ذكر العلامة الآلوسي رحمه الله كلامًا حسنًا في ذلك، عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَاكُمۡۚ}، فقال:
«ومع شرفِ الانتساب إليه -عليه الصلاة والسلام- لا ينبغي لمن رُزقَه أن يجعلَه عاطلاً عن التقوى ويُدنِّسَه بمتابعة الهوى، فالحسنةُ في نفسها حسنةٌ وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئةُ في نفسها سيئةٌ وهي من أهل بيت النبوة أسوأ.
وقد يبلغُ اتباعُ الهوى بذلك النسيب الشريف إلى حيث يُستحيَ أن يُنسبَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وربما يُنكَر نسبُه.
وعليه قيل لشريفٍ سيِّءِ الأفعال:
قال النبيُّ مقالَ صدقٍ لم يَزَلْ .. يحلو لدى الأسماعِ والأفواهِ
إن فاتكم أصلُ امرئٍ ففعالُه .. تُنبيكُمُ عن أصله المتناهي
وأراك تُسْفِرُ عن فعالٍ لم تزلْ .. بين الأنام عديمةِ الأشباهِ
وتقول إني من سلالةِ أحمدٍ .. أفأنت تَصْدُقُ أم رسولُ اللهِ
ولا يلومنَّ الشريفُ إلا نفسه إذا عومل حينئذٍ بما يكره، وقُدِّمَ عليه مَن هو دونه في النسب بمراحل؛
كما يُحكى أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان أقربَ الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه كان فاسقًا ظاهرَ الفسق، وكان هناك مولًى أسودُ تقدَّمَ في العلم والعمل، فأكبَّ الناسُ على تعظيمه، فاتفق أن خرج يومًا من بيته يقصد المسجد فاتبعه خلقٌ كثيرٌ يتبركون به، فلقيَه الشريفُ سكرانَ، فكان الناس يطردونه عن طريقه، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ، وقال: يا أسود الحوافر والمشافر، يا كافرُ ابنُ كافر، أنا ابنُ رسول الله أُذَلُّ، وأنت تُجَلُّ، وأُهَانُ وأنت تُعَانُ، فهمَّ الناس بضربه، فقال الشيخ: "لا تفعلوا، هذا مُحتمَلٌ منه لجَدِّه، ومعفوٌّ عنه وإن خرج عن حَدِّه، ولكن أيُّها الشَّريف؛ بيَّضتُ باطني وسوَّدتَ باطنَك، فرؤيَ بياضُ قلبي فوق سواد وجهي فحَسُنتُ، وسوادُ قلبِك فوق بياض وجهك فقَبُحتَ، وأخذتُ سيرةَ أبيك، وأخذتَ سيرةَ أبي، فرآني الخَلقُ في سيرة أبيك، ورأوك في سيرة أبي، فظنُّوني ابنَ أبيك، وظنُّوك ابنَ أبي، فعملوا معك ما يُعمل مع أبي، وعملوا معي ما يعمل مع أبيك".
ولهذا ونحوِه قيل:
ولا ينفع الأصلُ من هاشمٍ ... إذا كانت النفسُ من باهلة
أي لا ينفع في الامتياز على ذوي الخِصال السَّنِيَّة إذا كانت النفسُ في حد ذاتها باهليَّة رَدِيَّةٌ، ومن الكمالات عَرِيَّة». اهـ
ــــــــــ