لقد وجدنا في منهج التأمل الجمالي عنصرين مكونين لا يفصلان: أعني معرفة الموضوع، لا باعتباره شيئًا فردياً، وإنما باعتباره مثالا أفلاطونيا، وبعبارة أخرى باعتباره صورة ثابتة لنوع الأشياء بكليته والذات الواعية للشخص العارف، لا باعتباره فردًا وإنما باعتباره ذاتًا عارفة خالصة مجردة من الإرادة، وتلك الحالة التي يظهر فيها هذان العنصران متحدين معال كانت تعد تخليا عن منهج المعرفة المرتبط بعيداً العملة الكافية. وهي المعرفة التي تعد - على العكس من ذلك بمثابة النوع الوحيد من المعرفة الملائم الخدمة الإرادة والخدمة العلم أيضًا. وفضلا عن ذلك، فإننا سوف ترى أن المتعة التي تنتج عن تأمل الجميل، تنشأ من هذين العنصرين، وقد تنشأ أحيانًا من أحدهما أكثر مما تنشأ عن الآخر، تبعا لما يكون عليه موضوع التأمل الجمالي. كل مشيئة تنبع من احتياج، أي من نقص، وبالتالي من معاناة، وإشباع الرغبة ينهيها.ومع ذلك فإنه في مقابل كل رغبة يتم إشباعها تبقى هناك عشر رغبات أخرى محرومة من الإشباع، وفضلا عن ذلك، فإن الرغبة تدوم طويلا، والحاجات والمطالب تستمر بلا نهاية، بينما الإشباع قصير الأجل ويأتي بالكاد. وحتى إذا ما تبدى لنا أن الإشباع النهائي ذاته قد تحقق، فإن الرغبة المشبعة سرعان ما تخلي السبيل الرغبة جديدة، فليس هناك تحقق لموضوع مشيئة يمكن أن يمنحنا إشباعا دائما يبقى على حاله، وإنما هو فإنه طالما استولت الإرادة على وعينا، وطالما كنا مستسلمين لحشد الرغبات بتطلعاتها أشبه بلقيمات تلقى الشحاذ تبقى على حياته اليوم كي ترجئ شقاءه إلى الغد. ولذلك ومخاوفها المستمرة، وطالما أصبحنا موضوعا للمشيئة؛ فإننا لن نحيا ابدا في سعادة أن نخشى بمطالبها المستمرة أو سلام، ومن الناحية الجوهرية، فإنه يستوي الأمر عندئذ أن نلاحق شيئًا أو نفر منه ن الأذى أو تتوق إلى المتعة؛ فالانشغال بالإرادة - بصرف النظر عن الصورة التي تتخذها هذه الإرادة - يشغل الوعي دوما ويتحكم فيه، ولكن دون سلام أو هدوء يستحيل على الإطلاق أن تكون هناك حياة هانئة حقا. وهكذا فإن ، عن موضوع المشيئة مرتبط على الدوام بعجلة إكسيون التي لا تكف عـ الدوران، وهو دائما بمثابة ماء منساب عبر غربال بنات داناوس (**)، وهو تانتالوس (***) الذي يعاني العطش الأبدي.
ومع ذلك، فإنه عندما ينبثق فجأة سبب خارجي أو نزوع باطني من بين تيار المشيئة الذي لا يتوقف، وينتشل المعرفة من عبوديتها للإرادة؛ فإن الانتباه عندئذ لا يصبح موجها بدوافع المشيئة، بل يفهم الأشياء بمنأى عن علاقتها بالإرادة. وبذلك فإنه يتأمل الأشياء دون مصلحة، ودون ذاتية، وبطريقة موضوعية خالصة؛ فهو يهب ذاته لها تماما، من حيث كونها تمثلات وليست دوافع. وعندئذ فإن سلام النفس الذي كنا نبحث عنه دائما ولكنه كان يفر منا دوما مع طريق الرغبة الذي كنا نسلكه من قبل، يأتينا فجأة من تلقاء ذاته، ويصبح كل شيء على ما يرام بالنسبة إلينا. إنها حالة الخلو من الألم التي قرطها أبيقور بوصفها الخير الأسمى وباعتبارها حالة الآلهة؛ لأننا في تلك اللحظة نتخلص من كفاح الإرادة البائس. فنحن عندئذ نهنأ بيوم الراحة الذي نتحررفيه من عقوبة عبودية الإرادة، فعجلة إكسيون تكف عن الدوران.
-ارثر شوبنهاور ، العالم ارادة وتمثلًا
