واحتمال ظهور مرجعية مطلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن
لا شك أن الحديث عن مستقبل المرجعية الدينية الشيعية العليا، من الأمور التي ظلت تشغل الساحة الشيعية بعد العام 2010، وخاصة بعد تعرض المرجعين الأعليين السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي إلى أكثر من وعكة صحية. ويتركز الحديث غالباً عن المرجع أو المراجع الذين سيأخذون مكانيهما، أو بالأحرى المرجع الشيعي المطلق الذي سيقود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ويتزعم الحوزة العلمية، وهو احتمال يبقى ضعيفاً، بناء على معطيات الحاضر، لأن مرحلة ما بعد السيستاني والخامنئي لا تُنبئ بظهور مرجع واحد مطلق، يسد فراغهما، فضلاً عن أن يكون شبيهاً ببعض المراجع المعاصرين الراحلين الذي تفردوا بزعامة الطائفة الشيعية زعامةً مطلقةً، وبتقليد أغلبية الشيعة دون وجود منافس أو شريك له في مساحات التقليد والزعامة الدينية، سواء في البلد الذي يقيم فيه أو في البلدان الأُخرى، وتحديداً المراجع الأربعة: السيد أبي الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، الذين لم تتوافر فرصة المرجعية المطلقة خلال القرن العشـرين الميلادي إلّا لهم، من بين عشرات مراجع الدين والفقهاء البارزين.
وما يلي نبذة عن هؤلاء الأربعة؛ بهدف تكوين صورة واضحة عن مفهوم المرجعية المطلقة:
1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني: تزعم الشيعة من مقره في النجف الأشرف بعد وفاة المرجع الأعلى الشيخ فتح الله الإصفهاني (شيخ الشـريعة) في العام 1935، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في النجف الأشرف في العام 1936، ثم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم في العام نفسه. وقد استمر الإصفهاني زعيماً مطلقاً للشيعة مدة عشـر سنين، أي حتى وفاته في العام 1946.
2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي: تزعم الشيعة وهو في قم، بعد وفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني في النجف الأشرف في العام 1946، وبقي زعيماً مطلقاً للطائفة مدة أحد عشر عاماً، أي حتى تبلور زعامة السيد محسن الحكيم في النجف في العام 1958. وبقي المرجعان (البروجردي والحكيم) شريكان في زعامة الشيعة وموقع المرجعية العليا لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أي حتى وفاة السيد البروجردي في العام 1961؛ إذ ثنيت الوسادة بعد ذلك إلى السيد محسن الحكيم.
3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم: تفرد بزعامة الشيعة والمرجعية العليا في النجف الأشرف بعد وفاة السيد حسين البروجردي في قم في العام 1961، بعد أن كان السيد الحكيم يشارك السيد البروجردي الزعامة الدينية. وبقي السيد الحكيم زعيماً مطلقاً للطائفة لمدة تسع سنوات، أي حتى وفاته في العام 1970.
4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: تقاسم زعامة الطائفة الشيعية مع السيد محمود الحسيني الشاهرودي بعد وفاة السيد محسن الحكيم في العام 1970، ثم تفرد بها بعد وفاة السيد الشاهرودي في العام 1974. واستمرت زعامته المطلقة في النجف الأشرف أقل من خمس سنوات، أي حتى تبلور المرجعية الكبيرة للسيد روح الله الخميني بعد العام 1979 في قم، بل في أنحاء إيران؛ الأمر الذي أدى إلى تناصف السيد الخوئي والإمام الخميني المرجعية الدينية العليا للشيعة لمدة عشر سنوات. وبعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989، برزت المرجعية الكبيرة للسيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم لتتناصف المرجعية العليا مع السيد الخوئي، واستمر الوضع هذا حتى وفاة السيد الخوئي في العام 1992.
أي أن مجموع الفترة التي كان فيها للشيعة مرجع مطلق خلال القرن الميلادي العشـرين تبلغ (35) عاماً فقط، وهي الفترة التي تزعّم فيها هؤلاء الأربعة الواحد تلو الآخر الطائفة الشيعية. بينما كان هناك مرجعان أو ثلاثة يشتركون في الوقت نفسه في مساحات التقليد والزعامة، خلال فترة الأعوام الـ (65) الأُخر. وقد كانت مرجعية السيد الخوئي آخر مرجعية شيعية عالمية مطلقة، أي حتى العام 1979؛ إذ لم يتفرد بعد هذا التاريخ أي مرجع ديني بالزعامة الدينية للشيعة في العالم؛ إذ برز بعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989 ثم السيد الخوئي في العام 1992، عدد من المرجعيات الكبرى في قم والنجف، وتحديداً السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري في النجف الأشرف، ثم بعد وفاتهما برزت مرجعيتا السيد علي الحسيني السيستاني في النجف الأشرف والسيد علي الحسيني الخامنئي في طهران، واللتان تتقاسمان (حتى الآن) الزعامة الدينية للشيعة في العالم.
وسبق أن حصل هذا التناصف أو التقاسم في المرجعية العليا خلال مراحل أُخر من القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين؛ فبعد وفاة المرجع المطلق السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء العام 1889؛ توزعت المرجعية العليا بين أكثر من مرجع، ثم تبلورت في بداية القرن العشرين بين مرجعيتين عالميتين متشاركتين في النجف الأشرف، هما مرجعية الشيخ