في عالم العلاقات الإنسانية، ينشأ صراع داخلي عميق بين واجب الصدق وعفوية المسايرة.
هذا الصراع ليس مجرد مسألة أخلاقية؛ بل هو اختبار لقدرتنا على التوازن بين احترام مشاعر الآخرين والوفاء لذواتنا.
من يخشى المواجهة يميل إلى التضحية بحقيقته، في محاولة لتجنب الألم المؤقت، غير مدرك أن هذا التجنب قد يتحول إلى ألم دائم، يُثقل الروح ويشوّه الصورة التي رسمها لنفسه.
المسايرة ، في جوهرها، فعل إنساني وتكيف واعي واحياناً غير واعي بتبني مواقف أو سلوكيات تتماشى مع توقعات الآخر أو السياق الاجتماعي، بدافع الحفاظ على الانسجام الظاهري،
وهنا قد يحدث التجاوز ويكمن الخلل
ويتحول الأمر إلى قيد وعبء نفسي يخفي صراعات داخلية بين ما نرغب فيه وما نُظهره.
مثل قارب يسير على بحر من الاحتمالات، يجنح نحو السلامة الظاهرة، لكنه يغفل عن التيارات الخفية التي تدفعه إلى الغرق.
كل لحظة نختار فيها إرضاء الآخر على حساب الحقيقة، نزرع فيها بذرة اضطراب داخلي، تُثمر لاحقًا مواقف لا يمكن السيطرة عليها، تحرجنا أمام ذواتنا والآخرين .
من يخشى الحسم يعيش على حافة الشعور بالذنب، موزعًا بين نية طيبة لا تُفهَم، وخوف من أن يُساء فهمه.
وهنا تنشأ أسئلة عميقة: هل نُقدّم على أنفسنا أحكامًا قاسية لأننا لم نستطع الموازنة بين اللطف والوضوح؟ أم أننا نخشى أكثر أن يرانا الآخرون كمن يخذلهم، حتى ولو كان الثمن هو خيانة حقيقتنا؟
إن أعقد معضلة نفسية تكمن في إدراك أن الهروب من المواجهة لا يحمي أحدًا. إنما يؤجّل فقط الألم، ويحوّله إلى شكل أكثر تعقيدًا. الشجاعة ليست فقط في التصريح بالحقيقة، بل في تقبّل أن الألم المؤقت الناتج عن الوضوح هو أرحم من الدوامة التي يخلقها التردد.
أن تكون صادقًا يعني أن تحترم ذاتك كما تحترم الآخر، وأن تفهم أن الحسم ليس قسوة، بل انعتاق من أغلال التنازلات الصامتة التي تخنق الذات وتُبعدها عن جوهرها الأصيل..
وجدان
24 December 2024