أعرفُ بأنَّني بلغتُ من العمرِ عدَّادَ سنينٍ لا يُسمَح لي فيهِ بالخطأ، وقد قرأتُ على مدى عُمري كتبًا لا تأذنُ لي باستقبالِ الفوضى ضمن أيَّامي، لقد علَّموني جميعَهم كيف أهذِّب مشاعري، وأنضبطُ في أفعالي، وأقوِّم عرجَتي. وكان الكلامُ سهلًا مُستساغًا ما لم يندرِج تحت التَّجربة، ويومَ أذِن الله للتجربةِ أن تختبرَني، أضعتُ الكثيرَ مما اكتسبتُه، ونسيتُ القراطيسَ التي دوَّنتُها، وهجَرَت بالي نصائحٌ قدَّمتُها، وأدركتُ يومها بأنَّ الأيامَ الخاليةَ من البلاءِ لا تندرِجُ تحت لواءِ التَّجربة، وليست ضمنَ العمرِ لكن على هامِشه، وليست سوى استراحةِ محاربٍ اعتادَ المعارك، وأيقنَ أن لا بدَّ من القتالِ في كلِّ حين. تؤلمُني الدُّنيا على هوانِها، ويؤلمني لؤمُ النَّاسِ كما قال الرافعيّ، وأحاولُ معهم قدرَ الإمكانِ الحفاظَ على ماهيَّتي، لكنَّما المرءُ مغلوبٌ أحيانًا بضيقِ صبرِه، وهذا ما أعانِيه؛ ضيقةُ الصبرِ وقلَّةُ الحيلِ وضياعُ الوجهة، مع كثرةِ الإشاراتِ على الطَّريق، لكنَّ البالَ غير مدركٍ لكلِّ ذلك، ولم يُحِط بشيءٍ من المقدورِ عليه عِلما. أقول لي في الغدِ فُسحة، وأستيقظُ والفُسحةُ معدومةُ الجانب، وشيءٌ من أملٍ مركونٍ في زاويةِ الغرفة، أناظرُه ويناظرُني، ويطلبُ مني القيامَ لأُكمِل، وأطلبُ منه الرَّحيلَ عنِّي؛ لا قوَّةَ لي؛ الجسدُ معافًى، لكنَّما العجزُ هنا، وأشرتُ إلى قلبي.
_عابِدَة كدور