ثانياً: محاولة تشويه دعوة الرسول ﷺ :
قام مشركو مكة بمحاولة تشويه دعوة الرسول ﷺ , ولذلك نظمت قريش حربًا إعلامية ضده لتشويهه, قادها الوليد بن المغيرة، حيث اجتمع مع نفر من قومه، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر موسم الحج فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضا.
فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس, فقل وأقم لنا رأيًا نقول به.
قال: بل أنتم قولوا أسمع.
فقالوا: نقول كاهن.
فقال: ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة(١) الكاهن وسجعه.
فقالوا: نقول مجنون.
فقال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه, ولا تخالجه ولا وسوسته.
فقالوا: نقول شاعر.
فقال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.
قالوا: فنقول ساحر.
قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحّار وسحرهم، فما هو بنفثه، ولا عقده.
قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق(٢) وإن فرعه لجناة(٣)، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته.
فأنزل الله تعالى في الوليد: { ذَرۡنِی وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِیدࣰا (١١) وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالࣰا مَّمۡدُودࣰا (١٢) وَبَنِینَ شُهُودࣰا (١٣) وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمۡهِیدࣰا (١٤) ثُمَّ یَطۡمَعُ أَنۡ أَزِیدَ (١٥) كَلَّاۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِـَٔایَـٰتِنَا عَنِیدࣰا (١٦) سَأُرۡهِقُهُۥ صَعُودًا (١٧) إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ یُؤۡثَرُ (٢٤) إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ (٢٥) سَأُصۡلِیهِ سَقَرَ (٢٦) }[سُورَةُ المُدَّثِّرِ: ١١-٢٦].
ويتضح من هذه القصة أن الحرب النفسية المضادة للرسول ﷺ لم تكن توجه اعتباطًا، وإنما كانت تعد بإحكام ودقة بين زعماء الكفار، وحسب قواعد معينة, هي أساس القواعد المعمول بها في تخطيط الحرب النفسية في العصر الحديث، كاختيار الوقت المناسب، فهم يختارون وقت تجمع الناس في موسم الحج، والاتفاق وعدم التناقض، وغير ذلك من هذه الأسس حتى تكون حملتهم منظمة، وبالتالي لها تأثير على وفود الحجيج، فتؤتي ثمارها المرجوة منها، ومع اختيارهم للزمان المناسب, فقد اختاروا أيضا مكانـًا مناسبًا حتى تصل جميع الوفود القادمة إلى مكة, ويتضح من هذا الخبر عظمة النبي ﷺ وقوته في التأثير بالقرآن على سامعيه، فالوليد بن المغيرة كبير قريش ومن أكبر ساداتهم، ومع ما يحصل عادة للكبراء من التكبر والتعاظم فإنه قد تأثر بالقرآن، ورق له، واعترف بعظمته ووصفه بذلك الوصف البليغ وهو في حالة استجابة لنداء العقل، ولم تستطع تلك الحرب الإعلامية المنظمة أن تحاصر دعوة رسول الله ﷺ , بل استطاع محمد ﷺ أن يخترق حصار الأعداء, الذين لم يكتفوا بتنفير ساكني مكة من رسول الله ﷺ , وتشويه سمعته عندهم, بل صاروا يتلقون الوافدين إليهم ليسمموا أفكارهم, وليحولوا بينهم وبين سماع كلامه، والتأثر بدعوته، فقد كان رسول الله ﷺ عظيم النجاح في دعوته, بليغًا في التأثير على من خاطبه، حيث يؤثر على من جالسه بهيئته وسمته ووقاره, قبل أن يتكلم، ثم إذا تحدث أَسَرَ سامعيه بمنطقه البليغ المتمثل في العقل السليم, والعاطفة الجياشة بالحب والصفاء, والنية الخالصة في هداية الأمة, بوحي الله تعالى.
ومن أبرز الأمثلة على قوته في التأثير بالكلمة المعبرة والأخلاق الكريمة, وقدرته على اختراق الجدار الحديدي الذي حاول زعماء مكة ضربه عليه, ما كان من موقفه مع ضماد الأزدي، وعمرو بن الطفيل الدوسي، وأبي ذر، وعمرو بن عبسة رضي الله عنهم.
(١) الزمزمة: كلام خفي لا يسمع.
(٢) العذق: النخلة.
(٣) الجناة: ما يجني من الثمر.
📑... يتبـــــــــ؏.....👇👇👇
سلسلة #السيرة_النبوية_وقائع_وأحداث
🔗قناتنا💖 نبض قلبي ملك ربي💖 https://ⓣelegram.me/Pulse_of_my_heart