قال ابن القيم رحمه الله:
ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إن اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام». فقيل: يا رسول الله، أرأيتَ شحومَ الميتة، فإنه يُطلى بها السُّفُن، ويُدهَن بها الجلود، ويَستصبِح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرامٌ». ثم قال رسول الله ﷺ عند ذلك: «قاتَلَ اللهُ اليهودَ! إن الله لمَّا حرَّم عليهم الشحومَ: جَمَلوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنَه».
وفيهما أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بلغ عمرَ أن سَمُرَةَ باعَ خمرًا، فقال: قاتَلَ اللهُ سَمُرَةَ! ألم يعلم أن رسول الله ﷺ قال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ! حُرِّمت عليهم الشحوم، فجَمَلوها، فباعوها»...
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ في المسجد ـ يعني الحرام ـ فرفع بصرَه إلى السماء، فتبسَّم، وقال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، لَعَنَ اللهُ اليهودَ، لَعَنَ اللهُ اليهودَ! إن الله حرَّم عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانَها، إن الله إذا حرَّم على قومٍ أكْلَ شيءٍ حرَّم عليهم ثمنَه». وإسناده صحيحٌ...
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحوُه، دون قوله: «إن الله إذا حرَّم أكْلَ شيءٍ حرَّم ثمنَه».
فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناسٍ:
① مَشارِبَ تُفسِد العقولَ،
② ومَطاعِمَ تُفسِد الطِّباعَ، وتُغذِّي غِذاءً خبيثًا،
③ وأعيانٍ تُفسِد الأديانَ، وتدعو إلى الفتنة والشرك.
① فصانَ بتحريم النوع الأول العقولَ عمَّا يُزيلُها ويُفسِدُها،
② وبالثاني: القلوبَ عمَّا يُفسِدُها، مِن وصول أثر الغذاء الخبيث إليها، والغاذي شبيهٌ بالمُغتَذي،
③ وبالثالث: الأديانَ عمَّا وُضِعَ لإفسادها.
فتضمَّن هذا التحريمُ صيانةَ العقول والقلوب والأديان.
ولكنَّ الشأنَ في معرفة حدود كلامه ﷺ، وما يدخل فيه، وما لا يدخل فيه، ليستبينَ عمومُ كلماتِه، وجمْعُها، وتناوُلُها لجميع الأنواع التي شَمِلَها عمومُ لفظِه أو معناه، وهذه خاصِّيَّة الفهم عن الله ورسوله الذي تفاوَتَتْ فيه العلماء، ويؤتيه اللهُ مَن يشاء.
زاد المعاد (٦ / ٤١٩ - ٤٢١).