- لماذا قام أخوكَ بضرب الصبي ؟
هممت بالإجابةِ وإذا بأخي يجيب نيابةً عني وقد اغرورقت عيناه بالدموعِ وانحسرت نشوةُ الانتصارِ التي كانت تزين وجهه لتتكلل بالخوف " هو البادئ يا أبي لقد شتمني أولاً وهددني أنه إذا ما مررتُ من أمام بيته مرةً أخرى سيضربني فاضطررت إلى أن أدافع عن نفسي وعن كرامتي ، واسأل أخي .."
كرر لي أبي نفس السؤال وهو يمعن النظر إليَّ بكل هدوءٍ وبرودةٍ
- لماذا قام أخوك بضرب الصبي؟
- " لقد كان خطأ الصبي وما قاله أخي صحيح " أجبته وأنا أثق أن برودة نظراته لا توحي بما في يده ، لقد صَعُبَ عليَّ أخي كثيراً وأريد بأي طريقةٍ نجاته .
- هل كنتَ شاهداً على ما حَصلَ لحظةً بلحظة ؟.. "سألني أبي"
- " نعم " قلتها مجيباً بكل ثقةٍ وأنا أسرد له ما قاله أخي ، ورحتُ أُغالي في الكلام وأضيفُ بعض الأحداث التي تصب في مصلحة أخي وأبي يسمع لي برونقةٍ ، وعينا أخي قد توقفت عن البكاء وبدأ وجهه ينبلج بالفرح ليحلف لأبي على كل كلمةٍ أقولها مؤكداً صحة كلامي ، ثم شرعتُ لأقسمَ على صحة ما قلته ولأختم حديثي مع أبي وأنهيه ،إذا بي فجأةً أرى ظلاماً باهتاً ونقاطاً بيضاء تتخلله ثم استفقت بعد حوالي ثانيتين أو ثلاثة وأنا مرميٌ على الأرضِ مُسْنِدا ظهري بكلتا يداي ، اسمع بكاء أخي واستنجاده بأمي وطلبه المغفرة من أبي ، عاد لي وعيي لحظتها حتى كأَنَّ أبي قد أدركَ حالتي فأعقبَ ضربة كفه اليسرى بضربةٍ شديدةٍ من عصا الخيزران ، كان أخي يعترف بكل شيء وقتها ؛ فبكيت لحظتها بكاءا شديدا وقلتُ لأبي عند الضربة الثالثةِ : "لا ذنب لي أنا بريء " لكن لم تشفع لي هذه الجملة ، وضُربَ أخي إنصافاً للولد ، كان لديّ كبرياءٌ بصفتي الأخ الأكبر فصمتُّ وتحملتُ ما تحملت من الضرب والجلدِ أكثرَ من أخي وهو يشاهدني وقد توقفَ عن البكاء برهةً حين رأى ما تعرضتُ له من شدة الضرب آخذاً أنفاسهُ مستريحاً من تعب البكاء .بعدها سخط علينا والدنا بشدةٍ وحذرنا من تكرار الفعل ونبهنا للعواقب الأليمة إن أساءنا التصرف مرة أخرى .
في عصر اليوم التالي دخل أبي الغرفةَ وأنا منهمكٌ في كتابةِ واجباتي التي قصّرتُ فيها خائفٌ من أن يعلم . اقترب مني وجلس بمحاذاتي ينظر إلى دفتري بصمت ، وأنا أمثل دور المنهمك في دراستي بالرغم من أنني شارد الذهن به لا أدري ما المكتوبٌ على الورق آنذاك من شدة الخوف والتوتر ، ثم تنهدَ تنهيدةً خفيفةً ويدهُ فوق ظهري تربّته وامتدح خطي على الدفتر قائلاً لي بنبرةٍ هادئةٍ تبعث الأمان ليست كسابقتها ..
- أتدري لما ضربتك ؟
- لأني ضربت الصبي أنا وأخي ؟ أجبته وأنا أريد للمحادثة أن تنتهي ليخرج من الغرفة .
- لا .. بل لأنك كذبت بالأمس وشرّعت الكذب لأخيك ..
- صحيحٌ أنني كذبت ولكن الصبي استحقّ الضرب فقد كان في المرةِ السابقة ااااا ..
أوقفني أبي عن الكلام ورفعَ سبابتهُ مغمضاً عينيه مومئاً لي أن أصمتُ ، كان يعلم أنني أُكابر ولم يشأ أن يكسر كبريائي وقتها ، ثم قال لي :
- كنت على الشرفة أراقبكم منذ ربع ساعةٍ وبيدي كوبٌ من الشاي ، ورأيتُ ما بدا من طيشِ أخيك فبالرغم من أنك لم تقم بأي فعلٍ سيءٍ إلا أنك لم تنصح أخاكَ ولم توقفه عن الخطأ ، وأكثر ما أثار حفيظتي أنك تكذب وتشرعن لأخيكَ الكذب ودائماً ما أنصحكم وأوصيكم بعدم الكذب .
ثم نظر في عينيَّ بعمقٍٍ وكأنه استوطنهما ، وقالَ لي متوجساً : اعلم يا ولدي أن حبل الكذب قصيرٌ وأن كذبةَ الصباحِ تنكشفُ في المساء وكذبة المساء تنكشفُ في الصباح ، واعلم أيضاً أن الكاذبَ يا ولدي يرى الحقيقةَ طريقاً لهلاكهِ ، فيقررُ الانتحارَ قبل أن يسلكَ هذا الطريق ، والصادقُ يرى الحقيقةَ طريقاً لنجاتهِ فيمضي مستميتاً ليشق هذا الطريق ....
#ذي_يزن_العقاب
@entwaeeat