مركز مناظير جديدة

The owner of this channel has been inactive for the last 11 months. If they remain inactive for the next 8 days, they may lose their account and admin rights in this channel. The contents of the channel will remain accessible for all users.

ملخص كتاب " بخت الرضا - التعليم و الإستعمار" :

- مِنى عبدالعزيز



كتاب " بخت الرضا - التعليم و الإستعمار" هو عبارة عن مقالات للبروفيسور " عبد الله علي إبراهيم" و لذلك التنقيب داخله من أجل تلخصيه أمر ذو وجهين؛ حيث توجد الكثير من الأفكار المكرورة، و سيتم إرفاق رابط تحميل الكتاب فى التعليقات ليتم الإطلاع عليه و الغوص داخله، كما توجد محاضرة فى قناة" ديوان فاتح على الشارع" أجرتها فدوى الفضُل معه، و هو برنامج مفيد للغايه على الأقل كشف لى النقاب عن ظلام فى عقلي لم أكن على دراية به.

نشأة بخت الرضا :
إلى الآن إذا حاولت التحدث فى هذا الكهنوت الإستعماري لوجدت الآلاف من السيوف مشحوذة فى وجهك ، كما يقول الكاتب ذاته بأن بخت الرضا إكتسبت صفة القداسة و هو أن الصفوة المحدثه و اليسارية قد بطل عندها نقد الاستعمار بالكلية. و السبب وراء ذلك هو خيبة الحركة الوطنية و دولتها التى ألجأت الصفوة من فرط قلة الحيلة لترى أن الإستعمار عصرا ذهبيا.

لا خلاف أن بخت الرضا مُنشأة إستعمارية، و قال قريفث إنها ثمرة سياسية تعليمية إنجليزية استجدّت فى أوائل الثلاثينات و منها استمدت رضا فكرتها حول " ترييف التعليم" ، أي جعله خادما لحاجيات أهل الريف و هم الكثرة من أهل السودان، و هى عبارة عن ( بِلدات ) أراضي زراعية شاسعه و لكل طالب مساحة يرعاها، و لكن لم يكن يريد الطلاب ذلك و إنما يريدون أن يكونوا على غرار طلاب غردون و لجأت الحكومه إلى هذا المذهب من ترييف التعليم إلى خشيتهم من طبقة الأفندية التى أنتجتها غردون حتى أنه كان هنالك تفتيش يُجرى لزي الطلاب و فجأة أصبح مفروض عليهم ارتداء الزي التقليدي " الجلابية و العراقي و المركوب" و هذا بالطبع ليس من أجل خدمة الثقافه التى ينتمي اليها الطلاب و إنما لأجل كسر شوكتهم و إذلالهم حتى أنه كانت تُوكل إليهم مهام شاقة.

الاستعمار مشروع ثقافي بعيد المدى و قصّرت الحركة الوطنية كمؤتمر الخريجين في الإنتباه لذلك خلافاً للحركة الإسلامية التي كانت شديدة الإنتباه لهذه النقطة إلا أنها استسهلت الاصلاح و سارعت مسارعة غير رشيدة مع تركيزٍ غالٍ على السلطان .

و جاءت فكرة ترييف التعليم عندما ضاق المستعمر ذرعاً بتعليم الكتاب الذي قصُر دون إخراج الموظفين الأكفاء إضافة إلى خيبتهم بعد انقلاب 1924 وإضراب ،1931 إلا أنه اصطدم بتمسك الأهالي بالتمدين و تفطنهم لخلاصة ترييف التعليم و غرضه و هي تقلد الوظائف الحكومية .

العاملون فى بخت الرضا قالو أنها " مدرسة غنية لمجتمع فقير" و البروفيسور عبد الله علي ابراهيم قال إنها" الحسناء التى تنشأ منشأ سوء" خضراء الدمن، و القصد وراء ذلك هو أن الطالب عندما يأتي إليهم يعامل كأنه عبارة عن لوح فارغ لا يعلم شيئا و لا حظ له من المعرفه مع أنه خريج خلوة و لكن لم يكن يُولى إعتبار ذلك حتى أن عبد الله الطيب قال : " تعليم بخت الرضا ما فيهو بركة " لأنه بلا روح منبت عن الواقع غير منطلق منه و يتعالى على الطالب و الواقع فى آن لذلك نشأت الأمساخ التى نراها الآن و لا يمكن ان نطلق عليها لفظة متعلم أو جاهل، هو شئ بين بين و الأفضل منه عدم التعلم من الأساس.

لا شك أن للسودانيين دور فى إنشاء هذه المؤسسة و لكن كان يُقال بأن الافكار النابهة يأتي بها الإنجليزي و يطبقها السوداني، حتى إن قيرفث عندما زلق لسانه و قال : " لقد جرت العادة أن يكون السيد عبد الرحمن - عبد الرحمن علي طه - بوق المعهد و لذلك أطلب منه أن يتكلم نيابة عني و عن المعهد" وقف عبد الرحمن و شكر العميد على الفرصة و زاد "و لكنني أرجو ألا يكون فى ذهنه عندما أشار الى أنني بوق المعهد بيت المتنبي :
إذا كان بعض الناس سيفا لدولة
ففي الناس بوقات لها و طبول

عبد الله الطيب - نظرة بغير رضى :

أخذ عبد الله الطيب على المعهد طريقتة فى منهج الطلاب و تعليمه للغه العربية بالطريقه الكلية لا بطريقه الخلاوى؛ ف واضع المنهج الذى هو قيرفث لا يعترف بوجود ثقافة لدى هذا الشعب أصلا.
طالب بتعليم النشء بالحكاية الشعبيه، إتقان العربية عنده هو شراب طهور من ينابيع غراء باطنه تنعقد فيه العاميه بالفصحى، و هو لم يكتف بلفت النظر الى هذا الينبوع الفطري فقط و إنما يأتي بكلمة عامية و يفصحها بسهولة و يسر مثلا " داير اتبرد" بدلا عن استحم بالنظر الى قول عمرو بن أبي ربيعة :
زعموها سألت جارتها
و تعرت ذات يوم تتبرد

لقد قبلنا عن ثقافتنا رأيا عن بؤسها من غير خبير و لا مؤتمن و فرحنا بمدرستة التى زرعها بيننا تهدينا إلى سكة المعرفة مطرحين ضلالاتنا التى نشأنا عليها.

الحبوبة : غروب شمس مؤسسة ثقافيه :
من قرأ للبروفيسور عبد الله الطيب كتاب " الأحاجي السودانية" يعلم أنه الحجّاي الأول و يبدو أنه تشرب أحاجي الحبوبات و قلم بنقلها من الشفاهة الى الكتابة.
و لا يخفى على الناظر تقهقر دور الحبوبة و تحولها إلى شخص لا يمل من الشكوى.
لقد أردنا من إطراحنا الأحاجي التحضر و لكن لقد خزلنا هذا التحضر.

بخت الرضا المضادة : محجوب شريف، العجوز و الفصل :

محجوب من غرس بخت الرضا ؛ فقد تدرب كمدرس أولية على سنة بخت الرضا و نهجها، درس بالمدارس الأولية زمنا، من المؤكد أنه أحب بخت الرضا و كره منها أشياء من غير نقد أو تنظير و هو فى عمله فى مدرسة الأحفاد فى التسعينات و النفاج التى يديرها بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغني بخت الرضا المضادة؛ لأنه شديد الإقتناع بأن محيط المدرسة السودانية عامر بالثقافة لا كنصوص فحسب بل ككمارسة فى الأريحية و الفضل و التراحم و رباطة الجأش و غيرها. و هو من عمل فكرة " مدرسة مفتوحة على الشارع" و قد قال هذا شعرا مسبقا " القلب مساكن شعبية".
ذات مرة التقوا أثناء تجوالهم بإمراه مسنه و لما طلبوا منها الحديث أنزلت قفتها من على رأسها و بدأت تتحدث معهم، و كان محجوب ينتهز حديث هذة المرأه لتوسيع مدارك الطلاب اللغوية و بيان قواعد اللغه.

من ناحية أخرى استبدل محجوب شريف قصائد رضا المستكرهة على حد تعبير عبد الله الطيب التى على شاكلة " أشرقت شمس الضحى و لي قطة صغيرة" ببعض تأليفه من الشعر السائغ الذى اشتهر به :
البنت و الولد
لرفعة البلد
كلاهما غدا يزيدنا عددا
كلاهما غدا لمجده مدد

أو فى قول أم عن ولدها أحمد :
أحمد جاء
نكتب اسمو نتهجاه
ما قصر معاي فى البيت
و لا خلانا نترجاه
فالح ربنا يخليه
و من شر الكضب ينجاه
أبوي انا جدكم رباه
زمانك نومو و حجاه

محجوب معدن تربوي لا ينضب و قد غطت ثوريتة الشعرية على أكثر ثوريات محجوب خطرا و هى تلك التى ترخي لخيال التلاميذ أعنه الطلاقة، لأجل تنمية الخيال، كسر محجوب الفصل و هذة ثورة على إعتقال الخيال.

و لا ننسى كذلك تجسير التجاني الماحي العلاقه بين الطب الحديث و التقليدي؛ فقد كان يقوم بتحويل المرضى إلى العلاج التقليدي بإستخدام الرقية و غيرها.
و كذلك لنا فى " علي بيتاي" عبرة و عظة.

مما سبق و ما يود البرهنة عليه هو أن الاستعمار لم يأتي من أجل راحتنا و لا خيرنا نحن و إنما لأجل راحته و لم يقلق مضجعنا إلا بنا نحن أنفسنا؛ ففى عائلتي على سبيل المثال والدتي صنعت لنا قاموس خاص فهى ابنة مدينة الثقافة "الكوة" و إذا تفوهت بمفردة مغايرة تتم معاقبتي و هذا جعل مني فضائي فى كوكب الأرض؛ ف مفرداتي مختلفه عن بقية التلاميذ فى الفصل و عندما يتحدث أحدهم أجد ذاتى أطرح عددا من الأسئلة حول معاني العديد من المفردات و هذا برأيي تشظي وجداني و اجتماعي ف ما الضير لو قلت " بدور " بدلا عن " دايرة" ؟!

مجتمعنا غني مترع بالثقافة و لا شرط أن تتطابق مع المعايير الوافدة الاوربية لتصلح ليطلق عليه لفظة ثقافة، مثلا الثقافة العربية تعرف المعلقات و ذاكرتنا فى الشعر أكثر امتداد و ضاربة الجذور فى الجذور أكثر منهم و لكن هل هذا سبب يجعل منّا نسخر منهم؟!


من التفاهات فى المدرسة كانت البحث عن الكنز مع أنه على حد رأي عبد الله علي ابراهيم بأن الطالب بالفعل يعرف "قيافة الأثر" أي تقصي الأثر و هذا ليس بأمر جديد و لكن فقط "فنطزة" ليس إلا.

الإستعمار المضاد :
تجربة مدرسة الدايات هى خير مثال؛ فالقائمة بالشأن بذلت جهدا من أجل التعرف على المجتمع التى هى بصدد تعليمة، ف بدأت بتعليمه من داخله لا من أعلى بنظام هرمي.
حتى أنها كتبت قاموس للقابلات السودانيات مستخدمةً مصطلحات من نفس بيئة القابلة فمثلا عندما تحدثت عن مساؤي عدم حركة المرأة (النفسا) قالت بأن الرحم كالجبنة - إناء القهوة - إذا استلقت المرأه كانت كما الجبنه المتكية لا تخرج الرواسب منها و تبقى فى مكانها.
و أيضا أسمت كشف الحمل ب " كشف الحلة" ؛ لأن الطبخه عندما تضعها على النار لا تتركها هكذا لتحترق و إنما تكشف عليها بين فينة و أخرى لتدري ما حال هذا الطبيخ ؟!

انظر الفرق بين من يجتهد لتعليمك و من يعمل معك بأسلوب - كفح لفح - فى ظاهرة بينما فى باطنه هو خطة محكمه لصناعة غرباء الروح و لنا فى قصة - دومة ود حامد- نموذج لغريبي الأرواح.

ملخص كتاب "مدخل إلى الماديه الجدلية" .

مِنى عبدالعزيز

هل صحيح أننا نصبح ما نفكر به ؟
دائما أو غالبا أو صار عاديا جدا أن تجد شخص ما يقوم بتعريف ذاته على أنه على درجة من الوعى و المعرفة، ولكن فى ذات الوقت تجد من خلال التقاشات ومراقبة المواقف التي يتبناها أنه لا يستوفي شروط هذا الإدعاء، فبدأت بالتساؤل حول مفهوم الوعي، وهذه المقولة التي أصبحت دارجة ومستهلكة في كثير من الأوساط .

مثل هذة المقولة و غيرها اعتبرها إحدى وسائل تفشى النزعة الفردية و تحويل المجتمع إلى مجرد ذرات منفردة لا يربط بينها اي شيء، كذرات الغازات الخاملة مثلا و يتبجح أحدهم بأنه " غاز نبيل" حقا!!

قبل عدة أشهر كان أن نقر شئ بشدة على رأسي و لم أتنفس الصعداء إلا بعد تدوينه و تحويله إلى قصه تحمل اسم "الأشياء" و التساؤل المحوري فيها هو "يقال بأن مخطئ من ظن أن الأشياء هي الأشياء فماذا يمكن أن تكون الأشياء إذا لم تكن أشياء، أشياء أخرى ؟" و هذا يماثل الفلسفة البرجوازية حين تقول اننا لا نرى الأشياء فى ذاتها و إنما ظلالها و انعكاسها !، لكن لحظة" فلسفة برجوازيه " ؟
-هل تعنين أنه في المقابل هناك فلسفة لطبقة عاملة / كادحين / بروليتاريا ؟
بالطبع يوجد فلسفة طبقة؛ فلا يوجد فلسفة خالية من التوجهات مثلا اذا كنت حيوان فى" حديقة حيوان " جورج أوريل و طالبت بأن يتم توزيع العلف بالتساوي و العمل كذلك و أهدف من وراء ذلك إلى إلغاء الأطيان و أن نعود إلى المشاعية الأولى و لكن بطريقة منظمة، يكون فى المقام الأول إنحيازي إنحياز تجاه أبناء فئتى الاجتماعية أو طبقتي على حسب النظام الاقتصادي للمجتمع الذى أوجد فيه و قبل فئتي فأنا متضرر بالمقام الأول من هذا النظام المقيت؛ حيث يتم التعامل معي كآلة أو أداه من أدوات الإنتاج و مهما بذلت من عرق و دماء فلا أزيد من جراء ذلك إلا بؤسا و الاقطاعي أو الرأسمالي يزداد ثراءً .

- إذن نخلص إلى أن هنالك أيدولجية طبقة، و حتى الأفراد الفلاسفة و المفكرون، لا يمكن أن ينفكوا عن الواقع التاريخي و الاجتماعي لهم و مصالحهم الشخصية فى المقام الأول فمثلا هل ديكارت كان جاهلًا بما يحدث للشعوب التى تستعمرها بلاده، بالطبع لا و لكن سعى إلى تقنين ذلك من خلال فلسفتة.

- أستطيع أن أقرأ ما بين السطور أن الفلسفة البرجوازية، تسعى دائما من أجل تمويه الشعب و تغييب الوعي و النقد؛ لأن ديمومتها محتومة بذلك و حتى نجد أن أيدولجيا الدول الشمولية تتبنى ذات الفكرة ، إذن ما هى الفلسفة المناسبه من أجل البروليتاريا لتكون طبقة ثورية تسعى لقلب الهرم؟

إن الأيديولوجية التى تصلح لإصطفاف العمال والكادحين هي الفلسفة التي تخاطب همومهم، وتستطيع أن تفسر آليات الاستغلال وفي المقابل آليات التحرر، تحاول المادية الجدلية مخاطبة هذه الهموم، بطريقة علمية منهجية وغير مجردة عن حركة المجتمع والواقع الانساني.

الحزب السياسي هو دائما ممثل سياسي لطبقة ما و الذى بدورة يحتاج أن يضع و يتبنى فلسفة محددة خاصه به، يعبر من خلالها بمصالحه، فأي فرد على ظهر البسيطة يملك فلسفة ما حتى و إن كان لا يدرك ذلك مثلا الشخص الذى سأل عن ما هو النثر و عندما عرف الاجابه قال : حسنا، لقد كنت أتحدث النثر طوال حياتي .
نجد أن أحدنا يرى أن الحياة لا خير فيها و ينبغى لنا التحضير للحياة التالية و آخر يرى بأنه ينبغي أن يستغل اللحظات التى يعيشها الآن بحلوها و مرها فيمكن ألا تكون هنالك حياة أخرى.
عدمية، وجودية، واقعية، او سوداوية فى آخر المطاف كل منا لدية نظرة للحياة و هى " فلسفتنا".

و إذا اعتبرنا أن الفلسفه هى نظرتنا إلى العالم فستبرز لنا مهمة بناء هذة النظرة بشكل منظم و بالتفصيل و تحويلها إلى نظرية متماسكة، وهذا ما يقوم به " الفلاسفة"، وحين وضع الفلاسفة نظرياتهم فغالبا ما أنتجوا شيئا بالغ التعقيد و قليل جدا من الناس اتيح له مقدرة أن يطلع و يفهم ما يقوله الفيلسوف المعني، وبذلك يتأثر المجتمع بأفكار هؤلاء الفلاسفة بطريقة أو بأخرى سواءً اطلعوا على مؤلفاتهم أم لا.

لا يمكن أن ننظر إلى أعمال الفلاسفة على اعتبارها نشاط ذهني بحت و إنما تعبير عن هموم مجتمع، إذن أن معظم الأفكار الجارية هى تعبر عن أفكار طبقة ما أو بصياغه أكثر وضوحا أيدولجية طبقة ما؛ لأنه و ببساطه لا يمكن أن يفكر الفرد فى معزل عن مجتمعه، أي فى عزلة من العراك الطبقي و يؤدي الفيلسوف دور الممثل الطبقي، لذا مهما قال الفلاسفه عن أنفسهم، فليس ثمة فلسفة لا تجسد نظرة طبقية، فليست هنالك فلسفة غير متحيزة فمهما اجهدنا أنفسنا فلن نجد فلسفة غير متحيزة و لا طبقية و لا متحزبة.
و إذا وضعنا هذا فى اذهاننا فسنجد أن فلسفات الماضي كانت تعبر عن هموم طبقة معينه "الطبقة المتعلمه" الانتنجلسيا، فقادة المجتمع هم الذين يصوغون الفلسفة و ينشرونها بشكل منظم و هم نتاج خاص بالرأسمالية ( برجوازيه محلية) فسادت نظرتهم فى الفلسفة كما سادوا فى المجتمع.

و نخلص من هذا كله بأنه إذا أرادت الطبقة الكادحة أن يكون لها دور قيادي فى المجتمع فطريقها الأوحد هو صياغة فلسفتها الخاصه لتدحض بها بقية الفلسفات السائدة و لتعبر عن ذاتها و هموها من داخلها لا بإعتبارها مثلا فقط نقيض للبرجوازيه أو ان تصبح اشتراكية ناعمه؛ فيما معناه أن يتحول النضال إلى مهنة مثلا بدلا من عمل جماهيري أو التنازل للشركات والمؤسسات الخاصة و العيش معها فى سلام فقط لأنها وظفت فلان الفقير أو ادرجت علان "الأسود" كمدير تنفيذي، او اختارت مجموعة انتهازية لتمثل الأقليات، وهذا ما اعتدنا عليه في السودان .

قال لينين: بأن ماركس و انجلز علما الطبقة العاملة أن تعرف نفسها و أن تعي ذاتها و احلا العلم محل الأحلام. وقام لينين بتطوير التعاليم الماركسية عن الحزب و أوضح أن على الحزب أن يعمل كطليعة لطبقته ، كأكثر أقسام طبقته وعيا و هو سلاح كسب السلطة السياسية و تدعيمها و لكن فى ذات الوقت لا يمكن أن يكون الهدف هو فقط إستلام السلطة و تحويل كفاح الكادحين إلى مجرد ارتفاع مرتبات العمل و تناسي الجانب الإجتماعي و تدعيمه.

كيف يتم التوصل إلى الحقيقة ؟

لماذا لا يوجد فلسفة إنسانية مثلا، خالية من الإصطفاف الحزبي و الأيديولوجي، أليس الهدف هو الوصول إلى الحقيقه؟
لأنه و ببساطه كل فلسفه لديها رؤية خاصه للحقيقه و كل فلسفة بدورها تمثل طبقة معينه. و لن نستطيع الاقتراب من الحقيقة الا إذا تبنيا وجهة النظر المتحزبة لأكثر الطبقات تقدما من الناحية التاريخية.

كما قال ماركس و انجلز لم تترك الرأسمالية علاقة بين الإنسان و الإنسان سوى المصلحة الذاتية العارية، سوى علاقة الدفع الفوري الجافة. فهى ترى أن العالم مكون من ذرات منفردة مستقلة كل منها كامل بذاته و من خلال ذلك نجحت فى إخفاء أهدافها فى السيطرة و الربح، فالعامل و الرأسمالي على مستوى واحد كل منهما ذرة انسانية حرة و يدخلان فى تعاقد حر، يعمل أحدهما و يقدم أحدهما المال.
لكن الطبقة ليست فى حاجه إلى مثل هذا "الوعى الزائف" ، انها لا تريد نظاما جديدا للاستغلال وإنما إلغاء الاستغلال و لهذا السبب فليس لديها مصلحة فى اخفاء شئ بل مصلحتها فى الأشياء هو فهمها كما هى عليه، فكلما زاد فهمها للحقيقة زادت قوتها فى النضال، بالاضافه إلى ذلك فإن فلسفات الطبقات الأخرى تبحث دائما عن أشياء تضمن لها الديمومه قدر الإمكان و لكن الطبقة العامله تسعى إلى الغاء الطبقات و بناء مجتمع لا طبقي.

ثورة فى الفلسفة :

" كل ما قام به الفلاسفه هو تفسير العالم بطرق مختلفة بيد أن القضية هى تغييره "
الفلسفة الماركسية هى فلسفة تسعى إلى فهم العالم من أجل تغييره و من أجل تشكيل و تحقيق مصير الإنسان فيه، والمادية الجدلية هى سلاح نظري فى أيدي الشعب لاستخدامه فى تغيير العالم، و من هنا نفهم أن الماركسية لا تسعى إلى إقامة أفكارنا عن الأشياء على اساس آخر غير الدراسة الواقعية، أي لا تبتدع مذهبا ثم تحاول أن تجعل كل شئ متلائما معه.

الجدل معناه، كي نفهم الأشياء حتى نغيرها ينبغي ألا ندرسها وفقا لمعطيات أي مذهب مجرد فى تغيراتها و علاقتها المتبادلة مع الواقع.
يقول أنجلز " إن المادية الجدليه أخذت النظرة المادية إلى العالم ماخذاً جديا للمرة الأولى و طبقت بشكل متماسك لأنها عزمت على فهم العالم الحقيقي - الطبيعي و التاريخي - تماما كما يظهر لكل من يقترب منه متحررا من الخيالات المثالية المسبقه، لقد تقرر بلا هوادة التضحية بكل خيال مثالي لا يمكن أن ينسجم مع الوقائع كما تبدو فى علاقتها الحقيقه و ليس فى علاقتها المتخيله، و لا تعني المادية شيئا أكثر من ذلك "

المادية الجدلية و المثالية :

هما ليسا موقفين أخلاقيين متعارضين يمثل أحدهما سمو الأخلاق و الآخر الانحطاط و البحث عن المنفعه الشخصية، السوقي يفهم بأن المادية تعني الشهوة الجشع و الإدمان و يفهم من كلمة مثالية الإيمان بالفضيله و بحب الخير للجميع و بشكل عام عالم أفضل.
مثلا فى تفسير ظاهرة الرعد يرى المثالي بأنه غضب الله بينما المادي يرى انها شحنات طاقة متنافرة انتجت الرعد و نرى مثالا آخر و ذلك فى تفسيرهم لظاهرة الغنى و الفقر يقولون أن الغنى هو إنسان مدبر لذلك هو غني بينما الآخر كسول و لا يدبر أمواله لذلك هو فقير مع تناسي أنه جاء إلى هذا العالم و هو مثقل بالديون.
بإختصار إذا نحن تقبلنا تفسير مثالي لوجود الأغنياء و الفقراء فليس باليد حيلة و لكن إذا تسلحنا بالفهم المادي للمجتمع فسنبدأ فى البحث عن طريق لتغيير المجتمع.

المادية الجدلية و المادية الميكانيكية :

فى حقبة اليونانيين القدماء كان ينظر إلى الذرة كأصغر وحده فى الوجود لا تقبل التقسيم بأنها الأصل فى الأشياء وكانت هذه ثورة فى ذلك الزمن و لكن الان هذة ليست حقيقه فمثلا لا يمكن أن نقول بأن الأصل فى الفكر هو الغذاء و إنما المواد العضويه وتفاعلاتها الكيمائية مع الجسد و المخ و لا يمكن أن نردها إلى سبب بسيط "مادية ميكانيكية" لذلك ينبغى أن ننظر إلى

العالم ، كمركب عمليات لا كمركب من أشياء جاهزة مسبقا
الجدل يعني ان ندرس الأشياء كما هى عليه حقا ، فى علاقتها المتداخله و حركتها الحقيقية.
الجدل الحقيقي على حد تعبير لينين يتقدم عن طريق التحليل التفصيلي الدقيق للعملية بكل تحديدها، القضية الأساسية للجدل هى أنه لا توجد حقيقة مجردة فالحقيقة دائما محدده؛ اي إننا لن نصل إلى حقيقة الأشياء سواءً فى الطبيعة أو المجتمع بإكتشاف خطة عامه، صيغة مجردة ما و إنما بمحاولة اكتشاف ما هى القوى التى تعمل فى كل عملية و ما هى علاقتها ببعضها البعض وما هو صاعد ونام وما يموت وعلى هذا الأساس نصل إلى تقدير للعملية ككل.

من الواضح أن الثقل الأساسي بحجة إنجلز هو أن الماديين يجب أن يصوروا العملية التاريخية بشكل سليم ودقيق، وأن الاصرار على اختيار الأمثله التى توضح صحة القضية الثلاثيه ليس سوى بقايا الهيغلية، والحق انه حالما نعلن أن محاولة إثبات اي شئ عن طريق القضايا الثلاثيه امر أحمق فاي مغزى سيظل لأمثلة العملية الجدلية؟!
ان كل من يقرأ تعريف إنجلز و وصفه للمنهج الجدلي سيجد أنه لا يذكر ثلاثيات هيغل و أنه ينتهي إلى النظر إلى التطور الاجتماعي كعملية تطور طبيعيه تاريخية و ما سماه ماركس و إنجلز المنهج الجدلي ليس شيئا أكثر أو أقل من المنهج العلمي فى علم الإجتماع، الذي يتألف من إعتبار المجتمع كائن حي فى حالة دائمة من التطور، تتطلب دراسته تحليلا موضوعيا لعلاقات الإنتاج التى تشكل التكوين الاجتماعي المعين و بحثا لقوانين عملها و تطورها.

- للمزيد راجع كتاب المادية مدخل إلى المادية الجدلية للكاتب موريس كورنفورث .... رابط الكتاب في الأعلى .

القفز نحو اليقين : من لحظة الانتظار إلى لحظة التحول .



- باسل خدر




قبل سنوات طويلة، عندما كنت أدرس في كلية الصيدلة، كان لدينا اختبار في مادة العقاقير وهي معنية بدراسة الأدوية المشتقة من المصادر الطبيعية مثل النباتات وغيرها، من أهم الأشياء التي كان ينبغي علينا مذاكرتها وحفظها هي الأسماء اللاتينية لتلك النباتات بأقسامها وممالكها وعوائلها المختلفة. كانت أسماء غريبة، تمتد لمواسم طويلة، وعلينا حفظها عن ظهر قلب، لكنني لم أكن أعرف كيف يمكنني حفظ كل هذه الأسماء الغريبة على شاكلة "فيسكس بينجامينا" وغيرها من الطلاسم اللغوية.
على كل حال، امتدت حيرتي لأيام عديدة و تيقنت أنني متجه نحو طريق مسدود قد ينتهي بالفشل في الاختبار؛ لذلك قررت ذات مساء، أن أتصل بأحد أصدقائي حتى يساعدني قليلًا في فك هذه الشفرة، فأخبرني هذا الصديق بأكثر الكلمات بساطةً: "أكتبها كثيرًا حتى تحفظها"، ثم أغلق الخط، تاركاً إياي مع تساؤلٍ ظل يلاحقني طوال تسع سنوات، كيف أعرف أنني وصلت للحظة الحاسمة، اللحظة التي ينقشع فيها الشك وأصبح ما أريد أو أحصل على ما أريد. لم يكن هكذا هو الحال مع تلك الأسماء اللاتينية والتي يمكنني التحقق من نجاحي في حفظها عبر كتابتها، هنالك أشياء تقبل القياس والتجربة وأشياء أخرى لا تقبل مثل هكذا طرق للتأكد من نجاحها، وفي نهاية المطاف حفظت أسماء النباتات ونجحت في الاختبار، لكن ذلك الموقف تركني مع اختبار آخر مازال يلازمني حتى هذه اللحظة.




قبل ست سنوات، تحديدًا في العام 2018 أصدرت ستوديوهات سوني فيلم الرجل العنكبوت عن مجلة مارفل للقصص المصورة، وكان هو الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار عن فئة الرسوم المتحركة محل تقدير كبير من النقاد والمشاهدين لعدة أسباب؛ فقد كان بطل الفيلم الذي يحمل اسم "مايلز" عطفاً على كونه أول سبايدر مان أسود اللون فقد أحدثت ستوديوهات سوني نقلة نوعية في مجال التحريك والأبعاد والجرافيك.
في نظري، لم تكن تلك الأسباب المذكورة هي أكثر ما جعلتني أعجب كثيرًا بالفيلم وأعيد مشاهدته لعدة مرات، اسرني الفيلم لسبب آخر، لأنه تناول نفس المعضلة التي رافقتني بعد تلك المكالمة مع صديقي بخصوص الأسماء اللاتينية، وكذلك لأن قصة البطل لم تكن مثل قصص الأبطال الخارقين الاعتيادية، عندما تعرض "مايلز" للدغة العنكبوت لم يتحول إلى بطل خارق على الفور، لم يجد التحكم في قدراته الخارقة على الفور كأنه عاش حياته كلها خارقًا للطبيعة، أخذنا الفيلم بيسر وبروية، استعرض حياة "مايلز" كونه مراهق صغير يركض وراء طيشه ولا يلتزم بتوجيه والديه. ثقافة الفيلم نفسها كانت رائعة، وتدل على أن صُناعه يعرفون تمامًا من هي القاعدة التي يستهدفونها وهي فئة الشباب، انعكس هذا الأمر من موسيقى الهيب هوب والزذم آند بلو التي سيطرت على الفيلم، كذلك الأزياء التي تؤكد هوس الشباب بالبراندات المختلف مثل الحذاء الذي كان يرتديه "مايلز" من طراز "نايكي".
مرّ الكثير من الوقت على "مايلز" ولم يستطع التحكم على قواه حتى أصابه الإحباط و سأل نفسه سؤالًا جميعنا صرنا نعرفه: كيف أعرف أنني الرجل العنكبوت؟ و بالطبع لا أحد يمتلك إجابة منطقية لتساؤل هذا البطل المراهق التائه الذي حاول كثيرًا بلا فائدة حتى أنه فقد الايمان في نفسه وفي الأشياء من حوله، لكن وبتتبع مسار الفيلم، تقول له أحد الشخصيات: لن تأتي لحظة تتيقن فيها أنك الرجل العنكبوت، هي مجرد قفزة إيمان.


تعود أصول هذا الاقتباس المذكور "قفزة إيمان"، إلى أكثر من ثلاثمئة عام عندما كان الفيلسوف الدينماركي كيركغارد يحاول شرح مفهوم الإله للعامة وكانت، آنذاك، موجة الإلحاد قد بدأت هجومها الشرس على الكنيسة الأوروبية مع سقوط سجن الباستيل في فرنسا و بالتزامن مع نشوء نظرية التطور لتشارلز داروين في منتصف القرن التاسع عشر. كان كيركغارد بهذه المقولة يقول أن الله مفصول تمامًا عن عالم الإنسان المادي وأنه لا يخضع للعلوم والمنطق التي يعرفها البشر؛ لذلك فإن الاعتراف بوجود الله هي أشبه بقفزة نحول المجهول، قفزة إيمان تجعلك لا تضع السقوط في حساباتك على الإطلاق، إيمان بالله الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة ولكن بأداة أخرى؛ التي هي القلب. يمكن إسقاط هذا التفكير على نفس معضلة الإنتظار التي نعاني منها، في أكثر الأوقات قتامةً عليك فقط أن تؤمن حتى لو كانت النتائج لا يمكن رؤيتها أو الإحساس بها.



عبر سنواتي على هذه الأرض، قادتني مقولة كيركغارد عبر الكثير من لحظات الانتظار الممتلئة بالترقب المفرغ، بلا جدوى وبلا سبب، وقادتني كذلك عبر اللحظات التي كنت فيها أشك بقدرتي على تحقيق أهدافي وتلك الأوقات التي كنت أفعل فيها ما بوسعي لكن بدون نتائج وبدون شيء يؤكد لي أنني قد قمت بالجهد الكافي.

ربما اسوأ شيء في انتظار التحول هو أنه يأكل الروح رويدًا رويدًا ولا يترك لك المساحة اللازمة حتى تتحرك بحرية، لتكتشف مكامن ذاتك سواء كان في الدراسة أو العمل أو في أي هواية تخصص لها وقتًا من أيامك على هذه الأرض. يقولون أن الإناء الذي تراقبه لن يغلي مطلقًا وبنفس التفكير عندما يراقب المرء نفسه بصورة شرسة فإنه يكبل مخيلته وقدرته على فهم الأشياء وفهم طريقته في فعل الأشياء والأهم من ذلك أنه سيكون جاهلًا بنفسه، عكس ما كان يقوله دكتور إبراهيم الفقي الذي ينصح بحزم: أعرف نفسك.
لاحقًا، ادركت -بالطريقة الصعبة- أن عملية انتظار التحول تعكس أبعادًا نفسية تدل على افتقار الثقة بالنفس أو عدم الإيمان بما تفعله من الأساس وهذه اللحظة، اللحظة التي تتحول فيها للشخص الذي تريده لن تحدث تحت أنظارك، لن تكون حاضرًا عندما تصبح شخصًا أفضل ربما حتى لن تعرف أنك أصبحت ما تريده إلا بعد سنوات بعيدة للغاية؛ لذلك دع الإناء يغلى متى ما يريد، دعه وشأنه وتذكر أن الرجل العنكبوت لم يحكم سيطرته على قواه إلا حينما قفز نحو المجهول، قفزة إيمان بالطريق وبنفسه وبما يريد وبالحياة نفسها.

عندما قرأ ميلتون فريدمان كارل ماركس


هنا رودُس هنا إقفز - محمد حمد



"الخطأ الفعلي في رأيي، هو الإعتقاد أنه يمكن عمل الخير بأموال الآخرين" كان هذا جزء من برقية هامة أرسلها ميلتون فريدمان إلى بينوشيه في عام ١٩٧٥، يضفي بها طابعاً قيمياً، وإن كان بشكلٍ عكسي، على ضرورة تكريس مفهوم الملكية البرجوازية عبر رفع الدعم، وتطبيق السياسات النيوليبرالية، وفي هذا القول تنازل غير مسبوق لميلتون فريدمان، كونه وصف الدعم وتدخل الدولة (بعمل الخير). ما أراده ميلتون فريدمان بشدة، وتميز بيه عن اقرانه، وحتى أساتذته رواد السوق الحرة مثل فريدريك هايك، وستيجلر، هو أنه استطاع خلق جدار دفاعي، مشكل من خليط القيمة والأخلاق والعلم، ولكن بالطبع وفقاً لمعيار ما بعد حداثي، " أي أنه لا يتأسس على أرضية صلبة، بل على تهافت نهاية السرديات الكبرى" .


▪︎تشكُل الوعي

وحتى نفهم مدخل فريدمان للاقتصاد، علينا أن نعود لنظرية كارل ماركس عن الوعي الطبقي، ونحلل بها ماضي فريدمان، وهو ابن لأسرة برجوازية، كانت تملك مصنعاً صغيراً للملابس، في راهواي/نيوجيرسي، ولم يكن نمط إنتاج الأُسرة، أو هذا الوضع الطبقي هو المحدد لمسارات فريدمان الفكرية فحسب، بل ساهم في ذلك أيضاً، المناخ المشحون للمقاومة والنضال، فقد كانت تلك الأيام، أوقاتاً غير مستقرة بالنسبة لأصحاب المصانع، التي كان ينظم فيها الماركسيون، والأناركيون من العُمال، أنفسهم ضد البرجوازية، وأصحاب العمل، في نقابات، يطالبون من خلالها، بوضع أنظمة تضمن سلامتهم، وحصولهم على إجازة في نهاية الأسبوع، وكان العمال ذوي الخلفيات المعرفية بالبنى الاقتصادية، يتجادلون في الإجتماعات التي تُعقد بعد العمل، حول الإستغلال، وحقوق العُمال، وكان فريدمان يصغي إلى تلك النقاشات بمنظار (إبن المالك)، وفي النهاية، ونتيجة للمد الثوري في تقليص الإستغلال واستجابة الأنظمة، للاقتصاد الكنزي، كمحاولة، لاحتواء الكساد العظيم، أفلس هذا المصنع، وبدأ يدرك فريدمان أن الوعي المتشدد الثائر، هو الذي سيحرس الأنظمة، لذلك ظل فريدمان يتناول الإفلاس كحالة يدرس من خلالها فوائد الرأسمالية غير المضبوطة، ومن هنا برز مؤسس مدرسة شيكاغو الإقتصادية، نتيجة لفهم تناقضات المصالح عند وعي فريدمان البرجوازي، فالوعي الطبقي كما يقول ماركس رهانٌ أساسيٌ من رهانات الطموح الثوري، ولا شك أن فريدمان كان طوحاً وثورياً "مضاداً" بالطبع، فالشيء الجديد الذي قدمه صبية شيكاغو في الإقتصاد السياسي، هو توفريهم طريقة وسردية للدفاع عن مصالح أصحاب العمل.

تنطبق نظرية الوعي، في سياق تشكل المسار الفكري عند ماركس، ولكنها، غاصت لأعمق من فهم المصلحة، فماركس ابن لعائلة يهودية برجوازية مثل فريدمان، وكما عبر ماركس في كتابه المسألة اليهودية، أن فهم اليهود لا يتم إلا عبر فهم العلاقات الإقتصادية المريبة التي تربط بينهم، وتربطهم بالعالم، ففي مرحلة من حياته، اكتشف ماركس أن السبب الذي دفع والده إلى تغيير ديانته، واعتناق البروتستانتية قبل ميلاده بعام، لم يكن عقدياً، بل كان اقتصادياً، ليحافظ والده على على مصالحه الطبقية، بعد أن انتقل إلى مقاطعة ذات أغلبية لوثرية، هنا توقف ماركس برهة، ليفهم أن كل شي يمر من هنا "وأشار لجيبه"، وبدل أن يخضع ماركس لميكانيزم الوعي الطبقي المباشر، بنهج المصلحه، ويحافظ على ثروته المعتبرة من جهة والده، وثروته الهائلة من جهة والدته "هنرييت"، التي وللمعلومية كانت واحدة من مؤسسي شركة فيلبس الهولندية philips "تُقدر مبيعاتها اليوم ب٢٧ مليار يورو" ، بعد أن تزوجت شقيقتها صوفي "خالة ماركس" من ليون فيلبس، ترك ماركس هذه القشور، واتجه لفهم الأساس الفلسفي لبنية الوعي، ودور البُنى الإقتصادية في تشكيله، وطمح بعدها لموضعة مسار التاريخ، وتحديد النضالات الأولية، لا كما تتفق مصالحه الطبقية، بل مناشداً للعدالة الإجتماعية .



▪︎النيوليبرالية كثورة مضادة

كثيراً ما أتأمل الفلسفة النيوليبرالية كحالة، تحمل خصوصية في السياق ما بعد الحداثي، نتيجة لبنيتها المتينة، على مستوى السردية، التي تحاول ألا تحصر نفسها داخل الشكل الإجرائي، والإقتصاد الرقمي المباشر، فما قدمه فريدمان وصبية شيكاغو، ومن بعدهم مافيا باركلي (اقتصاديو جامعة كاليفورنيا)، لم يكن أطروحة للدفاع عن المصالح، عبر تخفيض الأجور، وزيادة عدد ساعات العمل، بقدر ما هو سعي إلى بلوغ أنقى شكل ممكن مما أسموه "الديمقراطية التشاركية"، وهو المصطلح المنمق لحرية السوق، فلما أرادت القوى الإشتراكية، واليسارية عموماً، تحرير العمال، والفلاحين، واصحاب الياقات الزرقاء، من أصحاب العمل، والمواطنين من الدكتاتوريات، والبلدان من الإستعمار، أراد فريدمان " الحرية الفردية "، ويقدم فريدمان نموذجه المتعالي عن الجماعة، بحيث يستطيع الفرد التعبير عن حريته المطلقة في خياراته الاستهلاكية.

▪︎مدرسة شيكاغو وكومونة باريس

ونستطيع أن نعي هنا أن النيوليبرالية نموذج مضاد، ولكن كونها ثورة، هو محل العجب، وهذا ما جعلها تتفوق على النموذج الرأسمالي الجامد لفريدريك هايك، والسبب في هذا؛ أن ميلتون فريدمان قرأ ماركس، بل استطيع أن أدعي بجرأة أن فريدمان من الاقتصاديين القلة الذين أستطاعوا توظيف فكر ماركس، في اطروحاتهم الإقتصادية، وهو في هذا يتفوق بمراحل على جوزيف ستالين، ولكن ما تعمله حقاً فريدمان هو البعد الفلسفي، والأدب الثوري، وخصوصاً، في قطيعته مع فيورباخ، والقروندريسا أو ما نُسميه "نقد الإقتصاد السياسي"، بالإضافة طبعا لمجلدات رأس المال، فهذه الأعمال، كانت تذخر بالروح الثورية، رغم طابعها العلمي، والرياضي المضجر، اضف إلى ذلك أنه شاهد النقابات والحركات الماركسية تقوم باغلاق معملهم الخاص لصنع الأقمشة، وما دل على تأثر ميلتون بماركس هو حديث دون باتينكين عن (العم ميلتي) كم يحب أن يسميه صبيه شيكاغو، عندما كان طالباً في كلية الاقتصاد في الأربعينيات، يقول : 《ما كان مثيراً في الأمر، هو استخدام العم ملتي، الصفات نفسها، التي جعلت الماركسية جذابة، للعديد من الشبان في ذلك الوقت، فكما كان الماركسيون يتأملون بقيام عالم مثالي للعمال، كذلك كان صبية شيكاغو، يتطلعون إلى عالم المشاريع التجارية المثالي الخاص بهم》، فالعم ميلتي ظل يقدم نظرياته الاقتصادية كما قرأناها في كتبه بشكل عجيب، فقوى العرض والطلب والتضخم والبطالة ثابتة وراسخة تماما وكأنها جزء من قوى الطبيعة، ونجح صبية شيكاغو نجاحاً باهراً في ثورة البزنس، ضد الدولة وضد المجتمع، وعايشوا أولى نجاحاتهم الإجرائية، عندما رأى الأطفال في تشيلي، أن مدارسهم الحكومية تحولت إلى مدارس خاصة، ممولة بالقسائم النقدية، وعندما فقد الطفل التشيلي وجباته اليومية، المكفولة له من مال الدولة، وذلك بعد الانقلاب العسكري الدموي الذي قام به بينوشيه المذكور في مطلع المقال، ضد الزعيم الإشتراكي الشهيد سيلفادور آليندي، لقد كان هذا التحول الرأسمالي الأكثر جذرية في العالم، وعُرف فيما بعد باسم "ثورة مدرسة شيكاغو". ما ينشأ عن سياسات مدرسة شيكاغو هو تحالف نافذ بين عدد من الشركات الكبرى، وطبقة من السياسيين الأثرياء، يشكل هؤلاء النواة الحقيقية للنظام الحاكم، في الصين يُسمون البرينسوليغ، وفي روسيا الاوليغارشية، وفي التشيلي البيرانا، وفي كوريا التشايبول.

وفي المقابل أي في الجانب السليم من التاريخ فقد عايش ماركس أولى مشاريعه وأفكاره في مدينة باريس، قبل ذلك بمائة عام تقريبا في ١٨٧١، عندما إعتلت الطبقات الكادحة السلطة، وعُرف حينها بكومونة باريس، ولكنها لم تدم لأكثر من ثلاثة أشهر. من جانبه تمثل فشل فريدمان في عدم قدرته على إقناع الأنظمة في شمال الكوكب بتبني نموذجه كما يقول الكتاب، فجميع نماذج فريدمان العملية، كان حيِّز تنفيذها هو العالم الجنوبي البائس، وقد حاول فريدمان، استنجاد إدارة بوش، بعد فياضانات نيو اورلينز في ٢٠٠٥ لتطبيق اصلاحات جذرية، فقد نهض العم ملتي البالغ مع العمر ٩٣ عام، أي قبل وفاته بعام، واستجمع قواه، ليكتب مقالاً في صحيفة "وول ستريت" يدعو فيه لتخفيض انفاق الدولة على مشاريع اعادة الأعمار، والاستعاضة عنها بقسائم نقدية توزع على السكان ليتم انفاقها على الأسواق الخاصة، ظل فريدمان يحاول اجتثاث ما أسماه " الارتباط اللاعقلاني بالنظام الإشتراكي"، ولكنه فشل ذلك على الأقل في بلده .


▪︎هل قرأ فريدمان .. كارل ماركس ؟

الحقيقة أن فريدمان لم يذكر ماركس في أطروحاته إلا نادراً، وكما أطلقت إدعاءً يقول أن فريدمان من القلة الذين استفادوا من كارل ماركس في إحياء مشارعيهم الاقتصادية، أُطلق إدعاءً آخراً، أن فريدمان كاقتصادي لم يستطع فهم ماركس بشكل كامل، وقدا بدا هذا جلياً في كتابه (الرأسمالية والحرية - ١٩٦٢)، الذي يُمكن أن نسميه على سبيل التهكم "البيان النيوليبرالي"، فقد قدم نقداً "أي كلام"، ضد نظرية فائض القيمة، والإستغلال، وتحدث في صفحات وصفحات، عن أحقية الرأسمالي في تلك القيمة، ومضى فريدمان إلى أبعد من ذلك حتى نصب نفسه مدافعاً شرساً عن النظرية الإقتصادية "النيوكلاسيكية"، التي تُعد لمن لا يعلم النظرية الرأسمالية المسؤولة عن الكساد العظيم the great depression سالف الذكر، وهو كساد اقتصادي عالمي حاد حدث خلال ثلاثينيات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينيات انطلاقًا من الولايات المتحدة، ليجلب معه أكواما من السلع الراكدة ومئات من البنوك المفلسة والبطالة لثلثي السكان في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. ظل فريدمان على هامش التاريخ خلال تلك الحقبة، وأخذ نجمه بالصعود بعد قرارات نيكسون بفك ارتباط الذهب والدولار، وتُوج مع انقلاب بينوشيه، رغم أن بنوك تشيلي أفلست بعد الانقلاب بثمان سنوات فقط، ثم جاءت أزمة الثمانينات (١٩٨٧ الإثنين الأسود)، والانهيار الحاد للسوق العالمية، خلالها تحول فريدمان إلى رجل المرحلة، فبعد أن كانت الأزمة في الكساد العظيم هي غياب الدولة، تصدى فريدمان

لالغاء هذا العبء من على أكتاف الطبقات الحاكمة، وتزامن هذا مع أفول الإتحاد السوفييتي، وضعف الحركات السياسية في المعسكر الاشتراكي، وصعود، تاتشر في بريطانيا وريغان في امريكا لسدة الحكم، والمعروف أنهما من أشد القادة إيماناً بمشروع فريدمان، وفي طرحه لمخططه، لتجاوز الأزمة، قدم فريدمان مبرراته لتاتشر بقمع نقابات العمال وتطبيق عقيدة الصدمة، ولريغان التكيف مع وجود البطالة في المجتمع وعدم محاربتها، لان وجود البطالة ضروري للنمو الرأسمالي، وهذا طرح قديم قدمه كارل ماركس في أكثر من كتاب وأسماها ظاهرة (جيش الإحتياط) وهو جيش من العاطلين للحفاظ على الأجور عند قيمة مستويات متدنية، وهنا يتضح أن فريدمان إما انه وقع في مناقضة نفسه، لنقده نظرية فائض القيمة والاستغلال، لانه لم يفهمها، أو أنه فهمها ويريد إستغلالها، وهذا غير مرجح، لان فريدمان إذا كان قد فهم ماركس، فلن يقع في خطئه الكارثي الثاني، وهو تمسكه بالنظرية النقدية، التي تحاول فرض هامش قليل تستطيع الدولة من خلاله التحكم بمسارات النقود في خزائنها، وهذه النظرية، كان قد مزقها إنجلز في المجلد الثالث من رأس المال، ولو كان في عمر ميلتون بقية لشهد إنهيار النظام الرأسمالي في ٢٠٠٨، ولارتعد خوفاً من شبح ماركس الذي عاد من انقاض فوضى الرأسمالية والنظام العالمي، وهنا رودُس هنا إقفز .

ثم تتناول في مقدمتها والتي تحتوي على عنوانين جانبيين او فرعيين اولهما احداث الزمن الضائع .
تناولت في هذه الفقرة احداث انقلاب ٨٩ من قبل الاسلاميين وتغول الجيش على مقاليد الحكم بإنقلابهم على الحكومة الديمقراطية والتي كانت تمر بأزمة اقتصادية وسياسية وواكبتها احتجاجات واضرابات عامة وذلك بسبب بعض العوامل الخارجية المتمثلة الحصار الاقتصادي الذي وظفته وكالة العون الدولية والاستثمارات الاجنبية .

الجيش والسياسة الداخلية:

التساهل في حكومة الصادق والتى بسبب اخفاقاتها حصل فراغ دستوري حيث كانت السلطة ملقاة على الارض وكذلك عدم مراقبة الجيش الذي تسيس بالكامل وان الاسطورة الدارجة على ان الجيوش ينبغي لها الا تكون مسيسة هي واحدة من احابيل الحسابات الخاطئة في سياسات العالم الثالث والرابع وظل هذا التصور حتى بعد كل تلك الانقلابات العسكرية وكأن الجيوش ظاهرة خارج الخارطة السياسية المحلية وفي تضاد كامل معها، ذلك ان الحكومات العسكرية كانت دائماً تحل محل الاحزاب السياسية وتظهر العداء لجماعة السلطة السابقة لها وجميع الانقلابات وكانت عبارة عن توجيهات حزبية محلية بواجهة عسكرية .

النظام الكوني الجديد واشواق الماضي:

حددت الكاتبة الالتباس بشأن الازمة الاقتصادية والتى بدأت في التفاقم نتيجة للحلول الجزئية والمؤقتة، بخناق المجتمع الدولي من المراكز المتروبولتيانية وامتدادتها المباشرة والبعيدة واذابة الثقافة الاسلامية في المشروع الغربي بحيث جعلت الاسلام اداة لتمرير مشروعها واستخدامه وتركيزه على ظواهر فوقية لا تقترب للمشكلة او السبب الرئيسي لها وهي بعض تطبيقها للاحكام والشرائع مثل حد الزنا والردة وانتشار الحجاب بالصورة التي عليها الان . وكذلك الاسلام السياسي لا يمكن اعفاءه في بعض تحققاته في المنطقة من الاذعان للشروط التي وفرها الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي القادم من الغرب بوكالة حلفائه الاقليميين من الانظمة الخليجية وخاصة السعودية عبر مكافحة خطر الثورات الشعبية بإسم العداء للشيوعية .

الفصل الاول : أدوات الاتصال واشكال التآمر

احتوى هذا الفصل على مباحث عدة فيما يخص ادوات الاتصال وعولمتها لخدمة رأس المال عابر للحدود متعدد الجنسيات وكيفية استغلالها وتسخيرها لخدمته بحيث حشرت الافكار والنظريات في التخصص الضيق واللاتحيز ومن هنا تجزأت الحقيقة وشوهت وانشطرت الى مراكز نفوذ يتصارع فيها العلماء ويدافعون عن مناطق نفوذهم ، كما يتم الدفاع عن الملكية الخاصة وكل ذلك على عهد رأس المال الخاص .
وايضاً بينت الكاتبة في هذا الفصل سيطرة رأس المال عابر للحدود ومحاولته لخلق امتدادات على شاكلته مثلما حاولت البرجوازية الوطنية ان تخلق برجوازيات مثلها وتصدر نموذجها كمعيار قيمي .
ايضاً ارتباطه بالدولة والبحث الاكاديمي فأصبح كمطور متقدم من مراحل نمو رأس المال واضفى الى نفسه بعض الخصائص وهي :
_ انه يتخطى الحدود _ يرتكز على ثورة معلومات غير مسبوقة _ يتراكم فوق رأس الدولة القومية وسوق الاسهم والسندات ولا تملك الدولة سلطة او سيطرة عليه ولا تفرض عليه ضريبة او اي حواجز جمركية، وكذلك اضحت البحوث تستجيب لشروطه واحتياجاته واستخدامه لمناهج البحث الاخرى واعطاء اسماء جديدة كما حصل للمنهج الماركسي حيث سمي الصراع الطبقي (الشد او الضغط) الاجتماعي والتقسيم الطبقي سُمي المجموعات او الجماعات او الفئات او الصفوة والجماهير بالمرجعية .
وكما تدرس ايضاً هيمنته على اجهزة الاعلام بقولها ان الهيمنة الاعلامية ايضاً هيمنة فكرية تستقطب الاهمية المحورية فيصبح الانتاج المحلي / الفردي للكاتب / المحلل والباحث اما متخلفاً عن متابعة الاحداث المتتابعة او مردداً التحليلات التي تقدمها ادوات الاتصال المدولة بامكانات معاصرة غير مسبوقة فالتغطية الوثائقية للاحداث وبإحصاءات ومعلومات طازجة وشاملة وجامعة توفرها تكنولوجيا لا تتوفر للافراد او المراكز الوطنية للبحوث والدراسات .
وكذلك شرحت النظرية التآمرية التي تتم على دراسة الفقر بحيث تنشيء مراكز للدراسة وتقيم ورش بمنصرفات عالية جداً وبمقدمين وخبراء تنعدم فيهم الكفاءة والخبرة وقد لا تكن لهم صلة احيانا بالمادة المقدمة ولا تتناول فيها اس المشكلة وانما اهدار للوقت ونتائج صفرية تماماً، والهدف من تلك الهيمنة الآيدلوجية، هي شرح ظاهرة الفقر كظاهرة فردانية بمعزل عن سياقات السياسة وعلم الإجتماع .

الفصل الثاني : رأس المال العابر للحدود، وأُصولية السوق

ترى الكاتبة في هذا الفصل كيف يتكون رأس المال الهارب والركائز الاساسية التي ينبني عليها كاستقطاب الغنى والاقتصاد العبودي وتلخيص دور المجتمع المدني واختزاله في الواجهة فقط وفي العالم الثالث والربع هو تسلط الجيوش النظامية على الاقتصاد بإنشاء مؤسسات اقتصادية عسكرية بإستغلال نفوذهم في البلد المعني ومكانتهم فيه بإشتراكهم مع الشركات متعددة الجنسيات في صناعة وتجارة الاسلحة وغيرها من عمليات التخريب الاقتصادي الممنهج

بشروط هذه الشركات .

وكذلك ازمة الديمقراطية او فشل تكونها واضعاف دور الاحزاب الساسية وتخريب برامجها واغلاق المسار والسياق النشوئي امامها ببدائل كالمنظات الغير حكومية NGOs والاندية الثقافية وبعد اللوبيهات القائمة على اساس التخابر والعمالة . وكذلك ظهور اليمين الجديد وبتمويل اقليمي يعمل على اعادة الهيكلة او الهندسة الاجتماعية و الاقتصادية ، العسكرية السياسية والفكرية لفئات مهمة في المجتمع السوداني في اطار ما يمكن ان يرد الى التآمرية للتنمية في اطار مقولات النيوليبرالية والتي يشار اليها هي الاول وبلا رؤية فكرية وتحليلية، وفي خضم كل هذا تماهي اليسار التقليدي وتغييبه وتقليص دوره وكذلك اختلال الحركات الدينية والأصلوية، كجزء من أزمات المجتمع المدني والثقافة السياسية .

الفصل الثالث : الليبرالية الجديدة والتشكيلات الاقتصادية الاجتماعية .

ونورد هنا تعريف موجز ومن غير تشويه، للنيواليبرالية، ونقول أنها آيدلوجيا، أو منظومة فكرية، تسعى لتعزيز الرأسمالية المطلقة، عبر إلغاء دور الدولة (وتحويلها لوضع أقرب أن تكون شركة) لتمكين السوق واتاحة الحرية المتناهية للتحكم بأي شيء، وهو مسار سياسي ومشروع برجوازي، يسعى لتطبيقه القلة الثرية من المجتمع، ويتم تطبيقه بمساعدة مؤسسات الإستعمار الجديد وأبرزها، (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الوكالة الأمريكية للتنمية)، وهذا النظام الاقتصادي يخلق ارتباط وثيق بين الدولة والنظام العالمي، وبالتالي يؤدي إلى تبعية النظام واختطاف قراره السياسي، ومن ثم يتم التحكم بالأدوات التشريعية في الدولة، وتمرير سياسات تلغي هوية المجتمع، وتفككه .

تحدثت الكاتبة عن المجتمعات ما بعد الرأسمالية وما بعد الصناعية وكيف كان اليمين الجديد يصدر مقولات سياسية لا تستند لأي سند اقتصادي او اجتماعي، وفي هذا المفصل طرحت الكاتبة محاولة إلغاء الوضعية الطبقية للعمال، أي باستحداث نموذج جديد لقوى الإنتاج، يُعد عمالة صناعية وليس طبقة (بالمعنى الماركسي)، وذلك نتيجة لعولمة golbalizing سوق العمل، حيث ارتفعت نسبة العمال الصناعيين، في مجتمعات لم تكن تدرج في عداد المجتمعات الصناعية .

كذلك ضمور الدولة القومية في الاقتصاد وتحول الانتاج الى عبودي وقيامه على الاستغلال للطبقات المنتجة، وايضاً ظهور الدولة السمسارة وشيوع منوال المراكمة عابر الحدود والفئات الاجتماعية السمسارة و اعادة الانتاج من خلال البعد المالي وبيع المال كسلعة، فمن أهم أبعاد رأس المال عابر الحدود، هو البعد المالي الربحي الربويUsurer،وهذا البعد تأتى عن نزوح رأس المال، نحو المراكمة من خلال المضاربة والقروض بالفائدة الباهضة، أي بالمتجارة بالمال كسلعة، أكثر من المراكمة من خلال الإنتاج والتوزيع.

وتطرقت ايضاً لمفهوم الدولة القومية وكيفية تشكلها في البلدان غير الصناعية والسودان نموذجاً لهذه الدولة ورجعت ايضاً لنشوء الدولة السودانية في وادي النيل وهي الدولة المركزية بجوانبها وابعادها المتعددة ومن ضمنها البعد العبودي وكذلك مفهوم الدولة التدخلية والمشاركة الشعبية في ظل سقوط اليمين التقليدي واليسار التقليدي، كمان نوقش في هذا الفصل موضوعٌ هام، وهو الأساس اللا تكافئي في علاقات التبادل التجاري الرأسمالي، بين الأنظمة والأنظمة الصغرى، مما يقود إلى محورة الإقتصاديات المحلة حول مفهوم قاصر يُدعى التنمية، فالتمنية عند صفوت بالمعنى الاقتثادي لا يمكن أن تُوجد داخل بنية النظام الرأسمالي، ولكن بالمعنى الرأسمالي فالتمنية لها ثمن يجب أن يدفعه الفقراء، ويجب أن يكون ذو طابع إنتقائي، فرأس المال إذا فعل أي شيء غير ذلك يكون قد هزم نفسه، في القسم الذي يليه لخصت الكاتبة، الاشكال المتعددة للدولة والانتاج، واعادة الانتاج بأنظمته المختلفة والاختلالات والشروط في شكل جداول واشكال بيانية وتضمنت هذه الجداول شرح عام لما سبق .

الفصل الرابع : اليمين الجديد في المنوال السوداني

تناولت في هذا الفصل موقع السوداني الجغرافي والذي يعتبر في مفترق طرق او نقطة تقاطع للكثير من التيارات والثقافات وكذلك وجود الصوفية في سنار ومراحل انتشار الدين الاسلامي حتى اصبح ديناً رسمياً للدولة ، وتنيويعات المنوال السوداني وعن عملية الاستقطاب الايدولوجي العنيف والديون الاجنبية، وايضاً الاستعمار وتسيس الاسلام السوداني (حيث كيف شجع الانجليز الصوفية ودعموا الطوائف وقاموا بتسيس اكبرها وهي طائفة الانصار وطائفة الميرغنية .كانت الحملة الانجليزية المصرية التي جاءت من اجل القضاء على المهدية بتوظيفها او اتباعها اسلوب الحصار الاقتصادي الطويل .) وكذلك تداخلية الدولة الحديثة لصالح الاستثمارات الاجنبية وكيف تعكس تاريخ تطورها وكأنها تكرار لروتين سابق لها .

وتأثير الديون الخارجية على الدولة ونظامها واختلال التوازنات الحاصلة فيها واعاقة تقدمها وكيف تردى الوضع الاقتصادي في السودان لدرجة كاد ان يصل حد الافلاس وتراكمت ديونه الاقليمية واصبح فريسة سهلة لدى الدائينين في عهد حكومة الصادق ومألات سقوطها كما اشرنا سابقاً .

الفصل الخامس : الدولة والتحالفات الاجتماعية والنظام الكوني
ترى الكاتبة ان الاوضاع التى يعيشها السودان اليوم هي نتيجة لأسباب تم التمهيد لها سابقاً و على المستوى المحلي اتصال الحركات الوطنية ارتباط الاحزاب الكبيرة منها بالخارج كدخول الاسلام السياسي عن طريق مصر والشيوعية كذلك انشاء حزب الامة و بتمويل بريطاني وذلك من اجل المنافسة والتوزان بينه وبين ختميين ال الميرغيني الموالين لمصر انذاك ثم طال امتداد الاداء الى الان المتمثل في موالة حزب الامة للاخوان المسلمين الذين يكنون عداء مبالغ لمصر وانظمتها المتعاقبة . وايضاً تناولت الالحقاق الجبري للدولة السودانية للنظام العالمي وذلك بسبب تورط السودان في عهد الحكم العسكري الثاني وسقوطه في احلولة التكييف الهيكلي وسياساته وقروضه وما تبعها من برامج التنويع الاقتصادي لفرض شروط الاعفاء من بنك وصندوق النقد الدوليين . مما ادى الى هجرة العمل والمشاركة الشعبية ،" وبالنظر الى القوى الاقتصادية والسياسية يمكن افتراض ان الاسلام السياسي على الاقل له بعد دولي ومتعدد الجنسيات من ناحية امكانات مراكمة كل من ابعاده الايدولوجية وقدراته المادية . ويمكن القول بأنه بعد من ابعاد الانتاج الرأسمالي/ الريعي وعملية من عمليات اعادة انتاج النظام الكوني في المنطقة العربية التي تدين بالاسلام بوكالة رأس المال العربي وتحت وصاية الايدولوجية .
وكذلك الدور الواسع الذي لعبه الاسلام السياسي وبلجوءه للعنف احياناً والضغط على عمال الارياف وتهجيره للعمالة والاتساع الحضري الى ان وصل الامر الى ثورة الخبز وايدولوجية الهوامش .
ويأتي الفصل السادس مأزق الاسلام السياسي نتيجة للاخفاقات الكثيرة جداً ومنها ابقاء رأس المال الاسلامي السياسي في الخارج في الوقت الذي يعاني فيه السودان غياب للاستثمارات وازما اقتصادية تتفاقم يومياً او ما سمته الكاتبة بأورداليا رأس المال الهارب .وايضا منطق الجماعة الضاغطة والتى افتقد الانسان السوداني لأبسط الحقوق المتمثلة في حق العلاج والتعليم وانعدام فرص العمل لتوفير الغذاء . وكذلك من سجل الانقلابات والديمقراطية الشرطية .

وتختتم خديجة كتابها بفصل يحمل عنوان سقوط اليمين واليسار واعاقة الديمقراطية، وتعدد فيه مجموعة من الاسباب واهمها الارث الديمقراطي البرجوازي وفرض الديمقراطية الليبرالية وظاهرة التعددية الحزبية والتي هي عبارة ظاهرة لوجود غير حقيقي وكذلك من بين تلك الاسباب الاحلال الثقافي وافقار الدولة اقتصادياً واجتماعياً وعزلها عن مصالح الشعب .