عبدالجبار الرفاعي @refaee Channel on Telegram

عبدالجبار الرفاعي

@refaee


مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ

عبدالجبار الرفاعي (Arabic)

قناة عبدالجبار الرفاعي هي مكانك المثالي لاكتساب المعرفة والحكمة. يقدم لك هذا القناة الفرصة للاستفادة من تجارب الحياة والدروس التي تعلمها عبدالجبار الرفاعي ao عبر السنوات.

مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ هذا هو الشعار الذي تتبعه القناة، حيث يهدف إلى تحفيز الناس على تحقيق النجاح في حياتهم وتحقيق أهدافهم. إذا كنت تبحث عن مصدر للإلهام والتحفيز اليومي، فإن هذه القناة هي المكان المناسب بالنسبة لك.

عبدالجبار الرفاعي هو شخص يستحق الاحترام والتقدير، وقناته تعكس قيمه ومبادئه. انضم إلينا لتكون جزءًا من هذه المجتمع الذي يسعى للنجاح والتطور. اكتشف كيف يمكن لكلماته وتجاربه أن تغير حياتك وتلهمك لتحقيق أحلامك. انضم اليوم وابدأ رحلة النمو الشخصي والتحفيز.

عبدالجبار الرفاعي

13 Feb, 19:10


عبد الجبار الرفاعي يؤسس رؤيته الجمالية في الدين على أساس تعريفه العميق للدين، حيث يعرّفه بقوله: “الدين حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية.”

من هذا التعريف، يظهر أن الرفاعي لا ينظر إلى الدين بوصفه مجرد عقائد وأحكام، بل بوصفه تجربة وجودية تمنح الإنسان معنى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا. وبالتالي، فإن الرؤية الجمالية عنده ليست عنصرًا ثانويًا أو مكمّلًا للدين، بل هي جزء أصيل من جوهره.

كيف تتجلى الرؤية الجمالية في الدين وفقًا لهذا الأساس؟
1. الجمال كجزء من الحاجة الوجودية للدين
      •   الدين عند الرفاعي ليس مجرد التزام بالعقائد والشرائع، بل هو استجابة لحاجة الإنسان إلى تجربة روحية وجمالية تمنحه الطمأنينة والمعنى.
      •   هذه الحاجة إلى الجمال تتجسد في التأمل في الكون، وفي الشعور بالسمو الروحي، وفي الانجذاب إلى القيم الأخلاقية الرفيعة.
2. الجمال في المعنى الروحي للدين
      •   بما أن الدين يمنح الإنسان معنى روحيًا، فإن هذه الروحانية ترتبط بالجمال، حيث تفتح أفقًا للتذوق الجمالي عبر التأمل في العالم والعلاقة مع المقدّس.
      •   التصوف مثال على ذلك، حيث يرتبط بالسعي نحو تجربة جمالية للحب الإلهي والوجد الروحي.
3. الجمال في الأخلاق والسلوك
      •   يرى الرفاعي أن الأخلاق ليست مجرد قواعد نفعية، بل هي تعبير عن الجمال الداخلي للإنسان، حيث يصبح الشخص المتخلق إنسانًا جميلاً في سلوكه وعلاقاته.
      •   هذا ينسجم مع تعريفه للدين بأنه يمنح معنى أخلاقيًا، مما يعني أن الجمال ليس محصورًا في الفنون أو الطبيعة، بل يشمل المعاني والقيم السامية أيضًا.
4. الجمال في الخطاب والتجربة الدينية
      •   بما أن الدين عنده هو “حياة في أفق المعنى”، فهذا المعنى لا يمكن أن يكون جافًا أو منفّرًا، بل يجب أن يكون مشبعًا بالجمال، سواء في الخطاب الديني أو في الممارسات والشعائر.
      •   ينتقد الخطابات التي تفرّغ الدين من بعده الجمالي، سواء عبر الترهيب أو الجمود، ويدعو إلى استعادة الجمالية في التعبير عن الدين، كما نجد في النصوص الدينية الراقية أو الفنون الإسلامية.
خلاصة
عبر هذا التأسيس، يربط الرفاعي بين الدين والجمال بشكل عضوي، فلا يمكن فصل البعد الجمالي عن الدين، لأن الدين في جوهره يمنح الإنسان معنى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا، وكل هذه الأبعاد متداخلة في تشكيل تجربة دينية حية وعميقة.

عبدالجبار الرفاعي

13 Feb, 19:10


فلسفة تجديد الفكر الديني عند عبد الجبار الرفاعي تقوم على إعادة بناء فهم الدين استنادًا إلى رؤية حديثة تستلهم مكاسب الفلسفة والعلوم الإنسانية، مع الحفاظ على البعد الروحي والأخلاقي للدين. في رؤيته، التجديد لا يعني هدم التراث أو القطيعة معه، بل تحريره من الجمود وإعادة تأويله بما يتناسب مع متغيرات العصر، من دون أن يفقد جوهره الوجودي والمعنوي.

ملامح فلسفة التجديد عند الرفاعي
1. الدين بوصفه حياة في أفق المعنى
يرى الرفاعي أن الدين ليس مجرد منظومة عقائدية أو طقوسية، بل هو حاجة وجودية للإنسان تمنحه معنى روحياً وأخلاقياً وجمالياً في حياته الفردية والمجتمعية.
2. التمييز بين الدين والتدين
يفرق الرفاعي بين الدين في جوهره المتعالي والتدين بوصفه فهمًا بشريًا متغيرًا، حيث يرى أن التدين يتأثر بالسياقات التاريخية والاجتماعية، وبالتالي فهو بحاجة مستمرة إلى مراجعة وتجديد.
3. نقد القراءة الأداتية للدين
يرفض توظيف الدين كأداة في السياسة أو الإيديولوجيا، معتبراً أن هذا الاستخدام يشوّه جوهر الدين ويختزله في بُعد نفعي، في حين أن الدين في جوهره يتعلق بمعنى الحياة والبعد الروحي والأخلاقي للوجود.
4. إعادة بناء علم الكلام والفكر الديني
يدعو إلى تطوير “علم كلام جديد” يواكب تطورات الفلسفة والعلوم الحديثة، بعيدًا عن المقولات الجدلية التقليدية التي لم تعد تلبي أسئلة العصر.
5. التعددية الدينية والانفتاح على الآخر
يؤمن بضرورة الاعتراف بالتنوع الديني والتعددية في الفهم، ويرى أن الإيمان لا يتنافى مع قبول الآخر المختلف، بل إن الدين في جوهره يحمل قيم التسامح والانفتاح.
6. الروحانية العميقة مقابل التدين الاستهلاكي
يدعو إلى استعادة الروحانية العميقة في التدين، بدلاً من النزعة الاستهلاكية للدين التي تركز على المظاهر والشكليات، ويؤكد أن التجربة الروحية الحقيقية هي التي تمنح الإنسان الطمأنينة والمعنى.

أهمية مشروع الرفاعي في تجديد الفكر الديني:
مشروع عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني يمثل محاولة للخروج من المأزق الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية بين الجمود والانغلاق من جهة، والتفكك والانفصال عن التراث من جهة أخرى. وهو بذلك يسعى إلى تأسيس رؤية دينية حديثة تستوعب التحولات الفكرية والاجتماعية، دون أن تفقد صلتها بالبعد الروحي والأخلاقي العميق للدين.

عبد الجبار الرفاعي يولي أهمية كبيرة للرؤية الجمالية في الدين، حيث يرى أن الدين ليس مجرد منظومة عقائدية أو مجموعة أحكام فقهية، بل هو تجربة روحية وجمالية تمنح الإنسان إحساسًا بالسمو والمعنى في الحياة. في رؤيته، الجمال متجذر في الدين، سواء في النصوص المقدسة، أو في الطقوس، أو في البعد الأخلاقي والسلوكي الذي يعكس قيم الرحمة والمحبة والتسامح.
ملامح الرؤية الجمالية في الدين عند الرفاعي
1. الدين بوصفه تجربة روحية وجمالية
      •   يرى أن الدين يمنح الإنسان إحساسًا بالجمال من خلال علاقته بالوجود، إذ يحفّزه على التأمل في الكون بوصفه تجليًا للجمال الإلهي.
      •   يؤكد أن الشعائر الدينية ليست مجرد تكاليف، بل تحمل في طياتها بعدًا جماليًا وروحيًا يغذي وجدان الإنسان.
2. الجمال في الخطاب الديني
      •   ينتقد الخطابات الدينية التي تركز على الترهيب والوعيد، لأنها تفرّغ الدين من بعده الجمالي والإنساني.
      •   يؤكد أن الخطاب الديني الأصيل يجب أن يكون محمّلًا بالقيم الجمالية التي تجذب الإنسان إلى الدين عبر الحب لا الخوف.
3. التجربة الجمالية في التصوف
      •   يعتبر أن التصوف الإسلامي يمثل أحد أعمق تجليات الرؤية الجمالية في الدين، حيث يركز على الذوق الروحي والحب الإلهي.
      •   يرى أن كبار المتصوفة عبّروا عن هذه الجمالية من خلال الشعر والفن والموسيقى والتجربة الروحية العميقة.
4. الفن والدين: علاقة تكاملية
      •   يرفض النظرة المتشددة التي تحرم الفنون، ويرى أن الفنون الراقية تعبر عن عمق التجربة الدينية والجمالية.
      •   يدعو إلى استعادة الحس الجمالي في التعبير الديني، سواء في العمارة الإسلامية، أو الخط العربي، أو الموسيقى الروحانية.
5. الأخلاق بوصفها جمالًا معنويًا
      •   يؤكد أن الأخلاق ليست مجرد التزام سلوكي، بل هي تعبير عن الجمال في التعامل مع الآخرين، حيث تتجلى في الرحمة والتسامح والعطاء.
      •   يربط بين الجمال والأخلاق، معتبرًا أن الشخص الأخلاقي يعكس جمالًا داخليًا يتجلى في أفعاله وسلوكه.

الدين والجمال: استعادة البعد الروحي العميق
من خلال هذه الرؤية، يسعى الرفاعي إلى استعادة البعد الجمالي العميق في الدين، بعيدًا عن التصورات الصارمة التي اختزلته في مجموعة من القوانين الجامدة. فهو يرى أن الدين الحقيقي هو ذلك الذي يبعث في الإنسان الإحساس بالجمال، سواء في علاقته بالخالق، أو بالطبيعة، أو بالآخرين، أو حتى في رؤيته للحياة والوجود ككل.

عبدالجبار الرفاعي

13 Feb, 18:44


https://youtu.be/YW4n_LLcVCQ?si=XROSQjNewRmn03wN

عبدالجبار الرفاعي

13 Feb, 17:25


الإنسانُ منذورٌ للحُبّ؛ يولد وتولد معه الحاجةُ الأبدية للمحبّة، الرضيع يتشبث بأمه ليل نهار، لا يطلب رضاعة الحليب فقط، بل يرتضع المحبة ودفء حنان الأم وحميميتها وشفقتها. وإن كان لا يستطيع في تلك المرحلة العمرية التعبير عن ذلك بالكلمات، فإنه يعبر عنه جسديًّا برغم عجزه عن التعبير اللغوي. كلمات المحبة الصادقة، الصادرة من إنسان يتقن صناعة المحبة الأصيلة والاستثمار فيها، تبعث الطمأنينة في القلب والسكينة في الروح. عندما يفتقر الإنسانُ إلى المحبة، يشعر كأنه يعيش في منفى كئيب داخل أسوار مدينة موحشة، لكن حين يعثر على منبع للمحبّة، يسترد ما يفتقر إليه من سكينة وطمأنينة تصيّر عيشَه عذبًا.
مادام الحُبّ أثمنَ ما يظفر به الإنسانُ من المعاني وأغلاه، فإن نيلَه يتطلب معاناةً شاقةً وجهودًا مضنية. الحُبّ ليس صعبًا فقط، بل هو عصيٌّ على أكثر الناس، لا يسكن الحُبّ الأصيلُ إلا الأرواحَ السامية، ولا يناله إلا مَن يتغلّب بمشقةٍ بالغةٍ على منابع التعصّب والكراهية والعنف والشر الكامنة في أعماقه. حُبّ الإنسان من أشقِّ الأشياء في الحياة، لأن الإنسان بطبيعته أسيرُ ضعفه البشري، يصعب عليه أن يتخلّص من بواعث الغيرة في ذاته، وما تنتجه غيرتُه من منافساتٍ ونزاعاتٍ وصراعات، وما يفرضه استعدادُه للشرِّ من كراهياتٍ بغيضة، وآلامٍ مريرة .
كما أنَّ أخطرَ شيءٍ على الفكرِ والأدبِ هو عبادةُ الأصنامِ الفكريةِ والأدبيةِ، فإنَّ أخطرَ ما يفتكُ بالقلبِ هو تحويلُ المحبوبِ إلى صنمٍ. الحُبُّ يُغذِّي النرجسيةَ ويُشبعُها، وأحيانًا يُضخِّمُها إلى درجةٍ تُفسدُ الحُبَّ، حين يُسرفُ بعضُ المحبين في الثناءِ على ذواتِهم، ويفرطون في استعمالِ كلمةِ "أنا" بشكلٍ مبتذل، وتكرارِ الإعلانِ المُثيرِ عن مزاياهم وما يتفوَّقون به على غيرهم، بأسلوبٍ تسودهُ كثيرٌ من المبالغاتِ وحتى الأكاذيب. ويظلُّ بعضُهم يُلحُّ، داعيًا حبيبَهُ للإصغاءِ إليهِ في كلِّ مرةٍ يثرثرُ بهذهِ الكلماتِ المُملّة، ولا يسمحُ لهُ بالتحدثِ عن ذاتِه، وكأنَّهُ يُبلغهُ برسالةٍ مفادها التفوّقُ عليهِ وعلى غيرِهِ، حتى يشعرَ مَن يُنصتُ إليهِ بالاشمئزازِ من الحديثِ وتنضبُ روافدُ التواصلِ معهُ بالتدريج.

عبدالجبار الرفاعي

13 Feb, 17:25


يترجم القلبُ كلمات الحُبّ بمعنى واحد
د. عبد الجبار الرفاعي
يولد الحُبّ في لغة القلب، وهي من أصدق وأعذب اللغات في العالم. يترجم القلبُ كلَّ لغات الحُبّ وكلماته المتنوعة في مختلف اللغات بمعنى واحد، لا يرى الإنسانُ في كلمات الحُبّ بكلِّ اللغات إلا الضوء. الحب يعيد إنتاج الذكريات وكأنها ضوء يخلِّد أجمل ما يمكث من الإنسان، الحُبّ يوقد جذوة الضوء في القلب، القلبُ الذي يعيشُ الحُبّ لا يدركه الوهنُ، ولا ينهكه تقدمُ العمر. مَن يتعلم الاستثمار في الحُبّ يرى الضوء بمن يتعامل معه، ويجعل حياته أسهل، وعيشه أسعد، ويظفر بجذوة الروح وبهجتها.
الحُبّ الأصيل يعنى كون الإنسان المحبوب يمتلك ضميرًا أخلاقيًّا يقظًا، هذا الضربُ من الحُبّ لا يرهقه فعلٌ مهما كان شاقًّا، بل يجعل كلَّ شيء عذبًا، وإن لم يكن في ذاته عذبًا. ما أعنيه هو الحُبّ الأخلاقي الأصيل غير المشروط، الحُبّ الذي يبادر فيه كلٌّ من المحبَّين بالعطاء بلا أية مقايضة أو استرداد لما أعطى، ويكون مَن يُحب مستعدًا لتقديم كلِّ شيء بلا أن يمنّ بما أعطى. أتحدثُ عن الحبِّ الأصيلِ الذي يحميهِ سياجٌ أخلاقي، لا أعني بعضَ الأخلاقِ الكلاميةِ والفقهيةِ المضادةِ لما يحكمُ بهِ العقلُ الأخلاقي . الأخلاقُ هنا بمعنى العقلِ العمليِّ، وهي ما يُحسِّنُهُ ويُقبِّحُهُ العقلُ الأخلاقي.
الحُبّ الأخلاقي الأصيل ضرب من الامتنان والإكرام، مَن يحبّك يكرمك ويعبر عن امتنانه العميق لك. الحُبّ المشروط مُشبَّع بالمن لا بالامتنان، والإكراه لا الاختيار، والفرض لا التطوع، والتكلف لا المبادرة، مما يجعله ضربًا من الاستعباد. يتحول الحُبّ المشروط بمرور الأيام إلى قائمة مطالب لا تنتهي، تتراكم وتضاف إليها كلّ يوم مطالب جديدة، حتى يشعر الإنسان أنه يتعرض إلى عملية ابتزاز تستنزفه وتنهك قلبه، وتعبث بسلامه الداخلي.
الحُبّ الأصيل يخفضُ وتيرةَ الخوف والقلق، ويحرّر الإنسانَ من الاكتئاب وفقدان المعنى. الحُبّ الأصيل مُلهِمٌ، الاستبصاراتُ الحاذقة يُلهمُها الحُبّ، استفاقةُ العقل يُلهمُها الحُبّ، العفو والغفران والرفق واللطف يُلهمُها الحُبّ. لا يتوقف فعلُ الحُبّ عند القلب والعواطف، بل يظهر أثرُه بشكل واضح في توجيهِ بوصلة التفكير وغاياته في العقل، وبناءِ رؤية جمالية لله والإنسان والعالَم، واثراءِ الشعور بسحر تجليات الجمال في الوجود، وإيقاظِ البهجة في أعماق الإنسان. الحُبّ ينقذ الإنسان من الاغتراب الاجتماعي، ويخفض الاغتراب الوجودي. اكتشاف الحُبّ الأصيل من أثرى اكتشافات المعنى الجميل الملهم لحياة الإنسان.
في مراحلِ عمر الإنسان كلّها، وبتنوّعِ دروب حياته، واختلافِ أنماط عيشه، وتجّددِ احتياجاته ومصالحه، وتضاعفِها، أو تضاؤلها، يظلّ الحُبّ أعذبَ منابع المعنى في حياته. لن يتراجع الأثرُ المُلهِمُ للحب مهما تقلبت أيامُه واختلفت. يلبث الإنسانُ حتى اللحظات الأخيرة من عمره بأمسّ الحاجة إلى كلمةِ حب صادقة، وضوءِ قلبٍ محب، ومحبةِ روحٍ مشفِقة. جوهرُ المحبة ضوءٌ يكشفُ تجلياتِ جمال المُحِب والمحبوب. محبّة خلق الله من أعظم النعم الإلهية، هذه النعمةُ يفتقر إليها بعضُ الناس الذين يتظاهرون بالتديّن. أعرف بعضَهم يدمن الطقوسَ والشعائر، لكنه يعجز عن المبادرةِ بأيِّ موقفٍ جميل أو فعلٍ أو كلمة تجسِّد محبتَه للناس.
القلوب مرايا؛ عندما يكون الإنسان سخيًّا بكلمة الحُبّ الصادقة يمتلك قلوب الناس السليمة من الأمراض الأخلاقية، ويسهم في مداواة النفوس المصابة بأمراض نفسية. المحبة الصادقة هي رصيد العلاقات الإنسانية المثمرة، يكرسها العمل المتواصل على اكتشاف المشتركات العاطفية والأخلاقية والإنسانية مع الآخر، مع التغاضي عن الاختلافات الاعتقادية والأيديولوجية والفكرية والمزاجية، وتجاهل الكلام والمواقف والثرثرات المزعجة، وعدم التدخل في الخصوصيات الشخصية، إلا إذا بادر الآخر بإخبارنا بمشكلة في حياته الخاصة وطلب منا التدخل والدعم بشأن خاص به، يدعونا العيش بسلام إلى أن نكفّ عن ملاحقة عثرات وأخطاء الآخرين. لو رأينا أعماق الإنسان كما هي لأصابنا الذعر؛ الحُبّ هو الحالة الوحيدة التي تجعلنا نرى الإنسان كما يراه الله بنوره ورحمته التي وسعت كلَّ شيء. الإنسان الذي يمتلك القدرة على الاستثمار في الحُبّ وتذوق تجليات الجمال في العالم لا يدركه الهرم. يضيع الإنسان، حتى وإن ظفر بكلِّ شيء، عندما يضيع عليه الطريق إلى الحُبّ الأصيل في حياته.‏

عبدالجبار الرفاعي

12 Feb, 15:14


عبدالجبار الرفاعي.. حضور المحبة الكثيف

د. نصير جابر
في العراق – ولعقود طويلة خلت- تبدو مهمة المفكر صعبة ومعقّدة للغاية، بل قد تكون مستحيلة، لأنّه سيكون دائما على المحكّ مع “الأفكار” السائدة في المجتمع لحظة حضوره بطروحات حرة قد لا تكون بالضرورة مشابهة ومتناغمة مع غيرها. ومن هنا سيكون عليه سلوك طريقين – لو أراد البقاء في بلده- أما التخلّي عمّا يؤمن به ومهادنة السلطة و”أفكارها”، وأما الصمت المطبق، وسيكون لحظتئذ قد حكم على نفسه بالموت المعنوي البشع الذي لا يمكن أن يتقبّله أي عقل حركي فعّال، أو اختيار الطريق الثالث الشاق والصعب، لكنه الأسلم وهو الهجرة بما يحمله من آمال وتطلعات معرفية إلى فضاء آمن يستطيع فيه أن يقول كلمته من دون قيد أو شرط.
وهكذا فعل المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي الذي هاجر إلى ايران منذ عقود طويلة، ولم يرجع إلاّ بعد أن تنفس الوطن رائحة الحرية، وصار من الممكن أن تقول ما تؤمن به من دون خوف من رقابة مجرمة صارمة.
ولسنوات طويلة قبل أن أقرأ له كتابا منفردا، كان هذا الاسم يعني لي مجلة “قضايا إسلامية معاصرة” فقط، فمنذ ظهورها عام 1997 كانت توفر بموادها الرصينة الخصبة مساحة من متعة معرفية راقية لا تقدّر بثمن، ومهما كنت تنتمي إلى حيز فكري بعيد جدا عنها وعن توجهها فلن تجد فيها إلّا مجلة قريبة منك، لأنها تحاول أن تجايل الراهن المعرفي وتخاطبه بمودة وتَفهم ومن دون عدائية أو انتقاص!
وهذا الانطباع سينسحب على صاحبها ومؤسّسها الدكتور الرفاعي الرجل الهادئ البعيد جدا عن الصدام والعراك والجدل الذي لا طائل منه.
والمتواضع الذي لا تكاد تسمع صوته وهو يتحدث حتى لا يشعرك بفوقانية ما، أو تعال أو تكبّر يصاحب عادة أغلب المشتغلين بهذا المجال بوصفهم مُلاك حقيقة مطلقة، فالرجل عكس ذلك تماما، إذ يرى في الحضور الفعّال هو الغاية من وجود المفكر وسط صخب الحراك الثقافي، لذلك عندما رأيته أوّل مرة خلال استضافة اتحاد الأدباء والكتاب له في النجف الأشرف قبل سنوات، شعرت أن انطباعي الأوّل عنه – الذي كونته من خلال المجلة وتوجهها- انطباع صحيح جدا.
فالرجل غارق بتأمل العالم الرصين ومنشغل بهموم الإنسان المتصالح مع الذات، الباحث عن حلّ ناجع وأسئلة جديدة يمكن أن تسهم في زيادة الألفة بين الناس وتبتعد عن التعصب المقيت والتطرف الاجرامي أو الخوف والقلق من ماض شائك تعتريه المشكلات الكبيرة والمعضلات المستغلقة ومستقبل غامض مربك قد تضيع فيه هوية الإنسان وتنمسخ.
لذا بدا لي الرجل غير مكترث تماما بما يمكن أن تفعله الأضواء نحوه كمثقف بارز واسم لامع في ثقافتنا المعاصرة. إذ عاش للكتب والكتابة وكأنها مهمته الوحيدة في الحياة حتى إنه قال في آخر كتبه “مسرات القراءة ومخاض الكتابة.. فصل من سيرة كاتب” الصادر عن دار تكوين- الرافدين في الكويت عام 2023 «لم أجد نفسي خارج الكتابة منذ أكثر من 45 عاماً تقريباً”.
إن الجهد الكبير والشاق الذي بذله الرفاعي يأتي من دقّة اشتغالاته الفكرية في مساحات الأديان، وما لحق بها من امتداد تأريخي، وتأكيده الدائم على النزعة الإنسانية فيها، وإنّها -أي الأديان- منظومات روحية أخلاقية عالية جاءت من أجل الرقي بروح الإنسان نحو مصاف عالية سامية.
ومن يتأمل نتاجه العميق سيرى ذلك واضحا في كتبه مثل “انقاذ النزعة الإنسانية في الدين، تمهيد لدراسة فلسفة الدين، الدين والظمأ الأنطولوجي” وغير ذلك في عشرات المقالات المؤسّسة لهذه الفكرة النقية النبيلة، التي تبدو من الأهمية بمكان لتشكّل علامة فارقة في مسيرته الفكرية الطويلة.
حاز الرفاعي العديد من الجوائز المحلية والدولية الرفيعة تقديرا لجهوده المميزة. ولكن أزعم إن من بين أهم تلك الجوائز التي استحقها في حياته هي اتقان دوره التنويري من دون تشتّت وتحديد مجاله المعرفي بدقّة والاندكاك فيه حدّ التماهي من دون الدخول في صراعات جانبية لا تغني المعرفة شيئا.
ومن الضروري القول أيضا إن منجزه الفكري كان مادة خصبة للعديد من الرسائل والأطاريح الجامعية في دول عديدة، بوصفه رائدا من رواد علم الكلام الجديد ومفكرا عميقا أغنى المعرفة بفكر إنساني خلّاق.

د. نصير جابر، كاتب عراقي.

https://al-aalem.com/رؤى-للتجديد-بمناسبة-الذكرى-السبعين-لو-5/

عبدالجبار الرفاعي

10 Feb, 17:05


الحياةُ الروحية للأديان في مختلف المجتمعات تُدلّل على ذلك، ففي المجتمعات الغربية التي يُمنَح الأشخاصُ فيها حريةً دينيةً واسعة، لا تسودها ظواهر، مثل: مسلم يصلي في معبد هندوسي، أو هندوسي يؤدي طقسَه في المسجد. وقلّما نعثر على أشخاص يتخبطون في تجريب الأديان وطقوسها، بغيةَ إرواء ظمئهم الأنطولوجي، وعادةً ما يعيش مثل هؤلاء ضياعًا وتمزقًا وقلقًا واضطرابًا، ذلك أنهم كشارب ماء البحر، كلّما شرب منه اشتدّ ظمؤه.
يُشاع أن العرفاء يبلغون مقامًا في سلوكهم الروحي يهجرون فيه العبادةَ، وهذا غير صحيح لأن ذوي البصائر من العرفاء يشددون على أن: الشريعةَ توصل إلى الطريقة، إلا أن الشريعةَ لا تتعطّل عند بلوغ الطريقة، وأن الطريقةَ توصل إلى الحقيقة، إلا أن الشريعة لا تتعطّل عند بلوغ الحقيقة.
لا طريقةَ بلا شريعة، لا حقيقةَ بلا طريقة، الشريعةُ غطاءُ الطريقة، الطريقةُ غطاءُ الحقيقة. هذا ما فسّروا فيه ما هو منسوب للنبي الكريم "ص": "الشريعةُ أقوالي، والطريقةُ أفعالي، والحقيقةُ أحوالي" . "الشريعةُ أمرٌ بالتزام العبودية، والحقيقةُ مشاهدةُ الربوبية، وكلُّ شريعةٍ غيرُ مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول، وكلُّ حقيقةٍ غيرُ مقيدةٍ بالشريعة فأمرها غير محصول. والشريعةُ جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقةُ إنباءٌ عن تصريف الحق. فالشريعةُ أن تعبده، والحقيقةُ أن تشهده. والشريعةُ قيام بما أمر، والحقيقةُ شهود لما قضى وقدّر، وأخفى وأظهر". حسب تفسير أبو القاسم القشيري . ويقول أحمد زروق: "الشريعةُ أن تعبده، والطريقةُ أن تقصده، والحقيقةُ أن تشهده. أو تقول: الشريعةُ لإصلاح الظواهر، والطريقةُ لإصلاح الضمائر، والحقيقةُ لإصلاح السرائر".

الموضوع مستل من الفصل الأول من كتابي: الدين والكرامة الإنسانية، وهو جواب لسؤال أحد المعلقين باسم "محب العربية" على ما نشرته قبل ليلتين على صفحة الفسبك وهذا نص سؤاله: (إن كانت العبادة جوهرية في كل دين، فلماذا لا تكون لكل مفكر وفيلسوف عبادته الخاصة التي تتواءم مع صورته عن الدين الذي يعتقده؟ ألا ترى أن العبادات تختلف بين الأديان فليست هناك عبادة صحيحة أو مطلقة؟ ألا ترى أن العبادات وضعت في الأصل للجمهور من عوام الناس؟).

https://www.facebook.com/100001524003286/posts/pfbid02sPXxVQMfSfSW8gSnKGCMT5nMks1NHvThcdYggBQ2Gw2xo9k6ejbmFvMKwvfKdKoZl/

#عبدالجبار_الرفاعي
#العبادة

عبدالجبار الرفاعي

10 Feb, 17:05


الدينُ كائنٌ حيٌّ يطلبُ ما يمدُّه بالحياة

عبدالجبار الرفاعي
العبادةُ مكونٌ أساسي في ماهية كلِّ دين، حيثما كان الدينُ كانت العبادةُ والطقسُ، لأن الدينَ يعبّر عن الحاجة للصلة بموجود لا متناهٍ في وجوده وقدرته وعلمه وكلِّ شيء. ‏العبادةُ هي التعبيرُ الحي عن هذه الصلة. الصلةُ الوجودية مالم تظل متدفقةً دائمةَ الفيض، فإنها تتبدّد وتتلاشى، ومالم تظل مضيئةً باستمرار، فإنها لو انطفأت تصاب روحُ الإنسان بالوهن والعجز، ومالم تظل منهمرة، فإنها لن تبلغ غايتها فتروي الظمأ الوجودي.
العبادةُ الحقيقية تُثري رؤيةَ الدينِ للعالَم، ففي الإسلام تُثري الصلاةُ الصادقة رؤيةَ المسلم للعالَم، وتُلهمها بمعناها الروحي والأخلاقي، وتجعل من هذا المعنى أفقًا تتشكّل في ضوئه حياةُ الإنسان الخاصة وعلاقاتُه الاجتماعية المتنوعة. وحسب تعبير علي عزت بيغوفيتش: "ليست الصلاةُ مجرّد تعبير عن موقف الإسلام من العالَم، إنما هي أيضًا انعكاسٌ للطريقة التي يريد الإسلامُ بها تنظيمَ هذا العالَم".
الإيمانُ كائنٌ حيّ يقظٌ فوّار، وهو أمرٌ وجودي، لا يتحقّق ويزدهر من دون روافد يستقي منها وجودَه، وتتجدّد بها حياتُه. إنه جذوةٌ مشتعلة، وهذه الجذوةُ بلا صلاة وطقوس تظلّ تذوي شيئًا فشيئًا حتى تنطفئ. مالم تتكرّر الطقوسُ والصلاةُ في سياق تقليدٍ عباديٍّ مرسومٍ، يذبل الإيمانُ ويذوي حتى يصير حطامًا. الإيمانُ بمثابة حديقة الأزهار، مالم نواظب على سقيها تذبل وتموت وتندثر. الصلاةُ والطقوسُ كأنها ينابيعُ مياه عذبة صافية تسقي حديقةَ الإيمان، لولاها لاندثر وأصبح هشيمًا تذروه الرياح.كما أن بناءَ الإرادة وترسيخها على الدوام من الأغراض الأساسية للعبادة في الأديان، ‏وإن كانت هذه العبادة تنحرف أحيانًا عن غايتها الأصلية، وتستخدم في وظيفة مضادة.
اهتمَ كلُّ دين معروف اهتمامًا واضحًا بالعبادة، وحرصت كلُّ الأديان على رسم تفاصيلها بجلاء، وحذّرت مَنْ يتبع الدينَ من أدائها كيفما يشاء خارج رسمَها المحدّد، لأنه يهدرُ وظيفتَها ويمسخُ هويتَها. القولُ بأن لكلِّ شخص عبادته وصلاته الخاصة كلامٌ غريبٌ على منطق الأديان، وما ترمي إليه العبادةُ فيها، وأغربُ منه محاولات بعض الناس ترقيع والتقاط عناصر متضاربة من أديان مختلفة في عباداتها وطقوسها وشعائرها، وخلطها ببعضها ولصقها بصورة متناشزة مشوّهة، وممارستها بشكل يمحقُ الدينَ، وينتحلُ حالةً زائفة للإيمان.
إن تاريخ الأديان الطويل ينبؤنا بأن العبادات تشكِّل رافدًا يغذي الصلة الوجودية الحيّة بالوجود المطلق، الذي يتجلى في كلِّ دين على شاكلة شريعة أتباعه. وأن ما تتميز به العباداتُ يكمن في اشتراك ماهيتها وصورتها بين أتباع الدين الواحد. ولم يصادف أن نجد دينًا أتاح لمعتنقيه أن يختاروا عباداتهم خارج إطار شريعتهم، أو يلتقطون عناصرها من أديان متنوعة كيفما يشاؤون.
في ضوء هذا المفهوم للعبادة في الأديان، نجد الهندوسي يؤدي طقسَه وعبادتَه الخاصة في معبده، وفي المسيحية يؤدي المسيحي قدّاسَه في كنيسته، وفي الإسلام يؤدي المسلمُ صلاتَه في مسجده. كيفيةُ القداس الذي يؤديه المسيحي في الكنيسة، تختلفُ عن كيفيةِ طقس الهندوسي في معبده، وتختلفُ عن كيفيةِ صلاة المسلم في مسجده، وهكذا الحالُ في الأديان الأخرى.
لا ننكر التشابه في بعض عناصر العبادات والطقوس والشعائر في الأديان، الذي يعبر عن مشتركات الأديان والثقافات في المجتمعات المختلفة، إلا أننا لم نجد تطابقًا وتماثلًا كليًا بينها، لكلِّ عبادة بصمتها الخاصة ولونها الذي يعكس صورةَ الديانة المشتقة منها. لكلِّ إنسان حياته الروحية، روحُ الإنسان تتغذّى من العبادات المشتركة في ديانته. صلاةُ الحلاج والبسطامي والنفري وابن عربي وجلال الدين الرومي ومحمد حسين الطباطبائي، وغيرهم من العرفاء، هي صلاةُ الإسلام ذاتها، غير أنهم تهذبوا وتسامت أروحهم بنور الله، وابتهجوا بمحُبّته .
الحياةُ الروحية تتحقّق في سياق شريعة محدّدة، الحياةُ الروحية تتطلب أن تستقي على الدوام من العبادة الخاصة بهذه الشريعة، بوصفها من سنخها وترتسم فيها صورةُ الديانة، وينعكس فيها شيءٌ من عناصر البنى اللاشعورية للديانة الراسخة في باطن الإنسان. فلو ركّبَ الإنسانُ على ديانته تقليدًا عباديًّا مستعارًا من ديانة أخرى،كما لو أن مسلمًا كان يمارس تقليدًا طقوسيًّا هندوسيًّا أو العكس، سيفضي ذلك إلى التناشز بين طقس ترتسم فيه صورةُ ديانة غير ديانته، والحياة الروحية في أفق ديانته. لكلِّ ديانة طقسٌ خاص من جنسها، بمعنى أنه مشتقٌّ من طبيعة البنى اللاشعورية للديانة الراسخة في باطن الإنسان، وكيفية رؤيتها للعالَم، وبصمة الحياة الروحية فيها.

عبدالجبار الرفاعي

10 Feb, 10:11


https://youtu.be/F8T1UXWliKE?si=gcjA3iX3Dn0cqIw-

عبدالجبار الرفاعي

09 Feb, 19:15


 
الدرس الفلسفي في المدارس الدينية: الواقع وأفاق الانتظار

منى الصالح
 اليوم أنهيت كتاب المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي: (الدرسالفلسفي في المدارس الدينية الواقع وأفاق الانتظار). حيث أخذني بينطياته برحلة سلسة للوقوف على تاريخ الدرس الفلسفي في مدارسنا الدينية بطريقة موضوعية، وبعيدا عن التقديس أو التقليل. من شأن مننتفق أو نختلف معهم.
يحسم الدكتور الرفاعي موقفه بصراحة في مقدمة كتابه بتشديده على إعطاء العقل مرجعية محورية، عندما يقول: "كلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده وتمحيصه، العقل نفسه يخضع لمساءلةِ العقل، وتمحيصِ مفاهيمه، وغربلةِ أحكامه، وطريقة تعريفه لنفسه، وتفسيره لحقيقة معرفته، ومصادرها، وقيمتها. لا يضع الحدودَ للعقل إلا العقلُ، العقل يرسم حدودَه وما هو داخلٌ في فضائه، ويتدخل ببيان حقيقةِ ما هو خارج حدوده. لا يصدق التفكيرُ فلسفيًّا إلا لحظةَ يكتفي العقلُ في تصديقاتِه وحججِه وأحكامِه بذاته، فيكون هو مرجعية تمحيصِ تفكيره، ومرجعية ما سواه، والحكم عليه إثباتًا أو نفيًا. عندما يصمت العقلُ ويكفُّ عن وظيفته، تدخلُ الروحُ والعاطفةُ في متاهات".
كتاب الدرس الفلسفي في المدارس الدينية يعطيك فكرة دقيقة وواضحةلأبعاد وملابسات فكرة إبعاد الفلسفة عن الدراسة الدينية في بعضمراحل معاهد التعليم الديني، مع الوقوف على الدور الهام الذي لعبهبعض أساتذتها في حقب معينة بترسيخ دروس الفلسفة وعلم الكلاموالعرفان النظري والسلوكي. الكتاب يفيد كل طالب في معاهد التعليم الديني ومثقف ومحب للفلسفة ومدرك لأهميتها رغم عدم تعمقه بها. فهو يتحدث عن دور الفلاسفة المسلمين، والإضافات التي قدموها في مسيرةالفلسفة، ثم ينعطف لنقد وتقويم الدرس الفلسفي في الحوزة بوصفها مثالا للفلسفة في معاهد التعليم الديني التقليدية.
بعد حديثه في الفصل الأول عن مكاسب دراسة الفلسفة في الحوزةيكتب الرفاعي عن خبرته الشخصية في الدراسة والتدريس للفلسفة لمدة 40 عاما في الحوزة والتأليف فيها، ويؤشر بصراحة للثغرات الأساسية التي تواجه الدرس الفلسفي في هذه الحاضرة الدينية، فيبسط البحث في التأشير على هذه الثغرات ويشخصها في: اختزال الفلسفة في الإسلام بملا صدرا الشيرازي، والافتقار للغات الفلسفة الغربيةالحديثة، وتمركز الهوية الاعتقادية في التفكير الفلسفي في الحوزة، والارتهان بالمشاغل التقليدية للفلسفة، وعدم مواكبة إنجازات الفلسفةوالعلوم الإنسانية الحديثة، وندرة النقد وعدم الجرأة على تجاوز الفلسفةالصدرائية، وقصور اسلوب التعليم التقليدي في تدريس ودراسةالفلسفة.
ما دمنا لسنا طلاب فلسفة، فنحتاج لمثل هذه الكتب، لنتعرف علىموقعنا في خريطة تاريخ الفلسفة وأمام الفلسفة الغربية الحديثة وبكثيرمن الموضوعية، وخاصة حيث نعيش تحديات التقدم المتسارع للذكاءالاصطناعي، وكما يوضح الدكتور الرفاعي أنه: 'ينتج حالة لايقينشاملة تطول القيم والمعتقدات والثقافات. كلما تضخم اللايقين واتسعتمدياته اتسعت الحاجة لحضور فاعل للعقل الفلسفي. الأسئلة الوجوديةالكبرى، وأزمات العقل والروح والعاطفة ليست من اختصاص العلم، ولاتقع في فضاء المادة والتجربة، من ينسى الفلسفة تنساه أعيادالتاريخ".
"تنبعث الفلسفة لحظة إيقاظ العقل. الفلسفة إيقاظ متواصل للعقل وتحرير له من تسلط المعتقدات، والايديولوجيات، والهويات. التفكير الفلسفي يبدأ لحظة يتحرر العقل من أنماط الوصايات المتنوعة". بهذه الكلمات وبين سطور الكتاب الذي وجدت فيه نفسي، وقد أعادت  ليطفولتي وصباي، حيث العقل المشاكس الذي ينقلني من حالة لأخرى دون هوادة، حيث كثيرا ماكنت أشكك بنفسي، لم لست كالأخريات؟! تستمع فترضى وتستقر، لم كل حادثة، أو مقولة، كل محاضرة وخطاب يأخذ من فكري مأخذا؟!  
تتهاوى التساؤلات كبركان هائج يرمي بحممه النارية، يحيلني لساحة من العراك والسجالات الفكرية ، بل كل سؤال كان يفتح لي أبوابا لمئات الأسئلة، وهذا ماحدا بي نحو الكتب التي تعنى بالفلسفة، والكتب التي تحترم عقولنا فتثير وتنمي فيها ملكات التفكير النقدي والتحليلي، فالبيئة والثقافة التي تهتم بالفلسفة هي بيئة حاضنة لصنوف العلوم، وحضارة قادرة على أنتاج العلماء، كما يقول الدكتور : (لم يولد العلم إلا في أحضان الفلسفة).كل من حرمّ الفلسفة، وأتهمها بالكفر والزندقة بقصد أو بدون قصد إنما هي دعوة لتجميد العقل وتسطيحه، بحيث يصبح من السهل السيطرة عليه وأدلجته واستعباده.  
 
لندن 6-2-2025

https://almothaqaf.com/readings-2/979733-منى-الصالح-الدرس-الفلسفي-في-المدارس-الدينية-الواقع-وأفاق-الانتظار

عبدالجبار الرفاعي

09 Feb, 15:07


‏تسجيل صوتي لكتاب عبدالجبار الرفاعي:
‏بعنوان: الهِرْمِنيوطيقا: بوصفها منهجًا للتفسير عند أمين الخولي

https://www.hindawi.org/books/28184726/

عبدالجبار الرفاعي

08 Feb, 17:06


تسجيل صوتي لكتاب: مقدمة في #علم_الكلام_الجديد، تأليف: #عبدالجبار_الرفاعي، تسجيل الفصل الأول: "علم الكلام: ملخص لنشأته وتطوره وعجزه وانسداده".

‏ https://www.hindawi.org/books/46425727/1/

عبدالجبار الرفاعي

06 Feb, 18:39


مقارنة بين منهج الدكتور حسن حنفي والدكتور عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني

عبدالجبار الرفاعي

06 Feb, 18:37


4. الموقف من التراث:
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• نقد انتقائي وإعادة تأويل: يتعامل مع التراث بنهج نقدي انتقائي؛ يختار منه ما يخدم الحاجات الروحية والأخلاقية والجمالية والإنسانية المعاصرة، ويعيد تأويله في ضوء القيم العالمية والإنسانية.
• الحوار مع الحداثة: يسعى إلى بناء جسر بين التراث الإسلامي والعلوم الإنسانية والفلسفية الحديثة، بحيث يكون التراث مصدر إلهام لتجديد الفكر دون الانقطاع عنه مثال توضيحي: حين يناقش الرفاعي مفاهيم مثل “التوحيد” و”النبوة”، فإن الرفاعي قد يشير إلى ضرورة فهمها ليس كعقائد إيمانية، بل كقيم وجودية تسهم في بناء هوية فردية ومجتمعية متسامحة.
ب‌. حسن حنفي:
• تفكيك التراث وإعادة بنائه: يتبنى منهجاً نقدياً راديكالياً يقوم على تحليل التراث ككل، بهدف كشف ما يرى أنه من جملة تقاليد وآليات تهميش الفكر الحر والنضالي.
• إطلاق النقد لبناء مشروع فكري: يرى أن التراث يحمل بذور التجديد، لكن يجب تحريره من القيود التقليدية عبر نقد شامل يؤهله ليكون قوة دافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي. مثال توضيحي: عند تأويله لبعض الآيات أو الأحاديث المتعلقة بالمساواة والعدالة، يمكن أن يقوم حنفي بتفكيك السياق التقليدي لهذه النصوص ليبرز الرسالة الثورية الكامنة فيها، مُشيراً إلى ضرورة استخدامها في مواجهة الظلم الاجتماعي.
• عبد الجبار الرفاعي: يُركز على تجديد الفكر الديني من خلال إعادة إحياء البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين، ويستخدم منهجية تجمع بين النقد التاريخي والحوارات الفلسفية الحديثة. رؤيته ترتكز على تحقيق السلام الداخلي والعيش المشترك عبر قراءة تراثية تُثري التجربة الدينية الشخصية والمجتمعية.
• حسن حنفي: يتبنى منهجاً نقدياً راديكالياً يستهدف تحرير التراث الإسلامي من الجمود التقليدي، من خلال تحويل النصوص الدينية إلى أدوات للتغيير الاجتماعي والسياسي. رؤيته ترتبط بالنضال الإيديولوجي الذي يسعى إلى استعادة هوية الأمة وتحريرها من القوى الاستعمارية الفكرية.
في نهاية المطاف، يظهر اختلاف المنهجين بين الرفاعي وحسن حنفي في التركيز: حيث يضع الرفاعي التجديد على البعد الروحي والوجودي، بينما يميل حنفي إلى تجديد الفكر الإسلامي كوسيلة للتحرر والنضال الاجتماعي والسياسي.
في كتابه “مفارقات وأضداد في توظيف الدين والتراث” يُقدّم عبد الجبار الرفاعي نقدًا منهجيًا لفكر حسن حنفي، يتمحور حول عدة نقاط رئيسية تتعلق بكيفية استخدام التراث الديني وتوظيفه في الحوارات الفكرية والسياسية. ومن أهم محاور النقد التي يوجهها الرفاعي لحسن حنفي ما يلي:
1. توظيف التراث كأداة أيديولوجية:
• ينتقد الرفاعي توجه حنفي الذي يحوّل التراث الإسلامي إلى أداة للنضال السياسي والاجتماعي، حيث يركز على استغلال النصوص الدينية لتبرير مواقف جدلية ونقدية تهدف إلى تحرير الفكر من قيود الاستعمار الثقافي.
• يرى الرفاعي أن هذا التوظيف ينحصر في إطار جدليٍ سياسيّ ضيق، مما يفقد التراث بعده الروحي والوجودي، حيث يُعامل الدين كأداة للصراع بدلاً من أن يكون تجربة روحية أخلاقية إنسانية شاملة تسهم في تحقيق السلام الداخلي والانسجام الاجتماعي.
2. تفكيك التراث على حساب البعد الروحي والأخلاقي والجمالي:
• يتهم الرفاعي حنفي باستخدام أدوات نقدية (مستمدة من الفلسفات الغربية مثل الماركسية أو الهيغلية) لتفكيك النصوص الدينية، مما يؤدي إلى تآكل البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للنصوص.
• بالنسبة للرفاعي، إن هذه المقاربة التفكيكية تقلل من قدرة التراث على إلهام التجربة الدينية الحية، إذ تُحوّل الدين من كونه منظومة متكاملة تعالج القضايا الوجودية إلى مجرد حقل للجدال الفكري.
3. غفلة عن الحاجة الوجودية للدين:
• يؤكد الرفاعي على أن الدين يجب أن يُستعاد معناه الروحي والأخلاقي والجمالي والوجودي، إذ يُعدّ احتياجه الأساسي لدى الإنسان البحث عن المعنى والطمأنينة.
• ينتقد حنفي لكون تحليله يركز على البعد الاجتماعي والسياسي، متجاهلاً إلى حدٍ كبير الحاجات الروحية والأخلاقية والجمالية الفردية والمجتمعية التي يُمكن أن يوفرها الدين، مما يؤدي إلى فصل النظرية عن التجربة الدينية الشخصية والأثر المجتمعي للدين. 4. عدم تقديم بديلٍ تجديدي حيوي:
• يرى الرفاعي أن نقد حنفي، رغم أنه يُسلّط الضوء على بعض الجمود والتركيبات التقليدية في التراث، لا يقدم بديلًا يُعيد للنصوص الدين طابعها الحي والروحاني والأخلاقي والجمالي.

عبدالجبار الرفاعي

06 Feb, 18:37


مقارنة بين منهج الدكتور حسن حنفي والدكتور عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني، مع توضيح الفروق من حيث الرؤية، والمنهجية، والأهداف، والموقف من التراث مع أمثلة توضيحية:
1. الرؤية الفلسفية واللاهوتية.
أ. عبد الجبار الرفاعي:
• الرؤية الوجودية والروحية والأخلاقية والجمالية: الرفاعي يؤكد أن الدين يُلبي حاجة إنسانية وجودية وأخلاقية وجمالية تتعلق بالبحث عن المعنى والروحانية. فهو يرى أن الدين ليس مجرد مجموعة من القواعد أو الطقوس بل تجربة إنسانية عميقة تُثري الحياة الروحية والأخلاقية والجمالية.
• التركيز على التسامح والتعددية: يدعو الرفاعي إلى إعادة بناء “علم الكلام الجديد” بحيث يُصبح أكثر انفتاحاً على الفكر الفلسفي والعلوم الإنسانية. مثال على ذلك، توجهه نحو قراءة النصوص الدينية بروح نقدية تهدف إلى استنباط قيم إنسانية عالمية تُعزز الحوار بين الحضارات.
• التركيز على الجانب الشخصي والداخلي: ينطلق الرفاعي من مقاربة إنسانية روحية وأخلاقية وجمالية تتجاوز الجدل النظري بين النقل والعقل، فتظهر التجربة الدينية الحية كوسيلة لإيجاد إجابات عن أسئلة الوجود.
ب‌. حسن حنفي:
• الرؤية الإيديولوجية والنضالية: يعتمد حنفي على قراءة التراث الإسلامي من منظور نقدي يُركز على تحرير الأمة من التبعية والاستعمار الثقافي والسياسي. فهو يرى أن التجديد يجب أن يكون وسيلة لتحرير الفكر وترسيخ هوية الأمة.
• التوظيف السياسي للدين: يؤكد حنفي على أن الدين يُمكن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي والسياسي، حيث يتم إعادة قراءة التراث بما يخدم الصراع الطبقي والنضال ضد القوى الخارجية التي حاولت فرض نماذج فكرية غير متوافقة مع خصوصية الثقافة الإسلامية. مثال: في كتاباته، ينتقد حنفي النظرة التقليدية للدين التي تركز فقط على التشريع الفقهي، ويرى أن النصوص يجب أن تُفهم ضمن سياق تاريخي وثوري يدعم التحرر من الهيمنة الفكرية.
• التركيز على نقد التراث وإعادة بنائه: يميل حنفي إلى استخدام أدوات فلسفية (مثل مفاهيم هيغلية أو ماركسيّة) لتفكيك النصوص التراثية من أجل استخراج تلك الجوانب التي تخدم قضية التجديد السياسي والاجتماعي.
2. المنهجية والأدوات المستخدمة
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• منهجية تحليلية تاريخية ونقدية متجددة: يستخدم الرفاعي منهجاً يقوم على قراءة النصوص الدينية ضمن سياقها التاريخي، مع إدخال مقاربات فلسفية وإنسانية حديثة. فهو يجمع بين التحليل النصي التقليدي والحوارات المعاصرة التي تعتمد على العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة.
• التركيز على التجربة الدينية الحية: يُبرز الرفاعي أهمية التجربة الفردية والروحانية والأخلاقية والجمالية في فهم الدين. على سبيل المثال، حين يتحدث عن “الدين كحاجة وجودية”، فإنه يشير إلى أن التجربة الدينية ليست مجرد تأويل عقائدي، بل تجربة تُنعش الذات وتساعد في بناء هوية فردية ومجتمعية متوازنة.
ب‌. حسن حنفي:
• منهجية تحليلية نقدية راديكالية: يعتمد حنفي على أدوات نقدية مستوحاة من الفلسفات الغربية (مثل الفكر الهيغلي والماركسي) لتفكيك النصوص الدينية والتراثية. يرى أن النقد يجب أن يكون جاداً وراديكالياً بحيث يُفضي إلى إعادة تشكيل التراث بما يتناسب مع متطلبات التحرر الاجتماعي.
• التأويل الجدلي للنصوص: يركز حنفي على تحويل النص الديني إلى أداة تغيير اجتماعي وسياسي. فعلى سبيل المثال، حين يقرأ نصوصاً تتعلق بالعدل والمساواة، فإنه يُعيد تأويلها لتكون دعوة لتحرير المجتمع من الأنظمة الظالمة أو الأطر التقليدية الجامدة.
3. الأهداف والمقاصد:
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• إعادة إيقاظ البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين: يهدف الرفاعي إلى استرجاع المعنى الروحي للدين ليكون وسيلة لتحقيق السلام الداخلي والاتصال الروحي العميق، بعيداً عن النزاعات الإيديولوجية.
• بناء جسر بين التراث والفكر الحديث: يسعى الرفاعي إلى دمج التراث الإسلامي مع مفاهيم الحداثة والعلوم الإنسانية، ليقدم قراءة تجديدية تُثري الحياة الروحية والفكرية للأفراد والمجتمعات. مثال: يرى الرفاعي أن دراسة مفاهيم مثل “العدل” و”الإنسانية” في التراث الإسلامي يجب أن تفتح آفاقاً جديدة تُسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات. ب‌. حسن حنفي
• تحرير الفكر والتراث الإسلامي: يهدف حنفي إلى تمكين الأمة من خلال تحرير التراث من الجمود التقليدي، بحيث يصبح أداة في معركة تحرير الفكر والهوية ضد القوى الاستعمارية أو المهيمنة.
• التجديد كوسيلة للتغيير الثوري: يعتبر التجديد عند حنفي وسيلة لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي، من خلال إعادة قراءة التراث بصورة نقدية تؤكد على القيم الثورية مثل العدالة والمساواة والحرية. مثال: استخدامه لمفاهيم الصراع الطبقي في تأويل بعض المفاهيم الدينية، بحيث يظهر الدين كأداة للتغيير الاجتماعي وليس فقط كمنظومة عقائدية.

عبدالجبار الرفاعي

06 Feb, 18:37


• من وجهة نظر الرفاعي، يجب أن يكون التجديد عملية إعادة قراءة تراعي البعد الوجودي والروحي والأخلاقي والجمالي، وليس مجرد تفكيك نقدي يؤدي إلى إنكار القدرة التجديدية الكامنة في التراث الإسلامي. يرى عبد الجبار الرفاعي أن منهج حسن حنفي في “توظيف” التراث يعتمد على نقدٍ أيديولوجي جدليّ يحوّل الدين إلى أداة في معركة سياسية، مما يُفقده أبعاده الروحية والأخلاقية والجمالية والوجودية. بينما يدعو الرفاعي إلى قراءة تجديدية شاملة تعيد للنصوص الدينية قيمتها الروحية والأخلاقية والجمالية والوجودية، لتكون مصدر إلهام وتحقق السلام الداخلي للفرد والمجتمع، بعيدًا عن مقاربة التوظيف السياسي الضيق.

عبدالجبار الرفاعي

04 Feb, 19:27


مشروع محمود محمد طه ومشروع عبد الجبار الرفاعي

عبدالجبار الرفاعي

04 Feb, 19:26


مقاربة بين مشروع المفكر السوداني محمود محمد طه (1909-1985) ومشروع المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي (1954-)
أوجه التشابه:
*الهدف المشترك*: كلا المشروعين يسعى إلى تجديد الفكر الديني في الإسلام، بهدف إيصال رسالة الإيمان والمحبة والمعرفة إلى المتلقي.
*التجاوز الطائفي*: كلا المشروعين يسعى لعبور الحواجز الطائفية والمذهبية وإبراز الجوهر التوحيدي للإسلام.
*اعتماد القرآن الكريم*: كلا المشروعين يستقيان من القرآن بوصفه مرجعية أساسية.
*التقدير المتبادل*: عبد الجبار الرفاعي يعبّر عن احترامه الكبير لمحمود محمد طه ويرى في رؤيته شجاعة وصدقا، وإن كانت رؤية كلٌّ منهما تختلف عن رؤية الآخر لكيفية التجديد ومنطلقاته.
أوجه الاختلاف تشمل:
*السياقات الاجتماعية والثقافية*: بين البيئات التي نشأ فيها كلٌّ من المفكرَين اختلاف، من حيث السياق الاقتصادي والطبقي والاجتماعي والديني والثقافي.
*المرجعيات الفكرية*: محمود محمد طه كان متأثرا بسياقٍ سوداني ذي طبيعة فكرية سياسية، في حين يعتمد عبد الجبار الرفاعي على تكوين مزدوج: حوزوي ديني تقليدي، وأكاديمي حديث في الفلسفة والعلوم الإنسانية.
*المنهجية*: عبد الجبار الرفاعي ينطلق من منهجٍ تجديدي يبدأ بإعادة بناء نظرية المعرفة (علم الكلام) بوصفه أساسا لتجديد علوم الدين كلها، في حين كان مشروع محمود محمد طه يجمع بين الجوانب المعرفية والسياسية.
*المحور الأساسي للتجديد*: عبد الجبار الرفاعي يركز على البعد الروحي والأخلاقي والجمالي في الإسلام، ويرى أن السياسة والدولة شأن دنيوي، في حين كان محمود محمد طه يرى السياسة جزءا من مشروعه الفكري، مع موقف أكثر وضوحا تجاه الشأن السياسي. محمود محمد طه مشروعه معرفي سياسي وعبد الجبار الرفاعي مشروعه معرفي روحي أخلاقي جمالي.
*المواقف من السياسة*: عبد الجبار الرفاعي يفصل تجديد الفكر الديني عن السياسة، ويركز على الأبعاد الروحية والأخلاقية والجمالية في الدين، في حين دمج محمود محمد طه التجديد الفكري بالدين، مع مواقف سياسية واضحة، ما أدى إلى مواجهته مع السلطات.
الدين والدولة في مشروع محمود محمد طه وفي مشروع عبد الجبار الرفاعي
محمود محمد طه كان يرى أن الإسلام يحتوي على مستويين: مستوى الأصول (الرسالة الأولى) ومستوى الفروع (الرسالة الثانية). في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام"، دعا طه إلى إحياء الأصول لتطبيقها على مستوى الفرد والمجتمع، وعدَّ الإسلام قادرا على تقديم حلٍّ سياسي واجتماعي شامل، لكن برؤية جديدة تختلف عن التقليدية. في أحد نصوصه يقول: "إن الإسلام دين ودولة، وهو نظام شامل للحياة الاجتماعية والسياسية، ولكن يجب أن يُفهم الدين فهماً متطوراً وفقًا لحاجات العصر." (الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 43). وفي نصّ آخر يرى: "أن التشريع في الإسلام ليس تشريعًا جامدًا، بل تشريع متحرك ومتطور بتطور المجتمع... فالشريعة الإسلامية تصلح أن تكون أساسًا لنظام الحكم، لأنها نظام شامل لكل مناحي الحياة." (الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 67). ويقول: "الإسلام نظام رباني متكامل، يشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع. الإسلام السياسي هو الوسيلة لتحقيق العدالة الإلهية على الأرض، ومن الخطأ فصل الدين عن السياسة، لأن ذلك يعطل وظيفته الأساسية." (مقال في الدعوة لتطبيق الإسلام كحل سياسي).
عبد الجبار الرفاعي ينطلق من رؤية تجديدية للدين، تركز على أبعاده الروحية والأخلاقية والجمالية، ويرفض اختزال الدين في السياسة أو السلطة أو الدولة. في كتابه "الدين والكرامة الإنسانية"، يعبّر عن رفضه للإسلام السياسي بوضوح، حيث يقول: "تحويل الدين إلى أيديولوجيا سياسية يشوّه غاياته الروحية، ويُخرج الدين من مساره الوجودي والأخلاقي والروحي والجمالي ليصبح أداة للسيطرة والصراع على السلطة. إن رسالة الدين تتمثل في بناء إنسانية الإنسان عبر المعاني الروحية والأخلاقية والجمالية، وليس بناء دولة أو نظام سياسي." (الدين والكرامة الإنسانية، ص. 78). يرفض الرفاعي أيّ محاولة لدمج الدين بالسلطة بشكل أيديولوجي أو جعله أساسا لبناء الدولة. يكتب الرفاعي: "الإسلام السياسي ليس امتدادًا طبيعيًا لرسالة الإسلام الروحية والأخلاقية والجمالية. بل هو انحراف عن غاية الدين، إذ إن غاية الدين هي تحرير الإنسان من عبودية السلطة والتأويل الأيديولوجي، لا إخضاعه لقوانين الدولة تحت غطاء ديني." (الدين والكرامة الإنسانية، ص. 120). ويشير إلى أنه: " كلما تم تسييس الدين، تضاءلت قيمته الروحية والأخلاقية والجمالية، وتحول إلى أداة لإنتاج العنف والهيمنة. إن الربط بين الدين والدولة يُفقِد الدين معناه الجوهري، الذي يتجلى في تحرير الإنسان من اغترابه." (الدين والاغتراب الميتافيزيقي، ص. 89). وينصّ الرفاعي في أحد مقالاته على أنه: "لا يمكن للدين أن يُختزل إلى مجرد أيديولوجيا سياسية. إن كل محاولة لتسييس الدين تُفقِده جوهره الذي يقوم على الإيمان الشخصي، ويُدخل المجتمع في صراعات لا نهاية لها".

عبدالجبار الرفاعي

04 Feb, 19:26


الفرق بين المشروعين:
1. محمود محمد طه يرى أن الإسلام يمكن أن يكون إطارا شاملا للحياة إذا جرى تحديث فهمه وإعادة قراءة النصوص على وفق رسالة الإسلام الثانية. عبد الجبار الرفاعي يرفض الإسلام السياسي تماما، ويرى أن الدين يجب أن يبقى ضمن مجال الحياة الروحانية والأخلاقية والجمالية، بعيدا عن السياسة والدولة.
2. محمود محمد طه يرى أن الدين، إذا فُهِم بشكل متجدّد، يمكن أن يكون نظامًا سياسيًا شاملًا، لكن برؤية مختلفة عن الإسلام التقليدي الذي يتبناه الإسلاميون التقليديون. عبد الجبار الرفاعي: يعتبر أن تحويل الدين إلى نظام سياسي هو انتهاك لوظيفته الروحية والأخلاقية والجمالية، ويؤكد أن مشروعه يهدف إلى فصل الدين عن الدولة للحفاظ على طهارته الروحية والمعنوية، ولحماية الدولة من العبث باستغلال الدين وترحيله من وظيفته.
3. محمود محمد طه سعى من خلال "الفكرة الجمهورية" إلى تقديم فهم جديد للإسلام يعبّر عن حيويته وقدرته على مواجهة تحديات العصر. في المقابل، ركز عبد الجبار الرفاعي على إبراز الأبعاد الروحية والأخلاقية والجمالية للإسلام، معتمدًا منهجية تأملية تعيد النظر في أساسيات الفكر الديني، وبعث القيم الكونية القرآنية.
4. هناك فرق جوهري بين المشروعين، فمشروع عبد الجبار الرفاعي يركز على تجديد الدين من داخله، إذ يسعى إلى إحياء القيم الروحية والأخلاقية والجمالية في الدين، بعيدًا عن التوظيف الأيديولوجي أو السياسي. رؤيته تعنى بجعل الدين تجربة إنسانية عميقة تلبي الحاجات الوجودية للإنسان، وتساعده في العثور على معنى للحياة في أبعادها المختلفة.
أما مشروع محمود محمد طه، فيتسم بطابع سياسي وثقافي واجتماعي، إذ عمل من خلال تأسيس جماعة الإخوان الجمهوريين على تقديم قراءة جديدة للإسلام تهدف إلى تغيير سياسي وثقافي واجتماعي. طرحه ارتكز على فكرة تطوير التشريع الإسلامي على وفق ما أسماه "الأصول"، إذ دعا إلى تجاوز الشريعة إلى مستوى "الأصول" التي تقوم على الحرية والمساواة. وقد واجه محمود محمد طه معارضة شديدة من السلطة بسبب مواقفه الجريئة، قادته في النهاية إلى الإعدام عام 1985 في السودان.
5. تعريف الدين عند عبد الجبار الرفاعي يقول فيه إن: "الدين حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية." ويرى الرفاعي أن الدين يستجيب لحاجة الإنسان الوجودية إلى المعنى، إذ يوفر بُعدا روحيا وأخلاقيا وجماليا للحياة، بعيدا عن البُعد السياسي أو الأيديولوجي. يركز في رؤيته على التجربة الروحية الشخصية، وتأثير الدين في تعزيز قيم المحبة والتراحم والتسامح والجمال في حياة الفرد والمجتمع.
أما تعريف الدين عند محمود طه فيقول فيه إن: "الدين هو وسيلة الإنسان للتطور الروحي والأخلاقي، وصولاً إلى تحقيق الحرية الفردية والجماعية وفق فهم متطور للنصوص الدينية، يتجاوز الفهم التقليدي للنصوص إلى مستوى أرقى من التشريع." ركز طه على مفهوم "لتطور" في الدين، إذ يرى أن الدين يجب أن يتفاعل مع التطور الفكري والاجتماعي والسياسي للإنسان، داعيا إلى فهم جديد للقرآن يعتمد التمييز بين الآيات المكية والمدنية، مع التركيز على البعد الأخلاقي والإنساني للإسلام.
1. المنطلقات الفكرية:
• محمود محمد طه ينطلق من منظور تطوري اجتماعي، يسعى إلى إعادة قراءة النصوص لتحقيق الحرية والمساواة. الرفاعي ينطلق من منظور فلسفي روحي وأخلاقي، يركز على أثر الدين في تحقيق التوازن النفسي والمعنوي، وإرواء الظمأ الأنطولوجي، وتلبية الحاجة لمعنى لوجود الإنسان وحياته.
2. البعد الروحي مقابل التشريعي:
• محمود محمد طه يرى أن الدين يحمل مشروعا تشريعيا متطورا يمكن أن يُسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلا. الرفاعي يركز على الدين بوصفه حالة روحية وأخلاقية وجمالية، بعيدا عن التشريع للدولة والسياسة.
3. العلاقة بالدولة:
• محمود محمد طه يدمج بين الدين والسياسة بطريقة إصلاحية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فهم جديد للشريعة. الرفاعي يفصل بين الدين والدولة ويركز على البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين، وإرواء الظمأ الأنطولوجي، وتلبية الحاجة لمعنى لوجود الإنسان وحياته.
4. المشروع المجتمعي:
يرى محمود محمد طه الدين بوصفه أداة للتحول السياسي والاجتماعي والتطور الإنساني على وفق فهمٍ متجدّد للنصوص. الرفاعي يرى الدين بوصفه منبعا للمعاني الروحية والأخلاقية والجمالية في حياة الفرد والمجتمع، وذلك ما يدعوه لإحياء القيم الكونية الكلية في القرآن.

عبدالجبار الرفاعي

30 Jan, 06:49


غواية الكتابة في: "مسّرات القراءة ومخاض الكتابة .. فصل من سيرة كاتب"

د. طه جزّاع
في مقال من مقالات كتابه الممتع "مسّرات القراءة ومخاض الكتابة .. فصل من سيرة كاتب " ينبه عبد الجبار الرفاعي إلى ما أسماه غواية الكتابة بالقول " صار الهوسُ بالكتابة والنشر، بلا موهبة، ولا قراءة مكثفة، ولا تفكير صبور، كهوس تكديس الشهادات العليا بلا تكوين علمي" . والحق فإن الرفاعي قد لخص بهذه العبارة المكثفة واقعاً مريراً أصبح من محبطات ولا أقول سمات المشهد الثقافي والأكاديمي العراقي خلال العقدين الأخيرين لأسباب كثيرة في مقدمتها استسهال الطبع والنشر في غياب شبه تام لأي نوع من أنواع التقييد والرقابة أو اخضاع المادة المنشورة لمعايير الجودة من النواحي الشكلية والفكرية والأخلاقية، كذلك لخصت تلك العبارة الواقع المؤلم الذي ضخ بعشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا إلى الجامعات والكليات الحكومية والأهلية ونسبة كبيرة منهم حصلوا عليها من دون تكوين علمي حقيقي وبوسائل ووسائط مختلفة. إن عبارة الرفاعي هذه اصطادت مثلما يقال عصفورين بحجر، مع أنه أبعد ما يكون عن الصيد ورمي الحجارة، فالرجل كتلة من المحبة والحنو والمشاعر الإنسانية الجياشة، وهو يمتلك قلماً رقيقاً ساحراً، من رقته أنه يشخص مواطن الخلل بلطف وهدوء وكلمات طيبات تهدي ولا تؤذي، وتضمد ولا تجرح، وتبقي للإصلاح أملاً بلا حدود.
قبل أيام جمعني مع الصديق علي المرهج برنامج تلفزيوني لمناقشة موضوع الكِتاب وطباعته وتوزيعه وشواغل المؤلفين والناشرين، وأخذنا الحديث إلى الكتب التي تجد اقبالاً لدى جمهور القراء، كنا قد قررنا أن الروايات هي الأكثر مبيعاً ورواجاً انسجاماً مع اعتقادنا بأننا نعيش عصر الرواية، قبل أن ننتبه سوية وفي اللحظة نفسها لنردد معاً: وكتب عبد الجبار الرفاعي.

الرابط:
‏https://alsabaah.iq/109020-.html

عبدالجبار الرفاعي

29 Jan, 09:24


عقدت الجمعية الفلسفية الموريتانية "بيت الحكمة" ندوة يوم 11-1-2025 تناولت: "قراءة في مشروع تجديد الفكر الديني عند #عبدالجبار_الرفاعي"، تحدث فيها:
1. د. إيمان مخينيني.
2. د. محمد همام.
3. د. نايلة ابي نادر.
4. د. محمد حسين الرفاعي.
مدير الندوة: الأستاذ إبراهيم الحيمر.
يمكن مشاهدة الندوة على هذا الرابط:

https://youtu.be/47thKw73ABU?si=JxyNG7njXoUonU3S

عبدالجبار الرفاعي

27 Jan, 15:49


حُبّ الله يجعل الدين دواء وشفاء
د. عبد الجبار الرفاعي
تقول طبيبة إنها كانت تقرأ كتبًا تتحدث عن مشاهد عذاب القبر، تزعم هذه الكتب بأن القبر مملوء بالأفاعي والعقارب والعفاريت والنيران المتقدة، وأن الميت في الليلة الأولى لدفنه يجد نفسه مقيمًا بمعية هذه الكائنات المريعة المتوطنة في قبره إلى ساعة البعث والنشور، وهو لا يقوى على حماية روحه من عذابها المهول. حدثتني هذه السيدة عن حالات روع واضطراب وكوابيس سوداء تطاردها في نومها كلَّ ليلة، فهي بعد مدة قليلة من النوم تفرّ فزعة مرتعشة، ولو كانت متعبة جدًا. تلبث في فراشها ترتجف، وكأنها تشاهد جسدها ممددًا في القبر وتنهشه الأفاعي والعقارب، وهو منبوذ ذليل في قعر هذه الأهوال والنيران.
سألتها: كيف تمكنتِ من الخلاص؟ وكيف أضحت حالتك النفسية اليوم؟ أجابت: أنقذتُ نفسي حين تركت قراءةَ تلك الكتب، وانتقلت إلى قراءة كتب أرى صورةَ الله فيها بوصفه إلهًا للرحمة، كما يصف ذاته: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"، الأعراف 156، وإلهًا للمحبة، كما يصرح لنا: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"، المائدة، 54، وإلهًا هو: "نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، و"نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ"، النور، 35. قراءةُ هذا النوع من الكتب النورانية دعتني لإعادة قراءة القرآن الكريم بعينين مضيئتين، وجدت نفسي كأني أقرأه لأول مرة في حياتي، رأيت في هذه القراءة صورة كانت محجوبة عني، حجبتها كتبٌ رسمت في ذهني صورة كئيبة لله. حيت قرأت كتابه المجيد بعينين مضيئتين اكتشفت الحضور المبهج لأنواره الأبدية، وكثافة رحمته واتساعها وشمولها لكلِّ شيء. شهود الأنوار الإلهية حرّر قلبي من الهلع، ومكّنني من أن أرى تجليات جماله واشراقاته في الوجود، وشُفيت بهذه الرؤية للوجود من التشاؤم والفزع، وامتلأت روحي سكينة وقلبي طمأنينة، وتخلصت من الكوابيس المريعة في منامي، وصرت أنام لحظة أضع رأسي على الوسادة. أدركت أن صورة الله بوصفه إلهًا للرحمة والمحبة منبع سلام الذات وسكينتها، خلافًا لصورة الله المظلمة التي تثير الوجل والقلق والفزع في نفس الإنسان، وتنفّره من الله. صورة الله النورانية مبهجة، تتلهف القلوب إلى جمالها كتلهَّف المحبّ لرؤية محبوبه. الجميل لا يفزع منه أيُّ إنسان، الجميل لا يصدر عنه إلا ما هو جميل.
الخوف هو الأداة الشائعة لاستعباد الإنسان وإذلاله، الخوف يطفئ كلَّ ضوء في داخل الإنسان. بالتخويف والاكراه والقهر تستعبد السلطة السياسية الإنسان، ويخضع الإنسان طوعًا للسلطة الروحية. تفشّت القراءة التي تثير الخوف والهلع لبعض النصوص الدينية، وتضخمت صور ومشاهد العذاب والرعب في المتخيّل الديني بمرور الزمان، وغرقت المكتبة بكثير من الكتب المملؤة بمشاهد مريعة للعذاب. لم يخلق الله الإنسان ليجعله عدوه، ولم يخلقه ليخوض معركة معه، ولا بهدف التلذذ بأذاه والتنكيل به وتعذيبه. الإنسان كائن رفعه الله لمقام لا يرقى إليه موجود غيره، خلق الله الإنسانَ مكرمًا منذ ولادته، وأنزله بمقام وجودي لا يرقى إليه أي مخلوق آخر في الأرض وفي أي كوكب في الكون، ومقتضى التكريم الإلهي أن تنبثق صلة الله بالإنسان من المحبّة لا غير.كلمات الحُبّ الصادقة تداوي جروح الروح، جربت الحُبّ فرأيته أنجع دواء للقلوب والأرواح. صناعة الحُبّ أسمى غاية في حياة الإنسان، المعنى الذي يضفيه الحُبّ لا يضفيه أيُّ شيء في الحياة. حاجة الإنسان للحُبّ من أعذب هبات الله إليه، الحُبّ هو الحالة المبهجة الوحيدة التي لا بديل يكافؤها أبدًا، حتى الإيمان عندما يفتقر للحُبّ يصير حالة منطفئة بلا شعلة حيّة.
إن كانت "الطرقُ إلى الله بعدد أنفاس الخلائق"، كما هو مأثورٌ عند العرفاء، فإن أعذبَ هذه الطرق وأقصرها وأيسرها هو الطريقُ الذي ينبض فيه قلبُ الإنسان بحب الله. الحُبّ الإلهي ينقذ الإنسان أولًا والدين ثانيًا من الخوف والرعب والهلع، ويوقد النور ويبعث السلام في داخل الإنسان. محيي الدين بن عربي يجعل مقام المحبّة شريفًا، ويراها أصل الوجود، إذ يقول: "المحبّة مقامها شريف، وهي أصل الوجود" . المحبّة هي الطاقة المحركة للموجودات، والجسر الوجودي الرابط بين الله وعباده. كلُّ موجود يسعى عبر الحُبّ للعودة إلى أصله، وأصل المخلوقات هو الله،كلما ازداد الإنسان حُبًّا ازداد من الله قربًا. يقول ابن عربي: "عَيْن محبّته لعباده عَيْن مبدأ كونهم، متقدميهم ومتأخريهم إلى ما لا نهاية له، ونسبة حُبّ الله لهم نسبة كينونته معهم أينما كانوا... فكما أنه لا أول لوجوده سبحانه، فلا أول لمحبّته عباده سبحانه، وذكر المحبّة يحدث عند المحبوب عند التعريف الإلهي لا نفس المحبّة، ومن وجه آخر إذا قلنا: إنّ للحُبّ الإلهي بدءًا، فبدؤه النفس الإلهيّ عن رؤية المحبوب، فصِف الحُبّ بما شئتَ من حادث وغيره، ليس الحُبّ سوى عين المحبّ، فما في الوجود إلا محبّ ومحبوب" .‏

عبدالجبار الرفاعي

27 Jan, 15:49


الايمان الناتج عن البرهان العقلي متخشب، لا تنبض الحياة بالإيمان إلا أن يكون صلة متدفقة تغذيها المحبّة. معرفة الله غير حُبّ الله، معرفة الله أعني بها الادراك العقلي وليس الشهود القلبي. حُبّ الله سير القلب وسفره إلى الله، في رحلة يسعى فيها القلب أن يصير مرآة تنعكس عليها الأنوار الإلهية. معرفة الله هي تدبر العقل وتأمله وتفكيره في خلق الله وآياته واعتقاده بوجوده. الفلاسفة واللاهوتيون المتكلمون يعرفوننا على أدلة وجود الله وصفاته، لكن لا يوصلنا إلى الله إلا البصيرة الروحية، ولا تتكشف البصيرة وتنجلي من دون حُبّ الله. لا يرتوي الظمأ الأنطولوجي بمعرفة الله، بل يرتوي هذا الظمأ بحُبّ الله ووصاله. مثلما لا يتكرّس الإيمان بمعرفة الله، بل يتكرس بحُبّ الله. سفينة السفر إلى الله هي حُبّ الله، لا معرفة الله بمعناها العقلي. حُبّ الله يجعل الدين دواء وشفاء للروح والقلب، بل لا يكون الدين دواء وشفاء إلا بحُبّ الله، ولا تكفي لذلك معرفة الله. القلب الذي خطت عليه أسرار الحُبّ الإلهي قلبٌ لا يكفّ عن إنشاد ترانيم حُبّ الله والإنسان والعالم.
خلق الله الإنسانَ وجعله محتاجًا لصلة وجودية به، وجود الإنسان هشّ فقير، لا يثري وجوده ويحرّره من اغترابه إلا الصلة الوجودية بالله المكتفي بذاته الغني عن العالمين. لا أظن هناك انسان يستغني عن الله، وإن تنكّر لذلك يحاول الارتباط بمطلق موهوم سواه. الجيل الجديد يريد أن يرى صورة بهيجة مضيئة لله، يفرح ويبتهج عندما يشهد أنوارها. لا جيل الآباء ولا الجيل الجديد ضدّ الله بوصفه نورًا، وإلهًا للرحمة والمحبة. تفشي اللادينية لدى الجيل الجديد نشأ من تسلط الصورة المظلمة الكئيبة لله التي رسمتها تفسيرات عنيفة، حجبت أنواره المشرقة في آيات القرآن عن هؤلاء الذي يقرأونه بعيون بعض المفسّرين، وحجبتها مواقفُ وممارسات رجال سلطة ينطقون باسم الله في أحاديثهم زورًا، وهم أبعد العباد عن الله. رجال ينفّرون العباد من الله في مواقفهم وسلوكهم، ويقطعون الطرق إليه.
الحُبّ والرحمة والحقّ والعدالة والسلام ضمانة أساسية لحضور الدين المؤثر الفاعل في الحياة الفردية والمجتمعية. كلُّ ديانة تحرص على إنتاج الحُبّ والرحمة وتسعى لتحقيق الحقّ والعدالة والسلام، وتعلنها بوصفها الهدفَ الذي تسعى لتحقيقه في الحياة، ويجسّده أتباعها في سلوكهم، تتلهّف القلوب للانتماء إليها، ويتأبّد حضورها في الحياة، وكلُّ ديانة تحرص على إنتاج الحرب والانشغال بصراعات السلطة والثروة، تنفر القلوبُ منها ومن أتباعها. ما يربحه كلُّ دين رسالتُه الحُبّ والرحمة والعدالة والسلام يخسره كلُّ دين رسالته الحرب والغلبة على السلطة، واكتناز المال والاستيلاء على الثروة، واستعباد الإنسان.
بعد نصف قرن من تعلّم وتعليم علوم الدين كثّفت كتاباتي على رسم صورة نورانية لله، في ضوء ما رسمها الله لذاته في آيات القرآن الصريحة. حاولت أن تكون كتاباتي رسائلَ إيمانٍ ومحبّة وتراحم ومعرفة، باقتباس صورته النورانية، والكتابة عنها بتنويعات يتكشف فيها شيءٌ من أبعادها في كتابه المجيد، والإشارة إلى تجلياتها الساطعة في الوجود. رأيت هذا النوع من الكتابات يوقظ صوت الله في الأرواح الكئيبة، ويسعف الضائعين في وديان التيه ليدلهم على الله، ويريهم إشراقاته الأبدية، ويمكّنهم من تذوق محبته وشهود أنواره. لا أعرف هدية أقدمها لأحد أثمن من المحبّة، ولا أتقن مهنة في الحياة أفضل من صناعة المحبّة. المحبّة دواء لكلِّ داء أخلاقي، المحُبّة بلسم يسعف القلوب الجريحة بأوجاع الحياة المريرة، ذلك ما انتهيت إليه بعد مخاضات مضنية وتجارب مؤذية بتجرع ما تضج به الحياة من شرور تنهش الأرواح.

#عبدالجبار_الرفاعي
#المحبة
#حب_الله

https://al-aalem.com/%D8%AD%D9%8F%D8%A8%D9%91-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%8A%D8%AC%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B4%D9%81%D8%A7%D8%A1/

عبدالجبار الرفاعي

26 Jan, 20:55


‏تصدر الطبعة السادسة من كتاب: "الدين والظمأ الأنطولوجي"، عن دار الموسوعة الصغيرة في جوبا عاصمة جمهورية السودان الجنوبي، طبعة خاصة بالقرن الأفريقي وشرق إفريقيا.

عبدالجبار الرفاعي

25 Jan, 18:52


‏هذه 85 من دروس أصول الفقه الحلقة الثانية، مسجلة قبل 30 سنة تقريبا، عثرت عليها في الإنترنت. مفيدة لمن يريد دراسة الأصول بمعية الكتاب، وهو الحلقة الثانية في دروس في علم الأصول لمحمد باقر الصدر رحمه الله.

https://shiavoice.com/cat-176

عبدالجبار الرفاعي

25 Jan, 18:00


الخوف هو الأداة الشائعة لاستعباد الإنسان وإذلاله، الخوف يطفئ كلَّ ضوء في داخل الإنسان. بالتخويف والاكراه والقهر تستعبد السلطة السياسية الإنسان، ويخضع الإنسان طوعًا للسلطة الروحية. تفشّت القراءة التي تثير الخوف والهلع لبعض النصوص الدينية، وتضخمت صور ومشاهد العذاب والرعب في المتخيّل الديني بمرور الزمان، وغرقت المكتبة بكثير من الكتب المملؤة بمشاهد مريعة للعذاب. لم يخلق الله الإنسان ليجعله عدوه، ولم يخلقه ليخوض معركة معه، ولا بهدف التلذذ بأذاه والتنكيل به وتعذيبه. الإنسان كائن رفعه الله لمقام لا يرقى إليه موجود غيره، خلق الله الإنسانَ مكرمًا منذ ولادته، وأنزله بمقام وجودي لا يرقى إليه أي مخلوق آخر في الأرض وفي أي كوكب في الكون، ومقتضى التكريم الإلهي أن تنبثق صلة الله بالإنسان من المحبّة لا غير.

#عبدالجبار_الرفاعي
#المحبة
#الخوف

عبدالجبار الرفاعي

24 Jan, 20:16


مقاربة بين مشروع محمود محمد طه (1909-1985) ومشروع عبد الجبار الرفاعي (1954-)

عبدالجبار الرفاعي

22 Jan, 17:00


https://youtu.be/1gHRxPLssG4?si=HeyGSg9HPAX7BEPP

عبدالجبار الرفاعي

20 Jan, 09:21


‏المنصة الخاصة بأعمال الدكتور عبد الجبار الرفاعي على مؤسسة هنداوي:

https://www.hindawi.org/contributors/81287234/

عبدالجبار الرفاعي

18 Jan, 19:38


مساء السبت 18-1-2025 في ندوة تحدثت فيها عن كتاب: ⁧ #مسرات_القراءة_ومخاض_الكتابة⁩ وتجربتي في ⁧ #القراءة⁩ بوصفها ابتهاجا و ⁧ #الكتابة⁩ بوصفها ولادة ومخاضا.
‏امتناني للأصدقاء الكرام الأستاذ حسين المخزومي، والدكتور عمر السراي، والأستاذ علي الفواز، وكافة الحضور الكرام.

عبدالجبار الرفاعي

05 Jan, 18:48


الاجتهاد وتفسير النصوص الدينية في علم الكلام الجديد عند عبدالجبار الرفاعي - مريم عزيز - جامعة واسط / العراق https://lark.uowasit.edu.iq/index.php/lark/article/view/3760

عبدالجبار الرفاعي

05 Jan, 17:22


تصورات الإنسان عن الله لا حصر لها، تتنوع وتتعدد هذه التصورات بتعدد وتنوع المجتمعات والأديان والفرق والثقافات والعصور، وهذه التصورات، وإن كانت مخلوقة للإنسان؛ لكنها تشير إلى الله: (عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير)، وهي بالتأكيد غير الله، الله: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ". ‏هذا معنى القول بالتعددية الدينية.
#عبدالجبار_الرفاعي
#التعددية_الدينية

عبدالجبار الرفاعي

04 Jan, 17:56


‏صدرت الطبعة الأولى لكتاب "الدين والظمأ الأنطولوجي" سنة 2016. وصدرت الطبعة الخامسة المنقحة لهذا الكتاب هذه السنة 2024 عن مؤسسة هنداوي في القاهرة. رابط تحميل الطبعة الخامسة الأخيرة:

https://downloads.hindawi.org/books/30847268.pdf

عبدالجبار الرفاعي

03 Jan, 18:48


#مبادئ_الفلسفة_الإسلامية
#عبدالجبار_الرفاعي
طبعة جديدة منقحة صادرة في القاهرة عن مؤسسة هنداوي. ‏هذا الكتاب تدريسي في بعض الحوزات العلمية وبعض الجامعات. مطبوع 20 مرة، وهذه أفضل طبعة. الكتاب مطبوع في مجلدين في الإصدارات السابقة، في إصدار مؤسسة هنداوي صدر بمجلد واحد في 766 صفحة.
رابط تحميل الكتاب:
https://www.hindawi.org/books/79391463/?fbclid=IwY2xjawHmUBJleHRuA2FlbQIxMAABHYfJ0y5CCSE5xYDHha2Ir65LS75-GlYBJz8QnvsJhv3Ck--mnjn-rdESBA_aem_CqRevj4iwyKiOKF8h0Xkxg

عبدالجبار الرفاعي

28 Dec, 21:06


أدركت أن الخطأ ضرورة تفرضها طبيعة الإنسان بوصفه إنسانًا، لا يتحرر الإنسان من الخطأ غالبًا إلا بعد أن يقع فيه، ويتواضع فيعترف بكونه أخطأ، ويمتلك إرادة جريئة تعمل بإصرار على الخلاص منه، بعد دراسة أسبابه والأوهام التي قادته إليه. يتخفف الإنسان بالاعتراف بالخطأ داخليًا أولًا، ويتحرر من توهم الكمال والغطرسة والنرجسية الحادة ثانيًا، وثالثًا يدعوه الاعتراف بالخطأ لتفهم ما يوقع غيره في الخطأ، ويمكّنه من الاعتذار له. لو اعترفنا بأخطائنا لتخلصت عوائلنا من كثير مما يهدد كيانها، ويعصف بأمنها، ولتخلص مجتمعنا من مشكلات عميقة، وتخلصت حكوماتنا من حروبها العبثية. مَن يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ يمتلك القدرة على تغيير ذاته. الاعتراف بالخطأ ضرورة تربوية وأخلاقية، الخوف من الاعتراف بالخطأ خوف من التغيير.

#عبدالجبار_الرفاعي
#الاعتراف_بالخطأ

عبدالجبار الرفاعي

27 Dec, 16:47


كانت علاقاتي قبل 40 سنة واسعة متنوعة عشوائية، حاكمت نفسي أكثر من مرة بصرامة على هذه الفوضى في العلاقات، غير المنتِجة روحيًا وأخلاقيًا ومعرفيًا، فقمت بشذيبها بالتدريج من الصعاليك والشخصيات الطفيلية، التي كانت تستنزف وقتي وطاقتي، وتعكر مزاجي بتوهمها أني وغيري مخلوقون لخدمتها مجانًا. منذ ذلك التاريخ لم أعد أتحمس لبناء أية علاقة جديدة بأيّ إنسان، إلا إذا كان هذا الإنسان شخصية أخلاقية، يتميز بعواطفه الصادقة وذوقه وتهذيبه ومعرفته. الكتاب أغزر منبع للمعنى ساعدني للاستغناء عن هذه العلاقات العشوائية، وحماية نفسي من الصعاليك، احتلت الكتب النوعية مكانة هذا النوع من العلاقات. أقرأ منذ المرحلة الابتدائية، لكن تلك العلاقات كنت أتورط بها فتورطني، بزحفها على وقت الكتاب، الذي أحبه كثيرًا، فتزيحه. بمرور الزمن أصبحت إرادتي أقوى، فلم تعد أية علاقة بأيّ إنسان من أمثال هؤلاء تغويني، وفشلت محاولات المتسكعين والمشغولين بالثرثرة في مصادرة مكانة الكتاب في حياتي.

‏⁧ #عبدالجبار_الرفاعي⁩
‏⁧ #الصداقة⁩

عبدالجبار الرفاعي

26 Dec, 15:27


ندوة بإندونيسيا في جامعة سونان كالجغا يوغياكارت، بعنوان: "أركان علم الكلام الجديد عند د. ⁧ #عبدالجبار_الرفاعي⁩"، يتحدث فيها الباحث المتخصص في الفلسفة الاسلامية إحزى فجريان غدا الجمعة ٢٧-١٢-٢٠٢٤.

عبدالجبار الرفاعي

24 Dec, 15:14


الحُبّ ضرب من انكشاف الوجود

د. عبد الجبار الرفاعي
ليس هناك ما يُشعِر الإنسانَ بمتعة وجوده في العالَم كالحُبّ والإيمان. أجمل ما يتجلى في الإنسان الحُبّ، وأجمل ما يتجلى فيه الإنسانُ الحُبّ، وأعذب صلة وجودية بين إنسان وإنسان تتحقّق بالحُبّ، وأعذب طور وجودي للإنسان الحُبّ. الحُبّ ضربٌ من انكشاف الوجود وتجلي ما هو مضيء في الإنسان، واحتجاب العناصر المظلمة، واضمحلالها إلى أدنى مرتبة ممكنة. الحُبّ الأخلاقي بلا شروط ولا قيود نعمة إلهية، لا يظفر بها إلا الأخلاقيون النبلاء. كأن الإنسان يغيب في الحُبّ عن الزمان والمكان والمادة ويختفي ظلامها، وكأن الزمان يتحول إلى صفر، ‏عندما يحضر هذا النوع من الحُبّ. لا ينكشف النورُ إلا بمرآة يتجلى فيها، ‏الإنسانُ الأخلاقي يتجلى فيه نورُ الله، الأخلاق مرآة نور كائن مضيء. الحُبّ الأخلاقي ليس حالة شعورية مؤقتة أو عابرة، إنه رحلة وجودية يعيد الإنسانُ تعريفَ ذاته فيها ويوجد بطور جديد.
مادام الحُبّ رحلة وجودية، فكلّ رحلة وجودية يخوضها الإنسان لن يعود بعد خوضها لما كان هو عليه قبل ذلك.كلُّ ما هو وجودي في الحياة منبع إثراء وتكريس لكينونة الإنسان، سواء أكان من نوع مبهج أو من نوع موجع، وإن كان كل منهما يحدث أثره من جنسه وبكيفية تشاكله. الذي يعيش الحب بوصفه تجربة وجود يولد ولادة جديدة، بالحب يولد الإنسان بطور وجودي أغنى. الذي لا يحب من هو جدير بالثقة والمحبة يبذر مشاعره. الحاجة للحُبّ والإيمان من الاحتياجات الوجودية العميقة التي لن يستغني عنها وجودُ أي إنسان، وكلما ازداد عدد المحبين تزداد محبته لهم، وتشتد حاجته إلى التواصل معهم وتحذير محبتهم. يتذوق الإنسان عذوبةَ الحُبّ بوصفه رحلة وجودية يتحقّق بها، وان كان لا يستطيع التحدث عنها إلا بحدود ما تتسع له الكلمات، تضيق اللغة عن التعبير لرسم صورة واضحة للوجود. ليست هناك لغة مكتفية بذاتها، ‏اتساع أفق المعاني يخنق الكلمات.
الكائن المحب مضيء يفرض حبه على من يكون حوله. الحُبّ ضوء حيثما كان يبهج القلوب.‏ الحُبّ يطهر الروح من الظلام. مَن يستثمر في الروح يفرض حبّه حتى على القلوب القاسية. الحب الاستثنائي الأصيل يتحقق فيه الإنسان بطور وجوديّ أجمل وأثرى. يتذوق الإنسان الحب بوصفه رحلة وجودية يتحقّق بها، ولا يستطيع التحدث عنها إلا بحدود ما تتسع له الكلمات، تضيق اللغة عن التعبير لرسم صورة لما يتحقّق به الإنسان من أطوار وجودية. يحتاج كلُّ إنسان الحُبّ وربما تزداد حاجته للحُبّ لو ازداد عدد المحبين في العائلة والأصدقاء ومَن يتواصل معهم، يرى الإنسان كلما ازداد عدد المحبين ازدادت محبته لهم وتضاعفت حاجته إلى محبتهم.
في #الحُبّ خاصية عجيبة يتميّز بها، وهي قدرته على إعادة إنتاج مكونات ولادته ومنابع إثرائه من داخله؛ لذلك يتجذّر الحُبّ ويصفو ويُثمر عندما تتّسع مساحةُ محبّة الإنسان لغيره، ثمرة الحُبّ هي الحُبّ لا غير.كلُّ حُبٍّ يتكرس وينمو على شاكلته، إذ يتفاعل كلّ إنسان مع الحُبّ بما يتناسب مع نمط الحُبّ ونمط شخصيته. إن إعادة إنتاج الحُبّ وإفاضته ترتبط بنمطه وكيفيته، ودرجة تفاعل الروح واستلهامها له.
مكافأة الحُبّ هي الحُبّ، ما يطلبه الحُبّ هو الحُبّ، لا يرتوي الحُبّ إلا بمزيد من الحُبّ. يتسع القلب ويضيء ويبتهج كلما اتسع فضاء الحُبّ فيه. بهذا المعنى يتجاوز الحُبّ كونه تجربة عاطفية، فيصير نافذةً لانكشاف أعمق لوجود كينونة الإنسان. الأثر الخلّاق للحُبّ يظهر بإثراء الهوية الوجودية للإنسان، وشعوره بتوكيد الذات، وكأن وجوده امتد فاستوعب مَن يحبّه. معادلة الحُبّ تؤثر وتتأثر بطرفيها وقدرتهما على البناء الرصين للصلة الوجودية. يتعذر أن تنهار صلةٌ وجودية راسخة يلهمها الحُبّ، ويحميها ضمير أخلاقي يقظ.
الحُبّ استراحةُ الروح حين تأوي إلى ما يشاكلُها من أرواح. الحُبّ ‏الأصيل راحةُ الأرواح المتعبة بوصفه أعذبَ معنى يتذوقُه الإنسانُ في حياته. مهما كان الانسانُ ‏صغيرًا أو كبيرًا يحتاج الحُبَّ والدعمَ العاطفي. دورُ العاطفة في التربية والتعليم أكبرُ من دور العقل، إذا أراد المعلّمُ التأثيرَ الفَعَّال في أذهان تلامذته ومشاعرهم عليه أن يبدأ بتحفيز عواطفهم. الخلطةُ السحرية لمعادلة التربية والتعليم تغذّيها العواطفُ قبل العقل. متى ازدادت العواطفُ ازدادَ تحفيزُ المواهب وايقاظُ الوعي وإثراءُ المهارات، الاعترافُ بمنجز التلميذ والاعجابُ بجهوده وتشجيعُه إكسيرُ التربية والتعليم. ‏التاريخُ البشري صنعته العواطف مثلما صنعه العقل، بل كانت مساحة العواطف وتأثيرها أوسع.

عبدالجبار الرفاعي

24 Dec, 15:14


عندما يُحبّ الإنسان عائلته ومَن يعيش ويتعامل معهم، فإنّهم ينجذبون للالتحام به، ويحفزهم على المبادرة بالعطاء؛ وتأمين المزيد من تضامنهم وتكافلهم، من دون حاجة إلى طلب أو رجاء. الحُبّ يتحكم بالإنسان، ولا يتحكم الإنسان بالحُبّ، وغالبًا ما يحدِّد الحُبّ خيارات الإنسان ويرسم مسارات حياته ويصنع مآلاته. الحُبّ حالةٌ لا تخضع خضوعًا قهريًا للعقل والإرادة، لا ينبثق الحُبّ دائمًا بطول المعاشرة، ولا بتمارين أو ارتياضات خاصة. كلُّ ذلك يمكن أن يساعد على تنمية الحُبّ وتجذيره، لكن لا يوجده إن لم ينبثق بذاته. للحُبّ طاقة تنصهر فيها عناصرُ نفسية وعاطفية وروحية قابلة للانصهار في مركب واحد، يثري الحُبُّ حياةَ الإنسان ويعزّز ثقته بنفسه، ويجعله قادرًا على خلق طموحات وأحلام جميلة تضيء آفاق غده اللامرئية.
الحاجة لإيقاظ الشعور بالأمان والمحبة والتقدير من أعمق الاحتياجات في النفس الإنسانية. المحبّةُ أقلُ بكثير من الكراهية، عواملُ صناعة الكراهية متعددةٌ ومتنوعة وكثيرة داخل النفس الإنسانية وفي المحيط الذي يعيش الإنسانُ فيه، لا تصنعُ المحبّةَ إلا الأنفسُ النبيلة. قوة الإنسان في قدرته على توليد المعاني الروحية والأخلاقية والجمالية لحياته وتنميتها وتغذيتها، المحبّة والإيمان من أغزر الروافد لتوليد هذه المعاني.كما لا يستغني الإنسان عن حاجات الجسد الأساسية لاستمرار حياته، لا يستطيع أن يستغني عن المعاني الضرورية للشعور بالأمان والحماية من وحشة الوجود وهول غربته.
الحُبّ الأصيل لا ترتقي إليه إلا القلوب السليمة من الأمراض. الاستثمار في الحُبّ يجعل الحياة تتسع لقبول المختلف والعيش معه بسلام. تضيق الحياة كلما ضاقت مساحة الحُبّ في قلب الإنسان، مثلما تكتئب الحياة كلما ضاق فضاء الأمل والحلم والمتخيل في ذهن الإنسان.
الحُبّ الذي أتحدث عنه هو حُبّ صاحب الضمير الأخلاقي الصادق. هذا النوع من الحُبّ قوة لا ضعف، ثمرة حُبّ الأبوين للأبناء الرعاية والإيثار والتضحية. لا كنزَ أثمنُ في الحياة من محبّة قلب تصفو مودته. الحُبّ بلا ثقةٍ متبادلةٍ ولا شعورٍ بالأمانِ المتبادلِ زائفٌ. مَنْ كان صادقًا مع نفسه، صادقًا مع الناس، صادقًا مع ‏الله، ينبض قلبه بالمحبة والرحمة والحنان، وتتذوق الأرواحُ الصافية المحبةَ الإلهية في كلماته.
القلبُ الذي يعيشُ الحُبَّ لا تدركه الشيخوخة، حيثما يكونُ الحُبُّ يكونُ معنى الحياة. الحُبُّ يغيّر مادام متوهجًا. في الحُبّ يتجلى أجملُ ما في الإنسان، وتنبعثُ منابعُ الخير المودَعةُ في أعماقه. في التربية والتعليم الحُبُّ يغيّر، يوقظُ العقلَ، ويروي المواهبَ، ويطوّر المهاراتِ، ويفجّر الطاقاتِ الكامنة. الحُبُّ يتكفلُ حمايةَ الإنسانِ من الشر الأخلاقي، عندما تتحدثُ لغةُ الحُبّ تصمتُ لغةُ الشر.
#عبدالجبار_الرفاعي

https://alsabaah.iq/106670-.html

عبدالجبار الرفاعي

22 Dec, 14:53


هدايا الرفاعي

لطفية الدليمي
كلُّ كتابٍ ينشره الدكتور عبد الجبار الرفاعي هو هدية حقيقية لقرّائه. أسبابُ هذا كثيرة لعلّ أوّلها هو حفره في أرض صلبة كأنّها الصخر. هو يعرف قبل سواه أنّ هذه التربة الصخرية قد لا تلين وتستوي أرضاً خصبة لزراعة الأفكار وتداولها في زمن قريب؛ لكنّه يعمل ويعمل من غير انقطاع. ليس للمجتهد سوى فضيلة العمل حتى لو بدا أنّ حصيلة عمله ماكثةٌ في أفق بعيد قد لا يبلغه في حياته.
قرأتُ قبل بضعة شهور كتاب الرفاعي (مسرّات القراءة ومخاضُ الكتابة: فصلٌ من سيرة كاتب). لم يخرج الرفاعي في كتابه هذا عن الملامح الجامعة التي صارت خصائص معروفة لكتاباته: النبرة الهادئة المتفكّرة لإنسان يسعى لأن يجد معنى وغاية لحياته من بوّابات معرفية مختلفة. الفارق الأوحد أنّ كتاب سيرته هذا حكى فيه الرفاعي عن جوانب مخصوصة من سيرته، وهي جوانب كان ضنيناً بها في كتبه السابقة لأنّه تناول فيها موضوعات فكرية دسمة بشأن (تثوير) الرؤية النسقية إلى الدين بدلاً من تمركزها على نواة لاهوتية أو فقهية صلبة.
سيعرف القارئ بعد قراءة هذه السيرة الفكرية أيّ نوعٍ من البشر هو الدكتور الرفاعي، وأظنُّ أنّ أهمّ ما نتعلّمه من هذه السيرة هو ضرورةُ الإبتعاد عن رسم بروفايلات ثقافية مؤطّرة بحدودٍ خشنة نحن من يضعُ أبعادها وفقاً لأهوائنا ومشتهياتنا. كانت قراءة سيرة الرفاعي باعثة على نمط رفيع من الإثراء الفكري والمعرفة التنقيبية في عقل رأى ما لم نره وولج مناطق لم نلجها، وأعني بهذا تثقّفه وتعليمه في المدارس الدينية. أفضلُ مَنْ يكتب عن هذه المدارس وبيان فضائلها أو مثالبها هو من عايش هذه المدارس وعرف أسرارها وما يجري في باحاتها المغلقة.
كلّما قرأتُ كتاباً للرفاعي تذكّرتُ على الفور شخصيتيْن: واحدة من عصر التنوير والأخرى معاصرة لنا. الشخصية الأولى هي (فريدريك شلايرماخر Friedrich Schleiermacher)، الفيلسوف واللاهوتي الألماني الذي أتمنّى أن يقرأ كل من يستطيع القراءة كتابه (عن الدين: خطابٌ لمحتقريه من المثقفين)، وفيه يصف جمهرة من المثقفين الذين يتقذّرون من كل شأن ديني بسبب علموية ثقلت موازينها لديهم حتى أعمتهم عن كلّ رؤية مخالفة. أبان شلايرماخر بكلّ وضوح أنّ المسألة ناتجة عن سوء فهم مستديم: الدين كميتافيزيقا لا شأن له بسياسات الدين التي هي صناعة دنيوية مدفوعة بمصالح وانتفاعات تتخفّى في شكل ممارسات دينية.
الشخصية الثانية هي جون بولكينغهورن John Polkinghorne، الذي عمل سنوات طويلة رئيساً لقسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كامبردج، وكان مفكّراً دينياً وكاتباً وقسّاً أنغليكانياً يقود الصلوات في قدّاس الأحد بالجامعة.
كتب بولكينغهورن كتباً عديدة أراد فيها مثلاً التوفيق بين ميكانيك الكم والكاثوليكية!!، ومن البديهي أن تلقى أعماله إنتقادات قوية؛ لكن لا أحد أساء إلى مكانته العلمية أو سمعته الشخصية. أتذكّرُ مساجلاته مع ريتشارد دوكنز، كانت طافحة بالحيوية والجرأة الفكرية، وفي الوقت ذاته كانت مثالاً شاخصاً على قدرة العقول المبدعة على التفاعل الخلاق. لا أظنّ أحداً سينسى الوجه الصبوح للدكتور بولكينغهورن والذي يشي بروح مُحِبّة وعقل متصالح مع أفكاره بعيداً عن الأصولية الدوغمائية أو المصالح الشخصية المتقنّعة بأقنعة لاهوتية. من أراد معرفة شيء معقول عن أفكار بولكينغهورن فربما سيجد في كتابه (ما بعد العلم Beyond Science)، وهو مترجم إلى العربية، إطلالة على فكر الرجل ورؤاه.
التقيتُ الدكتور الرفاعي أوّل مرّة في معرض المدى للكتاب في أربيل عام 2013، وكان بصحبته الراحل (هاني فحص). كان الرجلان ثنائياً متوافقاً في الأفكار والخصال: سماحة وبشاشة وأريحية وانفتاح ثقافي على كلّ العلوم والنظريات والأنساق الثقافية. هذه الخصال أنت لا تفترضها افتراضاً بل تراها متجسّدة في الكلمات المنطوقة والعيون اللامعة ومخرجات العقول وسماحة الوجوه وانبساطها. الضد النوعي لهذه الوجوه تراه في الكثير من رجال دين أو مُدّعي تديّن موصوف بالحركية تمييزاً له عن التديّن التقليدي. تعجبُ من فرط انغلاق هذه الوجوه ويبوستها وتموضع عقول شخوصها على خطاب واحد ومقاربة واحدة تسعى لخلط الاوراق وتغليب الجانب السياسي -الحركي على القيمة الميتافيزيقية في الدين. وما عساها تكون النتيجة؟ المزيد من تنفير العقول وتعكير النفوس وسيادة خطاب الكراهية.
عمل الرفاعي في سنوات عديدة سابقة في أنطقة ثلاثة مترابطة عضوياً: أنسنة الدين، والتأكيد على جوهرانيته الميتافيزيقية المترفعة على السياسات الدينية، ومحاولة جعله نسقاً ثقافياً ذا تداول عام وليس شاناً حصرياً بالمدارس الفقهية التقليدية. أكّدت كتب الرفاعي هذا التوجّه، ثمّ تعاضد جهده التأليفي مع تأسيسه لِـ (مركز دراسات فلسفة الدين) الذي نشط في نشر مجلته التي ضمّت دراسات ثمينة لمفكّرين عالميين.

عبدالجبار الرفاعي

22 Dec, 14:53


تلقّيتُ قبل أيام قليلة ثلاث هدايا ثمينة من الرفاعي، مثّلتْ امتداداً لنشاطه الفكري وإن جاوزتها قليلاً بالإنفتاح على موضوعات جديدة كما حصل في كتابه (ثناءٌ على الجيل الجديد). الكتابان الآخران هما: (مفارقات وأضداد) و (الدرس الفلسفي في المدارس الدينية). لو ألقى القارئ العجول نظرة على جداول محتويات هذه الكتب، وأجهد نفسه قليلاً وقرأ مقدّماتها فسيعرف أيّ ثراء فيها، ومستوى الدقّة والإنضباط في صياغة الكلام والأفكار بكيفية تريحُ القارئ المتمرّس الذي يعرف كيف السبيل لتمييز غثّ الكلام عن رفيعه. سنقرأ كلاماً نظيراً لهذه الشاكلة:
"هناك خبراء ممّن يمتلكون تكويناً أكاديمياً جاداً في الفلسفة والمنطق الحديث، لديهم معرفة جيدة باللغات الفرنسية والألمانية والإنكليزية، يتسيّدون المشهد الفلسفي في بعض البلدان العربية، ويحتفي بكتاباتهم الغزيرة جامعيون متديّنون؛ غير أنّهم يتفلسفون على طريقة الغزالي وابن تيمية، فيقدّمون قراءات موهمة ومضللة للفلسفة الحديثة، تلوّنها بألوان مشوّهة، وتقوّلُها ما لا تقول. القارئ الخبير يدركُ أنّهم يتفلسفون ضدّ الفلسفة"
سنخطئ كثيراً لو تصوّرنا أنّ جهود الرفاعي تندرجُ في سياق ما يعرفُ (تجديد الخطاب الديني). هي أقربُ لرؤية جديدة ومقاربة جديدة تتناغم مع جهد المنظّرين العالميين في موضوعة الأنساق الثقافية- ذلك الجهد الذي تأخرنا فيه كثيراً ودفعنا لقاءه أثماناً قاسية.
الدكتور الرفاعي معروف بكرم روحه؛ لذا فقد أسعدني كثيراً أن أرى معظم مؤلفاته معروضة مجاناً في موقع (هنداوي). من شواخص كرمه أيضاً أنّه أهداني نسخة من رواية عنوانها (زارع الريحان) كتبتها إبنة أخيه (هاجر القحطاني) التي أتمنّى أن نشهد لها بصمات مميزة في الثقافة العراقية.
أقولها ثانية: كُتُبُ الرفاعي هدايا مضمّخة بحبّ العالم والسعي لإشاعة السلام والحسّ الانساني الرفيع فيه. هذه أوّلُ مساعي الرفاعي وأسبَقُها على غيرها؛ أمّا المثابات الفكرية العالية فتلك تستلزم قراءة دقيقة هادئة لعقول بعيدة عن إدمان العنف وصناعة التجهيل المركّب.
الرفاعي يحفر في صخر اللاهوت القشري الصلب سعياً لبلوغ الجوهر الإنساني. لعلّه لن يلقى مكافأة مستحقّة لعمله، ولا أحسبه ينتظر مثل هذه المكافأة. حسبُهُ أنّه يُلقي بذاره في أرض صلبة وينتظر موسم الحصاد البعيد مع كثرة من الطامحين لرؤية الأفق الإنساني حتى لو كان غير مرئي في أيامنا المضبّبة.

https://www.facebook.com/100000565284488/posts/pfbid025KTnhD3DcRx6yX1G92tnQ4ziY7ZBEZ8kkgcmMdXt45bSKqbfXwgvcr8eLib6pzkrl/

عبدالجبار الرفاعي

20 Dec, 21:39


القيم شيء، والعقل والعلم شيء آخر. لم يمنع التطورُ العلمي الغربَ من استعمال المعايير المزدوحة في التعامل مع الآخر، وهذه أكبر التحديات التي تواجه حضارته. إنسانية الإنسان تتجلى بالحضور الفاعل للقيم الأخلاقية والروحية والجمالية في حياته،كلُّ حضارة تتصدع فيها هذه القيم تتصدع. التقنيات الجديدة على الرغم من أنها تقدّم للإنسان فرصة استثنائية، هي تحدٍّ قد يؤدي إلى تصدعّ القيم والتلاعب في معاييرها الكونية، وربما تفضي هندسة الجينات إلى إنتاج نسخة عبقرية عملاقة من الإنسان تتفوق علينا بقدرات استثنائية، وربما ينتهي الذكاء الاصطناعي إلى تغيير أنماط العلاقات في العائلة والمجتمع، ونظم إدارة المؤسسات والحكومات والعلاقات الدولية بشكل جذري. وذلك يفرض على الإنسان، بموازاة تدفق التطور العلمي كالشلال، السعيَ من أجل إيقاظ القيم الكونية وتنميتها وإثرائها بتشريعات أممية ومحلية صارمة.

عبدالجبار الرفاعي

18 Dec, 16:50


كل شيء في الثقافة العراقية متمركزٌ حول الشعر. سرق أغواءُ الشعر أثمن المواهب في جيلنا، وما زال مقبرة للأذكياء. جيل الأبناء لم يتحرر كليًا من غوايته. لا نحتاج إلى المزيد من هذا اللون الزائف من الكلام المفرغ من الرؤيا والمعرفة، ولا حاجة لتواصل الكتابة الغزيرة فيه وعنه، هذا اللون من الكتابة يُسمى خطأ ب "الشعر" ، وهو ضربٌ من الهذيان اللفظي. أغلبُ ما يُكتب وينشر عن مثل هذا الشعر تكديس كلامٍ على كلام، وليس شعرًا بالمعنى الذي تتكشف فيه رؤيا مضيئة، ومعرفةٌ مكتنزة، وبصيرةٌ ملهمة. نادرًا ما نقرأ اليوم شعرًا يلوح لنا فيه أنه يختصر معرفة في جملة، وصورة في عبارة، وجمالاً في لوحة.

#عبدالجبار_الرفاعي

عبدالجبار الرفاعي

16 Dec, 19:16


إيمان الحُبّ يُطهِّر الأرضَ من الكراهية

د. عبد الجبار الرفاعي
‏ بإيمان الحُبّ والرحمة والجمال يسترد الدين شيئًا من الضوء الذي أطفأه التشدّد والتطرف والعنف، وينقذ الإيمانُ الإنسانَ من القبح الذي ‏يتفشى في تديّن متوحش يثير الاكتئاب في الحياة. الحُبُّ بوصلةُ القلوب المتلهفة للارتواء من كلِّ معنى جميل ‏في الوجود، الحُبُّ أعذب لغة يتحدثها الإنسانُ مع الله، وأجمل معنى لتكريس علاقات ثمينة داخل العائلة والجماعة والمجتمع، لكن الحُبَّ عصيّ على أكثر الناس، ومتعذّر على بعضهم الآخر. ‏عندما يتحدثُ الإنسان بحُبّ، ويقرأ بحُبّ، ويكتبُ بحُبّ، ويبني صلاتِه بكلّ شيء حوله بحُبّ؛ تشرقُ أنوارُ الأبد على قلبه. لا يضيء ‏القلبَ إلا إيمانُ الحُبّ، إيمان الحُبّ يبعث سكينة الروح وطمأنينة القلب، ويُطهِّر الأرض من الكراهية والعنف. لا ينتج الإيمانُ السكينةَ مالم يكن تجربةً وجودية يضيؤها الحُبّ الإلهي. الحُبّ الإلهي مقامٌ لا يتكاملُ فيه الإنسانُ إلا بارتياضٍ روحي وتسامٍ أخلاقي لا يطيقه إلا الأفذاذ.
مَن يريد أن يعيش في أفق المعنى، ويحقّق لقلبه الطمأنينةَ ولروحه السكينة، عليه أن يبدأ باكتشاف ذاته، يبدأ بهذا الاكتشاف أولًا ويواصل رحلة اكتشافه بلا نهاية، ويتعرّف بمختبر الذات على نفسه. من خلال التعرّف على ذاته يعمل على اكتشاف الكينونة الوجودية للإنسان بما هو إنسان، ويتعرّف أكثر على الطبيعة الإنسانية المشتركة، ويروّض نفسَه على احترام معتقدات الإنسان المختلِف وتكريمه، وذلك يتطلب كدحًا شاقًا، وممارساتٍ تربوية روحية وأخلاقية متواصلة. ويعمل باستمرار على تدريب نفسه على التراحم والشفقة على الخلق، ويسعى لمحبّتهم إن أمكنه ذلك، ‏بغضّ النظر عن أديانهم أو معتقداتهم ومذاهبهم وأعراقهم وثقافاتهم، وتلك بدايةٌ ثانية ليس لها نهايةٌ أيضًا. هذا هو الطريقُ الذي يبدأ فيه الإنسانُ أسفاره إلى الله، وهو طريق تتواصل فيه الرحلةُ الأبدية. كلّما واصل الإنسانُ هذه الأسفارَ تكرّست صلتُه بالله وتكامل وجودُه، إذ ينتقل من طورٍ وجودي أدنى إلى طورٍ وجودي أسمى، في رحلةِ تكاملٍ وجودي لا تنتهي ولا تقف عند حدّ. هذا هو الطريق، طريق أسفار الإنسان إلى الله عبر اكتشافِ الذات، واكتشافِ الإنسان المختلِف واحترامِه وتكريمِه ومحبّته. هكذا تبدأ وتتواصل أسفار الذات في رحلة إيمان المحبّة والتراحم.
يبدأ ‏كلُّ ما هو جميل في هذا العالم بالإنسان، ‏يبدأ حُبّ الله بحُبّ الإنسان، ويبدأ حُبّ الإنسان بحُبّ الذات. ‏الإنسان هو جسر العبور إلى الله، مَن لا يحُبّ الإنسان لا يحُبّ الله. ‏لا حُبّ لله يتحقّق خارجَ حُبّ الإنسان. نمط الحضور الحقيقي للإنسان في الوجود يتحقّق بنمط صِلاته بالآخر، ويستمدّ قوة حضوره أو هشاشتها تبعًا لكيفية صِلاته الأخلاقية بالآخر. محبّة الإنسان الجدير بالمحبة هي الطريق إلى حُبّ الله، وحُبّ الله هو النور الذي لا ينطفئ أبدًا. مَن يدعو إلى حُبّ الله بدون حُبّ الإنسان، أو قبل حُبّ الإنسان، لا يدلنا على الطريق إلى الله. حُبّ الله طريقه الوحيد هو حُبّ الإنسان الجدير بالمحبّة والإكرام. فضاء إيمان الحُبّ ضيق في التديّن الكلامي والسياسي، وأوضح وأوسع حضورًا في التديّن الشعبي تديّن الأمهات والآباء. القلب مرآة الأنوار الإلهية، ‏إن كان صاحُبّ القلب تسعده سعادة الآخرين، ويروّض ذاتَه على رحمة الخلق ومحبّتهم. النداء الإلهي يصغي إليه كلّ قلب يسكنه الحُبّ والرحمة والشفقة في الأرض.‏ عندما يتوطن حُبّ الله قلبَ إنسانٍ يجعله مرآةً تعكس الأنوارَ الإلهية البهيجة.

عبدالجبار الرفاعي

16 Dec, 19:16


لا تنبض الحياة بالإيمان إلا أن يكون صلةً متدفقة تغذّيها محبّة الله. الإيمان والحُبّ كلاهما يتكلمان لغة واحدة. الحُبّ بلا إيمان فقير، الإيمان بلا حُبّ عنيف. وحده الإيمان يثري ‏وجودنا ويكرّسه، إن كان الإيمان يتكلم لغة المحبّة والرحمة والسلام. المعنى الكامن في الحُبّ لا يوازيه إلا المعنى الكامن في الإيمان العميق بالله. حُبُّ الله والإيمانُ كلاهما تجليان لحقيقةٍ واحدة. أجمل ما تتجلى فيه روحُ الإنسان أن يكون إيمانها بالله حُبًّا، وحُبّها لله إيمانًا. الإيمان والحُبّ كلاهما يتكلمان لغة واحدة. الإيمان حالة وجودية تُلهمنا سكينةَ الروح، الحُبّ طاقة تُلهمنا تذوقَ أجمل ما في الحياة وتحسّس جماليات الوجود. وحده الإيمان يثري ‏وجود الإنسان ويكرّسه، إن كان الإيمان يتكلم لغة المحبّة والرحمة والسلام. حُبّ الإنسان الجدير بالمحبّة هو الطريق إلى حُبّ الله والإيمانُ به. حُبّ الله والإيمانُ به نورٌ لا ينطفئ، يطهِّر القلبَ من الأغلال والإحَن، ويجعل حياةَ الإنسان الشخصية مشبعة بالسكينة والسلام. مَن يدعو إلى حُبّ الله بدون حُبّ الإنسان، أو قبل حُبّ الإنسان، لا يدلنا على الطريق إلى الله. قلب الإنسان الذي يفيض الحُبّ على غيره أجمل مرآة تتجلي فيها صورةُ الله في الأرض. الحُبّ ضرب من انكشاف الوجود، وتجلي النور الإلهي في الإنسان. تذوق المحبّة الأصيلة يوقظه الإيمان، ويثريه شهود الأنوار الإلهية. أسمى حُبّ أن يرى الإنسان مَن يُحبّه بوصفه مظهرًا يتجلى فيه جمال الله في الوجود. لا يتجلى الله في قلب إنسان كما يتجلى في حالة الفزع، في هذه الحالة وأمثالها تُسعِف المحبّة والإيمان والرحمة النفوسَ الفزعة وتسهم في تضميد جراحها. يتجلّى اللهُ كأجملِ ما يتجلّى في الإنسانِ الذي ينبضُ قلبُه بالمحبةِ والرحمةِ، ويتمسّك بالحقِّ والعدلِ، ويهتمُّ بإكرامِ الإنسانِ واحترامِه، بغضِّ النّظرِ عن دِينِه ومعتقدِه. المحبة بلا شروطٍ ولا حدودٍ نعمةٌ إلهيةٌ، لا يظفرُ بها إلا الأخلاقيون النبلاءُ.
حُبّ الله لا ينتهي ولا يقف عند حد، لا ينطفئ، لا يموت، ولفرط عذوبته يجد مَن يتذوقه الحاجةَ إليه لا تُشبَع ولا تنتهي. أفق التكامل في ‏الحُبّ الإلهي مفتوح، إذ يتسامى هذا الحُبّ ويصفو ويشتدّ إشراقُه إن كرّس الإنسانُ حياتَه لمن يحتاج إسعافًا ورعاية وعطفًا من خلق الله، الحُبّ الإلهي هو الغاية النبيلة لكل حُبّ أصيل. حُبّ الإنسان مالم تكن ضمانتُه حُبَّ الله ‏لا يحمي الإنسانَ في مراحل حياته المختلفة من القلق الوجودي، وأحيانًا تكون مآلاتُ هذا الحُبّ جرحًا نازفًا أو رمادًا تذروه الرياح.
الخطأ بحق الإنسان غير الذنب والمعصية بحق الله. الاعتراف بخطأ الإنسان تجاه نفسه أو الناس، غير الاعتراف بالذنب والمعصية أمام الله. الاعتراف بالذنب والاعتذار لله، سواء كان تعديا على حق الله أو حق الناس أو النفس، غير الاعتراف والاعتذار وطلب العفو من الناس، وتربية النفس على شجاعة الاعتراف. لا حقوقَ لله بلا حقوق للإنسان، لا تتحقّقُ الأولى إلا أن تتحقّقَ الثانية، مَن لا يكترث بحقوق الإنسان لا يكترث بحقوقِ الله، ومن يخطئ بالتعدي على حق الله غير من يخطئ بالتعدي على حق الإنسان. علمُ الكلام التقليدي ينطلق من رؤية تتقدم فيها حقوقُ الله على حقوقِ الإنسان، خلافًا لعلم الكلام الجديد الذي يرى حقوق الإنسان هي الطريق لأداء حقوق الله. الدينُ في ضوء التعريف الذي وضعته له ينشد إيقاظ القيم الروحية والأخلاقية والجمالية وتكريسها، وينطلقُ من رؤية تكون فيها حقوقُ الإنسان سُلّمًا يرتقى فيه الإنسان لحقوق الله. الكرامةُ والمساواةُ والحرية والعدالة وغيرها من حقوق الإنسان، هي ما يُعبَد بها الله، وهي ما ينشدُ دينُه في ضوء هذا الفهم للدين حمايتَها. كلُّ إنسانٍ يريدُ أن يصلَ إلى الله ويؤدِّي حقوقَه عليه أن يبدأ بتأدية حقوق الإنسان أولًا. حقوقُ الإنسان هي حقوقُ اللهِ في الأرض، مَنْ لا يكترثُ بحقِّ الإنسان ولا يهتم به يفشل في الوفاء بحقِّ الله. يتنازل الله عن حقوقه بالتوبة والمغفرة والعفو، لكن سلب حقّ الغير يتطلب تنازل الإنسان المُستلَب حقه عنها.
#عبدالجبار_الرفاعي
#الحب
#الإيمان https://alsabaah.iq/107022-.html

عبدالجبار الرفاعي

16 Dec, 16:03


كتاب فلسفة التجديد عند عبدالجبار الرفاعي- د. صافية مناد

عبدالجبار الرفاعي

13 Dec, 15:21


‏تلقيت اليوم نسخة من كتاب: "فلسفة التجديد عند #عبدالجبار_الرفاعي"، تأليف: الدكتورة صافية مناد، أستاذة فلسفة في جامعة الجزائر. صدر الكتاب عن دار كنوز في الجزائر.

https://l.facebook.com/l.php?u=https%3A%2F%2Fkkonouz.com%2F%3Ffbclid%3DIwZXh0bgNhZW0CMTEAAR3hrsmyagxgQfcxJOiZZuBCO7pRk1vdfXcX59i1ccVuf6gheLPD5KI_d1M_aem_H5bJ9B72sznTBbBal0EKjQ&h=AT1Y_MT0_EHIqyWoBOYcHE91q0ehNrldz61w9Em3jFnzVfhCa0hEk9cAFmhitNG6MgDZGPRmxZJr08V1Dx8fNx6iTxt-uRPMgjEFU4Dx7BSr-pbOAC9YrRmNo09ERsc&s=1

عبدالجبار الرفاعي

09 Dec, 20:21


حفل توقيع كتاب #عبدالجبار_الرفاعي: #ثناء_على_الجيل_الجديد،
وكتاب: #الدرس_الفلسفي_في_المدارس_الدينية،
في #معرض_الكتاب_ببغداد، بتاريخ 7.12.2024 @daralrafidain @TakweenPH

عبدالجبار الرفاعي

08 Dec, 16:43


يسعدني حضوركم عصر الاثنين غدا بتاريخ 9.12.2024 الساعة 4 إلى الساعة 7 في جناح خطوط وظلال حفل توقيع كتابي: "مبادئ الفلسفة الإسلامية" الصادر في مجلدين بطبعة منقحة جديدة.

عبدالجبار الرفاعي

07 Dec, 21:52


منشأ #التعددية_الدينية ‏هو تعدد وتنوع صور الله

عبدالجبار الرفاعي

04 Dec, 20:21


يسعدني حضوركم عصر الجمعة بتاريخ 6.12.2024 الساعة 4 ونصف إلى الساعة 8 في جناح دار الرافدين حفل توقيع الكتابين اللذين صدرا حديثا:
1. ثناء على الجيل الجديد.
2. الدرس الفلسفي في المدارس الدينية.

عبدالجبار الرفاعي

01 Dec, 20:01


الدّين والظمأ الأنطولوجي؛ الأفق والمعنى أو تحرير الدّين من إكراهات التّاريخ والموروث

د. أحمد يعقوب، كاتب من جنوب السودان

يحارُ المرء من أي مدخل يلجُ لقراءة كتاب “الدّين والظّمأ الأنطولوجي”  للدكتور #عبدالجبار_الرفاعي ؛  الكتاب الذي صدر في العام  2016عن مكتبة التنوير،وصدرت 2022 الطبعة الرابعة عن دار الرافدين ومركز دراسات فلسفة الدين، وطبعته الخامسة عام 2024 عن  مؤسسة هنداوي. وترجم إلى أكثر من لغة، وقيد الترجمة إلى لغات أخرى. سبب الحيرة أن كتاب ” الدّين والظمأ الانطولوجي” كتاب مفتوح على كل المصارع  ؛ مصارع الذات والتجربة الشخصية، وآفاق الإيمان والمعنى  . وأنا لا أطمح في خُطاطتي هذه ؛ سوى أن أقرأ ما قرأته؛ أعني تأويل ما أعتبره قراءاتي للنّص؛ إذ لا قراءة تتطابق مع قراءة بل وحتى مع النّص المُراد قراءاته؛ فالمغايرة عملٌ معرفي ومطلوبٌ في قراءة النّصوص، خاصة نص الدّين والظمأ الأنطولوجي؛ لأنه ليس نصّ في الدين والوجود فقط بل هو أيضاً سيرة ذاتية  وأشواقٌ روحية وتأملات مكتوبة بعمق معرفي وتحاور موضوعات فلسفية  لم تحسمها الفلسفة حتى الآن. ولم تحسمه الفلسفة ليس لقصورها ولكنها معنية بالسؤال أكثر من الإجابة؛ وهكذا يضعنا د. الرفاعي في مواجهة أسئلتنا الذاتية في أفق المعنى الديني ويحاورنا ( كذات) من ذات الحقل …

تتمة المقال على هذا الرابط:

‏https://altanweeri.net/15043/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%91%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%85%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%9B-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85/?amp

عبدالجبار الرفاعي

01 Dec, 16:00


https://www.hindawi.org/contributors/81287234/

عبدالجبار الرفاعي

13 Nov, 15:46


الإنسانُ منذورٌ للحُبّ؛ يولد وتولد معه الحاجةُ الأبدية للمحبّة، الرضيع يتشبث بأمه ليل نهار، لا يطلب رضاعة الحليب فقط، بل يرتضع المحبة ودفء حنان الأم وحميميتها وشفقتها. وإن كان لا يستطيع في تلك المرحلة العمرية التعبير عن ذلك بالكلمات، فإنه يعبر عنه جسديًّا برغم عجزه عن التعبير اللغوي. كلمات المحبة الصادقة، الصادرة من إنسان يتقن صناعة المحبة الأصيلة والاستثمار فيها، تبعث الطمأنينة في القلب والسكينة في الروح. عندما يفتقر الإنسانُ إلى المحبة، يشعر كأنه يعيش في منفى كئيب داخل أسوار مدينة موحشة، لكن حين يعثر على منبع للمحبّة، يسترد ما يفتقر إليه من سكينة وطمأنينة تصيّر عيشَه عذبًا.
مادام الحُبّ أثمنَ ما يظفر به الإنسانُ من المعاني وأغلاه، فإن نيلَه يتطلب معاناةً شاقةً وجهودًا مضنية. الحُبّ ليس صعبًا فقط، بل هو عصيٌّ على أكثر الناس، لا يسكن الحُبّ الأصيلُ إلا الأرواحَ السامية، ولا يناله إلا مَن يتغلّب بمشقةٍ بالغةٍ على منابع التعصّب والكراهية والعنف والشر الكامنة في أعماقه. حُبّ الإنسان من أشقِّ الأشياء في الحياة، لأن الإنسان بطبيعته أسيرُ ضعفه البشري، يصعب عليه أن يتخلّص من بواعث الغيرة في ذاته، وما تنتجه غيرتُه من منافساتٍ ونزاعاتٍ وصراعات، وما يفرضه استعدادُه للشرِّ من كراهياتٍ بغيضة، وآلامٍ مريرة .
كما أنَّ أخطرَ شيءٍ على الفكرِ والأدبِ هو عبادةُ الأصنامِ الفكريةِ والأدبيةِ، فإنَّ أخطرَ ما يفتكُ بالقلبِ هو تحويلُ المحبوبِ إلى صنمٍ. الحُبُّ يُغذِّي النرجسيةَ ويُشبعُها، وأحيانًا يُضخِّمُها إلى درجةٍ تُفسدُ الحُبَّ، حين يُسرفُ بعضُ المحبين في الثناءِ على ذواتِهم، ويفرطون في استعمالِ كلمةِ "أنا" بشكلٍ مبتذل، وتكرارِ الإعلانِ المُثيرِ عن مزاياهم وما يتفوَّقون به على غيرهم، بأسلوبٍ تسودهُ كثيرٌ من المبالغاتِ وحتى الأكاذيب. ويظلُّ بعضُهم يُلحُّ، داعيًا حبيبَهُ للإصغاءِ إليهِ في كلِّ مرةٍ يثرثرُ بهذهِ الكلماتِ المُملّة، ولا يسمحُ لهُ بالتحدثِ عن ذاتِه، وكأنَّهُ يُبلغهُ برسالةٍ مفادها التفوّقُ عليهِ وعلى غيرِهِ، حتى يشعرَ مَن يُنصتُ إليهِ بالاشمئزازِ من الحديثِ وتنضبُ روافدُ التواصلِ معهُ بالتدريج.
https://alsabaah.iq/105842-.html

عبدالجبار الرفاعي

13 Nov, 15:46


يترجم القلبُ كلمات الحُبّ بمعنى واحد
د. عبد الجبار الرفاعي
يولد الحُبّ في لغة القلب، وهي من أصدق وأعذب اللغات في العالم. يترجم القلبُ كلَّ لغات الحُبّ وكلماته المتنوعة في مختلف اللغات بمعنى واحد، لا يرى الإنسانُ في كلمات الحُبّ بكلِّ اللغات إلا الضوء. الحب يعيد إنتاج الذكريات وكأنها ضوء يخلِّد أجمل ما يمكث من الإنسان، الحُبّ يوقد جذوة الضوء في القلب، القلبُ الذي يعيشُ الحُبّ لا يدركه الوهنُ، ولا ينهكه تقدمُ العمر. مَن يتعلم الاستثمار في الحُبّ يرى الضوء بمن يتعامل معه، ويجعل حياته أسهل، وعيشه أسعد، ويظفر بجذوة الروح وبهجتها.
الحُبّ الأصيل يعنى كون الإنسان المحبوب يمتلك ضميرًا أخلاقيًّا يقظًا، هذا الضربُ من الحُبّ لا يرهقه فعلٌ مهما كان شاقًّا، بل يجعل كلَّ شيء عذبًا، وإن لم يكن في ذاته عذبًا. ما أعنيه هو الحُبّ الأخلاقي الأصيل غير المشروط، الحُبّ الذي يبادر فيه كلٌّ من المحبَّين بالعطاء بلا أية مقايضة أو استرداد لما أعطى، ويكون مَن يُحب مستعدًا لتقديم كلِّ شيء بلا أن يمنّ بما أعطى. أتحدثُ عن الحبِّ الأصيلِ الذي يحميهِ سياجٌ أخلاقي، لا أعني بعضَ الأخلاقِ الكلاميةِ والفقهيةِ المضادةِ لما يحكمُ بهِ العقلُ الأخلاقي . الأخلاقُ هنا بمعنى العقلِ العمليِّ، وهي ما يُحسِّنُهُ ويُقبِّحُهُ العقلُ الأخلاقي.
الحُبّ الأخلاقي الأصيل ضرب من الامتنان والإكرام، مَن يحبّك يكرمك ويعبر عن امتنانه العميق لك. الحُبّ المشروط مُشبَّع بالمن لا بالامتنان، والإكراه لا الاختيار، والفرض لا التطوع، والتكلف لا المبادرة، مما يجعله ضربًا من الاستعباد. يتحول الحُبّ المشروط بمرور الأيام إلى قائمة مطالب لا تنتهي، تتراكم وتضاف إليها كلّ يوم مطالب جديدة، حتى يشعر الإنسان أنه يتعرض إلى عملية ابتزاز تستنزفه وتنهك قلبه، وتعبث بسلامه الداخلي.
الحُبّ الأصيل يخفضُ وتيرةَ الخوف والقلق، ويحرّر الإنسانَ من الاكتئاب وفقدان المعنى. الحُبّ الأصيل مُلهِمٌ، الاستبصاراتُ الحاذقة يُلهمُها الحُبّ، استفاقةُ العقل يُلهمُها الحُبّ، العفو والغفران والرفق واللطف يُلهمُها الحُبّ. لا يتوقف فعلُ الحُبّ عند القلب والعواطف، بل يظهر أثرُه بشكل واضح في توجيهِ بوصلة التفكير وغاياته في العقل، وبناءِ رؤية جمالية لله والإنسان والعالَم، واثراءِ الشعور بسحر تجليات الجمال في الوجود، وإيقاظِ البهجة في أعماق الإنسان. الحُبّ ينقذ الإنسان من الاغتراب الاجتماعي، ويخفض الاغتراب الوجودي. اكتشاف الحُبّ الأصيل من أثرى اكتشافات المعنى الجميل الملهم لحياة الإنسان.
في مراحلِ عمر الإنسان كلّها، وبتنوّعِ دروب حياته، واختلافِ أنماط عيشه، وتجّددِ احتياجاته ومصالحه، وتضاعفِها، أو تضاؤلها، يظلّ الحُبّ أعذبَ منابع المعنى في حياته. لن يتراجع الأثرُ المُلهِمُ للحب مهما تقلبت أيامُه واختلفت. يلبث الإنسانُ حتى اللحظات الأخيرة من عمره بأمسّ الحاجة إلى كلمةِ حب صادقة، وضوءِ قلبٍ محب، ومحبةِ روحٍ مشفِقة. جوهرُ المحبة ضوءٌ يكشفُ تجلياتِ جمال المُحِب والمحبوب. محبّة خلق الله من أعظم النعم الإلهية، هذه النعمةُ يفتقر إليها بعضُ الناس الذين يتظاهرون بالتديّن. أعرف بعضَهم يدمن الطقوسَ والشعائر، لكنه يعجز عن المبادرةِ بأيِّ موقفٍ جميل أو فعلٍ أو كلمة تجسِّد محبتَه للناس.
القلوب مرايا؛ عندما يكون الإنسان سخيًّا بكلمة الحُبّ الصادقة يمتلك قلوب الناس السليمة من الأمراض الأخلاقية، ويسهم في مداواة النفوس المصابة بأمراض نفسية. المحبة الصادقة هي رصيد العلاقات الإنسانية المثمرة، يكرسها العمل المتواصل على اكتشاف المشتركات العاطفية والأخلاقية والإنسانية مع الآخر، مع التغاضي عن الاختلافات الاعتقادية والأيديولوجية والفكرية والمزاجية، وتجاهل الكلام والمواقف والثرثرات المزعجة، وعدم التدخل في الخصوصيات الشخصية، إلا إذا بادر الآخر بإخبارنا بمشكلة في حياته الخاصة وطلب منا التدخل والدعم بشأن خاص به، يدعونا العيش بسلام إلى أن نكفّ عن ملاحقة عثرات وأخطاء الآخرين. لو رأينا أعماق الإنسان كما هي لأصابنا الذعر؛ الحُبّ هو الحالة الوحيدة التي تجعلنا نرى الإنسان كما يراه الله بنوره ورحمته التي وسعت كلَّ شيء. الإنسان الذي يمتلك القدرة على الاستثمار في الحُبّ وتذوق تجليات الجمال في العالم لا يدركه الهرم. يضيع الإنسان، حتى وإن ظفر بكلِّ شيء، عندما يضيع عليه الطريق إلى الحُبّ الأصيل في حياته.‏

عبدالجبار الرفاعي

12 Nov, 21:20


تسجيل صوتي لكتاب الهرمنيوطقا بوصفها منهجا للتفسير عند أمين الخولي-2

https://search.app?link=https%3A%2F%2Fwww.hindawi.org%2Fbooks%2F28184726%2F2%2F&utm_campaign=aga&utm_source=agsadl2%2Csh%2Fx%2Fgs%2Fm2%2F4

عبدالجبار الرفاعي

12 Nov, 21:20


تسجيل صوتي لكتاب الهرمنيوطقا بوصفها منهجا للتفسير عند أمين الخولي-1

https://search.app/?link=https%3A%2F%2Fwww%2Ehindawi%2Eorg%2Fbooks%2F28184726%2F1%2F&utm_campaign=57165%2Dor%2Digacx%2Dweb%2Dshrbtn%2Diga%2Dsharing&utm_source=igadl%2Cigatpdl%2Csh%2Fx%2Fgs%2Fm2%2F5

عبدالجبار الرفاعي

08 Nov, 16:19


إلى الأصدقاء الكرام الذين يسألون عن رقم جناح دار الرافدين الذي تباع فيه مؤلفاتي في معرضي الجزائر والشارقة:

1.الصالون الدولي للكتاب بالجزائر⁩
‏جناح ⁧ دار الرافدين⁩ رقم B69
‏من 11/6 لغاية 2024/11/16 .‏⁧

2.معرض الشارقة الدولي للكتاب⁩، جناح ‏⁧ دار الرافدين⁩، قاعة 2 رقم B2 من 11/6 لغاية 2024/11/17

عبدالجبار الرفاعي

07 Nov, 18:26


ثناء على الجيل الجديد
د. قحطان الفرج الله
(يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …)
صدر حديثا للمفكر العراقي الدكتور عبد الجبار الرفاعي كتاب: (ثناء على الجيل الجديد)، وهو سياحة ممتعة في عوالم المعرفة وتأملات في الفكر والزمن، في هذا الكتاب نلتقي بكاتب يتحدث عن رحلة شاقة بين التضحيات والتحديات بين الجمال والألم بين الخيبات والنجاحات. يروي المؤلف قصصًا تشكلت منذ نصف قرن تقريبًا، ويفتح لنا بابًا للتفكير في التحولات الجذرية بين جيله وجيل أبنائه. إنها رحلة في الحياة والفلسفة، حيث يسعى الفيلسوف لاكتشاف التباينات والتداخلات بين الأجيال، محاولًا أن يجد طرقًا للتفاهم في عالم متغير ومتسارع. نادراً ما نجد من يثني على جيل تالي لجيله، فغالبًا ما تعتد الأجيال بنفسها وثقافتها ورموز جيلها، وتعد الأجيال اللاحقة متمردة وأقل حيوية وأكثر عبثية. لكن الفكرة التي طرحها المفكر الرفاعي ممتازة وواعية وفي غاية الدقة، إذ تتجلى من منظور أبوي لجيل يحمل جذورًا ثقافية متنوعة وأدوات معرفية مدهشة.
إن القفزات العلمية والتكنولوجية الهائلة المتاحة الآن أمام هذه الأجيال تمثل تحديًا كبيرًا وخطيرًا؛ فهل سيتمسكون بما تمسك به اجيال سابقة من تقاليد وأعراف وقيم دينية واجتماعية، أم أنهم سيتخذون على عاتقهم مهمة تحديثها وتطويعها وفق معطيات الزمن المتغير والمتسارع التحديث؟
إنني أرى أن هذا الجيل لديه كم هائل من الخزين التراثي، وأعتقد أنهم لن يقتصروا على ما سبق، بل سيصنعون تاريخًا يحترمه الجيل السابق والأجيال القادمة. قد أكون طموحًا بعض الشيء، لكنني أجد في تجربتي الجامعية وفي طلابي ما يمكن استثماره لعالم أفضل بكثير مما عشنا.
يتحدث المفكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي، عن تجربته الشخصية ويبدأ بالتوضيح أنه لا يتحدث نيابةً عن أي أحد؛ يقول: "أحاول في هذه الأوراق تقديم رؤيتي الشخصية، وإن كنت أعرف سلفًا أنها لا تعكس رؤية جيلي، ولم أمنح نفسي الحق بالكلام نيابة عن أي إنسان في الأرض". فهو يسرد رؤيته بصفته أبًا لأبناء عاشوا في عالم مختلف، مشيرًا إلى أن العائلة تتألف من أم وأب وابنتين وأربعة أبناء، وقد تجاوز جميعهم سن الثلاثين وأكملوا تعليمهم العالي.
يوضح كيف أنه "لا يفتقر لمعرفة الجيل الجديد، أغلب علاقاتي وأحاديثي وحواراتي معهم، هم أقرب إلي، يعرفون جيدًا قربي لهم وفهمي لنمط حضورهم في العالم الجديد". إنه ينظر بعين حكيمة وخبيرة يراقب التغيرات ويتفهم التحديات التي تواجه أبناءه في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، ولكنه يعترف بأن هذه التغيرات قد فرضت فجوة بين رؤيته التقليدية للعالم ونظرة أبنائه الواقعية.
يشرح فلسفته التربوية بقوله: "التربية السليمة تعتمد الحصانة لا المنع، الأبناء ينتمون إلى عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، يتعذر علينا إرجاع الزمن للوراء والهجرة العكسية من زماننا إلى الماضي مهما فعلنا". لم يسعَ إلى منع أبنائه من الانخراط في جيلهم، بل شجعهم على التجربة واكتشاف العالم بأنفسهم، موضحًا: "كنت لا أمنع أولادي من اللعب في الشارع والاندماج بجيلهم، والتعرف على الواقع ميدانيًا… حرصت على أن يكون أولادي كما هم لا كما أنا، كل منهم يشبه ذاته، ما أكرهتهم على محاكاتي، ولم أحثهم يومًا على استنساخ صورتي".
إن اختلاف الأسئلة والقناعات بين الأجيال: "أسئلتهم صعبة تشبه عالمهم، أما أسئلتنا فكانت مبسطة تشبه عالمنا". قناعات أبنائه لا تُبنى بسهولة كما كانت قناعاته، ويميلون إلى التشكيك فيما يُقال ويُكتب، بينما كان جيله يتشبث بالأحلام ويصدق ما يُروى من وعود وأوهام. هذه الفجوة الفلسفية، التي يسميها الأب "بارادايم" معرفي، تعبّر عن التحولات في نظرة الجيلين إلى العالم، حيث يقول: "رؤية الآباء للعالم تقوم على مرتكزات ميتافيزيقية لم تعد تلهم رؤية الأبناء للعالم، وتستقي من روافد نضبت منابعها".
ويتابع الدكتور الرفاعي وبعيون فيلسوفٍ، متأملًا في طبيعة الإنسان وتبدلات عواطفه وتناقضاته، مؤكدًا أن الإنسان "كائن يمكن أن يختلف يومه عن أمسه"، وأن ما يشعر به اليوم قد يتغير مع مرور الزمن. يشير إلى أن الفلسفة تفسر هذا التباين في إطار "الحيثية" حيث "كل زاوية نظر تقودنا إلى نتيجة، ومن مجموع زوايا النظر تتعدد وتتنوع المواقف الفلسفية في المعرفة والوجود والقيم".
يتناول مسألة مهمة وفي غاية الدقة الا وهي التناقضات العاطفية التي قد تنشأ من تداخل "زاوية النظر الواعية لإنسان مع زاوية النظر اللاواعية في باطنه". يوضح ذلك بقوله: "أحيانًا تختلط المحبة بالكراهية فتتناوبان"، ويشير إلى أن هذه التداخلات النفسية قد تجعل الشخص الواحد يحمل مشاعر متناقضة تجاه الآخر، مستشهدًا بحالات حب الرجل للمرأة، حيث "يحدث تناوب للحب والكراهية باضطراد مضجر".

عبدالجبار الرفاعي

07 Nov, 18:26


في النهاية، يقدم الكاتب تأملاته كحكاية لجيلين، لكلٍ منهما رؤيته الخاصة للعالم، ويؤكد على أهمية "التربية التي تعتمد على الحصانة لا المنع". الأبناء اليوم يملكون أسئلة تتطلب إجابات أعمق ومعرفة تواكب تحديات عصرهم، بينما جيل الآباء يتأمل بحنين لعصره ومعطياته. هذا الصراع بين الميتافيزيقية والواقعية هو جوهر العلاقة المعقدة بين الأجيال، حيث يتكامل كلٌ منهما مع الآخر، في محاولة لإيجاد "دروب للخلاص لا تكرّر متاهاتنا"، كما وصفها الرفاعي، الذي اختار أن يمنح أبناءه حرية التعبير عن ذواتهم، وحقهم في صناعة حكايتهم في عالمهم.
https://altanweeri.net/14863/%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF/

عبدالجبار الرفاعي

04 Nov, 15:38


نافذةُ الدخول إلى الإنسان

د. طه جزّاع
لا يُقدم عبد الجبار الرفاعي في كتابه الجديد، درساً في التواضع والمحبة فحسب، إنما يَقْلِب معادلة تقليدية من معادلات حياتنا، ويعيد صياغتها من جديد وفق مبدأ الفهم والثناء والرهان على الجيل الجديد حاضراً ومستقبلاً. ومنذ بدء صفحات كتاب: “ثناءٌ على الجيلِ الجديد” يعترف بما يندر سماعه من الكبار، بأنه تعلم من أبنائه أكثر من آبائه، وتعلم من تلامذته أكثر من أساتذته، وبذلك يُنحي مقولة صراع الأجيال جانباً، ويستبدلها بفكرة الاستثمار في الجيل الجديد، فخريطة المستقبل كما يراها يرسمها الضوء في أحلام الشباب. وعلى غرار كتبه في علم الكلام الجديد والدرس الفلسفي، وفلسفة الدين التي يرفع لوائها في المشرق من خلال مركز دراسات فلسفة الدين ومجلته “قضايا إسلامية معاصرة”، فإن لغته تتسم بطراوتها وليونتها وطلاوتها ونضارتها التي هي من نضارة وجهه المضيء بالهدوء والاطمئنان، وقلبه المشرق بالمحبة، وروحه المتوهجة بالنور الإنساني الذي تتخطى مدياته الحدود الوهمية المُصطَنعة بين البشر من كل الأعراق والأديان، وهو لا يتوجه إلى انسانٍ بعينه، بل كأنه يخاطب كل إنسان بصفته إنساناً يمكن الدخول إليه من وجهه فــ «الوجهُ نافذة الدخول الأولى إلى الإنسان، وهو من أهم نوافذ الدخول إلى مشاعره وقلبه». فضلاً عن ذلك فإن الرفاعي لا يكتب تجريدات نظرية ملفوفة بغلاف اللغة الثقيلة مهما كان موضوعه معقداً، فهو دائماً ما يسترشد بتجربته العملية وسيرته الطويلة الُملهمة التي تذكرنا بالسيرة الذاتية الموجزة العميقة الصادقة التي كتبها فيلسوف الشك واليقين أبو حامد الغزالي قبل نحو تسعة قرون في “المنقذ من الضلال”، وما كان عبد الجبار الرفاعي ليصل إلى يقينه الذي ثبت عليه إلَّا بعد معاناة قاسية، وجدٍ روحي، وشكوك فكرية، وتجارب عملية حَطَّت به من رحالٍ إلى استقرارٍ، ومن استقرارٍ إلى رحالٍ، حتى انتهى به المطاف أخيراً إلى الاستثمار الصعب في الحُبّ، ومنه الثناء على الجيلِ الجديد بالفهم والرحمة والمحبة منطلقاً من رؤية شخصية من دون أن يُحَّمل كتابه “شعارت تحريضية ولا دعوات تعبوية”.

https://alzawraapaper.com/content.php?id=372063

عبدالجبار الرفاعي

02 Nov, 14:30


في الجامعة المستنصرية ببغداد، بكلية الآداب، تمت يوم الخميس 31-10-2024 مناقشة اطروحة دكتوراه بعنوان: "الموقف من التصوف الإسلامي في الفكر العربي المعاصر: من العراق هادي العلوي، وعبد الجبار الرفاعي، ومن مصر زكي نجيب محمود، وعبد الرحمن بدوي، ومن سوريا طيب تيزيني، وأدونيس، ومن المغرب محمد عابد الجابري وطه عبدالرحمن"، التي قدمتها: رغد سليم داود، وأجيزت بتقدير جيد جدا. العنوان لافت، وتميزت الاطروحة بتغطية أعمال فكرية نقدية عربية معاصرة للتصوف اتسعت لتستوعب الفكر العربي من العراق إلى المغرب، وأظن أنها اول اطروحة في الجامعات العراقية حول نقد التصوف تستوعب هذا العدد من الأعمال الفكرية.

عبدالجبار الرفاعي

01 Nov, 16:40


شكرا للأصدقاء الكرام في نادي أبعاد في المغرب لمبادرتهم بتخصيص ندوتهم غدا لقراءة ومناقشة كتاب: "مسرات القراءة ومخاض الكتابة: فصل من سيرة كاتب".

عبدالجبار الرفاعي

31 Oct, 15:36


قضايا إسلامية مُعاصرة".. دراسات حول "مشكلة الشرّ 1-4"

بغداد: جريدة العربي الجديد

في أعوام 2020 و2021 و2022، خصّصت مجلّة "قضايا إسلامية معاصرة" ثلاثة أعداد على التوالي لـ"مشكلة الشرّ". وبالتزامن مع الإبادة الصهيونية المستمرّة في غزّة منذ أكثر من عام، تستكمل الدورية المُحكَّمة، التي تصدر عن "مركز دراسات فلسفة الدين" في بغداد ويرأس تحريرها الباحث عبد الجبار الرفاعي، هذه الموضوعة بعدد رابع صدر حديثاً (عدد مزدوج 79 - 80)، ويقع في خمسمئة صفحة، حيث وقّع الافتتاحية الباحث علي المدن بعنوان "الهوامل والشوامل في إيقاظ العقل الخامل بالتساؤل".
تضمّن ملفّ العدد سبع دراسات تناولت "مشكلة الشرّ" من جوانب فلسفية واجتماعية ولاهوتية في التراثَين الإسلامي والغربي؛ حيث قرأت أستاذة الفلسفة في كلّية مانهاتن الأميركية نسرين روضاتي، في دراستها الموسومة بـ"الشرّ والمعاناة الإنسانية في الفكر الإسلامي: نحو نظرية عرفانية للعدالة الإلهية"، مفهومَ الشرّ ضمن الإطار القرآني، مقدّمة لمحة تاريخية موجزة عن الجدل الفلسفي والكلامي حول مفهومَي "الخير" و"الشرّ"، ونشأة الفكر الكلامي في الإسلام.
أمّا أستاذ الفلسفة بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سوسة بتونس محمد بوهلال، فتطرّق إلى "معضلة الشرّ في اللاهوت والفلسفة الوسيطَيْن" من حيث هي مشكلة نظرية وأخلاقية محيّرة دفعت إلى محاولات عدّة لتفسيرها والبحث عن مبرِّر معقول لوجودها، فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد كان المجتمع البابلي يفسِّر ما يصيب أفراده من شرور بانتهاكهم الأوامر الدينية والمحرّمات الأخلاقية.
"مشكلة الشرّ في اللاهوت الإصلاحي: جون كالڤِن وكارل بارت نموذجاً" و"مشكلة الشرّ بين الواحدية والثنائية"، دراستان مأخوذتان من كتاب "الشرّ وإله المحبّة" للاهوتي وفيلسوف الدين البريطاني جون هيك (1922 - 2012)، ترجمهما عبد العاطي طلبة، وتضمّنهما ملفّ المجلّة، ويتناول فيهما المؤلّف اللاهوت الناشئ عن عصور الإصلاح الكَنسَي الذي ابتدأت قيامته في القرن السادس عشر، وكان هدفه تجديد الكنيسة، لكنه أدّى في النهاية إلى قيام كنائس منفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية، وهي الكنائس البروتستانتية اللوثرية، والمشيخية، والكنيسة الأنغليكانية.
أمّا الباحث والأكاديمي التونسي غفران حسايني، فتبحث ورقته في "تأويلية الشرّ وتمظهراته: في المملكة الإنسانية عند ملّا صدرا الشيرازي" من خلال استعادة إشكالية الشرّ بوصفها قضية لا تخلو من التعقيد في الفلسفة الإسلامية، لافتاً إلى أنّ تأويلية الملّا صدرا (1572 - 1641)، لقضية وجود الشرّ لا تنبني على مجرّد التفكير العقلي وإقامة البرهان الفلسفي، بل يعاضدها تأويل الكلام الإلهي وإشراكه في حلّ الإشكاليات والقضايا الفلسفية الكبرى بشكل عام.
ويركّز الباحث المغربي حسن العلوي في دراسته "الشرّ بين الطبيعة والثقافة: مقاربة تركيبية"، على سؤال: "هل كان بإمكان الوعي الذي اكتسبه البشر، وارتقى بمقتضاه إلى مرتبة الإنسان، أن ينتزع من الوجود وظواهره، ومن الحياة ومعطياتها، فكرةً سمّاها 'شرّاً'، بوصفها جانباً رئيساً ممّا يُسمّى بـ'القيم' عامّة؟". واختتم الباحث المغربي رشيد بن السيد ملفّ المجلّة بدراسة عنوانُها "نقد دليل العناية في فلسفة سبينوزا".
وخارج الملفّ، تضمّنت المجلّة الدراسات التالية: "تحوّلات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث" لعبد المجيد الشرفي، و"أيّ دولة إسلامية في مشروع وائل حلّاق: دولة التاريخ أم دولة الرسالة؟" لرياض الميلادي، و"من الوجوب إلى الإمكان: مقال في أنطولوجيا البديهية الأُولى" لمنذر جلوب، و"الحِجاج في الدرس الكلامي: رؤية لتجديد علم الكلام في ضوء المقاربة التداولية" لرمزي تفيفحة، و"الله واللغة" لأمير زماني، و"الوحي والقول الثقيل في علم الكلام الجديد عند عبد الجبار الرفاعي" لضياء خضير، و"مشروع علم الكلام الجديد للرفاعي: مراجعة نقدية" ليوسف بن عدي، و"الهوية والعالمية أو الإنسان العالمي وقلق السايبر - في كيف نكون عالميين؟ مساهمة أنطولوجية في فهم أناركية نماذج الوجود العالمية السائدة" لمحمد حسين الرفاعي.

‏رابط النشر

https://www.alaraby.co.uk/culture/قضايا-إسلامية-مُعاصرة-7-دراسات-حول-مشكلة-الشرّ

عبدالجبار الرفاعي

31 Oct, 15:07


الدين_والكرامة_الإنسانية - ط 3 مؤسسة هنداوي، القاهرة

عبدالجبار الرفاعي

31 Oct, 11:16


الدين والكرامة الإنسانية

عبد الجبار الرفاعي

«لا يمكن أن نفهمَ الدينَ قبلَ أن نفهمَ الإنسانَ أولًا، وحاجتَه لمعنًى لحياته، وحاجتَه للكرامة والمساوة والحرية. إعادةُ تعريف الإنسان هي المدخلُ الصحيح لإعادةِ تعريف الدين وكيفيةِ فهمه وتفسيرِ نصوصه، بالشكل الذي يصيرُ الدينُ فيه مُلهِمًا للعيش في أفق المعنى.»
يأتي هذا الكتاب للمفكِّر الكبير «عبد الجبار الرفاعي» ضمن مشروعه الذي خصَّصه لإرساء تصورٍ جديد للعلاقة بين التديُّن والكرامة، وهو ما سمَّاه «التديُّن الرحماني».
يأخذنا الكاتب في رحلةٍ داخل ذاته، كاشفًا عن كُنه التسامي الروحي الذي يُحقِّق الكرامة الإنسانية عَبْر اجتهاد الفرد في التركيز على ذاته واكتشافها، وفهم الخصوصية المهمة لتأثير الدِّين في حيَوات الناس. ويطرح الكاتب تساؤلًا حول تحقُّق القراءة الأفضل لنصوص الدِّين وإشكاليات هذه القراءة في المجتمع العربي، ليُجيب بأن التطرُّف في قطع الصلة بالتراث من ناحية، والتمسُّك الظاهري به من ناحيةٍ أخرى، يمنعان الإنسان من تحقيق الرحمانية الحقيقية. ويُشير الكاتب أيضًا إلى دور الاستبداد السياسي والفقهي في سلبِ الإنسانِ كرامتَه وحريتَه، وما يتبع ذلك من غياب التفكير النقدي وشيوع التديُّن الشعبوي الذي لا يسعى معتنقوه إلى الفهم الحقيقي لعلاقة الإنسان بالدِّين.
https://www.hindawi.org/books/13907429/

عبدالجبار الرفاعي

31 Oct, 09:13


‏يصدر قريبا في جوبا، عاصمة السودان الجنوبي كتاب: "مقدمة في علم الكلام الجديد"، طبعة خاصة للقراء في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي في دول: ( تنزانيا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، وجنوب السودان، وإثيوبيا، والصومال، واريتيريا، وجزر القمر، وغيرها).
الكتاب في طريقه للترجمة للغتين الإنجليزية والسواحلية.

عبدالجبار الرفاعي

26 Oct, 16:40


وحاله مع المعرفة عبر القراءة لا يكاد يحيط به وصف، فهو عاشق للكتاب، لا يتوقف عن القراءة، كما نقرأ في كتابه الأخير الصادر نهاية العام الماضي 2023 بعنوان: "مسرات القراءة ومخاض الكتابة: فصل في سيرة كاتب"، حيث يقول: "أنا قارئ قبل كل شيء وبعد كل شيء. لم تمنحني القراءة إجازة ليوم واحد في حياتي، لم أجد نفسي خارج أسر القراءة، وأظن أني لن أتوقف مادمت حيا". مما يتصف به الرفاعي أنه متابع مثابر لما يكتب، فهو يقرأ للشباب بشغف القراءة للكبار، ولا يتوانى عن الاشادة بما يكتبونه، ويشير الى عملية التعلم المستمرة، وإن العلم لا يقف عند أحد، ولا يطلب من عمر محدد او من مذهب فكري محدد.
اختم هنا بالإشارة الى ركيزة اجدها مركزية في كل اعماله، وهي الانسان، وأذكر مرة أنني سألته عن الحال الحاضر للإنسانية، والنموذج الغربي الذي يقدم على أنه ذروة ما صار إليه الانسان، كيف يمكن ان يستقيم هذا الحكم عند النظر الى حال الانسان الغربي الذي تحول الى ترس في ماكنة؟
أجابني بالرضا المعهود في لغته أن هذه المعضلة ناقشتها مدرسة فرانكفورت الفلسفية، وإن ضمور الانسان لصالح المادة يضمر في ذاته محق الإنسانية واضمحلال المحبة والايمان ومعنى الحياة، وهي تشكل رافد تصب في نهر فلسفة المعنى في أعمال الرفاعي، وتتجلى في سلوكه ومنهجه.
هذه تحية للمعلم في سبعينه، ودعاء بأن يدوم وجوده المبارك.

#عبدالجبار_الرفاعي
#علي_عبدالهادي_المعموري

https://almothaqaf.org/memoir02/978167-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%AA%D9%87

عبدالجبار الرفاعي

26 Oct, 16:40


تحية للمعلم عبد الجبار الرفاعي في سبعينيته

علي عبد الهادي المعموري
لا أذكر بالضبط متى قرأت اسم الدكتور عبد الجبار الرفاعي، في مجلة او على متن كتاب، لكن الاكيد انني قرأت له أول الامر بعد ٢٠٠٣، لعلي قرأت مجلته قضايا اسلامية معاصرة، او قرأت له دراسة منشورة في مجلة جدل، لا اذكر بالضبط. تباعا صرت اقرأ له كل ما يقع تحت يدي، واتتبع اعداد مجلته المهمة بشغف، واتابع كل ما يكتبه على صفحته في الفيسبوك، لتظل معرفتي بالمعلم معرفة قراءة ومعرفة سماع ممن يشيدون بفضله، او يذكرون اخلاقه الاستثنائية.
يحرص على أن يخص متابعيه بالكتابة لهم بانتظام، داعيا بأن يكون النور نمير أيامهم، والمحبة والايمان حليف خطاهم، وكنت من بين هؤلاء الذين يفيض عليهم محبة بانتظام، بلغته الملكوتية الرضية، وكان يسأل عن أموري بين حين وآخر، حتى اخبرته بانتقالي الى العمل ببغداد ومحل عملي، فسألني عن صاحب له كاتب ورفيق درب وكتابة يثمن منجزه ويحبه كثيرا، كان في ذات المكان معي وطلب ان ارتب موعدا معه حين يكون موجودا. حين تم اللقاء كانت المرة الاولى التي ألتقيه، ليسحرني بحضوره العامر بالمعرفة والمترع بالطمأنينة، بابتسامته الرضية التي تشي بمكنونه المحب، وخلال تلك الجلسة ومع انسياب صوته السكين، ونقاشه الهادئ عكس صاحبه المقاتل، ازدادت مكانته في الروح وتعمق موضعه في القلب.كلما التقيته بعدها كنت ازداد معرفة ودرسا أخلاقيا، وهو الذي يؤكد على السلوك الاخلاقي بوصفه نهر الدين الذي يروي السالك. على الرغم من فكره النقدي، فإنك تزداد بمعرفته معرفة ايمانية، وتصالحا مع الذات والآخر، وتتعرف على المزيد من مضان المعرفة وسبلها، والكتب وغثها من سمينها، فكنت كلما خصني بلقاء في مجلسه أطير جذلا وتشوقا للمزيد من المعرفة من المعلم الذي أثّر في أجيال وأجيال ولا يزال.
بالقدر الذي تصدرت فيه مجلته قضايا إسلامية معاصرة المشهد الفكري الديني، بتحملها مسؤولية البحث المعمق في فلسفة الدين وتجلياتها المتنوعة، فضلا عن التركيز على علم الكلام الجديد، عبر استكتاب خيرة المفكرين والباحثين من كل القوميات والديانات والمذاهب، فإنه بذاته لم يكن قليل أثر في الفلسفة التي درسها ودرّسها طويلا وأنجز فيها مجموعة أعمال، منها كتابه المبكر: (مبادئ الفلسفة الإسلامية)، الذي صدر في تسعينيات القرن الماضي، وصار من الكتب الأساس التي يستعين بها طالب العلم وهو يدرج في فهم الفلسفة وتفهمها كرافد في الحياة الفكرية.
تدريسه للفلسفة ترك آثارا بينة حاضرة لليوم، فبين تلامذته مَن لا يزالون يثيرون الجدل، وإن ابتعدوا عن منابعهم، لكنهم في الوقت ذاته يمحضون الأستاذ احتراما واجلالا لافتين، دلالة على عمق تأثير سلوكه الأخلاقي في شخصياتهم. لقد تلمست هذا بيدي في الندوات التي اشتركت فيها كمتحدث، وكان لبعض تلاميذه فيها الحديث، فكانت ردوده غيث يطفئ ما يوشك أن يلتهب من النار، على أنه دائم الاحتفاظ بلغته النقدية، الدافئة التي تعلم وتستثير السؤال، وترفد العلم، دون أن تزرع البغضاء أو توري للشقاق لهيبا يحرص على تجنبه واطفائه حيث يجده.
تجد منهجه الاحتوائي النقدي هذا حاضرا في سلوكه الشخصي، فهو لا يسمح لنقد أن يتحول الى عداوة، ويلقي بأخلاقياته العالية ظلا منيفا على أي نقد لا يكون فيه من العلم ما يكفي، لتجده موجها الى سبل النقد بالمحبة، والتسامح. لا يستصغر شأن أحد ولا يستنكف من نقاش، أو يعرض عن الإجابة على سؤال، لتكون بركة حضوره مزيج من العلم والسلوك الأخلاقي المنضبط.
وهذه الاخلاقيات والمحبة التي تطبع شخصه، انعكست على طبيعة علاقاته المعرفية قبل الاجتماعية، فتجد أصدقاء الفضل والمعرفة في طريقه حيث التفت، بمختلف مشاربهم الفكرية والدينية والمذهبية، ويحاط بالاحترام الذي يستحقه حيث يحل من محافل المعرفة.
وما يؤسفني الآن أن هذا المقال لا يسع أن يحيط بمنهج الرفاعي في تجديد الفكر الديني، الذي دُرس خارج بلده العراق بشكل مكثف، بينما لا يزال في العراق بمستوى مؤسف، فتذهب الرسائل والاطاريح تجاه من لا يدنون من شأنه العلمي، ولا يضارعون منجزه، إلا أن هذه العجالة لا تمنع الإشارة الى مذهبه في الكتب والكتابة، ولو بعجالة شديدة.
إن قارئ كتبه ومقالاته يدرك من أول البدء أنه أمام مفكر مجدد، لا يخجل من مراجعة أفكاره، ونقد متبنياته القديمة مرارا وتكرارا، فهو يردد دائما أن "الكاتب الحقيقي يكتب في حياته كتابا واحدا، ما قبله تمارين، ما بعده تنويعات عليه". أذكر أنه قال عن كتابه (مقدمة في علم الكلام الجديد) انه كتابه المركزي، ولكن منذ صدوره سنة 2021، حتى صدور طبعته الإلكترونية الرابعة هذا العام 2024 عن مؤسسة هنداوي، دأب الرفاعي على العودة إلى الكتاب، وإصدار طبعات مزيدة ومنقحة منه، الطبعة الأولى ثلاثة فصول والطبعة الرابعة الصادرة خمسة فصول، وتلك دلالة على صبره ومراجعاته المستمرة لما يفكر فيه ويكتبه.

عبدالجبار الرفاعي

20 Oct, 15:45


‌‏ وصل من بيروت للعراق كتاب: #ثناء_على_الجيل_الجديد، تأليف: #عبدالجبار_الرفاعي، ويباع في مكتبات دار الرافدين في بغداد والنجف والبصرة.
‌‏مرفق رابط نشر مقدمة الكتاب، لمن يهمه التعرف على محتويات الكتاب.

https://altanweeri.net/13888/كتاب-ثناء-على-الجيل-الجديد/

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 18:01


79-80 QADHAIA ISLAMEEH MOASSRRA

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 18:01


77-78 QADHAIA ISLAMEEH MOASSRRA

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 18:01


75-76 QADHAIA ISLAMEEH MOASSRRA

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 18:00


73-74 QADHAIA ISLAMEEH MOASSRRA

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 17:51


تتناول هذه الاعداد الاربعة من: "محور #مشكلة_الشر 1-4
في #مجلة_قضايا_إسلامية_معاصرة، بمجموعها تقع بنحو 2000 صفحة.

عبدالجبار الرفاعي

16 Oct, 06:50


واحدة من مشاكل أوطاننا تضيع الفرص، الذكاء الاصطناعي متعجل جدا، إذا ضاعت الفرصة يضيع الحاضر والمستقبل.

عبدالجبار الرفاعي

15 Oct, 21:28


التربية والتعليم في عصر الهوية الرقمية

د. عبد الجبار الرفاعي

الذكاءُ الاصطناعي معنى جديد لرأسِ المالِ يختلفُ عن المعنى الكلاسيكي له، إنه أثمنُ ثروةٍ يمتلكها الإنسانُ في عالَمنا اليوم، مَنْ يمتلكها يمتلك حاضرَ العالَم، ويتمكن من التحكم بمصائره ومصائر مَن لا يمتلك هذا الذكاء، ومَنْ يفتقدها يفتقد القدرةَ على الحضور في العالَم، مثلما يفتقد القدرةَ على التحكم بمصائره. مهما كانت قيمةُ الثرواتِ المادية فإنها لا تساوي القيمةَ الحقيقيةَ للذكاءِ الاصطناعي، وما يمكن أن ينتجَه من سلعٍ وخدماتٍ ومعطياتٍ معرفيةٍ وماديةٍ متنوعةٍ في مجالاتِ الحياة المختلفة. بلغت القيمة السوقية في 18 – 6 – 2024، لشركة "إنفيديا" المصنعة للرقائق 3.33 تريليون و 333 مليون دولار، بسبب الطلب المتزايد لتكنولوجيا #الذكاء_الاصطناعي على الرقائق. وبلغت القيمة السوقية لشركة "مايكروسوفت" 3 تريليونات و 332 مليون دولار، وشركة "أبل" 3 تريليونات و 269 مليون دولار، وشركة "غوغل" 2 تريليون و 186 مليون دولار. وحسب تقديرات خبراء الاقتصاد يُقدَّر أن يصل الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 إلى 1.8 تريليون دولار، في حين سيبلغ الناتج الاقتصادي للذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار. تتجلى أميّةُ أساتذة الجامعات بأجلى تمظهراتها بالجهلِ بالذكاء الاصطناعي، وما ينجزه اليوم ويعد به غدًا، والجهلَ بتوظيفِ منصات التواصل وتطبيقاتها المتنوعة، والعجز عن الإفادةِ من ذلك في التكوين المعرفي والثقافي، وعدم استثماره في التنمية العلمية والثقافية والرقمية، والغفلة عن أن مصادرَ المعرفة وطرائقَ تلقِّيها لم تعد كما كانت أمس، ولا أساليب التعليم هي ذاتها في عصر الهوية الرقمية. منصاتُ التواصل وتطبيقاتها المتنوعة كسرت احتكارَ الكتاب الورقي، وكلَّ الطرق التقليدية للتكوين المعرفي والثقافي، وتغلبت على وسائل تداولها ونشرها المتعارفة، بل أضحت موازيةً لعملية التكوين الأكاديمي في الجامعات المتوارثة منذ ما يزيد على تسعة قرون، وأراها ستتفوق عليها بعد مدة ليست بعيدة. ابتكر الذكاءُ الاصطناعي ومنصاتُ التواصل وتطبيقاتُها المتنوعة طرائقَ تدريس بديلةً تعبّر عن عصر #الهوية_الرقمية، فصارت من خلالها أدقُّ المباحث وأشدُّها تعقيدًا واضحةً تُفهَم بيسر وسهولة، بأساليب بصرية وسمعية ليست رتيبة أو مملة. أزاحت الأساليبُ الجديدةُ طرائقَ تدريس ميكانيكية توارثتها عدةُ أجيال، وأقعدت معلمين متمرسين فيها عن مهنتهم، لأنها لم تعد مستساغةً للجيل الجديد…
#عبدالجبار_الرفاعي
#التربية_والتعليم
تتمة المقال على هذا الرابط:

‏https://www.marasid.net/ar/articles/379

عبدالجبار الرفاعي

11 Oct, 08:03


79-80 QADHAIA

عبدالجبار الرفاعي

11 Oct, 08:02


غلاف العدد 79-80 لمجلة قضايا إسلامية معاصرة

عبدالجبار الرفاعي

09 Oct, 15:49


عبد الجبار الرفاعي ترتبط عنده الكرامة بحرية الفرد فقد ذهب الرفاعي إلى ضرورة الدفاع عن الحرية بما هي قيمة من القيم الضامنة للكرامة الإنسانية، وأن تمهد السبل لها أبستمولوجيا وأنطولوجيا[22]، وذلك في رأيه سبيل التجديد الوحيد لكل مشروع كلامي تحرري. وهو الضامن الأكيد لاستئناف التفكير في ممكنات الإجابة عن سؤال اللاهوت الجديد في ظل صياغة أنطولوجية متعمقة في علاقة بذاتها وبالأخر[23]. الكرامة والحرية من أوضح تجليات رحمة الله بالإنسان، الكرامة وعي الإنسان بالحرية.
خاتمة
نال مبحث الإنسان الذي بني على مبدأ الكرامة الإنسانية اهتماما كبيرا في كتابات عبد الجبار الرفاعي، حيث أصّل لرؤيته وربطها بالدين، محاولا إيجاد مفهوم للإنسان المكرم وفق هذا المبدأ، وفي الختام نخلص إلى مجموعة من النتائج أهمها:
1. يحضر في مؤلفات عبد الجبار الرفاعي التوكيد على أن الإنسان مكرم وجوديا، كما هي هبة الله له عندما خلقه، لذلك يربط الرفاعي دوما بين هذه العناصر الأساسية: الإنسانية والدين والكرامة والحرية.
2. الإقرار بأن الإنسان خلقه الله مكرما، ولهذا يواصل مشروع الرفاعي بناء الرؤية التكريمية للإنسان في إطار الدين، والحرص على بناء مفهوم الإنسان وفق هذه الرؤية.
3. أكد الرفاعي على أن الكرامة شاملة يتساوى فيها كقيمة جميع الناس، بغض النظر عن جنس الإنسان ولونه وعرقه ومعتقده ودينه.
4. مشروع عبد الجبار الرفاعي تجديدي، لذلك تميزت جهوده بالتجديد على مستوى المنهج، الموضوعات، اللغة، والغاية، كما تتطلب للضرورات التي تفرضها مستجدات العصر.

تتمة المقالة على هذا الرابط:

https://al-aalem.com/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84/

عبدالجبار الرفاعي

09 Oct, 15:49


الكرامة الإنسانية في فكر عبد الجبار الرفاعي

‏هاجر فرزولي
طرق عبد الجبار الرفاعي باب الكرامة الإنسانية في الدين، وعالج هذه القضية الشائكة بمهارة، وجعلها محورا من محاور أفكاره، حيث بيّن الرفاعي أن (الكرامة قيمة أصيلة وأنها أحد مقومات تحقق إنسانية الإنسان، حضورها يعني حضور إنسانية الإنسان، وغيابها يعني غياب إنسانية الإنسان)[10]. الكرامة في نظره قيمة للفرد، (تبدأ الكرامة بالفرد لتنتهي بكرامة الأمة، فلا كرامة لأمة بلا كرامة أفرادها[11].كرامة الدولة والوطن والمجتمع والهوية تبدأ بتكريم الفرد، عندما تنتهك كرامةُ الفرد تحت آية ذريعة، فلا كرامة لأحد، كل مجتمع تكون كرامة الافراد الشخصية فيه مستلبة هو مجتمع مستلب الكرامة)[12].
ويجعل الرفاعي (الإنسان غاية الدين. وكل دين لا تكون غايته الإنسان ليس إنسانيا. جوهر إنسانية الدين حماية الكرامة)، ويرفض الرفاعي كل أشكال التمييز بين الناس: (فكل دين لا يحمي كرامة الإنسان ويصونها ليس إنسانيا. الإنسان وكرامته وسكينته وطمأنينته وإسعاده غاية ما ينشده الدين، ولا كرامة بلا مساواة، الله خلق الناس متساوين في انسانيتهم، فليس هناك إنسان كامل واخر انسانيته ناقصة)[13]. الكرامة عنده هي الأصل، لذلك يقول: (يحتاج الإنسان إلى الحب، والأمان، والحرية، والمساواة، والاهتمام، والعناية، والاعتراف، والمكانة، والشهرة، والنفوذ، والسلطة، لكن احتياج كل إنسان للكرامة يختصر كل هذه الاحتياجات ويتقدم عليها. فالكرامة قيمة أنطولوجية يطلبها وجود الإنسان من حيث هو إنسان. كل رسالة تحريرية في التاريخ البشري تستمد مشروعيتها من قدرتها على استرداد الكرامة الإنسانية المهدورة، الكرامة هي وعي الإنسان بالحرية)[14].
الكرامة عند الرفاعي ذاتية وجودية (الإنسان يوجد مكرما، لا يكتسب الإنسان الكرامة بعد ولادته، الكرامة توجد بوجود الإنسان وتلبث معه أبدا حيثما كان. الكرامة رديفة الإستخلاف، خليفة الله في الأرض جعله قيّمًا وحافظًا ووكيلاً ونائباً عنه في الأرض)[15].كما شرح الرفاعي أن الكرامة لجميع البشر لذلك صار: (الإنسان بوصفه إنساناً لا غير يستحق الكرامة والحريات والحقوق، الإنسانية قيمة كونية عابرة للأعراق والثقافات والأديان، والكرامة هي الإطار الأخلاقي الذي تتوحد فيه قيمة الإنسان ومكانته، وتقديره لذاته وتقدير الغير له. الكرامة تضمن إنسانية الإنسان، وتكريم الإنسان بوصفه إنسانا واجب أخلاقي وليس منة أو تفضلا من أي أحد. الكرامة قيمة انسانية عليا، معناها واحدٌ صريحٌ يتساوى فيه كل الناس، بغض النظر عن دينهم وثقافتهم وجنسهم وموطنهم ولونهم ومهنتهم)[16]. الكرامة عند الرفاعي قيمة كونية، لكل إنسان نصابه فيها، لذلك يفرض الضمير الأخلاقي على الكل حمايتها، (احترام الكرامة الإنسانية مقصد مقاصد الدين وأسمى أهدافه)[17].
الإنسان يستمد قيمته ومكانته ومسؤوليته من كونه إنسانا لا غير. ومعيار المصداقية الأخلاقية والموقف الإنساني لأي دين أو معتقد أو نظام اجتماعي يعتمد في قدرته على النظر للكائن البشري بوصفه إنسانا من دون اعتبار لما هو خارج إنسانيته، والتعاطي معه بعيداً عن أي تصنيفات تفرضها الهوية وحدودها الرمزية التي تضعها الإثنية واللون والجنس والجغرافيا والثقافة والمعتقد[18].
يرى الرفاعي أن الإنسان ينفرد في القران بتكريمه، وذلك من الأثار الوجودية لتكريم الإنسان، وهو ما نصت عليه الآية: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”، الإسراء 70، وينفرد كذلك في تعليم آدم الأسماء، وذلك من الأثار الوجودية لتكريم الإنسان، وهو ما نصت عليه الآية: “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”، البقرة 31.[19]
وأوضح #عبدالجبار_الرفاعي في موضع أخر (أن الكرامة هي وعي الإنسان بالحرية،كل رسالة في التاريخ البشري تستمد قيمتها ومشروعيتها من قدرتها على استرداد الكرامة البشرية المهدورة، وحماية الحرية. فالمعيار الكلي لاختبار إنسانية أي دين هو كيفية تعاطيه وإعلائه للكرامة الإنسانية، والموقع الذي تحتله الكرامة في منظومة القيم لديه. إنسانية الدين تختصرها نظرته للكرامة بوصفها القيمة التي تستحضر كل قيمة إنسانية،[20] الكرامة هي القيمة المركزية في حياة الكائن البشري، الإنسان الأصيل يضحي بحياته من أجل أن تُخلِد ذاكرة الوجود كرامته. #الكرامة مكونٌ لكينونة الإنسان الوجودية، عنوانُ تكريم خلق الإنسان هو كرامته لا شيء أخر سواها، لأن انتهاك الكرامة يفضي إلى انتهاك كل حريات الإنسان وحقوقه)[21].

عبدالجبار الرفاعي

07 Oct, 18:50


من هذا المنطلق، دعا الرفاعي إلى التحرُّر من غلالة الفهم السلفي للخطاب الديني، مؤمنًا بقدرة المعارف الإنسانية وأثرها – فيما لو اضطلع الحكماء من الباحثين الذين قتلوا القديم فهمًا وانطلقوا منه لفهم المعاصر من المعارف والعلوم الحديثة – في استيلاد دلالات أُخَر لم يلتفت إليها السلف، وهذه الرغبة تكرّرت لدى الرفاعي في أكثر من مواطن من كتابه سالف الذكر. هذه الحرية المعرفية في فهم الدين لدى الرفاعي، لم تتأتَّ لديه إلا بعد قطعه شوطًا طويلاً مع المعارف التقليدية في فهم الخطاب الديني وتلقّيه مثّلت حاضنته الأولى الحوزة، وبعد سبره تلك المعارف، لم يقف مكتوفَ الأيدي، بل انطلق يباشر ما جدَّ من معارف حديثة في ميدان الفكر العربي وتبيئتها في المجال الديني، منطلقًا في رؤيته تلك، أنَّ "أبديّة أيِّ نصٍّ مقدّسٍ تعني أنَّه نصٌّ ذو كثافةٍ دلالية، إذ تتعدَّدُ وتتنوَّعُ دلالاته تبعًا لتنوُّعِ ظروف الإنسان وأنماط حياته، وتبعًا لتنوُّع وتعدُّد سياقات التلقّي في العصور المختلفة. وإنَّ الخلطَ بين سياقات عصر البعثة وعصرنا يُخرِج القرآنَ من حياتنا، ذلك أنَّ سياقات تنزيله جاءت لتلبية احتياجات إنسان الأمس في عصر البعثة، وهي تختلف عن سياقات تطبيقه أو تنزيله مُجدَّدًا على الحياة، لتلبية احتياجات إنسان اليوم للمعنى الديني" (ص213) وإذ يُقرِّر الرفاعيُّ لنا هذه الحقيقة التي يؤمن بها، فهو في الوقت نفسه لا ينسى الضريبة التي تعرَّض لها أولئك الباحثون ممّن تناولوا النصَّ الدينيّ، عبر أدوات البحث التي استجدّت بفعل تطوُّر المعارف الإنسانية وتشعُّبها وتعمُّق مباحثها، فقد "واجهت مقاومة عنيفة، إذ نعتَها بعضهم بالعدوان على أمجاد الأمّة، ومحاولة طمس ماضيها المُشرِق، وجرى التشهير بكلِّ باحثٍ عَمَد إلى إفشاء أسرار عمليّات سوء فهم وتحريف وتزوير مفاهيم ومقولات ووقائع الماضي، أو حاول الكشف عن محاولات حذف وإقصاء معتقدات لا تتناغم مع الآيديولوجيا التبجيلية التسلّطية المهيمنة، أو سعى لإشهار المهمّش والمسكوت عنه، أو فضح سطوة وقمع السائد والمتغلِّب في التراث، وهكذا فإنَّ كلَّ قراءةٍ للنصِّ الديني تتخطّى التفسيرات المُغلقة القديمة لا تمرُّ من دون ضريبة" (ص212) ولا يخفى ما نتحصّله عبر هذا المقتبس من احتجاجٍ بليغ يضعه الرفاعي بين يدينا، على أولئك الذين تمثّلوا موقف الدفاع الأعمى عن التراث، بما تسبّبَ في هدر مساحة العقل والتفكير العقلاني في النص الديني، في الوقت نفسه يكون مثل هذا الموقف "المتزمِّت" سببًا لقطع أوردة سيرورة النص وإدامة تفاعله مع المتلقّي، بحكم ما أُحيطَ به من قراءات احتكرت دلالته دون سواها، وهي في كل الأحوال تبقى قراءاتٍ مرتهنة لظرفها التاريخي.
وإذا أردنا القبض على فكرة الكتاب الرئيسة من بحوثه التي تعدّدت، بمقتضى كون بعضها تمّ نشره فيما سبق منفردًا بوصفها أوراق مؤتمرات، فإنَّ فكرة الحرّية/ التحرُّر لم تُغادر مبحثًا واحدًا من مباحث هذا الكتاب، إذ نجدها تلوحُ لنا في كل مبحثٍ عبر تمثُّلاتٍ متنوّعة، يظهر بعضها بصورة مباشرة عبر دعوته إلى ضرورة "الرحمة الإلهية بوصفها مفتاح فهم القرآن" ولا يخفى أنَّ تبنّي هذه الفكرة يدعو للتحرُّر من العصبية التي تحيط كل جماعة من الجماعات الدينية، فالرحمة في حال تبنّيها تكسح ما تكلّسَ من قراءة ضيّقة للنصِّ الديني، وحصر دلالته الرحيبة بهذه الجماعة أو تلك، بإبطال الأحكام التي تفوِّض الحقّ والأولوية بفهم النص الديني، وإحلال الآخر المختلف مقامًا يليق بإنسانيته على أقل تقدير…
تتمة المقال على هذا الرابط في مجلة التنويري:

https://altanweeri.net/14681/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d9%85%d9%86%d8%b2%d8%b9%d9%8b%d8%a7-%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84%d9%8b%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a8%d8%a7/

عبدالجبار الرفاعي

07 Oct, 18:50


الحريّة منزعًا أصيلاً في فكر عبد الجبار الرفاعي: قراءة في كتابه (الدين والاغتراب الميتافيزيقي)

د. #وسام_حسين_العبيدي
الرحمة بوصلةٌ تُوجِّهُ أهداف الدين
لا يخرج قارئ #عبدالجبار_الرفاعي في كتاباته التي تخصُّ حقل الدين والتفكير في قضاياه وإشكالياته، إلا بكلِّ ما يُعزِّز الجانب الإنساني، وأعني بالجانب الإنساني، ذلك الذي ينتصر للإنسان بوصفه القيمة العليا في هذا الوجود، وهو الهدف والغاية من بعثة الأنبياء والمرسلين، وبهذا لا بدّ من أنْ يكون النصُّ الديني في خدمة القيم الإنسانية لدى الإنسان، وليس العكس، بما وجدناه عند كثير من الذين أرادوا قلب المعادلة، عبر تأويلات تعسّفت بالنص الديني، وأبعدته عن غايته الأساس، بما آل إليه حال كثير من الجماعات والمذاهب والتيارات على مدى التاريخ، كان لأصحابها قراءاتهم للمدوّنة الدينية، بما ينسجم وتطلّعات تلك الجماعة أو ذلك المذهب، وكانت النتيجة أنْ صُودِر النص الديني من غايته الأساس في رفع مناسيب القيم الأخلاقية لدى البشر، والارتقاء بنزعاتهم لما فيه خير الإنسان بغضِّ النظر عن انتماءاتهم أو توجّهاتهم، وهنا يطرق الرفاعي نواقيس الخطر في كتابه المهم "الدين والاغتراب الميتافيزيقي" بالتحذير من هذه القضية، عبر منافذ عدّة، كان أولها في مبحثٍ بعنوان: (الرحمة الإلهية مفتاح فهم القرآن) بادئًا بالقول فيه: "الرحمةُ صوتُ الله، ومعيار إنسانية الدين. لا يُؤتي الدينُ ثمارَهُ ما لم يكن تجربةً إيمانيةً تنبضُ فيها روح المؤمن بالرحمة. الرحمة بوصلةٌ تُوجِّهُ أهداف الدين، فكلُّ دينٍ مفرغٍ من الرحمة يفتقد رسالته الإنسانية" (ص: 17) وهذه الخلاصة التي يُقدمها لنا الرفاعي تُمثِّل الأساس الذي يُعوِّل عليه في تحريك المشهد المُلبّد بغيوم التباغض المُعلن عنها أو المخفيّ في قراءات ممثِّلي الجماعات الدينية والمذهبيّة – أيًّا كان ذلك الدين أو المذهب - ومن خلال تلك القراءات الأحادية، يتخندق كلُّ جماعةٍ بما لديهم من متاريس خطابيّة تؤثِّل وجودهم على حساب نسف المختلف عنهم، من دون مراعاة لأثر التجربة الفرديّة في تلقّي التعاليم الدينية، وبعبارةٍ أخرى: إنَّ إقصاء "الرحمة" وتمثّلاتها الدلالية: التسامح، التعايش، السِلْم، قبول الآخر، محدودية فهم الإنسان، ونسبية الوعي، على مستوى خطاب ممثِّلي الجماعات والمذاهب في المجال الديني، سببٌ في بقاء الدين غير فاعلٍ على المستوى التطبيقي عند هذه الجماعات، وجعله محدود المجال، الأمر الذي آل إليه حال كثير من المجتمعات المتديّنة، من تفشّي الأمراض الأخلاقية من كذبٍ ونفاق، وشهادة زور، ومن دجل، ومن طائفية وتعصّب مذهبي مقيت عند الأعم الأغلب من أتباع الأديان والمذاهب؛ لتجرُّد الدين من أهمِّ رسالة يُبشِّر بها ويدعو الناس إلى اعتناقها متمثِّلةً بالرحمة، وبافتقادها يخبرنا الرفاعي، أنَّ الدين يفتقد رسالته الإنسانية، التي من دونها لا يكون سوى خطابٍ يدعو إلى الكراهية وإلى العنف، وإلى نبذ الآخر المختلف، وإلى الانكماش حول الفهم السلفي للمتن الديني لقرونٍ خلت، بوصفه الأصل وما عداه فهو الخروج والضلال..! ومن هذا المنطلق، تناول الرفاعي بإسهابٍ وتفصيلٍ منطق "الفرقة الناجية" بوصفه أحد أبرز إفرازات إقصاء الرحمة وتمثّلاته الدلالية في الخطاب الديني، هذا المنطق الذي استدعاه وتبنّاه الأصوليون – لا بالمعنى الفقهي – المتشدِّدون، واعتاشوا على فتاته، وغيّبوا في طيّاته كلَّ موردٍ يُتيح فرصةً للآخر المختلف عنهم بشرعية الوجود قبالتهم، وذلك بعودة الرفاعي إلى المتن الأصل متمثّلا بالقرآن الكريم، بالدرجة الأساس، وهذه الإحالة تضمن لصاحبها عدم الوقوع "في شباك التفسيرات والمرويّات المتراكمة، وأنْ يعتمد القرآن مرجعيةً يستكشف في هديها صورة الله، ومنطق الحياة الروحية والأخلاقية والجمالية التي ينشدها" (ص: 28) وهذه العودة لا يُفهم منها الانكفاء على أدوات التفسير التي تبنّاها السلف من المفسِّرين، وسار على نهجهم كثير من المعاصرين، وإلا لم تكن النتيجة بأفضل مما توصّل إليه السلف، من غلبة "لغة العنف على لغة الرحمة، وأهدر كثيرون من مفسري القرآن وفقهاء الإسلام كل هذا الرصيد الدلالي المكثّف للرحمة، وصارت فاعلية دلالة آية السيف في القرآن مضافًا إلى ما تتسع له مصنّفات الحديث من روايات تعضِّد مضمونها، هي الأشد أثرًا والأوسع حضورًا في القول والفعل في الحياة السياسية لمجتمعات عالم الإسلام" (ص: 28) بل العودة بفهم لا يُشيح النظر عن المعارف الإنسانية التي أخذت حيّزها في ساحة الفكر، إيمانًا منه بأنَّ الخطاب الديني خطابٌ ينتمي لكل عصر، من حيث الفهم والتلقّي، ولا ينتهي فهمه عند من نزل عليهم ذلك الخطاب، وإلا عاش غريبًا بعيدًا عن هموم الناس وإيقاع الحياة المتطوِّر.

الحرية المعرفية في فهم الدين

عبدالجبار الرفاعي

06 Oct, 08:05


لا تنشد لغةُ الدين المختصة بالغيب التطابقَ بين الدالِ والمدلول، وبين اللفظِ والمعنى، لضيقِ الدالّ وقصورِه، إذ يفتقر اللفظُ لأن يتسعَ لما لا يمكنه استيعابُه، ويستوعبَ ما لا يمكنه استيعابُه، وتمثّلَ ما لا يمكنه تمثّله، ويفشلُ في نقلِ ما يضيق به ظرفُه، واحتضانِ ما يعجز عن تمثّله. لغةُ الدين المختصّة بالغيب يتنزَّل بها المعنى من نشأةٍ أعلى إلى نشأةٍ أدنى، ذلك أن اللغةَ البشريةَ من شؤونِ العالم المادي، وليست من شؤونِ عوالمِ الغيب، وظرفُها لا يتسع لمعاني تلك العوالم، وإن السعةَ الوجوديةَ للغيب يضيقُ بها كلُّ ما ينتمي للعالم المادي، أي إن هذه اللغةَ لا يتجلّى فيها المعنى إلا بكيفيةٍ تماثل حقيقتَها البشرية، وهو نحوُ تنزّلٍ على شاكلتها.
لغةُ الدين المختصّة بالغيب ضربٌ من الترجمةِ لإشاراتِ الغيبِ ورموزِه، ومحاولةُ رسمِ صورةٍ عنه في قوالب لغتنا البشرية، وتجلٍّ لكلمةِ الله من خلال كلماتِ البشر. الترجمةُ لا تطابق الأصل، ولا تعكس صورتَه كما هي، ولا تكشف كلَّ ملامحِه، إنها توميءُ إليه وتشيرُ إلى شيءٍ من ملامحِه. يظل فهم الغيب في الكتب المقدسة نسبيًا. ‏المفسّر الذي يمتلك أدوات التفسير تفسيره ليس نهائيًا، يخضع ‏المفسّر في تفسيره لمشروطيات الذات والزمان والواقع والظروف والعوامل والمعطيات المختلفة المؤثرة في حياته كفرد وحياته في المجتمع الذي يعيش فيه، وليس بوسعه الإفلات من تأثير هذه العوامل المتنوعة على فهمه، مهما حاول أن يكون حياديًا. يحضر الاسمُ "الله" وأسماؤه الحسنى وصفاتُه ‏وما يتصل بالغيب بكثافة في آيات القرآن، إلا أن اللغةَ الدينية المتداولة المشبعة بدلالات كلامية وفقهية حجبت الدلاتِ الرمزية لهذه الأسماء والصفات في الآيات. تسيّدت الحياةَ الدينية في الإسلام لغةٌ دينية في العصور التالية لعصر البعثة الشريفة، بكلِّ تجلياتها، لغةٌ مشتقةٌ من رؤية علم الكلام، وأحكام الفقه الذي ابتنى على الرؤية الكلامية. لذلك تحضرُ الذهنَ غالبًا في عملية التفكير الديني الكلماتُ المشبَعة بدلالات كلامية وفقهية، وهكذا تحضرُ هذه الكلماتُ بكثافةٍ في التعليم الديني. في أحاديث خطباء الجمعة والمحاضرات على منابر المساجد ووسائل التواصل، عندما يتداول المتحدثون أيَّ شأنٍ ديني، لا يخرج المتكلمُ عن المعجم الكلامي والفقهي إلا في حالات محدودة، ولا يتبادرُ إلى ذهن المتلقي إلا المعنى الراسخُ في هذا المعجم. في الحياة اليومية للمسلم، حينَ يتحدثُ عن أيِّ شأن يتصلُ بالدين، تتكررُ في أحاديثه ما تحيلُ إليه هذه الكلماتُ من مفاهيم كلامية وفقهية، وعندما يتناول أيُّ كاتبٍ موضوعاتٍ تتصلُ بالدين يستقي من هذا المعجم. أكثرُ مفسِّري القرآن الكريم لا يرون معنى لآياته خارج فضاء لغة الكلام والفقه، وقلّما تُستعمَل كلمةٌ أو مصطلحٌ في الحياة الدينية خارج أُفق رؤية المتكلمين وأحكام الفقهاء للعالَم.
اللغةُ ليست محايدةً أو قوالبَ فارغة، ولا يصحّ توصيفها بوعاءٍ يمكن أن يُملأ بأيّ معنى. اللغةُ ترسمُ خارطةً للذهن، وتحدِّدُ مساحةَ التفكير ومدياته وكيفيته. يقول لودفيغ فيتغنشتاين: "إنّ حدودَ لغتي حدودُ عالمي". اللغةُ هي بوصلةُ توجيه الفهم والمولِّدة لوجهة عملية التفكير. مادام مضمونُ لغة الدين في الإسلام لا يتجاوز علمَ الكلام والفقه، فحدودُ تعريف الدين ومفهومه وأدوات تفسير القرآن والسُّنة قلّما تتجاوز رؤيةَ المتكلم والفقيه، وتتسع لاستيعاب الدلالات الرمزية في آيات القرآن.

https://alsabaah.iq/103526-.html

عبدالجبار الرفاعي

06 Oct, 08:05


تحاول لغة الدين تصوير ما لا صورة له
د. عبد الجبار الرفاعي
اللغةُ المستعمَلة في الكتب السماوية والنصوص الدينية تارةً تكون رمزية، وهي اللغة الدالة على حقائق غيبية، وتارةً أخرى تخضع في دلالاتها لما وُضعت له ألفاظُها من معانٍ يتداولها أهلُ اللغة في التفاهم بينهم، كما في موارد تتحدث فيها الكتب السماوية والنصوص الدينية عن الطبيعة، وما يعيش فيها من كائنات حية، وما يسودها من تضاريس، وأنهار وبحار ومحيطات، وغيرها، والطبيعةِ الإنسانية وهشاشتِها، ومواطنِ قوتها وتكريمِ الله لها، وإناطةِ مسؤولية الاستخلاف بها، أو تتحدث عن أحوالِ الأنفس والقلوب والأرواح، أو القيمِ الكونية المشتركة، أو العلاقاتِ داخل العائلة والمجتمع، أو المعاملاتِ المتنوعة في حياة الإنسان، أو العبادات، لا تخرج اللغةُ المستعمَلة في تلك الموارد وأمثالها عن معانيها الموضوعة لها. لغة الكتب السماوية ليست رمزيةً في كلِّ شيء تتحدث عنه، باستثناء الحقائق الغيبية.
نتحدث عن #لغةِ_الدين الحاكية عن الحقائق الغيبية خاصة، وهذه لغةٌ تحاول تصوير ما لا صورةَ له، لغةٌ تعتمد على التلميحِ والإشارةِ والكنايةِ والمجاز والتمثيل والتشبية والترميز. لغةُ الدين الحاكية عن الحقائق الغيبية غيرُ لغة العلم، لغةُ العلم مهمّتُها الكشفُ والتفسيرُ والتوصيفُ بأجلى العبارات وأوضحها، وأصرحِ الكلمات، وأبسطِ الجمل، تبتعد عن التلميحِ والإشارةِ والكنايةِ والمجاز والتمثيل والتشبية والترميز، تبوح بمعانيها وتحكيها بشكل صريح، تحذر مما هو مُضمَر ومبهَم، تنفر من الكنايات والمجازات والإشارات والتلميحات، تسعى لأن تتسعَ فيها الألفاظُ للمفاهيم بنحوٍ لا تقبل الانصرافَ فيه قدر الإمكان لمفهوم بديل. لغةُ العلم تنشد التطابقَ، ما أمكنها ذلك، بين الدالّ والمدلول، بين اللفظ والمعنى. لغةُ العلم مباشِرةٌ في التعبير عن مراميها، واضِحةٌ في بيان قوانينِها ومعادلاتِها وحساباتِها وأرقامِها، لفرط وضوحها يوازي تصورُها وفهمُها التصديقَ بها، ويعود التصديقُ إلى أن موضوعاتِها ليست مفارِقةً للمادةِ وعوالمِها،كما هو متداول في الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها من العلوم الطبيعية.
"لغة الدين" مصطلحٌ غيرُ معروف في الدراسات الدينية والفلسفية والألسنية العربية على نطاق واسع، على الرغم من أنه أحدُ أهمّ الموضوعاتِ والأركان المحورية لفلسفة الدين، وأن توطينَها في دراساتنا الدينية يوفر لنا مرآةً نرى فيها النصوصَ الدينية من زاويةٍ مختلفة عن النظر المكرر إليها من الزواية ذاتها، ويفتح لنا نافذةً أخرى على فهمٍ للدين ونصوصه يتخطى النظرةَ السطحية، من خلال تحديدِ ماهيةِ نصوصِه، وهل هي نصوصٌ تخضع لمنطقِ فهمِ اللغة العرفية، أو انها لغةٌ أخرى تمتلك منطقَها الداخلي الخاص، وتتحدّث عن معانيها بطريقتها الخاصة، وإن كانت كلماتُها مشتركةً مع اللغة العرفية.
لغةُ الدين المختصة بالغيب حكايةٌ عن عوالم الغيب، إنها تخاطب روحَ الإنسان وقلبَه وتوقظ حواسَّه الباطنية، لا تتحدث عن الأشاء الخارجية الملموسة والمحسوسة إلا عندما تحاول رسم صورة مجسدة للمجرادات عبر تجسيدها بمحسوسات،كما في آية النور: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"،[ النور: 35].
مدلولاتُ كلِّ كلمةٍ تتحدّث عن الغيب تشي بحقائق مفارقةً للمادة، خارج فضاء الحسّ، إنها تنشد تمثّلَ المطلق في النسبي، وتحاول ترجمةَ المحدود للامحدود، وتجليَ الإلهي في البشري، وحضورَ عالم الغيب في عالم الشهادة، وتجسيدَ اللامرئي في المرئي، واستيعابَ اللامحسوس في المحسوس، وما هو مادي لما هو لامادي، ومحاولةَ تصوير ما لا صورةَ له، ورسمَ ملامحه في فضاء الصور، واستكناهَ ما لا يُكتنه، ورؤيةَ ما لا يُرى، ومعرفةَ الحواس بما لا يمكن التعرّفُ عليه بها. إنها رؤيا عابرةٌ لرؤيةِ العين البصرية، ومعرفةٌ ذوقيةٌ عابرةٌ للعقلِ وطرائقِه ومحاججاتِه، وضربٌ من الصلةِ الأنطولوجيةِ التي يتجلى فيها الغيبُ بشكلٍ يستطيع معها أن يتذوقه من يؤمن به، إذ يتمكّن من خلال هذه اللغة أن يحقّق شكلا من الاتصالِ المباشر وشهود العوالم اللامرئية للغيب.
لغةُ الدين المختصّة بالغيب تتكشّف فيها مراتبُ أعمق من الوجود لا تتكشّف للإنسان باللغة العادية. وتشير الى معانٍ متعاليةٍ على الواقع المادي وحدوده الضيقة، معانٍ تختنق فيها اللغةُ العادية. لغةُ الدين هي اللغةُ الوحيدةُ القادرةُ على التعبير عن حقائقِ العالم الأخرى اللامرئية بنحوٍ تعجز فيه كلُّ أشكالِ اللغة الأخرى عن التعبير عنها.

3,859

subscribers

569

photos

46

videos