لا أفضل تصوير المرأة القارة في بيتها على أنها امرأة مدللة، تركت الخروج لتنعم بالدلال في كنف البيت، وهذه النظرة عين ما جعل كثير من الرجال بل الناس عامة يقللون من شأن دور المرأة في بيتها.
تصلني عشرات الاستشارات:
«زوجي دائم التقليل من عملي في البيت، لا يرى أني أتعب مع الأولاد، يرى الطهو وترتيب المنزل والقيام على شؤنه وشؤون العيال أشياءً سهلة، على الرغم من إتمامي لكل شيء، الأمر ليس تعقيب على تقصير بقدر ما هو تزهيد من المجهود».
في واقع الأمر فعمل المرأة في بيتها من أشق الأعمال، وليس سهلًا لتلك الدرجة التي يراها من هم خارج الصورة.
إن الأمومة هي الوظيفة الوحيدة التي تجمع عدة وظائف أخرى، فتجدها طبيبة حال الحاجة، وطاهية ومعلمة ومهندسة ومديرة أعمال ومعالجة نفوس، في الواقع إنها تحمل همومًا تنوء بها الجبال الراسيات، فهي تصنع وتوجه وتُشكل، تصنع إنسانًا صالحًا أو طالحًا، وإما تُحسن الغرس فيصبح يانعًا أو تخفق في ذلك فيصيبه الذبول.
بناء النشء ليس سهلًا، وإدارة دفة السفينة في جوف العاصفة مخيف لأعتى نفس ثابتة، وما أهوج العواصف في زماننا!
وعلى كون التربية مهمة مشتركة فإن لها اليد العليا فيها، وعين التربية ما كان تربية بالقدوة لا تلقينًا فقط، فكيف تود أن تقنعني أن امرأة ماكثة في المنزل، تدور الطواحين في رأسها ليل نهار، حاملة لهموم الأمة قبل هموم الأسرة، امرأة خالية تصنع أمورًا عادية سهلة؟
وكيف لك أن تبخس نظافة دارك وأجساد عيالك وسرور عينك على ما تقع، وهدوء بالك ومشاطرتك الأحمال أمرًا لا يدخر فيه جهدًا؟
إن كانت فطرة الرجل وطبيعته بل وبنيته الجسدية ملائمة للأعمال الشاقة، فكفل له الشرع الحنيف أعمال الخارج، وكفل للمرأة أعمال الداخل مراعاة لضعفها قبالته، فإن مشقتها الملائمة لطبيعتها تكابدها داخلًا.
ناهيك عن حال الأم والزوجة فلا يجدر بفتاة عزباء آثرت التعبد لله بلزومها خدرها أن يكون لسان حالها:
«لقد تركت الكد خارجًا لأنعم بالدلال تحت سقف البيت».
فإن كنت تعدين الدلال المزعوم دافعًا فلقد خاب مسعاك، وإن كنت تعدين أمر الله أولًا (وقرن في بيوتكن) محركًا لك لفقهتي حقيقة الأمر.
إن تلك المرحلة الخالية هي مرحلة الإعداد الحقيقي، والمرأة في زماننا حالها كحال رماة يوم أُحد إن تركت ثغرها شاغرًا، داهمنا الأعداء من قبلها.
فمكوثك ذلك إن لم يحف بنية تؤجرين عنها لا خير فيه، فأحسني الإعداد استعدادًا، فالمعركة التي تنتظرك ضارية وإن ألفتِ الركون للقعود استُبدلتِ، وخير ما تفعلينه أن تستدركي حتى يحين أمر الله فيكِ، وإن لم يتحين لك فأشقة ما كابدته تأهيلًا خير شافع لك.
لا ترفعن شعارات الدلال، فإن كان الدلال موجود فهو شيء يسير لا يعول عليه كدافع، وما يخفى خلف الأسوار أمورٌ عِظام، وتكليفات لا تستطيع حملها بحق إلا من فقهت دورها الحق ونَحَت جانبًا شعارات المناكفات وتغليف المسميات بم يخرجها عن أصلها.
وعلى الله قصد السبيل.
- هاجر.