال دور أساس في عمليات التخطيط والتنظيم والقيادة في جبهة النصرة.

3- تنظيمات البعث العراقي المستقلة المقيمة في سوريا والخليج وأوروبا، وهي ذات توجهات علمانية، والتي ستقوم بنقل عملها ومقراتها إلى سوريا، وستجد احتضاناً ميدانياً شاملاً من تنظيم البعث السوري التابع للقيادة القومية العراقية، وهو متحالف رسمياً مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا منذ العام 1982، ثم امتدت تحالفاته إلى الجماعات الطائفية المدعوة من تركيا بعد العام 2011.

كتابات علي المؤمن

23 Dec, 13:45


4- المجموعات العراقية التكفيرية العاملة في إطار تنظيمي (القاعدة) و(داعش)، أو المتعاونة معهما، وهي التي لم تنخرط في جبهة النصرة وغيرها من تنظيمات هيئة تحرير الشام. وبما أن التنظيمين متخاصمين مع الهيئة؛ فإنهما سيعملان ضد العراق انطلاقاً من الأراضي التي تخضع لسيطرتهما.

5- الجماعات الطائفية العراقية المستقرة في بعض دول الخليج والأردن وتركيا وأوروبا، فضلاً عن إقليم كردستان العراق، الدينية والعلمانية، مثل هيئة علماء السنة التي أسسها حارث الضاري وجماعة عبد الناصر الجنابي وغيرهما.

وسيكون حراك هذه الأطراف الخمسة، سريعاً وكبيراً ونوعياً، لأسباب كثيرة، أهمها:

أولاً: المعنويات العالية التي باتت تتمتع بها بعد سقوط نظام الأسد.

ثانياً: عودة سوريا إلى الحضن التركي العربي الطائفي، وما تعتبره هزيمة نوعية للشيعة ومحورها في فلسطين ولبنان وسوريا.

ثالثاً: ما تحمله من مخزون رهيب من مشاعر الحقد والانتقام والثأر ضد العراق الجديد، وخاصة الشيعة.

رابعاً: ما سيضعه الحكم المليشياوي الطائفي السوري تحت تصرفها من أراضي وإمكانيات لوجستية وإعلامية غير محدودة.

خامساً: الرعاية المالية والمخططاتية والمخابراتية واللوجستية والإعلامية التي ستحظى بها من تركيا وأمريكا و(إسرائيل) والسعودية والإمارات وقطر والأردن.

معالم حراكات الأطراف التكفيرية والطائفية:

ستتلخص معالم حراكات الأطراف التكفيرية والطائفية الخمسة المذكورة، والمنطلقة من سوريا والمحافظات العراقية الغربية؛ بما يلي:

1- ستشكل إطاراً موحّداً يجمع أغلبها، وينسق عملها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، بهدف إسقاط الدولة العراقية، وإعادتها إلى الحضن العربي السني الطائفي. وسيحمل الإطار اسماً وطنياً عاماً، وليس جهادياً أو طائفياً أو دينياً، وسيعلن عن غايات وأهداف وطنية براقة، لاستمالة جميع المعارضين، بمن فيهم بعض الشيعة.

2- سيكون لهذه الجماعات وإطارها الموحد، مكاتب ومقرات سياسية وإعلامية ومالية، وخاصة في دمشق، ومعسكرات تدريب في الأراضي السورية القريبة من الحدود العراقية السورية، وخاصة في دير الزور والميادين والجلاء والبو كمال.

3- ستحظى بدعم مالي ولوجستي ومخابراتي من حكومات أمريكا وتركيا و(إسرائيل) والسعودية والإمارات وقطر والأردن، وهو دعم هدفه المناورة من خلال زعزعة الأوضاع في العراق وإضعاف الشيعة، من أجل الحصول على مكاسب وتنازلات من الدولة العراقية والأحزاب الشيعية المشاركة في الحكم.

4- ستقوم بالتمدد إلى داخل العراق، عبر إعادة حضورها ضمن حواضنها الاجتماعية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، والتعاون مع الخلايا المسلحة النائمة، وخاصة خلايا حزب البعث وجيش الطريقة النقشبندية وكتائب ثورة العشرين و(ثوار العشائر)، وبقايا (القاعدة) و(داعش) وغيرها، وهو العمل الأهم والأخطر والأسهل في الوقت نفسه.

5- ستتوحد الجماعات البعثية العراقية في تنظيم واحد مقره دمشق، لأول مرة بعد العام 2003، وستعمل على إعادة أو توسعة تنظيماتها داخل المدن العراقية، بما في ذلك مدن الوسط والجنوب، كما ستجد نفسها لأول مرة تتحرك بحرية كاملة في جغرافيا متاخمة للعراق، ولصيقة بحواضنها الاجتماعية في المحافظات الغربية العراقية، وعلى حدود طولها مئات الكيلومترات، وهو ما لم تكن تحلم به يوماً.

6- ستقوم هذه الجماعات، ولا سيما البعثية، باستدعاء الشخصيات والجماعات البعثية والقومية العربية الإيرانية، أو ما يعرف بتنظيمات عرب الأهواز، والتي ستأتي من كل بلدان العالم، لتتجمع في سوريا، وستدعمها الجماعات السورية الحاكمة بقوة، فضلاً عن بعض الأنظمة العربية الطائفية، وسيكون خطابها وعملها موجهاً إلى شيعة العراق، قبل إيران، وستتوحد هذه الجماعات سياسياً وعسكرياً وإعلامياً في إطار موحّد مقره دمشق، لأول مرة في تاريخها.

7- سيتم إطلاق سراح أكثر من (100) ألف مسلح تكفيري وطائفي معتقل في مختلف السجون داخل الأراضي السورية، وخاصة سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وجبهة النصرة وأخواتها المنضويات تحت يافطة هيئة تحرير الشام، والجيش الحر، فضلاً عن سجون الجيش الأمريكي والجيش التركي في الأراضي السورية، وأغلبهم من عناصر تنظيمي (داعش) و(القاعدة)، وهم ينتمون إلى نحو (70) جنسية، بمن فيهم العراقيون والعرب والإيرانيون، وهم محاربون محترفون، وسيكون إطلاق سراحهم إما بالقوة من قبل تنظيمي (داعش) و(القاعدة) وغيرهما، أو من قبل هيئة تحرير الشام وحلفائها، كما حصل خلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط دمشق؛ إذ تم تبييض السجون وإطلاق سراح آلاف من المعتقلين التكفيريين أو المجرمين العاديين. وسيكون إطلاق سراحهم لعبة أخرى للقوات التركية والأمريكية؛ بهدف الابتزاز.

كتابات علي المؤمن

23 Dec, 13:45


ما يخبِّئه الشام للعراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

مقدمة:

لا يختلف المراقبون والباحثون في نوعية الانقلاب الدراماتيكي في سوريا وغرابته، والذي ختم فصله الأخير في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وأنه ليس شأناً داخلياً، بأي نحو، ولا سقوطاً لنظام سياسي ومجيء نظام جديد، وأن له تأثيرات كبرى على منطقة غرب آسيا، وأنه سيكون نواة تغييرات استراتيجية في البلدان المجاورة، لمصلحة المشروع الأمريكي ــ الإسرائيلي من جهة والمشروع التركي المتحالف معه من جهة أخرى، ليس على حساب محور المقاومة أو المحور الشيعي وحسب، وإنما على حساب محور التطبيع الأردني المصري السعودي الإماراتي أيضاً، بالنظر للتخطيط له خارجياً، وتحديداً من قبل مثلت الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) وتركيا، ما يعني أن التغيير لم يكن شأناً داخلياً إطلاقاً، فضلاً عن الأدوات التي جرى التغيير على أيديها، وهي أدوات مسلحة متطرفة سلفية طائفية عابرة للحدود.

وما يعنينا في هذه المقاربة، هي تأثيرات قيام حكم مليشياوي طائفي سوري على العراق، بما في ذلك تأثيراته على الدولة العراقية ووحدة أراضيها وسلطتها، وعلى العملية السياسية وأطرافها السنية (العربية والكردية) والشيعية، ثم على المكونين العراقيين الشيعي والسني بشكل خاص. إضافة إلى التهديدات والمخططات الأمريكية والإسرائيلية المتزامنة مع الانقلاب السوري. وستكون المقاربة واقعية استشرافية، أي أنها تستند إلى معايير الدراسات الاستشرافية المنهجية.

فرضيات المقاربة:

تقوم المقاربة التي نحن بصددها، على تسع فرضيات أساسية:

1- إنّ سوريا الطائفية الجديدة، ستكون تهديداً مستداماً للدولة العراقية عموماً وشيعة العراق خصوصاً، بناءً على ما تفرزه معتقدات الجماعات المسلحة والسياسية الطائفية المسيطرة على مقاليد السلطة، وأهدافها وتحالفاتها العابرة للحدود، وهي جماعات تنتمي عقدياً وسلوكياً إلى تنظيمي (القاعدة) و(داعش)، وإن سبق أن أعلنت انفكاكها تنظيمياً عنهما، ثم تبادل البراءة بينها وبينهما لاحقاً.

2- إنّ الجماعات المسلحة الحاكمة في سوريا، تعمل بذكاء دعائي وسياسي على إخفاء خطابها وأهدافها الطائفية التكفيرية الحقيقية، وتمرير خطاب ظاهري سلمي وحقوقي ووطني إيجابي؛ لحين يستتب لها الوضع، وحينها ستعيد الكشف عن وجهها الحقيقي، وأن حسن الظن بها هو نوع من السذاجة السياسية.

3- إنّ سوريا الطائفية الجديدة ستكون أرضاً مفتوحة لجميع الطائفيين العراقيين المعارضين للعراق الجديد ولما يسمى بحكم الشيعة، وسيتقاطرون على سوريا من كل الكرة الأرضية، بكل مشاربهم وعقائدهم، سواء كانوا تكفيريين أو إسلاميين أو قوميين عنصريين أو بعثيين أو علمانيين، وسيعملون ضد العراق انطلاقاً من الأراضي السورية. وإن هؤلاء الطائفيين سيعملون في إطار جماعات مسلحة وسياسية منظمة، وسينسقون نشاطاتهم العسكرية والسياسية والإعلامية في إطار مجلس واحد أو ائتلاف موحد.

4- إنّ سوريا ستشهد صراعات ومعارك وتصفيات بين الجماعات المسلحة الطائفية السورية المتحالفة أو المتنافرة، الحاكمة وغير الحاكمة، العربية والكردية، الإسلامية والعلمانية، التكفيرية الوهابية والدينية المعتدلة، المسلحة والسياسية، وهذا ما يجعل الجماعات الطائفية العراقية، المسلحة والسياسية، المتواجدة أو التي ستتواجد في سوريا، تنأى بنفسها نسبياً عن هذه الصراعات السورية الداخلية، وتتفرع للعمل ضد العراق وشيعته.

5- إنّ خطاب سنة العراق سيتغير كثيراً، باتجاه التصعيد الطائفي، بما فيه خطاب السياسيين السنة المتحالفين مع الشيعة في الحكم، لأنهم سيشعرون بالقوة من خلال الدعم المعنوي والسياسي الذي سيجدونه من سوريا الطائفية الجديدة، وستزداد مطاليب نخبهم على كل المستويات، كما ستتصاعد المطالبة بتشكيل الإقليم السني أو الأقاليم السنية المتحالفة مع سوريا الطائفية الجديدة.

6- إنّ بعض الشخصيات والجماعات الشيعية، الدينية والعلمانية، المناوئة للأحزاب الشيعية الحاكمة وجماعات المقاومة، ستشكل تحالفات مع الجماعات السنية المستقوية بسوريا الطائفية، وستكون هذه التحالفات عموماً، والجماعات الشيعية المنضوية فيها خصوصاً، الخطر الأمني المجتمعي الأكبر على شيعة العراق، وبشكل يفوق الخطر القادم من سوريا أو من غرب العراق.

7- إنّ تأثير سوريا الطائفية الجديدة في الواقع العراقي لن يكون تأثيراً استراتيجيّاً، سواء على المستوى القصير أو المستوى البعيد، أي أن الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سوريا ومن الداخل العراقي، سوف لن تتمكن، بأي حال، من إسقاط العراق الجديد وما يعرف بحكم الشيعة، وإن جاء ذلك بمساعدة تركية وأمريكية وإسرائيلية وسعودية، وإنما سيتمثل التأثير في مجموعة متراصة من التأثيرات التكتيكية المزمنة، التي تتسبب في أوجاع وصداع وتخريب لا نهاية له، أو إلى أن تقوم دولة وطنية غير طائفية في سوريا، تقضي على تأثير الجماعات الطائفية

كتابات علي المؤمن

15 Dec, 23:32


ثقافة العنصرية ضد العراقيين من أصول إيرانية افتراضية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

تفشت في العراق خلال حكم حزب البعث، ثقافة المشاعر والأدبيات والسلوكيات العنصرية ضد الشيعة العراقيين من أصول إيرانية، وضد من يتعاطف مع إيران بحكم كونها دولة شيعية، وذلك بفعل دعاية النظام البعثي الجبارة المرعبة التي غسلت أدمغة كثير من العراقيين، ومنهم شيعة متدينون، وهي ثقافة تعود تاريخياً الى عهد الاحتلال العثماني التركي للعراق ضد شيعة إيران، والذي مارس دعاية عميقة ذات أهداف طائفية سياسية، للحيلولة دون حصول احتماء متبادل بين شيعة العراق وشيعة إيران، من أجل أن يتفرد الاحتلال العثماني بشيعة العراق، وبقمعهم ومحاصرتهم، بسبب عدم وجود دولة شيعية غير إيران، ولأن كثيراً من علماء الدين والسياسيين الشيعة في العراق كانوا من أصول إيرانية، وكانوا يدافعون عن الوجود الشيعي في العراق والحوزة ومراقد أهل البيت والوضع الاقتصادي لشيعة العراق؛ فلذلك كان الاحتلال التركي العثماني الطائفي يبذل المستحيل من أجل التفرقة بين العراقيين من العرب والإيرانيين، وخلق مختلف أنواع الحساسيات بينهم.

واستخدم البريطانيون بعد احتلال العراق، الأسلوب نفسه، وأضافوا عليه الكثير من الأساليب المخابراتية والسياسية الممنهجة، وتوّجوا من خلال الدولة العراقية الحديثة، ممارساتهم التمييزية هذه، بقانون الجنسية العراقية، الذي قسّم العراقيين بين تبعية تركية عثمانية وتبعية إيرانية؛ فكان العراقي الأصيل هو الذي يحمل الجنسية التركية العراقية، وإن كان شركسياً وألبانياً وقوقازياً وتركياً وسلجوقياً وداغستانياً وشيشانياً. أما العراقي الوافد وغير الأصيل؛ فهو الذي يحمل الجنسية الإيرانية، وإن كان عراقياً عربياً أباً عن جد، ومن بينهم مئات آلاف العوائل العراقية الأصيلة التي رفضت التحاق أبنائها بالجيش التركي العثماني المحتل، ولجأت إلى الحصول على الجنسية الإيرانية من القنصليات الإيرانية في النجف وكربلاء وبغداد. فضلاً عن أن هذه القنصليات ظلت منذ بدايات القرن العشرين، تزور بيوت علماء الدين والوجهاء في النجف والكوفة وكربلاء والحلة والكاظمية وبغداد وسامراء، وتعرض عليهم الجنسية الإيرانية؛ في إطار السباق مع الدولة العثمانية لزيادة عدد رعاياها في العراق؛ حتى كان عدد رعايا الدولة الإيرانية في العراق خلال العقد الثاني من القرن العشرين يقدّر بـ 15% من عدد سكان العراق، بينما كان الرقم الرسمي للإيرانيين في العراق في الإحصاء السكاني العراقي للعام 1934 أكثر من 6% من عدد سكان العراق.

القاعدة الطائفية للظاهرة:

كانت النخب العسكرية والسياسية والثقافية السنية العراقية، التي انقلبت على الدولة التركية العثمانية، بعد أن كانوا ضباطاً في جيشها أو موظفين في دوائرها أو أعضاء في برلمانها أو مشايخ في مؤسساتها الدينية؛ هي حاملة لواء التعصب العنيف ضد شيعة العراق، وكانوا يستغلون كل شاردة وواردة من أجل اتهام شيعة العراق بالتبعية؛ فمرة يتهمونهم بأنهم فرساً وعجماً، ومرة هنود، وأخرى غجراً وكاولية، ورابعة عملاء وذيول وتبعية. وكان في مقدمة هؤلاء العنصريين الطائفيين: ساطع الحصري ومعروف الرصافي وعبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي وجميل المدفعي ونوري السعيد وتوفيق السويدي وغيرهم، حتى شعر الملك الحجازي السني فيصل الأول بأن المملكة العراقية ستنهار نتيجة هذا السلوك الطائفي العنصري للدولة ضد الأغلبية السكانية الشيعية، وهو ما حمله على كتابة مذكرته الإصلاحية المعروفة في العام 1932، والتي رفضها جميع قادة الدولة السنة، وسخروا منها، وهناك من يقول بأنها قادته الى الموت.

وقد كان ساطع الحصري يعبِّر في كتاباته وأقواله وسلوكه عن هذه الآيديولوجيا الطائفية العنصرية خير تعبير، وكان النظام الملكي يحميه وهو يتهم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري بأنه إيراني وفارسي؛ في حين لم يكن الحصري يتقن العربية، وكان موظفاً في الدولة التركية، ومتعصباً للغتها وثقافتها، لكنه أصبح مديراً للمعارف في العراق بإلحاح من المندوب السامي البريطاني في بغداد، بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

أما الشاعر معروف الرصافي؛ فكان أكثر صراحة في التعبير عن هذه الأيديولوجيا، ومن ذلك قوله: ((مذهب التشيع في الإسلام يمت في أصله إلى أبناء فارس بنسبة لا مرية فيها. وإنه إنما وضع من قبل الفرس لقتل الإسلام دين الوحدة والتوحيد بسلاح منتزع منه، ولهدم العروبة بالمعول الذي هدمت به مجد فارس. فليس من العجيب أن ترى أعجمياً يتمذهب بمذهب التشيع، ولكن العجب كل العجب أن يتمذهب به من يدّعي أنه عربي ولو بالاسم فقط. فلو سألني سائل ما أعجب ما رأيت في هذه الحياة الدنيا لأجبته فوراً دون تردد أو تلعثم إن أعجب ما رأيت في الدنيا شيعي يدعي أنه عربي. لأن بين التشيع والعروبة تناقضاً لا يخفى على أسخف العقول.

كتابات علي المؤمن

15 Dec, 23:32


فإن كان هذا الشيعي عربياً صريحاً كما يدّعي فقد مسخه مذهب التشيع حتى صار بمنزلة الحيوان الأعجم)).

وبالتالي؛ كان نتاج هذه الآيديولوجيا أن يكون الشيعة فرساً وصفويين وعجماً، أو غجراً مستوردين من الهند، بينما يكون الدخلاء على العراق من الترك والشركس والقوقازيين، عرباً أقحاحاً، لأنهم ليسوا شيعة. وتحولت هذه الأيديولوجيا العنصرية الطائفية في زمن نظام البعث الى كارثة إنسانية كبرى، نتيجة الدعاية الطائفية العنصرية المركزة والمكثفة التي استخدمها نظام البعث ضد إيران والإيرانيين والعراقيين ممن يوصفون بأنهم من أصل إيراني؛ حتى بات وصف الإيراني أو من أصول إيرانية؛ يساوي تهمة رهيبة وخيانة عظمى؛ فأن تقول للشخص (عجمي)؛ فيعني إنك تسبه وتوجه له شتيمة، وهي شتيمة أقل سوءاً بكثير من وصف (يهودي) و(صهيوني). هكذا مارس نظام البعث عملية غسيل دماغ كثير من العراقيين، وبكل الوسائل، وقد نجح حتى في أوساط بعض شيعة الوسط والجنوب، وخاصة بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران

وظل حزب البعث يحمل الأهداف العثمانية والإنجليزية والحُصَرية نفسها في الفصل الكامل بين شيعة العراق وشيعة البلدان الأخرى، وخاصة شيعة إيران، لمنع أية عملية حماية متبادلة أو دعم أو استقواء، وكان الضحايا الأُول الذين بدأ بهم النظام هم الشيعة العراقيون المتهمون بأصولهم الإيرانية، وبينهم الفيليون.

خلفيات ظاهرة العراقيين الإيرانيين:

نشأت ظاهرة وجود الإيرانيين في العراق والعراقيين في إيران الى ثلاثة عوامل:

1- الترحال المتبادل بين العراق وإيران منذ مئات السنين، وهجرة الأفراد والعوائل العراقيين الى إيران لأسباب معيشية أو اجتماعية أو سياسية، وبقاء كثير منهم محتفظاً بلغته وتقاليده، في حين ذاب آخرون في المجتمع الإيراني، وحملوا ألقاباً فارسية، في حين لا يزال كثير منهم يحمل لقبه العربي العشائري الأصلي، رغم أن وجودهم في إيران يعود الى (100 ــ 600) سنة، وهو متواجدون غالباً في مدن طهران ومشهد وقم وعموم محافظة خوزستان وإصفهان. طبعاً هذت عدا عن الهجرات العراقية المكثفة والكبيرة الى خراسان وقم والأهواز ومازندران قبل 1300 سنة، وكان بعضها مؤثراً الى درجة أن تأسيس حاضرة قم وحوزتها يعود الى أهل الكوفة الأشعريين. وكان مراجع قم لعشرات السنين هم من أهل الكوفة، ويسمى (شيخ القميين).

وفي المقابل؛ كانت هناك هجرة معاكسة لأفراد وعوائل إيرانية الى العراق، لغرض الدراسة الدينية في النجف الأشرف أو كربلاء والكاظمية، أو لأسباب معيشية واجتماعية وسياسية. ويكفي أن نشير الى أن سدانة حرم الإمام علي منذ أكثر من (1200) سنة كانت بيد آل شهريار، وهي عائلة إيرانية من مدينة قم، وظلت بيدهم لأكثر من (200) سنة. وهكذا بالنسبة للحوزة العلمية النجفية المركزية التي أسسها الشيخ أبي جعفر الطوسي قبل أكثر من (1000) سنة، وهو إيراني من مدينة طوس الإيرانية.

وظل كثير من الإيرانيين المهاجرين الى العراق في العصر الحديث محتفظاً بلغته وتقاليده، في حين ذاب آخرون في المجتمع العراقي، واستعربوا واستعرقوا، بل أن قسم كبير من العوائل ذات الأصول الإيرانية تكاتب (سجل اسمه) مع العوائل والعشائل العراقية، وبات يحمل لقب أحد العوائل والعشائر العراقية. وقد بلغ عدد الإيرانيين من ذوي الأُصول الإيرانية في تعداد العام 1934 الى ما يقرب من 6 بالمائة من عدد سكان العراق، عدا عن الذين لم يسجلوا في التعداد؛ ما يعني أن العدد ربما يقارب 10 بالمائة، وبحساب اليوم (2024 = 44 مليون نسمة)؛ فإن عدد الإيرانيين في العراق كان سيصل الى 4 ملايين و400 ألف نسمة.

2- وجود عوائل وعشائر كثيرة، هي ــ بالأساس ــ منقسمة جغرافياً بين العراق وإيران، وخاصة العرب واللر والفيليين والكرد؛ لذلك ترى أولاد عمومة، بعضهم عراقيون وآخرون إيرانيون وقسم ثالث يحملون جنسية البلدين. وقد ظلوا متواصلين ومتصاهرين حتى مجيء نظام البعث، الذي قطع الأواصر والصلات والتواصل بين البلدين الجارين. ولكن التواصل بين أبناء هذه العوائل والعشائر عاد بقوة بعد العام 2003.

3- التهجير القسري، الذي لم تعرف البشرية ولن تعرف مثيلاً له في أبعاده الإنسانية والقانونية والسياسية والاقتصادية؛ إذ تم تهجير ما يقرب من (100) ألف عائلة عراقية الى إيران في الفترة من 1970 وحتى 1992، بحجة أُولهم الإيرانية، وهي أُسر تنتمي الى العراق ومجتمعه وثقافته ولغته، وتحمل جنسيته غالباً. ولكن الايديولوجيا الشوفينية الطائفية التي أمسكت بالواقع العراقي منذ مئات السنين، وخاصة خلال حكم نظام البعث؛ حولت هذه الأُسر الى أجانب محاربين، يحق للسلطة العراقية معاقبتهم بكل الوسائل المتاحة، وأبسطها التهجير القسري؛ وصولاً الى اعتقال أبنائهم ممن يبلغون 18 - 28 سنة، ثم إعدامهم ودفنهم في المقابر الجماعية.

كتابات علي المؤمن

15 Dec, 23:32


وقد ضاع هؤلاء الشباب المعدومين للأسف في زحمة التجاذبات والحساسيات السياسية؛ فلا إيران طالبت بهم ودافعت عنهم؛ لأنهم أعدموا في بلد آخر يحملون جنسيته، ولا النخبة السياسية العراقية الحالية تتحدث بمأساتهم. ولكل أسبابه ومخاوفه.

والمفارقة؛ إنّ أُسراً عراقية عريقة، أغلبها علمية دينية، لها إنجازاتها على المستويات العلمية والدينية والثقافية والصحفية والتجارية والسياسية والجهادية، وساهمت في مواجهة ضد الاحتلالين العثماني والإنجليزي، وبناء الدولة العراقية، وقيادة الأحزاب الوطنية (العلمانية والإسلامية)؛ قد شمل التهجير بعض أبنائها، في حين أنهم يحملون كل الوثائق العراقية من الجنسية وشهادة الجنسية وغيرهما.

بينما لم يمحُ التغيير الكبير في عراق ما بعد العام 2003، ثقافة الحساسيات العنصرية والطائفية الموروثة منذ الاحتلال الأُموي، وكرسها البعث؛ إذ لا تزال ثقافة البعث قائمة، بأدبياتها ومصطلحاتها ومشاعرها السوداء وانفعالاتها الشوفينية الأُموية قائمة في الدولة والمجتمع العراقيين، وهي تستهدف العراقيين من ذوي الأصول الإيرانية، أو العراقيين الذين يرون في شيعة إيران حلفاء لهم، مقابل الاصطفافات الطائفية القوية، الداخلية والخارجية الموجهة ضد شيعة العراق. والمفارقة أن يتبنى بعض الشيعة هذه الآيديولوجيا، رغم أن قسماً منهم محسوب على المتدينين، وهؤلاء ظلوا منذ العهد العثماني وحتى الآن مجرد صدى للصوت الطائفي العنصري، وكانوا أكثر تشدداً وظلماً ضد أبناء جلدتهم من البعثيين السنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

12 Dec, 16:58


حول عدم قناعة المكلّف بالحكم الشرعي
علي المؤمن

إن قناعة المكلّف بالحكم الشرعي أو الموقف العقدي الذي يكشف عنه الفقيه والمحدّث وعالم الكلام؛ يشبه قناعة المستثمر أو المقاول بحجم الإنشاءات التي يصفها المهندس الاختصاص وفق الخارطة التي يضعها، كما يشبه قناعة المريض بتشخيص الطبيب لمرضه والعلاج الذي يصفه له. وفي كلا الحالتين ينصح المهندس والطبيب أصحاب العلاقة بالقبول بما يحكمان به، ثم يحذرانهم، لكنهما يتركانهم لقناعاتهم والمصير الذي سيواجهونه فيما لو يعملوا برأيهما.

وربما لا يقتنع المستثمر أو المقاول بالموقف الذي يكشف عنه المهندس، كما لا يقتنع المريض بالعلاج الذي يصفه الطبيب له، لكن عدم القناعة هذه لا تلغي ضرورة الأخذ برأي المهندس والطبيب؛ لأنهما متخصصان في تشخيص الحاجات والعلاجات، في حين أن المستثمر والمريض ليسا متختصصين، وإن كانا صاحبي الشأن المباشر.

ولكن؛ حين يصر المستثمر على مجادلة المهندس وعدم الإذعان للمواصفات التي يضعها، ويصر المريض على مجادلة الطبيب وعدم القبول بتشخيصه والعلاج الذي وصفه؛ فإن النتيجة ستكون انهيار المبنى، وهو ما يتسبب في أضرار بصاحب المبنى والمستثمر والمقاول، وفي الوقت نفسه لن يلحق بالمهندس أي ضرر مادي؛ لأن المهندس يقرر وفق اختصاصه الدقيق، ولا شأن له بالجانب المادي وحسابات صاحب المال. كما سيتسبب عدم استخدام المريض للدواء الذي وصفه الطبيب، إلى تضرر المريض وتفاقم حالته الصحية، دون أن يتضرر الطبيب نفسه.

ودورا المهندس والطبيب هنا يشبهان دور الفقيه؛ فهو يقرر الحكم الشرعي وفق ما يتوصل إليه اجتهاده وفهمه للنص والقواعد الشرعية، ويترك للمكلّف حرية الأخذ بالحكم أو عدم الأخذ؛ فإذا لم يقتنع المكلّف بالحكم؛ فإنه سيلحق الضرر بنفسه في موقفه الشرعي، ولن يلحق الضرر بالفقيه. وهذا الموقف الشرعي أو السلوك الشرعي هو مظهر تطبيق المكلّف للحكم الشرعي الذي يحدد طبيعة التكليف، وهو ما يختص به الفقيه، كما يختص المهندس والطبيب بتحديد طبيعة تكليف المستثمر بشأن البناء، والمريض بشأن مرضه.

وهنا يختلف توصيف المكلّف الذي ينكر الحكم الشرعي ولا يقبل به، والمكلّف المقتنع بالحكم، لكنه لا يعمل به، لمصلحة خاصة أو تكاسل أو أي سبب آخر، رغم تشابه النتيجة المتمثلة بعدم العمل بالحكم الشرعي.

وربما تكون عدم قناعة المكلّف بفتوى الفقيه وحكمه الشرعي أحياناً، نابعة من حقيقة فهم المكلف للموضوع وللعصر ومتغيراته؛ فيتصوّر أن هذا الحكم تشوبه شائبة التخلّف وعدم الانسجام مع العصر. وهذا التصور هو نوع من الاستحسان العقلي أو الرغبة والمزاج، والحال أن التكليف الشرعي لصيق بالرؤية التخصصية الشرعية ولا يتم العمل به وفق رغبة غير المتخصص ورأيه؛ لأنه ليس صاحب رأي في هذا المجال.

وفي الوقت نفسه؛ يكون على صاحب التخصص وعي المتغيرات والتحولات في الموضوعات وغايات الشريعة ونظامها العام، وصولاً إلى فهم جديد لثوابت الدين، ينتج عنه حكماً جديداً وتكليفاً جديداً وسلوكاً جديداً. فإذا كان على المكلّف التسليم بالفتوى والحكم الشرعي والعمل وفقهما دون جدال ودون تحكيم الرغبة والمزاج، وإن كان واعياً بموضوع الحكم الشرعي وعياً يفوق وعي الفقيه به، قياساً برأي الطبيب والمهندس والفيزيائي في مجالات تخصصهم؛ فإن وعي الموضوع من قبل الفقيه وعياً تاماً، وخاصة في الموضوعات العامة المرتبطة بمصير الجماعة أو المجتمع أو الأمة أو الدولة، هو أمر لا يقل أهمية عن تسليم المكلّف بفتوى الفقيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

11 Dec, 08:42


وهمُ التنوير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

يستخدم العلمانيون العرب والمسلمون مصطلح (التنوير) في أدبياتهم للدلالة ــ عادة ــ على الفكر الذي يعارض الفكر الديني وأصوله وموروثاته وتطبيقاته الشعائرية والطقوسية الاجتماعية، ومنها نموذج رجل الدين كما يسمونه؛ إذ يضعون التنويري إلزاما ضمن معادلة في قبال رجل الدين والإسلامي، والمؤسسات التي تمثلهما، وهما النموذج الأبرز للظلامي.

والتنوير الذي يعنونه هو المصطلح نفسه الذي ظهر خلال عصر التنوير (Enlightenment) في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو امتداد جغرافي وتاريخي وفكري واجتماعي لعصر النهضة الأوروبية (Renaissance)؛ إذ انتصرت الأفكار العلمانية الوضعية، بكل تنوعاتها وتياراتها ومذاهبها الفلسفية والمعرفية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، على الاستبداد السياسي السلطاني والاستبداد الديني الكنسي المسيحي والأعراف الأخلاقية الاجتماعية.

وقد صنع عصر التنوير في أوروبا مفكرون وفلاسفة أوربيون، ملحدون وربوبيون وعلمانيون، أمثال ديكارت ولوك وهيوم وسبينوزا وكانت وفولتير وروسو ومونتسكيو، وكان جميع هؤلاء مهووسين بمهاجمة المؤسسة الدينية الكنيسية المسيحية ورجالاتها، وصولاً إلى مهاجمة الدين نفسه، كمفهوم، وبكل مصاديقه وليس الدين المسيحي وحسب، ويعدون الدين ومؤسسته العقبة الوحيدة أمام تنوير العقول ونهضة المجتمع والدولة وأمام التقدم العلمي والفني والأدبي.

إلى هنا؛ يمكن أن نعدّ هذا الحراك الأوروبي الفلسفي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ شأناً أوروبياً خاصاً؛ لكونه فعلاً عاماً تراكمياً لصيقاً بخصوصيات البيئة الأوروبية وصراعاتها الاجتماعية والدينية والسياسية، وبالصراع بين الكنيسة والمفكرين الملحدين والعلمانيين، وقد يكون مفيداً وصالحاً لهذه البيئة، من أجل إنقاذها من التخلف والاستبداد السياسي والديني، خاصة وأن المؤسسة الدينية الكاثوليكية ظلت منذ مئات السنين تصطنع طقوساً وتعاليم وسياقات دينية لا علاقة لها بالديانة المسيحية، وإنما برغبة رجالات الكنيسة في ضمان دورهم كسلطة حديدية، تتحكم بالدين والدنيا، على الرغم من أن الدين المسيحي هو ــ بالأساس ــ دين روحي لا يحتوي بذاته على تشريعات للمجتمع والدولة، وهو علاقة خاصة بين المسيحي والمسيح والرب.

بينما يختلف الدين الإسلامي اختلافاً بنيوياً مع الدين المسيحي الروحي الطقسي؛ إذ تستوعب تشريعات الإسلام كل شؤون الحياة الفردية والمجتمعية والدولة والسياسة والاقتصاد والعمل العسكري، وهي تشريعات تعبر عن ثوابت الإسلام وأصوله ونصوصه الأصلية، وليس من مصطنعات علماء الدين الإسلامي، وإن أخذ علماء الدين على عاتقهم التفريع من الأصول، بناء على أصل ديني إسلامي يفوّض المسلمين باستنباط الأحكام الشرعية الجديدة، عبر التفقه والاجتهاد في الأصول، وليس وفق استحساناتهم ورغباتهم. وبالتالي؛ يكون من المستحيل تطبيق معادلات عصر التنوير الأوروبي في بيئات المسلمين؛ بالنظر للاختلاف الديني من جهة، والاختلاف الأنثروبولوجي المجتمعي من جهة أخرى.

وفي حال تم إسقاط مبادئ عصر التنوير في أوروبا على واقع المسلمين؛ فسينتج عن ذلك، من وجهة نظر العلمانيين العرب والمسلمين، أن مفاهيم الأنوار والتنوير والتنويري تقابل مصاديق الظلام والتظليم والظلامية والظلامي المتمثلة في المبادئ الدينية والأعراف الأخلاقية والنظام السياسي الذي يستند إلى مصادر الدين، وفي المتدينين عموماً وعلماء الدين والإسلاميين خصوصاً، وهو ما لا يخفيه العلمانيون المتغربون. وهذا يؤكد الوهم الكبير الذين يعيشه الملحدون والربوبيون والعلمانيون ذوو الأصول المسلمة حين يطلقون على أنفسهم تنويريين، وعلى غيرهم ظلاميين.

في حين أن معايير التنوير، بالمعنى الحقيقي، وليس المعنى الاصطلاحي الغربي والتغريبي، هي معايير ضبابية ونسبية، كما هو الحال مع مصاديقها؛ لأن الواقع يكشف أحياناً عن علمانيين غارقين في الظلامية الإقصائية المتخلفة، مقابل إسلاميين تنويريين نهضويين، كما يكشف أحياناً عن رجل دين مسلم أو إسلامي ظلامي إقصائي متخلف. أي أن مصدر التنوير لا يكمن في العقيدة النظرية التي يحملها الإنسان، وإنما في صحة تطبيقه لها، ووعي مقاصدها النهضوية الإنسانية النبيلة، ووعي خصوصيات البيئة التي يعمل فيها.

ومن أجل التخلص من هذا الوهم والانفعال؛ ينبغي أن يتخلص العلمانيون المحليون من ضغط مصطلح التنوير ومعاييره الغربية على عقلهم الجمعي، وأن لا يصدِّقوا أنفسهم بأنهم تنويريون بالفعل، وأن يتركوا عادتهم وتلقائيتهم في إسقاط فكر النهضة الأوروبية وعصرها التنويري ومعاييره ومفاهيمه ومصطلحاته على واقع المسلمين، وأن يبتعدوا عن إطلاقات ما سمِّي بعصر الأنوار، ومعادلات صراعات العلمانيين الأوروبيين مع الكنيسة والمؤسسة الدينية المسيحية، لأن هذا الإسقاطات اللا موضوعية تعبر عن هزيمة نفسية

كتابات علي المؤمن

11 Dec, 08:42


ومعرفية.

ولا شك أن لكل واقع اجتماعي منظومته التي تنهض به وتنسجم مع مناخاته العقدية والفكرية والاجتماعية؛ فما يصلح للغرب ليس بالضرورة يصلح للمسلمين وللشرق، والعكس صحيح. أما العلماني الذي يعتقد أن المنظومات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أنتجها عصر التنوير الأوروبي، تنفع لكل نقطة في الكرة الأرضية؛ فهو بحاجة إلى إعادة فهم لتلك المنظومات وظروف إنتاجها، وإلى إعادة فهم واقعه الاجتماعي العقدي والأخلاقي. وبالتالي؛ فإن التنوير الحقيقي لا يكمن في الإلحاد والعلمانية والليبرالية والعقلانية والتجريبية والمادية، ولا في التنكر للموروث الديني والسخرية من الأحكام الشرعية ومن عالم الدين، ولا في رفض الشعائر الدينية أو الطقوس الاجتماعية المنسوبة للشعائر.

ولن يكون الإنسان تنويرياً لمجرد أنه يعارض الفكر الديني والسلوك الديني؛ بل يتمثل التنوير في النهوض بالعقل الجمعي نحو السمو الروحي والأخلاقي والتقدم العلمي والإصلاح الاجتماعي السياسي والقانوني، وفي السير في ركب التحضّر الحقيقي وتحديد وسائل وأساليب هدف بلوغ الحضارة الأخلاقية المؤمنة.

ويمكن تلمّس هذه القواعد التنويرية الحقيقية في تعاليم الأنبياء والأئمة والصالحين والحكماء والفلاسفة التوحيديين، ليس بدءاً ببوذا وزرادشت وسقراط ومحمد وعلي والصادق وإخوان الصفا، وليس انتهاءً بالملا صدرا وطاغور والنورسي ومحمد باقر الصدر والخميني ومطهري ومهاتير محمد. وقد لا نتلمّس التنوير عند بيكون وديكارت ولوك وبريكلي وروسو وكانت وماركس وفوكو وعفلق والحصري والوردي وأركون وسروش، لأن كثيراً من أفكار هؤلاء ظلامية ومتخلفة ولا أخلاقية. وهو ما يدل مرة أخرى على نسبية معايير النورانية والظلامية والتخلف والأخلاق، ومصاديقها الفكرية والسلوكية، وهو اختلاف طبيعي، تبعاً للمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها كل منا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

09 Dec, 17:23


هل يصلح النص الديني أن يكون مصدراً تاريخياً مادياً؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي المؤمن

يستند المؤرخ في تدوين الوقائع وتحليلها والتثبت منها على مشاهداته أو مسموعاته الموثقة أو الحفريات والمدونات الآثارية والتاريخية، بل يتسامح بعض مدارس التاريخ على الانتقاء من الأساطير والمثيولوجيا. وفي الوقت نفسه؛ تستبعد غالبية المدارس الأكاديمية النص الديني كمصدر تاريخي، وتذهب إلى أن النص التوراتي والإنجيلي والقرآني وغيرها، لا تنطبق عليه معايير المصدرية المادية. والحال؛ أن هناك وقائع تاريخية كثيرة مدونة في الكتب السماوية أو المنسوبة الى السماء، تتعلق بسير الأنبياء والصالحين والملوك والطغاة وماضي الأمم ومسارات كثير من الأحداث، لكن المؤرخين لا يستندون إليها بوصفها مصادر مادية، ويسوغون ذلك بأن النصوص الدينية هي نصوص هداية وليست تاريخ، وأنها ناظرةٌ إلى العِبر والتذكير والتوعية والتعبئة والوعيد في هذه النصوص، وليس من الضروري أن يكون المراد منها توثيق الوقائع التاريخية، ولذلك؛ لا يمكن اعتمادها.

وظهر بعض الباحثين التاريخيين العرب والمسلمين خلال العقود الأخيرة، الذين يشككون حيناً ويجزمون حيناً آخر، بأن وجود كثير من الأمم والأقوام والجماعات والأنبياء والصالحين والطغاة الذين وردت أسماؤهم في الكتب الدينية السماوية، ليس ثابتاً من الناحية التاريخية، بمن فيهم إبراهيم وموسى وأهل الكهف ــ مثالاً ــ؛ بسبب عدم وجود أي أثر تاريخي يدل على وجودهم وأدوارهم في المدونات والحفريات والآثار، وخاصة الهيروغليفية (المصرية) والمسمارية (العراقية) واليونانية، وأنهم ذُكروا فقط في النص التوراتي الديني فقط، ثم أكّد القرآن وجودهم.

ونرى بعض المؤرخين والأركولوجيين يؤكدون وجود رمسيس الثاني ــ مثلاً ــ، وهو الفرعون المعاصر للنبي موسى كما يرى بعض المؤرخين، لأنه مذكور في النص الهيروغليفي الفرعوني، لكنه يرى أن موسى ربما يكون شخصية أُسطورية، لأن النصوص الهيروغليفية الفرعونية لم تذكره ولم تؤرخ لوجوده، بل لم تؤرخ لوجود دور لهكذا شخصية في حياة الدولة الفرعية في عهد رمسيس الثاني وولده. ويقول هؤلاء المؤرخين والآثاريين بأن موسى ورد ذكره في التوراة فقط، وأيده القرآن، وهما نصان دينيان لا يمكن اعتمادهما مصدراً تأريخياً دالاً دلالة مادية على وجود الشخص ووقوع الحدث، بل يذهبون إلى أنّ النصوص التوراتية أخذت موضوعاتها التاريخية وسير الأنبياء والملوك، بما في ذلك الخلق والتكوين، من الأساطير السومرية والفرعونية، متجاهلين أن هذه الموضوعات والأسماء والوقائع ورد ذكرها في القرآن أيضاً، رغم أن أغلب أصحاب هذه الآراء هم من المسلمين.

وهذه الآراء تستند إلى معايير متهافتة، حتى في الجانب المادي؛ لأن الكتابات الفرعونية ــ مثالاً ــ من الطبيعي أن تمجد الحاكم وتدون سيرته وتبالغ في إنجازاته، وتنكّل بأعدائه وتمحو أثرهم، ومن الطبيعي ألّا تذكر موسى. وبالتالي؛ ينبغي مراجعة مصدر آخر، وإن كان دينياً. فمالفرق؟؛ فإذا كان النص الديني التاريخي منحازاً لمصلحة النبي والمصلِح والجماعة الدينية والأهداف الإيمانية، على حساب الحقائق التاريخية؛ فإن هذا الإشكال ينطبق أيضاً على النصوص الآثارية المسمارية أو التصويرية أو الحرفية، لأنها هي الأخرى منحازة إلى ولي نعمة الكاتب، وهو الحاكم وإنجازاته وانتصاراته. وبالتالي؛ إما أن يتم الاستناد إلى النصوص التاريخية الأرضية والنصوص التاريخية الدينية معاً، أو عدم اعتمادهما معاً، لأنهما يخضعان للمعايير نفسها، في حال كان المؤرخ يعتقد بأن النص الديني هو نص بشري أو نص للهداية وليس للأرخنة.

وهنا تظهر جملة مفارقات بشأن هذه المسوغات؛ فالنص الديني، سواء كان توراتياً أو افستائياً أو توراتياً أو إنجيلياً أو قرآنياً، هو ـ بكل الأحوال ـ نص ديني قديم بقدم وجود النبي المنسوب إليه النص، أي أنّ هناك من دوّنه ورواه منذ مئات أو آلاف السنين؛ فإذا كنّا نعتقد أن هذه الكتب أو بعضها، منزّل من الله وأنها نصوص مقدسة؛ فمن المستحيل أن يذكر الله أحداثاً وهمية وأشخاصاً وهميين أو سيرة مختلَقة لغرض الهداية. وحينها يكون من المؤكد أن كل ما ذكره النص الديني من أحداث وشخصيات ومسارات تاريخية، هي صحيحة، وقد وقعت بالفعل، ولم يذكرها الله كرموز للتسلية الهادفة والحكايا والقصص الهادية؛ لأن ذلك يتناقض كلياً مع غاية نزول النص وعصمته وقدسيته وفلسفة حضوره في حياة الإنسان، ولا يمكن أن تبرر غاية الهداية وسيلة الكذب عند الله.

وبالتالي؛ لا مجال من عدم اعتماد النص الديني كمصدر تاريخي مادي محايد. هذا بالنسبة للمؤمن بإلهية بعض النصوص الدينية، أي الذي يؤمن بإلهية النص الديني؛ فيكون حجة عليه في القبول بمصدريتها التاريخية.

كتابات علي المؤمن

09 Dec, 17:23


أما إذا لم يكن المؤرخ مؤمناً بإلهية النص الديني وقدسيته؛ فلا يختلف الأمر كثيراً، وسيكون الاختلاف فقط في تمحيص النص الديني الخاص بالتاريخ والوقائع والسير، وتدقيقه ودراسته، حاله حال أي نص بشري؛ فهذا النص بالتالي كتبه شخص أو أشخاص قبل مئات وآلاف السنين، ودوَّنوا ما شهدوه أو سمعوا به أو تناقلوه من أجيال سابقة، وهذه الشهادات والمدونات والروايات ربما تكون صادقة أو تكون موضوعة ومختلَقة أو مُبالغ بها، وهي بذلك؛ لا تختلف عن أي نص تاريخي آثاري؛ فالألواح والكتابات الآثارية التاريخية، كتبها بشرٌ أيضاً، ولا سيما المقرّبون من الحكام، وبالتالي؛ ربما تكون الوقائع والسير الموجودة فيها كاذبة وربما تكون صادقة أو مبالغ بها، ولا يمكن اعتماداً مصدراً لأحداث وقعت بالفعل، وهو ما تدل عليه الأساطير والتخريفات المليئة بالمدونات والآثار القديمة.

وعليه؛ لا يوجد ما يمنع منهجياً من إخضاع النص الديني والمثيولوجيا الدينية الى معايير محاكمة الأثر التاريخي المدون نفسها، سواء كانت نصوصاً إلهية أو منسوبة للإله؛ لأن كلا النص الديني والأرضي، هما ــ كحد أدنى بالنسبة لغير المؤمن بإلهية النص الديني ــ صادران عن بشر يصيبون ويخطئون أو هم أصحاب أهداف خاصة، ويصبح لزاماً اعتماد النص الديني مصدراً للتأريخ، سواء كان المؤرخ مؤمناً بإلهية النص أو غير مؤمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام:

كتابات علي المؤمن

09 Dec, 11:16


هناك قاعدة تحدد التكليف الشرعي والواجب الاجتماعي الديني للكاتب الملتزم، في كل حرف يكتبه وكل كلمة ينطقها، وهي قاعدة المصلحة العامة، التي تشكل كابحاً شرعياً للنفس والقلم واللسان، يمنع من قول كل ما تريد النفس قوله؛ فالكاتب الملتزم ليس مجرد شخص يعمل في مجال البحث والفكر؛ إنما هو مسؤول عن مصالح أهله ومجتمعه وطائفته ومذهبه، ولا يضحي بها لمصلحة خطه المرجعي وانتمائه السياسي الخاص ((ما يلفظُ مِنْ قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد)).

لذلك؛ فإن التمني أن يستند كتابنا ومفكرونا إلى هذه القاعدة؛ لدفع ضرر أكبر عن واقعنا. أما النقد والاعتراض والامتعاض؛ فكلها حقوق مشروعة، بناءً على قاعدة وجوب الإصلاح والتسديد والترشيد والتقويم، ولكن تطبيق هذه القاعدة له مقامه ووسائله وسياقاته.

علي المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

06 Dec, 03:02


المشروع الفكري للدكتور علي المؤمن
في تأسيس علم الاجتماع الديني الشيعي

د. الشيخ محمد علي الدليمي
(باحث وأكاديمي من العراق)

المفكر والباحث والكاتب، العراقي المولد، الإسلامي الفكر، الدكتور علي المؤمن، نموذجٌ مثاليٌّ للباذل في سبيل قضايا أُمته؛ فقد سخّر جهوده الفكرية لمعالجة تلك القضايا الأكثر أهمية، وهي مشروعه الفكري الذي عبّر عنه بـ «الاجتماع الديني الشيعي»، وأوقف كل نشاطاته وجهوده عليه، وقد أينعت وأثمرت هذه الهمة العالية لقرابة ثلاثين مؤلفاً، عكست بشكل واضح مشروعاً معلوم التوجه والهدف والغايات.

صبّ الدكتور المؤمن اهتمامه وانشغالاته بهاجس الهوية الشيعية، خصوصاً العراقية، ومحاولاته لرصد ملامحها وحدودها وتفاعلاتها مع الهويات الأُخرى؛ وينطلق في ذلك من رؤية إسلامية عامة؛ ففي كتابه «من المذهبية إلى الطائفية: المسألة الطائفية في الواقع الإسلامي» يسلط الضوء على المسألة الطائفية، كواقع موضوعي تراكمي في حياة المسلمين، تدخّلت عدة عوامل في صنعه وإنتاجه، ابتداءً من نشوئه كنتيجة للخلاف على موقع قيادة الأُمّة، ثم انتماءً مذهبياً، وصولاً إلى تحوله إلى صراع طائفي سياسي. ويشخص من خلال دراسته للطائفية، عمق المخاطر الناتجة عن هذا الواقع، وهي تحدق بالجميع، وهو بذلك يهدف إلى الوصول إلى قناعة مشتركة بين حكماء الأُمّة من السنة والشيعة، تعمل على مد جسور التواصل وردم الفجوة بين طائفتيهما، لذلك؛ يؤكد بأن الطائفية خطر داهم يهدد مستقبل الأُمّة ويعوق نمو مشروعها الحضاري.

وينطلق الدكتور المؤمن في مشروعه الفكري من الخاص (الشيعي) لينتقل إلى الفضاء العام (الإسلامي)، حيث استطاع التعريف بالشيعة بوصفهم ظاهرة اجتماعية أو مكون اجتماعي له خصوصيته وتطلعاته، وأيضاً مشاكله وإخفاقاته، وقد وُفق في الوقوف على ما تمتاز به الكتلة البشرية الشيعية، بعيداً عن الجانب العقدي أو الديني، أي أنه يهتم بالمكون الشيعي بكله الديني واللا ديني؛ فمهمته رصد الخصائص الاجتماعية التي تميزه عن سواه. وقد كشف في كتابه «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع» عن طريقة جديدة لفهم الظواهر؛ فهو حين يتطرق إلى الأُصول التي يرتكز عليها المجتمع الشيعي، لم يقف عند حدود أُصوله العقدية وقواعده الفقهية؛ إنما تجاوزها ليلامس نوعية المجتمع الإنساني ومساراته التاريخية، كاشفاً عن هوية ذلك المجتمع ومكوناته، وقواعده النظرية، وتراكماته التاريخية التي يستند إليها «النظام الاجتماعي الديني الشيعي».

مفهوم «علم الاجتماع الديني الشيعي» عند الدكتور علي المؤمن:
يهتم علم الاجتماع بدراسة الظواهر الاجتماعية في ميدان العلاقات الاجتماعية من الداخل والخارج، ويتناول دراسة السلوكيات والظواهر والكيانات والعمليات الاجتماعية التي تنتمي لميدان الوجود الدينية، ويهدف إلى تحليل أبنيتها والقوانين التي تخضع لها، وليست مهمته اختراع ظواهر الاجتماع الديني أو اختلاقها، ولا الاستدلال على صحتها وخطئها؛ لأنه ليس علماً تجريبياً ومعيارياً، ولا علاقة له بالسجال الديني والمذهبي، بل هو أداة لدراسة ظاهرة قائمة.

و«علم الاجتماع الديني الشيعي» عند الدكتور المؤمن هو أداة معرفية لاكتشاف معالم الظاهرة الاجتماعية الدينية الشيعية، وكشفها وتوصيفها وتحليلها، وتهندس هيكليتها المعرفية والعملية، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ومقارنتها بالظواهر الأُخر المشابهة أو المتعارضة، ويسمي مجموع هذه الطواهر المتعاضدة: «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، باعتباره ظاهرة مركبة، دينية اجتماعية تاريخية إنسانية، تستند إلى قواعد تأسيسية نظرية، عقدية وفقهية وتاريخية، وتقف على بنى اجتماعية دينية، واجتماعية سياسية، واجتماعية ثقافية، واجتماعية معرفية. وتمثل القواعد النظرية الدينية والبنى الاجتماعية الناشئة عنها؛ المداخل العلمية الأساس الكاشفة عن معالم «النظام الاجتماعي الديني الشيعي». ولدراسة هذه الظاهرة الاجتماعية المركبة، لا بدّ من وجود أدوات منهجية معرفية تحتوي على أنساق وقوالب ومعادلات، تعمل على توصيف الظاهرة وتحليلها واكتشاف معالمها.

ونظرية الدكتور المؤمن لا تُعنى بدراسة التشيع كمذهب ديني عقدي فقهي، ولا يتناول السجال الديني المذهبي في أبعاده العقدية والفقهية أو السجال التاريخي العلمي، بل تعمل على مقاربة تأثيرات هذه السجالات إنسانياً واجتماعياً وتنظيمياً وثقافياً وسياسياً؛ فهي معنية بالمجتمع الإنساني الذي أفرزه التشيع في مرحلة غيبة الإمام المهدي، وليس في مرحلة حضور المعصوم، أي ليس بالتشيع فقهاً وعقيدة.

ولا يقصد الدكتور المؤمن بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي مفهوم المرجعية الدينية الشيعية، بل يقصد به ((النظام الجامع الذي تقف المرجعية الدينية على رأسه))؛ فالمرجعية تقود النظام ولا تتلخص فيه، في حين تشكل باقي المكونات أجهزة هذا النظام وقواعده البشرية.

كتابات علي المؤمن

06 Dec, 03:02


و"النظام الاجتماعي الديني الشيعي" عند الدكتور علي المؤمن هو مصطلح جامع يستوعب كل جوانب الكيانية الشيعية في بعديها النظري والعملي. وفي كتابه الذي بين أيدينا؛ يقارب حقيقة هذه الكيانية الاجتماعية الدينية الثقافية السياسية التي تعبر عن واقع الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ومسارهم التاريخي والجغرافي، بوصفهم أكبر جماعة بشرية منظّمة في العالم، وتنتمي إلى مدرسة إسلامية تتميز عن غيرها من المدارس الإسلامية المنتسبة إلى فقهاء مدرسة الخلفاء والصحابة في فهمها للدين الإسلامي وعقيدته وفروعه، هي مدرسة أئمة آل البيت حصراً، وكذلك تتميز في قراءتها للتاريخ الإسلامي، وفي نفيها لشرعية الأنظمة السياسية التي لا تستمد شرعيتها من أصل الإمامة المنصوص عليها.

وتتمثل دوافع الدكتور المؤمن لتأسيس علم الاجتماع الديني الشيعي، في حاجة «النظام الاجتماعي الديني الشيعي» إلى دراسة علمية معمقة، بوصفه أهم ظاهرة اجتماعية دينية سياسية في العالم على الإطلاق، خاصة مع عدم قدرة مناهج علم الاجتماع الديني الوضعي على دراسة الظاهرة الدينية الاجتماعية الشيعية دراسة موضوعية تكشف عن حقائق الظاهرة وبناها المركبة.

كتابات علي المؤمن

01 Dec, 17:12


👆

كتابات علي المؤمن

01 Dec, 17:12


👇

كتابات علي المؤمن

01 Dec, 17:12


دراسة "المستقبل الشيعي بعد السيستاني والخامنئي" كاملة، في (45) صفحة، بصيغة (PDF).

محتويات الدراسة

المستقبل الشيعي: استشرافه وصناعته 5

المفهوم الواقعي للمرجعية الدينية الشيعية 9

وحدة القرار الشيعي واحتمال ظهور مرجعية مطلقة 11
1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني 12
2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي 12
3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم 12
4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي 13

التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة 14
1- المرجعية العليا 15
2- مراجع الصف الأول 16
3- مراجع الصف الثاني 16

الرأي العام الحوزوي الذي يصنع المشهد المرجعي 17

المرجعية النجفية بعد آية الله السيستاني 20
1 ـ شحة الخيارات 22
2 ـ بروز الخطوط الخاصة داخل الحوزة 23
3 ـ تزامن المراحل الصعبة النجفية والقمية والطهرانية 23

الفقهاء المرشحون للمرجعية النجفية 24
1- الشيخ محمد باقر الإيرواني 24
2- الشيخ محمد هادي آل راضي 25
3- الشيخ حسن الجواهري 25
4- السيد علي الموسوي السبزواري 26
5- الشيخ محمد السند 26
6- السيد محمد رضا الحسيني السيستاني 27
7- السيد علي أكبر الحسيني الحائري 27

المرجعية وولاية الفقيه بعد آية الله الخامنئي 28

الفقهاء المرشحون للمرجعية القمية 31
1- السيد علي الحسيني المحقق الداماد 31
2- الشيخ علي كريمي الجهرمي 32
3- السيد محمد جواد العلوي البروجردي 32
4- السيد علي أصغر الحسيني الميلاني 33
5- السيد أحمد الموسوي المددي 33
6- الشيخ صادق الآملي اللاريجاني 33
7- الشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي 34

الولي الفقيه بعد آية الله الخامنئي 34
1- السيد هاشم الحسيني البوشهري 38
2- السيد محمد مهدي مير الباقري 38
3- الشيخ علي رضا الأعرافي 38
4- الشيخ صادق اللاريجاني 39
5- الشيخ محسن الأراكي (العراقي) 39

النتائج والخاتمة 39

الإحالات 43
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

01 Dec, 17:10


نصيحتي لنفسي:
إذا اختلفت مع أخيك أو صديقك أو شريكك أو أستاذك أو تلميذك أو زميلك أو مسؤولك أو جارك؛ فلا تُوسِّع رقعة الخلاف، حتى وإن كان الحق معك.

ولاتحوِّل الخلاف الى سبب للانتقام والتشهير، ولا تسمح لنفسك أن تحقد وتفجر حقدها. ولا تُطلع أحداً على خلافكما، ولا تدع أهل الشر والنفاق والنميمة يتدخلون بينكما.

ولا تنس أوقات المحبة والأنس والوفاق والتعاون والنصرة التي عشتماها معاً، وتذكر دائماً المواقف الجميلة بينكما؛ بل تذكره في أوقات دعائك وعبادتك ومناجاتك، واستغفر له وادع له.

فإن كان قد أخطأ بحقك؛ فلا تجعل من خطئه سبباً للحرب بينكما؛ بل اكظم غيضك؛ لأن الخطأ مهما كبر؛ فإنه لا يستحق أن يكون سبباً للقطيعة، وانهيار تاريخ علاقتكما.

وضع في حسبانك دائماً أن الوجوه تتقابل، والقلوب تتعانق مرة أخرى، وأن هناك خط رجعةٍ وجسر عودةٍ لا يزولان، مهما تصوّرت أن الخطأ أو الخلاف عميقان.

لا بد أن تعي أن ما يجمعكما أكبر بكثير مما يفرقكما، وأن ما تشتركان به أعمق بكثير مما تختلفان عليه، و أن أيام وئامكما أطول بكثير من ساعة غضبكما.

جد له الأعذار، واحمله على عشرات المحامل، و كن متسامحاً معه وعفوّا عنه، ومبادراً الى الصلح والصفاء وعودة الوئام والمحبة.

علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

01 Dec, 17:08


أما الذين يفرحون لحزن الشيعة ويحزنون لفرحهم؛ فلا صلة لهم بأهل البيت والتشيع، وهم منتشرون اليوم بيننا للأسف.

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


المرجعية وولاية الفقيه بعد آية الله الخامنئي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

ربما تكون مرحلة ما بعد السيد علي الخامنئي البالغ (85) عاماً من العمر (مواليد العام 1939)، مؤجلة على المستوى القريب، وفق المعايير الطبيعية، كونه يتمتع بصحة جيدة، فضلاً عن ثبات وضع الدولة الإيرانية واستقرار مجتمعها ونظامها السياسي. وقد تطول مرحلة بقاء السيد الخامنئي في موقع المرجعية الدينية والقيادة الرسمية لفترة لا تقل عن خمس سنوات. ولكن؛ وإن كانت هذه المرحلة مؤجلة مؤقتاً؛ فإنها ستكون صعبة على إيران وعموم الواقع الشيعي العالمي؛ بل لعلها على مستوى موقع القيادة الرسمي ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً من مرحلة ما بعد السيد السيستاني النجفية؛ لأنّ السيد الخامنئي يمثل المرجعية الدينية من جهة وقيادة الدولة من جهة أُخرى، وقد ظل الوهج المعنوي لمرجعيته الدينية ومساحة مقلديه، يضفي قوة إضافية على موقع القيادة الرسمي، ونفوذاً معنوياً خارج حدود إيران، وهو ما سيفقده القائد القادم فيما لو لم يكن مرجع تقليد فعلي.

ويبدو صعباً، عند تشوّف المشهد الإيراني، إيجاد شخصية واحدة تملأ الفراغين اللذين سيتركهما السيد الخامنئي على المدى المنظور؛ بالنظر لصعوبة الشروط التي ينبغي توافرها في المجتهد الذي يجمع الموقعين، الديني المتمثل بالمرجعية العليا، والرسمي المتمثل بولاية الفقيه العامة الحاكمة. ومن هذه الشروط، أن يكون المجتهد الذي ينبغي أن يشغل موقع القيادة الحاكمة، معتقداً بولاية الفقيه المطلقة نظرياً وعملياً، وأن يكون على دراية بشؤون الدولة وعملها، وكفؤاً في مجال إدارة النظام العام وتدبيره، وواعياً بتعقيدات السياسة، وخاصة السياسة الدولية، وهو ما يلخّصه الفقهاء بشرط «الكفاءة»، الذي يضاف إلى الشـرطين الأساسيين الآخرين «الفقاهة» و«العدالة». وهذه الشروط يصعب إيجادها في فقيه بعيد عن الدولة والنظام، ولم يسبق له أن شغل موقعاً رأسياً فيها. فالسيد علي الخامنئي ـ مثلاً ـ شغل موقع رئاسة الجمهورية لدورتين كاملتين، قبل أن يتسلم موقع الولي الفقيه الحاكم، كما كان عضواً في مجلس خبراء الدستور ثم مجلس خبراء القيادة، أي أنّه كان يعي وعياً ميدانياً دقيقاً بعمل الدولة ومتطلباتها التفصيلية.

وربما يوجد عدد غير قليل من مراجع الحوزة القمية ممن يُعدّ قريباً من الدولة وشغل مواقع رسمية فيها؛ كالشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد موسى الشبيري الزنجاني والشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ حسين النوري الهمداني والشيخ عبد الله الجوادي الآملي، وهم يمثلون اليوم أبرز مراجع الصفين الأول والثاني، وأغلبهم من تلاميذ الإمام الخميني، غير أنّ هؤلاء وغيرهم أكبر سناً من السيد الخامنئي، ومعدل أعمارهم (94) عاماً تقريباً، ويعاني أغلبهم من أمراض الشيخوخة الطبيعية.

لذلك؛ ينبغي هنا الحديث عن فقيهين يملآن الفراغ الذي سيتركه السيد الخامنئي، وليس فقيهاً واحداً، أحدهما للقيادة والآخر للمرجعية؛ ما يعني فصل الموقعين لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979 فصلاً مؤقتاً، كما كانت عليه حالة السيد الخامنئي في أول خمس سنوات من قيادته، أي قبل أن يتم طرح مرجعيته. وهذا يعني أن البحث سيتجه نحو فقهاء من خارج مواقع مرجعيات التقليد الحالية، ومن خارج الأسماء المعروفة المذكورة أعلاه؛ لأنّ موقع القيادة في دستور الجمهورية الإسلامية وفي الفقه لا يشترط أن يكون الولي الفقيه مرجعاً للتقليد؛ بل يكفي أن يكون مجتهداً.

ولا شك أنّ توافر الآليات المتعارفة والمقننة في إيران، على الصعيدين المرجعي والقيادي، سيسهل عملية الحسم، ويوصلها إلى النتيجة المطلوبة، وأهمها وجود جماعة مدرسي الحوزة التي ترشح مراجع التقليد، ومجلس خبراء القيادة الذي ينتخب الولي الفقيه الحاكم (قائد الدولة)؛ وإن لم تكن هذه الآليات مقبولة عند جميع المهتمين بالشأن المرجعي، وبينهم أصحاب الخطوط المرجعية الخاصة من خصوم الجمهورية الإسلامية.

المرجعية القمية بعد الخامنئي ومراجع الصف الأول

أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو أن يتم طرح أسماء مرجعيات الصفين الأول والثاني في حوزة قم؛ لتخلف مرجعية السيد الخامنئي، كما هو الحال مع النجف، وأبرزهم: الشيخ حسين الوحيد الخراساني البالغ من العمر (103) عاماً (مواليد العام 1921) والشيخ حسين النوري الهمداني البالغ (99) عاماً من عمره (مواليد 1925) ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي البالغ (97) عاماً (مواليد 1927)، والسيد موسى الشبيري الزنجاني البالغ (96) عاماً (مواليد 1928) والشيخ جعفر السبحاني البالغ (95) عاماً (مواليد 1929) والشيخ عبد الله الجوادي الآملي البالغ (90) عاماً (مواليد 1934)، وهم المعوّل عليهم في تزعم المرجعية العليا في إيران؛ لكن العامل الأساس الذي يلغي هذا المشهد برمته، هو أن جميع هؤلاء المراجع طاعنون في السن ويعانون من أمراض الشيخوخة أيضاً.

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


ولا يختلف الأمر عن المرجعيات الرديفة الأصغر سناً، كالشيخ محمد علي گرامي القمي البالغ (86) عاماً (مواليد 1938).

ومن خلال ذلك؛ يتبيّن أنّ السيد علي الخامنئي هو أصغرهم سناً، وأنه يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض الشيخوخة، وأنه ربما يرث أغلب مقلدي مراجع إيران، وكثير من مقلدي مراجع النجف في بلدان العالم. لذلك؛ فإنّ الواقعية هنا تستدعي الحديث عن مرحلة ما بعد آية الله الخامنئي ومرجعيات الصف الأول والصف الثاني، وليس مرحلة ما بعد السيد الخامنئي وحسب.

أمّا الخطوط المرجعية الخاصة، كالمرجعية الشيرازية، أو الشخصيات التي طرحت مرجعياتها خارج السياقات المتعارفة؛ فليس لها أية حظوظ في بلوغ المرجعية العليا أو مرجعيات الصف الأول في قم؛ لأنّ أعراف الحوزة القمية وسياقاتها لا تختلف كثيراً عن المعايير والسياقات النجفية، وتشمل هذه القاعدة علماء دين إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين معروفين في قم.

ويبدو أنّ الاحتمال الأقرب إلى التحقق في إيران، في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي ومراجع الصفين الأول والثاني الطاعنين في السن، هو الاحتمال المرجّح نفسه في النجف في مرحلة ما بعد السيستاني ومراجع الصف الأول؛ أي بروز فقهاء من أساتذة البحث الخارج المرموقين، ممن طرحوا أو لم يطرحوا أنفسهم مراجع تقليد حتى الآن، ومن المؤكد أنّ أغلبهم سينشر رسالته الفقهية العملية بعد رحيل مراجع الصفين الأول والثاني في قم، وأبرز هؤلاء: السيد علي المحقق الداماد، والشيخ علي كريمي الجهرمي، والسيد محمد جواد العلوي البروجردي، والسيد علي أصغر الميلاني، والسيد أحمد المددي، والشيخ صادق الآملي اللاريجاني، والشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي، ومعدل أعمارهم (75) سنة، وما يلي نبذة عن سيرهم:

1- السيد علي الحسيني المحقق الداماد:
ولد في مدينة قم في العام 1941 في أسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو المرجع الشيخ عبد الكريم الحائري الذي أعاد تأسيس الحوزة العلمية في قم، ووالده الفقيه المعروف السيد محمد المحقق الداماد. درس العلوم الدينية في حوزتي قم والنجف، وبعد بلوغه مرحلة البحث الخارج درس عند كبار فقهاء قم، كأبيه السيد محمد المحقق الداماد، والسيد محمد رضا الگلپايگاني، والميرزا الشيخ هاشم الآملي، وفي النجف الأشرف درس على السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ حسين الحلي. شغل بين العامين 1981 و1991 عضوية المجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية في قم، كما صبّ اهتمامه في الفترة نفسها على أسلمة وتدوين قوانين السلطة القضائية. وهو حالياً رئيس هيئة أمناء جامعة المفيد (أكبر جامعة دينية أكاديمية في قم).

2- الشيخ علي كريمي الجهرمي:
ولد في مدينة جهرم (من توابع شيراز) في العام ١٩٤٠، وهو صهر المرجع الديني الراحل الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني، أي أنّ زوجته هي حفيدة مرجع قم الأعلى الراحل السيد محمد رضا الگلپايگاني. بدأ دراسته الدينية في مدينتي جهرم وشيراز، ثم انتقل إلى قم ليدرس في حوزتها العلمية مرحلة السطوح ثم البحث الخارج، فحضر عند مراجع قم الكبار، كالميرزا الشيخ هاشم الآملي والإمام الخميني والشيخ محمد علي الآراكي والسيد محمد رضا الگلپايگاني. وبعد عشرين عاماً من تدريس مرحلة السطوح العالية، بدأ في العام 1992بتدريس البحث الخارج.

3- السيد محمد جواد العلوي البروجردي:
ولد في مدينة قم في العام 1952 في أُسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو مرجع قم الأعلى السيد حسين البروجردي، وأبوه الفقيه السید محمد حسین العلوي البروجردي. تدرج في الدراسة الدينية في حوزة قم حتى وصل إلى مرحلة البحث الخارج، فحضر عند الشيخ الوحید الخراساني والسید محمد الروحاني والشيخ عبد الله الجوادي الآملي. ثم بدأ البحث الخارج منذ العام 1991، وأعلن مرجعيته في العام 2018، رغم تحفظ جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم على ذلك.

4- السيد علي أصغر الحسيني الميلاني:
ولد في النجف الأشرف في العام 1947 في أُسرة علمية دينية إيرانية وعراقية عريقة، فجدّه هو المرجع الديني السيد محمد هادي الميلاني ووالده السيد نور الدين الميلاني من كبار علماء كربلاء. درس مرحلتي المقدمات والسطوح في الحوزة العلمية في كربلاء، ثم انتقل إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته في البحث الخارج، إلّا أنّ موجات التهجير التي شنها نظام البعث، ضد من أسماهم التبعية الإيرانية، طالته في العام 1970، فانتقل إلى مدينة مشهد وحضـر دروس البحث الخارج عند جده السيد محمد هادي الميلاني. ثم هاجر إلى مدينة قم، ومارس تدريس مرحلة السطوح إلى جانب حضوره دروس كبار فقهائها، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ حسين الوحيد الخراساني والسيد محمد الحسيني الروحاني والشيخ مرتضى الحائري. ثم بدأ بتدريس البحث الخارج في العام 1992.

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


5- السيد أحمد الموسوي المددي:
ولد في النجف الأشرف في العام 1953 في أسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو مرجع النجف الأعلى السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، وأبوه الفقيه السيد محمد المددي، أكمل دراسة السطوح العالية في النجف، ثم حضر بحوث الخارج عند السيد أبو القاسم الخوئي بدءاً من العام 1969. وحين أراد العودة إلى العراق بعد أدائه فريضة الحج في العام 1980، منعته سلطات البعث، فاضطر إلى الذهاب إلى إيران، واستقر في مدينة قم، وحضر لفترة وجيزة دورس السيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ مرتضى الحائري والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا الشيخ جواد التبريزي، وما لبث أن بدأ بإعطاء دروس البحث الخارج.

6- الشيخ صادق الآملي اللاريجاني:
ولد في النجف الأشرف في العام 1960 في أُسرة علمية دينية؛ فأبوه هو الشيخ المیرزا هاشم الآملي، أحد كبار مراجع النجف وقم، كما أنه صهر الشيخ حسين الوحید الخراساني، أحد كبار مراجع قم.. وبدأ دراسته الدينية في العام 1977 بعد تخرجه في الثانوية. وخلال سنوات قليلة أتمّ مرحلتي المقدمات والسطوح، وبدأ بحضور الدراسات العليا (البحث الخارج) على يد كبار فقهاء قم، أمثال: والده، والشيخ حسين الوحيد الخراساني. ثم بدأ بعد العام 1989 بتدريس البحث الخارج في الفقه وأُصوله. انتُخب عضواً في مجلس خبراء القيادة لدورتين الثالثة والرابعة، وعضواً في مجلس صيانة الدستور، ثم رئيساً للسلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفترة من 2009 إلى 2019، ثم رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام.

7- الشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي:
ولد في مدينة جهرم (من توابع محافظة شيراز) في العام 1953 في عائلة علمية دينية؛ فأبوه هو الفقيه المعروف الشيخ حسين شب زنده دار، وانتقل مع والده إلى قم، وفيها بدأ دراسته في حوزتها العلمية، وتدرج في المراحل العلمية حتى بلغ مرحلة البحث الخارج، فحضر دروس الشيخ مرتضى الحائري والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا الشيخ جواد التبريزي. ثم أخذ يقدم دروس البحث الخارج منذ العام 1985. وبعد بضع سنوات أصبح عضواً في مجلس إدارة الحوزة العلمية في قم، إضافة إلى عضوية مجلس صيانة الدستور منذ العام 2013.

وعلى خلاف حوزة النجف؛ فإن هناك ثلاث مؤسسات حوزوية رأسية في قم لها دور أساس في ترشيح المرجعية الجديدة، هي: جماعة مدرسي الحوزة العلمية، والمجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية، والمجلس الأعلى للحوزات العلمية في إيران، إلّا أنّ الدور المركزي يبقى لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، والتي تتألف من (56) مجتهداً، أغلبهم من كبار أساتذة البحث الخارج، وهي المؤسسة الشيعية الدينية الأكثر نفوداً، والتي تمثل ما يعرف حوزوياً بـ «أهل الخبرة»، أي أنّها بمثابة مجلس شورى حوزوي ينظم عمل أهل الخبرة وجماعات الضغط الداخلي. ومما يزيد من نفوذ هذه الجماعة أنّ أغلب أعضائها هم في الوقت نفسه أعضاء في مجلس إدارة حوزة قم ومجلس الحوزات العلمية في عموم إيران من جهة، ومجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور التابعين للدولة من جهة أُخرى؛ أي أنّهم مساهمة أساسية ومباشرة في تنظيم عملية حسم موقع المرجعية في قم ويسهلها؛ بل حسم موقع ولاية الفقيه في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي أيضاً.

الولي الفقيه بعد آية الله الخامنئي

عادةً ما يغلب الحديث في إيران وخارجها عن مستقبل منصب الولي الفقيه في إيران، والشخصية التي يمكن أن تملأ فراغ آية الله الخامنئي، على الحديث عن المرجعيات الدينية البديلة، وخاصة بعد تداول السيد الخامنئي هذا الموضوع في اجتماعه بمجلس الخبراء في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024؛ حيث شدد على أهمية أن يخرج المجلس بنتيجة عملية في هذا الشأن؛ للتحضير لاختيار الولي الفقيه الثالث في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وهذا لا يعني وجود طارئ معين أو حدث مستجد؛ بل هو استمرار لتأكيداته السابقة التي بدأها منذ العام 2016.

وتتزايد أهمية الحديث عن هذا الموضوع؛ بالنظر لما يشكله موقع الولي الفقيه من تأثير أساس على واقع إيران والشيعة والمنطقة برمتها، بل والعالم في بعض أوجهه، وخاصة أن آية الله الخامنئي يجمع بين موقع المرجع الدينية وموقع الولي الفقيه الرسمي، ويحظى بتقليد ما يقرب من 40% من المؤمنين الشيعة، من الجزائر وحتى إندونيسيا، وليس في إيران وحسب، وما يشكله ذلك من معادلة تأثير وتأثر ديني واجتماعي وثقافي وسياسي.

وخلافاً لموقع المرجعية الدينية الشيعية الذي يتم اختيار من يشغله وفق السياقات التقليدية المتعارفة في النجف وقم؛ فإنّ الولي الفقيه (القائد/ رئيس الدولة) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يختاره مجلسٌ رسمي من الفقهاء من أهل الخبرة، يُنتخب أعضاؤه انتخاباً شعبياً مباشراً كل ثمان سنوات، اسمه «مجلس خبراء القيادة»، وهي سلطة علمية سياسية خبروية مستقلة، تتألف من (88) مجتهداً، وتختص بانتخاب الولي الفقيه (قائد الدولة) ومراقبته وعزله، أي أن الولي الفقيه يتم انتخابه انتخاباً

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


شعبياً غير مباشر، أي عبر مجلس الخبراء المنتخب شعبياً.

وقد بدأ مجلس الخبراء منذ العام 2016، بالبحث بجدية في موضوع خلافة آية الله الخامنئي، بعد أن طلب منه السيد الخامنئي حينها من مجلس الخبراء خلال اجتماعه بهم حينها، أن يفكروا عملياً في اختيار القائد البديل، مرجحاً أن يكون المرشحون في حدود (10) شخصيات. وقرر المجلس تشكيل لجنة ثلاثية سرية لدراسة المرشحين المؤهلين، أي الذين تنطبق عليهم شروط الاجتهاد، والعدالة والتقوى، والكفاءة السياسية والإدارية، والحكمة والبصيرة، وهي الشروط التي فصّلها دستور الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن المرجِّحات غير المدونة، كالسيادة، أي انتسابه لذرية رسول الله، وأن يكون ملتزماً بنهج الإمام الخميني والإمام الخامنئي، وخاصة في مجال السياسة الخارجية.

وباشرت اللجنة الثلاثية بدراسة عشرات الملفات للمرشحين المحتملين، دون أن تكشف عن أي من النتائج التي تتوصل إليها، حتى لمجلس الخبراء نفسه، لأن قرار المجلس كان مبنياً على قاعدة السرية في عمل اللجنة، وأن يتم طرح المرشحين على مجلس الخبراء في حال وفاة آية الله الخامنئي أو استقالته أو عزله، وتترك اللجنة حينها للمجلس حرية تداول الأسماء ودراستها وانتخاب من يراه مناسباً للموقع. وحينها بدأت التكهنات والتوقعات بالظهور من مختلف الأوساط الداخلية والخارجية؛ فطُرحت أسماء معروفة ومشهود لها بالمستوى العلمي والعدالة والكفاءة والممارسة الإدارية والسياسية، كرئيس الجمهورية الأسبق الشيخ أكبر الرفسنجاني (ت 2016) ورئيس القضاء الأسبق السيد محمود الهاشمي (ت 2018) والفقيه والمفكر الأُصولي الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (ت 2020) ووزير الاطلاعات الأسبق الشيخ محمد ري شهري (ت 2022).

إلّا أن أكثر شخصيتين تم التركيز عليهما ـ فيما بعد ـ هما رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ صادق اللاريجاني ورئيس الجمهورية السابق السيد إبراهيم رئيسي. ثم أصبحت الأنظار تتجه ـ تحديداً ـ إلى السيد إبراهيم رئيسـي، وكان رأي اللجنة الثلاثية المذكورة بأن يأتي رئيسي خلفاً للسيد الخامنئي في موقع القيادة شبه محسوم. غير أنّ وفاته في العام 2024، أعادت فتح ملف البديل القيادي للسيد الخامنئي، وحينها طُرح اسم الشيخ صادق اللاريجاني مرة أخرى، فضلاً عن أسماء جديدة، بعضها معروف شعبياً وإعلامياً، والآخر لا يحظى بالشهرة نفسها؛ كالسيد حسن الخميني والسيد أحمد الخاتمي والسيد مجتبى الخامنئي والشيخ محسن الأراكي والشيخ علي رضا الأعرافي والسيد هاشم الحسيني البوشهري والسيد محمد مهدي مير الباقري وآخرين. غير أن تداول هذه الأسماء لم يصدر من اللجنة الثلاثية التي شكلها مجلس الخبراء، بل هو جزء من تكهنات المراقبين والمعنيين.

ويمكن القول إن عقبات أساسية تقف أمام بعض هذه الشخصيات، وخاصة السيد حسن الخميني، حفيد الإمام الخميني، بسبب عدم قبول ترشيحه سابقاً لمجلس الخبراء، ما يعني عدم تمتعه بشرط الاجتهاد، وكذلك السيد أحمد الخاتمي، إمام جمعة طهران المؤقت؛ بسبب عدم تمتعه بالمقبولية من كثير من التيارات السياسية الأساسية. أما السيد مجتبى الخامنئي، الابن الثاني لآية الله الخامنئي؛ فإنّ أباه رفض تداول اسمه وترشيحه، لأن ذلك يعني ـ كما أكد ـ توريث الحكم، فضلاً عن أنه لا يوافق أن يكون أولاده وأحفاده وأصهاره في مناصب حكومية ومواقع سياسية ومالية، رغم أن السيد مجتبى الخامنئي يتمتع بشرط الاجتهاد، وهو أحد أساتذة البحث الخارج (الدراسات العليا) في الحوزة. وربما كان تركيز الجماعات السياسية المعارِضة للجمهورية الإسلامية على اسم السيد مجتبى الخامنئي؛ بوصفه المرشح الأوفر حظاً، تقف وراءه تسريبات المؤسسات الإيرانية الرسمية المعنية؛ لصرف الأنظار عن المرشح الحقيقي.

وبالتالي؛ يمكن القول إن أسماء الشخصيات الخمسة التي تبقى في دائرة الاحتمالات، والتي يبلغ متوسط أعمارها (65) سنة، هي:

1- الشيخ صادق اللاريجاني:
سبق الحديث عن سيرته في فقرة سابقة.

2- الشيخ محسن الأراكي (العراقي):
ولد في النجف الأشرف في العام 1956، في عائلة علمية دينية؛ فوالده كان من كبار فقهاء النجف. بدأ الشيخ الأراكي دراسته في النجف الأشرف في العام 1968، وكان من أبرز أساتذته آية الله السيد محمد باقر الصدر. هاجر إلى إيران في العام 1976 بعد ملاحقته من سلطات البعث، بسبب تعاونه مع الحركة الإسلامية العراقية وانخراطه في حركة الإمام الخميني في الوقت نفسه. وفي قم استأنف دراسته العليا في حوزتها على يد كبار فقهائها، كالشيخ الوحيد الخراساني والسيد كاظم الحائري. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران انخرط في سلك القضاء، ثم ابتعثه آية الله الخامنئي الى بريطانيا وكيلاً عاماً عنه، وهناك أسس «المركز الإسلامي» و«جماعة علماء المسلمين في بريطانيا»، كما حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بورتسموث البريطانية في الفلسفة المقارنة.

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


وبعد عودته إلى إيران في العام 2004، تم تعيينه أميناً عاماً للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وعضواً في جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، وعضواً في المجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية في قم، كما انتخب عضواً في مجلس الخبراء، وهو اليوم أحد كبار الفقهاء في الحوزة ومن أساتذة البحث الخارج فيها.

3- الشيخ علي رضا الأعرافي:
ولد في العام 1959في مدينة ميبد (محافظة يزد) في عائلة علمية دينية؛ فقد كان والده فقيهاً معروفاً وصديقاً مقرباً من الإمام الخميني. بدأ دراسته الحوزوية في قم في العام 1970، واستمر منتظماً فيها حتى حصوله على درجة الاجتهاد، وكان من جملة أساتذته: السيد كاظم الحائري والشيخ الوحيد الخراساني والشيخ مرتضى الحائري. تسنم عدد من المناصب الإدارية الحوزوية منذ ثمانينات القرن الماضي، ثم أصبح رئيساً لـ«المركز العالمي للعلوم الإسلامية» ثم جامعة المصطفى العالمية حتى العام 2017. كما عمل عضواً في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وعضواً في جماعة مدرسي الحوزة العلمية، ورئيساً لمجلس إدارة الحوزات العلمية في إيران، وعضواً في مجلس صيانة الدستور، كما تم انتخابه عضواً في مجلس الخبراء في العام 2021، وهو اليوم أحد فقهاء قم البارزين.

4- السيد هاشم الحسيني البوشهري:
ولد في العام 1956 في بوشهر (جنوب إيران). التحق في مطلع شبابه بالحوزة العلمية في قم، وتدرج في الدراسة حتى حاز درجة الاجتهاد، وكان من أبرز أساتذته: الميرزا هاشم الآملي والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا جواد التبريزي. وإلى جانب تدريسه البحث الخارج (الدراسات العليا) في حوزة قم؛ فإنه شغل عدداً من المناصب الرأسية فيها، أهمها رئاسة مجلس إدارة الحوزة، ورئاسة جماعة مدرسي الحوزة، فضلاً عن كونه إمام الجمعة المؤقت في قم، كما انتخب عضواً في مجلس الخبراء، ثم النائب الأول لرئيس المجلس.

5- السيد محمد مهدي مير الباقري:
ولد في مدينة قم في العام 1961، ودرس في حوزتها العلمية في سن مبكرة، وكان من أبرز أساتذته في مرحلة الدراسات العليا: الميرزا جواد التبريزي والشيخ حسين الوحيد الخراساني والشيخ محمد تقي بهجت والشيخ جعفر السبحاني، ويعد اليوم من كبار فقهاء قم وأحد أساتذة البحث الخارج في حوزتها، إضافةً إلى كونه أحد أهم المفكرين الإسلاميين الناشطين في المجال البحثي والتنظيري وتجديد الفكر الإسلامي، ويشتهر بالخطب والحوارات الدينية الفكرية التي تمثل التيار الديني والسياسي الأصولي في إيران، وهو يميل إلى الأعمال العلمية والفكرية والتنظيرية أكثر من الأعمال الإدارية والسياسية والمناصب الحكومية، ولذلك لم يتسلم أي منصب إداري حوزوي أو منصب حكومي، باستثناء عضوية مجلس خبراء القيادة ورئاسة أكاديمية العلوم الإسلامية في قم.

وهناك إجماع لدى الرأي العام الحوزوي على اجتهاد هؤلاء الخمسة وفقاهتهم واستقامتهم واعتدال مواقفهم العلمية والحوزوية والاجتماعية والسياسية. ورغم ذلك؛ فإن هناك من يُضعف من حظوظ كل واحد منهم؛ فالشيخ صادق اللاريجاني أخفق في الفوز في انتخابات مجلس الخبراء التي جرت في العام 2023، أما الشيخ محسن العراقي فأصوله عراقية، في حين أن الشيخ علي رضا الأعرافي ليس لديهم خبرة في إدارة الدولة؛ فضلاً عن كون هؤلاء الثلاثة (اللاريجاني والعراقي والأعرافي) ليسوا من السادة (ذرية رسول الله)، وهو معيار شكلي ترجيحي، يميل إليه عموم الشيعة غالباً، سواء في العراق أو إيران أو البلدان الأخرى. كما يرد إشكال عدم امتلاك الخبرة في إدارة الدولة على السيد هاشم الحسيني البوشهري والسيد محمد مهدي مير الباقري، باستثناء عضويتهما في مجلس الخبراء؛ إذ تتلخص خبراتهما الإدارية في المجالات العلمية والحوزوية. ولعل من الطبيعي أن ترد هكذا ملاحظات وغيرها على جميع من يتصدى لموقع المرجعية والقيادة.

ويُعتقد أن انتخاب الولي الفقيه القادم سيتم بسلاسة، ودون حدوث إشكالات أمنية وسياسية؛ بالنظر لاستحكام المنظومة المؤسساتية للدولة، بما في ذلك المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية، وقدرتها على تجاوز الحدث، ومنع حدوث أي خلل في حركة النظام، ووضوح عمل السلطة الدستورية المعنية بانتخاب الولي الفقيه الجديد، فضلاً عما سرّبه خلال نيسان/ إبريل 2024 عضو مجلس الخبراء السيد محمد علي الجزائري بأن الولي الفقيه القادم قد تم تحديده من قبل مجلس الخبراء، لكن اسمه سيبقى قيد السرية؛ تبعاً لقرار المجلس؛ للحيلولة دون تعرضة للخطر؛ ما يعني تصفير احتمالات بروز خلافات بين المجتهدين الـ (88) حول شخصية الوالي الفقيه الجديد.

كتابات علي المؤمن

28 Nov, 02:39


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
(1) لم يكن السيد علي الخامنئي مرجعاً دينياً حين انتخب لمنصب القائد، ولكن بعد وفاة المرجع الأعلى السيد محمد رضا الموسوي الگلبايگاني في العام 1993 ثم المرجع الشيخ محمد علي الأراكي في العام 1994؛ حين طرحت الأوساط العلمية الدينية في إيران، وخاصة جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم وجماعة علماء طهران، مرجعية السيد الخامنئي، والتي تحولت خلال عشر سنوات إلى إحدى المرجعيتين الشيعيتين الأعليين على مستوى العام.

(2) «دستور الجمهورية الإسلامية في إيران»، المادتان 107ـ 108. أنظر: د. علي المؤمن، «القانون الدستوري والنظام السياسي في إيران»، ص 167 -175.

(3) المصدر السابق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

22 Nov, 09:15


وحدة القرار الشيعي
واحتمال ظهور مرجعية مطلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

لا شك أن الحديث عن مستقبل المرجعية الدينية الشيعية العليا، من الأمور التي ظلت تشغل الساحة الشيعية بعد العام 2010، وخاصة بعد تعرض المرجعين الأعليين السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي إلى أكثر من وعكة صحية. ويتركز الحديث غالباً عن المرجع أو المراجع الذين سيأخذون مكانيهما، أو بالأحرى المرجع الشيعي المطلق الذي سيقود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ويتزعم الحوزة العلمية، وهو احتمال يبقى ضعيفاً، بناء على معطيات الحاضر، لأن مرحلة ما بعد السيستاني والخامنئي لا تُنبئ بظهور مرجع واحد مطلق، يسد فراغهما، فضلاً عن أن يكون شبيهاً ببعض المراجع المعاصرين الراحلين الذي تفردوا بزعامة الطائفة الشيعية زعامةً مطلقةً، وبتقليد أغلبية الشيعة دون وجود منافس أو شريك له في مساحات التقليد والزعامة الدينية، سواء في البلد الذي يقيم فيه أو في البلدان الأُخرى، وتحديداً المراجع الأربعة: السيد أبي الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، الذين لم تتوافر فرصة المرجعية المطلقة خلال القرن العشـرين الميلادي إلّا لهم، من بين عشرات مراجع الدين والفقهاء البارزين.

وما يلي نبذة عن هؤلاء الأربعة؛ بهدف تكوين صورة واضحة عن مفهوم المرجعية المطلقة:

1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني: تزعم الشيعة من مقره في النجف الأشرف بعد وفاة المرجع الأعلى الشيخ فتح الله الإصفهاني (شيخ الشـريعة) في العام 1935، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في النجف الأشرف في العام 1936، ثم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم في العام نفسه. وقد استمر الإصفهاني زعيماً مطلقاً للشيعة مدة عشـر سنين، أي حتى وفاته في العام 1946.

2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي: تزعم الشيعة وهو في قم، بعد وفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني في النجف الأشرف في العام 1946، وبقي زعيماً مطلقاً للطائفة مدة أحد عشر عاماً، أي حتى تبلور زعامة السيد محسن الحكيم في النجف في العام 1958. وبقي المرجعان (البروجردي والحكيم) شريكان في زعامة الشيعة وموقع المرجعية العليا لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أي حتى وفاة السيد البروجردي في العام 1961؛ إذ ثنيت الوسادة بعد ذلك إلى السيد محسن الحكيم.

3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم: تفرد بزعامة الشيعة والمرجعية العليا في النجف الأشرف بعد وفاة السيد حسين البروجردي في قم في العام 1961، بعد أن كان السيد الحكيم يشارك السيد البروجردي الزعامة الدينية. وبقي السيد الحكيم زعيماً مطلقاً للطائفة لمدة تسع سنوات، أي حتى وفاته في العام 1970.

4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: تقاسم زعامة الطائفة الشيعية مع السيد محمود الحسيني الشاهرودي بعد وفاة السيد محسن الحكيم في العام 1970، ثم تفرد بها بعد وفاة السيد الشاهرودي في العام 1974. واستمرت زعامته المطلقة في النجف الأشرف أقل من خمس سنوات، أي حتى تبلور المرجعية الكبيرة للسيد روح الله الخميني بعد العام 1979 في قم، بل في أنحاء إيران؛ الأمر الذي أدى إلى تناصف السيد الخوئي والإمام الخميني المرجعية الدينية العليا للشيعة لمدة عشر سنوات. وبعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989، برزت المرجعية الكبيرة للسيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم لتتناصف المرجعية العليا مع السيد الخوئي، واستمر الوضع هذا حتى وفاة السيد الخوئي في العام 1992.

أي أن مجموع الفترة التي كان فيها للشيعة مرجع مطلق خلال القرن الميلادي العشـرين تبلغ (35) عاماً فقط، وهي الفترة التي تزعّم فيها هؤلاء الأربعة الواحد تلو الآخر الطائفة الشيعية. بينما كان هناك مرجعان أو ثلاثة يشتركون في الوقت نفسه في مساحات التقليد والزعامة، خلال فترة الأعوام الـ (65) الأُخر. وقد كانت مرجعية السيد الخوئي آخر مرجعية شيعية عالمية مطلقة، أي حتى العام 1979؛ إذ لم يتفرد بعد هذا التاريخ أي مرجع ديني بالزعامة الدينية للشيعة في العالم؛ إذ برز بعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989 ثم السيد الخوئي في العام 1992، عدد من المرجعيات الكبرى في قم والنجف، وتحديداً السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري في النجف الأشرف، ثم بعد وفاتهما برزت مرجعيتا السيد علي الحسيني السيستاني في النجف الأشرف والسيد علي الحسيني الخامنئي في طهران، واللتان تتقاسمان (حتى الآن) الزعامة الدينية للشيعة في العالم.

وسبق أن حصل هذا التناصف أو التقاسم في المرجعية العليا خلال مراحل أُخر من القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين؛ فبعد وفاة المرجع المطلق السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء العام 1889؛ توزعت المرجعية العليا بين أكثر من مرجع، ثم تبلورت في بداية القرن العشرين بين مرجعيتين عالميتين متشاركتين في النجف الأشرف، هما مرجعية الشيخ

كتابات علي المؤمن

22 Nov, 09:15


الآخوند محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي. وبعد وفاة الشيخ الخراساني في العام 1908 لم يتفرد السيد اليزدي بالمرجعية العليا؛ إذ برز الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي مشاركاً معه. وبعد وفاة المرجعين خلال سنة تقريباً، برز الشيخ فتح الله الإصفهاني مرجعاً أعلى في النجف الأشرف، ولكن كان ينافسه مراجع آخرون. وبقي الحال على ما هو عليه حتى تفرد السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني بزعامة الطائفة في العام 1936؛ فكان أول مرجع ديني يتفرد بزعامة شيعة العالم منذ وفاة السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في العام 1889، والذي كان آخر سيد للطائفة في القرن التاسع عشر الميلادي، أي بعد مدة (47) عاماً، لم تجمع خلالها الشيعة على زعيم واحد.

والحديث عن المرجعيات المطلقة ليس حديثاً عن ظاهرة فكرية أو نهضوية، وليس مقارنة بين إنجازات المراجع أو زعاماتهم النهضوية والسياسية وحجم تضحياتهم، ولا عن قومياتهم وجنسياتهم أو عن العلاقة بين حوزتي النجف وقم؛ بل عن حلقة تاريخية معاصرة من حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، اكتسحت خلالها المرجعيات الشيعية الأربع المذكورة ساحات التقليد والنفوذ الديني في عموم العالم، ولا سيما الساحات الشيعية الكبرى، والتي تشمل بلداناً ذات كثافة سكانية شيعية كبيرة، كالهند وباكستان وإيران، والتي تضم لوحدها (200) مليون شيعي تقريباً، إضافة إلى العراق وتركيا ولبنان والخليج وروسيا وآذربيجان وباقي دول التواجد الشيعي؛ لتكون هذه الحلقة أُنموذجاً لفهم طبيعة التفرد والتعددية في المرجعية العليا.

ولا يعني تفرد السيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي بالمرجعية العليا في فترات زمنية محددة من القرن العشرين الميلادي، عدم وجود مراجع دين كبار آخرين معاصرين لهم، يقلدهم عشرات ملايين الشيعة في العالم؛ لكن هذه المرجعيات الرديفة لم تتفرد بالزعامة الدينية للطائفة على مستوى العالم. وهناك من المؤرخين من يرى أنّ بعض هذه المرجعيات الرديفة تفردت في وقتها بزعامة الطائفة، كالشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والشيخ عبد الكريم الحائري، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد محمود الشاهرودي، والإمام الخميني. وكما ذكرنا؛ فإنّ عدم التفرد بالزعامة الدينية الشيعية لا علاقة له بأعلمية المرجع وجهاده وتضحيته ودوره النهضوي وكفاءته القيادية ووعيه وحركيته. فالإمام الخميني ـ مثلاً ـ رغم أنّه الزعيم المطلق للنهضة الشيعية الإسلامية المعاصرة، ومؤسس العصر التاريخي السادس من عصور الشيعة الستة؛ لكنه لم يتفرد بالزعامة الدينية المحضة؛ بمعني أنّه لم يتفرد بساحات التقليد في كل العالم؛ بل كان يتناصفها في الأعوام 1979 إلى 1989 مع السيد الخوئي، إلى جانب مراجع كبار آخرين كالسيد الگلپايگاني، الذي كان حينها بمثابة زعيم الحوزة العلمية القمّية.

ولعل وحدة القرار المرجعي القوي الذي يؤدي ـ عادة ـ الى وحدة قرار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وقدرته على مواصلة عملية النهوض، هي في مقدمة القضايا التي يبقى النظام بحاجة إليها في حاضره ومستقبله. فالضرورات العقلائية المرتبطة بالشأن التدبيري والإداري والقيادي، تقود الى أهمية أن يكون للمجتمع الشيعي في الجانب الزمني الدنيوي، أي الشأن العام، زعيماً واحداً أو مديراً مدبراً كفأً واحداً، وهي غير القضايا العلمية والفقهية الكثيرة المختلف عليها وفيها، ويتم تناولها بحرية كاملة وانفتاح، ويكون التقدم والتفوق فيها للرأي الأرجح عادة، وهذا هو سبب حيوية الفقه الشيعي، وفيه يمارس جميع الفقهاء والمراجع أعمالهم العلمية والدينية والاجتماعية الى جانب المرجع الأعلى المتصدي بمطلق الحرية. أما وحدة النظام الاجتماعي الديني الشيعي وعالميته وتماسكه؛ فإنها تتطلب أن يكون هناك فقيه واحد يدير النظام أو فقيهين في مكانين مختلفين حداً أعلى، لا أن يكون لمائة فقيه الصلاحيات نفسها في الشأن العام في زمن واحد ومساحة حركة واحدة.

وهذه القضية التنظيمية التدبيرية الإنسانية العقلائية لا يحتاج إثباتها الى عناء، فضلاً عن عدم تعارضها مع الأصول الشرعية، وهو ما تعارفت الحوزة العلمية على تسميته بالمرجعية المطلقة، أي المرجعية الواحدة المتفردة في قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو مفهوم عرفي لا يوجد له مصاديق في الواقع الشيعي دائماً، إنما تمر بعض الفترات التي تكون فيها ثنائية مرجعية قيادية، كما هو الحال منذ نهايات العقد العاشر من القرن الماضي وحتى الآن، بوجود المرجعيتين الأكبر اللتين تتشاركان قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، والمتمثلتين بمرجعيتي آية الله السيد علي السيستاني و آية الله السيد علي الخامنئي.

التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة

كتابات علي المؤمن

22 Nov, 09:15


يعتمد تصنيف مصاديق المرجعية الدينية الشيعية، كونها مطلقة أو عليا أو أولى أو ثانية، على المعايير والسياقات المتعارفة داخل الحوزة العلمية، وهي معايير توصيفية واقعية وليست مفهومية أو نظرية، أي أنها تستند إلى ما هو كائن، وليس إلى ما ينبغي أن يكون. وأهمها حجم المرجعية ومساحة نفوذها الدیني وتأثيرها، ونسبة مقلديها، ليس في العراق أو إيران وحسب، وإنما في كل العالم، إضافة إلى ما يستقر عليه الرأي العام الحوزوي الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط.

أمّا الأعلمية والعدالة؛ فهما شرطان للمرجعية وليسا معيارين لقياس نفوذها الديني ومساحة مقلديها، وهكذا الأمر بالنسبة للمعايير الترجيحية، كالأصلحية والأكفئية والتصدّي للشأن العام، والبعد النهضوي والإصلاحي والتضحوي في شخصية المرجع. وإحراز هذه الشروط، سواء الأساسية أو الترجيحية، هو نسبي ولا يمكن الإجماع عليه، بسبب عدم وجود مقاييس مؤسَّسية متفق عليها، بالرغم من الأهمية البالغة لهذه الشروط، بل لعل بعضها يمثل شرطاً يساوق مفهوم الزعامة الدينية الاجتماعية، ولكنه يبقى شرطاً غير متفق عليه ولا يدخل ضمن السياقات المتعارفة في الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية.

وبالتالي؛ فإنّ تصنيف المرجعيات لا علاقة له بالاشتراطات الطموحة ذات المداليل الواسعة جداً، والتي لا مدخلية حقيقية لها في تحديد أحجام المرجعيات وتصنيفها؛ إنما يستند التصنيف إلى معايير واقعية كما ذكرنا. ووفقها يتم تصنيف واحدة من المرجعيات بأنها مطلقة، أي تتفرد في زعامة الطائفة الشيعية في العالم، وبعضها مرجعية عليا، أي تتفرد نسبياً أو تتناصف النفوذ مع مرجعية عليا أُخرى، وأخرى مرجعية من الصف الأول، وهي التي تلي المرجعية العليا من حيث النفوذ وعدد المقلدين، ولا تقتصر على مرجع واحد، بل عدد من المراجع، وهكذا بالنسبة لمراجع الصف الثاني. وهذه التصنيفات لا تمثل رتباً وظيفية ولا مقولات فقهية أو علمية، ولا تصدر عن مؤسسة رسمية، ولكنها ــ في الوقت نفسه ــ ليست وهمية ولا خيالية، إنما هي تصنيفات عرفية تدبيرية تصف واقعاً قائماً على الأرض.

وعلى مستوى الواقع؛ يمكن القول إنّ المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الديني والتقليد منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن، هما: مدرستي المرجعين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والسيد روح الله الموسوي الخميني، وهما الزعيمان اللذان اقتسما المرجعية العليا للشيعة بين العامين 1979 و1989، أي حتى وفاة الإمام الخميني، ولا يزالان يقتسمانها في تلاميذهما وتلاميذ تلاميذهما. وتعود جذور مدرسة السيد الخوئي إلى مدرسة الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، والموصولة بمدرسة الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني في النجف، وهي المدرسة التي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيل زعيم الطائفة السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي. بينما ينتمي الإمام الخميني إلى مدرسة الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية المعاصرة في قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني، وهي المدرسة التي تعود جذورها أيضاً إلى مدرسة الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني في النجف الأشرف.

وبالنظر لعدم وجود مرجعية شيعية مطلقة منذ العام 1979؛ فإن المرجعيات الحالية (حتى نهاية العام 2024) تصنّف إلى ثلاثة أصناف:

1- المرجعية العليا:
المرجعية العليا منذ أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي تتمثل في مرجعين، هما السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان يتقاسمان الزعامة الدينية للطائفة الشيعية في العالم. والحديث هنا عن الزعامة الدينية ومساحات التقليد وليس القيادة. ويمكن القول إنّ 80% من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسورية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان إفريقية وأُوروبا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20% الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنّهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشيعين الجدد، ولا سيما في شرق آسيا وإفريقية وأُوروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة. مع التأكيد على أنّ الأرقام المذكورة المتعلقة بنسب التقليد ليست عشوائية؛ بل هي نتيجة متابعة واستقراء مستمرين للمجتمعات الشيعية منذ ما يقرب من ربع قرن، فضلاً عن الاستعانة بالمؤسسات البحثية والتبليغية ذات العلاقة.

كتابات علي المؤمن

22 Nov, 09:15


2- مراجع الصف الأول:
يبلغ عدد مراجع الصف الأول في النجف وقم، ستة مراجع، هم: الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو أفغانستاني يقيم في النجف، والشيخ بشير حسين النجفي، باكستاني يقيم في النجف، والشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، والثلاثة يمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وكلاهما إيرانيان يقيمان في قم ويمثلان امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم، والشيخ حسين النوري الهمداني، وهو إيراني يقيم في قم ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

3- مراجع الصف الثاني:
يبلغ عدد مراجع الصف الثاني في النجف وقم، ستة مراجع أيضاً، هم: الشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ عبد الله الجوادي الآملي والشيخ محمد علي گرامي القمي، والثلاثة إيرانيون يقيمون في قم ويمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم، والسيد صادق الحسيني الشيرازي، وهو عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم ويمثل مدرسة السيد محمد الشيرازي وحوزة كربلاء، والسيد علاء الدين الموسوي الغريفي، وهو عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة السيد محمد الصدر وحوزة النجف.

وفضلاً عن رجوع الشيعة إلى مراجع الدين الأحياء الأربعة عشـر المذكورين: المرجعين الأعليين ومراجع الصف الأول الستة ومراجع الصف الثاني الستة؛ فإنّ هناك من الشيعة من لا يزال ـ بناءً على فتوی أحد المراجع الأحياء ـ باقياً على تقليد المراجع المتوفين، وخاصة الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والسيد محمد الصدر والسيد محمد رضا الگلپایگاني والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد باقر الصدر. ولعل الأخير هو أقدم مرجع ديني متوفي لا يزال لديه مقلدون.

وفي ما يتعلق بالتصنيف المذكور؛ أود أن أشير ــ مرة أُخرى ــ إلى أن منهجي البحثي هو وصفي تحليلي، ككل دراسات علم الاجتماع الديني؛ فأنا أصف المشهد الشيعي والحوزوي كما هو، وأحلله وأدرسه وفق فهمي الموضوعي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي وسياقات الحوزة العلمية، وتوجهات الرأي العام الحوزوي، وخاصة في النجف وقم، أي أن التصنيف المذكور لا يمثل رأيي ورغبتي وصناعتي، بل هو ما يكشف عنه الواقع. وبالتالي؛ فإن عدم ذكري لأسماء علماء دين معروفين، إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين وبحرانيين، ضمن التصنيف المذكور، هو ليس تجاهلاً مني؛ بل لأنّ سياقات الحوزتين النجفية والقمية وتوجهات الرأي العام الحوزوي، تجعلهم خارج معايير التصنيف. ويعزز ذلك المزاج العام للشارع الشيعي المتدين، والذي يميل ـ غالباً ـ تقليدي إلى الالتزام بالرأي العام الحوزوي التقليدي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

18 Nov, 17:12


المستقبل الشيعي:
استشرافه وصناعته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

ينطوي موضوع مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي(1) على ثلاثة محاور رئيسة:

1- دراسة واقع النظام الاجتماعي الديني الشيعي وعناصره ومكوناته العامة والخاصة، ومراجعة أدائه وتقويم مساراته، والعودة الى مبادئ مؤسسي النظام وقياداته، وثوابتهم وسلوكياتهم، والأهداف التي وضعوها لحراكاتهم، وخاصة المنظومات والكيانات والتنظيمات والمؤسسات التي يتمظهر فيها النهوض الشيعي الشامل، دون الاستغراق في الانشغالات الحكومية والسياسية والدفاعية، أو التوقف عند الإنجازات والنجاحات، التي تتسبب في غفلة أو تغافل عن أغلب السلبيات والأخطاء التي تكبر تدريجياً، ثم تتدحرج ككرة الثلج، لتطيح بالكثير من الإنجازات. وستكون مخرجات هذه الإجراءات وأشكالها ومضامينها، بمثابة معطيات الحاضر التي تنطلق منها عملية استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وصناعته.

2- استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتشوّف آفاقه، والوقوف على سيناريوهات هذا المستقبل كما ترسمها معطيات الحاضر، في إطار المنهجيات العملية التي وضعتها الدراسات المستقبلية (Future Studies) الحديثة أو ما يعرف بالمستقبلية (Futurism) وعلم المستقبليات (Futurology). ثم التخطيط لمستقبل النظام واستمرار صعوده ونهوضه، على مديات مختلفة، قصيرة ومتوسطة وبعيدة، وطرح البدائل المناسبة، وفق رؤية استراتيجية، تهدف الى صناعة هذا المستقبل(2)، وليس مجرد عملية استشراف وانسياق مع الأحداث الداخلية التي ستكتنفه، والخارجية التي ستحيط به.

3- استشراف مستقبل الدوائر المتداخلة مع النظام الاجتماعي الشيعي؛ لأن الشيعة ليسوا كانتونات مستقلة عن بلدانهم ومجتمعاتهم العامة وأمتهم المسلمة، ولا يمكنهم تجاوز القوانين المحلية والدولية وتشكيل جزيرة أو جزر منعزلة عن العالم؛ بل هم جزء من بلدانهم، ومكون وطني أساس، ويتفاعلون تلقائياً مع نظمها السياسية والقانونية والاجتماعية، ويتحملون مسؤولية الشراكة الوطنية مع المكونات الأخرى، المسلمة وغير المسلمة، وكذلك هم مكون ديني إسلامي، وجزء من أمتهم الإسلامية، ويتحملون مسؤولية الشراكة الدينية مع المجتمعات السنية في البلد الواحد، والشراكة الدينية مع كل مسلمي العالم؛ لأن الغاية من صناعة المستقبل الشيعي هي أن يكون الشيعة شريكاً أساساً فاعلاً إيجابياً(3)، في بناء دولهم المستقلة المتطورة والضامنة لحقوق وحريات الجميع، وفي قرارها السياسي والديني، وفي صياغة قوانينها ومساراتها الداخلية والخارجية، وكذلك مساهمين أساسيين في إعادة بناء الأمة الإسلامية وقرارها ومساراتها ومصيرها.

وبالتالي؛ فإن هناك خمس دوائر متداخلة في عملية الاستشراف والتخطيط والصناعة، ولن ينجح أي منها في تحقيق هدف صناعة مستقبل شيعي وطني أو مستقبل شيعي عام أو مستقبل وطني لكل بلد أو مستقبل إسلامي عام، بمعزل عن الدوائر الأُخر:

أ‌- دائرة المجتمع الشيعي في البلد الواحد، وهي الدائرة الشيعية الوطنية.

ب‌- دائرة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهي دائرة عامة تشمل جميع الشيعة في كل أنحاء العالم، كما تشمل جميع عناصر هذا النظام ومكوناته، وهي الدائرة العالمية الشيعية.

ت‌- دائرة البلدان التي يسكن فيها الشيعة، وهي الدائرة الوطنية.

ث‌- دائرة المجتمع الإسلامي في كل بلد يعيش فيه الشيعة، وهي الدائرة الاجتماعية الإسلامية الوطنية.

ج‌- دائرة الأمة الإسلامية التي تشمل جميع البلدان المسلمة إضافة إلى المسلمين في البلدان الأخرى، وهي الدائرة الإسلامية العالمية العامة.

وعلى مستوى الدائرة الشيعية العامة، موضوع بحثنا؛ فقد ظلت مظاهر صعود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ونهوضه الشامل ونهوض مكوناته وتحديث سياقاته؛ تسير بوتيرة واحدة غالباً منذ العام 1979، وتحوّلت من مرحلة التدافع والصراع على بقاء المشروع الجديد في وجه التحديات الوجودية الكبيرة في العقدين التاسع والعاشر من القرن الماضي، إلى مرحلة الاندفاع والصعود المصطرد منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رغم أن بعض محاور الصعود لا تزال متلكأة، كما هو الحال في آذربيجان والبحرين وشرق السعودية وباكستان، بسبب شدة القمع والحركات المضادة. وهذا النهوض يشتمل على محاور جغرافية وموضوعية ومؤسساتية، كما يحدث في إيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا، إضافة إلى أفغانستان والهند وسورية وكثير من الدول الخليجية والعربية، وكذلك في أوروبـا وأمريكا في البعد الجغرافي، والمؤسسية، ويقصد به المؤسسات الحوزة العلمية والمرجعية والأحزاب السياسية وحركات المقاومة، والموضوعية ويشمل مجالات الحكم والسياسة والدفاع والتشريع والمعيشة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والتجديد الفكري والفقهي.

كتابات علي المؤمن

18 Nov, 17:12


وبما أن عملية الإصلاح والتجديد والمأسسة والتطوير والتخطيط والتنمية الاستراتيجية هي عملية تخصصية، لأنها تستهدف موضوعات ومجالات ومؤسسات تخصصية؛ فإنّ هذا العملية ينبغي أن تتم على إيدي المتخصصين من داخل المؤسسات أنفسها. فلو أخذنا ـ مثلاً ـ منظومة المرجعية الدينية ومؤسستها العلمية الدينية؛ فإن من الطبيعي أن تكون عملية تجديد بناها وإعادة مأسستها والتخطيط لمستقبلها، من داخل المؤسسة وليس من خارجها، أي أنها ليست مهمة المثقف أو الأكاديمي الشيعي، الذي يعطي لبعضهم الحق في التنظير لثوابت المرجعية الدينية والتخطيط لإصلاحها. نعم؛ من الطبيعي أن تستمع الى أصحاب الاختصاصات في النظم والقانون الدستوري والقانون الدولي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والإدارة والاقتصاد والمال، وتستشيرهم في عملية التجديد والتخطيط، لأنّ المؤسسة الدينية الشيعية ليست مؤسسة فتوي، إنّما هي زعامة النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يرعى شؤون الشيعة في ما يقرب من (120) دولة من دول العالم. ولهؤلاء الشيعة مجتمعات كبيرة، ومؤسسات ومساجد وحقوق شرعية ومشاكل مع السلطات، وعلاقات داخلية وخارجية، إشكاليات سياسية وثقافية وقانونية، ويقع الإشراف على حلها على عاتق المرجعية الدينية الشيعة.

ومن البديهي أن تكون عملية التطوير وإعادة المأسسة والتخطيط منسجمة مع متطلبات الزمان والمكان وحاجات العصر، وكذلك مع طبيعة صلاحيات المرجعية وطبيعة مسؤوليات النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ فلو كانت صلاحيات وواجبات المرجع الأعلى الذي يقف على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ تتلّخص في الفتوى فقط؛ فلن تكون هناك حاجة إلى عملية إصلاح معقّدة، أي أن التجديد سينحصر في إطار الفكر الفقهي والفكر الأصولي وعلوم القرآن والحديث، باعتبار أن القضية قضية اجتهاد وفتوى وحكم شرعي لا اكثر، ولكن المرجع الديني ليس مفتياً وحسب، ولا تنحصر مهمته بالإفتاء، وإنّما بزعامة المجتمع الشيعي برُمّته.

وقد أشرت في كتاب «الاجتماع الديني الشيعي»(4) إلى موضوع إيجاد مؤسسة من المجتهدين، يمثلون أهل الخبرة، ويكونون بمثابة مؤسسة استشارية لاختيار مراجع التقليد، كما تختار المرجع الأعلى المتصدي من بين المراجع المطروحين، وتعرِّفهم لجمهور الشيعة، كما تتحمل مسؤولية الاستشارة في كل الشؤون التي لها علاقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي. ويكون هناك مجلس آخر من كل الاختصاصات العلمية والشرائح الاجتماعية، كالخبراء في السياسة والعلاقات الدولية والإدارة الاقتصاد وعلم الاجتماع والقانون والأنتروبولوجيا، لتقديم المشورة الى المرجعية الدينية ومكتبها مؤسساتها بشأن الموضوعات والقضايا والمصالح المتعلقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي، لأن قضايا بحجم رعاية (400) مليون إنسان، بحاجة إلى عقول تنظيمية وإدارية، تعمل بحذر ودقة بإشراف المرجع وتوجيهه، لكي لا تصطدم بأصل تشريعي أو تكييف فقهي أو مصلحة عامة، لأنّ التخطيط وإعادة البناء ليست عملية اعتباطية أو مزاجية، أو فكرة ناجزة أو مقترح جاهز. وهذا اللون المنهجي والعلمي من الاستعانة بالمستشارين والخبراء، سيريح المرجع الأعلى، وسيزيل عن كاهله وكاهل مكتبه وفريقه المقرّب حملاً ثقيلاً، وسيجعل عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها سهلة من قبل المرجع، وأكثر مقاربة للمصلحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) حول النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتعريفه وعناصره وهيكله، أنظر: د. علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي»، ط 1، ص 15-30.

(2) حول الدراسات المستقبلية ومناهج الاستشراف المستقبلي الحديثة، أنظر: علي المؤمن، «الفکر الإسلامي المسقبلي: مقاربات فی المنهجیة».

(3) الحضور السلبي أو الإيجابي للشيعة في بلدانهم، له علاقة بسلوك أنظمة هذه البلدان تجاه الشيعة، وقوانين الدولة وأعرافها السياسية وأداء مؤسستها الدينية؛ فإذا كانت الدولة طائفية والنظام إقصائياً، والقوانين والأعراف تمييزية، والمؤسسة الدينية متطرفة؛ فإن حضور الشيعة في البلد سيكون سلبياً بشكل تلقائي، سواء من ناحية تفكيرهم أو سلوكهم أو تطلعاتهم، وإذا كانت نظرة الدولة متساوية لكل مواطنيها والنظام عادلاً في سلوكه تجاه الشيعة، ويمنحهم الحقوق والحريات السياسية والمذهبية والاجتماعية نفسها التي يعطيها للسنة؛ فإن حضور الشيعة سيكون إيجابياً بشكل تلقائي أيضاً.

(4) «الاجتماع الديني الشيعي»، ط 1، ص 166-170.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

17 Nov, 18:45


ألفت عناية الأحبة الأصدقاء والمتابعين محتويات الدراسة:

المستقبل الشيعي: استشرافه وصناعته

محاور الاستشراف

التداخل بين الدائرتين الشيعية الوطنية والعالمية والدوائر المحيطة

بين المذهب والسياسة والاجتماع والاستراتيجيا

محورية مستقبل المرجعية وولاية الفقيه

مفهوم المرجعية الشيعية المطلقة ومصاديقها
1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني
2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي
3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم
4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي

التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة
1- المرجعية العليا
2- مراجع الصف الأول
3- مراجع الصف الثاني

المرجعية النجفية بعد آية الله السيستاني
1 ـ شحة الخيارات
2 ـ بروز الخطوط الخاصة داخل الحوزة
3 ـ تزامن المراحل الصعبة النجفية والقمية والطهرانية

الفقهاء المرشحون للمرجعية النجفية
1- الشيخ محمد باقر الإيرواني
2- الشيخ محمد هادي آل راضي
3- الشيخ حسن الجواهري
4- السيد علي الموسوي السبزواري
5- الشيخ محمد السند
6- السيد محمد رضا الحسيني السيستاني
7- السيد علي أكبر الحسيني الحائري

المرجعية وولاية الفقيه بعد آية الله الخامنئي

الفقهاء المرشحون للمرجعية القمية
1- السيد علي الحسيني المحقق الداماد
2- الشيخ علي كريمي الجهرمي
3- السيد محمد جواد العلوي البروجردي
4- السيد علي أصغر الحسيني الميلاني
5- السيد أحمد الموسوي المددي
6- الشيخ صادق الآملي اللاريجاني
7- الشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي

الولي الفقيه بعد آية الله الخامنئي:
1- الشيخ صادق اللاريجاني
2- الشيخ محسن الأراكي (العراقي)
3- الشيخ علي رضا الأعرافي
4- السيد هاشم الحسيني البوشهري
5- السيد محمد مهدي مير الباقري

كتابات علي المؤمن

17 Nov, 18:00


ألفت عناية الأحبة الأصدقاء والمتابعين..

كتابات علي المؤمن

16 Nov, 12:58


التسريبات من إيران تؤكد بأن الجيش هو الذي سينفذ الضربة ضد (إسرائيل)، باسناد حرس الثورة. والمعروف أن الجيش الإيراني لا يمتلك صواريخ أرض/ أرض بعيدة المدى، إنما صواريخ بحر/ أرض وجو/ أرض، تمتلكها قوتاه الجوية والبحرية، ما يعني أن الضربة ربما تكون مركبة من صواريخ الحرس وطائرات الجيش وسفنه، خاصة وأن قائد الجيش الجنرال أمير الموسوي توعد أمس أن الضربة ستكون تاريخية.

كتابات علي المؤمن

12 Nov, 01:05


الشغب المعرفي والنفاق الفكري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي المؤمن

١- خطورة السكون الفكري:

الحاجة الى الشغب المعرفي أساسية وضرورية لتحريك السكون الفكري الذي يساوي الموت. ولا يعني السكون الفكري حالة استقرارٍ فكرية؛ لأن الاستقرار يعبر عن حالة إيجابية، وهو شبيه بالاطمئنان الفكري؛ بل لا يلغي الاستقرار الفكري الحراك في إطاره، أي أن الحراك الفكري الإبداعي التجديدي غير ممكن في إطار السكون، لكنه ممكن في حالتي الاستقرار والاطمئنان. بينما يمثل السكون الفكري حالة سلبية خطيرة، فهو يعني توقف النمو المعرفي، والإصرار على استهلاك المعرفة الموروثة وإعادة تدويرها، برغم تراكم المتغيرات الزمانية وضغوطاتها الشاملة، والتي ينبغي أن يتبعها تحولاً معرفياً متسقاً، بل تحولاً استباقياً غالباً.

أما الأخطر من السكون الفكري البسيط فهو السكون الفكري المركب، أي الجمود في إطار حالة استقرار متخيّلة، سواء كان جموداً بدافع تخيّل وجود مصلحة عليا في الجمود، أو جموداً بدافع تخيّل حصول استقرار حقيقي؛ بينما هو استقرار زائف ومضر. وعند هذا اللون المركب من السكون الفكري يكمن تحديداً الموت المعرفي للأمم والشعوب.

2- ضرورة الشغب المعرفي:

للحيلولة دون الموت المعرفي الذي يتسبب في انهيار الأمم والشعوب وتراجعها قياساً بسرعة حركة الزمن؛ ينبغي كسر الصمت وتحطيم الجمود، وتحريك الراكد الفكري بطريقة ثورية. وهذه الحالة يمكن تسميتها بــ ((الشغب المعرفي))، والذي ينفتح على كل أنواع المعرفة الإنسانية ومناهجها، بدءاً بالمعارف الدينية والاجتماعية والأنثروبولوجية، وانتهاءً بالمعارف العقلية والتجريبية والتطبيقية.

ولتحديد مفهوم الشغب المعرفي المطلوب، ينبغي التأكيد على وجود منهجين متعارضين، إيجابي وسلبي، من الشغب المعرفي:

الأول: الشغب المعرفي الإيجابي المنتج، الذي يتمثل في إثارة الأسئلة المشاغبة غير المألوفة الجادة، وإن كانت بمنهجية صادمة حادة، وطرح فرضيات غير نهائية، ثم استنتاجات مبدئية غير نمطية، بهدف استفزاز الساحة المعرفية، وإثارتها، ودفعها عنوة باتجاه الحراك السريع المركّز؛ سواء دفاعاً عن نفسها أو محاولةً لمعرفة ماهية الأسئلة واستنطاقها أو إعجاباً وتماهياً وانبهاراً.

هذا الشغب الإيجابي يعني العبث المعرفي الهادف العميق، والفوضى الفكرية المقصودة. ونقول هادفاً ومقصوداً؛ لأنه يدفع من يجد نفسه حاضراً في دائرة الشغب والعبث والفوضى، سواء كان حضوراً جغرافيّاَ أو حضوراً معرفيّاً؛ يدفعه نحو المراجعة والتفكير والتأمل والبحث والتحقيق، والتنافس المعرفي الوجودي الفكري، لإيجاد الإجابات والردود والتكييفات، وصولاً الى الإنتاج الإبداعي المعرفي الجديد، غير النمطي وغير التقليدي، والذي ينسجم مع متطلبات الزمان والمكان، ويستبق الوقائع. وبالتالي؛ فإن من يقوم بهذا الدور؛ إنما يدفع عن وجوده وفكره ومعتقده أعراض التقهقر والانحطاط والموت.

الثاني: الشغب المعرفي السلبي غير المنتج، وهو الشغب الجدلي السوفسطائي، والحفر العشوائي، والأسئلة الاستعراضية الفارغة، والعبث المعرفي غير الهادف. هذا الشغب السلبي يشوش الأذهان والأفكار، ويمزق نسيج المجتمع، ويغيِّب بوصلته الفكرية والعقدية قسراً، ويجعله في حالة تيه على كل الصعد. أي أن الشغب المعرفي السلبي الفوضوي العبثي، لا يحفز الفكر تحفيزاً إيجابياً، ولا يدفع نحو التأمل والبحث والمراجعة والإنتاج الإبداعي؛ بل يدفع باتجاه المناكفات والصراعات والعناد والتفكير السلبي وتدوير الموضوعات الجدلية. وهو ما يعني أن الشغب المعرفي السلبي يعجل من انحطاط الشعوب وموتها معرفياً.

وبالتالي؛ فإن وجود المنهجين السلبي والإيجابي في معادلة الشغب الفكري؛ يؤكد أن الشغب الفكري سيف ذو حدين؛ فهو إما يساهم في إعادة الحياة للأمم ويرفعها، أو يساهم في تخلّفها ودمارها. ولذلك؛ ينبغي التأكيد على اشتراط الحكمة العميقة والدقة الفائقة والتخصص ووعي متطلبات الزمان والمكان عند ممارسة الشغب الفكري؛ كيلا يتحول إلى انحراف وفتنة وتيه، سواء على المستوى الديني أو الاجتماعي أو السياسي أو العلمي.

3- مآلات الشغب الفكري الإيجابي:

إن النظريات الرفيعة والاختراعات العظيمة والاكتشافات الكبرى، بدأت غالباً بشغب معرفي إيجابي، ومغامرة ثورية معرفية هادفة، وحلم يقظة منظم، أي أنها ــ غالباً ــ ليست نتاجات عمل معرفي تقليدي نمطي؛ لأن الأعمال التقليدية تكون نتاجاتها تقليدية أيضاً، وإن كان بعضها نتاجاً مهماً، أما النتاجات الثورية الخالدة فهي بنت الشغب المعرفي الهادف.

ويمكن القول إن الأوساط الإسلامية، بغالبية توصيفاتها، تسيطر عليها حالة السكون المعرفي أو الشغب المعرفي السلبي غير المنتج.

كتابات علي المؤمن

12 Nov, 01:05


فهي ــ مثلاً ــ في خطاب النهضة والتنمية والحكم؛ إما أنها تحاول تجاوز مرجعية الدين وثوابته، في محاولة عبثية للتشبه بالخارجي المتفوق المهيمن، أو أنها تغلق أبواب القراءات والاجتهادات النهضوية التنموية، بدعوى التمسك بالثوابت. لذلك؛ نرى ندرةً في الإنتاج الإبداعي في هذه الأوساط على كل الصعد، ووفرة في الصراعات والمناكفات والاستعراضات المعرفية السطحية. ولا توجد ثمة مرجعية مطلقة في الحراك المعرفي هنا، سوى النصوص المقدسة والقوانين التجريبية الثابتة. وهذا يعني أن الشغب المعرفي حتى في وجهه الإيجابي ينبغي ألّا يتجاوز المقدس والثابت الديني.

4- النفاق الفكري الغربي:

الحديث عن المرجعية المعيارية أو الإطار المصدري الذي يتحرك الشغب المعرفي في أجوائه، يقود الى الحديث عن الأهمية الوجودية الاستراتيجية للمصدرية المعرفية، ولا سيما في مجالات الفلسفة الكونية والفكر الإنساني والإجتماعي والديني؛ فمما لا شك فيه أن جميع المذاهب الفكرية الأساسية في العالم لها مرجعية معيارية تمثل القواعد العامة التي يستند اليها المذهب ومحدداته الفكرية ومصادر معرفته الحاكمة.

لكن؛ الملفت للنظر أن المذاهب والفلسفات الفكرية والاجتماعية الوضعية، وفي مقدمتها التجريبية والعقلانية والعلمانية والليبرالية والديمقراطية، تمارس نفاقاً فكرياً ناعماً؛ فهي تزعم أنها متحررة من أية مرجعية معيارية، وتطالب أتباع الدين بالتحرر أيضاً من مرجعياتهم وثوابتهم ومصادرهم أسوة بها، واحتراماً لقدرات العقل البشري، وضرورة إطلاقه دون أية قيود وقبليات مرجعية، والسماح للفوضى الفكرية والعبثية، والشغب المعرفي، إيجابياً كان أو سلبياً، باقتحام الواقع الفكري والديني، وإنتاج الأفكار والتصورات الجديدة، وإن كانت تتعارض مع الثوابت الإنسانية والأخلاقية والدينية.

وفي الوقت نفسه؛ فإن هذه المذاهب الفلفسية والاجتماعية الوضعية الغربية، التي تدّعي أنها حرة وغير ايديولوجية في مساراتها النظرية ومخرجات حراكها، وليست لها مرجعيات؛ فإنها تخضع لأكثر المرجعيات المعيارية ضغطاً وتعسفاً؛ بل أن مرجعيات الليبرالية ـ مثلاً ـ في الفكر الاقتصادي والفكر السياسي والفكر الاجتماعي، باتت آلهة مقدسة معصومة تفتك وتقمع وتقصي وتمارس أبشع صنوف الإرهاب ضد من يخالفها في الفكر والممارسة، برغم أنها أفكار بشرية، وهو أبشع ألوان النفاق الفكري والتناقض في البنى المؤسِّسة؛ إذ تبقى مقولات حرية الفكر وديمقراطية الرأي التي تتبجح بها؛ مجرد ورقة توت تتستّر بها؛ لكنها تسقط في كل اختبار.

أما الدين؛ فإن مرجعيته المعيارية الإلهية بديهية، ولا بد منها؛ إذ لولاها لما كان الدين ديناً، ولأصبح اسمه شيئا آخر، كما حصل مع كثير من الانشقاقات عن الأصول الدينية، والتي تحولت بالتدريج الى مذاهب فكرية وضعية لا علاقة لها بفلسفة الدين ومعايير تعريفه.

5- النتائج:

من خلال ما سبق؛ نخلص إلى ثلاث نتائج:

أ- لا معنى للدين بدون مرجعية معيارية ثابتة، وهي المرجعية الإلهية بالنسبة للأديان الإلهية التوحيدية، والتي تستند إلى مبادئ الغيب والوحي والفطرة.

ب- لا صحة لمزاعم المذاهب الفلسفية والاجتماعية الوضعية الغربية بأنها متحررة من كل أنواع المرجعيات المعيارية؛ فكل تفاعلاتها الفكرية والواقعية ومآلات هذه التفاعلات؛ تخضع لمرجعيات معيارية صنمية في حقيقتها، وإن حاولت التمظهر بالتخلص من شرنقتها، أي التخلص الشكلي.

ت- إن ما تقوم به المذاهب الوضعية الغربية من محاولات لإقناع الأوساط الدينية والفكرية والعلمية في بلاد المسلمين، للتخلص من المرجعية المعيارية ومن تقديس النصوص والثوابت، واعتماد المناهج والأدوات الوضعية في تفسير النص الديني والموروث الفكري الإسلامي؛ إنما هي محاولات تخريبية مقصودة، لتمكين الشغب المعرفي السلبي من الهيمنة على الساحة الدينية والفكرية في بلاد المسلمين، بهدف حرفها وتمزيقها، لصالح تكريس حضور الفكر الوضعي الغربي في هذه الساحة. وهذا هو النفاق الفكري بكل معاييره.

بل إن المذاهب الوضعية نفسها، إذا ما تجاوزت مرجعياتها المعيارية؛ فإنها ستتبخر وجودياً. نعم؛ هي متحررة في قراءة مصادرها وتفسيرها لهذه المصادر، وفي إصلاح فكرها وتجديده؛ لكنها ليست حرة في تجاوز مرجعياتها. وبالتالي؛ يتكرس نفاق المذاهب الوضعية ومفكريها وساستها حين يطالبون أتباع الدين بالتحرر من مرجعيتهم وتجاوز ثوابتهم. ولكن؛ في الوقت نفسه، تجد هذه المذاهب الفلسفية والاجتماعية مستعدة لشن أشرس الحروب الفكرية والدعائية ضد أية قراءة واجتهاد يتجاوزان مرجعيتها وثوابتها، وإن كان اجتهاداً من الداخل الفكري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

09 Nov, 16:03


إلى/ المتأثرين بدعاية (إسرائيل) وعملائها من اللبنانيين والعرب، وهي الدعاية التي تبرئ (إسرائيل) وتلقي مسؤولية ما يحدث من ضحايا ودمار وخسائر في لبنان، على المقاومة الإسلامية اللبنانية الحليفة لإيران؛ لأنها هي التي تحرشت بالكيان الصهيوني ودفعته للرد العنيف.
نرفق لكم مقالاً توثيقياً منشوراً في جريدة النهار (اللبنانية)، في شباط/ فبراير 1972، أي قبل (52) سنة، وهو يكشف عن قيام (إسرائيل) بأكثر من (2000) اعتداء على لبنان، خلال الفترة من حزيران/ يونيو 1968 إلى كانون الثاني/ يناير 1972، أي حوالي اعتدائين يومياً، ولمدة ثلاث سنوات ونصف متواصلة. وقد حدث كل ذلك قبل تأسيس حركة أمل بـ (6) سنوات، والجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ (11) سنة، وحزب الله بـ (14) سنة.

علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

09 Nov, 08:25


عزيزي الشيعي اللبناني..
الشكر الذي تقدمة للعراقيين الذين يقفون معك في محنتك، هو دليل نبلك وأصالتك وعرفانك؛ لكنك تخطئ حين تعمم هذا الشكر على جميع العراقيين؛ فليس كل الشعب العراقي يقف معك؛ فهناك الملايين منه هم ضدك ويعارضون دعمك واستضافتك، ويفرحون لحزنك ويحزنون لفرحك، وهم نسخ من خصومك اللبنانيين الذين يتمنون أن تمحو إسرائيل أثرك من الوجود.

أما الذي يصرخ من أجلك في أروقة الجهاد والسياسة والإعلام والمال، ويرسل إليك كل أنواع الدعم، وكذلك يستضيفك في العراق ويفتح لك بيته؛ فهو الشيعي العراقي ومرجعيته وحوزته وحكومته وتنظيماته ومؤسساته حصراً؛ فلا تجرحه وأنت تساوي بينه وبين العراقي الآخر الذي يسيء إليك؛ فهذا الآخر يستحق التقريع وليس الشكر.

نعم؛ الشيعي العراقي هو عراقي، لكنه ليس أي عراقي؛ إنه العراقي الموالي لما يجمعكما من عقيدة وأئمة ورموز وعتبات مقدسة وشعائر ونظام اجتماعي ديني ومنظومة مرجعية ومقاومة وآلام وآمال وحاضر ومستقبل، كما يجمعكما مبدأ ((إني سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم ووليٌّ لمن والاكم وعدوٌّ لمن عاداكم))؛ فهو مبدأ يجمعك بالشيعي العراقي حصراً، ولا يجمعك حتى بمن يحمل جنسية بلدك، ولا يجمع الشيعي العراقي حتى بمن يحمل جنسية بلده.

ولذلك؛ يجب أن تعي بعمق، اليوم وغداً، أن الشيعي العراقي ليس أي عراقي، كما أنت لست أي لبناني؛ فأنت أيضاً الشيعي الذي تتحمل عبء المواجهة والتضحيات، بينما خصمك اللبناني يلومك ويقرعك، ويجد نفسه قريباً من العدو أكثر من قربه منك.

ومن المهم أن تعلم بأن الشيعي العراقي كريمٌ معطاءٌ بطبعه من أجل دينه ومذهبه، ليس بماله وحسب، وإنما بنفسه أيضاً، وكرمه هذا هو كرمٌ شيعيٌّ عراقي، وليس كرماً عراقياً بالمطلق، وهو وجهٌ آخر لكرمه السنوي في الأربعينية الحسينية؛ فذلك الكرم الأربعيني هو أيضاً كرم شيعي عراقي.

فإذا أحببت أن تقدم كلمات الشكر، فكن دقيقاً في خطابك، واشكر أخاك الشيعي العراقي حصراً، وإن كان لا يحتاج إلى الشكر؛ لأنه يقوم بواجبه تجاهك؛ لأنك دمه ولحمه وتاريخه وحاضره ومستقبله.

علي المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

06 Nov, 19:17


أخي السني..
منذ (1350) عاماً، والدعاية الأموية تحاول إقناعك بأن الشيعة هم حلفاء اليهود وأعوان الصليبيين وخونة الأمة، وهي الدعاية التي تلقفها شيخ التكفير ابن تيمية ونظّر لها، كما تناقلها المؤرخون والرواة، ثم ورثتها الجماعات السلفية الحديثة، وفي مقدمتها جماعة محمد عبد الوهاب، حتى باتت جزءاً من عقيدة الوهابيين وأغلب السلفيين وكثير من السنة المتأثرين بهم.

وها هي واقعة فلسطين الجديدة تكشف لك للمرة المليون من هم حماة الأمة وأعداء الصهاينة، ومن هم حلفاء الصهاينة والصليبيين وخونة الأمة.

ننتظر منك أن ترفع صوتك عالياً بالحقيقة، بوجه كل من يروج لهذه الدعاية، وتنتصر لأهلك الشيعة، الذين يبذلون الغالي والنفيس لحمايتك والدفاع عنك وردع المعتدي عليك.

علي المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

06 Nov, 00:04


تتوافر بعض مؤلفات الدكتور علي المؤمن بنسخة (PDF)، على قناته في التلغرام https://t.me/alialmomen64:

1- الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر
2- تجديد الشريعة: قابلية الشريعة الإسلامية على التحول
3- ثقافة عاشوراء بين فلسفة التاريخ وأصول العقيدة
4- من المذهبية الى الطائفية: المسألة الطائفية في الواقع الإسلامي
5- الغزو الطائفي في مواجهة المشروع الحضاري الإسلامي
6- الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع
7- سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957- 1986
8- جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وإشكاليات الاجتماع الديني والسياسي
9- صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة الى حكم المعارضة
10- النظام العالمي الجديد: التشكّل والمستقبل
11- القرن العشرون: مائة عام من العنف
12- آيديولوجيا العدوان في الفكر الصهيوني
13- عروس الفرات (رواية)
14- الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة
15- النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى
16- الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي
17- المدخل إلى القانون الدستوري الإسلامي
18- القانون الدستوري والنظام السياسي في إيران
19- أسلمة المستقبل: نحو الإمساك بالمستقبل الإسلامي
20- المستقبلية الإسلامية: منهجية علمية لبناء غد أفضل
21- من المعاصرة الى المستقبلية: الفكر الإسلامي واستدعاءات المستقبل
22- الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية
23- مقاربات في الفكر والثقافة والأدب.

كما تتوافر بعض الكتب والدراسات التي كتبت عنه وعن مؤلفاته:
1- الاجتماع الشيعي وإشكاليات الهوية في فكر الدكتور علي المؤمن (19 باحثاً)
2- رواية القمع: عروس الفرات للدكتور علي المؤمن أنموذجاً (12 باحثاً)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(https://t.me/alialmomen64) قناة كتابات علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

06 Nov, 00:02


هدف (إسرائيل) سلخ المقاومة عن حاضنتها الاجتماعية
علي المؤمن

ما قام به جيش الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، من إبادة جماعية وتدمير شامل لكل شيء، طيلة الفترة التي أعقبت اندلاع معركة (طوفان الأقصى)، هو ليس حرباً وليس استهدافاً للمقاومة وحسب، إنما هي عملية ضرب ممنهج ومركز للحاضنة الاجتماعية للمقاومة، لتحقيق هدفين أساسيين:

الأول: الانتقام من الحاضنة الاجتماعية على دعمها واحتضانها المقاومة، ومعاقبتها بقسوة بالغة في مصادر استقرارها وسكنها وبنيتها التحتية وسبل عيشها واستمرار حياتها.

الثاني: تحريض الحاضنة الاجتماعية ضد المقاومة، ودفعها لإلقاء اللوم على المقاومة، بسبب ما تتعرض له هذه الحاضنة من دمار وخراب وقتل وتهجير ومآسي، ثم سلخها من المقاومة، وصولاً إلى قيام الحاضنة بمواجهة المقاومة سياسياً وإعلامياً وميدانياً.

وتساعد الجيش الصهيوني في تحقيق هذين الهدفين؛ جيوشاً أخرى من الحكام والسياسيين والإعلاميين غير (الإسرائيليين)، في داخل فلسطين ولبنان نفسيهما، وكذلك في البلدان العربية والمسلمة، فضلاً عن أوروبا وأمريكا، سواء من حلفاء الكيان الإسرائيلي وعملائه والمتعاطفين معه، أو من المعارضين أساساً للمقاومة أو عموم المستغفلين.

ولا شك أن سلخ الحاضنة الاجتماعية عن المقا ومة، سيؤدي - بحد ذاته - إلى انكشاف ظهر المقاومة وحاضنتها معاً. وهو ما سعى إليه الكيان الصهيوني في حرب ال 2006 ضد حاضنة المقا ومة الإسلامية في لبنان، وقد فشل حينها فشلاً ذريعاً، والسبب هو أن المقا ومة الإسلامية، سواء في فلسطين أو لبنان، هي حركات اجتماعية دينية قبل أن تكون تنظيمات سياسية وجماعات مسلحة، أي أنها إفراز لواقع اجتماعي ديني متجذر، يستحيل تغيير معادلاته.

وفي الحرب القائمة أيضاً؛ يتضح - يوماً بعد آخر - فشل الكيان الصهيوني وحلفائه وعملائه في تحقيق هدف سلخ الحاضنة الاجتماعية عن مقاومتها الإسلامية، وهدف القضاء على المقا ومة نفسها، في حين سبق للكيان الصهيوني أن نجح في حروبه السابقة مع الأنظمة العربية، في تحقيق الهدف النفسي الاجتماعي المذكور، كما نجح في أهدافه العسكرية والاستراتيجية، لأنه كان يحارب جيوش أنظمة منفصلة انفصالاً واقعياً عن مجتمعاتها العربية المسلمة، وإن كانت تتمظهر زوراً بالتصاقها بهذه المجتمعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

05 Nov, 23:59


كل هذا يفرض عليك أن تراعي انتماءك جيداً في تفكيرك وتخطيطك وسلوكك وخطابك، وتتنبّه الى مظالم أبناء مكونك واستحقاقاتهم الطبيعية في المجالات المعيشية والاقتصادية والخدمية والتعليمية والقانونية والأمنية والاجتماعية والدينية. وهذا لا يعني أننا نطالبك بالتمييز بين مكون وآخر، إطلاقاً، ولكن لأن معاناة أهلك في الوسط والجنوب من الأوضاع المعيشية الصعبة والاقتصاديات المتراجعة، والبنى التحتية شبه المنهارة، تفوق ما يعانيه أهلنا في بغداد والمحافظات الغربية والشمالية، فضلاً عن تراكمات الاجحاف بحق استحقاقات الشيعة، منذ مئات السنين وحتى اللحظة، رغم أنهم يشكلون الأكثرية السكانية، لكنك ترى بوضوح غياب ثوابتهم وثقافتهم التاريخية والدينية عن مفاصل الدولة ورمزياتها التاريخية، ومناهجها الدراسية، وشعارها ونشيدها وعلمها، وتوقيتات مناسباتها الدينية والوطنية، إذ لا تزال الدولة العراقية في هذه المجالات ترزح تحت نير الثقافة الطائفية التراكمية.

وهنا تأتي قدرتك على إلغاء هذا الموروث التدميري الاستفزازي، في الأبعاد المعيشية والخدمية والثقافية. وإذا نجحت في ذلك؛ فسيُحسب لك إنجازاً تاريخياً، لأنك سترسي دعائم دولة العدالة والحكم الرشيد والاستقرار الوطني؛ إذ لا يغيب عنك أن إحساس المواطن العراقي الشيعي بعدالة الدولة تجاهه، وأنها تعمل على رفع الحيف والظلم عنه؛ سينعكس إيجاباً على خطاب الشيعة الوطني وتعاملهم مع المكونات الأخرى التي يرون انها لا تزال، منذ مئات السنين، لا تراعي تاريخهم وثقافتهم واستحقاقاتهم وخيراتهم (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

3- الشعب ينتظر منك إنجازات سريعة وملموسة على الأرض في الجوانب المعيشية والخدمية والأمنية، وبأساليب استثنائية وغير روتينية، لأن توفير فرص العمل والكهرباء والسكن والصحة والخدمات البلدية، والضمان الصحي والاجتماعي، وتحسين دخل الفرد، وتحريك السوق، وإحساس المواطن بالأمن على حياته وأسرته ومجتمعه، بعيداً عن السلاح السياسي والعشائري الذي يهدد حياته في كل لحظة، هو رهان الشعب على نجاحك، ورهان محبيك على دعمك، وبدون تحقيقها لن تنفع أية أعذار ومبررات وشعارات، ولن تنفع أية إنجازات في المجالات الأخرى، لأن العراقيين، قبل كل شيء، بحاجة الى أن يتنفسوا العيش المناسب اللائق، وهم يستحقون ذلك، في ظل بلد نفطي مليء بالخيرات.

4- تركيز الاهتمام على الجانب الثقافي والفكري والإعلامي والفني، لأن كثيراً من مشاكل العراق والدولة والحكومة تكمن في التقصير في هذه المجالات وعدم إيلائها أهميتها الحقيقية الكبرى، ومن خلالها يمكن تحجيم الانفلات الاجتماعي، وكبح جماح إعلام الفتنة وفكر التحريض وثقافة الطائفية والفن الفاسد، وهو فساد لا يقل عن الفساد الحكومي والسياسي (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

5- التعامل مع مظاهر الفساد والفشل والشلل والعوق في الدولة والحكومة، تعاملاً علمياً منهجياً، بعيداً عن الصخب الإعلامي والشعارات، واللجان العشوائية والاجراءات الأمنية، لأن هذا المظاهر بقدر ماهي عميقة ومتجذرة في مفاصل الدولة؛ فإنها بحاجة الى دقة وعمق وبصيرة نافدة وتخطيط وحزم حقيقي. ولعلك هنا تحتاج الى لجنة متخصصة للتخطيط، تتألف من خبراء ماليين واقتصاديين وقانونيين وقضائيين وإداريين، لوضع الخطط الكفيلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وشلل النظم والسياقات ومعوقات تنفيذ خطط الحكومة.

6- بذل كل الجهود، بالتعاون مع رؤساء الأحزاب ومجلس النواب ومجلس القضاء، من أجل تعديل الدستور وتصحيحه فنياً ومادياً وموضوعياً، وسد الثغرات التي تعيق حركة النظام السياسي. ولعل أبرز التعديلات المطلوبة على الدستور تتمثل في تحويل النظام السياسي من برلماني الى شبه رئاسي (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

الأخ الرئيس..
لا ينتظر أحد منك تحقيق معاجز، لأنك استلمت موروثاً صعباً وبلداً منهَكاً، لكنك تستطيع العبور على الأداء البيروقراطي في عملية التغيير، نحو إجراءات استثنائية ثورية، وخاصة في المجالات الخدمية والمعيشية والبنيوية التحتية والاقتصادية، ولعل مدة سنتين كفيلة بظهور نجاحاتك النسبية في تحقيق هذه الخطوات، وفي ذلك رضى لله ورسوله وأهل بيته، ورضى للشعب العراقي، الذي سيكون بأغلبيته داعماً لك وحامياً لظهرك ومدافعاً عنك، وسيكتب اسمك في سجل خدام الشعب والوطن والدين.

أخوك/ علي المؤمن
1 / 11 / 2022
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

05 Nov, 23:59


سبق أن أرسلت هذه الرسالة المفتوحة إلى الأخ الرئيس السوداني، بعد أيام من تسنمه منصب رئاسة الوزراء. وأعيد الآن نشرها؛ لنحتكم إلى الرأي العام في صحة ما جاء في الرسالة وحجم ما تم تطبيقه منها، بعد مرور سنتين على إرسالها، وهي المدة التي حددتها الرسالة لإحداث التغيير المطلوب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الأستاذ محمد شياع السوداني
رئيس مجلس الوزراء المحترم
بعد التحية

كونك ربيب اضطهاد النظام البعثي وقمعه وظلمه، منذ ولادتك وحتى سقوطه، ورفيق المعاناة والحرمان واليتم، وداعية وابن داعية شهيد، وكونك صاحب تجربة ناجحة وخبرة مميزة في إدارة مؤسسات الدولة، وأن الجميع يشهد لك بالكفاءة والأمانة والنزاهة؛ فهي علامات مشرقة تحسب لك، ومثبتة في سيرتك وصحيفة أعمالك.

ورغم أهمية هذه العلامات، وكونها أهّلتك لمنصب رئاسة وزراء العراق، وستكون قاعدةً لحسن ظن الشعب العراقي بك، لكنها لا تكفي ليعطيك الشعب العراقي شهادة مسبقة بأنك ستكون وكيلاً ناجحاً لخدمته، وأمينا قوياً على إدارة مصالحه، وحاكماً رشيداً لوطنه، وقائداً موفقاً لقواته المسلحة وأمنه؛ فتلك العلامات هي شهادة نجاح لك على مرحلة سابقة، وليست شهادة نجاح مطلقة. وبالتالي؛ انت في امتحان كبير، الآن ومستقبلاً، لكي تحوز على شهادات نجاح حقيقية للمراحل القادمة من ممارستك لوظيفتك الجديدة، وهي الأكبر حجماً والأكثر ثقلاً والأهم نوعاً على مستوى الدولة العراقية؛ إذ سيكون واقع الشعب ومصير الدولة رهن حسن تخطيطك وتنفيذك وأدائك ونزاهتك.

أضع بين يديك بعض الملاحظات، انطلاقاً من التفاؤل بمرحلتك وحكمك، وهي ملاحظات عملية مباشرة، وليست نصائح عامة. ولعل نجاحك في تحويل هذه الملاحظات الى واقع عملي وميداني؛ سيجعلك مصداق الحاكم المؤمن القوي الأمين:

1- سر نجاحك الأول في إدارة الدولة هي استشارة المؤتمنين الأكفاء الأقوياء، والتخطيط العلمي والمنهجي في إدارة الدولة وتنفيذ خططها ومشاريعها. ولعل الحلقات التالية؛ أساسية في هذا المجال:

أ- مدخل الاستشارة والتخطيط السليمين، هو حسن اختيارك فريقك الاستشاري وفريقك التنفيذي، وضرورة الفصل بينهما في مسارات العمل، وأن يكونا على مستوى عال من الكفاءة والنزاهة والقوة والأمانة، والإخلاص للوطن والدولة ولك، وأن تعطي فريقك الاستشاري صلاحية نقدك أولاً، ونقد فريقك التنفيذي ثانياً، ونقد الحكومة ثالثاً؛ ليكون مرآة حسن سيرك وأدائك وأداء الحكومة. وينبغي أن يتفرغ فريقك الاستشاري للتفكير والتخطيط والرقابة فقط، ومن بينها الرقابة الصامتة على أداء فريقك التنفيذي، لأن أغلب مشاكل الحاكم تأتي من أداء فريقه التنفيذي ومن عدم وجود رقابة عليه، وكذلك من الخلط بين العمل الاستشاري التنظيري التخطيطي وبين العمل التنفيذي. ولكي تختصر على نفسك الانشغال بمتابعة فريقيك؛ ينبغي أن تختار مدير مكتب يتمتع بمواصفاتك نفسها في قوة الإدارة والأمانة والخبرة في شؤون الدولة، ويكون هو مسؤولاً مركزياً مباشراً عن فريقك التنفيذي. كما تختار أحد مستشاريك الأقوياء المفكرين ليكون مسؤولاً مركزياً عن المستشارين وأعمالهم (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

ب- تشكيل مجلس استشاري للخبراء أو الحكماء، من (50) شخصاً، يتألف من قادة الأحزاب وكبار السياسيين والأكاديميين والمفكرين والخبراء، الاقتصاديين والقانونيين والاعلاميين والاجتماعيين، يجتمعون مرة واحدة شهرياً، لتداول شؤون الدولة والحكومة. ومن خلاله تستطيع إشراك حكماء البلد وقادة أحزابه في حل مشاكل الدولة، وتجعلهم داعمين لك (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

ت- تأسيس مركز دراسات حكومي، كبير ونوعي وفاعل، يكون الذراع البحثي والتنظيري والتخطيطي لك وللحكومة والدولة وأجهزتهما. وينبغي أن لا يكون عمل المركز روتينياً ومجرد دراسات للاستعراض العلمي التنظيري توضع على الرفوف، بل تكون دراساته عملية منتجة وللتطبيق، ويكون ذلك من خلال وضع آلية لربط بحوث المركز بفريقيك الاستشاري والتنفيذي، وبالوزارات وأجهزة الدولة، وبمراكز الدراسات الأخرى في الدولة والجامعات. ومن الأفضل أن يكون مستشارك لشؤون البحث والتخطيط هو رئيس هذا المركز. ولعل من أهم وظائف المركز، وضع خطة لعشرين سنة، لإعادة بناء العراق على كل الصعد، ويتم تقسيمها الى أربع خطط خمسية، من خلال اعتماد منهجيات الدراسات الستراتيجية والمستقبلية والتخطيط المستدام (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

2- صحيح أنك خادم لكل الشعب العراقي، وحاكم لكل العراق، دون تمييز بين مكون وآخر ومحافظة وأخرى ومواطن دون آخر، ولكن؛ ينبغي أن تتذكر في كل لحظة تفكير وتخطيط وعمل، أن مكونك الشيعي يقف وراء وجودك في هذا المنصب، بعد أن رشّحتك كتله السياسية ونصّبتك، وستبقى تدعمك وتحمي ظهرك، وأن لا تنسى أنك شيعي وداعية إسلامي، وأن رمزك الذي يراقبك من عليائه هو السيد محمد باقر الصدر، وأن عين المرجعية العليا تنظر الى أدائك.

كتابات علي المؤمن

29 Oct, 11:45


الشيخ نعيم قاسم الأمين العام الرابع لحزب الله في لبنان:

- ولد في جنوب لبنان في العام 1953.

- جمع بين الدراستين الأكاديمية والحوزوية، إذ حصل على البكارلويوس في الكيمياء من الجامعة اللبنانية، كما درس مرحلتي السطوح والبحث الخارج على يد آية الله السيد محمد حسين فضل الله.

- انتمى الى حزب الدعوة الإسلامية/ إقليم لبنان، في بداية سبعينات القرن الماضي، وكان أبرز مؤسسي وقياديي الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين في العام 1974، والذي كان أحد واجهات حزب الدعوة في لبنان. ويمثل الشيخ نعيم قاسم من الجيل الثاني من أعضاء حزب الدعوة اللبناني، وبقي فاعلاً في الحزب، حتى حل تنظيمه في العام 1982.

- أسس وأدار جمعية التعليم الديني في أواسط سبعينات القرن الماضي.

- انتمى إلى حركة أمل منذ بدايات تأسيسها في العام 1974، بعد التوجيه الذي أصدره حزب الدعوة لأعضائه اللبنانيين بالانتماء إلى حركة أمل، لتعزيز الخط المؤمن (الإسلامي) داخل الحركة، وكان ذلك بالتنسيق بين قيادة حزب الدعوة وآية الله السيد موسى الصدر.

- كان أحد المؤسسين التسعة لحزب الله في العام 1982، بعد مبادرة قيادة إقليم حزب الدعوة في لبنان إلى حل الحزب، والتوجه لتأسيس حزب الله، بدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان جميع التسعة المؤسسين لحزب الله أعضاء وكوادر سابقين في حزب الدعوة.

- ظل الشيخ نعيم قاسم واحداً من القيادات الفاعلة لحزب الله منذ تأسيسه.

- انتخب في العام 1991 نائباً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي انتخب حينها أميناً عاماً للحزب خلفاً للسيد عباس الموسوي الذي اغتالته (إسرائيل).

- انتخبه مجلس شورى حزب الله أميناً عاماً للحزب في 29/ 10/ 2024.

- يشتهر الشيخ نعيم قاسم بخبرته التنظيمية الطويلة وقدراته الإدارية المؤسساتي المتميزة وثقافته الدينية التخصصية وتمرسه في العمل السياسي.

نبارك لأهلنا في لبنان عامة وحزب الله خاصة هذا الإنجاز الطيب، وندعو الله تعالى أن يسدد سماحة الشيخ نعيم قاسم في قيادة الحزب والمقاومة، ويصنع على يديه مزيد النجاحات والانتصارات.

علي المؤمن
29/ 10/ 2024
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

29 Oct, 11:45


الشيخ نعيم قاسم الأمين العام الرابع لحزب الله في لبنان:

   - ولد في جنوب لبنان في العام 1953.

   - جمع بين الدراستين الأكاديمية والحوزوية، إذ حصل على البكالوريوس في الكيمياء من الجامعة اللبنانية، كما درس مرحلتي السطوح والبحث الخارج على يد آية الله السيد محمد حسين فضل الله.

   - انتمى الى حزب الدعوة الإسلامية/ إقليم لبنان، في بداية سبعينات القرن الماضي، وكان أبرز مؤسسي وقياديي الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين في العام 1974، والذي كان أحد واجهات حزب الدعوة في لبنان. ويعد الشيخ نعيم قاسم من أبرز الجيل الثاني من أعضاء حزب الدعوة اللبناني، وقد بقي فاعلاً في الحزب، حتى حل تنظيمه في العام 1982.

   - أسس وأدار جمعية التعليم الديني في أواسط سبعينات القرن الماضي.

   - انتمى إلى حركة أمل منذ بدايات تأسيسها في العام 1974، بعد التوجيه الذي أصدره حزب الدعوة لأعضائه اللبنانيين بالانتماء إلى حركة أمل، لتعزيز الخط المؤمن (الإسلامي) داخل الحركة، وكان ذلك بالتنسيق بين قيادة حزب الدعوة وآية الله السيد موسى الصدر.

   - كان أحد المؤسسين التسعة لحز ب الله في العام 1982، بعد مبادرة قيادة إقليم حزب الدعوة في لبنان إلى حل الحزب، والتوجه لتأسيس حزب الله، بدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان جميع التسعة المؤسسين لحزب الله أعضاء وكوادر سابقين في حزب الدعوة.

   - ظل الشيخ نعيم قاسم واحداً من القيادات الفاعلة لحزب الله منذ تأسيسه.

   - انتخب في العام 1991 نائباً للأمين العام لحزب الله السيد  حسن نصر الله، الذي انتخب حينها أميناً عاماً للحزب خلفاً للسيد عباس الموسوي الذي اغتالته (إسرائيل).

   - انتخبه مجلس شورى حزب الله أميناً عاماً للحزب في 29/ 10/ 2024.

   - يشتهر الشيخ نعيم قاسم بخبرته التنظيمية الطويلة وقدراته الإدارية المؤسساتية المتميزة وثقافته الدينية التخصصية وتمرسه في العمل السياسي.

   نبارك لأهلنا في لبنان عامة وحزب الله خاصة هذا الإنجاز الطيب، وندعو الله تعالى أن يسدد سماحة الشيخ نعيم قاسم في قيادة الحزب والمقاومة، ويصنع على يديه مزيد النجاحات والانتصارات.

                               علي المؤمن    
                      29/ 10/ 2024
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

28 Oct, 23:43


هل عندك أدنى شك بأن إسرائيل وأمريكا والسعودية يقودون محور الباطل، وأن المقاومة الشيعية وحلفاءها السنة يمثلون محور الحق الذي تقوده المرجعية الدينية؟ فكيف تكون على الحياد بينهما، إذا كنت شيعياً حقاً؟

كتابات علي المؤمن

27 Oct, 02:20


خطأ إعلام محور المقاومة
علي المؤمن

من الغريب أن يستمر جزء من إعلام محور المقاومة في الانجرار وراء الإعلام العربي المتصهين، وهو يركِّز على خسائر المقاومة ومشاهد الدمار في غزة ولبنان، ولا يركز على الإنجازات التاريخية غير المسبوقة لمحور المقاومة الإسلامية.

هذه المقاومة فضحت مرة أخرى كذبة الكيان الصهيوني في التفوق، وأظهرت حجم ضعفه وعجزه أمام المحور، وخاصة خلال الشهر الأخير؛ حيث تكبد خسائر فادحة، غير مسبوقة في كل حروبه؛ فالصهاينة لم يذوقوا من كل الجيوش العربية المنهزمة، منذ 1948 وحتى 1973، ما يذوقونه اليوم من مرارة وآلام على يد المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، في المواجهات البرية، حيث يسقط يومياً عشرات القتلى والجرحى، ويتم تدمير كبير للمعدات الحربية الإسرائيلية. أما صواريخ حز ب الله ومسيّراته التي يطلقها بالمئات يومياً؛ فقد باتت تشلّ الحياة في (إسرائيل)، وتصيب الصهاينة بخسائر ورعب وإرباك شامل على مدار الساعة، وقد بلغت خسائر (اسرائيل) يومياً 500 مليون دولار، بضمنها الكلفة العسكرية للحرب، البالغة (140) مليون دولار يومياً، إضافة إلى خسائر الاقتصاد المشلول وغيره، أي ما معدله 60 مليار دولار شهرياً.

هذه كلها مؤشرات قائمة على الأرض، وهي تنذر الصهاينة بأخطار وجودية؛ حيث يؤكد استراتيجيون أمريكيون بأن استمرار الحرب لسنة أخرى؛ سيؤدي إلى تدمير 50 بالمائة من الحياة في الكيان الإسرائيلي، وإعادة ميزان القوة داخله إلى ما قبل العام 1948. وهي الحقائق التي ينبغي أن يركز عليه إعلام محور المقاومة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة Pdf)) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

23 Oct, 22:36


تدعوكم مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن لحضور محاضرة:
((الـحـيـاد فـي الـفـكـر الإســلامـي))
للـدكـتـور عــلـي الـمـؤمــن

ويليها مداخلات الحضور وأجوبة السيد المحاضر
الزمان: يــوم الخــمــيـس، 24 تشرين الأول/ أكــتـوبـر 2024 م.

المشاركة في البرنامج للمناطق البعيدة والبلدان الأخرى عبر تطبيق ZOOM:
https://us02web.zoom.us/j/87826750955?pwd=Z4FSxrjOlmqXHa2ZXT3fssQdyJcuLm.1

وقت البرنامج حـسـب الـبـلـدان للمتابعين عبر الأنترنت:

6.30 مساء: بريطانيا
8.30 مساء: العراق والخليج والشام
1.30 بعد الظهر: كندا وأمريكا.

كتابات علي المؤمن

20 Oct, 01:18


بل تعاظم اللبس عند بعض هؤلاء، الى المستوى الذي دفعه الى قتال علي، وهو يتصور أن عمله مبرء لذمته الشرعية، لأنه يقاتل الى جانب زوج رسول الله وإلى جانب اثنين من أكابر الصحابة المجاهدين، أو الى جانب والي الخلافة (الراشدة) في الشام.

ولكن؛ أن يحصل لبس لدى شيعي (متدين) تجاه الموقف من المعركة القائمة؛ بحيث يدعو الى الحياد بين طرفيها؛ فهذا ما يتجاوز نظرية أبي هريرة بكثير جداً من المخالفات الأخلاقية والشرعية الإضافية، لأن أبا هريرة كان يمارس الحياد بين رفاق دربه من صحابة رسول الله والتابعين كما يعتقد، أي أن نظرية أبي هريرة بكل تهافتها ومخالفتها للقواعد الأخلاقية والشرعية؛ لا تستطيع تسويغ موقف دعاة الحياد السلبي والنفعي في المعركة الحالية، خاصة وأن المحور الشيعي المقاوم اليوم، تقوده المرجعية الدينية التي تمثل الخط العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ولا يقوده خط شيعي خاص أو خط فئوي أو رمزية ثانوية؛ إنما تقوده المرجعية بنفسها.

ولذلك؛ فإن القياس على موقف الإمام السجاد من ثورة المختار أو موقف الإمام الصادق من ثورة زيد بن علي هو قياس باطل؛ لأن المختار وزيد لم يكونا يمثلان الخط الشيعي العام؛ بل كانا يمثلان خطين خاصين ورمزيتين ثانويتين، في حين كان الإمامان السجاد والصادق هما اللذان يمثلان الخط الشيعي العام وقيادته الأصلية الشرعية؛ فضلاً عن أن الإمام السجاد والإمام الصادق لم يكونا على الحياد بين ثورة المختار وثورة زيد والسلطة الأموية، إطلاقاً، بل كان موقفهما مؤيداً لثورة المختار وثورة زيد، وداعماً لهما، وإن كان دعماً غير مباشر، وعبر أساليب ووسائل خاصة، لأسباب يطول شرحها، وهو ما سنوضحه في مقال آخر.

أما قيادة الخط الشيعي العام اليوم المتمثلة بالمرجعية الدينية؛ فهي التي تقود المحور الشيعي المقاوم الناهض كما ذكرنا، سواء عبر التصدي المباشر المتمثل بالمرجع السيد علي الحسيني الخامنئي، أو الدعم غير المباشر المتمثل بالمرجع السيد علي الحسيني السيستاني، فضلاً عن دعم جميع مراجع الشيعة في النجف وقم للمحور. ومن يريد معرفة مواقف مراجع الشيعة؛ فليتأمل بدقة في مضامين بياناتهم باستشهاد سليماني والمهندس ونصر الله؛ إذ كانت تعبِّر عن حقيقة مواقفهم الداعمة والمتبنِّية، ولم تكن مجرد بيانات تعزية. أما أدلة الدعم والتبني والاحتضان في المجالات الأخرى؛ فنتركها للتاريخ.

ويعتمد بعض المثقفين المتفلسفين الشيعة في تشكيل خطابه الحيادي على عناصر مركبة من:

1- نظرية أبي هريرة في الحياد السلبي والحياد النفعي
2- المنهج المذهبي التاريخي الانعزالي، والذي يمثله تيار (الحجتية) المعاصر.
3- المصطلحات العصرية العلمانية
4- مفردات الدعاية العنصرية الطائفية للآخر المذهبي.

وكان الناتج خطاباً مركّباً انهزامياً انتهازياً، يصف المعركة القائمة بأنها معركة من أجل المصالح القومية والوطنية للطرفين المتحاربين، ولا مصلحة لشيعة بلدان الاحتكاك، ولا سيما لبنان والعراق، الانخراط فيها؛ لأنها محرقة تتعارض مع المصالح الوطنية للشيعة، أي أن هذا الخطاب يساوي بين دوافع وأهداف المحور المحارِب المعتدي، المتمثل بالصليبية الأمريكية والصهيونية الإسرائيلية والوهابية السعودية من جهة، وبين دوافع وأهداف المحور الشيعي المدافِع، ويرفضهما معاً، لكنه من طرف خفي؛ يسوغ للسلوكيات العدوانية للمحور الأمريكي الصهيوني السعودي، ويلقي اللوم على المحور الشيعي المقاوم؛ لأنه يتحرش بالمحور المعادي ويورط الشيعة في معارك أكبر من حجمهم، وبذلك؛ يتغافل هؤلاء اللائمون كل السيرة الوحشية العدوانية لهذا المحور، وأهدافه الاستكبارية في الماضي والحاضر والمستقبل.

وفي المحصلة؛ يحاول هذا الخطاب (الهريري) المعاصر استغفال الشيعة بشأن حقيقة المصالح الجيوسياسية والجيوستراتيجية والتشابك الاجتماعي والمصير المشترك بين المكونات الشيعية الوطنية؛ فضلاً عن التغافل عن إلزامات الانتماء العقيدي، وهي مصالح وإلزامات دينية ودنيوية مشتركة عميقة بين بلدان الأكثريات الشيعية في المنطقة، في حين لا يوجد أي نوع من هذه المصالح والإلزامات تجاه أنظمة المحور الأمريكي الإسرائيلي السعودي؛ الأمر الذي ينزع كل مسوغات الحياد السلبي والنفعي المصطنعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

20 Oct, 01:18


نظرية أبي هريرة في الحياد وتطبيقاتها عند بعض الشيعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

لا يزال الصحابي الروائي "أبو هريرة" حاضراً في خطاب وسلوك بعض المتدينين والسياسيين الشيعة، من خلال نظريته السياسية، القائمة على قاعدتي الحياد السلبي والحياد النفعي بين المتخاصمين، وتحديداً بين الصحابة. ومآل هذا الحياد اعتزال أي نوع من أنواع الاصطفاف، سواء الاصطفاف مع الصحابي الذي يمثل الحق والخير، أو الصحابي الذي يمثل الباطل والشر، إضافة الى عدم الاصطفاف مع تيار الحياد الإيجابي الذي يهدف الى حقن الدماء ورأب الصدع بين المسلمين، كما يزعم؛ برغم أن الحياد الإيجابي لا معنى له بين الحق والباطل.

والمسوغات العقلية والأخلاقية والشرعية التي اختلقها "أبو هريرة" لتمرير نظرية الحياد السلبي والحياد النفعي، هي في الحقيقة مسوغات متهافتة ولا تمت الى أي دين وأخلاق بصلة. وكان أكثر من فنّد هذه المسوغات تفنيداً أخلاقياً وعقلياً ونقلياً هم متكلمو الشيعة وفقهاؤهم وباحثوهم. ولذلك؛ فإن وعي العقل الشيعي المتدين بهذه الإشكالية هو وعي تراكمي، ولديه القدرة التلقائية على تفكيكها ونقضها. على العكس من العقل السني المتدين، الذي يجد صعوبة بالغة في وعي تهافت نظرية أبي هريرة في الحياد، ويعود هذا التباين في الوعي، الى مصادر التفسير المعرفي لدى الطرفين. وهذا هو السبب الذي جعل المقال يتخصص في دراسة حالة الشيعي المحايد، وليس السني أو عموم المسلمين.

ولعل أهم تطبيقات نظرية أبي هريرة في الحياد السلبي؛ هو تطبيق ((الوقوف على التل))، الذي استخدمه أبو هريرة خلال معركة صفين بين جيش علي وجيش معاوية، لأنه ((آمَن وأَسلَم)). والمسوغ هنا حفظ النفس، أو بمعنى آخر: عدم التضحية بالنفس من أجل مصالح معاوية ومصالح علي، وهي مصالح سلطوية شخصية كما كان يرى أبو هريرة، أو أنها مصالح قومية ووطنية (حسب التعبير الحديث). وربما يكون الدافع الحقيقي للوقوف على التل هو الجبن والخوف والتمسك بالحياة على حساب نصرة الحق، برغم علم أبي هريرة بالحقيقة، ولكن الرجل يضطر الى خلق مسوغات عقلية عامة أو دينية للتغطية على تخلفه في نصرة الحق، وهي مسوغات أقبح من الدوافع الحقيقية.

أما التطبيق الآخر فهو الحياد النفعي، ويتمظهر في مسك العصا من الوسط؛ بهدف إيجاد توازن نفعي بين دنيا الباطل ودين الحق، وتحديداً بين دنيا معاوية ودين علي، وهو التوازن الذي يصفه أبو هريرة بقوله: ((مضيرة معاوية ألذ وأدسم، والصلاة خلف علي أفضل وأتم))، وهذا الحياد هو حياد نفعي وانتهازي، وأسوء من الحياد السلبي.

وقد طبّق كثير من المسلمين هذه النظرية حينها، كما استخدموها في مراحل تاريخية لاحقة كثيرة. ثم انتقلت كمنهج وسلوك وخطاب لدى شرائح من المسلمين الشيعة أيضاً، فبات هؤلاء يعيشون ازدواجية بين انتمائهم العلوي الحسيني وبين سلوكهم (الهريري). وإذا كان المتدين الشيعي لا يجد مشكلة في وعي تهافت نظرية الحياد النفعي؛ فإن بعض المتدينين والسياسيين الشيعة ظل يعاني من مشكلة مزمنة في وعي المصاديق المستجدة عبر الزمان والمكان لأطراف نظرية أبي هريرة؛ الأمر الذي يجعله يقع في اللبس نفسه الذي وقعت فيه الأطراف التاريخية التي بنى عليها أبو هريرة نظريته.

وعليه؛ فإن المقاربة المطروحة هنا؛ تتناول منهج أبي هريرة في الحياد لدى بعض المتدينين والسياسيين الشيعة غير المجنّدين، وليس عموم الشيعة أو عموم المتدينين المسلمين، لأن المتدين والسياسي الشيعي المجنّد يعمل وفق أجندة مقيدة لسلوكه وخطابه، وإن كان بصيراً بالحقائق، أما الشيعي غير المتدين فهو غير معني بالمقاربة الدينية هذه، بل هو ربما لا يعترف بوجود ساحة عنوانها الساحة الإسلامية الشيعية.

ولا شك أنّ تطبيق نظرية أبي هريرة في الحياد، على موقف بعض المتدينين والسياسيين الشيعة، من المعركة القائمة بين المحور الشيعي المدافِع عن نفسه، والمحور الأمريكي الصهيوني السعودي المهاجِم؛ يكشف عن حقيقة أن هذا الحياد هو أسوء وأبشع وأكثر فقداناً للشرعية من الحياد بين علي ومعاوية، لأن معاوية كان في ظاهره صحابياً وقيادياً مسلماً، وأحد رجالات دولة الخلافة (الراشدة)، وهي مواصفات تنطبق على آخرين حاربوا علياً أيضاً، كالزبير وطلحة وعائشة. وقد يتراكم اللبس عند التأمل في عناصر جيش علي من جهة وعناصر جيش الجمل وجيش معاوية وجيش الخوارج من جهة أخرى؛ فسيتبيّن أنهم مسلمون بأجمعهم، وبينهم عدد من الصحابة والتابعين.

صحيح أن علياً حسم هذا اللبس بقوله لأحد الصحابة غير المتبصرين: ((إنك لمبلوس عليك. إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال. إعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله))، إلّا أن حسم الإمام علي هذا لم يلغ وقوع اللبس واستمراره وتفاعله عند المسلمين غير المتبصرين، الذين أقنعوا أنفسهم بأن هذه الحروب فتنةٌ بين المسلمين؛ فكانوا كابن اللبون فيها.

كتابات علي المؤمن

15 Oct, 19:24


ومن الطبيعي أن يكون المخاض مؤلماً، وينطوي على خسائر وسلبيات، ويأخذ وقتاً، لكن الوليد سيمثل خطوة كبرى إلى الإمام. وهو ما ظل يتلمّسه العالم والشيعة أنفسهم، بعد نهاية كل مخاض من المخاضات المؤلمة الصعبة التي عاشها محور الصعود الشيعي، منذ العام 1979. وبالتالي؛ فإن الانطلاقة الشيعية الجديدة لا تفاجيء مراكز صنع القرار الغربي ودوائرها المخابراتية ومراكز ابحاثها ولن تفاجأها، بل ستفاجيء عملاءها، وخاصة العملاء الدعائيين.

ولعل المقترحات الأمريكية الأخيرة التي قدمها المفاوضون الأمريكيون لإيران، عبر قطر وعمان، توضح وعي أمريكا بقوة الواقع الشيعي الحالي ورصانة حركته؛ إذ أكد المفاوضون الأمريكيون على أن أمريكا مستعدة لتنظيم سلة واحدة من الضمانات الرسمية المتبادلة، تتضمن رفع جميع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن إيران، وعقد شراكة اقتصادية امريكية أوروبية إيرانية، وضمان حضور إيراني سياسي أكثر قوة في الشرق الأوسط، وغض النظر عن المشروع النووي الإيراني، وعدم التدخل بأي نحو في الشأن الداخلي الإيراني، مقابل تعهد إيران بوقف كل أشكال الصراع مع إسرائيل، ووقف دعم الفصائل الفلسطينية، ونزع سلاح حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في العراق وجماعة أنصار الله في اليمن، ووقف تزويد روسيا بالسلاح.

وقد كررت طهران رفضها القاطع، وطالبت بأن تقتصر المفاوضات على البرنامج النووي، وهي تعلم أن برنامجها النووي إنما هو ذريعة تتخذها أمريكا، وليس هدفاً بذاته؛ لأن الهدف الأمريكي الأوروبي من وراء عقوباتهما على إيران ومحاصرتها، إنما هو أمن إسرائيل ومستقبلها، وليس البرنامج النووي ولا الحريات في إيران ولا نفوذها في الشرق الأوسط. ومقابل إصرار المفاوض الأمريكي على موقفه؛ فإن إيران أبلغت قطر وعمان وقفها المفاوضات غير المباشرة مع أمريكا أول أمس (12 تشرين الأول/ أكتوبر)، وهو ما فاجأ الأمريكيين والوسطاء بشدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام:
https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

15 Oct, 19:24


شيعة الشرق الأوسط والمخاض الصعب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

قبل ثلاثة أشهر، بدأت الوحدة 8200 (SIGINT) التابعة لاستخبارات الجيش الإسرائيلي، التحضير لموجة دعائية مهمة جديدة، موضوعها "التغيير القادم في الشرق الأوسط"، أو "الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل والسعودية" برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يقوم على معادلة أفول قوة الشيعة وانهيار محور المقاومة الشيعية وحلفائه السنة، مقابل صعود ما يسمى بالإسلام العلماني الليبرالي المسالم، كما سبق لمؤسسة راند الأمريكية أن أسست لمعالمه.

وما لبثت هذه الموجة الدعائية أن انطلقت، بعد أن أعلن رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو عن موضوعها صراحةً في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، وذلك بعد يوم واحد من اغتيال السيد نصر الله، حين بشّر بأن إسرائيل تعمل على تنفيذ مشروع شرق أوسط جديد يخضع لرؤيتها. وكان هذا الإعلان بمثابة كلمة السر لشبكات الدعاية الصهيونية والأمريكية والسعودية، لتنطلق بقوة كبيرة ومنهجية وبصفوف متراصة، للترويج للموضوع.

وراح العملاء الدعائيون يروجون لهذا الشرق الأوسط المتخيّل، من خلال القنوات الفضائية والصحافة ومواقع الانترنيت العربية والعبرية والأمريكية، وبات الشغل الشاغل لبعض الإعلاميبن والكتّاب والمحللين السياسيبن والعسكريبن اللبنانيين والعراقيين والسعوديين والمصريين والأردنيين والإماراتيين والبحرانيين والسوريين، المعروفين بعلاقاتهم بالمؤسسات الإسرائيلية والسعودية، وبالسفارات الأمريكية والبريطانية، فضلاً عن معممين سنة وشيعة، يحملون التوجهات نفسها. كما أخذ بعض المعارضين الشيعة لمحور المقاومة الشيعية، يرددونها عن قصد أو سذاجة، للاستدلال بها على صحة مواقفهم.

والحقيقة أن مقولة نتنياهو بشأن مشروع إسرائيل لتأسيس شرق أوسط جديد، هو مجرد مقولة دعائية، وليس مشروعاً فعلياً؛ لأن هذه المقولة لا تستند الى أية معطيات واقعية، ولا توجد عليها أية مؤشرات حقيقية، بل ولا تعتقد إسرائيل نفسها بتوافر الإمكانيات لديها ولدى راعيتها أمريكا وحليفتها السعودية وأي من حلفائها العرب، لتنفيذ هكذا مشروع، فضلاً عن انعدام فرص نجاحه؛ بالنظر للتصاعد المطرد لقوة المحور الشيعي، ورصانة دعائمه في المواجهة، والخبرات والتجارب الكبيرة التي اكتسبها خلال السنة الأخيرة، ومنعه خلق ثغرات في موازين القوة، رغم خسارته لقيادات مهمة، في مقدمتهم الأمين العام لحز ب الله.

وتدخل مقولة نتنياهو وحلفائه، في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى ترهيب الحواضن الاجتماعية لمحور الصعود الشيعي، وخلق فجوة بينها وبين حكومات المقاومة وأحزابها وفصائلها، ودفع هذه الحواضن للتمرد على ركائز القوة فيها. أي أن الرهان الحقيقي لأمريكا وإسرائيل والسعودية ليس على تدمير المحور الشيعي عسكرياً وسياسياً، لأنها تعلم بعدم إمكانية الانتصار عسكرياً وسياسياً على المحور الشيعي، بل رهانها يقوم على دفع الحواضن الاجتماعية الشيعية للانقلاب نفسياً وإعلامياً وسياسياً على قياداتها وكياناتها السياسية والدينية. وقد نجحت الدعاية الإسرائيلية والأمريكية والسعودية بالفعل في ترهيب جزء من هذه الحواضن، وجعلته يتناقل كثيراً من إشاعاتها وترهيباتها، بل نجحت تلك الدعاية في زيادة رعب بعض الأصوات الشيعية المرجفة. ويعود هذا النجاح إلى ضعف الأداء الإعلامي والثقافي والتوعوي للمحور الشيعي خلال الحرب الحالية، مقابل السطوة الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية والسعودية.

أما بعض التيارات الطائفية والعلمانية في البلدان العربية، بما فيها القومية والإسلامية؛ فقد تلقفت مقولة نتنياهو وتبشير السعودية بها؛ لتحوِّلها إلى استراتيجية لحاضرها ومستقبلها، ولتتصرف على أساسها من أجل تحقيق مكاسب سياسية في لبنان والعراق واليمن؛ مستغلةً انشغال المقاومة في الحرب مع اسرائيل وأمريكا، رغم أن الحكماء والأذكياء في هذه التيارات يعلمون أن مقولة التأسيس لشرق أوسط أمريكي إسرائيلي سعودي يلغي وجود المحور الشيعي، وينهي مسار صعوده؛ إنما هي أوهام وتمنيات وآمال ليس إلّا.

ومن خلال مراقبة منهجية دقيقة لتفاصيل واقع منطقة الشرق الأوسط، ولتقارير مراكز الدراسات الغربية المتخصصة، سيتضح للباحث الموضوعي؛ بأن ما يحصل وسيحصل في الشرق الأوسط، هو على العكس مما تحدث عنه نتنياهو وما تروج له الدعاية الأمريكية الإسرائيلية والسعودية؛ فالمرحلة الحالية تمثل مخاضاً صعباً جديداً للنهضة الشيعية الشاملة، يشبه مخاضاتها المؤلمة في الأعوام 1979، و1989 و1992 و2003 و2006 و2014، وهو ما تعرفه الدوائر المخابراتية الأمريكية والإسرائيلية والسعودية جيداً، وتعرف أيضاً أن محور الصعود الشيعي يعيش مساره المعتاد، مع طاقة دافعة حذرة أكبر.

6,837

subscribers

793

photos

19

videos