الصيف والشتاء!!
ضِدّان يتعاقبان، كأيٍّ من مخلوقات الله جل سلطانه.
عندما نقرأ كتاب الله جل شأنه، نجد الكثير والكثير من الآيات الداعية للتفكّر فيما خلق!!
لمَ لا نخضع لهذه الأوامر الربّانية؟!
لمَ لا نتفكّر في الغاية من الاختلافات الوجودية؟!
الصيف والشتاء، الخريف والربيع، الليل والنهار، الظلام والنور، الجبال والوديان، الأنثى والذكر، الباطل والحق، الكفر والإيمان، الدنيا والآخرة، ثم ماذا؟! الجنّة والنّار!!
هل حقاً نستخدم هذه التناقضات على سبيل التفاهة للتسلية فقط!!
هل حقاً نترك العبرة الربّانية، والغاية الإلهية من خلق هذا التناقض؟!
الصيف والشتاء، مَن تحدّث عنهما سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه وقال: أنّ كل فصل منهما يحمل نفحات من جهنّم، سمح الله لجهنّم التنفس فيهما، فتأخذ نفسًا صيفًا يضفي على الدنيا بأسرها اللهيب الحارق، وتأخذ نفسًا شتاءً فيحوّل الدنيا للزمهرير النّاقع!!
ولا نلتفت لآيات ربّنا، ونعرض عنها، وبعد هذا كلّه نتّخذها سخريّاً!!
ليس الحديث عن القول بشدة الحر والتحدث عنه ولا عن شدّة البرد والتأفف منه، بل الحديث عن الكلام الذي يحوّر ويحوّل الغاية الربّانية من خلق المتناقضات في الدنيا لنتيقّن تمام اليقين ونؤمن تمام الإيمان بتناقض الدّار الآخرة بين جنّة ونار...
لنعي أن جهنّم حينما تتنفس في الصيف والشتاء فهذا دلالة على عدم وجود الشر أو الخير في مكان محدد بل قد يوجد أيّا منهما في المتناقضات!!
لن أستطرد في كتابة الأوامر والتعليمات المحمّدية في ما يخصّ تقلّبات الأرض الفصليّة، فهذا شأن كل منّا أن يبحث عنه بنفسه، فذاك أثمن وآجر وأخير.
ولا أتحدّث كي أفرض وجهة نظر شخصية، ولا لأثبت صحّة ادّعاء، ولا لأنتقد وأطعن أصحاب تلك النظرية، ولا أكتب هذا إلماعاً لتجربتي الذاتية، ولا ادّعاء لما أحمل من فكرة حول هذا الأمر بالأفضليّة...
حينما يسألني البعض عن الفصول، أجيب: أحب كل الفصول، كلّها بتفاصيلها وما تحمل من تناقض، بين ربيع يجعلك تزهر بين الاخضرار والنسائم، وصيف يجعلك تقسو وتحترق بين الحَرّ والحرور والجفاف، وخريف يُخرج ما تحمل روحك من تعب وضنك تبثّها بين اصفرار الأخضر وإعصارات النّسائم، وشتاء يحمل الغيث لتروي به روحك التي عاشت دورة كاملة من الإزهار وحتّى النضج وحتى الخلو والتفريغ، كي تتبعها بارتشاف الغيث أنت والعزلة والظلام الحاجب للنور حتّى أثناء شروق الشمس، فتأخذ تقمصًا كالمتقوقع في الظلام اتّقاء النور...
فإذا بك تجد روحك تحلّق بجناحين وتستعد لتكرار الدورة الأرضية على هذه البسيطة التي هي أصلا من الصنيعة الربّانية...
أنتظر الربيع حتّى أجالسه وما يحمل من تفاؤل وأحلام وازدهار كي أرتشف منه حينما أجالسه إكسيراً يعطي لأحلامي الحياة ويعطي لنفسي التفاؤل بعد أن اجتازت ركود الشتاء وسباته، أرتقب أشد أيام الصيف حرّاً وأهيم في الطرقات تحت سطوة الشمس وسطوعها حتى أتشبع في ما تحمله من قوة وقسوة وغطرسة وأسير وأسير حتّى يستسلم جسدي لسطوتها وتسلم أنفاسي أمام جبروتها...، أمّا في الخريف فأبتعد عن الصخب والضجيج وأشرد في طبيعة الأرض المُصفرّة أجالس انكسار الأرض والأشجار فإذا بانكساري يخرج مع أنفاسي حتّى أشعر بخلوّي من اليأس والانهزام، أمّا الشتاء فهو الفصل الذي أرتشف فيه ما ينزل من غيث السماء وما ينبع من عروق الأرض النابضة... قد يصفني البعض بوصف أنا من أصف نفسي فيه أصلا حينما أقول أنّي قد أعطش لغيث السّماء فأخرج مما يسمّا سكناً في أول الليل أو ما بعد منتصفه في تلك الليالي الماطرة ذات البرد القارس وأخرج في سكك هذه الأرض دون أن أقي نفسي غيث السماء وأسير وأسير وأسير حتّى تبتل روحي لا جسدي!!
حتى أستمد روحا من الماء تجعل من روحي شابّة بعد أن شاخت في الفصول السابقة...
وأتابع المسير حتى تأتي تلك اللحظة التي يتحوّل فيها جسدي لمنبع للحرارة وكتلة من القوة وجبل من العنفوان!!
من بعدها وفي كل مرّة أفعل هذا، أفهم معنى وجود الخير في الشّر كما تولدت لدي القوّة من سطوة البرد!!
قد يسمّي البعض هذا بالجنون...، لكنّي أنا في الأصل من أسمّيه كذلك قبل أي أحد، فإنّي أظن أنّ الجميع هم من المجانين حتّى يثبت العكس وكل فرد يثبت عقلانيّته!!
تماما كجنون البعض حينما يخوضوا في السخرية من خلق الله والاعتراض على ما خلق سبحانه، وكجنونهم حينما يدَعون محطّة من محطات الفصول السنوية تغادرهم ولا يتزوّدون منها ما يعينهم على الاستمرار حتى المحطة التالية!!
جنون كجنون أحدهم الذي يتّخذ ما خلق الله من أوقات وفصول سخرية وتجده يقول كلاما كرها في الصيف!!
وكلامه هذا يجعله يهوي في جهنّم صيف الآخرة سبعون خريفا؟!
قد يصف البعض هذا الكلام بالجنون، وهذا فيه شيئً من الصحّة، لكن ما يحمل الصحة الطلقة هي أن أحد الأصناف التي ذكرت من المجانين حقّاً
✍️#حسينـالإبراهيم