داهمت غربان الظلام ومجرمو الإبا دة موقعه بغارة من طائرات أمريكا، وقصفت سحقًا العمارة التي مثلت نقطة تمركزه. ويسر الله خروجه من بين دبابات العدوان وطائرات الاستطلاع التي تقصف كل سكون، ومن بين كل هذا الخطر الداهم، وبفضل الله تعالى ومعيته بالمطر وتلبد السماء بالغيوم، وصل إلى مأوانا المحاصر، ولكن لاحقته الكوادكبتر برصاص مباشر، سلمه الله ليعود أدراجه هائماً على وجهه في الطرقات. آواه الله، وعلم حينها بإرتقاء أخيه الثاني فما زاد عن قول (الله يسهل عليه، وكلنا على هذا الطريق، وإنا لله وإنا إليه راجعون).
لم الله شمل من بقي من عائلتنا في تهدئة نوفمبر بعودته المؤقتة لأحضانها، وجاءته بشارة دعوة إيرلندا لاستقباله حيث يحمل جنسيتها حيث ولد هناك، وإكرامًا له منحت إيرلندا عائلته بجميع أفرادها فيزا لاستقبالهم هناك. أبى خروجا من غزة والجميع معه في ذلك، خاصة في المحرقة، ويردد حتى لو ذهبت سيكون لزيارة قصيرة بعد توقف العدوان لأجدد الجواز، وأعود فورًا إلى غزة التي أحب، لنواصل الطريق وقد اقترب التحرير بإذن الله تعالى.
أكرمه ربه بالاصطفاء، بألا ينقطع عن عقدته القتالية، ورباطه المستمر، مندفعًا بصمته الهدار حد الطوو فان، وكل مرة نودعه كأنه الفراق الأخير ونستقبله وكأنها الولادة الأولى "إن هذا لهو البلاء المبين"، والمحرر قة تملأ قلبه حزنًا على أهله وأحبابه، وعلى أبناء إخوته الش8داء، الذين يتشوقهم ويغمر أبناءهم بقلبه النابض حنانًا وحبًا.
قبل رحيله بأيام كان في ترقب ليتم امتحانات فصله الأخير في الجامعة، دون أن يمنعه ذلك القيام بواجبه فكانت ش8ادة الختام لا نظير لها. وكان قد رأى شقيقه الذي سبقه إلى إحدى الحسنيين في المنام يسأله أن يخرج معه فأجابه سأحصل على الإذن من أميري، والذي منحه الإذن على أن يكون بعد أسبوعين، وقد كان.
في عقدته القتالية ومع كوكبة من رجال أطهار أخيار، خرجوا لله تعالى، إرتقى أسفل عمارة كاملة، سحقتها عصابات الإبادة فوق رأسه وإخوانه الأبرار، فغدت قبرهم، ومثواهم، يشع منها نور الشهادة وتفوح منها روائح المسك، ومازال. فلم تتح لنا فرصة رؤيته مدرجًا بد مائه الطاهرة، ووداعه، وتشييعه إلى مثواه، والاحتفاء به بما يليق بدرجته وعطائه وتضحيته وش8ادته العزيزة في إقبال على لقاء الله وإدبار عن الدنيا، الملتقى الفردوس الأعلى، وداعا أيها البطل.
إنه مهجة قلب أمه وقلبي، لم يغادرني طيفه الحبيب لحظة، الشفاف الأبيض الحنون الدافئ، الدب الصغير، تربى على يد أخويه الذين سبقوه، مصاحبًا وشغوفًا بالmقاومة، والسلاح لعبته وأرجوحته. لم يعرف من الدنيا شيء إلا مسجده وبيته وجامعته ومقاوmته، وتملكت عليه الش8ادة قلبه الكبير، سيما وقلبه معلق بأخويه "وعززنا بثالث" وإخوانه وأصدقائه الش8داء الذين سبقوه بإحسان. ومعلق بإبن خاله الذي أحبه وحافظ على كنيته بإسمه، ولم يره يومًا إلا أخاه الذي لم تلده أمه، سبقه بأيام إلى لقاء الرحمن، مقبلاً أيضًا غير مدبر، سابق عمره، وكم ملأ قلبه الحزن على فراقه، فاشتاقه حبيبه ولحق به سريعا..
وداعا مهجة قلبي وفخري وذخري وذخيرتي..وداعا سيدي وحبيبي يا من تركت قلبي فارغا..
"والحمد لله رب العالمين" "وإنا لله وإنا إليه راجعون".
.....................
كلمات دكتورنا الفاضل محمد المدهون، في رثاء ابنه الشهيد الثالث عبد الله الذي ارتقى في هذه الحرب على درب شقيقيه وأصدقائي مصعب ومعاذ المدهون.