وكانت السماء تبدو رغم زرقتها باهتة كصفيحة وأنا ارتدي عباءة خضراء بلون عيوني وأسدلتُ على وجهي نقاب أسود كالليل ...
ولكني أمشي حافية على الرمال الرطبة...
ثم رأيتُ آثار أقدام صغيرة متجهة نحو الوادي الصخري لذلك تتبعتُها على طول الكثب الصحراوي الباهت...
تابعتُ الآثار بإنتباه لانها كانت إشارة لي...
اقتفيتُ تلك الآثار حتى انتهت أمام كوخ صغير مصنوع من الطوب الطيني مغطى بالخيزران اليابس ...
قرعتُ الباب 🚪 بتردد ... ثم فتحت الباب امرأة حكيمة تبدو عليها آثار الحرمان مع الاطمئنان .
كانت تضع شالاً حريرياً قرمزياً يتدلى على كتفها بإنسجام وعلى جسدها الناعم تظهر رائحة الرضا ...
أشارت لي بالجلوس في الركن الدمشقي الممزوج بالقرنفل وكأنها تعرفني جيداً .
ثم دار بيني وبينها اللقاء الموسيقي التالي:
أنا : هل أقاطعكِ يا أمي؟
هي : لم تقاطعيني يا امرأة العواصف
أنا : عذراً إن كنت أعيق تعبدكِ
ِولكني أعلم أنها فرصة نادرة أن أقابلكِ .
هي : ما هي رغبتكِ يا ابنتي ؟
أنا : ليس لدي رغبات
أعتقد ذلك واعتقد أيضاً أنني غريبة أطوار .
هي : الوقت يمر بسرعة.
أنا : هل هذا ممكن؟
لابد أن تكون حياتكِ صاخبة إذاً .
هي : على العكس تماماً ... حياتي رتيبة بشكل مخيف بالنسبة إلى الآخرين.
أنا : كيف لا تشعرين بطول الوقت إذاً؟
هي : يشعر الكسالى فقط بالملل ...
يجب أن تعرفي ما الذي يشغل الإنسان الذي يغطيه الحزن .
أنا : أعذريني يا أمي ... و لكن فضولي أكبر من حجمي، ما الذي يشغلكِ ؟
هي : أنا اقرأ في ساعات منتظمة، أقرأ مراراً و تكراراً الكتاب ذاته ...
أنا: أجد صعوبة بإستيعاب ذلك، يبقى الكتاب ذاته ولكنه عميق بشكل سماوي ومقدس ...
كل مرة اقرأ تخطر بذهني أفكار جديدة ...
يمكن لكل كلمة أن تخترق روحي وكأني أقرأها للمرة الأولى .
هذا سر التكرار والذي لا يعرفه الحمقى..
هي : عليكِ أن تعرفي أمراً مهماً يا صغيرتي ... لا تحتوي سلسلة مترابطة من الكلمات على معنى واحد فقط ...
لكن البشر يعملون بجهد على تحديد معنى واحد بهدف الوصول إلى فهم واحد.
هذا الجهد ينتمي للطبقة البسيطة لكن في الطبقات الأعلى من التبصر سوف تدركين أن هناك أكثر من معنى لسلسلة مترابطة من المترادفات.
أنا : هل تقصدين الإزدواجية يا أمي؟
أي معنى ظاهري وآخر باطني .
هي : هذه أفكارك ... و هنا مشاعرك ... و هذا عشاؤك... نامي الآن و لا تنسي صلاتكِ غداً.
رأيتُ الشمس تغرق في الأفق الصحراوي وسرعان ما يغمرنا الظلام...
الليل هو فترة الصمت المقدس.
هناك يعيش المعتزل في صحراء لا نهاية لها، صحراء مليئة بالجمال المخيف ..
#امرأة_العواصف