في حكم تكرار العمرة:
لا حرج في تكرار العمرة بل يستحب تكرارها ولو في شهر واحد هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء قال ابن قدامة في المغني: ﺭﻭﻱ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ، ﻭاﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻭﺃﻧﺲ، ﻭﻋﺎﺋﺸﺔ، ﻭﻋﻄﺎء، ﻭﻃﺎﻭﺱ، ﻭﻋﻜﺮﻣﺔ.
ودليله ما ثبت في الصحيحين ﺃﻥ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﺣﺮﻣﺖ ﺑﻌﻤﺮﺓ ﻋﺎﻡ ﺣﺠﺔ اﻟﻮﺩاﻉ ﻓﺤﺎﺿﺖ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﻡ ﺑﺤﺞ ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻭﺻﺎﺭﺕ ﻗﺎﺭﻧﺔ ﻭﻭﻗﻔﺖ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻓﻠﻤﺎ ﻃﻬﺮﺕ ﻃﺎﻓﺖ ﻭﺳﻌﺖ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺪ ﺣﻠﻠﺖ ﻣﻦ ﺣﺠﻚ ﻭﻋﻤﺮﺗﻚ ﻓﻄﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﺮﻫﺎ ﻋﻤﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺄﺫﻥ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻋﺘﻤﺮﺕ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻌﻴﻢ ﻋﻤﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.
ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ ﺛﻢ ﺃﻋﻤﺮﻫﺎ اﻟﻌﻤﺮﺓ اﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ ﻓﻜﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻋﻤﺮﺗﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ.
وعن ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ رضي الله عنه ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: "اﻟﻌﻤﺮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﻤﺮﺓ ﻛﻔﺎﺭﺓ ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ" ﺭﻭاﻩ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ.
فدل هذا الحديث بعمومه على استحباب تكرارها.
فإن قيل: النبي صلى الله عليه لم يفعله فإنه لم يعتمر إلا أربع عمرات في أربعة أسفار وكذلك الصحابة؟
فالجواب من وجهين:
الأول:
أن مشروعية أصل العمرة ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم ومشروعية تكرارها ثابت من قوله كما في حديث أبي هريرة السابق وثابت أيضا بأمره كما في حديث عائشة السابق.
والسنة ليست محصورة في الفعل.
ويقال لهذا: ما حكم تكرار صلاة الضحى كل يوم؟
فإن قال: هو سنة فيقال له: وهل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلاها كل يوم؟.
فإن قال: قد حث على صلاتها كل يوم بقوله "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة...ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" وأوصى أبا هريرة بهما كما في البخاري ومسلم.
فنقول: وقد حث على تكرار العمرة بقوله.
الجواب الثاني:
كونه لم يعتمر في السفر إلا مرة واحدة فجوابه أنه يجوز أنه تركها صلى الله عليه وسلم خشية أن يفرض عليهم فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻴﺪﻉ اﻟﻌﻤﻞ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ.
وأما دعوى أنه لم يكرر العمرة أحد من الصحابة فغير مسلم به كما سبق في حديث عائشة وروى ابن أبي شيبة في المصنف ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رضي الله عنها ﻗﺎﻟﺖ: ﺣﻠﺖ اﻟﻌﻤﺮﺓ اﻟﺪﻫﺮ ﺇﻻ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ: ﻳﻮﻡ اﻟﻨﺤﺮ ﻭﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﺘﺸﺮﻳﻖ.
وروى ﻋﻦ ﻃﺎﻭﺱ ﺃﻧﻪ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﺮﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﺫا ﻣﻀﺖ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﺘﺸﺮﻳﻖ ﻓﺎﻋﺘﻤﺮ ﻣﺘﻰ ﺷﺌﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺑﻞ.
وروى ﻋﻦ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﻗﺎﻝ: اﻋﺘﻤﺮ ﻣﺎ ﺃﻣﻜﻨﻚ.
فإن قيل: قد جاءت آثار عن بعض السلف بالمنع كما رواه ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻭﻟﺪ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ اﻟﻨﻀﺮ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻳﻘﻴﻢ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺑﻤﻜﺔ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻤﻞ ﺭﺃﺳﻪ ﺧﺮﺝ ﻓﺎﻋﺘﻤﺮ.
ورواه الشافعي في المسند عن أنس.
وروى ابن أبي شيبة ﻋﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺃﻧﻪ ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﻣﺮﺗﻴﻦ.
فالجواب أن هذا يبطل قولكم إذ هو يدل على مشروعية تكرارها ثم كونه لا يعتمر حتى يطلع شعر الرأس فهذا اجتهاد من أنس بن مالك والنضر رضي الله عنهما وقد عارضه اجتهاد غيرهم من الصحابة كما رأيت في الآثار وبالإجماع لا يكون قول صحابي حجة على قول صحابي آخر.
✍ #سعيد_الجابري
https://t.me/saeed_algabry