قال تعالى: ﴿یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨]
✍️ (فائدة)وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ العِزَّ قَرِينَ طاعَتِهِ، والذُّلَّ قَرِينَ مَعْصِيَتِهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾.وَقالَ تَعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩].
والإيمانُ قَوْلٌ وعَمَلٌ، ظاهِرٌ وباطِنٌ، وقالَ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠].أيْ مَن كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلْيَطْلُبْها بِطاعَةِ اللَّهِ وذِكْرِهِ مِنَ الكَلِمِ الطَّيِّبِ والعَمَلِ الصّالِحِ.وَفِي دُعاءِ القُنُوتِ: "إنَّهُ لا يَذِلُّ مَن والَيْتَ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ"وَمَن أطاعَ اللَّهَ فَقَدْ والاهُ فِيما أطاعَهُ فِيهِ، ولَهُ مِنَ العِزِّ بِحَسَبِ طاعَتِهِ، ومَن عَصاهُ فَقَدْ عاداهُ فِيما عَصاهُ فِيهِ، ولَهُ مِنَ الذُّلِّ بِحَسَبِ مَعْصِيَتِهِ.
* وقال في (إغاثة اللهفان)وقال بعض السلف: "الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله"وقال الحسن: "وإن هَمْلَجَتْ بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبي الله عز وجل إلا أن يُذِلَّ من عصاه، وذلك أن من أطاع الله تعالى فقد والاه، ولا يذل من والاه الله، كما في دعاء القنوت.
* (فائدة)للعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ ولِرَسُوِلهِ ولِلْمُؤْمِنِين﴾ [المنافقون: ٨].فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففى مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علما وعملا ظاهرا وباطنا.
* (فصل)والعز ضد الذل، والذل أصله الضعف والعجز فالعز يقتضي كمال القدرة والعزة، ولهذا يوصف به المؤمن ولا يكون ذمًا له بخلاف الكبر.قال رجل للحسن البصري: إنك متكبر. فقال: لست متكبرًا، ولكني عزيز.وقال تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينِ﴾ [المنافقون: ٨]وقال ابن مسعود: ما زِلْنا أعِزَّةً مُنْذُ أسْلَمَ عُمَرُ.وقال النبي ﷺ"اللهم أعز بأحد هذيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ بْن الخَطّاب، أو أبِي جَهْل بْن هِشام"وفي بعض الآثار: إن الناس يطلبون العزة في أبواب الملوك، ولا يجدونها إلا في طاعة الله عز وجل.وفي الحديث: "اللَّهُمَّ أعِزَّنا بِطاعَتِكَ ولا تُذِلَّنا بِمعْصِيتكَ"وقال بعضهم: من أراد عزًا بلا سلطان، وكثرة بلا عشيرة، وغنى بلا مال، فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة.فالعزة من جنس القدرة والقوة.وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال:"المُؤْمِنُ القَوِى خَيْر وأحَبُّ إلى اللهُ مَنَ المُؤْمِنِ الضعيف، وفي كل خير".فالقدرة إن لم يكن معها حكمة بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر في العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته ويقصدها بفعله، كان فعله فسادًا كصاحب شهوات الغي والظلم، الذي يفعله بقوته ما يريده من شهوات الغي في بطنه وفرجه ومن ظلم الناس، فإن هذا وإن كان له قوة وعزة لكن لما لم يقترن بها حكمة كان ذلك معونة على شره وفساده.
(تفسير ابن القيم )