ناصر قنديل @naser_qandeel Channel on Telegram

ناصر قنديل

@naser_qandeel


قناة غير رسمية للأستاذ ناصر قنديل، لا یديرها الأستاذ قنديل، بل يديرها شخص مهتمّ بالشأن السياسي في المنطقة العربية والعالم . . أهلاً بكم جميعاً.
.
للتواصل، أضغط على هذا البوت، وأكتب ما تريد:
.
http://t.me/Naser_Qandeel_bot

ناصر قنديل (Arabic)

ناصر قنديل هو قناة تيليجرام تهتم بمجال الأدب والثقافة. تهدف القناة إلى تقديم مقالات ونصوص أدبية تثري معرفتك وتوسع آفاقك في عالم الكتابة والفن. إذا كنت من محبي القراءة وترغب في اكتشاف كتاب جدد وتبادل الأفكار مع مثقفين آخرين، فإن قناة ناصر قنديل هي المكان المثالي لك. يمكنك المشاركة بمقالاتك الخاصة أو قراءة تحليلات أدبية متنوعة مقدمة من أعضاء آخرين. سجل الآن في قناة ناصر قنديل واستمتع بتجربة فريدة من نوعها في عالم الأدب والثقافة.

ناصر قنديل

03 Feb, 20:25


تكملة ...

هؤلاء البسطاء والفقراء قواعد علوم السياسة والحرب والاستراتيجيات.
– عظمة السيد نصرالله، أنّه سيد فلسطين، وأنه ترك لفلسطين تياراً عربياً إسلامياً كبيراً يؤمن بصواب خيار المقاومة وواقعيّة زوال الكيان، وترك لفلسطين مقاومة مقتدرة حكيمة وشجاعة في آن، تعلّمت من السيد أصول الحرب والسياسة وفنونهما ومناورات التفاوض والتربّص، وقيمة الوقت وذكاء التوقيت، لذلك من حقنا أن نحزن لفقدانه ونحن نفرح له بنيل ما أراد وتمنّى، ولكن دائماً بثقة أن المقاومة بخير وأن سلاحها معها وبخير وشعبها معها وبخير، وأن طوفان الوفاء للسيّد يوم التشييع هو طوفان آخر لفلسطين.

ناصر قنديل

03 Feb, 20:25


عظمة السيد نصرالله



...



 
– لم يعرف العالم العربي والعالم الإسلامي شخصيات تركت تأثيراً جارفاً في نفوس الملايين مثل السيد حسن نصرالله إلا مع جمال عبد الناصر والإمام الخميني، حيث كان لحضور هذه الشخصيات سحر التأثير في قلوب الملايين وعقولها. وكان للخطابة عندها قدرة استثنائيّة على جذب الملايين وصناعة الحدث بخطاب، ومع رحيل مثل هذه الشخصيات فراغ كبير وشعور بالحزن والإحباط.
– ما من شك في أنه بالرغم من رحيل جمال عبد الناصر وبالرغم من غياب تيار ناصريّ مؤثر يصنع السياسة من بعده ويواصل مسيرته في صناعة القرار العربيّ، إلا أن فكرة الوحدة بين البلاد العربية وفكرة العروبة كهوية جامعة، والوحدة بين بلدين عربيين أو التكامل بينهما، بقيت جواباً دائماً على حال التشتت والضعف التي يعانيها العرب ويشعرون بسببها بضآلة تأثيرهم في العالم، الذي بات مجموعة من التكتلات الكبرى، ولا يزال عبد الناصر ملهماً للكثيرين في التفكير والسعي لإحياء مشاريع وحدويّة بصيغ محدّثة كردّ على السؤال حول كيف يمكن للعرب أن يكون لهم تأثير في العالم الجديد؟
– لا تزال شخصية الإمام الخميني فاعلة ومؤثرة رغم عقود على رحيله، لأن الدولة التي بناها عبر ثورته نمت بغيابه مع خليفة ثابر على خطى نهجه، ومؤسسات فكرية وسياسية وعسكرية حملت هذا النهج، وبنت دولة مستقلة قادرة صنعت من إيران لاعباً إقليمياً ودولياً غير قابل للتجاهل. ولا تزال رمزية الإمام الخميني للثورة الشعبيّة السلمية القادرة على هزيمة نظام بقوة نظام الشاه، تلهم كل مَنْ يفكّر بمفهوم للثورة الشعبية السلمية، كما تمثل تجربته علامة فارقة في إعادة تقديم الإسلام كصانع حضاريّ سلميّ للسياسة في العالم الجديد، من موقع الاستقلال السياسي وخصوصية الهوية الثقافية ونموذج العقائدية المنفتحة.
– في مسيرة السيد حسن نصرالله وصولاً إلى سياق استشهاده، حقيقة واحدة تتحرّك اسمها فلسطين، ومع كل التقدير للدور الذي قامت به القوى الفلسطينية المقاومة، فإن إعادة طرح القضية الفلسطينية في الخطاب العربيّ المؤثر، وبناء تيار شعبي عربي وإسلامي وعالمي، بعدما نالها من التهميش ومشاريع التصفية ما جعلها في آخر جدول الأعمال، حتى كاد يطويها النسيان، وكانت مثابرة السيد على إعادة تقديم القضية الفلسطينية وربط مصائر استقلال كيانات المنطقة واستقرارها بها، عاملاً حاسماً في تكوين تيار شعبيّ كبير يستعيد علاقته بفلسطين، وينظر إلى المقاومة كخيار فكريّ وثقافي، كما صاغته كلمات السيد نصرالله بمهارة وعمق وقدرة استثنائيّة على الإقناع والدخول إلى القلوب والعقول، وتوظيف قوة المقاومة في لبنان وانتصاراتها لخدمة تعميم فكرة فلسطين وربط مستقبل العالمين العربيّ والإسلاميّ بتحريرها وحرية شعبها.
– لقد نجح السيد نصرالله مرّتين، في جعل قضية زوال “إسرائيل” قضية واقعيّة، بعدما كان اليأس قد بلغ حد اقتناع غالبية كاسحة عربياً وإسلامياً بأن القضية الفلسطينية انتهت. فقد نجح مرة أولى عندما وظف انتصارات المقاومة وقوتها في لبنان لطرح مستقبل قدرة “إسرائيل” على البقاء في عقول المستوطنين الإسرائيليين أنفسهم، حتى أمكن القول إن المأزق الوجوديّ للكيان هو مأزق صنعه وسوّقه بين الإسرائيليين، شخص هو السيد نصرالله. ونجح في المرة الثانية عندما كرّس وقته وخطابه وانتصارات المقاومة وقوتها ليصنع تياراً شعبياً عربياً وإسلامياً يؤمن بواقعية طرح زوال كيان الاحتلال، واعتباره مشروعاً ممكن التحقيق.
– عندما قرّر السيد فتح جبهة الإسناد وتحديد شعارها بمنع هزيمة المقاومة في غزة، كان يعلم أن الهدف سوف يتحقق، كما كان في كل معاركه وحروبه، لكنه في هذه الحرب كان يدرك أكثر من أي حرب أخرى أنّها حربه، حرب فلسطين التي قد لا تتكرّر وأنه طالما أراد أن يكون شهيداً، وشهيد فلسطين خصوصاً، فإن هذه هي فرصته لنيل الشهادة، وهو لذلك لم ينصت لنداءات مغادرة مواقع كان يعلم أنها مستهدَفة وقابلة للاستهداف، حتى نال مرتجاه، لكن بعد أن تعلّم من تجارب الآخرين، وترك من بعده مؤسسة ثبت في الواقع، أنها عصيّة على الكسر والتصفية، وأنّها حزبياً وسياسياً وعسكرياً قدّمت أداء استثنائياً مفاجئاً، بعد فقدانه وصولاً إلى انتزاع نصره الذي وعد بأن مستوطني شمال فلسطين لن يعودوا حتى تخرج حماس منتصرة، فخرجت حماس منتصرة ولم يعودوا بعد.
ترك السيد نصرالله خلفه تياراً شعبياً مزوّداً بمعارف من النادر أن نجد قائداً كرّس حياته لزرع بذارها بين الناس بمثل ما فعل السيد نصرالله، حتى أننا عندما نسمع رجالاً كبار السن وشباباً يافعين ونساء مسنّات يتحدّثون عن الصراع في المنطقة، وما سمعناه خصوصاً في مسيرات العودة، نستشعر كلمات السيد ومعادلاته تتكرّر على ألسنتهم بصورة مذهلة في تسلسلها المنطقيّ وتشرّبها واحتوائها وإعادة صياغتها، وهذا النهر المعرفي الغزير والشامل ما كان متيسّراً للبسطاء والفقراء لولا أن أتاحت لهم خطابات السيد نصرالله على مدى ثلاثة عقود بذل خلالها جزءاً كبيراً من قوته لتعليم

ناصر قنديل

02 Feb, 18:32


تكملة ...

وقد سبق للبنان أن سعى قبل الحرب الأهلية في السبعينيات من القرن الماضي، لامتلاك شبكة مماثلة، والمعضلة الوحيدة هي وجود الإرادة السياسية الشبيهة بتلك التي كانت لدى النظام اللبناني السابق وليس لدى المقاومة، للسعي لامتلاك هذه الشبكة، وليكن إعطاء الأفضلية للمنظومات الغربية، وفي طليعتها الأميركية، لكن عدم التوقف عندها إذا رفضت، وعدم الاستجابة للإملاءات إذا حاولت المنع، وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية بحماية لبنان، ولنتذكر أن تركيا عضو مؤسس في الناتو واشترت شبكة صواريخ اس اس 400، ومثلها فعل أصدقاء واشنطن في باكستان والسعودية ومصر، فلم لا يفعل لبنان؟

ناصر قنديل

02 Feb, 18:32


خطاب القَسَم والمثال السوري والدفاع الجوي



...


 
يذهب بعض اللبنانيين بعيداً في عدائهم للمقاومة وحقدهم عليها، فيقولون أو يتوهّمون أن اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 لا يستقيمان دون نزع سلاح المقاومة، حتى عندما يقول الإسرائيلي إن سقف الاتفاق والقرار هو انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني، كما قال مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ويذهبون في التعليق على مواصلة الاحتلال للعدوان إلى القول إن ذلك لن يتوقف إلا حين يُسحَب سلاح المقاومة، فهل هذا صحيح؟
بمعزل عن معايير السيادة والكرامة الوطنية التي لا يجدي الحديث فيها مع أصحاب هذا المنطق، يكفي إلقاء نظرة على ما يجري في سورية، وفحص هذه النظرية، حيث لا وجود لمقاومة مسلّحة في سورية يجري استهداف البلاد بسببها، أو بحجة وجودها، وحيث ما حققه الحكم الجديد لأمن “إسرائيل” فشلت “إسرائيل” في عقدَيْن من تحقيقه، فأنهى الجيش السوري وأباح تدمير سلاحه، وأخرج إيران وحزب الله وقطع طريق إمداد المقاومة، وبدلاً من أن يلقى ردّ التحية بمثلها بكلام عن الاستعداد للانسحاب من الجولان السوري المحتل، قام رئيس حكومة الكيان باحتلال جبل الشيخ وقال إن الجولان باقٍ لـ”إسرائيل” إلى الأبد، ورغم صمت الحكم الجديد في سورية عن حق بلده باستعادة الجولان، لم يكتفِ الإسرائيلي بما فعل بل صار يجرّد كل مدة حملة توغّل لعدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى عمق قريب من العاصمة، ولم تنفع محاولات أصدقاء الحكم الجديد من تركيا عضو الناتو مع قطر صديقة واشنطن، في وقف التوغّلات الإسرائيلية.
المثال السوري يقول للبنانيين، وخصوصاً كارهي المقاومة، إن هناك طريقة واحدة لتحقيق الاستقرار المستحيل للبنان ما لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية، حتى لو تحقق الانسحاب من جنوب لبنان، وبين نصّ خطاب القسم على تأكيد حق الدولة باحتكار حمل السلاح، وهي أن يكون لدى لبنان إضافة إلى صداقاته الدولية والعربية، جيش قويّ قادر يُحسَب له الحساب. وكما قال خطاب القسم إن هذا الحق يُترجم بأن تستثمر الدولة في جيشها، لصدّ الاعتداءات وتحرير الأرض، وهذه مهمة معقدّة ومكلفة مادياً وتحتاج إلى سنوات إذا توافرت العزيمة، ولذلك قال خطاب القسم بأن المطلوب مناقشة عامة لوضع استراتيجية للأمن الوطني يكون ضمنها خطة دفاعية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وعسكرية. وهذه المناقشة تقرّر كيفيّة تأمين الحماية اللازمة للبلاد خلال المرحلة الانتقالية اللازمة لبناء الجيش القوي القادر.
المقاومة خلال هذه الفترة سوف تلتزم بضوابط تكون الدولة فيها صاحبة القرار، في كيف ومتى يكون اللجوء إلى السلاح لحماية لبنان، وعندما يكون الدور للسلاح متى وكيف يكون سلاح الجيش أو سلاح المقاومة. وكما تقول مرحلة تطبيق وقف إطلاق النار إن المقاومة لن تقوم بالمبادرة وتلقي الطعنات في الخلف، وما دامت الدولة تقول إنها مستعدّة للقيام بالمهمة فالمقاومة تقف خلفها، حتى تظهر الدولة أنها تحمّلت كامل المسؤولية ونجحت، ولم يعد ثمّة حاجة للمقاومة.
المهمة الراهنة لحماية لبنان ليست ببناء قوة برّية تواجه خطر التوغّلات الإسرائيلية، لأن لا قدرة لجيش الاحتلال على شنّ حرب برّية على لبنان بعدما تلقت قواته البرّية هزيمة يصعب إنكارها على يد المقاومة في قرى الحافة الأماميّة، وخلال سنوات كثيرة على الأقل سوف يكون ذلك بعيد المنال عن جيش الاحتلال، كما أن لبنان لا يحتاج إلى قدرة نارية توازن عمليات قصف تدميريّ كتلك التي شاهدناها خلال العدوان الأخير، وما لدى المقاومة كما أظهرته الحرب كفيل باختراق القبة الحديدية وبلوغ عمق الكيان، والوصول إلى غرفة نوم بنيامين نتنياهو وقلب تل أبيب، ومثل هذه الفرضيّة هي الأخرى مستبعَدة لسنوات.
التحدي الراهن هو أن يُقدم الاحتلال على تنظيم غارات جوية بين فترة وأخرى على مناطق لبنانيّة، بعد انسحاب قواته من القرى الأماميّة، تحسباً لنشوء مقاومة تُجبره على الانسحاب، ومنطق المقاومة اليوم يفسح المجال أمام مناخ سياسي جديد تكون الدولة في مقدّمته. وهذه فرصة لتوافق وطني يقول بأن المقاومة خلف الجيش عند الحاجة، والأرجح أن الحاجة هي حالة الحرب، وليست الاعتداءات المتفرّقة المرجّحة، وهذا يجعل مهمة الدفاع عن لبنان أشدّ بساطة تغني لبنان عن بناء جيش برّي مجهّز لمواجهة جيش الاحتلال، أو امتلاك قدرة ناريّة توازي قدرة جيش الاحتلال، وأن يعتمد على المقاومة للقيام بذلك ضمن التنسيق مع الجيش في حالة الحرب، لكن كيف يواجه لبنان، عبر جيشه هذه المرحلة من العدوان المتوقّع؟
يحتاج لبنان إلى قرار جدّي بامتلاك شبكة دفاع جوّي، وهذا النوع من السلاح أصلاً لا يمكن لغير الجيوش امتلاكه والتعامل معه، لأنه يحتاج الى بنى تحتية وأماكن انتشار وتموضع في القمم ومناطق مناسبة وفي نقاط عديدة، ونشر شبكة رادارات مرتبطة بصواريخ الدفاع الجوّي، وهياكل عسكرية لا تستطيع توفيرها إلا الدولة.

ناصر قنديل

31 Jan, 00:40


«إسرائيل» نحو معركة بين حروب


...


 
يجتمع في الأداء الإسرائيليّ العسكريّ تحت سقف اتفاق وقف إطلاق النار في كل من لبنان وغزة، ما هو استراتيجي بما هو تكتيكي، ويبدو المستوى الاستراتيجي مثقلا بحقيقة لا يزال القادة في كيان الاحتلال يحاولون إنكارها، وجوهرها إن ما أتيح لهم في هذه الحرب لتصفية قوى المقاومة، من مدة زمنية ودعم أميركي مفتوح ومناخ غاضب بعد الطوفان بين المستوطنين وفي الجيش، وكمية القتل والتدمير دون مساءلة، غير قابل للتكرار. وأن ما لم يتحقق في هذه الحرب لن يتحقق في أي حرب مقبلة، كي تكون هناك حرب مقبلة، بخلاف المناخ الاستراتيجي الذي أعقب حرب تموز 2006 وحروب غزة المتتابعة، حيث كانت كلها فرصاً للتحضير للحرب المقبلة، وها هي قد جاءت، وما لم يتحقق فيها لن يكون قابلاً للتحقق بعدها.
لدى التدقيق في الاتفاقات التي وقع عليها قادة الكيان، يسهل القول إن كل ما يتصل بوهم القدرة على القضاء على قوى المقاومة قد سقط الى غير رجعة وهو كل يوم يزداد سقوطاً مع المشاهد التي تأتي من غزة وجنوب لبنان، حيث الكتل العسكرية الفلسطينية المنظمة والهائلة العدد والعدة، والصور والأعلام العائدة للمقاومة صارت تغطي الخط الحدودي مع فلسطين المحتلة. ومثل ذلك سقط الرهان على الاحتلال وقد تم التوقيع على الانسحاب الشامل من غزة وجنوب لبنان، وكذلك التهجير سواء لبناء منطقة عازلة في قرى الحدود اللبنانية، وقد دخلها الأهالي بتحدي أجسادهم لنيران الاحتلال، واجبروه على مغادرة أغلبها، والأهم هو التهجير من غزة الذي يرتبط بالهوية اليهودية لدولة الكيان والخلل الديمغرافي لصالح الفلسطينيين يتصاعد، بينما موارد الهجرة تتراجع. ومن فشل في احتلال غزة وتهجير سكانها، على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً لا يحق له الحديث عن “إسرائيل” كبرى، ومن فشل في فرض إرادته على مقاومات لبنان وغزة لا يحق له الحديث عن “إسرائيل” عظمى، ومن صار ملاحقاً في كل أنحاء العالم بتهم الإبادة والجرائم وقتل الأطفال فقد أهليّته في الحديث عن “إسرائيل” العظيمة.
بالتوازي مع هذه الحقيقة الاستراتيجية حقيقة استراتيجية اخرى، قوامها أنّه بالقدر الذي يؤكد حاصل هذه الحرب استحالة شنّ حرب أخرى، ويجعل وجهة النقاش في الغرب نحو تثبيت “إسرائيل” عبر اعتراف عربي عنوانه التطبيع مع السعودية مع حل سياسي للقضية الفلسطينية قوامه قيام دولة فلسطينية، فإن “إسرائيل” تزداد تطرفاً بمتدينيها وعلمانييها وتنتج غالبية كاسحة تخنق أي فرص ولادة قيادة تلاقي المناخ العالمي والغربي الجديد. وهذا يعني أن الحراك العالمي سوف يبقى بلا قدمين إسرائيليتين، وأن أي شخصيّة تخاطر من داخل الكيان في معاندة الغلبة المتطرّفة سوف تلاقي مصير اسحق رابين، الذي اغتالته الجماعات التي تفرّع منها ثنائي ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
بخلفية هاتين الحقيقتين العجز عن التفكير بحرب مقبلة، والعجز عن ملاقاة أي مشروع حل سياسي، تبدو “إسرائيل” مرتبكة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في كل من لبنان وغزة، وراغبة في كل لحظة بخيار التملص، ولا يردعها إلا اليقين بأنها عاجزة عن العودة إلى الحرب. وبالمقابل عاجزة عن تقبّل حقائق الهزيمة التي يتمّ تصديرها من مشاهد غزة خصوصاً، وهي تدرك أن المقاومة في لبنان وغزة تملك الكثير من أسباب القوة، والقدرة على التخطيط والمناورة والصبر والبناء، ولا تستطيع “إسرائيل” التفرّج ولا التقاعد المبكر ولا الاستسلام.
ولدت نظرية المعركة بين الحروب لمثل هذه الحالات، وقد طبقتها “إسرائيل” بإتقان في سورية لعدة سنوات، على قاعدة لا ذهاب لحرب، ولا جمود في المكان، ولعل هذا ما يرجح أن يرسم شكل التعامل الإسرائيلي مع جبهتي لبنان وغزة خلال تنفيذ الاتفاقات وبعدها. ولعل هذا ما على قوى المقاومة بناء استراتيجية قابلة لتفكيكه وقادرة على إعادة الخلاصات الاستراتيجية لتتحكم بالمشهد.

ناصر قنديل

31 Jan, 00:37


تكملة ...

وكل هذا يعني أنها أكبر وأضخم وأهم وأطول وأقسى حروب المنطقة والكيان، ويعني أن خيار تصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية الذي سقط في هذه الحرب، قد سقط نهائياً إلى غير رجعة، لأن لا فرصة لتوفير فرص أفضل لحرب مقبلة تنجز ما لم يتم إنجازه في هذه الحرب.
– في المنطقة والغرب وفي النخبة اليهودية في أميركا خصوصاً، ثقة بأن ما تمت خسارته على مستوى الصورة العامة كبير جداً وغير قابل للترميم، وأن لا مكان لحرب مقبلة، وأن بوليصة التأمين الوحيدة لبقاء «إسرائيل» هي القبول بمقايضة الشرعية الإقليمية بقيام دولة فلسطينية، اي العودة الى السياسة، والتسليم بسقوط خيار تصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية. ولكن بالتوازي هناك رفض قاطع من غالبية النخب الحاكمة والمعارضة في الكيان على السواء لأي حل سياسي، ووقف الحرب يراد منه مجرد هدنة لحرب أخرى، لكن الكيان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما السير بخطة سياسية لقيام دولة فلسطينية بصيغة ترضي الغالبية الفلسطينية والعربية وتفتح الباب لنيل شرعية سياسية إقليمية للكيان. وهذا ما سوف يسعى الغرب وتعمل المنظمات اليهودية العالمية وربما الجيش والنخب العلمانية لبلورة قيادة سياسية جديدة حاملة لهذا المشروع والمخاطرة بانشقاق المستوطنات عن الكيان لإعلان حكومة انفصالية، وأما الدخول في خيار ثان هو الحرب الأهلية، أو خيار ثالث هو التفكك والتآكل والنزيف الاقتصادي عبر هجرة الرساميل والنزيف البشري عبر موجات هجرة العقول والنخب، كما توقعت مجلة فورين أفيرز الأميركية.

ناصر قنديل

31 Jan, 00:37


تصفية القضية الفلسطينية عسكرياً


...


 
– يصعب على الكثيرين الذين يتحدثون عن حرب الطوفان والإسناد التي عاشت المنطقة تحت تأثيرها سنة وأربعة شهور ولا تزال، وعاش العالم تداعياتها ولا يزال، الخروج من مقارنة الخسائر على ضفتي الحرب لتحديد هوية المنتصر والمهزوم. ويغيب عن بال الكثيرين تجاوز النقاش السطحي لمعنى الحرب فيكتفون بربطها بالأهداف المعلنة لطرفيها، ويستخلصون من المقارنة كفة راجحة لصالح المقاومة، مع فشل كيان الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه على جبهتي لبنان وغزة، سواء بتثبيت الاحتلال لمنطقة عازلة وما يرتبط بذلك من تهجير للسكان منها، كحال شمال غزة وشريط القرى الأمامية في جنوب لبنان، أو بإنهاء المقاومة ونزع سلاحها أو استعادة الأسرى من غزة بالقوة.
– ما يستحق التمعن في الخيارات الكبرى هو رؤية معادلة بقاء كيان الاحتلال وتفوّقه وسيادة مشروعه الاستراتيجي، ببقاء مشروع تصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية فوق الطاولة خياراً وحيداً، بعدما حسم الكيان أمره منذ قتل رئيس وزرائه السابق إسحق رابين، أن لا يسلك طريق التسويات السياسية لحل القضية الفلسطينية، واستطراداً حل الصراع مع الدول العربية سياسياً طلباً للاستقرار القائم على معادلة الأرض مقابل السلام، ليحل مكانه إعلان القدس عاصمة موحّدة ونهائية للكيان وإعلان ضم الجولان وتوسّع الاستيطان في الضفة الغربية وتحويل اتفاقيات أوسلو إلى إطار أمني لتوظيف أجهزة السلطة الفلسطينية في ملاحقة المقاومة وتغطية الاستيطان، والاكتفاء بالحصول على الدعم الأميركي لهذا المشروع، واستثمار الضغوط الأميركية للحصول على التطبيع مع الدول العربية دون أي مقابل ونسيان المقابل المنصوص عليه في المبادرة العربية للسلام والمتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان عودة اللاجئين.
– رغم وجود مقاومات فلسطينية وعربية قوية أثبتت حضورها الميداني طيلة الفترة الممتدة منذ انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان قبل خمسة وعشرين عاماً، بقي مشروع تصفية القضية الفلسطينية على الطاولة مشروعاً وحيداً، ورغم ظهور محاولات أميركية خجولة خصوصاً في ولاية الرئيس باراك أوباما لفتح الطريق لعملية سياسية تحت شعار حل الدولتين لا تصيب جوهر المفهوم الإسرائيلي للأمن، تمسكت قيادة الكيان وعلى رأسها رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو بخيار تصفية القضية الفلسطينية عسكرياً، وأغلق الطريق أمام أي بحث سياسي تفاوضي، وتحوّل هذا الخيار الى مشروع سياسي حاكم في الكيان تمثله قوى حزبية منظمة حازت على الأغلبية في الكنيست وشكلت الحكومة الحالية. ومعلوم أن قوام هذه القوى ينتسب الى البيئات الأشد تطرفاً في الكيان، والتي يقوم فهمها العقائدي للكيان على اعتبار الضفة الغربية وضمنها القدس الشرقية الأرض التاريخية للكيان التي لا مجال للتفاوض عليها أو التنازل عنها كلياً أو جزئياً.
– سار نتنياهو بحروبه الناعمة لإكمال التطبيع مع الدول العربية، وتجاهل وجود قضية فلسطينية، واعتبار التحديات التي تمثلها قوى المقاومة مجرد تهديدات أمنية يتم التعامل معها موضعياً وظرفياً، بانتظار لحظة الحسم المناسبة، وعندما خرج مؤتمر نيودلهي لقمة الدول العشرين بإعلان إنشاء طريق الهند أوروبا مروراً بالسعودية والأراضي المحتلة كان معلوماً أن هذه اللحظة تقترب. وبينما كان نتنياهو بدعم أميركي يسعى لقطف لحظة التطبيع مع السعودية، ويعقبها بالانقضاض على قوى المقاومة، وهنا جاء طوفان الأقصى عملاً استباقياً موفقاً أصاب صورة الردع الإسرائيلية في الصميم، وجاءت جبهات الإسناد تعبيراً عن إدراك تاريخية المعركة وطابعها المصيري، إما أن ينجح خيار تصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية، أو يسقط.
– قاتلت المقاومة في غزة ولبنان ببسالة منقطعة النظير، وساندت المقاومة العراقية بما استطاعت، وقدّم اليمن نموذجاً استثنائياً في إرباك القدرة الأميركية الرادعة في البحار واستنزافها وفرض إرادته عليها، وبعدما أتيحت للكيان كل العناصر التي يحلم بتوافرها للفوز بهذه الحرب، انتهى به المطاف وهو يوقع على اتفاقيات لوقف إطلاق النار تتضمن ثلاثة عناصر واضحة، الإقرار بعدم تصفية المقاومات العربية وخصوصاً الفلسطينية واللبنانية، والإقرار باستحالة تصفيتها على قاعدة إعلانه بعد طوفان الأقصى وفتح جبهات الإسناد استحالة التساكن مع مقاومات مسلحة على الحدود يعتبرها تهديداً وجودياً لا مجرد تحدٍّ أمني، ثم الإقرار بالانسحاب الكامل من جنوب لبنان وقطاع غزة، والإقرار بسقوط مشاريع التهجير خصوصاً في غزة وما تشكله من حاجة وجوديّة لكسر التوازن الديمغرافي في فلسطين التاريخيّة لصالح استعادة الغلبة اليهوديّة كترجمة لمعنى الدولة اليهودية دون فقدان صفة الديمقراطية عنها.

ناصر قنديل

29 Jan, 13:27


الانسحاب الأميركي من سورية وترامب 2025



...



 
– بالرغم من عدم وجود إعلان رسمي أميركي عن قرار الانسحاب العسكري من سورية، إلا أنه لا يمكن تجاهل الإعلانات المنشورة من هيئة البث الإسرائيلية حول أن تل أبيب تبلغت النية الأميركية بالانسحاب من سورية وأبدت الخشية على المصالح الإسرائيلية جراء هذا الانسحاب. وهذا القرار قد لا يوضع قيد التنفيذ قبل شهور، لكنه تعبير عن اتجاه لإعادة هندسة الحضور العسكري الأميركي في المنطقة، وما يترتب عليه من إعادة هندسة سياسية لموقع أميركا ودورها ومصير الحديث عن خيارات عسكرة المنطقة التي ترغب بها تل أبيب وتريد من واشنطن أن تكون شريكاً أولَ فيها.
– الإشارات المرافقة للإعلان ترسمها حركات إسرائيلية ترتبط به على الأرجح، أولها الإعلان عن لقاء يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الرابع من شباط المقبل، أي بعد أسبوع، والأرجح أن القرار سوف يكون الوجبة الرئيسيّة على المائدة، وما يترتب على واشنطن لتل أبيب كضمانات لتفادي انعكاسات مؤذية على كيان الاحتلال. وقد بدأت الإشارات تتلاحق قبل الإعلان الإسرائيلي عن الخبر، وكان أولها التغطية الأميركية لتمديد إسرائيلي لمهلة الانسحاب من جنوب لبنان، وما سيرافق التمديد كشفته الغارة على النبطية التي قالت إن التمديد هو غطاء لعمليات استهداف وقائية إسرائيلية تجاه قدرات المقاومة، وهو ما يجب أخذه بجدّية. وجاءت الإشارة الثانية عبر الإعلان الإسرائيلي أمس، عن البقاء في جبل الشيخ إلى أجل غير محدّد. وهذا التصريح على الأرجح منسق أميركياً، وسوف يكون من بنود التزامات تطلب من الحكومة السورية الجديدة، لاستعادة مناطق السيطرة الأميركيّة وما فيها من ثروات نفطيّة.
– المترتبات السورية للقرار كثيرة، أولها تفاهم تركيّ أميركيّ على شكل إدارة سورية الجديدة، يجب أن يضمن أولاً المصالح الإسرائيلية، من خلال حرية الحركة في عمق معين يتم تحديده منطقة أمنية عازلة تريدها «إسرائيل» وتلتزم تركيا بعدم تعريضها للخطر ويقع جبل الشيخ ضمنها، ومن المترتبات إنجاز تشكيل حكومة انتقالية تفتح الطريق لبدء رفع العقوبات عن سورية تدريجياً. وهذا يعني أن الحكومة يفترض أن تستوفي شروطاً أميركية معينة، يرجّح أن يكون منها استرضاء الجانب العربي وطمأنته إلى التشارك في النفوذ مع تركيا في سورية الجديدة، ولكن في قلبها موقع ضامن للشراكة الكاملة يمنح للجماعات الكردية التي تحظى بالرعاية الأميركية، سواء في بناء الجيش الجديد أو في تركيبة مؤسسات الحكم الجديدة، وفي السياق ضمان مشاركات أخرى يهتم لها الأوروبيّون.
– من التداعيات التلقائية للقرار الأميركي الذي يتخذ من عنوان نهاية المعركة مع تنظيم داعش ويقول إنّها سبب انتهاء مهمة القوات الأميركية، التساؤل عن مبرر بقاء القوات الأميركية في العراق، وقد كانت الحجة التي قدّمتها القيادة العسكرية الأميركية في طلب تأخير سحب قواتها من العراق، هي الحاجة لتقديم خدمات وحماية للقوات الأميركية في سورية، في ظل الحاجة لبقاء تلك القوات في سورية، وما دامت هذه الحاجة قد انتفت، ومثلها القتال ضد تنظيم داعش، فعلى الأرجح أن يكون قرار الانسحاب من سورية جزءاً من صفقة أكبر تتضمن الانسحاب من العراق، وما يعنيه ذلك من حاجة لتفاهمات أميركية إقليمية تطال العلاقة مع إيران، كشريك كامل في رسم المشهد الجيوسياسي في العراق، وهذا يعني ترجيح فرص ولادة تفاهمات أميركية إيرانية حول الملف النووي تنتج مناخاً من الاسترخاء السياسي الضروري لولادة تفاهم حول مستقبل العراق.
– التفاهم مع إيران، حول ملفها النووي وحول العراق، يزيل العقبات من طريق التفاهم الإيراني السعودي لإيجاد حلّ في اليمن، بما يعني أن المنطقة عموماً ذاهبة الى ترتيبات سياسية تحكمها التسويات لا الحروب، وان حرب الطوفان بما ترتب عليها قد أعادت ترتيب الخريطة الجغرافية السياسية والعسكرية في المنطقة، يمكن أن نقرأ عبرها تزامن المعاهدة الروسية الإيرانية مع زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، وكيفية التصرف الروسي خلال التقدّم نحو دمشق، على قاعدة اليقين بأن المعركة انتهت ولا بدّ من ترتيبات ما بعد التغيير في سورية، وهو ما يبدو أنه كان ضمن ترتيبات أبعد من تفاهم تركي روسي، ولم تكن واشنطن بعيدة عنه، ونحن نسمع الكلام الأميركي الروسي عن فرص التوصل إلى تفاهمات حول أوكرانيا، حيث يبدو أن ما خسرته أميركا عبر تراجع القدرة الإسرائيلية يفترض أن تعوّضه ترتيبات سورية الجديدة، بحيث يصبح الالتزام الأميركي بأمن «إسرائيل»، ضمان التسليح والتمويل وتقديم الدعم لخطوات أمنية إسرائيلية سوف تكون سورية ساحتها الرئيسية.

ناصر قنديل

29 Jan, 13:27


تكملة ...

– لن يستطيع ترامب تقديم خدمات حقيقية لـ»إسرائيل» في تهجير سكان غزة رغم الكلام الذي قاله عن مشروع استيعاب بعضهم في الأردن ومصر، ولا شيء حقيقيّ يقدر على تقديمه ترامب في معركة الضفة الغربيّة، ومعادلات إسرائيل الصعبة، هي في ثلاثة أمور: الأول التناقض بين الحاجة لتعاون السلطة الفلسطينية أمنياً في مواجهة حركات المقاومة في الضفة الغربية من جهة، ومن جهة مقابلة درجة الضعف التي تصيب السلطة الفلسطينية سياسياً وأمنياً كلما بدت أقرب للسياسات الإسرائيلية، حيث التوحّش والإجرام يصيبان كل الشعب الفلسطيني، وحيث الغياب المطلق لكل أفق سياسي تفاوضي. الأمر الثاني هو التناقض بين ما تستطيعه واشنطن من مساعدة في التطبيع السعودي الإسرائيلي كمدخل لجعل «إسرائيل» جزءاً شرعياً في المشهد الإقليميّ، وبين ارتباط ذلك بقبول «إسرائيل» السير بحل للقضية الفلسطينية يقوم على إقامة دولة فلسطينية ترفضها «إسرائيل» بالمطلق، أما الأمر الثالث والأشد خطورة فهو مصير الوضع في الأردن الذي سيتحرّك على إيقاع الانسحاب الأميركي من سورية والعراق لمزيد من الحسابات المبنية على المصالح الأمنية للاستقرار الداخلي الأردنيّ، والقضية الفلسطينية عامل حاسم في هذا الاستقرار، خصوصاً أن الضفة الغربية على موعد مع التصعيد، وأن هاجس التهجير إلى الأردن حاضر عند الأردنيين، وفكرة الوطن البديل لم تغادر عقول الإسرائيليين.

ناصر قنديل

29 Jan, 13:25


تكملة ...

– دموع جنود الاحتلال وهم يغادرون مواقعهم في نتساريم تختصر حال الفشل الإسرائيلي والشعور بالهزيمة، مثلها مثل رفض مستوطني شمال فلسطين العودة إلى المستوطنات، بينما تفسّر ظاهرة الحضور العسكريّ والإداريّ المنظم لحركة حماس في غزة الشعور بالنصر، مثلها مثل تدفق الحضور الشعبيّ المنظّم لجمهور المقاومة وإعلان رفض أي تمديد لمهلة انسحاب قوات الاحتلال، لم يعُد من مجال للنقاش حول يد مَن هي العليا في نهاية هذه الحرب الضارية.

ناصر قنديل

29 Jan, 13:25


دموع نتساريم ودماء مارون الراس



...


 
– لا ينفصل موقف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم برفض تمديد مهلة الستين يوماً للحظة واحدة بعد نهايتها، عن الصورة التي يقدّمها الحاصل الإجمالي للحرب الدائرة منذ ستة عشر شهراً على جبهتي غزة وجنوب لبنان، والمساهمة العظيمة التي قدّمتها جبهة اليمن وسائر أطراف محور المقاومة خلالها، وقد تعرّض المشهد الذي تقدّمه الحرب لعناصر الجذب والمدّ والجزر وفقاً لما شهدته يوميات الحرب بصورة جعلت القراءة الإجماليّة لنتائج الحرب حاضرة في تفسير خلفية تصرّف المقاومة في لبنان وغزة كأطراف تستشعر قوّتها رغم التضحيات والجراحات النازفة، وتعتبر أن الجراحات الإسرائيلية أشدّ عمقاً وجذرية وخطورة من جراحاتها، ما يستوجب التشدّد في منح الاحتلال أي فرصة لمداواة جراحاته أو التصرف كمنتصر لإخفائها.
– منذ اتساع نطاق الحرب في لبنان صارت الدعوة لوقف إطلاق النار فوراً مطلباً مشتركاً للمقاومة في غزة ولبنان، على قاعدة الانسحاب الكامل للاحتلال دون تحقيق أي مكاسب في الأمن والسياسة. وكان جواب الاحتلال في غزة، أن لا انسحاب بالمطلق، ثم بعدما بدأ جيشه يشعر بالإنهاك أن لا انسحاب على الأقلّ من مناطق ضمان أمنية يريدها الاحتلال، وأن لا وقف إطلاق نار إلا بعد تحقيق هدف القضاء على المقاومة. وعندما بدأ يتأكد من استحالة تحقيق الهدف ربط وقف إطلاق النار بهدنة تبادل أسرى لا يلتزم بإنهاء الحرب فيها، مخترعاً نظرية اليوم التالي لنهاية الحرب، ومحورها إيجاد حكم بديل لحماس في غزة. وعلى جبهة لبنان كانت مواقف الاحتلال مشابهة، وجوهرها في البداية كان أن لا انسحاب إلا بضمان نزع سلاح المقاومة، والاحتفاظ بشريط أمنيّ يقرّره الاحتلال، وحرية الحركة البرية في جنوب لبنان والاحتفاظ بالسيطرة الجويّة على لبنان. ثم مع تعمّق فشل قواته البرية في تحقيق أي اختراق جدّي في الأراضي اللبنانية، خفّض سقفه، لكن الى حدّ بقي خلاله يقول بالتفاوض تحت النار، واستبدل نزع سلاح المقاومة بانسحابها إلى ما وراء الليطاني باعتباره بنداً من بنود القرار 1701.
– تكبّدت المقاومة في لبنان وغزة خسائر فادحة ودفعت تضحيات غالية، بما يُوحي بأنّها الطرف الخاسر في الحرب، لكن المتابعة الأشدّ دقة لمسار الحرب توصل إلى أن وقف إطلاق النار في الجبهتين، جاء بعدما عجز الاحتلال عن فرض شروطه، فقبل بما لم يكن مقبولاً في بداية الحربين، وكان المشترك بينهما، موافقة الاحتلال إلى سحب حلم نزع سلاح المقاومة والقضاء عليها من التداول. وهذا يعني القبول بالعودة إلى التساكن مع مقاومات مسلّحة على الحدود الشمالية والجنوبية، وهو ما سبق واعتبره تهديداً وجودياً للكيان، ثم التزم بالتوقيع على اتفاقات تتضمّن نصوصاً صريحة تلزمه بالانسحاب الشامل من غزة وجنوب لبنان، والتخلّي عن نظريات الحزام الأمني والمنطقة العازلة، وهذه هزيمة استراتيجية كبرى ضاع وهجها بحجم الدمار في غزة ولبنان وشلال الدماء النازفة فيهما.
– ما جرى هذين اليومين كان من جهة متزامناً مع نجاح المقاومة في لبنان وغزة باحتواء خسائرها والتقاط أنفاسها، ما أتاح لها إضافة إلى القراءة الهادئة لموازين القوى، خصوصاً بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وحدود تأثير ذلك على هذه الموازين. ومن جهة مقابلة القدرة على اتباع طرق الحرب الناعمة التي لا تطيح الاتفاقات، ولكن التي تفرض نفسها على مسارات التنفيذ. وهنا جاء الحدثان الكبيرانِ، الحملة الشعبيّة للعودة الاستشهاديّة لسكان القرى المحتلة في جنوب لبنان والتي نزفت دماء شهداء وجرحى، وكانت مارون الراس برمزيّتها عنواناً لها، ومثلها الزحف البشريّ العظيم من جنوب قطاع غزة إلى شماله. وفي الحالتين إسقاط لحلم المنطقة العازلة واقعياً عبر التهجير، ما لم يتح حصوله باقتطاع عسكريّ بقوة الحرب، سواء في قرى الحافة الأمامية جنوب لبنان أو في شمال غزة.
– فجأة انهارت صورة النصر التي حاول الاحتلال تسويقها، وفجأة ظهرت الجراحات العميقة التي أصابت الجيش والمستوطنين، وظهرت أهميّة التفوّق المعنوي لجمهور المقاومة على الجبهة الداخليّة للكيان، فسار مئات آلاف الفلسطينيين ساعات طوال على أقدامهم وهم جياع ومرضى ينشدون الوصول إلى بيوتهم المدمّرة وهم يعلمون أنها غير صالحة للسكن، بينما اقتحم آلاف الرجال والنساء والأطفال القرى الحدوديّة التي يتمركز فيها الاحتلال في جنوب لبنان. وأثبت الحدثان سقوط نظرية مناطق غير صالحة للسكن تبقى مهجورة وتتيح للاحتلال اعتبارها حزاماً أمنياً غير معلن. ووصل مئات الآلاف الى شمال غزة، ودخل أهالي عشرات قرى الجنوب الحدودية إلى قراهم وبلداتهم، فسقطت صورة النصر المخادع.

ناصر قنديل

27 Jan, 20:36


هل كان لدى أحد خطة لفرض الانسحاب؟


...



 
– هذا وقت للصراحة والتحدّث بدون لف ودوران أو مواربة مع كل الذين يمدحون الآن التحرك الشعبي الشجاع في الجنوب، ويريدون تمييزه عن المقاومة وسلاح المقاومة، والقول بعدم تأثير ما جرى على مواقف هؤلاء من انتصار المقاومة وإصرارهم على هزيمتها، وهم أنفسهم الذين دأبوا خلال الستين يوماً من عمر اتفاق وقف إطلاق النار على تسخيف كل كلام عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وتسخيف أي دور للمقاومة، والمساجلة لترويج معادلة تغير الوضع الدولي والإقليمي بصورة تتيح حماية لبنان دون المقاومة، التي صارت وفق هذه المتغيرات حسب رأي أصحابها عبئاً على أهل الجنوب وأمنهم.
– بدون مواربة ولف دوران، الشعب الذي تتحدّثون عنه في الجنوب و تفصلونه عن المقاومة، هو جزء من شعب الجنوب، له هوية معلنة واضحة ترويها الأعلام المحمولة بمعدل علم لكل مواطن يحمله بيمينه، وصورة شهيد لكل مواطن يرفعها بيساره، والعلم هو علم حزب الله والصور لشهداء حزب الله. وهذا البعض من الشعب هو أسر شهداء حزب الله، الذي يؤمنون حتى نخاعهم الشوكي والى حين انقطاع النفس بالانتماء الى المقاومة والتمسك بسلاحها.
– لا نورد هوية المتظاهرين لنقول إن مدحهم يوجب احترام معتقدهم بالمقاومة والسلاح أو أخذه بالاعتبار على الأقل، بل لطرح السؤال، لو لم تتم هذه المبادرة الشعبية المتشبعة بثقافة حزب الله ومقاومته ودماء شهدائه، هل كان المشهد الجنوبي سوف يشهد ما شهده من تداعيات، تمثلت بتفاعل الجيش إيجاباً مع هذه الانتفاضة الشعبية وما رافقها من تضحيات بسقوط مئة مواطن جنوبيّ بين شهيد وجريح، فانتقل الجيش من إقفال الطرق أمام المنتفضين إلى التغاضي عن عبورهم انتهاء بالانضمام إليهم، كما تقول حالة ميس الجبل على سبيل المثال. ثم تفاعل المستوى الرسمي على مستوى رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة المستقيلة والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة ووزارة الخارجية وقيادة الجيش وقيادة اليونيفيل، لانطلاق ورشة عمل سياسية ودبلوماسية استهدفت عواصم العالم والعاصمة الأميركية خصوصاً للاستقواء بالموقف الشعبي والتحذير من مخاطر خروج الأمور عن السيطرة، واعتبار المخرج الحكيم الوحيد تسريع انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب دون ألاعيب الحاجة للبقاء؟
– إذا كان ثابتاً أن ديناميكية جديدة تتصل بفرض التطبيق الدقيق لاتفاق وقف إطلاق النار وإلزام الاحتلال بالانسحاب، قد انطلقت بفضل هذه الانتفاضة الشعبية، فهل كان لدى الدولة والأحزاب والقيادات التي ترفض المقاومة وتتحدّث عن نهاية دورها، خطة بديلة لإطلاق مثل هذه الديناميكية، وما هي هذه الخطة؟
– إذا كانت هذه الديناميكية الجديدة هي الخيار الوحيد الذي وجد فوق الطاولة لتحريك قضية تطبيق أمين لاتفاق وقف إطلاق النار، وإذا كانت هذه الديناميّة من صناعة واحدة من الهيئات الشعبية في حزب الله، تمتلك الروح الاستشهادية لمقاتلي المقاومة وتستلهم بسالتهم، فهل ينسجم التسليم بذلك مع الحديث عن مطالبة حزب الله بالتقاعد من مقاومته والتخلي عن التصرّف كمسؤول عن إخراج الاحتلال وترك ذلك على عاتق الدولة؟
– ماذا تقول المقارنة بين برودة التعامل الرسمي والدولي المعني باتفاق وقف إطلاق النار، خلال ستين يوماً من تطبيق وقف إطلاق النار، وهيمنة العبث الإسرائيلي التخريبي والإجرامي بخلاف نصوص الاتفاق، وبين يوم واحد من الديناميكية التي أدخلها تدخل حزب الله على الخط، بصورة أربكت الإسرائيلي ودفعت صانع السياسة الأميركية والفرنسية للتحرك مجدداً؟
– ما دامت تجربة الستين يوماً من وقف إطلاق النار قد قالت إن الإسرائيلي لن ينفذ الاتفاق بنزاهة وسيضع ثقله للعبث ببنوده وفرض تفسيرات مجحفة بحق لبنان كأمر واقع إلا إذا جوبه بأمر واقع أشدّ يسبب له الإحراج والارتباك، كمثل ما جرى أمس، وأن الدولة لا تملك ما يحقق ذلك، والخارج المعنيّ موزع بين مَن لا يملك ومَن لا يريد، فما هي المصلحة بالتسرّع للتبرّع بطمأنة الإسرائيلي بأن هناك اتجاهاً لبنانياً لإنهاء أمر سلاح المقاومة، والإسرائيلي يصرّح بأن تطبيقه للاتفاق مشروط حصرياً “بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، كما صدر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أول أمس؟

ناصر قنديل

25 Jan, 16:58


بيان مكتب نتنياهو ( تحليل نص)


...



 
حملت الأيام القليلة الماضية منشورات تنسب لحكومة الاحتلال مرة ولجيش الاحتلال مرة وتتولى صحف عبرية نشرها مرة مثلما فعلت معاريف أو تصدر عن هيئة البث الإسرائيلية، وكلها تدور حول نقطة محورية واحدة عنوانها أن جيش الاحتلال لن ينفذ الانسحاب النهائي والشامل الى ما وراء الخط الأزرق، كما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار، وتراوحت الأسباب بين صيغة أولى تقوم على الإشارة إلى مواقع لا يمكن لجيش الاحتلال مغادرتها نظراً لأهميتها الأمنية. وهذا يعني تجاوز مسألة المهلة إلى إعادة النظر بمبدأ الانسحاب الشامل من حيث المبدأ واتخاذ قرار بتوسيع دائرة الأراضي المحتلة إضافة للمناطق التي يطالب بها لبنان خارج الخط الأزرق. ومقابلها صيغة ثانية تقوم على ربط تمديد المهلة شهراً أو شهرين بترتيبات ومهام أمنية ولوجستية غير محددة لم تنجز وتحتاج إلى المزيد من الوقت لإنجازها. والصيغتان تمنحان الاحتلال حقاً من خارج نص الاتفاق، يقوم عبره بتقدير من أين ينسحب ومن أين لا ينسحب، ويقوم عبره أيضاً منفرداً بوضع شروط تحديد مهلة الانسحاب.
أعلن عن دعوة للمجلس الوزاري المصغر أول أمس، لمناقشة مسألة الانسحاب من جنوب لبنان خلال مهلة الستين يوماً في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، كما ورد في الإعلان، ثم بعد ساعات قيل إن الاجتماع يعقد عشية موعد تبادل الدفعة الثانية من الأسرى، ثم تم الاجتماع ولم يصدر شيء عنه حول الانسحاب أو تأجيل موعده. ونشر الإعلام العبري بعدها أنه لم يكن هناك مشروع قرار بهذا الصدد أمام المجلس الوزاري المصغر لمناقشته. ثم جاء بيان صادر عن مكتب بنيامين نتنياهو يوم أمس، يعلن عدم التقيد بموعد الانسحاب من جنوب لبنان، وفق صيغة تستحق القراءة بهدوء، حيث أعلن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، أن “انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان سيستغرق أكثر من 60 يوماً لأن اتفاق وقف إطلاق النار لم يطبق بالكامل من قبل لبنان”. وشدد على أن “عملية الانسحاب التدريجي من لبنان ستتواصل بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية”، مشيرة إلى أن “الانسحاب من جنوب لبنان مشروط بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.
يتضمن النص إقراراً باعتبار اتفاق وقف إطلاق النار ومهلة الستين يوماً إطاراً ملزماً لحكومة وجيش الاحتلال، وعدم إيراد أي نص يوحي بالتنصل من الاتفاق أو السعي لتعديله واقعياً، أو اتخاذ موقع ينشئ مزاعم وحقوق تتيح تحديد أولويات تفوق قيمة نص الاتفاق، مثل ربط البقاء بالحديث عن مهام أمنية لم تكتمل أو أسباب لوجستية تحتاج إلى وقت، أو نيات بالبقاء في مناطق لها أهمية أمنية. فالحجة الواردة لعدم التقيد بالمهلة تقليدية جداً في نماذج الإخلال بالاتفاقات، وهي اتهام الطرف الآخر بعدم التقيد لتبرير عدم التقيد بالمثل، والبيان يقول ببساطة إن “الانسحاب من جنوب لبنان مشروط بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.
هذا يعني عملياً أن الاحتلال لا يملك ما يتيح له التصرف بما يضع الاتفاق موضع الخطر، بما يعني أن قيادة الكيان تقيم حساباً يلزمها بإعلان البقاء تحت سقف الاتفاق، والحساب لا يتصل إطلاقاً بموقف أميركي أو عربي أو دولي لأنها تدرك أن لا مشكلة لديها في التعامل مع الموقف الأميركي والدولي والعربي، بدليل ما تفعله في سورية ولا تقيم فيه لأحد حساباً، ولا تنتظر ذريعة لفعله واتهام حكومة دمشق الجديدة بفعل أي شيء يؤذي الأمن الإسرائيلي، وحكومة دمشق الجديدة لم تفعل إلا ما قدّم خدمات استثنائية لجيش الاحتلال بإنهاء نظام كان يلعب بالنار كما قال نتنياهو، وإبعاد إيران وحزب الله من تهديدات جدية للكيان، وقطع طريق إمداد حزب الله، ولم تشعر قيادة الكيان أنها معنية بتقديم إيضاحات لأحد لتبرير ما تفعل، لذلك لا يبدو ربط موقف نتنياهو بالالتزام بالاتفاق ورمي تهمة مخالفة الاتفاق على الجانب اللبناني، إلا تعبيراً عن الخشية من أن يترتب على إعلان الخروج من الاتفاق وإسقاطه إلى عودة المواجهة مع حزب الله. والخلاصة الأهم هنا هي أن خيار العودة إلى الحرب لا يزال مستبعداً بالنسبة للكيان.
هذا يعني أن الكيان الحريص على المزيد من صور القوة واليد العليا منذ إعلان وقف إطلاق النار، وطريقة التصرف في قرى الجنوب الأمامية طيلة مهلة الستين يوماً، يوظف موعد نهاية المهلة في الاتجاه ذاته، صورة القوة واليد العليا، وسوف يحاول بعدما فتح باب التفاوض حول الإجراءات مع الجيش اللبناني، وترتيبات انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، الحصول على مكاسب معلوماتية، وطرح مطالب تحقق أمنية، تجدد منحه صورة القوة واليد العليا وربما تحقق له مكاسب محددة إضافية، لكن على قاعدة إدراك أن لا مصلحة بفتح الطريق للعودة إلى الحرب.

ناصر قنديل

25 Jan, 16:58


تكملة ...

ولعل الأهم هو ما تضمنه بيان نتنياهو من حسم للنقاش حول موجبات حزب الله في الاتفاق مقابل لإنجاز الانسحاب الإسرائيلي، والجواب في بيان نتنياهو هو “انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، وليس سحب سلاحه، كما تقول جماعة حزب “إسرائيلي أكثر من إسرائيل” في لبنان، أو جماعة “ليس ضرورياً أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً”، لصاحبهما جو بايدن؟

ناصر قنديل

24 Jan, 12:28


هل انتهى زمن المقاومة؟



...


 
يجري الترويج لسياق سياسي يحمل تسلسلاً يوحي بالمنطق، ويقول إن ثلاثة تغييرات كبرى تزامنت في الفترة الأخيرة، أولها أن الحرب الأخيرة كشفت أن لدى كيان الاحتلال قدرة تدمير هائلة لا يمكن تحمل تبعات الحرب معها، والتغيير الثاني هو ما شهدته سورية وتأثيره على التوازنات اللبنانية وخصوصاً الطرف الذي يتبنى المقاومة، والتغيير الثالث هو وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما يحمل من مفاجآت إلى البيت الأبيض، للقول إن تفادي المواجهة مع”إسرائيل” يمكن أن يتم ومعه الحفاظ على السيادة اللبنانية عبر الالتحاق بالمناخ العربي الدولي الجديد الذي فتح أمام لبنان فرصة التغيير عبر ما شهدته الانتخابات الرئاسية وما مثلته تسمية رئيس الحكومة. وهذا المناخ العربي الدولي تمثله مساعٍ ترتبط بالسعي للسلام والتطبيع على قاعدة ربط ذلك بقيام دولة فلسطينية، كما تقول السعودية ولا تمانع أميركا.
بصراحة شديدة تبدو هذه السردية مجرد رصف لأخبار ومحاولة تحويلها إلى تحليل وبناء استنتاجات بلا ركائز، وببساطة شديدة هل تجيب هذه السردية على كيفية التعامل مع التهديد الإسرائيلي، وهل تضع حداً لهذا التهديد، ومشهد سورية الجديد يقدّم لنا الجواب، حيث لا وجود لمقاومة، بل لا وجود لموقف سياسي يزعج خاطر بنيامين نتنياهو، حتى أن حكومة الشام الجديدة تجنبت الاعتراض على إعلان ضمّ الجولان وتأكيد أبدية ضمّ الجولان كما قال نتنياهو. وهذه الحكومة أزاحت نظاماً وجيشه قال نتنياهو إنه خطر على أمن “إسرائيل”، وأبعدت إيران وحزب الله من سورية، ونتنياهو يعتبر أنهما مصدر خطر على “إسرائيل” وأمنها، فهل كانت هذه المواقف كافية لتجنب التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، أم أن هذه التوغلات تعتبر بنظر أصحاب السردية مشروعة ومبررة وبالتالي ينصحون لبنان باعتماد هذه المنهجية السورية وقبول النتيجة ذاتها، بترسيم مدى جغرافي معين تريد “إسرائيل” فرضه كحزام لأمنها تتحرك فيه متى شاءت، والتزام الصمت طلباً للستر؟
إذا كان الجواب هو بعدم قبول التوغلات الإسرائيلية واعتبار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاق الهدنة من خلفه ثوابت لا يجوز أن يقبل لبنان بالمساس بها، فما هي وسائل لبنان لترجمة عدم السماح بالمساس بها، فهل الغطاء العربي والدولي للدولة كافٍ لفرض احترام السيادة اللبنانية؟ وهنا يطرح السؤال، من مثال عشناه ونعيشه على مدى سنة وعدة شهور، فهل حمل لنا عبراً ودروساً حول حجم إقامة “إسرائيل” اعتباراً لحجم الرضا والغضب لدى شعوب الغرب والعرب وحكوماتها،. أما أميركا كجهة وحيدة تملك مفاتيح التأثير على القرار الإسرائيلي، فقد ظهر ما يكفي حول حجم مراعاة أي إدارة أميركية للمصالح والتوجهات الإسرائيلية أكثر من العكس، أما الحديث عن ربط الرهان بنجاح مسعى أميركي سعودي لا يزال مجرد نيات هلامية لإقامة دولة فلسطينية قرّر كيان الاحتلال بقانون صادر عن الكنيست اعتبارها خطراً على مستقبل “إسرائيل”، فهو دعوة لمنح “إسرائيل” فترة سماح لعقود لا نهاية لها من تشريع العدوان وامتهان السيادة، وفق شعار “انطور يا كديش ليطلع الحشيش”.
الدعوة الواقعية الوحيدة التي تملك قيمة هي تلك التي تقول إن لبنان يحمي سيادته فقط عبر امتلاك القوة، قوة تكون الدولة أساساً فيها ولو احتاج إلى الوقت لبناء هذه القوة، وتكون المقاومة قوة يعرف الاحتلال حجم قدرتها على القتال وما تملك من مقدرات، هذا يستدعي الانطلاق من الإقرار بأن ما جرى خلال هذه السنة كبير جداً وغير قابل للتجاهل ويستدعي الدراسة والتأمل واستخلاص العبر والدروس، حيث تقتنع الدولة وتقتنع المقاومة بأن عليها إعادة صياغة علاقة جديدة على قواعد جديدة تتيح للدولة أن تكون المسؤول الأول عن حماية السيادة الوطنية، وأن تقف المقاومة خلفها، ضمن صياغة جديدة بدا أن اتفاق وقف إطلاق النار هو ترجمة لبداية موفقة نحوها، وهي تحتاج الاستكمال، لكن هذا الاستكمال مستحيل إلا في جو هادئ من الثقة المتبادلة، جوهرها أن يقول الرئيسان جوزف عون ونواف سلام لمن يحوّلون بعبدا والسراي إلى متاريس لاستهداف المقاومة، إن العهد والحكومة هما عهد وحكومة تنفيذ القرار 1701 وليس القرار 1559.

ناصر قنديل

24 Jan, 12:26


تكملة ...

– لنتذكر أن تفاهماً تركياً إيرانياً سعودياً مصرياً يتكفل بإنهاء أزمات لبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان، ويؤمن سوقاً بمئات ملايين المستهلكين وقدرة مالية ونفطية وصناعية تضاهي قوة الاتحاد الأوروبي، ونتذكر أن الراحل أنيس النقاش عندما أعدّ مشروعه للكونفدرالية المشرقية انطلق من هذه الحسابات، أولويّة حروب القضايا على صراع الهويّات.

ناصر قنديل

24 Jan, 12:26


الثلاثي التركي العربي الإيراني



...



 
– تناوب العرب والفرس والأتراك على لعب أدوار إمبراطورية في تاريخ المنطقة والعالم، ومنذ ما قبل الميلاد كانت للفرس إمبراطورية تصل الى بلاد الشام وتمتدّ في عمق آسيا الوسطى إلى حدود روسيا والصين، بينما كانت مصر الفرعونية تبسط نفوذها في أطراف أفريقيا الشرقية شمالاً وجنوباً ويمتدّ نفوذها إلى بلاد الشام خصوصاً في فلسطين، وشكلت أحد صناع الحضارة الإنسانية بما يضاهي مكانة الحضارة الرومانية. ومع ظهور الإسلام تحوّل العرب سواء من الجزيرة العربية وبلاد الشام إلى لاعب إمبراطوري لعدة قرون، لم يلبث الأتراك أن ورثوا مكانتهم عبر الإمبراطورية العثمانية تحت عنوان الخلافة الإسلامية.
– منذ الحرب العالمية الأولى ودخول الإمبراطورية العثمانية مرحلة الشيخوخة، دخل العرب والأتراك والفرس في تنافس شديد على كسب رضا الغرب ورعايته، على قاعدة نزاع عربي تركي وعربي فارسي وفارسي تركي، فكان نظام الشاه وكيلاً للغرب في الخليج بلا منازع، وكانت الثورة العربية الكبرى برعاية بريطانية، وكانت تركيا أتاتورك نموذج المشروع الغربيّ للبلاد الإسلامية. ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران، بذلت إيران جهوداً مضنية ولا تزال لإقناع الأتراك والعرب بأن التعاون الثلاثي العربي التركي الإيراني يُغني كل الأطراف عن الحاجة للغرب ممثلاً بالقوة الأميركية المهيمنة، وأن على أطراف الثلاثي نبذ وهمين والتمسك بحق وحقيقة، كي يتحقق التلاقي. والمطلوب الاقتناع بأن لا أساس للصراعات المذهبية، وأن هذا الصراع مجرد وهم، كما المطلوب أن الاقتناع بأن الغرب وعلى رأسه الأميركي يتلاعب بالجميع ولا يهمه أن يخرج أحدهم قوياً. أما ما يجمع أطراف الثلاثي فهو أنهم اللاعبون الكبار في منطقة غرب آسيا ووحدتهم تصنع نظاماً إقليمياً ضامناً للاستقرار وليس عدواً للغرب بالضرورة بل هو ندّ له على الأقل، والثانية أن فلسطين هي القضية المشتركة لأطراف الثلاثي، لكن الصراع الذي افتتحه الأميركي بحربه على العراق والإيحاء بأن النتيجة كانت بمثابة إخلال بالتوازن المذهبي وانتصار شيعي على السنة، وما تلاه من نجاح في ضمّ الأتراك ثم العرب خصوصاً في مصر والخليج إلى خطة حربه على سورية، وتقديمها كحرب سنّية لاستعادة الحقوق من الهلال الشيعيّ، تسبّب بإحباط كل دعوة للوحدة والتلاقي.
– بعد خمس عشرة سنة تنجح تركيا بحسم الصراع على سورية، لكن تكتشف تركيا أنّها تشعل مواجهة مع العرب، خصوصاً الخليج ومصر، ليس فقط بسبب النموذج العقائديّ الذي حملته معها إلى سورية بمباركة أميركية وأوروبية ورضا إسرائيلي، بل أيضاً لأن هذا النفوذ التركي في الملعب العربي يثير قلق التوسّع نحو عثمانية جديدة يبشر بها عدد من القادة الأتراك. والواضح أن الاندفاعة الخليجية نحو لبنان، والتسليم بمعادلات تنفتح على دور لحزب الله في التوازنات اللبنانية، هو مجرد تأسيس للانفتاح على التعاون مع إيران في المنافسة مع تركيا على المسرح السوريّ انطلاقاً من الخاصرة اللبنانية، بينما لم يحقق إخراج إيران من سورية بالنسبة لتركيا ما كان مأمولاً من تسديد فواتير أميركية وإسرائيلية بالتعامل مع حصرية الإدارة التركية للملف السوري، فلا تجاوب مع دعوات رفع العقوبات، ولا توقف عن العبث الإسرائيلي المُحرج في الجغرافيا السورية، ولا استعداد لحل المسألة الكردية التي تمثل تحدياً يومياً للأتراك.
– مرة أخرى يتلاعب الغرب بنزاعات الثلاثي التركي العربي الإيراني، وهو لن يصدق مع أحد منهم وعوده وتعهداته، ويريد توظيف نزاعاتهم لتبرير عدم وفائه بالتعهدات. ومرة أخرى المطلوب هو الاقتناع بأن النزاع المذهبي وهم، وأن الاطمئنان للغرب سراب، وأن التلاقي مصلحة عليا، وأن نقطة التلاقي الأولى يجب أن تكون فلسطين، وعلى قاعدة طرح واقعي مثل قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 توظّف في تحقيقها إمكانات تركيا والخليج ومصر وإيران وقوى المقاومة، دون أن تتطابق الرؤى والمقاربات، بل تتقاطع وتتعاون، ومنها يمكن النظر إلى التعاون في إرساء صيغة حكم مستقرة لسورية تتسع لكل مكوّنات الشعب السوريّ، وتوفر الأمن الإقليميّ للسوريين، وتفتح الطريق لانتخابات حرة في سورية خلال شهور قليلة، والتوقيت مناسب مع انكفاء أميركي إلى ما وراء الأطلسي، وتراجع إسرائيلي ناتج عن إصابة مشروعه الاستراتيجي القائم على الاحتلال والتهجير والقضاء على قوى المقاومة بخسائر كبرى تنقله إلى مرحلة التهديد الوجوديّ، رغم نجاحه بتوجيه ضربات مؤلمة لقوى المقاومة، فهل يتفوّق نداء العقل والمصلحة على الحسابات الصغيرة والعناد والمعارك الصفريّة، كل شيء أو لا شيء؟

ناصر قنديل

24 Jan, 12:23


المقاومة بين ليل الأحد وصباح الإثنين


...


 
– لا كلام قاطع عند الأميركيين والإسرائيليين حول ما بعد الستين يوماً التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار كمهلة زمنية لإنجاز الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان إلى ما وراء الخط الأزرق، ذلك أن التصريحات والمنشورات الإعلامية متضاربة في الجواب على سؤال ماذا عن اليوم الحادي والستين، بعضها المتفائل والإيجابي يقول إنه يفترض أن تكون قوات الاحتلال قد أنجزت انسحابها، ولا يجزم بأن ذلك ما سوف يحصل. أما البعض الثاني فيروج الى وجود حاجة إلى المزيد من الوقت لإتمام عمليات الانسحاب.
– الدولة اللبنانية تؤكد على لسان رئيس الجمهورية الآتي من قيادة الجيش اللبناني على ضرورة تنفيذ الانسحاب ضمن المهلة، وتعتبر أي تلاعب بالمهلة تهديداً للاستقرار، لكنها تتصرف على قاعدة أن ليس بيدها ما تفعله إلا الشكوى والمطالبة، ولو ثبت أنها بلا طائل، وأمامها هذا الانفلات الإسرائيلي الذي نتج عنه تدمير يعادل أضعاف التدمير الذي تسببت به أيام الحرب في القرى الأماميّة، وتسبب بسقوط مواطنين لبنانيين بين شهداء وجرحى، ومثّل إهانة جارحة لكل اللبنانيين، والجنوبيون منهم، خصوصاً أن الطائرات المسيّرة والطائرات الحربية لا تزال في أجواء العاصمة وليس الجنوب فقط، والاحتمال قائم أن يأتي اليوم الأخير من مهلة تنفيذ الاتفاق ويواصل الاحتلال انتهاكاته، فماذا ستفعل الدولة؟ والجواب سوف تواصل الدولة مطالباتها للرعاة للتدخل وحماية نهوض الدولة اللبنانية الذي يهدّده العبث الإسرائيلي، وأن تتوجه الى المجتمع الدولي مطالبة بالضغط على حكومة الاحتلال للتقيد بالاتفاق.
– المقاومة بصفتها القوة التي حرّرت الأرض والتي دافعت عنها قبل اتفاق وقف إطلاق النار، وافقت على صيغة الاتفاق ومهلة الستين يوماً المخالفة لنص القرار 1701، وقبلت خلال هذه المهلة بأن تكتفي بالتحذير من خطورة العبث الإسرائيلي والصمت أمامه، وتذكير المعنيين في الدولة بأن هذا النموذج الذي تقدمه الدولة خلال مهلة تطبيق الاتفاق وتنازلها عن حق الدفاع عن النفس الموازي لما يدّعيه الاحتلال تحت ذريعة هذا البند ويحوله الى مبرر للعدوان، ليس هو النموذج الذي يمكن البناء عليه بالقول إن الدولة تحمي، وإن لا حاجة لوجود المقاومة، لكن المقاومة لا تنكر أنها قبلت بالستين يوماً وصمتت عملياً خلالها، لأنها كانت تحتاج هذا الوقت لإعادة ترتيب أوضاعها بعد الضربات القاسية التي تلقتها، وأنها كانت بدرجة موازية تتفادى الحملات التي تستهدفها من الداخل اللبناني خصوصاً لتحميلها مسؤولية أي اهتزاز في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.
– السؤال عن كيفية تعامل المقاومة في اليوم الحادي والستين من تاريخ الاتفاق، يبدو أنه صار محسوماً الجواب، وبعد كلام للمقاومة عن أنها تختار توقيت الردّ على الاعتداءات قبل أو بعد مهلة الستين يوماً، تكثفت التصريحات التي تقول إن اليوم الحادي والستين هو يوم للمقاومة، بعد ستين يوماً كانت للاحتلال، وإنه ما لم ينه الاحتلال سحب قواته إلى ما وراء الخط الأزرق فإن المقاومة سوف تتصرّف. وهذا يعني أن المقاومة تعافت وأنهت عملية إعادة ترتيب وتنظيم أوضاعها، وصارت جاهزة لاسترداد مهامها، وأنها تدرك ضعف المنطق الذي قد يواجهها عندما تحرّكت، بعدما صار واضحاً أن الاحتلال يتمادى عندما لا يجد من يتصدى لعدوانه، وما تشهده الأراضي السورية خير دليل، حيث لم تقم الحكومة الجديدة في سورية بأي خطوات تستفز الاحتلال، بل إن الاحتلال اعتبر أن ما حدث في سورية من توجيه ضربات لمحور المقاومة مكاسب تحققت لحسابه، دون أن يمنعه ذلك من التصرف بعدوانية مفرطة بحق سورية، سواء عبر القصف المتواصل لمقدرات الجيش السوري، أو عبر إطلاق وحداته العسكرية العنان للتوغل في الأراضي السورية.
– الاثنين غير الأحد، هذا ما تؤكده المقاومة، واليوم الحادي والستين غير اليوم الستين، وهذا الكلام المتصاعد على ألسنة قيادات حزب الله قد يتوّجه كلام واضح وتحذيري للأمين العام لحزب الله قبل نهاية المهلة، وثمّة احتمال كبير أن يؤدي هذا الكلام إلى ردع الاحتلال عن البقاء، فيخرج جماعة التطبيل والتزمير للقول إن انضباط الاحتلال بالمهلة عائد إلى تحذيرات أميركية، وإن بقي ولم ترد عليه المقاومة يقولون ولماذا السلاح، وإن بقي وقامت بالمقاومة بالردّ فسوف يقولون إن ما تفعله المقاومة هو واحدة من مغامراتها التي تعرّض لبنان للخطر.
– حكاية المقاومة مع هؤلاء هي الحكاية ذاتها لجحا وابنه وحماره مع محاولة إرضاء المنتقدين بدلاً من فعل اللازم!

ناصر قنديل

21 Jan, 07:29


خطاب ترامب خريطة طريق لأميركا جديدة



...


 
– لم تكن الصورة واضحة أمام دونالد ترامب في ولايته الأولى حول كيفية تحقيق حلمه بالانتقال من أميركا العظمى إلى أميركا العظيمة، كما كان متوهما أن حجم التأييد الذي ناله شعبيا لتصفية ميراث حكومة العولمة المالية والعسكرية على حساب الإنتاج والخدمات في الداخل الأميركي، كما قال في خطابات حملته الانتخابية الأولى، يشكل زخماً يكفي للتملص من ضغوط الدولة العميقة في البنتاغون والمخابرات والخارجية وفرق التفكير، حتى وجد نفسه أسير العودة لتنفيذ مقتضيات مشروع العولمة الديمقراطي مع بعض الاستثناءات، لكن كما يبدو كان مأزق مشروع العولمة وتراجع قدرته على تحقيق إنجازات في الداخل والخارج فرصة مزدوجة لترامب، فرصة أولى ليعود إلى الحكم بزخم أقوى مستقوياً بفشل المشروع المعولم الديمقراطي، وفرصة ثانية لإقامة مراجعة ورسم خطط وامتلاك خريطة طريق.
– الخطوة الأولى الواضحة في خطاب ترامب هي تجاهل تسمية الملفات الدولية تقريباً، فهو لم يأت على ذكر حرب أوكرانيا، ولا التحذيرات التقليدية لإيران لعدم امتلاك سلاح نووي، ولا “إسرائيل” والدعم المطلق لتفوقها في المنطقة، ولا التفرغ لمواجهة روسيا والصين، والعبارة الوحيدة التي تذكر فيها الصين كانت عن قناة بنما عندما قال نحن أهديناها لبنما وليس للصين، حتى كاد الخطاب يكون أميركياً داخلياً خالصاً. وهنا تكمن الخطوة الأولى في تعويض المجمع الصناعي العسكري الذي يمثل القوة الضامنة للدولة العميقة عن خيار تشجيع وشن الحروب في الخارج وعائداتها، بالإعلان عن نية إنشاء قبة صاروخية لحماية أميركا من خطر الصواريخ، والمشروع الذي يتضمّن البحث بتقنيات حديثة بعد فشل صواريخ باتريوت ولاحقاً منظومة ثاد، كما ظهر بالفشل بصد صواريخ اليمن على تل أبيب، يقوم على نشر آلاف بطاريات الدفاع الجوي ومستودعات كافية من الذخائر وطواقمها في أنحاء أميركا، مشروع تبلغ كلفته تريليوني دولار على خمس سنوات، لتكون هذه الصفقة هي جوهر المصالحة مع التجمع الصناعي العسكري، بينما الصعود إلى المريخ عنوان مشروع آخر لمصالحة شركات صناعة الصواريخ العابرة للقارات وسباق التسلّح.
– مصالحة مشروع الأمركة مع القوة الحاسمة في مشروع العولمة يمثل نقطة انطلاق لمشروع ترامب لرسم خريطة طريق جوهرها إدراك الحاجة للوقت حتى يستعيد بناء سلاسل توريد محلية وطنية تحل مكان سلاسل التوريد الصينية التي تغذي الاستهلاك الأميركي اليومي، والحاجة إلى خطة إنعاش اقتصادي تملأ هذا الوقت بانتظار أن تكون الصناعة سواء في قطاع السيارات أو سواها قد بدأت تؤتي ثمارها، والانتعاش الفوري في خطة ترامب يعتمد على إطلاق سوق استخراج النفط والغاز الصخري، وتحريره من كل الضوابط كماً ونوعاً، فلا سقوف للإنتاج ولا ضرائب ولا قيود بيئية مع إعلان الانسحاب الثاني من اتفاقيات المناخ. وهذا يعني التمكن سريعاً من تخفيض أسعار الوقود في الأسواق الأميركية، سواء للاستهلاك الفردي أو لدور قطاع النقل في تسعير السلع الاستهلاكية.
– قطاع النفط والغاز الصخري هو حصان القيادة في عربة ترامب فدور هذا القطاع يتجاوز الأسواق الداخلية، وأميركا التي فقدت صناعتها بعد انتقال شركاتها الكبرى الى التصنيع في الصين وكوريا وفيتنام وسواها، سوف تعتمد على تصدير النفط والغاز الصخري بانتظار عودة مصانعها إلى العمل بكامل طاقتها، ولن تبقى أميركا منتجة مستهلكة للنفط دون تصدير بل سوف تدخل السوق العالمية بقوة، والسوق المستهدفة واضحة، هي دول الغرب، والمعادلة بسيطة الحماية العسكرية مقابل شراء النفط والغاز الصخري بدءاً من أوروبا. وبالمقابل على الحلفاء المنتجين للنفط وفي طليعتهم العرب أن يفهموا المعادلة الجديدة، تخفيض الإنتاج بما يتناسب مع امتصاص السوق للكميات الوافدة من السوق الأميركية دون انخفاض الأسعار، والامتناع عن منافسة النفط والغاز الصخري الوافدين من أميركا، أي الابتعاد عن أوروبا كسوق، والمعادلة بسيطة أيضاً، الحماية مقابل الانضباط بسياسة نفطية تخدم المصالح الأميركية، وقواعدنا ليست مجاناً.
– في خطة ترامب لا توسّع في الجغرافيا العالمية بل في الجغرافيا الإقليمية، وأميركا تتسع لكندا وبنما وغرينلاند، لعل المراقب سينتبه أن حل الأزمات الاقتصادية سوف يتم على حساب الحلفاء وأن التوسع سوف يتم على حساب الحلفاء، أي أن ما يجري هو تسليم باستحالة تعظيم النفوذ المشترك للغرب الجماعي وتوسيع الخرائط لصالحه وإعادة اقتسام العائدات وفق صيغة رابح رابح، والبديل هو إعادة توزيع العائدات ورسم الخرائط داخل المجموعة الغربية نفسها وفق صيغة رابح واحد وخاسرون كثر عليهم الاستعداد لحرب جمركية تشنها واشنطن انطلاقاً من تدفيع الحلفاء ثمن نهوضها الجديد.

ناصر قنديل

21 Jan, 07:25


كدنا نظن أن ترامب انتصر في غزة وليس المقاومة

...


 
– حسناً فعلت حركة حماس عندما نشرت آلاف مقاتليها في كل أنحاء قطاع غزة بصورة أظهرت حجم قوتها وحضورها، حتى انتبه مَن كانوا يروّجون السردية التي تقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو صانع النصر، إلى صعوبة الجمع بين الصورة الآتية من غزة واسم دونالد ترامب الذي كانت له مداخلة علنيّة واحدة نحو وقف إطلاق النار، هدّد خلالها حركة حماس بالجحيم ما لم تُفرج عن الأسرى لديها قبل دخوله إلى البيت الأبيض.
– يجب التذكير أن الحرب الوحشيّة التي دمّرت قطاع غزة وقتلت عشرات الآلاف من النساء والأطفال فيه، هي الملف الوحيد الذي لا تختلف حوله إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن وإدارة الرئيس الداخل اليوم إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، وأن لهذه الحرب هدفاً أول هو تثبيت احتلال قطاع غزة، والهدف الثاني هو تهجير سكان قطاع غزة أو بعضهم على الأقل وفقاً لما عرف بخطة الجنرالات في شمال غزة. وأن هذه الأهداف تحظى بإجماع الحزبين والرئيسين والبنتاغون والخارجية والمخابرات والأمن القومي، في فريقي الرئيسين، لكنها فشلت. وعلى مدى شهور ما بعد انتخاب ترامب، والخطة تنتقل من فشل إلى فشل، رغم شلال الدعم المفتوح من واشنطن بالسلاح والذخائر والمال والحماية الدبلوماسية والقانونية، تلبية لكلام ترامب بأن هناك أسلحة وذخائر حجبتها إدارة بايدن عن حكومة بنيامين نتنياهو يمكن أن تتيح حسم الحرب والفوز بها، وأنه صاحب نظرية أن “إسرائيل” ضئيلة جغرافياً ويجب أن تتوسّع، وأنه دعا إلى معاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية لأنهم تجرأوا على إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس حكومة الاحتلال ووزير حربه السابق.
– خسرت “إسرائيل” الحرب لأن الشعب الفلسطيني تلقى كل القتل والتجويع والتدمير، ولأن المقاومة تأقلمت مع الوضع الناشئ عن احتلال قطاع غزة، ونظمت صفوفها وأعادت بناء قوتها، ونجحت بتنظيم حرب استنزاف مفتوحة على جيش الاحتلال، وتسببت بخسارته قرابة 200 ضابط وجندي خلال شهور، كان قادة الكيان يراهنون خلالها على تراجع المقاومة وقبولها بأمرين، تهجير سكان شمال غزة والتسليم بتحويله إلى حزام استيطانيّ وأمنيّ للكيان، وبقاء الاحتلال في معبر نتساريم ومحور فيلادلفيا. وظهر أن المقاومة كما قال أنتوني بلينكن وزير خارجية بايدن قد أعادت بناء قوتها وتطويع الآلاف لتعويض ما خسرته، وصارت عصية على الهزيمة، وما عاد بيد أميركا ما يمكن منحه للاحتلال من أجل تغيير اتجاه الحرب، فلا التهجير قابل للنجاح، كما قال كل خبراء الكيان، ولا الاحتلال قادر على البقاء، كما قال قادة الجيش، وصارت الهزيمة أمراً حتمياً لا مفر منه ولا مجال لتفاديه.
– أن يكون الرئيس ترامب قد فعل في حرب غزة ما فعله الرئيس بايدن في حرب أفغانستان، وكلتاهما حربان أميركيتان بامتياز، أي الاعتراف بأن لا شيء سوف يتغيّر مهما طال أمد الحرب، إلا المزيد من الخسائر المادية والبشرية، فهذا أمر طبيعي. ومثلما أخذ بايدن قرار إنهاء حرب أفغانستان أخذ ترامب قرار إنهاء حرب غزة، والسبب واحد، أن لا أمل يُرتجى من العناد على مواصلة الحرب إلا المزيد من الخسائر. وصانع النصر على أميركا وشريكها الإسرائيلي، هو الشعب الفلسطيني في غزة بصموده ومقاومته، وها هي صورة غزة أمس تحكي الحقيقة.
– قال بايدن إنه لو بقيت جيوشه في أفغانستان عشرين سنة إضافيّة لما تغير شيء إلا حجم الخسائر. وقال خبراء الكيان إن الجيش بلغ اللحظة الحرجة في مواصلة الحرب وإنه يحتاج إلى أن يتدخل الأميركيون لحماية الجيش من الانهيار وإلزام نتنياهو بإنهاء الحرب. وهنا تقاطعت المصلحة الأميركية الإسرائيلية العميقة عند الحاجة لأن يقول الرئيس الأميركي ترامب لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو آن أوان وقف الحرب التي بات مستحيلاً الفوز بها، لأن أضرارها وخسائرها صارت أكبر من الفوائد المرتجاة منها.
– انتصرت المقاومة فأراد ترامب تحييد إدارته عن رصيد الخسائر.

ناصر قنديل

18 Jan, 18:17


سقوط الترانسفير إلى غير رجعة


...


 
للذين يواظبون على الترويج لنظرية الانتصار الصهيوني على قوى المقاومة في حرب الطوفان، استناداً فقط إلى حجم الخسائر التي ألحقتها الحرب بقوى المقاومة، خصوصاً في غزة ولبنان، والشعبين اللبناني والفلسطيني، خصوصاً البيئة الحاضنة للمقاومة، دعوة للنقاش المنهجيّ حول أرباح وخسائر المشروع الصهيوني في سياق صعوده وهبوطه من الزاوية التاريخية، باعتبار أن مشروع المقاومة ليس مشروعاً قائماً بذاته، بل بصفته دعوة لمواجهة المشروع الصهيوني، وقياس تقدّم مشروع المقاومة أو تراجعه ليس بقياس أكلاف المواجهات التي يخوضها مع المشروع الصهيونيّ، بل بمدى نجاحه أو فشله في إسقاط الحلقات المحورية والمفصلية والبنيوية في المشروع الصهيونيّ.
منذ قيام كيان الاحتلال كانت ركائز المشروع الصهيوني تقوم على مدى القدرة في الحفاظ على الخط البياني الصاعد على مستويين، الأول عسكري معياره القدرة على احتلال المزيد من الأراضي وفرض الإرادة الصهيونية عليها، والثاني ديمغرافي وجوهره القدرة على استقدام المزيد من هجرات المستوطنين بإغراء الأمن والرفاه من جهة، وتهجير السكان الأصليين تمهيداً لتوسيع دائرة الاستيطان وتأمين الغلبة التي تتيح ديمغرافيا بسبب هذه الغلبة العددية، الحديث عن دولة ديمقراطية، لكن يهودية.
على المستوى العسكريّ كان احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقيّة عام 1967 آخر مراحل توسّع الكيان، وقد ترافق هذا الاحتلال مع مشاريع هجرات استيطانيّة نالت الضفة الغربية النصيب الأوفر منها، وجاء الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 ثم الانسحاب من قطاع غزة، وما تلاه من تفكيك المستوطنات، يقول إن ثمّة عطباً بدأ يصيب هذا المشروع، سواء على مستوى القدرة على الاحتفاظ بالأراضي التي يتمّ احتلالها، أو مدى القدرة على تأمين الحماية للاستيطان.
جاءت حرب طوفان الأقصى لتفتح كل المعارك المؤجلة، ومثلما فشل الكيان في إعادة احتلال أي أجزاء من جنوب لبنان واضطر للتوقيع على اتفاق ينصّ صراحة على التزامه بالانسحاب من كل الأراضي اللبنانية، بما فيها تلك التي لم ينسحب منها بعد صدور القرار 1701 عام 2006، وهو وقع على اتفاق إنهاء الحرب في غزة أيضاً على انسحاب شامل من قطاع غزة، التي تشكل جزءاً هاماً من فلسطين وترابها الوطني، وفشل مشروع الجنرالات في شمال قطاع غزة الذي كان مقدّمة لإعادة الاستيطان إلى غزة، ولم يعُد ممكناً الحديث عن وظيفة استراتيجية للحرب في محو آثار انسحابي العام 2000 من جنوب لبنان و2005 من قطاع غزة، فما حمله اتفاق وقف النار في لبنان ومثله اتفاق غزة، واضح بتضمينه التزاماً إسرائيلياً بالعودة الى خرائط وحقائق العام 2000 لبنانياً و2005 فلسطينياً.
المشروع الاستراتيجي الأهم الذي كان موضوع اختبار في هذه الحرب، هو مشروع تهجير الفلسطينيين، الذي يسمّى بـ “الترانسفير”، والذي تشكل غزة حلقته الأهم، عبر الرهان على تهجير الحرب مليوني فلسطيني، ينتج عن حذفهم من معادلة جغرافيا الكيان إلى تعديل ميزان الديمغرافيا بين الفلسطينيين والمستوطنين لصالح الغلبة اليهودية، بعدما ثبت أن طريق الهجرة اليهودية إلى فلسطين لم يعُد يملك موارد بشرية يستثمر عليها لزيادة أعداد المستوطنين وصار تعديل التوازن السكانيّ لصالح الغلبة اليهودية مشروطاً بتهجير الفلسطينيين وتناقص أعدادهم من الجغرافيا التاريخية لفلسطين، وما ينجح في غزة يقدم مثالاً يمكن البناء عليه لإجبار فلسطينيي الضفة على الهجرة نحو الأردن، وصولاً الى الأراضي المحتلة عام 1948 ومشروع تهجيرها إلى لبنان، وسقوط المشروع في غزة يعني سقوطه كلياً كرهان تاريخي.
الذي جرى في هذه الحرب غير قابل للتكرار في أي حرب مقبلة، إن كانت لدى الكيان القدرة على شن حرب مقبلة، ومَن يدقق في حجم الجرائم التي ينطبق عليها توصيف الإبادة بكل معانيه، والخطط المعلنة للتهجير، يعلم أن الضوء الأخضر الغربي والأميركي خصوصاً كان متاحاً أمام مشروع الترانسفير وكان متوفراً دائماً خلال الحرب، وأن نهاية الحرب والفلسطينيين لا يزالون في غزة، تعني أن مشروع الترانسفير في أي بقعة فلسطينية أخرى، بات محكوماً بتجربة غزة، التي كان يفترض أن تشكل مثالاً للتهجير، وقد صارت مثالاً للصمود الفلسطيني وفشل مشروع التهجير. وإذا فشل مشروع التهجير فكيف يمكن للكيان أن يتعامل مع حقيقة أن عليه الاختيار بين أن يكون دولة ديمقراطية وغير يهودية، أو أن يكون دولة يهودية وغير ديمقراطية، وأن الخيارين مشروع تصادم في حرب أهلية بين مكوّنات الكيان، وأن خيار الدولة اليهودية قد يبصر النور بحكومة انفصالية في مستوطنات الضفة الغربية. وفي كل الأحوال إن فشل الترانسفير ليس حدثاً عادياً في تاريخ الكيان، بما يحمله من حقائق لا تقبل التجاهل، وتعلن مواجهة مأزق وجودي يتهدد الكيان لا يملك أحد من قادته عليه جواباً بعد!

ناصر قنديل

18 Jan, 18:17


تكملة ...

لم يعد الخيار بين “إسرائيل” الكبرى و”إسرائيل” العظمى او “إسرائيل” العظيمة، بل بين “إسرائيل” الصغرى وسلوك طريق الأفول سواء عبر الحرب الأهلية أو عبر الحكومة الانفصالية. وفي كل الأحوال نجح مشروع المقاومة بإسقاط حلقتي القوة في المشروع الصهيوني، حلقة القدرة على الاحتلال وحلقة القدرة على التهجير.

ناصر قنديل

17 Jan, 10:38


«إسرائيل» الصغرى بدلاً من «إسرائيل» الكبرى



...



 
لا ترتسم المسارات الاستراتيجية للكيانات والدول والأمم في سطح الأحداث الجارية بتسارع خصوصاً في زمن الحروب، بل هي تترسّب في قاع المحيط الذي تعلوه الأمواج وتؤسس لتحولات في المد والجزر وإيقاع الجاذبية وصولاً الى زلزال أو بركان أو تسونامي. وفيما يتوهّم صانع القرار أنه سوف سينجو من الكارثة ببعض الحذاقة والتذاكي سرعان ما يكتشف أن التاريخ لا يلعب إلا مع الأذكياء ولا يقيم حساباً لجماعات المتذاكين. وما يجري في فلسطين والمنطقة مع نهاية حرب غزة، بل ما سوف يجري، وما هو على وشك أن يبدأ، شيء من هذه المسارات الاستراتيجية الجديدة.
كل حروب “إسرائيل” في المنطقة مهما تعاظمت أهميتها وكبر حجمها، وتحققت فيها انتصارات كبرى أو هزائم صغيرة، تبقى حروباً فرعية في مستقبل كيان الاحتلال، وتبقى فلسطين هي الأصل وحروبها هي الحرب الأصلية، ومقياس النصر والهزيمة فيها وجودي، أي ما فوق الاستراتيجي، وفي ظل حجم التشويش الناشئ على القراءة العلمية بسبب الغبار السياسي والضباب الإعلامي حول الفشل الإسرائيلي في حرب لبنان وحرب اليمن، تبدو حرب غزة وهي تخرج بنصر ناصع بائن لا لبس فيه بمثابة الضربة القاضية في حروب قرّر أصحابها أنهم سوف يربحون فيها بالنقاط، وعدا عن أن فلسطين هي الجغرافيا التي يتقرّر فيها مستقبل الكيان وجودياً، فهي جبهة الحرب التي انطلقت منها الحروب الأخرى وتحت شعار إسناد جبهتها، وفيها وحدها كان واضحاً أن الأميركي والإسرائيلي ومن خلفهما كل قادة الناتو قد رفعوا شعاراً مع بداية الحرب هو اجتثاث المقاومة والقضاء على حماس. ورغم تراجع الكثيرين منهم عن هذا الشعار فقد بقيت واشنطن وتل أبيب تعتبران أنه مقياس تحقيق الحرب لأهدافها. وبكل المقاييس يعترف الأميركيون والإسرائيليون اليوم بأنهم فشلوا، وليس فقط أنهم لم يحققوا نصراً حاسماً كما هو كلامهم عن جبهة لبنان.
الفشل الاستراتيجي في القضاء على المقاومة في غزة، يعيد التحليلات الاستراتيجية لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي غداة طوفان الأقصى، حيث الإجماع على خلاصة واحدة قوامها، استحالة التساكن بين استقرار الكيان واطمئنانه الوجودي مع بقاء قوة مقاومة مسلحة على حدود الجنوب أو الشمال، وبعد تعزية النفس بالفشل في تحقيق هذا الهدف شمالاً تحت شعار العازل الذي يمثله جنوب الليطاني تحت سيطرة الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، والأمل بتحقيق الهدف في الساحة الرئيسية فلسطين، يأتي الفشل أكبر وأعظم في جبهة غزة، ليعيد طرح السؤال الوجودي الذي طرح غداة طوفان الأقصى.
الانقسامات الحالية في الكيان واحتمال اتساع نطاقها مفتوح على المزيد، هي ترجمة لهذا الفشل الوجودي، ووفقاً لما توقعته مجلة الفورين أفيرز الأميركية فإن نهاية الحرب على غزة دون نصر حاسم، تضع “إسرائيل” بين ثلاثة خيارات تلي سقوط حكومة الحرب، الأول تقسيم الكيان بين حكومتين بعد إعلان حكومة مستقلة في المستوطنات، والثاني بقاء الكيان موحداً مع حرب أهلية، بين سكان المستوطنات وسكان المدن الكبرى تدعمهم مؤسسات الكيان الرسمية، والثالث هو الصوملة مع انهيار اقتصاديّ وتسجيل هجرة معاكسة كثيفة تنتج عنها دولة فاشلة من جمهوريات الموز في آخر قائمة دول العالم الثالث.
سبق وقالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عام 2010 أمام منظمة الأيباك التي تشكل قوة اللوبي الصهيوني في أميركا، أن مستقبلاً قاتماً ينتظر “إسرائيل”، ناتج عن استحالة بقائها دولة ديمقراطية ويهودية في آن واحد، مع السيطرة على كامل فلسطين التاريخية بين البحر والنهر، حيث التوازن السكاني ليس لصالح غلبة يهودية، وحيث الديمقراطية التي توجب منح الفلسطينيين حقوق التصويت سوف تسقط صفة اليهودية عن الدولة. والإصرار على يهودية الدولة سوف يسقط صفة الديمقراطية عنها، وحيث لا فرصة لتعديل التوازن بالرهان على الهجرة التي نضبت مواردها البشرية مع تنافس فاشل في التناسل مع العرب، وصعوبة الحديث عن نصر حاسم في حروب تزداد فيها مكانة الصواريخ، وهذا المستقبل القاتم يقترب بقوة.
مع فشل حروب غزة التي خاضها كيان الاحتلال على جبهات غزة ولبنان واليمن، سقطت “إسرائيل” الكبرى و”إسرائيل” العظمى و”إسرائيل” العظيمة، وصار هناك باب مفتوح لشيء واحد لم يستعد قادة الكيان لتقبله بعد، هو “إسرائيل” الصغرى، والصراع الآن بين رعاة الكيان لإنتاج قادة يقبلون بـ”إسرائيل” الصغرى تحت شعار حل الدولتين، وبين صراع مفتوح يؤسس لفرضيات شرحتها توقعات الفورين أفيرز كلها علامات الأفول.

ناصر قنديل

07 Jan, 00:39


تكملة ...

ونجحت إدارة الرئيس بري للملف الرئاسي بإعادة إنتاج مكانة بيضة القبان لصالح الثنائي في الاستحقاق، بصورة تحرم خصوم المقاومة من فرصة القول إن الرئاسة تغيّرت اتجاهاتها لأن موازين القوى بين المقاومة والاحتلال تغيّرت، وإن المقاومة خسرت رئاسياً لأنها خسرت الحرب، وإذا كان لا بد من تفاوض خارجي لإنجاح الاستحقاق فإن بري هو المفاوض اللبناني، وإذا كان المطلوب رئيساً صنع في لبنان فإن العجين اللبناني له خباز واحد هو نبيه بري.

ناصر قنديل

07 Jan, 00:39


الدبلوماسية الأميركية والاستعصاء اللبناني



...



 
– منذ انطلاقة المقاومة بعد العام 1982 وتصدر حركة أمل المشهد الجنوبي، وواشنطن تبحث عن سبيل للتخلص من هذه المقاومة مرة بالترغيب ومرة بالترهيب ومرات بالحصار، وكانت حتى تاريخ ظهور حزب الله كقيادة جديدة للمقاومة بعد اتفاق الطائف تصطدم بأن زعامة الرئيس نبيه بري نجحت في الجمع بين قيادتها للمقاومة من جهة، وقيادتها لمشاركة الطائفة الشيعية في معادلة الدولة اللبنانية بعد عقود من الحرمان والتهميش والإقصاء، بحيث صار تحجيم المقاومة مرادفاً لتحجيم الطائفة وإقصائها وهو مشروع حرب أهلية لا يمكن لأحد الفوز بها. وقد كانت تجربة انتفاضة السادس من شباط عام 1984 التي قادها بري رداً على مشروع الحرب الأهلية التي قادها الرئيس أمين الجميل لتثبيت المشروع الأميركي وتثبيت اتفاق 17 أيار، وكانت مناطق الجبل والضاحية وبيروت مسرحاً لها، فرصة ليكتشف الأميركي أن الحرب الأهلية وصفة لتفكك الجيش والدولة حتى لو تمّت رعايتهما في الكنف الأميركي كما كان الحال يومها.
– منذ ظهور الشهيد السيد حسن نصرالله قائداً للمقاومة وتبلور تفاهم عميق بين حزب الله وحركة أمل على شراكة كاملة، في المقاومة وإدارة الدولة، يقود المشاركة السياسية داخل الدولة الرئيس بري، ويدير المقاومة فيها السيد نصرالله، حاول الأميركيون سبيلاً آخر هو الرهان على استمالة أمل وبري وحصر المواجهة مع حزب الله، فكانت النتيجة أن نجح ثنائي بري نصرالله في توظيف هذا الرهان لصالح تقاسم أدوار في إدارة المعركة فيتوهّم الأميركي أنه يحقق تقدماً في فك العلاقة بين الشريكين ثم يكتشف متأخراً أنهما أكثر تماسكاً. وخلال حرب تموز 2006 كان السيد نصرالله يقود مقاومة حزب الله وأمل معاً، وكان بري يقود المفاوضات، ولوهلة توهّم الأميركيون أنهم اتفقوا مع بري على دخول الجيش الى الجنوب من وراء ظهر حزب الله ورغماً عنه، ليكتشفوا أن الصيغة تم إعدادها مسبقاً في تقاسم أدوار بين بري ونصرالله.
– بذل الأميركيون بعد حرب تموز 2006 جهوداً ضخمة ووظفوا أموالاً طائلة، لإنتاج معارضة في الطائفة الشيعيّة لوحدة ثنائي أمل وحزب الله، ثم راهنوا مراراً على النجاح باختراق لوائح الثنائي في الانتخابات النيابية ولو بمقعد واحد، لكن الحصيلة بقيت دائماً أن استنخاب مقعد شيعي خارج الثنائي قد يحدث بتصويت من إحدى الطوائف الأخرى، بحيث يبقى مطعوناً بشرعيته الطائفية سواء جاء في كنف دعم سني أو مسيحي، ينظر له في الطائفة كسفير لطائفة أخرى لدى طائفته. واستمرّت المحاولات بعد ذلك طويلاً لكنها باءت بالفشل.
– في حرب الطوفان وجبهة الإسناد، اضطر الأميركي أمام تماسك الثنائي ووجود تيار شعبي جارف مساند لمواقفه، إلى التسليم لمرحلة غير قصيرة بأن طريق وقف النار في لبنان يمرّ من غزة، حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ردّد ذلك مراراً، وعندما قرّرت واشنطن وتل أبيب الانتقال الى حرب الضربة القاضية عبر تفعيل الحزمة القاتلة بوجه حزب الله، من تفجيرات البيجر واللاسلكي إلى القصف التدميري في الجنوب والضاحية والبقاع وصولاً إلى اغتيال القادة وتتويجاً باغتيال السيد حسن نصرالله، فوجئت بالتموضع السريع للثنائي وراء شعار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وإعلان الانتقال من طرف حزب الله من حرب الإسناد إلى حرب الدفاع عن لبنان، وبالتوازي فوجئت بالصمود الأسطوريّ للشعب والمقاومة في مواجهة حرب الضربة القاضية، حتى اضطرت واشنطن وتل أبيب إلى السير باتفاق وقف إطلاق النار تحت سقف القرار 1701، الذي تحاول تل أبيب بتغطية واشنطن استثمار مهلة الستين يوماً التي يمنحها حتى تحقيق الانسحاب الشامل للاحتلال من جنوب لبنان، لفرض صورة المنتصر على المقاومة. وهي تصل اليوم إلى استعصاء قوامه الاختيار بين المضي في نسف الاتفاق والعودة إلى مواجهة برية خاسرة سلفاً مع المقاومة التي استثمرت على المهلة لإعادة ترميم صفوفها والاستعداد لجولة مقبلة. وعودة المواجهة سوف تمحو ما رسم من صورة الأيام الستين من تصدّر جيش الاحتلال للصورة، أو العودة الى الحرب بكل ما فيها من مخاطر دون خريطة طريق للأهداف وكيفية تحقيقها، أو الاعتراف بالفشل مجدداً والعودة إلى الاتفاق.
– في الملفّ الداخلي حاولت واشنطن الدخول على خط الملف الرئاسيّ لتظهير صورة معادلة سياسية جديدة تظهر المقاومة في موقع الخاسر، فوجدت أن التمهيد الاستباقي الذي قدّمه الرئيس بري لربط وقف النار والقرار 1701 بالدعوة لرئيس توافقي، طلباً لتحقيق وحدة وطنية في مواجهة العدوان، وتأييد حزب الله لحراك برّي، يمثل ضربة استباقية قطعت الطريق على أي تحرّك أميركي لإحراج الثنائي رئاسياً وإظهاره خاسراً بخسارة مرشحه، وصعوبة توفير النصاب اللازم لانتخابه.

ناصر قنديل

04 Jan, 19:21


بانتظار اليوم الـ 61



...



 
كثيرة هي الوقائع التي تقول بوجود قراءات متفاوتة داخلياً وخارجياً لموازين القوى في ضوء نتائج الحرب التي خاضتها المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال كحصيلة إجمالية، أو في ضوء النتيجة الإجمالية لهذه الحرب مضافاً عليها ما جرى في سورية وانعكاسه على هذه الموازين، حيث لم يعد ممكناً إنكار حقيقة أن الاحتلال ومن خلفه اللاعب الأميركي المزهو بوصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومعهما لاعبون كبار وصغار في المنطقة ولبنان يتصرّفون على قاعدة اعتقاد يقول بأنه بات بالإمكان التعامل مع حزب الله كقوة مهزومة، تعيش حالة إنكار وعليها أن تعترف بالواقع الجديد.
ما جرى في مطار بيروت فجر أمس، كان مثالاً عن هذا الاعتقاد، فما كان ممكناً لهذا أن يجري قبل عام أو عامين، لكن هذا بدأ خلال الحرب عندما مُنعت طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت بعد تحذير إسرائيليّ، وجرى المنع تحت شعار تفادي ضربة إسرائيلية. وهو الشعار ذاته الذي استخدمه وزير الداخلية في تبرير الإجراءات التمييزيّة التي تمّ تطبيقها على الطائرة الإيرانية وركابها من بيئة حزب الله، دون سائر الطائرات الوافدة إلى المطار وركابها.
نسمع يومياً على الشاشات العربية واللبنانية سياسيين وإعلاميين، يعترفون بأن اتفاق وقف إطلاق النار هو امتداد للقرار 1701، الذي عاش ثمانية عشر عاماً دون أن يقول أحد إنّه يتضمن نزع سلاح المقاومة، لكنهم لا يترددون في القول إن الظروف تغيّرت الآن، لأن حزب الله برأيهم تلقى هزيمة تفرض عليه تقبّل القراءة الإسرائيلية للاتفاق او للقرار لا فرق. المهم أن زمن السلاح برأيهم انتهى، وإلا فلن توقف “إسرائيل” ما تقوم به في جنوب لبنان، ويصبح الحديث عن مصير السلاح شبيهاً بالحديث الذي ردّده الكثيرون في الأيام الأولى لحرب تموز 2006، عندما قالوا إن الحرب لن تتوقف ما لم يقبل حزب الله بإلقاء السلاح، لكنّهم الآن يضيفون إلى الخلطة مكوّنات جديدة، حزب الله لم ينجح بتطبيق الردع الذي وعد به اللبنانيين قبل الحرب، سورية حجر الرحى في الجغرافيا السياسية والعسكرية لمحور المقاومة انقلبت إلى عكس الاتجاه، وهي إضافة لإسقاط نظام الأسد تتباهى بلسان قادتها الجدد أنها أنجزت إنهاء تهديد حزب الله لأمن “إسرائيل” عبر سورية، وهي لا تريد أن تكون مصدر قلق أمنيّ لـ”إسرائيل”، حتى عندما تقوم “إسرائيل” بشنّ غارات متواصلة لتدمير مقدّرات الجيش السوري التي آلت إليها، أو عندما تتوغل القوات الإسرائيلية في الأراضي السورية. وهذا انقلاب برأي أصحابه يعادل الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، وهذا التشبيه حاضر في ترشيحات رئاسة الجمهورية في الداخل اللبنانيّ.
على خلفيّة هذا المشهد الذي يعتقد خصوم المقاومة أن فصوله مستمرّة وسوف ينال اليمن نصيباً منها، وسوف تصل التردّدات إلى إيران، تجري مقاربة مصير اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يفترض وفق الاتفاق أن تنسحب قوات الاحتلال من كل الأراضي اللبنانيّة حتى الخط الأزرق، وتتوقف كل الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال في جنوب لبنان منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، والمهلة المحدّدة لذلك تنتهي في السابع والعشرين من الشهر الحالي. وبالمقابل هناك من يقول إن هذا لن يحدث وإن جيش الاحتلال سوف يواصل ما يقوم به ما دام حزب الله يقرأ الاتفاق بعين لا تعترف بالهزيمة ولا تقبل بوضع ملف السلاح ومستقبله على الطاولة فوراً، كشرط لضمان وقف التوغّل والتغوّل الإسرائيليّ، وإن حماية لبنان ترتبط بحجم الضمانة الأميركيّة المشروطة بإنهاء سلاح حزب الله ضمناً.
بغض النظر عن كل النقاش حول معنى الحديث عن ضمانات أميركيّة وغير أميركيّة، تنفع لمنع العدوان الإسرائيليّ، وكل المواقف الأميركيّة تجيب بحجم الاستعداد الأميركي لفعل كل شيء لمساندة العدوان الإسرائيلي، فإن السؤال العمليّ هو المهم هنا، ماذا سوف يحدث في اليوم الحادي والستين من وقف إطلاق النار، أي في السابع والعشرين من الشهر الحالي، فإذا توقفت الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية وتمّ الانسحاب وفق ما هو متفق عليه وما هو متوقع، فإن هذا يعني أن القراءة الإسرائيليّة لموازين القوى الفعليّة لا علاقة لها بما يتمّ ترويجه إعلامياً للرأي العام الإسرائيلي عن صورة النصر، وأن قيادة الاحتلال تعلم أنّها لا تتحمّل خوض اختبار مواجهة خاسرة مع المقاومة. وفي هذه الحالة سوف يكون الشعور بالخيبة والمرارة نصيب كل اللبنانيين والعرب الذين روّجوا لهزيمة المقاومة؛ أما في حال واصل الإسرائيلي الانتهاكات والاعتداءات وبقيت قواته ولو في شبر من الأراضي اللبنانية المفترض الانسحاب منها، فإن الشعب اللبنانيّ، وخصوصاً في الجنوب، ومعه المقاومة، على موعد مع مواجهة لا بدّ أن تكون على درجة من القوة والشدّة والفعاليّة لإعادة رسم موازين القوى بصورة لا تقبل التأويل، لأن مستقبل استقلال لبنان ومصير تضحيات شعبه على المحك.
اليوم الحادي والستون يوم آخر في كل الأحوال.

ناصر قنديل

04 Jan, 19:14


كانون الثاني… «والمَيّة تكذب الغطاس»
 

..



تزدحم استحقاقات شهر كانون الثاني أول شهور العام الجديد، داخلياً وخارجياً، وإذا كان الحدث اللبناني الأبرز هو جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من هذا الشهر، فإن الحدث الدولي الأبرز هو دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر، وما بين الحدثين وحولهما تساؤلات عن مصير اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الذي تنتهي مهلة إنجاز مراحله في السابع والعشرين من هذا الشهر، ومثله مصير مفاوضات اتفاق حول غزة يُنهي الحرب ويُنهي أزمة تبادل الأسرى في ظل تهديد الرئيس الأميركيّ بجحيم سوف يطال كل الشرق الأوسط ما لم يتمّ ذلك قبل دخوله البيت الأبيض. ويترافق مع هذه الاستحقاقات، استحقاق سوريّ معلن هو انعقاد مؤتمر الحوار الوطنيّ كنقطة انطلاق لعملية سياسية تنتهي بدستور وانتخابات.
هناك مَن يمتلك رواية كاملة للإجابة على الأسئلة المطروحة، وهو يقول إن رئاسة الجمهورية في لبنان كلمة سر أميركية، وإن وقف إطلاق النار في جنوب لبنان يعني خطة لنزع سلاح المقاومة، وإن اتفاق غزة يعني تهديداً بحرب على إيران تمثل جحيم ترامب على المنطقة ما لم تقبل حركة حماس بشروط بنيامين نتنياهو. ولا يُخفي هؤلاء قناعتهم بأن المنطقة التي توهّمت طويلاً السباحة بعكس التيار الأميركي، مع صعود قوى المقاومة فيها، قد عادت إلى الحظيرة الأميركية، أكثر مما كانت في يوم من الأيام، معتبرين نتائج حرب طوفان الأقصى من جهة والتغيير في سورية من جهة موازية إعلان نهاية زمن المقاومة وبداية العصر الأميركي الإسرائيلي الجديد، فهل هذا صحيح؟
لا حاجة للدخول بنقاش مع أصحاب هذه الرواية، لأن الزمن اللازم لاكتشاف مدى صحتها قريب، وإذا كان غموض المطبخ الرئاسي اللبناني، مثل غموض الموقف الأميركي بين حديث عن دعم ترشيح قائد الجيش ودعوة للتأجيل لما بعد تسلّم الرئيس ترامب، بما يمنع الحكم على صحة الرواية في حال سلك الاستحقاق الرئاسي أي طريق، إلا أن مصير وقف إطلاق النار في لبنان ومصير التفاوض في غزة واحتمالات الحرب الأميركية على إيران، مسارات وملفات لا يمكن تجاوز مطباتها بالغموض، والمفاتيح واضحة في العناونين، وطرق فحص الرواية ظاهرة وسهلة، وكما يقول المثل المصري، «الميّة تكذب الغطاس».
إذا انتهى هذا الشهر وانسحب جيش الاحتلال مع نهاية مهلة الستين يوماً في اتفاق وقف إطلاق النار، والمقاومة تعلن بلسان قيادتها أن التزاماتها محصورة بالانسحاب من منطقة جنوب الليطاني، وتسهيل قيام منطقة لا سلاح فيها إلا سلاح الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، أما سلاح المقاومة ومستقبل دورها فليس جزءاً من مواضيع الاتفاق وبنوده، فهذا يعني أن الاتفاق هو كما تقول المقاومة لا كما يقول أصحاب الرواية. أما إذا تعثر الانسحاب الإسرائيلي بذرائع وأعذار، فعلينا انتظار موقف الحكومة اللبنانية التي تولت التفاوض على الاتفاق، وموقف قيادة الجيش اللبناني التي تولت الإشراف على تنفيذ الاتفاق، وإن قالت الحكومة وقال الجيش إن المسؤولية في تعطيل الاتفاق تقع على عاتق الاحتلال، انتهى الأمر وسقطت الرواية.
في غزة إذا تم الاتفاق وتضمّن آليات ترتبط بالانسحاب الإسرائيلي وإنهاء الحرب سقطت الرواية، وإذا لم يتم الاتفاق ولم تقع الحرب الأميركية على إيران وتفتح أبواب جحيم الشرق الأوسط، سقطت الرواية أيضاً، وتكسب الرواية نقطة لصالحها فقط إذا تم الاتفاق وكان واضحاً أن المقاومة تخلّت فيه عن شرط أن يتضمّن سياقاً ينتهي بوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال. ويبقى الأهم في غزة كما في لبنان هو هل الاتفاق يضمن إنهاء المقاومة وسلاحها، تحقيقاً لما قال الإسرائيليون إنه بات مفتاح الأمن الوجودي لبقاء كيانهم، وهو إنهاء التساكن مع مقاومات مسلحة كتلك التي نتج عنها طوفان الأقصى، وجبهة الإسناد، وما رافق كل منهما من نقل المعركة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وتهديد أمن المستوطنات وقوة ردع جيش الاحتلال فيها. والسؤال هو هل ضمنت الاتفاقات إنهاء هذا التساكن مع المقاومات المسلحة، أم أنها أجلت مواجهة مقبلة معها فقط؟
مرة أخرى، «الميّة تكذب الغطاس».

ناصر قنديل

31 Dec, 09:27


هل جنّبت تركيا المنطقة حرباً مدمرة؟


...


 
– تنتشر في الصحف والمواقع التركية سردية يبدو أنها شبه رسمية لمقتضيات ما سُمّي بالعملية القيصرية في سورية، وتقول الرواية “إن المنطقة كانت سوف تتعرض لحرب إقليمية واسعة جداً لأن “إسرائيل” كانت تنوي التدخل في سورية، وهذا التدخل سيكون الأكبر في المنطقة بعد حربها على غزة ولبنان. وفي حال دخلت القوات الإسرائيلية الى سورية فإن الإيرانيين بالضرورة سوف يزجون بالعراق للتدخل في مواجهة هذا التدخل، وهو الأمر الذي كان سيدفع تركيا إلى الشعور بقلق كبير، وبالتالي يدفعها أيضاً إلى التدخل في مواجهة “إسرائيل” متوافقة مع الإيرانيين، والروس كانوا سيستفيدون من صرف الأنظار عن أوكرانيا الأمر الذي سوف يستدعي ردات فعل أميركية، والإيرانيون كانوا سوف يقصفون في الداخل الإسرائيلي ويردون بقصف القواعد الأميركية في الخليج، وهو ما كان سيتطور الى حرب إقليمية شاملة، ولذلك جاءت هذه العملية القيصرية لتجنيب المنطقة هذه الويلات وتضمن الأمن للمنطقة بما فيها إيران وتركيا والخليج لعقود مقبلة”.
– وفقاً لهذه السردية فإن العمل العسكري المشترك لتركيا وهيئة تحرير الشام وحلفائها ضد الدولة السورية ورئيسها قام على نظرية استراتيجية وعسكرية، قوامها أن محوراً ثالثاً يتكون من تركيا والهيئة قام بسحب سورية من حضن إيران ومحور المقاومة وروسيا نسبياً لإفقاد هذا الفريق مواقع قوة تمثلها سورية، وبالتوازي إلغاء فرصة استهدافها من المحور الأميركي الإسرائيلي باعتبارها لم تعد محسوبة على المحور المقابل. والاستيلاء على سورية هنا هو إضعاف لمحور وحرمان محور مقابل من ربح زائد، يحقق التوازن بين المحورين ويقدّم المحور الثالث الذي يكون قد نقل سورية إلى عهدته، كضامن لعدم التصعيد وتحقيق الهدف وهو منع الحرب الكبرى. فهل هذه الرواية قابلة للتصديق من زاوية الفحص المنطقي، خصوصاً أن رئيس الهيئة الحاكمة في الشام والشريك في العملية قد قام بتكرارها كفلسفة لما وصفها بالحرب الخاطفة التي أمنت المنطقة لخمسين سنة؟
– من الزاوية الواقعيّة يكفي النظر لنتائج العملية لمعرفة أن المحور الأميركي الإسرائيلي حقق أرباحاً غير متخيّلة، مقابل خسائر استراتيجية للمحور المقابل، ولم يتحقق توازن بين المحورين المتقابلين لا في الأرباح ولا في الخسائر، فأسقط نظام موالٍ للمحور الخاسر ومناهض للمحور الرابح، وقطع طريق إمداد المقاومة وأُخرجت من سورية، ومثلها خرجت إيران من سورية، وضعفت روسيا في سورية إلى حد أن خروجها بات متوقعاً. وهذه كلها أرباح أميركية إسرائيلية وخسائر لمحور إيران وروسيا والمقاومة، فهل تحقق الهدف وهو تفادي الحرب التي يمكن أن تقصف خلالها القواعد الأميركية وإيران والمصالح النفطية في الخليج؟
– ليس أكيداً أن سورية كانت ساحة حرب متوقعة، وإن سلّمنا بصحة ذلك، فيبدو أن الوجهة انتقلت بعد سورية نحو اليمن، وفقاً للوقائع الحربية والتصريحات الإسرائيلية، بعدما ضمنت العملية للمحور الأميركي الإسرائيلي ربح سورية دون حرب، انتقلت جبهة الاستهداف نحو اليمن، وفي حرب اليمن خصوصاً يمكن أن يصبح استهداف القواعد الأميركية والمصالح النفطية والأساطيل في البحر الأحمر، هو مضمون الحرب. وهذا لا يزال احتمالاً وارداً ولم يُسحَب من التداول، فهل نجحت العملية بتحييد سورية عن مخاطر الأطماع الإسرائيلية؟
– عملياً، بسبب العملية صار ممكناً لـ”إسرائيل” أن تقوم بعمليات تدمير للقدرات العسكرية السورية، وسوف تضمن أن لا أحد سوف يمنعها عن فعل ما تشاء في الجغرافيا السورية مستقبلاً ولسنوات مقبلة، مع معرفتها باستحالة إعادة بناء جيش قوي في سورية، لأن الرعاية تركية والتسليح أميركي حصراً، وها هي تضمن حرية العمل كمبدأ وتتحرّك بموجبه حيث تشاء في الجغرافيا السورية، وهي تحتاج كل الهضاب والتلال في سفوح جبل الشيخ وصولاً للحدود السورية العراقية وتقاطعها مع الحدود السورية الأردنية. وبوضع اليد على هذه الجغرافيا التي تعادل مساحة الضفة الغربية سوف يتاح للقيادة الإسرائيلية التحدّث عن نصر أكيد في هذه الحرب، والتصرف مع الضفة السورية كما هو الحال مع الضفة الفلسطينية، مع فارق أن الطريق مفتوح شمالاً حتى الكانتون الكردي، والقوات الأميركية تنتشر من التنف حتى الفرات. وبالنظر لتدمر والبادية السورية يمكن لكيان الاحتلال أن يتوسّع بأكثر من خمسين ألف كيلومتر مربع، وأن يضمن التواصل الآمن والمستدام مع الميليشيات الكردية.
بالحصيلة حققت “إسرائيل” أهدافها، وسوف تستكمل التحقيق بدعم ورعاية كاملين من واشنطن، التي سوف يكون على أنقرة وحلفائها اللهاث وراءها طلباً لرفع العقوبات التي لا إمكانية لضخ المال والنفط وتشغيل الكهرباء وانطلاق الاقتصاد في سورية، أما الحرب التي تشعل الخليج والنفط فقد كانت احتمالاً ضئيلاً قبل “الحرب الخاطفة”، لكنها صارت احتمالاً وارداً بقوة أكبر بعدها.

ناصر قنديل

30 Dec, 08:45


المشروع الإسرائيلي والمشروع التركي


...



 
– يسأل الكثير من المحللين الأتراك في مقالاتهم هذه الأيام عن طبيعة الموقف الأميركي من المشروعين التركي والإسرائيلي، في ضوء ما شهدته سورية من تغييرات جيوسياسية كبرى، أحدثت زلزالاً في المنطقة ورمت بثقلها فوق العلاقات الإقليمية والدولية، وكانت تركيا اللاعب الأبرز في صناعتها، ويتحدّث الأتراك عن حالة إحباط في انقرة تجاه ما يسمونه بالجحود الأميركي والاسرائيلي تجاه ما حققته تركيا وانعكس أرباحاً دون تكلفة لكل من الجانبين الاأميركي والإسرائيلي، سواء لجهة إزاحة نظام كانت واشنطن وتل أبيب تكرران الرغبة باسقاطه دون امتلاك خريطة طريق لتحقيق ذلك، أو لجهة إضعاف روسيا وحضورها في غرب آسيا، أو إخراج إيران من سورية، ومحاصرة حزب الله عبر البوابة السورية وقطع خط إمداده، وسبب الإحباط هو التوقعات التركية بأن تكون المكاسب التركية المرتقبة موضع ترحيب أميركي إسرائيلي، سواء لجهة إنهاء الحالة الكردية المسلحة شرق سورية، أو لجهة رفع العقوبات عن سورية وإنهاء تصنيف هيئة تحرير الشام على لوائح الإرهاب، والمساعدة على توفير مناخ مساعد لضمان نجاح قيام نظام جديد في سورية تدعمه تركيا، بينما تبدو واشنطن وتل أبيب وقد حصدتا مكاسبهما، تريدان ابتزاز تركيا في كل خطوة مطلوبة، بل إن أنقرة تعتبر أن التحركات الإسرائيلية جنوب سورية واستهداف مقدرات الجيش السوري بالطريقة التي تمّت بها، استفزازاً متعمداً لتركيا عبر إحراج الحكم الجديد في سورية والتسبب بإضعاف صورته أمام الشارع السوري الشديد الحساسية تجاه الصراع مع “إسرائيل”، خصوصاً أن الجولان السوري تحت الاحتلال وتل أبيب مدعومة من واشنطن أعلنت ضمّه إليها، بينما لا تشير التصريحات الخاصة بالعقوبات او بالعلاقة مع الجماعات الكردية الى ان الأمور تسير كما ترغب أنقرة.
– يقول الأتراك إن أنقرة تنتظر ما بعد تسلّم الرئيس دونالد ترامب لمهامه، لتختبر معاني إعلانه عن ما يشبه تفويض تركيا في سورية، وهل يشمل ذلك مستقبل العلاقة بالجماعات الكردية، والوجود العسكري الأميركي في سورية، كما كانت تقول المواقف السابقة لترامب، أم أن الأمور سوف تتغير، ومصدر القلق يعود من جهة لما يستشعره الأتراك من ضغوط تستعدّ لها الدولة العميقة في واشنطن، خصوصاً من البنتاغون والدعوات الى زيادة القوات الأميركية في سورية والتركيز على الحفاظ على خصوصية الجماعات الكردية المسلحة في أي صيغة جديدة لسورية، بصورة تجعل سورية شبيهة بالعراق لجهة النظام الفدرالي وبقاء قوات كردية مستقلة ومعها سيطرة كردية على موارد نفطية، ومن جهة ثانية تخشى أنقرة أن يؤدي التزام ترامب بأولوية المصالح الإسرائيلية على أي شيء آخر، الى اعتبار التوسع الإسرائيلي نحو جنوب سورية والحفاظ على البنية الكردية العسكرية كحليف مفترض لـ”إسرائيل” جزءاً من الأمن الاستراتيجي لتل أبيب الذي يحظى بدعم ترامب، خصوصاً أن ترامب سبق وتحدث عن حاجة إسرائيل لمزيد من الأراضي ولا شيء يمنع أن تطالبه تل أبيب بمباركة التوسع في سورية من هذه الزاوية، والأخطر برأي أنقرة أن يرافق هذا التحول في الخطاب الأميركي ربط إلغاء العقوبات ورفع تصنيف هيئة تحرير الشام عن لوائح الإرهاب بشروط تعجيزية لإخضاع أنقرة ودمشق لهذه الشروط، ويقول الأتراك إنه لن يكون موقف أنقرة في هذه الحالة انهزامياً وقد وضعت كل رصيدها في هذه الحملة نحو سورية، وإن أنقرة بدأت عبر رئيس هيئة الحكم في دمشق بتوجيه رسائل إيجابية نحو موسكو وطهران بسبب خشيتها من الانقلاب الأميركي.
– يستبعد المحللون في واشنطن أن تكون عملية رفع التصنيف عن لوائح الإرهاب سهلة، خصوصاً أنها تمّت عبر الأمم المتحدة، وربطت توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وملفاً قضائيّاً لا يمكن تجاهله، وفي الأمم المتحدة ليست واشنطن لاعباً وحيداً، ورفع العقوبات يرتبط بإلغاء التصنيف، لأنه لا يمكن رفع العقوبات التي فرضت بسبب انتهاكات نظام حكم لحقوق الإنسان دون أن يتمّ تصنيفه إرهابياً، وقد حل مكانه نظام حكم مصنفاً إرهابياً، ولذلك يعيد الأميركيون التذكير بمضمون قانون العقوبات والضوابط التي يتضمنها لرفع العقوبات، ومنها تطبيق القرار 2254، وحقوق المرأة، ومشاركة جميع المكونات السورية في الحكم، وانتخابات نيابية ورئاسية وفقاً لدستور جديد، وقد أضيف إليها الآن إلغاء تصنيف الإرهاب عن الجهة الحاكمة، وإذا كان مسار الدستور والانتخابات سوف يستدعي، كما قال رئيس الهيئة الحاكمة سنوات تمتد إلى أربع، فإن مسار رفع العقوبات لن يكون أقصر، ويفضل أن تطلبه حكومة منتخبة تتمثل فيها كل الأطياف السورية ويكون للأكراد كلمة وازنة فيها.

ناصر قنديل

30 Dec, 08:45


تكملة ..

– في تل أبيب تأكيدات على التمسك بحرية الحركة في سورية، حتى حدود العاصمة دمشق، وتمسّك بالسيطرة على جبل الشيخ والهضاب التي تقع في سفوحه، باعتبارها حزاماً أمنياً ضرورياً لأمن “إسرائيل”، وهذا كان حلماً تاريخياً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتبر أن الجولان هو عيون وآذان الكيان والرئة التي يتنفس منها، لكنها كانت تتقاسم المرتفعات مع الدولة السورية، ولذلك تشعر بالقلق المستمر، أما وقد صار ممكناً احتكار السيطرة على المرتفعات فلا تراجع عن ذلك. وإذا اقتضى ضمان الاستقرار هناك تحويل سهل حوران إلى منطقة عازلة فلا مانع من تهجير بضعة آلاف هم سكان القرى والبلدات التي تعيق هذا المشروع.
– كل ذلك يقول إن شهر العسل بين الثلاثي التركي الأميركي الإسرائيلي في سورية الذي ينتهي في 8 كانون الثاني، قد لا يكون قابلاً للتجديد بعد هذا التاريخ، خصوصاً أن تطلع تل أبيب نحو “إسرائيل” الكبرى، يقابله تطلع أنقرة نحو العثمانيّة الجديدة.

ناصر قنديل

28 Dec, 23:59


حرب استنزاف يمنية إسرائيلية

...




 
تحوّلت الجبهة اليمنية الإسرائيلية إلى جبهة الحرب الرئيسية بالنسبة لبنيامين نتنياهو، كما أصبحت الإسناد الوحيد الذي يقدّمه محور المقاومة لغزة، وخلال أسبوعين ماضيين تحوّلت الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنيّة إلى حدث يوميّ بالنسبة لسكان تل أبيب تُجبرهم على النزول بالملايين إلى الملاجئ، بينما ثبت بصورة قاطعة فشل الدفاعات الجوية الإسرائيلية في التصدّي للهجمات اليمنية، وفقاً لتصريحات مسؤولين إسرائيليين عسكريين منهم أكثر من قائد سابق لسلاح الدفاع الجوي في القوات الجوية، حيث أكد تسفيكا حاييموفيتش، القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي، أن التطوّرات الأخيرة تظهر أن الحوثيّين باتوا قادرين على استهداف مناطق وسط «إسرائيل» بعد أن كانت هجماتهم تقتصر على إيلات. وأشار إلى أن التعديلات التقنية التي أدخلها الحوثيون على صواريخهم تزيد من خطورتها وتفرض تحديات جديدة على الدفاعات الإسرائيلية. أما اللواء ران كوخاف، القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي، فقد صرّح للقناة 13 بأن الإخفاقات الأخيرة في اعتراض الصواريخ لا تعود فقط إلى تقنيات جديدة أو صواريخ فرط صوتيّة، بل إلى «فشل مزدوج» في عمليّات الاعتراض.
لم يعُد المشهد مقتصراً على عمليّات متقطعة، بعدما نجح اليمن بتحقيق إنجاز نوعيّ تمثل بإقفال البحر الأحمر أمام السفن المتوجّهة إلى كيان الاحتلال وصولاً إلى التسبّب بإقفال ميناء إيلات، وإعلان شركة المرفأ إفلاسها. وتأتي تحديات الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية نحو عمق الكيان بعد وقف إطلاق النار على جبهة لبنان وبعد الأحداث الكبرى التي شهدتها سورية، لتقول إن اليمن وحده سوف يعوّض غياب سائر أطراف محور المقاومة عن جبهات الإسناد، مفتتحاً حرب استنزاف فعالة على كيان الاحتلال، ويُجمع المحللون الإسرائيليون على هذه الحقيقة، كما أشار مراسل الشؤون العسكرية في قناة «12» نير دفوري، الذي قال إن التقديرات في «إسرائيل» تشير إلى دخول البلاد في حرب استنزاف قد تمتدّ أسابيع، إذ يواصل اليمن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة بشكل يوميّ، مما يؤدي إلى إرهاق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية. وتوقع الخبير الإسرائيلي في شؤون الخليج يوئيل جوجانسكي أن يستغلّ اليمن هذا الوضع لاستنزاف «إسرائيل» بشكل أكبر، مؤكداً أن اليمن يدرك تماماً تأثير هجماته على السياسة الإسرائيلية والمجتمع. وأضاف «»إسرائيل» تقع تدريجياً في المصيدة اليمنية، وأنا قلق من أن هذه الحرب قد تنتهي بهزيمتنا».
فيما يكشف هلع المراقبين والمحللين في الكيان من المواجهة مع اليمن وعدم ثقتهم بفعالية تهديدات رئيس حكومتهم، قناعة بأن لدى اليمن ما ليس لدى سائر أطراف محور المقاومة، فإن هؤلاء يُعيدون ذلك إلى أسباب مثل التسليم الأميركي البريطاني باستحالة الفوز في حرب استنزاف مع اليمن من جهة، وبتأثير دخول اليمن هذه الحرب بعدما استنفدت «إسرائيل» قدرتها على التحمل إثر خمسة عشر شهراً من الحرب، وتطرّقت القناة الـ14 إلى ضعف الدعم الأميركي لـ»إسرائيل» في هذا الصراع، إذ أشار مراسل الشؤون السياسية تامير موراغ إلى مشكلتين رئيسيتين: الأولى هي غياب رغبة الإدارة الأميركية في تصعيد العمليات الهجومية ضد اليمن، والأخرى نقص الصواريخ الاعتراضيّة، مما يزيد صعوبة التصدي للهجمات اليمنية. بينما نبّه داني سيترينوبيتش الخبير في شؤون إيران ومحور المقاومة في مركز أبحاث اﻷمن القومي إلى أن تعطيل ميناء إيلات بالكامل بسبب الهجمات البحرية الحوثية يمثل ضربة قاسية لـ»إسرائيل»، مشيراً إلى أن «إسرائيل» لم تعُد تمتلك القدرة نفسها على الردع كما كان الحال في الماضي.
يسمح التدقيق في الحال اليمنية مقارنة بما قدّمته ساحات الإسناد الأخرى، وخصوصاً لبنان، للقول إن اليمن يدخل حرب الاستنزاف بعدما خاضت جبهة لبنان وجبهة غزة حرب استنزاف مكثفة وثقيلة طوال سنة ونيّف، ما أنهك الكيان وجيشه، وإن اليمن يتمتع بسبب بعد المسافة بفعاليّة التحرك في إطلاق الصواريخ، حيث لا تستطيع الطائرات الحربية الإسرائيلية والطائرات المسيّرة الاستطلاعيّة البقاء في أجواء اليمن كما في أجواء غزة ولبنان على مدار الساعة، ومثلها في حالات الإغارة على اليمن، بينما مساحة اليمن 550 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانه 35 مليون نسمة، والشعب اليمنيّ عملياً موحّد العزيمة وراء قضية فلسطين ونصرتها، وهو منذ سنوات يعبّر عن ذلك في الساحات والميادين، والتماهي بين الشعب والقيادة غير موجود بهذا القدر في غير اليمن، بينما يمتلك اليمن قدرات تكنولوجية متفوّقة، حيث نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤول إسرائيلي أن القدرات اليمنية التكنولوجية مفاجئة.
فتح نتنياهو باب الحرب مع اليمن ولم يعُد إقفاله بيده، ويوماً بعد يوم يظهر أن هناك طريقاً واحداً للتخلص من التحدي اليمني، هو الذهاب الى اتفاق مع المقاومة في غزة.

ناصر قنديل

27 Dec, 18:14


القرار 1701 والرئيس السنيورة

..



 
صرّح الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة وهو الرئيس الذي وقع على الموافقة على القرار 1701 والمفاوض الرسمي دستورياً على الاتفاق باعتبار رئيس مجلس النواب نبيه بري يومها واليوم مفاوضاً سياسياً، والموافقة الرسمية تصدر عن الحكومة ممثلة برئيسها، وقال السنيورة إن حزب الله يمهد لموقف ينسف التزامه بالاتفاق كما فعل بعد صدور القرار 1701 مطالباً الرئيس بري بالوفاء بالتزاماته.
طالما أن الرئيس السنيورة يعيدنا الى القرار 1701 ويبني على عدم تطبيقه استنتاجاته الراهنة بتملص حزب الله فيسهل علينا تقييم تجربة الـ 1701 لنعرف مدى الإنصاف والافتراء في كلام السنيورة.
يقول السنيورة عن مواقف حزب الله الراهنة من الخروق الإسرائيلية وعدم التصدي لها، “اللبنانيون الآن ينظرون إلى هذه الأقاويل والأعذار والتبريرات بأنها تعكس عدم الجدية، لأن هناك التزاماً التزم به لبنان ودعني أقول لك مرة ثانية إن هذا القرار – أي القرار 1701 – كان يفترض بحزب الله أن ينفذه منذ أن صدر في العام 2006. صحيح أن إسرائيل عليها أن تنفذه، وهي لم تنفذه ولم تلتزم به”.
هذا الخلط بين التزامات حزب الله والتزامات الاحتلال لخلط الحابل بالنابل، هو الافتراء بعينه وهو ما وصفه السنيورة بالأقاويل والأعذار والتبريرات، لأن القرار لم يذكر التزامات الطرفين بصورة عشوائية بل وضع ترتيباً تسلسلياً لا يغفل عنه مَن يقرأ القرار، فكيف لا يعلمه علم اليقين من فاوض ووافق ووقع على نص انتهى بصدور القرار بموافقة لبنانية رسمية؟
تضمن القرار بنوداً من البند 1 إلى البند 7 لمرحلة أسماها وقف الأعمال الحربية، فدعا في البند 1 الى وقف فوري للأعمال القتالية وهو يقول في الفقرة الثانية “- فور الوقف الكامل للأعمال الحربية، يطلب من الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية كما هو مأذون لها في الفقرة الحادية عشرة، نشر قواتهما في كل الجنوب، ويطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تسحب، تزامناً مع بدء هذا الانتشار وبموازاته، قواتها من جنوب لبنان”. وقد التزم حزب الله بوقف الأعمال القتالية ، وكما دعا القرار إلى نشر الجيش اللبناني واليونيفيل، وقد انتشرا، ودعا في البند والسطر ذاتهما الى انسحاب الاحتلال من الأراضي التي احتلها، موضحاً في الفقرة 4 أنه يكرر تأكيد دعمه الحازم الاحترام الصارم للخط الأزرق، لكن الاحتلال، بمعزل عن المناطق المتنازع عليها قبل حرب تموز 2006 والتي تحدث عنها القرار في الفقرة 10، لم ينسحب الاحتلال من الجزء اللبناني من بلدة الغجر الذي احتله في حرب تموز 2006، ولم يوقف الطلعات الجوية وانتهاك الأجواء اللبنانية، والانتهاكات البحرية للمياه الإقليمية اللبنانية، وكلها يجب وقفها في مرحلة وقف الأعمال الحربية، ولم يبق من موجبات هذه المرحلة شيء على لبنان كدولة ومقاومة فعله ولم يفعله، بينما بقي على الاحتلال الكثير ليفعله ولم يفعل.
يحدّد القرار في الفقرة الثامنة مرحلة ثانية يسمّيها مرحلة وقف إطلاق النار الدائم والحل الدائم لقضايا النزاع فيقول إن مجلس الأمن “يوجّه نداء إلى إسرائيل ولبنان ليدعما وقفاً دائماً لإطلاق النار وحلاً طويل الأمد يستند إلى المبادئ والعناصر التالية: – احترام صارم من الجانبين للخط الأزرق. – اتخاذ إجراءات أمنية تمنع استئناف العمليات الحربية، خصوصاً إقامة منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية المسموح بها طبقاً للفقرة 11.
يعرف الرئيس السنيورة جيداً أن مطالبة لبنان والمقاومة ضمناً بتنفيذ المرحلة المنصوص عليها في الفقرة الثامنة، لجهة إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب الليطاني لا تستحق الا بعد إنجاز المرحلة الأولى التي تتضمن إنهاء الأعمال الحربية، والتي لم تنته ليس لأن لبنان لم ينفذ موجباته والاحتلال مثله لم ينفذ، وهذه أقوال وأعذار وتبريرات لتبرئة الاحتلال، بل لأن الاحتلال وحده لم ينفذ موجباته بعدما نفذ لبنان والمقاومة ضمناً كل الموجبات المطلوبة.
إن ما جرى بعد صدور القرار 1701 يتكرر اليوم بصورة مختلفة، حيث المقاومة لم تحرّك ساكناً رغم فظاعة الانتهاكات الإسرائيلية التي وصفتها الحكومة اللبنانية ورئيسها نجيب ميقاتي بتعريض الاتفاق للسقوط، والتي اعترف الممثلان الأميركي والفرنسي في لجنة الإشراف أنها انتهاكات فاضحة للاتفاق.

ناصر قنديل

25 Dec, 17:35


تكملة ...

– لم يعُد للسياسيين اللبنانيين ولا للمسؤولين الحكوميين اللبنانيين حق الإدلاء بأي اجتهاد يطال مصير مزارع شبعا بعد القرار 1701 ومقترح الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يدعو لإتاحة حرية التنقل منها وإليها لأصحاب الملكيات اللبنانيين، تحت سيادة أممية بعد الانسحاب الإسرائيلي منها. وطالما أن لبنان الرسمي والسياسي يؤكد على الالتزام بكل القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701، فإن التمسك بفرض الالتزام الإسرائيلي بمقترح الأمين العام السابق للأمم المتحدة باعتباره تطبيقاً للقرار 1701 هو الخطاب اللبناني الوحيد.

ناصر قنديل

25 Dec, 17:35


مزارع شبعا: اقرأوا القرار 1701


...


 
– من دون الانتقاص من إيجابيات زيارة النائب السابق وليد جنبلاط إلى سورية، ودورها في فتح قنوات الاتصال بين الدولة اللبنانية والحكم الجديد في سورية تفرضه الجغرافيا والمصالح المشتركة، ويفرضه الحرص على قطع الطريق على أي إشكاليّات أمنية تؤذي البلدين معاً، شكلت التصريحات الصادرة خلال الزيارة حول مزارع شبعا اللبنانية المحتلة موضوعاً طغى على الزيارة نفسها في إثارة النقاش.
– لسنا هنا لنقاش ما أراده جنبلاط وخلفيات تصريحاته، فهو أقدر على شرح أسبابه ورؤيته، وما يعنينا هو توضيح ما يتصل بقضية مزارع شبعا سواء لجهة هويتها، أو لجهة مرجعيتها القانونية في القرارات الأممية ذات الصلة بالأراضي المحتلة بعد الحديث عن القرار 242 كمرجع بديل للقرار 425، وصولاً إلى اعتبار أمرها مؤجّلاً في أحسن الأحوال، خاصة مع خطورة أن يؤدي التأجيل وربطها بهوية سورية لا لبنانية، ربطاً بالجولان المحتل مرتين، مرة بالقرار 242 المنسي أصلاً والمفروض إسرائيلياً بالمطلق، ومرة بالقول إنّها سورية في ظل إعلان الحكم الجديد في سورية عن عدم القدرة على فتح ملفات النزاع مع الاحتلال، سواء ما يتصل بالتوغل الجديد أو ما يتصل بالجولان المحتل خصوصاً، بحيث تصبح الهوية السورية للمزارع مجرد محطة لإلحاقها بقرار الضم الإسرائيليّ للجولان.
– من زاوية المرجعية القانونية للمزارع نحتاج قبل الإدلاء بأي موقف، وهذا يشمل المسؤولين الحكوميين والسياسيين، إعادة قراءة متمعنة وهادئة للقرار 1701، خصوصاً أن كل المشتغلين في المعاهدات الدبلوماسية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والقانون الدولي، يعلمون أن كل نص يعالج مسألة في قرار أمميّ سبق وتمّ تناولها في قرارات سابقة، فإن النص الأخير يكون هو النص الحاكم، إذا تمّ ذكرها بالاسم في المرتين السابقة واللاحقة، أما إذا كان الذكر بالاسم قد تم في القرار السابق وبقي الاستنتاج لصلتها بالقرار اللاحق مجرد استنتاج فإن النص السابق يكون حاكماً، أما إذا كان العكس أي أن التسمية لم ترد إلا في القرار اللاحق، فإن هذا النص يصبح بمقام حكم مبرم لا جدال فيه، لكون النص الأخير من جهة، ولتضمنه التسمية الصريحة من جهة موازية.
– في حالة مزارع شبعا، لم يعُد النقاش بالحجج الإسرائيلية المتداولة بين عامي 2000 و2006، سواء الحديث عن توثيق لبنانية المزارع وانتظار موقف سورية والمطالبة بترسيم الحدود اللبنانية السورية، أو الحديث عن مرجعية القرار الأممي 425 الذي يتسم بالإطلاق بدعوته للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة حتى الحدود الدولية، وليس الأراضي التي تمّ احتلالها عام صدور القرار بعد حرب 1978 فقط، أو القرار 242 الذي يقول الإسرائيليون إنه مرجعية وضع المزارع، وهم بذلك لا يدّعون أنّها أرض فلسطينية خضعت لهم في العام 1948، بل يقرّون بأنها أرض تمّ احتلالها مع احتلال الجولان السوري عام 1967. وهذا مخالف لواقع أن المزارع تعرّضت للتوسع الإسرائيلي التدريجي بين الأعوام 1968 و1989، حيث تمّ احتلال آخر مزرعة وهي مزرعة بسطرة عام 1989.
– عندما ذكرت مزارع شبعا بالاسم في القرار 1701 وهي لم تذكر بالاسم لا في القرار 425 ولا في القرار 242 فإن مرجعيتها القانونية تصبح نص القرار 1701، وينتهي النقاش حكماً في تحديد مرجعيتها القانونية، وعندما يصفها القرار 1701 بالمناطق المتنازع عليها، لا يعود هناك مبرّر لنقاش حول لبنانية المزارع وما إذا كانت سورية رغم نصّ القرار على الدعوة إلى ترسيم الحدود تمهيداً للمطالبة بتقديم مقترح خاص من الأمين العام للأمم المتحدة لفض النزاع حولها، لأنه لم يرد في توصيف القرار 1701 أنّها موضوع نزاع لبناني سوري يحتاج إلى الحسم عبر ترسيم الحدود، بل هي مناطق متنازع عليها بين لبنان و”إسرائيل”، ليس لجهة الملكية كحال مناطق أخرى متنازع عليها على الحدود، بل لجهة أحقية السيادة الأمنية عليها، وهنا يقرر القرار 1701 بالنص الواضح، تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بالقيام بمساعٍ بين الطرفين المعنيين، لبنان و”إسرائيل”، والأطراف الدولية الرئيسية المعنية بالقرار، ليقوم الأمين العام بتقديم مقترح لحل النزاع خلال ثلاثين يوماً، والأمين العام يستطيع أن يقدم مقترحاً بأولوية ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، كما يتحدث بعض اللبنانيين، لكنه يستطيع أيضاً الاطلاع على وثائق الدولتين اللبنانية والسورية وسماع الرأي الإسرائيلي وبناء مقترح مختلف. وإذا علمنا بالفعل أن الأمين العام السابق بان كي مون قد فعل ذلك عام 2007 وأنه حسم الجدل وقدّم بناء على كل مشاوراته مقترحاً يقضي بوضع المزارع عهدة وأمانة تحت سيادة اليونيفيل الى حين تطبيق القرار 242، حيث يتقرر ضمها الى السيادة اللبنانية أو السيادة السورية، ولكن بالتأكيد ليس للسيطرة الإسرائيلية.

ناصر قنديل

23 Dec, 15:58


اليمن وغزة هما وحدة الساحات



...



 
– خلال شهر تقريباً، تدحرجت حجارة محور المقاومة في المشرق. فالمقاومة في لبنان بعدما تلقّت ضربات موجعة وشُنّت عليها حرب شاملة، قرّرت ربط وقف إطلاق النار بعنوان الدفاع عن لبنان بدلاً من عنوان الإسناد لغزة، وجعل وقف النار على جبهة لبنان مشروطاً بقبول الاحتلال العودة إلى القرار 1701، بعدما كان المدخل لوقف النار على جبهة لبنان هو وقفها على جبهة غزة، والمقاومة في لبنان أنها إذا نجحت بالصمود وخرجت منتصرة من هذه الحرب فرض العودة إلى القرار 1701 على كيان الاحتلال، فإنّها تكون قد حققت هدفين، الأول إلحاق هزيمة عسكرية بجيش الاحتلال تُجبره على القبول بوقف إطلاق النار بدون شروطه المعلنة بالقضاء على المقاومة والوصول إلى نهر الليطاني، والثاني بإلزام الاحتلال بوقف حربه على جبهة بخطورة جبهة لبنان وفق إطار قانونيّ وأمني يتضمن الاعتراف بالعودة الى التساكن مع قوة مقاومة مسلحة ومقتدرة على الحدود، بعدما كان ككل مبرر حرب غزة ولاحقاً لبنان، هو استحالة هذا التساكن، ولأن استنزاف الاحتلال إلى حد يجبره على الرضوخ لشروط غير شروطه يعني إضعاف قدرته وإرادته وروحه للمضي قدماً في حرب غزة، ولأن القبول بالتساكن مع المقاومة المقتدرة على الحدود مع لبنان يشكل تسجيلاً لسابقة تمهّد للقبول بمثلها على جبهة غزة، كانت قناعة المقاومة في لبنان أن خوض الحرب تحت عنوانها الجديد هو شكل جديد من أشكال حرب الإسناد للمقاومة في غزة.
– استمرّت الحرب على غزة، بينما تمّ إعلان وقف إطلاق النار على جبهة لبنان، والتداعيات تحتاج وقتها لتظهر نتائجها، لكن الوقت حمل تطوراً دراماتيكياً في سورية، جاء بمثابة زلزال أصاب المنطقة، وكانت هزاته الارتدادية تصيب قوى المقاومة، فتوحي بتلقي المقاومة في لبنان ضربة استراتيجيّة، وتفتح الباب في العراق على البحث بكيفية تجنّب التداعيات السورية، وفي المقدمة الطلب إلى قوى المقاومة وقف عملياتها على كيان الاحتلال تفادياً للضغط الأميركي الذي لا يستطيع العراق تحمله، واستعداداً لاحتمالات استنهاض التطورات السورية لمزيد من مخاطر عودة تنظيم داعش، كما صرّح العديد من القادة العراقيين، وبدا أن المقاومة العراقية خرجت من المشهد أو هي تكاد تخرج.
– في هذه اللحظة الحرجة شهدنا تصعيداً مزدوجاً في جبهتي غزة واليمن، حيث يستطيع أي مراقب ملاحظة ارتفاع وتيرة العمليات في جبهات غزة كماً ونوعاً، وبتنا نشهد كل يوم عدداً من العمليات يتراوح بين خمس وست عمليات، ثم باتت نوعية العمليات تختلف، سواء الاستهدافات المركبة للآليات العسكرية، بحيث في كل عملية استهداف أكثر من آلية، او باستهداف مكثف ومتعدد الأنواع لجنود الاحتلال وضباطه، فعلى سبيل المثال خلال اليومين الماضيين أعلنت فصائل المقاومة عن اثنتي عشرة عملية، منها عمليات قصف مدفعي وصاروخي، وعمليات استهداف دبابتين وجرافة، ومنها اشتباكات من مسافة صفر مع ستة جنود، وعملية قنص جنديّ، ومنها عملية نوعية تمثلت بطعن عدة جنود من قبل مقاوم واحد والاستيلاء على أسلحتهم، وعملية استشهادية عبر تفجير أحد المقاومين جسده بواسطة حزام ناسف بين عدد من جنود الاحتلال وآلياته بعدما تنكّر بلباس جنديّ من جنود الاحتلال.
– دخل اليمن بثقله على خط الإسناد لغزة، فصرنا كل يوم على موعد مع حدث كبير من صناعة يمنية، مرة عدة طائرات مسيرة نحو ميناء ايلات، ومرة صاروخ أو اثنين من النوع الفرط صوتي نحو تل أبيب، ومرة عملية مركبة تستهدف سفناً أميركية حربية في البحر الأحمر. و في اليومين الماضيين شهدنا ماذا فعلت الصواريخ اليمنية الفرط صوتية بعمق الكيان، كما شهدنا العملية النوعية لليمن التي استهدفت حاملات الطائرات والسفن الحربية، بواسطة سبعة عشر صاروخاً مجنحاً وثماني طائرات مسيرة، ما تسبب بارتباك ناري في داء القوات الأميركية انتهى بإسقاط طائرة أميركية حربية من طراز اف 18.
– ما حدث على جبهتي غزة واليمن أعاد الحياة لمفهوم وحدة الساحات وكشف عن أهميته، لأن وحدة الساحات ليست فقط بالسعي لوحدة كل الساحات، بل هي أيضاً بتعويض الساحات للزخم الذي تفتقده المقاومة لخروج ساحات من المواجهة تحت ضغط ظروف الحرب وتداعياتها.

ناصر قنديل

16 Nov, 17:23


التفاوض تحت النار وانقلاب السحر على الساحر


...



– كانت رغبة بنيامين نتنياهو عندما صرّح أركان حربه برفض وقف إطلاق النار للتفاوض بعد ذلك على صيغة تنفيذ القرار 1701، دون تعديلات وإضافات، كما صرّح المسؤولون اللبنانيون، أن يستثمر النيران لتعديل وجهة التفاوض نحو الخروج من القرار 1701 وتعديل أحكامه بما يمنح الشرعية للمكاسب التي فرضها الاحتلال عبر تعطيل تنفيذ القرار، خصوصاً في مجال التحرّكات الجوية والبحرية على حساب السيادة اللبنانية والاحتفاظ بالأراضي اللبنانية التي تمثل مواقع استراتيجية مثل مزارع شبعا، انطلاقاً من أن هذه الامتيازات ضرورات لشن أيّ حرب مقبلة، وقد أخذته نشوة الشعور بالقوة إلى إضافة حرية التوغل البرّي، عند الشعور بأي تهديد، ولذلك كله قالت قيادة الكيان إن التفاوض سوف يجري تحت النار وليس بعد وقف إطلاق النار.

– منذ أن أطلقها قبل شهر، سادت نظريّة وزير الحرب المطرود يوآف غالانت عن التفاوض تحت النار في كل التعامل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي بصفته أحاديّ الوجهة، وله معنى واحد وهو أن المقاومة سوف تتعرّض لتدمير قواها البشرية والمادية وأن لبنان سوف يتعرّض لتدمير بنيته السكانية وقتل سكانه حتى يتم الرضوخ للشروط الإسرائيلية. ووصل الأمر ببعض الكتّاب العرب والأجانب ومنهم لبنانيون مقيمون ومهاجرون، حد القول إن التريث اللبناني خطأ جسيم، وإن التمسك بالقرار 1701 خطأ أكبر، لأن الثمن سوف يكون فوق طاقة لبنان على الاحتمال. وفي نهاية المطاف سيكون الرضوخ للشروط الإسرائيلية جواز المرور الوحيد لوقف الحرب.

– خلال أيام ثم أسابيع بدأت الصورة تنقلب، وصار الحديث عن إنجازات الاحتلال في الحرب البريّة موضوع سخرية، وبدأ يظهر أن جيش الاحتلال عاجز عن السيطرة على أي قرية أو بلدة داخل الحدود اللبنانيّة، وأن الصواريخ عادت تنطلق من النقاط التي قال إنّه دخل إليها ودمّر فيها البنى التحتية للمقاومة، وصارت كلفة العمليّة البريّة تتضاعف بشرياً ومادياً، ثم تظهر عبثيتها، لجهة أن لا شيء يتغيّر في قدرة المقاومة، وأن لا قدرة لجيش الاحتلال على ادعاء السيطرة على أي قرية أو بلدة رغم التوغلات المتكرّرة التي تنتهي بالاضطرار للانسحاب تحت النيران. وبالتوازي ظهرت صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة سبباً لجعل الحياة لا تُطاق في عمق الكيان، حيث يمضي أربعة ملايين مستوطن أوقاتاً غير معلومة في الملاجئ وتحت القلق، وحيث حيفا بدأت تتحوّل الى كريات شمونة كما وعدت المقاومة، وحيث تل أبيب تحت نار الصواريخ والطائرات الموجّهة، وغرفة نوم رئيس الحكومة تتلقى نصيبها، ومثلها قيادة لواء جولاني، وحيث قيادات ومستودعات ومقار تدريب الفرق 36 و98 و146 تتلقى نصيباً وافراً أيضاً، ويتحقق نوع من توازن الألم والقلق مقابل نيران الاحتلال التي تدمّر العمران وتقتل الناس عشوائياً.

– خلال شهر من إطلاق غالانت لشعار التفاوض تحت النار، ثبت أن الموقف اللبناني لم يتغيّر، وبقي لبنان الدولة والمقاومة عند معادلة وقف إطلاق النار والقرار 1701، وبدأ خطاب الاحتلال يرتبك. واضطر نتنياهو أن يصحّح كلام وزير حربه الجديد عن استمرار الحرب حتى نزع سلاح حزب الله، ويقول إن الهدف هو إبعاد السلاح إلى ما وراء الليطاني كما يقول القرار 1701، لكن لبلوغ ذلك موجبات على الاحتلال تستدعي التخلّي عن وهم الاحتفاظ بالمكتسبات المفروضة بقوة تعطيل القرار، جواً وبحراً وبراً، بدلاً من المطالبة بتحويلها إلى نصوص في الاتفاق، وبينما لم تفلح النار في تغيير موقف لبنان، بدا أن النار بدأت تفعل فعلها في فرض التغيير على قادة كيان الاحتلال.

– الورقة الأميركية التي تسلّمها لبنان ليست بعد مشروعاً صالحاً بقياس مفهوم السيادة اللبنانية، وثمّة ما يحتاج الى الإلغاء منها وما ينقصه التوضيح، وما يحتاج الى تعديل، لكنها ليست ورقة الشروط الأولى لمرحلة وهم التفاوض تحت النار، وهي عملياً تعبير عن تراجعات فرضتها النار، ولأن التوصل الى الاتفاق النهائي لا يزال يحتاج وقتاً ومزيداً من التفاوض، فإن هذا التفاوض سوف يجري كما طلب الكيان، تحت النار، لكن نار التدمير والقتل لن تغير موقف لبنان، بينما سوف تتكفّل نيران المقاومة على جبهات الحرب البرية، ونحو عمق الكيان بإنضاج قادة الكيان والرأي العام فيه لقبول الشروط اللبنانية، والنزول عن شجرة الوهم نادمين على نظرية التفاوض تحت النار بعد أن انقلب السحر على الساحر.

ناصر قنديل

16 Nov, 17:21


الحدود اللبنانية السورية


...



يشعر قادة الكيان بحجم المأزق في مسار إنهاء الحرب على لبنان عبر التفاوض، لأن القبول بتطبيق القرار 1701 لن يترك مجالاً للاحتفاظ بمكاسب الأمر الواقع التي فرضها الاحتلال خلال 18 سنة هي عمرُ القرار وهي استباحة الأجواء والمياه اللبنانية ورفض أيّ انسحابات من مواقع ذات قيمة استراتيجية يعلم أن عليه الانسحاب منها مثل مزارع شبعا، ولو بتسليمها لـ»اليونيفيل»، لأن الجو والبحر والمزارع ثلاثيّة أي حرب يمكن للاحتلال أن يشنّها لاحقاً وفق توقيت مناسب للقضاء على المقاومة، ما دام عاجزاً عن المضي بالحرب لتحقيق هذا الهدف في هذه الحرب.

النجاح التفاوضي في انتزاع جعل هذه الاستباحة شرعية يحتاج إلى تعديل القرار 1701 تحت النار، لفرض وقائع تمنح طلب التعديل مصدر قوة، وهو يعلم أن هذه الطلبات التي فرض بعضها في ملحق أمني لاتفاق 17 أيار 1983، لم تبصر النور لأن قوى المقاومة فرضت معادلة داخلية أسقطت الاتفاق كله بعد أقل من سنة من التوصل إليه ما حال دون إبرامه، رغم أن الاحتلال كان لا يزال موجوداً على أبواب العاصمة وأكثر من ثلث الأراضي اللبنانية، وكان الأميركي موجوداً عبر قوات المارينز في مطار بيروت، وكان الجيش اللبناني وكل تركيبة الدولة بيد قيادات موالية للأميركي والإسرائيلي، فماذا يمكن له أن يفعل أكثر مما كان يومها مع وجود مقاومة قيد التشكيل لا تشبه مطلقاً حال المقاومة وقدراتها اليوم؟

الواضح أن التركيز يتم على نقطة مفصلية يمكن الاكتفاء بها كمكسب كبير إذا تيسّر تحقيقها، وتجاهل سائر الطلبات المستحيلة، والنقطة هي إخضاع الحدود اللبنانية السورية للوصاية الدولية، وهي تعبير عن مطلب تاريخي منذ فشل الاجتياح للبنان عام 1982 بالوصول إلى منطقة الحدود بعد معارك ضارية مع الجيش السوري في أطراف البقاع الغربي كانت أهمها معركة السلطان يعقوب التي توقف معها التقدّم الإسرائيلي، وفي عام 1987 كان ايهود باراك رئيساً لأركان جيش الاحتلال وقال في مقال في صحيفة هآرتس إن الانسحابات التي يجبر جيش الاحتلال على تنفيذها تباعاً هي انسحاب شامل مع وقف التنفيذ، لأنه ما دامت سورية عمق إمداد المقاومة ففرض الانسحاب من منطقة سيتكفل بفرض انسحاب لاحق من منطقة أخرى.

إدراك أهمية ومكانة العمق السوري في نظر قادة الكيان ترجمته الاستهدافات المتلاحقة لكل المسار الحدودي والمعابر الرسمية وغير الرسمية عليها شمالاً وشرقاً بما في ذلك طرق المهربين والطرق الزراعية، ثم السعي الحثيث الأميركي والغربي لفرض رقابة دولية على الحدود، فشلت محاولات إدماجه بالقرار 1701، وتبعته محاولات لاحقة مشابهة بمسميات أخرى، وعندما بدأت الحرب على سورية، وبدأت عمليات الاستهداف الإسرائيلية في سورية كان أغلبها يتمّ تبريره بصفته محاولات لضرب خط الإمداد للمقاومة، وليس مستغرباً أن يترافق الضغط بالنار على لبنان لفرض شروط صيغة المشروع الجديد للاتفاق، مع ضغط ناريّ متصاعد ومتزامن على سورية، ومحاولة جسّ نبض روسيا لمعرفة مدى استعدادها للدخول على خط الالتزام بضبط الحدود كشريك وإغراء إدخالها شريكاً في رعاية الاتفاق مقابل ذلك. فجاء جواب المبعوث الرئاسي الروسي الكسندر لافرينتيف على التسريبات الإعلامية بهذا الصدد بالنفي، وحسم أمر المسؤولية الحصرية السيادية لسورية في هذه القضايا.

المقاومة التي قاتلت دفاعاً عن سورية، لم تنكر في خطابها السياسي أن سورية هي الظهر والسند، وأن بعضاً من أسباب قتالها هو حماية ظهرها وسندها، وكما فعل الاحتلال في توظيف الحرب على سورية لمحاولة تحقيق أهداف تتصل بوقف إمداد المقاومة، لا تنفي المقاومة أنها فعلت العكس، لكن الشيء الإضافي في قضية الحدود أبعد مدى من الجانب اللوجستي المتصل بإمداد المقاومة، ذلك أن الاهتمام الأميركي والغربي استراتيجي بشأن الحدود، سواء لجهة رد الاعتبار للعزل الذي أقامته اتفاقيات سايكس بيكو منذ قرن مضى، وكانت جبهة إسناد غزة وقبلها المشاركة في الدفاع عن سورية إعلان خرق لهذا العزل، وبالتوازي فإن العلاقات اللبنانية السورية التي قال اتفاق الطائف إنها علاقات مميزة، وتم إنشاء إطار دستوري لها عبر معاهدة تم تجميدها بعد الانقلابات التي فرضها الأميركي على لبنان، يتم النظر إليها في واشنطن وعواصم الغرب بصفتها علاقة يفترض وضعها تحت عين الرقابة الدائمة، وفرض العزل البارد بين البلدين سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتوريط لبنان بخطوات عدائية نحو سورية مثل تدويل الحدود بين البلدين دون موافقة سورية، بعكس ما تفرض العلاقات القانونيّة بين الدول.

معركة القضاء على المقاومة انتهت بفشل ذريع، وهذا معنى كلام بنيامين نتنياهو عن حصر أهداف الحرب بإبعاد المقاومة الى ما وراء الليطاني تصحيحاً لكلام أرعن لوزير حربه عن السعي للقضاء على حزب الله، والمعركة الآن هي معركة الحدود اللبنانية السورية.

ناصر قنديل

16 Nov, 17:19


المرحلة الثانية من الطوفان عالمية


...



– أثار مشهد المواجهات التي شهدتها شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، وكان محورها مئات من مشجعي فريق مكابي تل أبيب من المستوطنين الذين جاؤوا من الكيان لتشجيع فريقهم، حيث بات مؤكداً حجم الاستفزازات التي قاموا بها بحق الآلاف من المهاجرين والمقيمين وحملة الجنسية من أصول عربية وإسلامية، وصولاً الى ما لحق مشجعي فريق تل أبيب من مطاردات في الشوارع والمطاعم والملاهي الليلية، وتحوّل الحدث إلى خبر أول في العالم، واضطر رئيس حكومة الاحتلال إلى إرسال طائرتين لضمان سحب لواء المشجعين من ميدان المنازلة.

– تكرّر مشهد أمستردام في أكثر من عاصمة أوروبية بعنوان مختلف، لكن دائماً على إيقاع تداعيات طوفان الأقصى، وما تبعه من جرائم وحشية ارتكبها جيش الاحتلال، وخطاب عنصريّ تحمله جموع المستوطنين بما يبرّر قتل الأطفال وإنشاد أغانٍ من نوع التباهي بشرب الدم وسحق عظام الأطفال، واغتصاب النساء. وتكرّرت مشاهد موازية في البرلمانات الأوروبية ظهر خلالها نواب أوروبيون يتحدّثون عن فلسطين ويحمّلون حكوماتهم مسؤولية الشراكة في جرائم الاحتلال، بالصمت أو الدعم.

– تلاقت هذه الحركات الغاضبة مع التيار الطالبيّ الذي ملأ ساحات الجامعات الأميركية والأوروبية على خلفية عدم القدرة على تقبّل مشاهد كارثية في تاريخ الإنسانية حملتها صورة المذابح الإجراميّة بحق النساء والأطفال، فيما العالم صامت لا يتحرّك، وإن فعل شيئاً فكان سقفه تمنيات على قيادة الكيان كي تقتل أقل منعاً لتفاقم الغضب، وظهر الخط البياني لطريقة ترجمة الغضب إلى تصاعد، من اعتصام الطلاب، إلى مسيرات الناشطين، الى بيانات تدعو إلى حجب الأسلحة عن جيش الاحتلال منعاً للشراكة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها، كما فعل نواب بريطانيون وبلجيكيون وفرنسيون وألمان اتهموا حكوماتهم بالشراكة في ارتكاب الجرائم، وتوّج ذلك كله بمشهد أمستردام الغاضب.

– يتمّ التداول يومياً بعشرات التسجيلات المصورة التي تظهر صدامات تبدو منعزلة عن بعضها، بين جماعات منظمة للدفاع عن الاحتلال، يتصرّفون بطريقة عدائية ضد المتضامنين مع مظلومية شعب فلسطين، والذين ينادون بوقف الحرب ووقف تسليح جيش الاحتلال، وشيئاً فشيئاً يتشكل شارع عالمي غاضب، ربما تكون نواته من المهاجرين من أصول عربية وإسلامية، لكنه شارع يضم في صفوفه العديد من نشطاء الغرب، وبعض نجومه في مجالات الثقافة والفنون، ووراءهم آلاف الطلاب والشباب.

– ربما لم يجد قادة الكيان في ما جرى حدثاً يستحق التأمل، لأن التفسير الجاهز هو الحديث عن العداء للسامية، وليس مستغرباً توصيف هذا الغضب كجزء من مؤامرة إيرانية. وهو وصف لم يتردد نتنياهو في إطلاقه على طلاب الجامعات الأميركية، وبدلاً من التوقف ملياً أمام الرسالة العالمية الجديدة، التي تقول إن الكيان صار منبوذاً ومصدر شعور بالخزي لكل مَن يتعامل معه تجارياً أو علمياً وثقافياً وفنياً، ذهب الكيان وقادته إلى المزيد من القتل في غزة ولبنان، مؤكداً أنه لا يفهم إلا لغة القوة، ليس في الميدان العسكريّ في غزة ولبنان فقط، بحيث صار الانفجار أقرب.

– نحن عشية ظهور نسخة ثانية من الطوفان، هي مرحلة ثانية، ساحتها عواصم العالم، حيث يتعرّض مؤيدو الاحتلال للملاحقة الغاضبة لجموع بشرية بالآلاف وعشرات الألوف، عقب مناسبات رياضية أو بدونها، ولا يجب أن يتفاجأ قادة الكيان إذا شاهدوا حراكاً يومياً لمطاردة مستوطني الكيان خلال سفراتهم السياحية، وملاحقة أي زيارة يقوم بها جنود الاحتلال وضباطه إلى عواصم العالم ومدنه، وهذا معنى قرار نتنياهو منع الضباط والجنود من السفر إلى هولندا، تفادياً للتعرض للملاحقة، والملاحقات القضائية لن تتأخر كي تصبح الملاحقة الغاضبة دموية.

– الحكومات الداعمة للكيان في الغرب عاجزة عن منع المزيد من الظواهر الغاضبة، وعاجزة عن حماية المستوطنين والجنود والضباط في جيش الاحتلال خلال إجازاتهم، ولن يتأخر الوقت الذي تصبح فيه مشاهد أمستردام عالمية وتتحول روتيناً يومياً يتكرّر، ويجد المنتسبون إلى الديانة اليهودية في العالم أن أمنهم بات مرتبطاً بإعلان التبرؤ من الكيان وجرائمه، لأن الذي يجري لا صلة له بكراهية مزعومة لأتباع الديانة اليهودية، بل لما تكشفت عنه هذه الحرب الإجرامية من بشاعة لا تحتمل، ولا يمكن لها أن تمرّ بلا ردة فعل بشرية إنسانية، تشبه ردة الفعل على المحرقة التي يتحدّث عنها اليهود كنقطة سوداء في تاريخ البشريّة، والمقصود طبعاً تاريخ الغرب، لكنها صارت نقطة رماديّة في بحر السواد الذي صنعه المستوطنون وجيشهم في غزة ولبنان.

ناصر قنديل

14 Nov, 07:38


تكملة ...

وقالت “القناة 12” إنّ “حزب الله يحافظ على قدراته الصاروخية وهي ستبقى بعد نهاية المعركة الحالية”، مضيفةً: “يجب التذكير أنّه حتى بعد انتهاء هذه المعركة وعودة سكان الشمال، المؤسسة الأمنية والعسكرية لا تستطيع ضمان عدم إطلاق صواريخ من لبنان”. وأردفت القناة بالقول: “نحن نرى نيراناً لا تتوقف من لبنان، بل وتزيد من ناحية العدد والمدى”.
– بعد هذه الجرعة المنشطة للكسل الذهني، والمحفزة لإفراز الأدرينالين، نسأل من أين جاء المقال بوهم التناقض بين كلام العفيف وكلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أحدهما يكمل الآخر. فالعلاقة الطيبة والممتازة بالجيش تقوم على قاعدة صديقك من صدقك لا من صدّقك، والسؤال عن حادثة البترون يأتي من هنا، بل ربما من إدراك انزعاج الجيش من أداء الجانب الألماني المسؤول عن مراقبة البحر ورفضه تقديم المساعدة الرادارية للجيش منعاً لتمكين الجيش من متابعة أمن الساحل اللبناني، ودعوة للجيش للإفصاح عما يعلم. وهذا حديث كبار يصعب على العقول المتواضعة فهمه إلا مسطحاً، أما الكلام التحريضي الفتنوي عن علاقة الجيش بحزب الله فهو السبب بكلام العفيف عن العلاقة الطيبة ويبدو أن ما أغاظ البعض شعورهم بمسلة “تنعرهم” تحت إبطهم، عندما قال «لن يستطيع أحد فك الارتباط بين الجيش والمقاومة”.
– في القرآن الكريم آية تقول “أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم”، وقال النبي محمد «ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يُشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه»، لكن بسمارك قال إن الحقد موجّه سيئ في السياسة، فلم تحقد على أخيك؟ ألا تقدر أن تخالفه بمحبة، وإن استعصت عليك فخالفه بأدب، فكيف إذا كان الوطن في خطر والوحدة هي السلاح الأقوى لنحميه، والفتنة اداة الاحتلال؟
– ما أضام العفيف أن يواجه بقلة العفة… لكن أضام الحقد صاحبه لما أظهر من خفة.

ناصر قنديل

14 Nov, 07:38


باسيل يترجم معنى الأخ في الوطن …والعفيف في مواجهة انعدام العفة


...


 
– شعرتُ بالأخوة الوطنية وروح المسؤولية تنضح بين السطور، بينما كنتُ أقرأ نص المؤتمر الصحافي المطول لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وما فيه من قراءة متأنية شديدة الدقة لم يسبقه إليها أحد لنصوص وآليات القرار 1701، مستخلصاً أن القرار لا نقائص فيه تحتاج تعديلاً أو إضافات او توضيحات، وان لبنان وحزب الله طبقا التزامات المرحلة الأولى منه، بينما لم يستحق تنفيذ المرحلة الثانية لوقف دائم لإطلاق النار، وفيها إنهاء الوجود المسلح جنوب الليطاني، وبحث مصير السلاح، لأن “إسرائيل” لم تنفذ موجباتها وفقاً للقرار بوقف الأعمال العدائية فبقيت تحتل أرضاً وتنتهك سماءنا ومياهنا. ويستفيض في الشرح لتلاقي القرار الأممي في جوهره مع مفهوم الاستراتيجية للدفاع الوطني، لأنه لا يعقل مواجهة سلاح المقاومة بعبثية تجرّد لبنان من أسباب القوة وتجاهل أن علينا واجب بناء جيش قادر والاستفادة من كل عناصر القوة الوطنية، لأننا نواجه عدواناً متوحشاً ومشروع وصاية وتهديداً وجودياً، لا تردعها جميعها إلا القوة، علماً أن باسيل الذي تميّز عن الكثيرين سواه في كلمته الصادقة في أربعين السيد نصرالله، لم يتخلَّ في المرّتين عن تسجيل خلافه مع حزب الله حول مفهوم جبهة الإسناد ووحدة الساحات. وهذا هو معنى المسؤولية الوطنية، الذي يجمع حق الاختلاف مع الشعور الوطني بالمسؤولية في مواجهة الخطر، ويدرك معنى التمسك بدفء الأخوة الوطنية في لحظة مصيرية كالتي نعيش.
– انتقلت الى شعور معاكس بالكامل وأنا أقرأ كيف رفعت صحيفة لبنانية إلى مرتبة الخبر الرئيسي لغلافها، مقالاً يتناول كلام مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، بلغة تهكمية لا تليق بشقيق في الوطن، ولا تتناسب مع موجبات أدب التخاطب مع ممثل حزب سياسيّ نال أعلى تصويت الناخبين اللبنانيين، وتقف خلفه شريحة واسعة من اللبنانيين، كما وصفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والخلاف بالرأي مشروع، لكن اللغة في التخاطب والتعليق هي نصف الموقف، ويزداد الشعور بالغثيان، عندما ينضح المقال بالحقد بعيداً عن كل مناقشة عاقلة هادئة ومطلوبة، ولو من موقع الاختلاف، مع ما قاله العفيف محمد عفيف، أو ما قد يقوله أي مسؤول سياسي، خصوصاً أن الصحيفة نفسها التي وصفت عفيف وحزب الله بـ “الغارق في مستنقع الإنكار”، تجنّدت عام 2020 للدفاع عن رياض سلامة ولم تصفه حتى بالغارق في مستنقع الإنكار، بل وصفت خطة حكومة الرئيس حسان دياب الاقتصادية بخطة الانهيار الشامل، لا لشيء إلا لأن رياض سلامة أعلن الحرب على الخطة وجنّد لذلك من وما تيسّر.
– لا تعليق على استخدام التشبيه بوزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، بل تذكير أن الصحاف كان ينقل ما يصله من غرفة عمليات قيادة جيش تكذب بتعميم انتصارات وهميّة للتهرّب من الاعتراف بأنها انهارت أمام الغزو، وعفيف ينقل ما يصله من غرفة عمليات مقاومة صادقة صامدة كجبل عامل لا تتزحزح، تمكنت من تدمير قوات الغزو، وتذكير لمن يستخدم التشبيه أنه قال إن الصحاف كان “يبيع الشعب العراقي البطولات الوهميّة فيما كانت الدبابات الأميركية على مشارف اقتحام الفندق الذي كان يقيم فيه”، أي أن دخول الدبابات واحتلال العاصمة العراقية هو السبب في سقوط مصداقيّة الصحاف، فكيف يصير الاستنتاج أن التدمير يتساوى مع النجاح باحتلال الأرض، وعفيف لم يُنكر ولا الصحاف أنكر أن الاحتلال دمّر البيوت وقتل الناس، فلنواجه الأمور بوضوح، القضية مع العفيف هي ببساطة هل نجح الاحتلال بالتقدم أم فشل؟
– يقول المقال “تحديداً في الاحتكام إلى الميدان فيظهر والفيديوات توغل الجيش الإسرائيلي في العديد من القرى والبلدات الحدودية حتى عمق يقارب 4 كلم وتدميرها بشكل كامل لخلق منطقة عازلة تسمح بعودة مستوطني المنطقة الشمالية”، ونقول له عظيم جداً لقد هان النقاش، هل رأيت الفيديوهات التي عرضتها القناة العبرية الثانية عشرة وعلّقت عليها صحيفة يديعوت أحرونوت، والموضوع أن صواريخ حزب الله تخرج من هذه المناطق العازلة التي تتحدّث عنها، وماذا قالت تعلّق على الأمر، وواجبنا أن نعيدها على مسامعك للإزعاج فقط وليس للإقناع.
– قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إنّ حزب الله “أطلق صواريخ نحو إيفن مناحم في الجليل الغربي من الخط الحدودي، أي من أماكن كان يُفترض أنّ الجيش الإسرائيلي أنهى العمل فيها”، وذلك بعد 40 يوماً على المواجهة البرية. وأضافت الصحيفة أنّ مستوطني الشمال “لا ينتظرون إعلانات الجيش الإسرائيلي وتصريحات السياسيين بشأن إعادة الأمن إلى المنطقة، بل يريدون رؤية ذلك بأعينهم”، أما “القناة 12” الإسرائيلية فأشارت إلى “غضب شديد” يسود في أوساط المستوطنين بخصوص ما يقوله قادة “جيش” الاحتلال، بشأن “إمكانية عودتهم إلى المستوطنات في ظل الرشقات الصاروخية المستمرة من جانب حزب الله”.

ناصر قنديل

13 Nov, 11:16


كلمة الأسد صلة الوصل بين القمة والواقع



...



 
– بقدر ما كانت القمة العربية الإسلامية تكراراً لما سبق وقالته سابقتها قبل سنة، حول أولوية وقف النار في غزة ولبنان، كانت كلمة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة مختلفة عن مناخ القمة وكلمتها وعن طريقة تعامل الرئيس الأسد مع مشاركته في قمتين عربيتين سابقتين، اكتفى في الأولى التي ترجمت عودة سورية إلى المشاركة في أعمال القمة وأنشطة الجامعة، بكلام عام عن الحال العربي وأهمية التضامن والوحدة وتشخيص المشاكل ووضع البرامج المؤسسيّة لحلها، بينما فضّل في الثانية عدم الكلام، رغم حرصه هذه المرة أيضاً على قول ما يجب أن يُقال دون خلق توترات في علاقات سورية العربية التي لا تزال رغم عودة السفارات العربية إلى دمشق علاقات باردة يتجنّب العرب ضخ مزيد من الدفء فيها خشية الغضب الأميركي الذي لم يستسغ تلك العودة للعلاقات، بينما لا تزال أميركا تحتلّ أراضي سورية وتفرض حصار التجويع والتركيع على سورية ومنع أي محاولة لكسر هذا الحصار.
– كان كلام الأسد سهلاً ومنطقياً، ولم ينته بتبنّي خطوات محدّدة يربط بها مقياس جدية الموقفين العربي والإسلامي، والخطوات المطلوبة واضحة من سياق الكلمة نفسها. فما قاله الأسد هو أن التشخيص العربي للداء والدواء صحيح، لكنه غير فعال، حيث الإجرام الإسرائيلي صحيح، والتغاضي إلى حد التواطؤ عالمياً، وخصوصاً غربياً، وبالأخص أميركياً، صحيح أيضاً، لكن هذا صحيح منذ عام عندما انعقدت القمة العربية الإسلامية الأولى التي انتهت إلى ما انتهت إليه هذه القمة حول أولوية وقف النار، ودعوة الأمم المتحدة لاتخاذ قرار وفق الفصل السابع يفرض وقف النار، لكن هذا الصحيح يستدعي أن تنصرف القمة للإجابة عن سؤال، لماذا لم يستجب أحد لدعوات القمة؟ والجواب هو بسبب غياب الأدوات التي يفترض بالقمة تفعيل استخدامها لتغيير هذا الوضع من اللامبالاة بموقف العرب والمسلمين من جرائم الاحتلال، والتغطية المفرطة للجرائم الإسرائيلية، بما يكفي لجعل هذا التغاضي شراكة في الجريمة، لكن أليس عدم اتخاذ قرار بتفعيل أوراق القوة العربية والإسلامية لتغيير الوضع المستمر منذ صدور بيان القمة السابقة، نوعاً من الشراكة بالجريمة أيضاً.
– ليس المقصود بأوراق القوة الجانب العسكريّ منها، رغم أن استخدامها واجب لنصرة غزة ولبنان، لكن لا أحد يطالب العرب والمسلمين بفعل ذلك، يكفي أن يفعّل ما لدى العرب والمسلمين من أوراق قوة كثيرة يمتنعون عن تفعيلها، منها العلاقات التي يقيمها بعضهم مع كيان الاحتلال تحت عنوان التطبيع، والتي يكفي قطعها وتعليق العمل بكل الاتفاقيات الاقتصادية والتقنية المتفرّعة عنها، ومنها قوة العرب والمسلمين اقتصادياً ومالياً، وهم أصحاب رساميل بأكثر من تريليون دولار تغذّي البنوك الأميركية والغربية، وهم سادة سوق الطاقة العالميّ، وهم يستضيفون القواعد الأميركية العسكرية التي تنطلق منها حملات أميركية لنصرة الكيان، خصوصاً في الحرب على اليمن، هذا إضافة إلى أوراق ضغط على الأميركي نفسه حتى زوال الفيتو الأميركيّ عن أي قرار ينصّ على وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق مسار تفاوضي ينتهي بوقف الحرب نهائياً.
– تحدّث الأسد بضع دقائق، لكنه استعاد بريق خطابات كانت تمتدّ لساعة كاملة من عيار ما قاله قبيل غزو العراق في خريف 2002، وقال كلاماً يعرف صحته كل مَن استمع إليها، بمن فيهم القادة العرب والمسلمون المشاركون في القمة، وجوهر ما قاله هنا، إن العرب يعرفون أنهم على هامش الأحداث بدليل أن الأميركي لا يقيم لهم حساباً في دعمه اللامحدود في جرائم الاحتلال، لأنه واثق من أنهم لا يملكون إلا الكلام، وخلاصة كلام الأسد تقول إنه لا يكفي أن تكون عملية تشخيص الداء والدواء صحيحة كي تكون النتيجة تعافي المريض، لأن ترجمة استخدام العلاج الموصوف هي الفيصل هنا، وهذا يحتاج الى تحديد الأدوات والوسائل. وهذا ما لم يتم نقاشه في القمة، بما يجعل العرب والمسلمين في حال التغاضي عن الجرائم من جهة، وشركاء في الجريمة من جهة مقابلة.
– عاد الأسد ليكون الحدث في القمم العربية والإسلامية، رغم محاولة استعارة حدث هامشيّ مثل عدم وجود الرئيس التركي في مقعده عند إلقاء الرئيس الأسد كلمته، لكن الواضح والمعلوم يحتاج إلى مَن يُظهره، كما يحتاج إلى إضاءة النور من حوله لتظهيره، وقد بقيت الكلمة التي ألقاها الأسد الكلمة الوحيدة الجديرة بالإصغاء والتفكير.
– ما قامت به المقاومة خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية، من تصعيد إطلاق صواريخها بكثافة نحو الكيان، كان جواباً يفهمه الكيان على جرائمه، حتى ظهرت كلمة الرئيس الأسد كأرضية ثقافية فكرية لموقف المقاومة، فقد رمى الأسد الطابة، رغم كثافة عصي اللاعبين، لكن طابته وحدها أصابت الطابة المستهدفة، والحرب لم تنته حتى لو ظهرت بوادر إنهائها مراراً، وهي لن تنتهي إلا بفرض الاحتلال إرادته بختامها، أو التراجع أمام أوراق قوة جرى تفعيلها بوجهه، متى بلغت قوّته مرحلة الإنهاك، والجميع بانتظار هذه

ناصر قنديل

13 Nov, 11:16


تكملة ...

اللحظة. ومن دون إقامة نقد ذاتي البحث عن الأسباب المقيّدة لإرسال العرب طاباتهم الكثيرة، كانت طابات المقاومة التي تمثلها صواريخها تحمل معاني كثيرة، إذ يكفي الاستنتاج بأن ما قصده الأسد من دعوة لتفعيل وسائل وأدوات الضغط التي تصنع الفرق قد وجد مَن يسمعه جيداً ويترجمه ويجسّده خارج القمة على أيدي المقاومات العربيّة في لبنان واليمن والعراق، طالما أن جماعة القمة اكتفوا بالتفاعل بالتصفيق مع الكلمة، دون الأخذ بما فيها.

ناصر قنديل

11 Nov, 21:39


إيران والحرب… نظرة عن قرب



...



 
– أتاحت المشاركة في المؤتمر الدولي الذي نظّمته واستضافته الجمهورية الإسلامية في إيران في ذكرى أربعين يوماً على استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الفرصة لقراءة إيران عن قرب، كيف يقرأ المسؤولون الإيرانيون ما يجري، هل يرونه بعين تعتبر أن هناك مشروعاً لاستدراجها إلى حرب لا تريدها وعليها تفاديها؟ وهل تأثرت بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لتهيُّب المشهد أكثر، أم أنها تعتبر أنها في قلب الحرب وأن زمن الحسابات انتهى وأن على الكيان ومن خلفه أميركا مهما كان اسم رئيسها أن يقيما هما حسابات تظهر نية تصعيد الحرب أو الرغبة في تفادي التصعيد؟
– عندما تسمع جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني، وهو الإصلاحي الداعيّ لاستئناف التفاوض حول الملف النووي، يقول «يجب على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أن يقبلا بأنهما لن يريا السلام حتى يتم احترام حقوق الشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم»، ويضيف أن «نهاية الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا مثال واضح يمكن أن يتكرّر ويجب أن يتكرّر. وهذه هي رسالة دماء السيد حسن نصر الله وقاسم سليماني وإسماعيل هنية ويحيى السنوار وغيرهم من قادة المقاومة وقادة طريق الجهاد والاستشهاد»، يثبت لك حجم الفصل الذي تقيمه القيادة الإيرانية بين الاجتهادات المختلفة حول الملفات الداخلية ومقاربة العلاقة بالغرب من زاويتها، وفي قلبها الملف النووي، وبين المواجهة القائمة تحت عنوان فلسطين والسيادة الوطنية الإيرانية في قلبها، حيث اتفاق تام بالوقوف في خط المواجهة، وإدراك أن الموقف التفاوضي بالنسبة لدعاة التفاوض لا يُصنع إلا من باب الظفر بهذه المعركة.
– ربّما تكون دماء السيد حسن نصرالله قد نقلت إيران وموقعها في الحرب من مرحلة إلى مرحلة، ذلك أن إيران بكل أجنحة الحكم والمجتمع فيها، تدرك أن اغتيال السيد نصرالله كان قراراً أميركياً إسرائيلياً بإنهاء المقاومة في المنطقة، بما يعنيه ذلك، وفقاً لما يكتبه الأميركيون والإسرائيليون، أنه مقدمة لإنهاء أي دور إقليمي لإيران. هذا إضافة إلى أن وجود السيد نصرالله كان يُعفي إيران من امتلاك مقاربة خاصة بها تجاه الحرب والاكتفاء بتلبية ما يراه نصرالله ضرورة مطلوبة من إيران، وبغيابه بات عليها هي أن تنتبه لحجم أعلى من الدور بات مطلوباً في معركة أصبح الترابط فيها عضوياً بين مستقبل حركات المقاومة ومستقبل إيران، بصورة أشدّ مما نظرت عبره إيران إلى الحرب على سورية وموقعها فيها.
– عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، كانت حدثاً تاريخياً استثنائياً، فقد قدّمت بالإضافة لمثال الثورة الشعبية السلمية المظفرة بوجه أعتى أنظمة القمع والطغيان المدعوم من كل قوى الاستكبار، وعلّمت الشعوب وصفة النصر، مثالاً جديداً لفهم الإسلام. هذا الدين الذي يحرّك ربع البشرية المنتشرة على مساحات الكرة الأرضية كلها. وجاء هذا الفهم يتجاور أحياناً ويتساكن أحياناً ويتصادم بإرادته أو خلافاً لإرادته، مع نماذج أخرى سادت قبله لفهم الإسلام، يمكن تصنيفها وفقاً لمعايير الفلاسفة اليونانيين، بالإسلام الهوائي القائم على الاكتفاء بالشكليّات، والذي يعيش على القشرة، وشجّع الحكام هذا الإسلام الذي لا يتدخّل في السياسة ورأوه مناسباً لاستفرادهم واحتكارهم تنظيم شؤون الحكم والحياة. وكان هناك الإسلام المائيّ وهو إسلام المال والسلطة الذي يهتمّ بترويج سياسات الحاكم ويعلنه أميراً للمؤمنين ولياً للأمر، ويبرّر التبعية للغرب. وجاء إسلام الثورة الإسلاميّة ترابياً متصلاً بالأرض منشغلاً بزرع الخير والتشجيع على اعتبار الكرامة الإنسانية من المقدّسات، ينصر المظلوم ويواجه الظالم، ما استدعى إنتاج إسلام منافس هو الإسلام الناري الشيطاني الذي مثلته الجماعات الإرهابية المتطرفة، ليخلق التشويش بين روح المقاومة والإرهاب، وبين الدعوة للأصول الإسلامية الصحيحة ومصطلح الأصولية القائمة على التخلف والتطرف.
– كانت البلاد العربية هي ساحة المنازلة التي سعت القوى الدولية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لإغلاقها بوجه الإسلام الترابي الذي مثلته الثورة الإسلامية، حيث نشطت نماذج الإسلام الهوائي والمائي والناري لتطويق الإسلام الترابي، إسلام القضايا، لكن كان على الإسلام الترابي، حيث الإمام الخميني رمزه الاستثنائي ومن بعده حامل الراية الإمام الخامنئي، أن يتخطّى مجموعة من الحواجز ليربح المنازلة، حيث من ينتصر هذه المرة يقود العالم الإسلامي وعبره العالم. وأبرز هذه التحديات كان حل معضلة الوطنية والدين، وهي معضلة غير موجودة في إيران، حيث غير المسلمين أقليّة ضئيلة، وحيث القوميات المتعددة توحّدت تحت لواء وطنية جديدة هي الإسلام، فصارت الجمهورية بإسلامها قادرة على ضمان وحدة الشعب والأرض في إيران، وإلى جانبها معضلة إثبات المصداقية في قضية فلسطين، التي تشكل قضية العرب والمسلمين الأولى، وإيران بعيدة آلاف الكيلومترات عنها، ومعهما معضلة

ناصر قنديل

11 Nov, 21:39


تكملة ...

تجاوز حاجز القوميّة الذي ارتفع فجأة بين العرب والإيرانيين، وفجأة أيضاً ولد التحدّي وولدت الفرصة التاريخية، فمع اتفاقيات كامب ديفيد للصلح مع كيان الاحتلال وقع اجتياح لبنان وولدت برعاية إيرانية المقاومة الإسلامية تحدياً وفرصة لحل كل هذه المعضلات، حتى برز من بين صفوفها للعرب إمام يحمل راية الإسلام الخميني الترابي، المؤمن بولاية الإمام الخامنئي والصادق المخلص في ولائه، ليتقدّم الصفوف إماماً للعرب والمقاومة والأخلاق.
– نجح السيد نصرالله برفع مكانة خط الإمام الخميني وقيادة الإمام الخامنئي إلى مرتبة عالية في عيون شعوب المنطقة، فكان هذا الإمام العربي الذي تحتاجه الثورة الإسلامية، وكتاب الثورة الناطق بالعربية، وقد ربط انتصارات المقاومة وصعودها كقوة إقليمية بقيادة الإمام الخامنئي، كما ربط ظهور محور المقاومة وتنامي قوته بوجود هذه القيادة ودعمها. وجاءت مساهمته في جبهة إسناد غزة تعبيراً عن فلسفة تحمّل العواقب في المعارك الوجودية. وقد فرض طوفان الأقصى معركة وجودية إذا تركت فيها حماس تُهزم فسينال الكيان ومن خلفه أميركا من قوى المقاومة، وهذا يصح بالنسبة لما يجب على إيران أن تراه اليوم بعيون نصرالله، وبمثل ما اجتاز السيد نصرالله التعقيدات الوطنية والإقليمية والدولية التي تشكل عوائق أمام فتح جبهة الإسناد بما هي إعلان سقوط لمعادلات اتفاقية سايكس بيكو، ونظريات لبنان أولاً ومصر أولاً وسورية أولاً وما يشبهها، فإن القيادة الإيرانية تدرك أنها تضع قضية الدفاع عن السيادة الإيرانيّة عنواناً مضافاً لعنوان نصرة قوى المقاومة، كما فعل السيد نصرالله بالنسبة للدفاع عن لبنان وموقعه الصادق في خطاب معركة الإسناد، وأن القضية الرئيسية في الحرب صارت الخروج بنصر قوى المقاومة وإيران معها، مع معيار واقعيّ للنصر يتمثل في إسقاط أهداف الحرب، كما رسمتها قوى المقاومة في فلسطين بوقف العدوان وانسحاب الاحتلال عبر اتفاق مع المقاومة في غزة وفي لبنان، كما يقول خطاب المقاومة بوقف إطلاق النار والعودة غير المشروطة الى القرار 1701.
– على خلفية هذه النظرة تقارب إيران حتميّة الردّ القويّ المقبل على الاستهداف الإسرائيلي لسيادتها. ووظيفة هذا الرد مزدوجة، من جهة حسم أمر الردع الإقليمي لحساب إيران، ومن جهة موازية إيصال رسالة القوة التي يجب أن تسهم في إفهام قيادة الكيان بلا جدوى الرهان على المضي في الحرب. وفي الأمرين لا يقيم الإيرانيون حسابات كثيرة لما يفترض البعض من انشغال بتقييم معاني وأبعاد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات، وهي تنظر للخيارين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن بعين واحدة، ولها مع كليهما ثأر، لكن ميزان القوى هو الذي يمكن أن يفرض التفاوض الندّي الذي لا تقبل إيران أقل منه، وحتى يحدث ذلك يكرر الإيرانيون كلمات السيد نصرالله، بيننا الأيام والليالي والميدان، أما بعد نهاية الحرب وفي اليوم الأول بعد أيام الحرب فيقول الإيرانيون إن إيران حاسمة ولا تردّد لديها تجاه تحمّل المسؤولية عن إعادة الإعمار في لبنان وغزة ولو تخلف الجميع، أما أن تسبب بإقدامها استنهاض الآخرين ولو من باب الغيرة وعدم تركها تتفرّد بالمهمة، فأهلاً وسهلاً بالجميع.

ناصر قنديل

10 Nov, 13:53


تكملة ..

في معادلات الردع الناري التي لم تكن موجودة في حرب تموز 2006، وتعطّل بعضها في هذه الحرب بسبب الارتباك الناجم عن الضربات الأمنيّة من جهة، وتمهل المقاومة بتفعيل بعضها الآخر، تحسباً لتوسيع الاحتلال نيرانه نحو استهداف العاصمة في ظل انقسام داخلي حول فتح جبهة الإسناد، ومنعاً لتحميل المقاومة مسؤوليّة أي استهداف يطال غير بيئتها، لكن ميزان الردع المتغيّر بقي فعالاً، ومع تقدّم أيام الحرب صار ظاهراً أكثر، حيث بقيت معادلة تل أبيب مقابل بيروت، والمطار مقابل المطار والمرفأ مقابل المرفأ والكهرباء مقابل الكهرباء، حاضرة بقوة وزادت قوتها مع الاستهدافات التي شهدتها الأيام الأخيرة من الحرب.

شكّل الطابع الوجوديّ للحرب بالنسبة لكيان الاحتلال، على خلفية ما جرى مع طوفان الأقصى، وانتقال قيادة الكيان الى ائتلاف حكومي يتمسك ببرنامج حرب ومشروع توسّع واستيطان، حافزاً يبرر وسبباً يفسّر تحمل حرب طويلة وخسائر أكثر، بينما شكل ذهاب المقاومة إلى حرب لإسناد غزة سبباً لإضعاف الالتفاف حول حربها التي فقدت طابعها الدفاعي، لكن مقابل ذلك ترتب على مجيء الاحتلال الى الحرب بعد سنة من حرب مفتوحة صعبة في غزة، سبباً لاستنزاف قدرة قواته الآتية الى الحرب على جبهة لبنان، كما شكل تموضع المقاومة مع بدء العدوان الكبير على لبنان تحت شعار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، سبباً لاستعادة الجبهة الداخلية للمقاومة تماسكها، بينما كانت قيادة الكيان قد رفعت من سقوفها نحو طلبات تتجاوز القرار 1701 نحو ترتيبات أمنيّة مستوحاة من اتفاق 17 أيار الذي أسقطه لبنان بفضل المقاومة قبل 40 سنة، فخسر الكيان ما كان قد حاز عليه من تأييد خارجيّ عندما كانت حربه لوقف جبهة إسناد غزة من لبنان تحت عنوان وقف النار على جبهة لبنان دون شروط.

بعد 40 يوماً على بدء الحرب الكبرى بين المقاومة والاحتلال، يمكن القول إن الأيام العشرة الأولى كانت لصالح الاحتلال مع الضربات القاتلة بين 17 و27 أيلول، وإن شهر تشرين الأول وما تلاه كان للمقاومة بالكامل، وظهر معيار لقياس النصر والهزيمة أبعد من مجرد التوازن في النار وما يثيره من قلق على ضفتي الحرب، حيث جبهة المقاومة لا تسأل عن حجم نيران الاحتلال بل عن حجم نيرانها، وقد ظهر مقنعاً وأحياناً بلغ حد الإبهار، بينما الاحتلال لا يحسب له حجم نيرانه المتوقع أصلاً بل قدرته على منع نيران المقاومة حيث يفشل، بحيث إن الاستمرار على هذا المنوال كافٍ لتنامي معادلة الفشل بالنسبة للاحتلال والفوز بالنسبة للمقاومة؛ أما توازن جبهة البر فإن مجرد تحقيقه يكفي كي يُحسب لصالح المقاومة، التي تكون بالتوازن قد نجحت في منع قوات الاحتلال الضخمة والمحترفة من تحقيق الاختراق الذي صار شرطاً لإحراز تقدّم يتيح فتح باب التفاوض لوقف الصواريخ وعودة مهجّري شمال فلسطين المحتلة، وكلما تكرّرت المحاولات الفاشلة وزادت معها خسائر جيش الاحتلال، استنفدت الحرب فرص الاستمرار.

قياس النصر والهزيمة يتم بفحص منسوب الثقة في الجبهة الداخلية لكل من المقاومة والاحتلال، وما هو واضح وبائن أن ثقة الجبهة الداخلية للمقاومة اهتزّت في الأيام العشرة القاسية، لكنها لم تلبث أن تمّت استعادتها بزخم تصاعدي، حتى عاد الحديث في بيئة المقاومة عن الثقة بتحقيق النصر بقوة وثقة، بينما يتصاعد السؤال تدريجياً في الجبهة الداخلية للاحتلال حول جدوى الاستمرار في الحرب طالما أن التصعيد الناريّ لا يجدي بوقف ما يقابله من تصعيد ناري مؤلم، وطالما أن التقدّم البرّي يبدو كل يوم أصعب من الذي قبله، وتبدو المقاومة تنجح في زراعة الأمل في جبهتها بأنها ذاهبة نحو النصر، وتزرع اليأس في الجبهة الداخلية للاحتلال من جدوى استمرار الحرب.

ناصر قنديل

10 Nov, 13:53


بين حرب 2006 وحرب 2024

...


تشكل المقارنة العامل الحاسم في الاستنتاج العلمي، خصوصاً عندما يتمّ الاستناد إلى مقارنة عناصر متماثلة في ظروف مختلفة وقراءة تحرّكها وخطها البياني في مرتين مختلفتين أو أكثر، وهذا صحيح في الفيزياء وصحيح في علوم البيولوجيا والطبيعة والفلك، وهو صحيح أيضاً في السياسة والحرب.

الحرب الدائرة خلال عام ونيّف بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال غير قابلة للمقارنة بالمواجهات التي سبقت انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان وكانت المقاومة فيها تخوض حرب عصابات ممتدّة لسنوات تستنزف جيشاً يحتل الأرض لإجباره على الانسحاب، وهي حرب تشبه حروباً كثيرة خاضتها مقاومات مختلفة في العالم بوجه جيوش أقوى من جيش الاحتلال كالجيش الأميركي في فيتنام والجيش السوفياتي في أفغانستان ولاحقاً الجيش الأميركي في أفغانستان؛ بينما الحرب الراهنة فهي مواجهة نظامية تخوضها المقاومة وراء خط الحدود اللبنانيّة لمنع جيش الاحتلال من التقدّم، وهي حرب نادرة في تاريخ حركات المقاومة، والنادر أكثر هو أن تسعى المقاومة كي تنتصر فيها على جيش نظاميّ مدرّب ومجهّز ويملك سيطرة جوية مطلقة وتفوقاً نارياً استثنائياً، لكن بالقياس لمعايير المقارنة العلمية تمثل حرب تموز 2006 نموذجاً مثالياً للمقارنة بين مواجهة تدور بين القوتين نفسيهما على الأرض ذاتها وبشروط متشابهة، بعدما حاول كل من الطرفين في الوقت الفاصل بين عامي 2006 و2023 الاستفادة من التجربة السابقة لتحسين أدائه وزيادة فرصه لربح الحرب.

الواضح أن التطوير الرئيسي لجيش الاحتلال كان في المجال الأمني والاستخباري وتجسّد بالضربات التي صمّمها ونفذها بحق المقاومة وقياداتها وبنيتها وبيئتها بين 17 و27 أيلول 2024، وبنى عليها الاستنتاج بأنها سوف تمثل الضربة القاضية التي تسقط قدرة المقاومة على مواصلة إطلاق الصواريخ من جهة وتصيب قدرتها في المواجهة على الجبهة البرية من جهة موازية، باعتبار أن الأمرين يرتبطان عضوياً ببقاء أو سقوط منظومة القيادة والسيطرة. والواضح أن الآلام والأضرار الكبيرة التي ترتّبت على الضربات الأمنية هزّت بنية المقاومة وأصابت الثقة بها وقدرتها وصحة وعودها عن حجم قوتها واقتدارها، لكن ذلك كان ظرفياً، حيث لم تلبث الوقائع أن أكدت أن المقاومة استعادت حضورها وبقوة واستعادت ثقة بيئتها وما حولها وطنياً وعربياً وعالمياً، بل ربما زاد الإعجاب بها والانبهار من أدائها، لأنها تفعل ما تفعل بعدما تلقت هذه الضربات.

في وجوه الضعف التي أظهرتها حرب تموز 2006 لا تبدو جهود جيش الاحتلال قد أثمرت عن إغلاق الثغرات التي أظهرتها حرب تموز 2006، حيث ظهرت الجبهة الداخلية هشّة، ولجأ مستوطنو الشمال إلى التهجير مع بدء الحرب، بدلاً من الصمود في مستوطناتهم قرب الأماكن المحصّنة كما تقول الخطة التي وضعتها الجبهة الداخلية، كما ظهرت القبة الحديدية بكفاءة محدودة في تأمين الحماية الموعودة بنسبة 90% من الكفاءة، وبقيت كفاءتها في صدّ صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة أقلّ من نصف الوعود، وتحوّل ذلك الى فعل قاتل مع حجم التطوّر الذي أظهره سلاح الصواريخ والطائرات المسيّرة لدى المقاومة، بينما ظهرت قوات البر بكفاءة أقل على مواجهة مقاتلي المقاومة الأكثر عدداً والأعلى كفاءة والأشدّ تجهيزاً من حرب تموز 2006، بحيث فشلت فرق النخبة بإحداث خرق يُذكر على جهة الحدود خلال أكثر من شهر، بينما وصلت في حرب تموز الى داخل بنت جبيل ووادي الحجير، ورغم ما لحق بها هناك يومها استطاعت التقدّم الذي تعجز عنه هذه المرة.

بالنسبة للمقاومة تبدو التطويرات التي أدخلتها على بنيتها واستعداداتها نوعيّة وشديدة الفعالية، ولم تنجح الضربات الأمنية القاسية التي تلقتها المقاومة في تعطيل مفاعيل هذا التطوير، فقد أظهر سلاح الصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى شديدة الدقة، كفاءة تخطيطيّة وتنفيذيّة وحقق نجاحات باهرة خلقت توازناً نارياً في المدى والعمق وقوة التدمير والتهجير، ومثل ذلك كان حال سلاح الطائرات المسيّرة الذي تحوّل إلى لغز الحرب ومصدر صداع قيادة الكيان، بعدما وصلت طائرة مسيّرة إلى غرفة نوم رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، ووصلت أخرى إلى غرفة الطعام في قاعدة بنيامينا وقتلت وجرحت قرابة المئة من ضباط وجنود لواء جولاني، وبالتوازي ظهر إعداد المقاومة لآلاف مقاتلي البر وتسليحهم وتجهيزهم، وإعداد الأنفاق اللازمة لهم للمناورة والقتال والإمداد، وبرزت مهاراتهم وتدريباتهم في الميدان، كجيش شديد الكفاءة، ما تسبّب بتعطيل حضور فرق النخبة في جيش الاحتلال ومنعها من تحقيق أي اختراق برّي يُذكر.

ناصر قنديل

08 Nov, 22:39


كيف نقرأ رئاسة ترامب والحلف مع نتنياهو؟

...

 
تجري المبالغة باهتمام استثنائيّ من قبل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب برضا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفيما يعيد البعض ذلك إلى حرص ترامب على دعم الصوت اليهوديّ الأميركي، تأتي نتائج الانتخابات لتقول إن 20% فقط من أصوات اليهود الذين شاركوا في الانتخابات قد ذهبت لصالح ترامب، بينما حصدت منافسته كمالا هاريس الديمقراطية 80% من هذه الأصوات.
قد يكون صحيحاً القول إن ترامب أسوة بكل رؤساء أميركا لا يمكن أن يتخلّى عن دعم كيان الاحتلال، وأنه سوف يقدم له كل ما يمكن لأميركا تقديمه، وطالما أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تبخل بتقديم شيء فليس لدى ترامب جديد يضيفه، طالما أن تورط أميركا بالحروب ليس وارداً عند ترامب أكثر مما كان لدى بايدن، وترامب يدعو علناً لأميركا العظيمة بدلاً من أميركا العظمى، والأمركة بدلاً من العولمة.
يبني البعض على واقعتين مهمتين في ولاية ترامب الأولى استنتاجاً أو انطباعاً حول حجم دعم ترامب لحروب نتنياهو، الأولى هي القرارات السياسية التي اتخذها ترامب لصالح الكيان من إعلان صفقة القرن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس كعاصمة موحدة للكيان وتغطية قرارات ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية وإشاعتها أمام المستوطنين، وصولاً إلى تأييد ضمّ الجولان السوري المحتل، والثانية هي التلاقي مع نتنياهو على التصعيد بوجه إيران، عبر إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد، بعدما كانت إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما هي التي وقعت الاتفاق، وصولاً إلى تصديق ترامب على قرار اغتيال قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
رغم أهمية الواقعتين إلا أنهما لا تختصران مسيرة ترامب في الولاية الأولى، التي شهدت واقعتين ثانيتين معاكستي الاتجاه، الأولى هي كيفية تهرّب ترامب من المواجهة مع إيران عندما أسقط صاروخ إيراني عالي التقنية طائرة تجسس أميركية عملاقة، وقد وثق ترامب نفسه مواقفه ومقاربته بالقول إنه لا يرى الحادث يستحق حرباً طالما أنه لم تتم إسالة الدماء، وأنه يرى أن العقوبات على إيران كافية وتؤتي ثمارها، ولعل الواقعة الثانية أشدّ تعبيراً كما وثقها الكاتب الأميركي البارز في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، الذي كتب تعليقاً على حادثة استهداف منشأة أرامكو النفطية الحيوية في السعودية على أيدي اليمنيين، واعتقاد واشنطن والرياض بأن طهران كانت وراء هذا الهجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ مجنّحة، فيقول فريدمان إن ترامب تخلّى عن حلفائه ويستخدم لغة ساخرة في توثيق اللحظة، فيشير إلى إعادة حسابات في الشرق الأوسط من دول الخليج الى “إسرائيل” حيث أميركا لا تريد حرباً وعليهم تدبُّر أمورهم بأنفسهم.
واقعة تأييد خطوات الضمّ الإسرائيلية للأراضي العربية والفلسطينية تقول إن ترامب لا يسائل نتنياهو على خطواته طالما أنها لا تتطلب من واشنطن غير التأييد السياسي، وأن ترامب ليس معنياً ببناء مبادرات واقعية لتحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي بقدر اهتمامه بالتطبيع الخليجي الإسرائيلي، لكن السؤال هو هل كانت إدارة بايدن عملياً غير ذلك، وهل كان طوفان الأقصى في توقيته إلا رداً على مبادرة بايدن لخط الهند أوروبا مروراً بالخليج وحيفا، في إعلان يضمر تصفية وتهميش القضية الفلسطينية؟ أما اغتيال القائد قاسم سليماني كخطوة عدائية بقرار أميركي فهل يختلف عن اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بمباركة أميركيّة وحماية أميركية كاملتين؟
الأكيد أن ما تمتنع عنه أي إدارة أميركية أو حكومة في الكيان من خطوات عدوانية، لا يعود إلى مقاربة عقلانيّة للصراع في المنطقة تهدف مخاطبة شعوب المنطقة وقوى المقاومة فيها طلباً لتسوية، ولا إلى خلاف أميركي إسرائيلي موهوم، سواء كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، وسواء كان الرئيس بايدن أو كمالا هاريس أو ترامب، المانع يكون حكماً هو إدراك العجز أو إدراك خطورة العواقب، وقد بات أكيداً أن استهداف منشآت إيران النووية أو النفطية يفوق طاقة واشنطن وتل أبيب على تحمل التبعات، سواء في طبيعة ما سوف يطال كيان الاحتلال من الردّ الإيراني المختلف والنوعي، أو ما سيلحق بأوضاع المنطقة من تفجير كبير يفرض على واشنطن الانخراط بجيوشها في حرب، ومن أزمات نفطية ومالية واقتصادية عالمية، يريد ترامب الابتعاد عنها بمثل ما كان بايدن وربما أكثر للبدء بعهده الرئيسي ببرامجه التي يشكل الاقتصاد الأميركي محورها والتي تصبح مستحيلة مع انفجار بهذا الحجم.
بالتأكيد ثمة فارق بين الرئيس الديمقراطي والرئيس الجمهوري بالنسبة للكيان، الرئيس الديمقراطي صهيونيّ بما يعنيه ذلك من نظرة للكيان كموقع متقدّم للمشروع الإمبراطوري الغربي الذي تقوده واشنطن، ومن شعور بالمسؤولية عن مستقبل الكيان في مواجهة الأعداء المشتركين ودعمه من جهة ولجمه من جهة موازية عندما يخوض حروبه بتهور حرصاً عليه وليس تبايناً في الأهداف،

ناصر قنديل

08 Nov, 22:39


تكملة

بينما الرئيس الجمهوري “إسرائيلي” ينظر للكيان كحليف شرق أوسطي، قريب لروح الغرب ونمطه الثقافي والاقتصادي والسياسي، يستحق الدعم والمساندة، لكن ترامب الذي يهدّد حلف الناتو بالتخلي عن خوض حروب لأجله لن يخوض حرباً لأجل الكيان، والرئيس الديمقراطي الذي يحظى بدعم يهود أميركا معني أكثر بمراعاة قادة الكيان من الرئيس الجمهوري الذي لا يحظى إلا بالقليل من أصوات اليهود، وإذا كان للأصوات من حساب فربما يكون ترامب معنياً بمراعاة مَن يمون على أصوات اللبنانيين الشيعة في ديترويت بعدما شكلوا بيضة القبان في فوزه الرئاسيّ أكثر من اهتمامه بمن يمون على أصوات الناخبين اليهود، معادلة نبيه بري وبنيامين نتنياهو على طاولة ترامب كصاحب صفقات صار في البيت الأبيض!

ناصر قنديل

08 Nov, 22:30


من يجب أن نهنئ بفوز ترامب؟

...



 
– في البداية لا بد من التذكير بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وإذا كان في الذاكرة لكونه من أمر باغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فقد فاز عليه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ونائبته الراسبة في الانتخابات كمالا هاريس بتغطية اغتيال قادة في حركات المقاومة بحجم لا يقلّ عن اغتيال سليماني، في لبنان وفلسطين، وصولاً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية وتتويجاً بجريمة كبرى هي اغتيال السيد حسن نصرالله، أما إذا كان البعض يعتقد بأن ترامب سوف يمنح بنيامين نتنياهو ما حجبه عنه بايدن فعليهم أن يتساءلوا عن حقيقة وجود ما حجبه بايدن عن نتنياهو، ولم يبق إلا تجريد حملة بريّة بمليون جندي أميركي لغزو المنطقة بعدما قدّم بايدن كل شيء يمكن تقديمه لنتنياهو، فهل يعتقد أحد أن ترامب سيفعل ذلك؟
– لا بدّ أيضاً من تذكير الذين يهوّلون بعلاقة بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، ويخلصون إلى القول إن الآتي أعظم، بأن الرئيس السابق دونالد ترامب كان هو الرئيس الذي أسقطت خلال رئاسته طائرة آر كيو-170 التجسسيّة الأميركيّة العملاقة بصاروخ دفاع جوي إيراني، وكان قراره بعدم الردّ، لأنّه ليس في العملية خسائر بشرية، ولأنه لا يريد حرباً ومنفتح على التفاوض، وحتى ذلك الحين يعتقد بأن العقوبات تؤتي ثمارها، أما الذين يقولون إن الدول الخليجية تحتفل بفوز ترامب كشريك افتقدوا وجوده خلال رئاسة بايدن، وسوف يترتّب على عودته تغيير في الموازين بوجه إيران، فلا بدّ من تذكيرهم، بمقالة توماس فريدمان كاتب الـ «نيويورك تايمز» الذي كتب مسودة المبادرة العربية للسلام، والقريب جداً من صناع القرار في الخليج، بعدما أصابت صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة أطلقها اليمن على منشأة أرامكو في خريف 2019، فماذا قال فريدمان؟
– كتب فريدمان في مقالته الشهيرة، «كان حمّاماً بارداً تلقاه السعوديون الذين اتصلوا بواشنطن لمناقشة ما تخطّط له الولايات المتحدة من ردّ استراتيجي، ليكتشفوا أن الرئيس ترامب كان مشغولاً بالبحث عن رقم الهاتف النقال للرئيس الإيراني حسن روحاني». ولو ترجمنا مواقف الرئيس إلى العربية، فقد كان ترامب يقول لقادة دول الخليج: «نسيت أن أخبركم أنني مهتمّ فقط ببيعكم أسلحتنا لا استخدامها للدفاع عنكم، ولكن لا تنسوا النزول في فندقي المرة التالية التي ستحلّون فيها ضيوفاً على واشنطن، ومكاتب الحجز مفتوحة». وفهم السعوديون والإماراتيون الرسالة، وانشغلوا مثل ترامب بالبحث عن رقم هاتف الرئيس الإيراني وهاتف أمير قطر أيضاً، المؤيد لإيران، فقد حان الوقت لتصحيح الأمر مع «كل الجيران». وبعد هجوم أرامكو في السعودية أعلن ترامب أنه «بالتأكيد يريد تجنّب الحرب»، ومرة ثانية لو ترجمنا كلامه إلى العبرية: «أميركا سعيدة بالحفاظ على العقوبات ضد إيران ولكنها لن تشارك «إسرائيل» أو بعض العرب لتغيير النظام هناك أو تدمير القدرات العسكرية الإيرانية». واستخلص فريدمان أن نتنياهو أساء قراءة عقليّة ترامب: «نحن نعوم على بحر من النفط والغاز ولن نخوض حروب الآخرين في الشرق الأوسط. وقد فهم الإيرانيون الذين ليست لديهم سفارة في واشنطن عقليّة ترامب أحسن من حلفائه في المنطقة».
– ترامب منح نتنياهو توقيعه عندما أراد ضمّ مزيد من الأراضي المحتلة، فتسبّب بضعف صورة أميركا التي صنعها الديمقراطيون عبر ترويج مهم حول الموقف الوسط ودعوات التفاوض وحل الدولتين، لكن «إسرائيل» لم تربح شيئاً، لأنه لن يرسل جندياً أميركياً واحداً لحماية الاحتلال في هذه الأراضي أو سواها، ولن يكون هناك ما يقدّمه ترامب لنتنياهو بعد حرب غزة ولبنان، سوى مطالبة نتنياهو بإنهاء الحرب بنصر سريع أو تسوية تعطي واشنطن مكانة أفضل في المنطقة، وإذا كان هناك مَن يجب تهنئته بفوز ترامب فهو قطعاً ليس نتنياهو الذي سوف يُعيد اكتشاف ما قاله فريدمان قبل خمس سنوات، فربما يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من يتلقى التهاني الآن، وقد أزفت ساعة إضعاف حلف الناتو، وساعة رحيل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وربما يجب تقديم التعازي لقادة جماعة «قسد» في شمال شرق سورية الذين لن يحظوا بدعم ترامب أسوة بما سيحدث مع زيلينسكي.
– جوهر اهتمامات الترامبية يبقى داخلياً وليس خارجياً، كدعوة للأمركة على حساب العولمة، ولأن ترامب صاحب كتاب الصفقة ورجل الصفقات، فهو قد يُنجز صفقة مع الدولة العميقة للمخابرات ووزارة الدفاع على معالم السياسة الخارجية لإدارة الأزمات، وقد بلغت حرب المنطقة سقوفاً بات مستحيلاً اختراقها دون تورّط أميركا بشنّ حرب كبرى تفوق طاقتها، وعلى نتنياهو أن يحاول ما يستطيع فعله في الحرب ليكتشف أن ما فعله جيش الاحتلال هو سقف ما يستطيعه، وأن الزمن يعمل ضده، وأن رجل الصفقات لن يكون بعيداً عن طلب الوساطة الروسية من الرئيس بوتين لعقد صفقة مع إيران، بدلاً من دفعها للإعلان عن امتلاك سلاح نوويّ.

ناصر قنديل

08 Nov, 22:30


تكملة ...

– ربما تؤدي رئاسة ترامب إلى إراحة سورية وروسيا، وهذا سيترك بصماته على توازنات حروب المنطقة وموقع قوى المقاومة فيها، لأن إنهاء حماية الكانتون الكرديّ وتمهيد الانسحاب من سورية، والتفكير بتفاهم مع روسيا على توليها مهمة مكافحة الإرهاب في سورية وإدارة الحل السياسيّ، يعني أيضاً تسريع التموضع التركيّ للانسحاب من سورية، والأرجح أن ترامب سوف يفرض الحماية الجمركيّة بوجه الصين، ويعتبر أن التحدّي الاقتصاديّ مع الصين والنهوض بالصناعة الأميركيّة، وتوسيع نطاق الإنتاج الاستهلاكيّ وسلاسل التوريد، هي أولوياته، وإدارة الظهر للناتو، والتفاهم مع روسيا، وربط النزاع مع إيران، كوصفة لتفادي المزيد من الحروب.
– مَن يستحقّ التهنئة قبل أي أحد آخر هي الجالية العربية الإسلامية في أميركا ومعها الناشطون المؤيّدون لفلسطين، وقد ظهروا سبباً مباشراً لمعاقبة الحزب الديمقراطيّ على شراكته الجرميّة في عمليات القتل الوحشي في فلسطين ولبنان، ولم يهمّهم أن يفوز ترامب، وربما ذهب بعضهم لتأييده، لكن الأهم كان هو هذا العقاب الرائع، لمجرمي الحرب بايدن وهاريس، ومضمون الرسالة لن تنالوا تصويتنا تحت شعار الخشية من الأسوأ، لأنكم أنتم الأسوا، وعندما يفعل ترامب ما يستحقّ العقاب فلن يتأخّر العقاب.

ناصر قنديل

06 Nov, 21:56


تكملة ...

بعده جبهات الإسناد لتزيد الحقيقة وضوحاً وسطوعاً.
– كان الإمام الحسين مثال إمامنا الأعلى كما يقول نصه دائماً، وكان يؤكد أن الروح الحسينية شرط لتحقيق النصر، لكنه كان يرى أن زمن كربلاء لن يتكرّر، فالروح حسينية لكن المعركة خيبرية، نسبة إلى معركة خيبر التي خاضها وانتصر فيها الإمام علي، على الأجداد الذي يزعم قادة الكيان الانتساب لهم، ولذلك وثقنا بأنه سيكون حاضراً بجسده وسبابته يرفع شارة النصر ويبتسم، قائلاً، ألم أعدكم بالنصر دائماً ومجدداً وأبداً، ثم يضيف، ألم أقل لكم إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وفي لحظة صعبة اكتشفنا أنه يمكن أن يُستشهد الحسين في خيبر.
– * بمناسبة أربعين يوماً على استشهاد الإمام السيد حسن نصرالله.

ناصر قنديل

06 Nov, 21:56


إمام الأخلاق والمقاومة*


...



 
– لم نكن نعلم عندما اختار السيد حسن نصرالله أن يدعونا لمشاركته الاحتفال بأربعين عاماً على ولادة حزب المقاومة، أنه يهيئ المسرح لأربعينية شهادته، وللأربعين مكانة خاصة في ثقافته المتصلة بكربلاء الإمام الحسين. ولم ننتبه عندما قلنا له لو خضت بنا البحر لخضناه وراءك أننا نبايع إمام عصرنا، والإمامة هي قيادة سياسيّة يتبوأها رجل دين، يقود شعبه بقوة التفوّق الأخلاقيّ ويبلغ مرتبة القداسة لنقاء سريرته وطهره، ومرتبة العبقريّة لما يبتكره من حلول ونظريات وما يرسمه من سياسات، ويبهر إلى حد الإعجاز بما يراكم من إنجازات، وما يولد على يديه من انتصارات.
– تحت عباءات أئمة بحجم السيد محمد باقر الصدر والسيد موسى الصدر ومن بعدهما الإمامان الخميني والخامنئي، وصولاً لأستاذه السيد عباس الموسوي، ولدت الشخصية الاستثنائية لهذا الإمام، وهو يفكك ألغاز السياسة والعلاقات الدولية والمشاريع الاستعمارية، وينسج عباءة جديدة لإمامته، بأفكار ورؤى أدهشت من لا ينتمون لعقيدته بمثل ما رفعته الى مرتبة القداسة عند من آمنوا به ديناً ودنيا، فحلّ معضلة العلاقة بين التحرير والوحدة التي استنزفت عقول قادة حركة التحرّر العربية لعقود مضت، وقدم مثالاً تجربة المقاومة في لبنان وهي تهزم الاحتلال بأقل مقادير الوحدة، وأضعف نصاب للإجماع، وأضيق مساحة للأوطان.
– قدّم الإمام المقاوم نموذجاً مغايراً لرجل السياسة، حيث كان السائد هو اشتراط التنازل عن التزام الأخلاق شرطاً للفوز في حروب السياسة، وهو لم يأت بمجرد رفض هذا التنازل والتمسك بمعايير الأخلاق، بل جاء بمعادلة رفعت التمسك بالأخلاق الى مرتبة جعلت الربط بين السياسة والأخلاق شرطاً للفوز، وهذا هو مضمون الإمامة، أي تقديم معادلة جديدة تتحول الى مدرسة. ومدرسة الفوز بالتفوق الأخلاقي لها كثير من المصاديق في سيرة هذا الإمام، وتحويل هذه القيمة المضافة إلى مدرسة تجد شواهدها في مسار جديد ولد على ساحة السياسة الدولية، تحول معه الاستثمار على التفوق الأخلاقي منصة سباق وتنافس بين الدول والأحزاب، حيث الخسارة مؤشر على خسارة الحرب والربح دليل مسبق على حتمية ربحها، وحيث الالتباس في الكفة الراجحة في التفوق الأخلاقي تقدم التفسير لحروب يصعب إنهاؤها.
– قدّم إمامنا الشهيد معادلته لحزب يزهد بالسلطة، حتى يصبح أول حزب لا ينص ميثاقه على السعي لتسلّم السلطة، سواء عبر الثورة أو عبر الانتخابات، وفي سيرة حزب الله الكثير من الوقائع التي تثبت ابتكار معادلة الشراكة في القرار الوطني الاستراتيجي عبر نصاب ضامن (الثلث الضامن) لحق النقض (الفيتو) بدلاً من إغراء امتلاك نصاب يتيح احتكار القرار (الثلثين) أو نصاب الأرجحيّة (الأغلبية المطلقة)، وحيث الحلفاء والأصدقاء يلومونه على هذا التواضع، وربما يحمّله بعضهم مسؤولية فشل مشاريعهم بالإمساك بالدولة، وبعضهم يحمله مسؤولية فشل مشاريع الثورات الناقصة والعرجاء، كان الإمام متمسكاً بمعادلات السلم الأهلي، وهو القوي الذي لا يعرف خوفاً من منازلة، لكن الواثق بأن معركة المقاومة تستحق حصريتها وعدم السماح بمنافستها بمعارك أخرى، وكانت هذه واحدة من إضاءاته الثرية للسلم الأهلي كإمام للأخلاق والمقاومة، كما قالت تجربة تحرير الشريط الحدودي عام 2000 التي تحمل توقيعه الحصري.
– كان إمامنا يردّد في خطابه معادلة الأمتين العربية والإسلامية، دون أن يجد بينهما تنافس أو تناقض، ما أتاح المجال الفكري كي يتسع المجال للتصالح مع أي مفهوم أو نظرية للأمة، كمفهوم الأمة السورية أو سواها، بشرط أن ينسجم مع قاعدة احترام معياري وحدة النسيج الاجتماعي ومقاومة الاحتلال، وهو بذلك أول مَن تجرأ على القول بأنه يمكن أن تكون منتمياً إلى أكثر من أمة، فأنت في بلاد الشام جزء من الأمة السوريّة، وأنت بلغتك العربية جزء من أمة عربية، أُنزل القرآن بلغتها، وأنت في فضاء حضاريّ وثقافيّ صنعه الإسلام، لتكون مسيحياً أو مسلماً أو علمانياً في أمة إسلامية، طالما أن القدس وفلسطين بوصلة لا حياد عنها.
– كان إمامنا متحرّراً من عقدة النصاب اللازم للنصر، وقد خاض غمار حروب علمته وعلمنا على أساسها، أن الإجماع وهم وسراب، وأن الأغلبية ليست ضرورية، وأن هناك نصاباً كافياً لأقلية صلبة تمثل روح الأمة، وقد وجد في تلاقي سورية ولبنان روح الأمة السورية، وفي تلاقي المقاومات اللبنانية والفلسطينية واليمنية والعراقية روح الأمة العربية، وفي تلاقي هذه المقاومات كروح للأمة العربية مع الجمهورية الإسلامية في إيران روح الأمة الإسلامية، وهو نصاب كافٍ لصناعة النصر، شرط أن يجتمع مع التفوق الأخلاقي والحكمة والشجاعة، فقد قدّم لنا تجربة النصر في التحرير بنصاب لبناني مشابه، وقدم لنا نصر المقاومة في حرب تموز 2006 بنصاب لبناني أصعب، والنصر على المشروع الأميركي العربي الغربي الإقليمي الإرهابي ضد سورية، مثال النصاب اللازم لتحقيق النصر، وجاء طوفان الأقصى يقدّم مثالاً جديداً على مفهوم النصاب اللازم، ومن

ناصر قنديل

05 Nov, 15:53


أميركا الجديدة و«إسرائيل» الجديدة مقابل العولمة والصهيونية


...


 
– ثمّة احتمال كبير أن تقف الدولة العميقة في أميركا التي تقودها مجموعة لوبيات ثقافية وسياسية ليبرالية وتموّلها شركات مالية ضخمة، وراء فرض فوز نائبة الرئيس كمالا هاريس المرشّحة عن الحزب الديمقراطي، وتفرض فوزها حتى لو جاءت صناديق الاقتراع بعكس هذه النتيجة، وتخاطر بتعريض الداخل الأميركي لهزة كبيرة، يقول البعض إنها قد تكون مدخلاً لحرب أهلية لا يمكن تجنبها في ظل الاستقطاب الحاد الذي يرافق الانتخابات الرئاسية. وقد تفوز هاريس دون الحاجة للتلاعب بالانتخابات وفرض نتيجة غير مطابقة للتصويت، وقد تقرّر الدولة العميقة التفاوض على صفقة مع رجل الصفقات دونالد ترامب، أو تتخذ الحياد بسبب انقسام مكوّناتها حول الخيارات الرئاسية. ولعل هذه الفرضيّات تستمدّ مصداقيتها من اضطراب المشهد السياسي والإعلامي حول اتجاهات الانتخابات، وارتباك استطلاعات الرأي، بل الناخبين أيضاً الذين يقولون بنسبة 60% إنّهم غير راضين عن خياراتهم الرئاسية، كما قال استطلاع رأي لشركة ايبسوس أول أمس، ورد فيه أن 75% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إن أميركا تسير بالاتجاه الخاطئ.
– هذا التخبّط في الرأي العام الأميركي ليس مجرد تعبير عن ضبابيّة الخيارات فقط، أو عن ضعف مصداقية المرشحين الرئاسيين واليأس من صيغة الحزبين وما تتيحه من خيارات وحسب، لأن الضبابية وضعف المصداقية واليأس هي بذاتها تعبيرات عن شيء آخر، هو بلوغ الإمبراطورية الأميركية مرحلة الشيخوخة، ودخولها مرحلة الأفول أسوة بكل الإمبراطوريات عبر التاريخ التي تبدأ بمسار انحداري بعد بلوغ الذروة، ولا تلبث أن تشيخ وتذبل وتتفكك، وربما تنفجر من الداخل، ولم يمضِ بعدُ وقت طويل على تجربة مشابهة عاشها الاتحاد السوفياتي الذي تفكك قبل ثلاثة عقود ونيّف، وهو ما تعيشه أميركا منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وتسيّدها منفردة على عرش العالم، ودخولها زمن العولمة ومعه إنجاز الانتقال من مرحلة اقتصاد الأصول الثابتة إلى مرحلة الاقتصاد الافتراضي، وما رافق ذلك من جهة، من أوهام حكومة عالمية افتراضية تلغي الخصوصيات والثقافات والأديان والعقائد والوطنيات، وتتيح السيطرة على العالم بوسائط التكنولوجيا وما تؤمنه في عالم انتهاك الحقوق والحريات للأفراد والجماعات، والتلاعب بالعقول والصحة والموروثات الجينية ونشر الأوبئة وتحدّي الفطرة البشرية الطبيعية بتبني دعوات المثلية الجنسية وترويج اختيار الهويات الحيوانية للبشر، ومن جهة مقابلة من ركام واهتلاك للبنى التحتية التقليدية لاقتصاد السلع والبناء والتعليم والصحة.
– كانت معايير العولمة تدخل كل شيء، خصوصاً ميدان الحروب وبناء الجيوش بالأوهام ذاتها، وأصبحت الشركات هي التي تخوض الحروب، وصارت الجيوش بلا روح، وصارت التكنولوجيا إلهاً جديداً، وتحوّلت الجيوش إلى مرتزقة محترفين، أقرب إلى عصابات القتل المأجور، ونتج عن هذا المسار تراجع القدرة على الفوز بالحرب مع اختبار نظرية الفوز بحروب خسائر صفر، ودون أن تطأ أقدام الجنود الأرض، بينما ترتب بالتوازي بنتيجة هذه الرعونة في إدارة العالم نهوض دول وأمم وشعوب، تلاقت على مفهوم الدفاع عن استقلالها الوطنيّ والحفاظ على خصوصياتها الثقافية والقومية والدينية، وخاضت معارك إضعاف مشروع الهيمنة الأميركية، ومثلما تقدّمت روسيا صفوف التنافس على المكانة العسكرية الأولى مع أميركا، خاضت الصين المنافسة على المكانة الاقتصادية الأولى، وقادت إيران وقوى المقاومة حروب استنزاف متعددة بوجه الهيمنة الأميركية. وكانت حرب الدفاع عن سورية بوجه الحرب التي شنتها أميركا وجندت لها كل من استنفرتهم لمفهومها الجديد عن العالم، ساحة المنازلة الحاسمة بين المعسكرين. وكانت خسارة أميركا التي جنّدت وحوش الإرهاب لخوض حربها نيابة عن جيوشها العاجزة عن تحمل كلفة الدم، مقدمة لإعلان نهاية احتلالها لأفغانستان، والفشل العسكري لأضخم قوة عسكرية عالمية متفوّقة تكنولوجياً، على مقاتلين تصفهم واشنطن بالبدائيين. وجاءت حرب أوكرانيا وحرب غزة ثم لبنان، تفضح كل منها بنسبة جديدة محدودية القوة الأميركية. وبدأت الأحلاف التي تجمعت حول الصعود الأميركي تنأى بنفسها عن السياسات الأميركية وتبحث عن التشبيك مع القوى الصاعدة.
– في قلب هذا التراجع ولدت الترامبية، يقودها شخص غير متّزن وغير متوازن، لكنه يمثل بجموحه تطلّب الغاضبين من منظومة العولمة الحاكمة. ومنذ الانتخابات الرئاسية التي فاز بها عام 2016 كان الانقسام بينه وبين المرشحة هيلاري كلينتون، كما هو اليوم بين معسكر دونالد ترامب ومعسكر كمالا هاريس أقرب ليكون انقساماً بين النخبة السياسية والمالية التي تحتلّ مراكز الإدارة في المصارف والبورصات والصحف وغالبية وسائل التواصل وفرق التفكير ووزارة الخارجية والمخابرات ومشروع العولمة ومعها غالبية سكان المدن أصحاب ثقافة الاستهلاك ودعاة الليبرالية من أعراق غير بيضاء ودعاة حق الإجهاض والمثليين ومقابلها حالة

ناصر قنديل

05 Nov, 15:53


تكملة ...

شعبوية ممتدة في المدن الصغيرة والأرياف وشركات الصناعة والمقاولات وأصحاب العقارات والعصبية البيضاء والمحافظين المتدينين ومعهم كل خليط ركام العولمة غير المتجانس، يؤيدون ترامب تحت شعار الأمركة لا العولمة، وأميركا العظيمة لا أميركا العظمى.
– هي أميركا جديدة غير أميركا التي ولدت من سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية تواقة لقيادة العالم. أميركا الجديدة تمثل عصبية أميركية هجينة نواتها بيضاء وبروتستانتية، وقوتها الاقتصادية من روافد كل القطاعات التقليدية التي دمرتها العولمة أو تهدد بتدميرها، ولعل فوز جو بايدن عليها في الانتخابات السابقة هو المعاكس لطبيعة الأشياء، كما هو احتمال فوز كمالا هاريس هذه المرة، وليست معلومة كيفيّة تأثير صعود أميركا الجديدة التي يقودها رجل اتخذ شعاراً له عنوان كتابه “الصفقة” على فك وتركيب الدولة العميقة وفرض اصطفافات جديدة فيها، عبر أكثر من صفقة. وقد سبق لترامب أن عقد صفقات عديدة في ولايته الأولى فنفذ السياسة الخارجية المعاكسة لشعار الخروج من الحروب يوم قرّر ثم تراجع عن قرار الانسحاب من سورية.
– ما ينطبق على أميركا ينطبق على كيان الاحتلال، حيث ولدت خلال عقدين “إسرائيل” جديدة، حيث لا مكان للعلمانيين ولا لثقافة المؤسسين عن أن “إسرائيل” جزء من الغرب في الشرق، وحيث المستوطنون المتطرفون هم عماد “إسرائيل” الجديدة، ومثلما يمثل أميركا الجديدة مهووس بالسلطة والمال صعد على ظهر “إسرائيل” الجديدة بنيامين نتنياهو المهووس بالسلطة والمال، وجنون العظمة يسكن الشخصين بصورة متشابهة. و”اسرائيل” الجديدة التي يشكل صعودها نوعاً من الرد على الفشل العسكري المتلاحق الذي أصيب به جيش الاحتلال، تظهر مستعدة لتحمل بذل الدماء ومستعدة لخوض حرب طويلة، ومستعدة لتحمل القتال في ما أسماه بن غوريون بأرض “إسرائيل”، ولكن كما تتفكك أميركا تتفكك “إسرائيل” وصعود أميركا الجديدة لن ينقذ أميركا من آخر نسخة من قديمها، كما لن ينقذ صعود “إسرائيل” الجديدة الكيان في مواجهة لعنة الوجود، فهذا الصعود هو من علامات الاحتضار لا التعافي.
– إسرائيل الجديدة لا تريد جو بايدن الصهيونيّ، لأنها ليست عالمية ولا صهيونية، بل هي دولة يهودية دينية. وأميركا الجديدة لا تريد كمالا هاريس الديمقراطية لأنها لا تريد العولمة التي كانت آخر مبتكرات أميركا، فهي أميركية فقط، لكن الفرادة هنا هي أنه لا تصحّ معادلة أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، بل العكس هو الصحيح، لقد جئتم بعد فوات الأوان وما كُتب قد كُتب.

ناصر قنديل

02 Nov, 23:48


إيران تنتزع الردع الإقليمي


...


 
تتخذ المواقف المعلنة لقادة الجمهورية الإسلامية في إيران معاني مختلفة منذ اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والخطاب التاريخي لمرشد الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية الإمام السيد علي الخامنئي، عن تحمل إيران للمسؤوليات التي يلقيها على عاتقها هذا الاغتيال. فقد تلقت إيران الرسالة بأن المشروع الأميركي الإسرائيلي انتقل إلى الهجوم الاستراتيجي من بوابة اغتيال السيد نصرالله كمدخل لإسقاط تجربة المقاومة اللبنانية التي يمثلها حزب الله، والتي تمثل فائض قوة محور المقاومة ورأس حربته ويشكل شخص السيد نصرالله بشعبيته الواسعة عربياً وعالمياً قيمة المحور المضافة كقوة صناعة للسياسة، وما يعنيه ترك واشنطن وتل أبيب تفوزان بهذا الرهان من تغيير جيو استراتيجي في المنطقة لا بدّ من أن ينعكس تحجيماً في مكانة إيران الإقليمية والدولية.
لم تتأخر إيران عن إدراك أن المعركة على الردع الإقليمي صارت هي القضية، وأن استهداف إيران والرهان على تجنبها الانخراط في مواجهة مباشرة مع الكيان ومن خلفه أميركا، سوف يعني إخلاء ساحة الردع الإقليمي للكيان، والتسليم بالخروج من هذه المعادلة، ولذلك جاء الرد الإيراني على اغتيال القائد الفلسطيني المقاوم إسماعيل هنية في طهران، الذي تعرض للتأجيل تحت شعار إفساح مجال المساعي للتوصل لاتفاق ينهي الحرب في غزة. بعد اغتيال السيد نصرالله مثلث الأهداف، رداً على اغتيال هنية وردعاً بعد اغتيال السيد نصرالله، وتأكيداً على أن إيران لا تخشى المواجهة المباشرة، سواء مع الكيان أو مع أميركا، وأنها وهي لا تسعى للحرب فإنها مستعدة لخوضها ولا تخشاها، ولن تتراجع عن مكانتها الإقليمية القيادية تفادياً لهذه الحرب، وجاء الرد المثلث حاسماً وقوياً وواضحاً، كماً ونوعاً، شكلاً ومضموناً.
تستعدّ إيران لردّ جديد على عدوان جديد، رفض الخامنئي تهوين أهميته أسوة برفضه تعظيمها، وحدّد مهمته بإيصال رسالة القوة التي تمثلها إيران، والتي يبدو أن الوعد الصادق الثاني لم يوصلها كما يجب. وتحدّث قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي أمس، فقال إن الردّ الآتي يفوق تصوّرات قادة الكيان، وكل شيء بات محسوماً في إيران بأن الردّ مقبل لا محالة، وأنّه رد أقوى مما يتخيّل الإسرائيليون وما يرغب به الأميركيون، وسوف تقول إيران عبره أنها قوية ومقتدرة، ولا يمكن ليّ ذراعها، وأنها في الإقليم القوة الأولى، مهما حاول الكيان ودعمت أميركا محاولاته، للقول إنه صاحب اليد العليا والطولى في الإقليم. وسوف تقول إيران عملياً ذلك بردها المقبل حكماً.
بالأمس حوار هام لقناة الميادين مع رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران كمال خرازي، الذي يتولى مهمة مستشار الإمام الخامنئي للشؤون الاستراتيجية أيضاً، فقال خلاله كلاماً شديد الأهمية، حيث أكد أن «تغيير العقيدة النووية ما زال مطروحاً في حال تعرّضت إيران لتهديد وجوديّ»، وقال: «نحن الآن نملك القدرات الفنية اللازمة لإنتاج السلاح النووي وفتوى قائد الثورة السيد علي خامنئي هي فقط ما يمنع ذلك». وشدّد على أن «قدراتنا الصاروخية اتضحت للجميع والكل يؤمن بها وقد أثبتنا ذلك خلال عملياتنا»، موضحاً أن «الموضوع المطروح حالياً هو مديات تلك الصواريخ التي نلاحظ حتى اليوم هواجس الدول الغربية بشأنها». وأضاف خرازي «عندما لا تلاحظ الدول الغربية هواجسنا في ما يتعلق بسيادة إيران ووحدة أراضيها لا داعي لنأخذ بهواجسهم»، معلناً أنه «من المحتمل أن تتم تنمية مديات الصواريخ الإيرانية وزيادتها».
كلام خرازي يوضح بما لا يقبل الجدال أن إيران تخوض معركتها الكبرى لحسم الردع الإقليمي وقد أقامت حساباتها جيداً، وما لم تقم واشنطن وتل أبيب حساباتهما على أساس ما قد تفعله إيران، وتتراجعان أمامها، فالحرب الكبرى مقبلة.

ناصر قنديل

02 Nov, 11:49


تكملة ...

التقطت المقاومة الفرصة وأعلنت بصورة مدروسة وغامضة، جمعاً غير مفهوم بين التزامين، الربط مع غزة، والانفتاح على حراك سياسيّ ودبلوماسيّ عنوانه وقف إطلاق النار والقرار 1701، الأول من موقعها في محور المقاومة، والثاني من موقعها اللبناني، وتركت لفعلها في الميدان أن يتكفّل بالتفسير، لأن قبول الاحتلال بالقرار 1701 يعني التخلّي عن مشروع الردع الاستراتيجي لمحور المقاومة، طالما أنه قبول بالتساكن مع القوة المركزية في هذا المحور، والتخلي عن مشروع إسقاطها وتقليم أظافرها، وإلحاق الهزيمة بها، ويعني تماماً عكس ما يطلبه الاحتلال من الحرب، الانسحاب من المناطق الحدوديّة المحتلة بدلاً من احتلال المزيد وشرعنته تحت شعار الضمانات الأمنية، ووقف الانتهاكات الجوية والمائية بدلاً من شرعنتها، وقبول المقاومة بسلاحها على الحدود مع اختفاء المظاهر المسلّحة فقط، وفرض القرار 1701 إطاراً للأمن عبر الحدود هو عملياً إسقاط لأهداف الحرب.
لا تخوض المقاومة كثيراً في النقاش حول كيف تقبل بوقف النار والقرار 1701، لأنها تعلم أن تبنيها لهذا العنوان للحرب يرتبط باستحالة قبول الاحتلال بعدما شنّ حربه وحدّد أهدافها، وعندما يُهزم الكيان هزيمة استراتيجيّة تشكل شرطاً لتهيئته للقبول بذلك، سوف يفضل الذهاب الى غزة وتجاهل الجبهة اللبنانية، والإيحاء بأن أهمية قضية الأسرى دفعته لقبول اتفاق هناك، وهو يعلم أن الاتفاق مع غزة يعني وقف إطلاق النار في كل جبهات محور المقاومة، لكن دون الاعتراف السياسيّ بأثمان يدفعها على أيّ من هذه الجهات، فيبقي ربط النزاع مع لبنان، مع وقف إطلاق النار دون اتفاق، ليتمكّن تدريجياً من فتح تفاوض في ظل وقف إطلاق النار يمهّد للعودة البطيئة نحو القرار 1701 تفادياً لوقع الاعتراف بالهزيمة.
تدرك المقاومة أن الحرب ليست حرب كلمات، بل حرب ميدان، ولذلك تختار أفضل العناوين لإطلاق يدها وحماية ظهرها في خوضها لحرب الميدان وتحقيق النصر فيه، وهذا دور الـ 1701 كعنوان، وعندما يُهزم الاحتلال سوف نرى أن الهزيمة تكون شاملة أو لا تكون، أليس لافتاً أنه عندما بدأ الميزان يتغير في الميدان تم إنعاش المسار التفاوضي حول غزة بينما كل الوقائع تقول بخلاف توقعات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إن لا مسار تفاوض جدّيّ على جبهة لبنان، أما عن كلامه حول تأخر المقاومة في إعلان الفك مع جبهة غزة، فالجواب هو أن إعلان الفك لم يتم بل تغيّرت طريقته، وإذا كان قصده إعلان القبول بالعودة الى القرار 1701، فالمقاومة تأخرت صحيح، تأخّرت حتى صار قبول الكيان بالقرار هزيمة له ونصراً للمقاومة، وفتحاً للطريق نحو الربط مع غزة، بعدما كان قبول المقاومة بالقرار في أيام جبهة الإسناد هزيمة لها ولغزة وإعلان فك الربط معها.

ناصر قنديل

02 Nov, 11:49


القرار 1701 بين الربط والفك مع غزة؟


...


 
بين حسن النية وسوء النية تجاه المقاومة يُطرح السؤال حول استمرار المقاومة بالالتزام بالربط مع جبهة غزة، فيتخذ البعض من كلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الواضح حول غزة سبباً للقول إن هذا الربط لا يزال قائماً، ويذهب البعض الآخر إلى كلام الأمين العام نفسه عن وقف إطلاق النار والقرار 1701 ودعم الحراك الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري والحديث عن الانتقال من جبهة إسناد إلى حرب دفاع عن لبنان للقول إن المقاومة تخلّت عن الربط مع غزة الذي بدأت به حربها، فما هي الحقيقة؟
بالتأكيد فرض حجم الحرب التي بدأ الاحتلال بشنها على لبنان والمقاومة، منذ 17 أيلول وصولاً إلى 27 أيلول واغتيال الأمين العام لحزب الله وقائد المقاومة ومحورها السيد حسن نصرالله، الكثير من التحديات والتعقيدات التي فرضت تغييرات هيكليّة في طبيعة الحرب، من حرب عنوانها إخضاع غزة ومقاومتها لشروط تلبي رؤية الكيان لإدارة غزة بعد الحرب وتحجيم المقاومة فيها، وتحصيل مكاسب أمنية واستراتيجية في جغرافية غزة، والتعامل مع جبهات الإسناد كعامل قوة لتعزيز صمود غزة ومقاومتها بوجه مضمون الطروحات التي تضمّنتها العروض التفاوضيّة لحكومة الاحتلال، إلى مرحلة جديدة برزت أيضاً على مسار غزة، كما في المواجهة مع إيران، عنوانها إنهاء مرحلة توازن الردع مع محور المقاومة، وفرض الهيمنة الاستراتيجية على المنطقة، انطلاقاً من الاعتقاد بأن المقاومة اللبنانية التي يشكل حزب الله قوّتها المحورية هي قلب محور المقاومة وفائض قوته، وأن السيد نصرالله هو قيمته المضافة، وأن توجيه ضربة قاضية للحزب والسيد نصرالله، تقصم ظهر محور المقاومة وتفتح الطريق لبيئة استراتيجية جديدة في المنطقة، بما في ذلك مع إيران، وكان واضحاً أن هذا الانتقال تمّ بتعاون أميركي إسرائيلي كامل تحقّق خلال زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن نهاية شهر تموز الفائت، وترجمت فوراً باغتيال القائد فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. وتتالت بعدها الضربات بصورة مركزة نحو حزب الله انتهاء باغتيال السيد نصرالله.
لم يبق الاحتلال انتقال الجبهة الرئيسيّة نحو لبنان سراً، فقد أعلن أنه عمل بموجب هذا الإعلان عبر نقل فرقه القتالية وتركيز غاراته الجوية، لحسم الحرب مع حزب الله بنصر بائن، وصار مستقبل الحرب في لبنان بين المقاومة والاحتلال هو الذي يقرّر مستقبل المنطقة وغزة ضمناً، فإذا تحقق للاحتلال النصر، تغيّرت قواعد المواجهة على كل الجبهات، وإذا فشل الاحتلال تغيّرت قواعد الاشتباك على كل الجبهات عكساً، ولذلك صار تحقيق المقاومة للصمود أولاً واستجماع القوى ثانياً ثم استعادة زمام المبادرة ثالثاً، وصولاً إلى تحقيق النصر، هو الطريق لحماية محور المقاومة كله، وضمنه وفي المقدّمة بين صفوفه غزة.
تعافت المقاومة من الضربات بسرعة قياسية تصل حدَّ المعجزة، وحققت التوازن المنشود بسرعة أيضاً، ثم بدأت تستردّ زمام المبادرة، لكنها كانت معنية بترتيب جبهتها الداخلية اللبنانيّة بما يتناسب مع انتقال الاحتلال من التعايش والتأقلم مع قواعد اشتباك فرضتها كجبهة إسناد لأحد عشر شهراً، جنّبت خلالها لبنان تبعات الحرب، إلى إعلان حرب شاملة على لبنان ووضع أهداف بحجم الحصول على وصاية أمنية إسرائيلية ووصاية سياسية أميركية على لبنان، وفي ظل نزوح بيئتها المساندة كلها من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إلى سائر مناطق لبنان. وكان أول ما بين أيديها هو أن الاحتلال لم يعُد سقف مشروعه وقف جبهة الإسناد للتفرّغ لغزة وفرض شروطه عليها ثم الاستدارة نحو لبنان، وقد صار في قلب الحرب لتطويع لبنان ثم الاستدارة نحو سائر المحور وإبقاء غزة تحت النار لتكون اللقمة الأخيرة في وجبته الدسمة، فصار قبول الاحتلال بوقف إطلاق النار والقرار 1701، اللذين كانا في مرحلة ما قبل الحرب الشاملة على لبنان وشهور جبهة الإسناد إطاراً مقبولاً مرحلياً للاحتلال لضمان فك الربط بين جبهتي غزة ولبنان، وحسم غزة ثم العودة إلى لبنان، بمثابة إعلان فشله في الحرب وهزيمة لمشروع فرض الردع الإقليمي الاستراتيجي، لأنهما يعنيان بقاء قوة المقاومة في لبنان كما كانت معادلاتها قبل طوفان الأقصى كتهديد استراتيجي، لن تتوافر فرصة جديدة لمواجهتها وإضعافها وتحجيمها إن لم يكن اجتثاثها، وقد جرى استثمار أعلى قدرات النار والمخابرات بتعاون أميركي إسرائيلي غير قابل لتكرار إنجازات بحجم ما تحقق، بما لا يجوز هدره والتراجع عنه وارتضاء العودة إلى التساكن مع التهديد ربما إلى الأبد، لأن ضياع هذه الفرصة يعني عملياً أن لا فرصة مقبلة على الأقل في الأفق القريب والمتوسط.

ناصر قنديل

31 Oct, 23:01


تكملة ..


– مبكر جداً الحديث عن التفاؤل، وقد علمتنا تجربة غزة أن الترويج للتفاؤل يبطن غالباً التمهيد لإعلان الفشل في المفاوضات وتحميل المقاومة مسؤولية ذلك.

ناصر قنديل

31 Oct, 23:01


القهل نقترب من وقف إطلاق النار؟


...



 
– تزاحمت التقارير الإخبارية والتصريحات التي تتحدث عن تفاؤل بقرب التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار على جبهات الحرب بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال، وجاء كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن احتمال الإعلان عن وقف النار خلال ساعات ليصبّ الماء في طاحونة موجة التفاؤل، والناس التي تعاني من الحرب ومن النزوح والتي تتلقى النيران بصدورها وأجساد أحبائها، من حقها أن تتلهّف لمثل هذه الأنباء إن كانت تعبيراً صحيحاً عن الوضع، وتفاؤلاً صادقاً مبنياً على وقائع، فهل هي كذلك؟
– المصدر الرئيسي للكلام عن التفاؤل هو وسائل إعلام الكيان، التي تقول إن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو أبدى إيجابية تجاه البحث بإنهاء الحرب في لبنان وغزة، لأنه يعتقد أن العمليات الحربية حققت الكثير ويمكن الاكتفاء بهذه الإنجازات، ولدى التدقيق في ما تحمله التقارير نجد حديثاً عن شروط تتصل بتعديل القرار 1701 من دون ذكر ذلك صراحة، لأن الشروط المطروحة بصورة جلية واضحة تأتي من خارج القرار 1701، بل ضده وبعكس ما نصّ عليه، ولو تمّ تمريرها تحت شعار تطبيق القرار 1701، ولا توجد في لبنان قيادة سياسية ولا حكومة تستطيع الموافقة عليها.
– يريد نتنياهو تطبيق القرار 1701 بصفته قراراً بإخراج حزب الله وسلاحه من الجنوب، مقابل وقف الحرب، وامتلاك جيش الاحتلال صلاحيّة العودة إلى الحرب برضى الدولة اللبنانية وتفويض المجتمع الدولي إذا لم يتحقق ذلك، وهو الجهة التي تفحص تحقيق ذلك من عدم تحقيقه، وبمعزل عن الروح الوطنية التي يفترض أن تدفعنا للقول بأن ذلك كله مرفوض، سنذهب بعقل بارد لمقارنة الطلبات التي يطرحها قادة الكيان مع القرار 1701.
– ينص القرار 1701 على مرحلتين، الأولى هي وقف الأعمال العدائيّة، وبعد أن يقوم الطرفان اللبناني والإسرائيلي بتنفيذ موجباتهما المنصوص عليها في مرحلة وقف الأعمال العدائيّة تتوافر فرص الانتقال الى مرحلة وقف إطلاق النار النهائي أي الهدنة الثابتة. والأعمال العدائيّة من الطرف اللبناني هي إطلاق الرصاص والصواريخ، لكنها من طرف الكيان تتضمن انسحابه من الأراضي التي احتلها خصوصاً خلال حرب تموز 2006 وفي طليعتها الجزء اللبناني من بلدة الغجر، وهذا لم يحدث طيلة 18 عاماً مضت على صدور القرار، ومثلها الانتهاكات اليوميّة للأجواء والمياه اللبنانية، والقبول بحل يقدّمه الأمين العام للأمم المتحدة للنزاع حول مزارع شبعا، وقد قدّم الأمين العام السابق بان كي مون هذا الحل ورفضه الاحتلال، وعندما ينجز الاحتلال موجباته بوقف الأعمال العدائية يستحق الانتقال إلى وقف إطلاق النار النهائي. وفي لبنان كان الاستعداد قائماً لفتح النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة، على الأقل جنوب الليطاني، عندما تتم استعادة الأراضي المحتلة، ووقف انتهاكات الأجواء والمياه الإقليمية، وهل يمكن لأحد توقع أن تطلب الحكومة من حزب الله إخلاء جنوب الليطاني من السلاح والاحتلال باقٍ في أرض لبنانية محتلة وينتهك الأجواء والمياه؟
– الذي يعرضه الاحتلال على لبنان هو شرعنة أعماله العدائية التي لم تتوقف خلال 18 عاماً من التزام لبنان بالقرار 1701، وبدلاً من وقفها تصبح أعمالاً شرعية، ويصبح جعل منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح لضمان أمنه كقوة احتلال وتحويل جنوب الليطاني عملياً إلى حزام أمني جديد، يدخل اليه ويخرج منه متى يشاء، ثم يبني فيه ميليشيات مساندة ويستعيد فيه حكومة ظل مسلحة من العملاء، كما كان حال الشريط الحدودي المحتل، فهل يتوقع أن يقبل لبناني بذلك؟
– وقف إطلاق النار دون اتفاق على ما يليه والاكتفاء بالإعلان عن اعتبار القرار 1701 أساساً لتنظيم التفاوض حول ما بعد وقف النار، أمر مقبول لبنانياً، لكن هل يقبل به الاحتلال، وهو رغم كل ما يلحق به في عملياته البرية من خسائر لم يصل بعد إلى التسليم بالفشل، وعندما يصل الى ذلك يعلم أن نهاية الطريق هي انسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وإيقاف انتهاك الأجواء والمياه اللبنانية قبل البحث بجعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح ما عدا الجيش اللبناني واليونيفيل كقوتين حصريتين للإشراف على تطبيق القرار 1701، بينما يطلب الاحتلال تفويضه الإشراف على تطبيق القرار 1701 كما يعيد صياغته، لأنه يطلب حق القيام بالتدخل لنزع السلاح إذا لم يفعل الجيش واليونيفيل ذلك، وهو من سوف يقرر طبعاً إذا فعلا ذلك أم لا؟
– أما وقف إطلاق نار للعودة الى الحرب لاحقاً، كما يظن البعض، فهو غير وارد ولو جرى تسويقه على أنه طلب أميركي انتخابي، فهل يعود المهجرون بوقف إطلاق نار مؤقت قابل للانفجار بعد شهرين؟ وهل يسحب قواته من نقاط كلفته خسائر بشرية جسيمة ولو على القشرة الحدودية، ليعود ويدفع ثمن احتلالها مجدداً؟ وهل لديه قدرة تحمل المزيد، أم أن المقاومة تقبل ببقاء قواته داخل الحدود تحت شعار وقف إطلاق النار؟

ناصر قنديل

28 Oct, 22:27


دبلوماسية جني الأرباح أم تدارك الخسائر؟


...



– لم تتغير المعادلات الحاكمة للحروب الدائرة في المنطقة ودور الدبلوماسية فيها، مع العدوان الذي شنته قوات الاحتلال على إيران، لأن المسار ذاته كان واضحاً منذ العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق حتى اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية في طهران وصولاً إلى عدوان أمس، سواء لجهة أن الحرب مع قوى المقاومة ليست منفصلة عن المواجهة الأميركية الإيرانية وفي قلبها مكانة الكيان وقوة ردعه في الإقليم، أو لجهة أن مشروع الكيان الذي قال رئيس حكومته بنيامين نتنياهو إنه يهدف إلى إعادة صياغة الشرق الأوسط لا يتحقق دون إعادة صياغة حجم إيران في الإقليم.
– إذا صدقنا الرواية عن ضغوط أميركية على الكيان لتفادي المنشآت النووية والنفطية، فإن علينا أن نصدّق أن بمستطاع واشنطن أن تضغط وتستجاب عندما ترغب. وهذا يوجب على أصحاب نظرية الضغوط التسليم بأن واشنطن شريك في عمليات الإبادة والقتل في لبنان، لأنها لا تضغط وذلك لأنها لا تريد. وهذا يوجب علينا تالياً أن نسأل عما إذا كانت ضغوط واشنطن ناجمة عن تقدّم مسار تفاوض أميركي إيراني وهو ما لا يبدو له أي أساس أو أفق، أم هو ناتج عن حسابات واشنطن لما يُقال عن تفادي حرب إقليمية، أي التهرّب من المنازلة مع إيران. وماذا يعني ذلك غير أن واشنطن ترى أن ثمن تفادي المواجهة الشاملة مع إيران التي تسمّيها حرباً إقليمية ثمنه تفادي المساس بمؤسسات إيران الحيوية، وهي المؤسسات التي تزعج واشنطن وتل أبيب، والتي بنى بنيامين نتنياهو طوال عقدين كل مشروعه على الدعوة لاستهدافها، والدعوة هنا ناتجة عن الخشية من التداعيات، سواء على الكيان نفسه، بفعل الردّ المتوقع من إيران، أو على الملف النووي الإيراني المرشّح للتصعيد نحو إعلان إيران امتلاك سلاح نوويّ، أو على الاقتصاد العالمي نظام الطاقة وأسعار النفط ومستقبل البورصات العالميّة. وهذا في الحرب له توصيف واحد هو الردع، أي أن إيران تمتلك أوراق تأثير مباشرة وغير مباشرة تتكفل بردع واشنطن وتل أبيب عن المضي بلا ضوابط في استفزازها.
– عندما تفادى العدوان المنشآت الحيويّة لأن واشنطن وتل أبيب تقيمان الحساب للتبعات والتداعيات، فذلك لا يعني أنه كان شكلياً، فهو كان يستهدف تجريد إيران من قدرة الردع العسكرية، عبر استهداف نظام الدفاع الجوي ونظام الهجوم الصاروخيّ، كي يصبح ممكناً في جولات لاحقة التفكير بحسابات الذهاب الى مرحلة أعلى، لكن استعداد إيران، وتعاون روسيا، وفّرا فرصة نموذجية لإحباط العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه، فقد تقابلت الـ “أف 35” والـ “اس اس 400” لأول مرة، كما اختبرت مئات الطائرات الأميركية والإسرائيلية المسيّرة المواجهة مع نظام الدفاع الجويّ الإيرانيّ من طراز 15 خرداد وصواريخ صياد، أو نظام “اي دي 120”، بعدما كانت إيران أسقطت طائرة التجسس الأميركية العملاقة RQ-4 Global Hawk في عام 2019، وكانت الحصيلة بعكس التمنيات الأميركية والإسرائيلية، حيث ربحت إيران الجولة، وكرّست تفوّق قوتها الردعية مرتين، مرة بإجبار واشنطن وتل أبيب على تفادي مؤسساتها الحيوية، ومرة بإفشال محاولات إسقاط قدرتها العسكرية.
– الردّ الإيراني يبدو أكيداً، لكن معادلة الردع قد حُسِمت في الإقليم، ما دامت واشنطن عاجزة عن تلبية ما تضمنته توصية الجنرال مارتن ديمبسي بتأمين نصف مليون جندي وتريليون دولار لترجمة قرار بحجم إنشاء منطقة حظر جوي فوق شمال سورية عام 2013، لأن ذلك قد يتحوّل إلى حرب شاملة تكون إيران طرفاً فيها، وما دام بقاء القواعد والقوات الأميركية في الخليج خصوصاً بعيداً عن الاستهداف مشروطاً بعدم التورط في حرب مباشرة مع إيران. وهذا يعني أننا نشهد أقصى ما يستطيعه الكيان في مواجهة إيران، بعدما شهدنا أقصى ما يستطيعه تجاه غزة، ثم أقصى ما يستطيعه تجاه لبنان، وها هو يفقد زمام المبادرة لإضافة حلقة جديدة في الحرب، أو افتراض القدرة على تغيير الاتجاه لما تجري عليه الحرب في جبهتي لبنان وغزة.
– الحركة الدبلوماسية الأميركية النشطة، التي يترجمها حراك المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين على خط تل أبيب بيروت، ووصول مدير المخابرات الأميركية إلى الدوحة، يكشف انتقال واشنطن من دبلوماسية جني الأرباح، إلى دبلوماسية الحد من الخسائر، أسوة بما يفعله اللاعبون في البورصة.

ناصر قنديل

27 Oct, 07:40


تكملة ...

مع التأكيد على الأهمية التاريخية لما فعله الجيشان السوري والمصري في حرب تشرين 1973، تبقى المعجزة في ما يجري على جبهة جنوب لبنان هي الموضوع، وقد تخطت المقاومة مرحلة منع جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه العسكرية، وليس السياسية فقط، فهو لا يفشل فقط في فرض أهدافه المرسومة بالتفاوض على سقوف سياسية وأمنية جديدة، بل يفشل عسكرياً في تحقيق أي اختراق فعلي يمهّد له طريق التوسّع والتقدم، لكن الأمر أكبر وأعظم، لأن ما يحدث الآن هو أن جيش الاحتلال، أقوى وأكبر جيوش المنطقة يجري تدمير بنيته البريّة على حدود لبنان، بعدما اقترب لواء جولاني أهم ألوية النخبة في هذا الجيش من لحظة الخروج من الجبهة، وقد خسر فعالية وحدة ايغوز، أهم وحدات النخبة فيه، وأصيب في قاعدته في الجولان وقاعدة بنيامينا بخسائر لا تُعوّض، وخسر في هذه المعارك الممتدّة لسبعة أيام مئات الضباط والجنود قتلى وجرحى، ومعهم عشرات الآليّات المدرّعة الملحقة به.
حديث وزير الحرب عن إنهاء العملية البرية، ومن بعده رئيس الأركان عن إمكانية إنهاء الحرب، هو إعلان هزيمة لجيش الاحتلال مهما جرت محاولات تجميليّة لمنحه ألقاباً مزوّرة، لأن العملية البرية ليست ديكوراً جرت إضافته الى الخطة العسكرية لجيش الاحتلال يمكن القول إنها إضافة بلا معنى، بعدما كانت العمود الفقري لهذه الخطة، واذا كان ممكناً إعلان النصر بالاستناد إلى ما أنجز قبلها من اغتيالات، كما يقول رئيس أركان جيش الاحتلال، فلماذا لم يعلن النصر في حينها ولماذا كانت العملية البرية؟ وإذا كانت الملاحقة النارية للمقاومة كفيلة بإبعادها إلى ما وراء الليطاني وإعادة مستوطني الشمال بعد إيقاف العملية البرية؟ فلماذا لم يُفلح ذلك قبل العملية البرية وجعلها حاجة ضروريّة؟ ولماذا كانت العملية البرية بالأساس؟
هذه حرب نظاميّة من نوع خاص تخوضها المقاومة على خط جغرافيّ ثابت هو حدود لبنان الجنوبيّة، حيث يتمّ تدمير الخطة الإسرائيلية الاستراتيجية لفرض مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على المنطقة، ومعها يتمّ تدمير جيش الاحتلال، ولذلك يهرع المسؤولون الأميركيون إلى المنطقة أملاً بإيجاد ما يحفظ ماء وجه الكيان والهيمنة الأميركية دون تنازلات جوهرية واستراتيجية، وينقذ جيش الجيوش الأميركية والغربية في المنطقة الذي يمثله جيش الاحتلال من مقتلة تبدو في بداياتها، لكنها ذات معانٍ وأبعاد استراتيجية سوف تغيّر وجه المنطقة إذا استمرّت المعارك أسابيع مشابهة.

ناصر قنديل

27 Oct, 07:40


حرب نظامية لبنانية «إسرائيلية»؟


...



 
يحتاج المرء إلى الابتعاد عن صخب السجالات الإعلامية العقيمة الدائرة على شاشات قنوات التلفزة وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، كي يتمتع بحد مقبول من النقاء الذهني بعيداً عن التشويش العقلي والانحراف التفكيري، كي يتسنى له التأمل الهادئ وبعقل بارد لحقيقة ما يجري على جبهة جنوب لبنان منذ أيام، بعد مسار تصاعديّ استعادت خلاله المقاومة حيويّتها وتحكمها باستخدام قدراتها الناريّة وبلورة خططها في مواجهة الحرب البرية وآليات تطبيقها في الميدان.
نحن أمام مشهد استراتيجي جديد في المنطقة، لا تشبهه حروب الاستنزاف التي خاضتها الجيوش العربية الوطنية مع جيش الاحتلال في الجبهتين المصرية (1968 – 1970) والسورية (1973 – 1974)، حيث لم تكن الهجمات البرية الضارية والمواجهات التي تشارك فيها كل القوة البرية لجيش الكيان، ولا تشبه ما يجري أيضاً المعارك البطولية التي خاضها المقاومون اللبنانيون من شباب حزب الله في حرب تموز 2006، حيث كان القائم حرب عصابات على خلفيات ومقدّمة وميمنة وميسرة جيش الاحتلال المتقدم في عدة محاور وتكبيده خسائر تمنعه من الاستقرار والثبات، وفق المفهوم التاريخي لحروب المقاومة، ولا تشبه ما يجري في غزة من بطولات يوميّة تلحق بجيش الاحتلال الذي توغل في كل قطاع غزة، الخسائر البشرية والمادية التي تقول له إن إحكام السيطرة والاحتفال بالنصر أمر مستحيل، وإن تحمّل تبعات الاستمرار في حرب الاستنزاف مستحيل أيضاً.
خلال أسبوع نحن أمام مشهد من مشاهد الحرب العالمية الثانية، حيث يتقابل جيشان نظاميّان عبر خط قتال برّي، يمتلئ بالخنادق والتعرجات والجبال والهضاب، يحتشد على طرفيه آلاف المقاتلين والجنود، ومن خلفهم عشرات الآلاف الذين ينتظرون، وتستهلك فيه كل يوم آلاف طلقات المدفعية وعشرات آلاف طلقات الرصاص ومئات القذائف المضادة للدروع، ويشهد مئات غارات الطيران يشنّها جيش الاحتلال على الخط الخلفي للجبهة بعمق بضعة كيلومترات، وتقابله مئات الصواريخ الصغيرة والمتوسطة تطلقها المقاومة على العمق اللصيق بالجبهة بكيلومترات قليلة، بمعزل عن الاستهدافات التي يقوم بها المقاومون والاحتلال للأعماق المتقابلة.
خلال أسبوع حرب كاملة المواصفات، يلتحم فيها الجنود والمقاتلون من مسافة صفر، وتملأ رائحة البارود في كل ناحية وصوب، وغبار المباني المدمّرة ودخان الحرائق في كل اتجاه وكل مكان، على طول جبهة تقارب خمسين كيلومتراً، حيث على مدار الساعة يكرّر جيش الاحتلال محاولاته للتقدم وتحقيق الاختراق، وينتقل من تكتيك إلى آخر في لحظات، أملاً بإحداث الفرق، مرة بمحاولات تسلل على نطاق فصيل نخبة من وحدة ايغوز، ومرة بتقدم عرضي على نطاق سرية، ومرة بكتيبة مشاة معززة بالمدرعات، والهجمات تتصل ليلاً ونهاراً، طيلة أيام هذا الأسبوع الممتدّ منذ محاولة الاختراق على مثلث راميا – عيتا الشعب – القوزح، حيث الخطوط الخلفية القريبة تشهد من جانب الاحتلال كل ساعة ترتيبات جديدة، لدمج قوى وإعادة تشكيل أخرى، ودفع وحدات جديدة الى الجبهة الأمامية، لكنها سرعان ما تتحوّل الى مقابر جماعية للضباط والجنود، كما حدث في مستعمرة شوميرا أمس، عندما أصابت صواريخ المقاومة تلك التجمّعات والحشود.
لم يعد ضرورياً التذكير بأن المقاومة تقاتل بعدما تلقّت ضربات كان يفترض بها أن تكون قاتلة، وأنها نهضت بوقت قياسيّ، وأنها تقدّم معجزة قتالية عسكرية في الأداء الخارق الذي تقدّمه على هذه الجبهة، ذلك أن هذا التذكير تحتاجه المقاومة عندما يكون أداؤها يحتاج إلى الأخذ بالاعتبار في تقييمه ما لحق بها، لكن الذي يجري أكبر بكثير، وأعظم بكثير، بحيث يصبح هذا التذكير بلا قيمة، فمن خسرتهم المقاومة وفي طليعتهم قائد المقاومة وسيّدها، ومعاونه الأقرب وحامل رايته ومساعدوه الأعلى خبرة، يقاتلون اليوم على الجبهة بمنحهم الروح التي تقاتل، كما قال مؤسس البنية العسكرية للمقاومة القائد الشهيد الحاج عماد مغنية، والخطط التفصيليّة التي وضعوها والبدائل الاحتياطية التي قاموا بترتيبها لكل احتمال ولكل فرضيّة عسكرية وبنيوية، لكن بمعزل عن هذا الاستطراد يبقى الأهم هو أن ما يجري على الجبهة، هو أكبر وأعظم، فهذه أول حرب نظاميّة ممتدة على أيام أسبوع كامل من قتال المشاة والمدرعات حشد خلالها جيش الاحتلال كل قواته على جبهة واحدة هي جبهة لبنان أصغر وأضعف جبهاته العربية تقليدياً، بينما كان القتال المشابه في حرب تشرين 1973 قد امتد خمسة أيام هي أيام التفوق المصري السوري، التي تلاها الهجوم الإسرائيلي المعاكس وإقامة التوازن وصولاً لوقف النار الأول في 24 تشرين الأول أي بعد 18 يوماً من بدء الحرب، بينما يقاتل الجيش الإسرائيلي هنا على جبهة واحدة مع حرب استنزاف على جبهة ضيّقة هي مساحة غزة، ويعجز عن تكرار ما فعله في الهجوم المعاكس في حرب تشرين عندما كان في مواجهته أهم جيشين عربيين، بقدرات نوعيّة في سلاح الجو وسلاح المدرعات والعديد البشريّ.

ناصر قنديل

25 Oct, 21:23


تكملة ...

عندما نقع على مواقف كهذه من الذين يقولون إن الجيش بديل للمقاومة، نصدّق أنهم وطنيون لبنانيون، وعندما لا نعثر لهم على أي موقف كهذا، ندرك أنهم مجرد صدى لدعوات غربية يعرفون أنها تريد لبنان ضعيفاً ولقمة سائغة لأطماع الاحتلال، فلنتمسك بالمقاومة أكثر، لأننا نريد وطننا مصاناً ومهاب الجانب، وهذا ما تحقق في زمن المقاومة ولا يزال، ولا نزال نحتفظ في ذاكرتنا ما كان قائماً مع جيش ضعيف بين عامي 1949 و1969، ولا نقبل بعودتها، وإذا أراد النائب الذي قال إن الحل الأمثل هو العودة الى هذه الحقبة دروساً عما كان قائماً، أو محو أميّة تاريخية فليقصد مديرية التوجيه في الجيش اللبناني ويطلب أرشيف ما كان عليه الحال في الجنوب في تلك الفترة قبل أن يفتح فمه بالترّهات.

ناصر قنديل

25 Oct, 21:23


الجيش اللبناني… هل تحبّونه فعلا؟


...


 
يفترض أن تشكل شهادة الرائد في الجيش اللبناني محمد فرحات ومعه جنديان شهيدان بغارة إسرائيلية على مركز الجيش اللبناني في بلدة ياطر، مناسبة ليتّحد اللبنانيون وراء جيشهم، بدلاً من أن يكتفي بعضهم باستخدام لافتة الجيش فقط للنيل من المقاومة. فهذا الضابط الشهيد خير أيقونة لمفهوم رسالة الجيش الوطني في أي بلد، وهو الذي رآه كل اللبنانيين قبل سنة يواجه بعناد وطني وتصميم يبلغ حد الاستعداد للشهادة دفاعاً عن تراب وطنه. وشاهد اللبنانيون شريط الفيديو الذي ظهر فيه الرائد الشهيد فرحات حاملًا سلاحه، بينما يطلب من جنود قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل»، أن ينقلوا كلامه لجنود الاحتلال، ومفاده: «أقولها للمرة الأخيرة، أبعدوا السلك الشائك من هنا، وإلا سيكون التعامل معكم مختلفًا. نحن مستعدّون لكل شيء هنا، لأنّنا ندافع عن أرضنا»، ثمّ توجّه فرحات لجنوده بالقول: «عسكر بس قلَّك لقّم بتلقّم»، في إشارة إلى الاستعداد للمواجهة مع جيش الاحتلال.
لم يكن هناك يوماً خلاف حول الجيش في لبنان، فكل لبنانيّ يحب جيشه ويتمسك به قوياً عزيزاً مقتدراً، ولا مجال للتشكيك لحظة واحدة بوطنية قيادة الجيش وجنوده وضباطه، لأن ضعف الجيش كان ضعفاً في الوسائل لا في الروح الوطنية وإرادة الدفاع عن الوطن والتضحية في سبيله. كانت المشكلة أن الذين يملأون الدنيا في الحديث عن الجيش كبديل عن المقاومة، من لبنانيين وحكومات عربية وأجنبية، كانوا يفعلون ذلك ليكون لبنان ضعيفاً أمام الاحتلال والعدوان، لأن أحداً منهم لم يكن يجرؤ على القول إن الكيان المغتصب لأرض فلسطين على حدود لبنان الجنوبية هو كيان مسالم، أو إنه بلا أطماع نحو لبنان وأرضه ومياهه، أو إنه كيان يقيم حساباً للمناشدات الدولية، أو للقرارات والقوانين الدولية، وإن شيئاً وحيداً قد ينجح بأن يصون لبنان من خطر توحّش وإجرام هذا الكيان وأطماعه، وهو امتلاك قوة تردع هذا الكيان وتحول بينه وبين التمادي في العدوان والتطلع للاحتلال وإملاء شروط الإذعان، لكن أحداً من هؤلاء اللبنانيين لم يسع يوماً لتزويد هذا الجيش بما يمكنه من فعل ذلك، ولكن أحداً من قادة العرب والغرب الذين يتحدّثون عن الجيش كلما تحدّثوا عن المقاومة، لم يكلف نفسه عناء الإعلان عن الاستعداد لتزويد هذا الجيش بما يجعله مهاب الجانب عزيزاً قوياً.
على حدودنا جنود يلبسون على أكتاف قمصانهم العسكرية خريطة تضمّ أرضنا حتى نهر الليطاني، ووزير حربهم يوآف غالانت عندما دعا الى إبعاد المقاومة إلى ما وراء الليطاني، قال حيث هناك تقع حدودنا الشمالية، ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو عندما وقف يتحدّث من منبر الأمم المتحدة حمل خريطة هي ذاتها التي يحملها الجنود على أكتافهم، وفيها أرض لبنانيّة. والطلبات التي حملها قادة الاحتلال للوسيط الأميركي كشرط لوقف الحرب لا تقف عند حدود مطالبهم من المقاومة، بل تعيد المطالبة بالترتيبات الأمنية والامتيازات التي سبق وتمّ تضمينها لاتفاق 17 أيار 1983، والتي تمثل ممارسة الوصاية الأمنية على لبنان، والعالم كله يتدخل لإقناع لبنان بالقبول ببيع سيادته وكرامته تفادياً للثمن الذي يهدّد به الكيان، تماماّ كقناع الفتاة الشريفة بقبول الدعارة لاتقاء التعرّض للاغتصاب، بدلاً من تزويدها بأسباب الدفاع عن شرفها، بينما كل هؤلاء لا يجرؤون على القول إن أحداً منهم قادر على ردع هذا الوحش عن فعل ما يشاء بلبنان عندما يعود ضعيفاً بلا مقاومته، وهم يمسكون على يد جيشه لمنعه من أن يكون أكثر من قوة حفظ أمن، لا جيشاً قوياً قادراً رادعاً.
لعلنا نفهم أن يقول البعض إنه من غير الطبيعي أن يكون بناء دولة وفيها قوة مسلحة غير جيشها، وبالمقابل يجب على هذا البعض إن كان لبنانياً ووطنياً أن يفهم أنه من غير الطبيعي أكثر أن يكون بناء دولة على قاعدة التساكن مع عدو متوحّش مجرم لا يستطيع أحد في العالم ردعه وله أطماع في بلدنا ويُضمر لنا كل الشرور، ولا يضع في أولويات بناء الدولة تسليح جيشه بكل أسباب القوة الحديثة الرادعة لتحميه من العدوان والأطماع، وكي يكون الحديث عن رفض سلاح المقاومة نابعاً من لبنانية وطنية لا من تبعية للغرب ومن خلاله الحرص على تفوق “إسرائيل” وتمكينها من تحقيق أطماعها بأرض لبنان ومياهه وسمائه وبحره وأمنه وسيادته، يجب أن نفحص مواقف صاحب هذا الموقف، ونراجع كم من مرة سعى لفرض التجنيد الإلزامي ليكون لنا جيش قادر، أو دعا لرفع رواتب الضباط والجنود وفتح باب التطوّع في الجيش ليبلغ على الأقل مئة ألف جندي مقاتل، وبالتوازي جعل جدول أعمال علاقات لبنان الدولية تبدأ من بند من يمنحنا شبكة دفاع جوّي عصرية فاعلة وقادرة على منع طيران الاحتلال من أجواء لبنان، ومن يزوّدنا بشبكة صواريخ ضد السفن الحربية تحمي مياهنا، وبشبكة صواريخ أرض أرض من أنواع قادرة على إقامة التوازن الناري مع سلاح جو الاحتلال، إذا كان امتلاك سلاح جو مثله صعباً.

ناصر قنديل

24 Oct, 19:41


تكملة ...

للكيان في وقت لاحق أن المقاومة ملزمة بمجاراته في التوقف البري، طالما أنه قال بأن العملية البرية كانت لمنع توغل المقاومة على نمط طوفان الأقصى، وقد يخرج في تبرير إنهاء العملية البرية بالقول إنه حقق الهدف، ويدّعي النجاح بالقول إنه منع فرص التوغل ويكون التوغّل ضرورياً لإثبات فشله!
– السؤال الحقيقي هو هل غالانت مقتنع أنه بالملاحقة سوف يجبر حزب الله على الابتعاد إلى ما وراء الليطاني، طالما لم ينجح جيشه بإبعاده بالقوة؟ وهل هذه وصفة لعودة مهجّري شمال فلسطين المحتلة أم هي وصفة توسيع مروحة التهجير، كما سبق ووعد السيد حسن نصرالله؟

ناصر قنديل

24 Oct, 19:41


كلام غالانت نقطة تحوّل



...


– تحدّث وزير الحرب في الكيان يوآف غالانت موجّهاً كلامه إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فقال “حتى بعد انتهاء العملية بلبنان سنواصل استهداف حزب الله حتى ينسحب إلى ما وراء الليطاني ويعود سكان الشمال”. والكلام لا يمكن أن يمرّ دون التوقف ملياً أمامه وما يعنيه، والتساؤل حول واقعيته وإمكانية تحقيقه وكيفية تعامل المقاومة معه؟
– الحديث هنا من وزير الحرب وصاحب نظرية الحرب على لبنان منذ 11 أكتوبر 2023 كما قال، والهدف هو تدمير حزب الله وتفكيك بنيته القتالية، وإبعاد خطر قيام مقاتلي المقاومة بعملية قال بيان رسميّ لجيش الاحتلال إن المقاومة حشدت منهم 3000 مقاتل على الحدود لتوغل يشبه طوفان الأقصى، والحديث عن العملية البرية التي حشد لها غالانت وجيشه ست فرق مقاتلة هي تقريباً كل جيش الاحتلال في ضوء ما تفرضه مقتضيات استمرار الحرب في غزة والضفة بوتائر متعدّدة، لا يمكن للاحتلال تجاهلها. والحديث أمام الحليف الاستراتيجي الذي جاء مبعوثه الرئاسي يجسّ نبض لبنان حول مدى إمكانية قبول تعديلات على القرار 1701 لصالح منح جيش الاحتلال امتيازات أمنية على حساب السيادة اللبنانية كثمن لوقف الحرب التي يشكل القتل والتدمير أداتها وتشكل العملية البرية عنوانها، فماذا قال غالانت وماذا قصد من قوله؟
– يتحدّث غالانت عن مراحل منفصلة متسلسلة كما يلي، وقف العملية البرية، استمرار استهداف حزب الله، انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، عودة سكان الشمال، وقبل نقاش مدى واقعية تحقيق هذه الأهداف وهذا التسلسل، لا بد من أن يلفت انتباهنا الحديث عن وقف العملية البرية بصفته الخبر الذي يتصدّر النص، والوقف هنا محسوم، والحديث مباشر وصريح عن ما بعد الوقف، بصيغة حتى بعد انتهاء العملية البرية، ما يعني أن الوقف صار أمراً واقعاً، ولو لم يتمّ بعد، والبحث بما بعده، ولكن من دون عودة سكان الشمال، ومن دون إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومن دون الحصول على امتيازات أمنية لجيش الاحتلال ضمن اتفاق مع لبنان كان يفترض أن لبنان سيقبل بها طلباً لوقف العملية البرية، التي سوف تقف من تلقاء ذاتها. فلماذا تقف العملية البرية؟ ماذا حققت طالما أن ما سوف يستمرّ هو ما كان قائماً قبلها، لجهة الاعتماد على الاستهداف الناري عن بُعد الذي فشل في تحقيق الأهداف، وكاد يستجلب طوفان أقصى آخر شمالياً يوازي خطر الطوفان الجنوبيّ في 7 أكتوبر 2023، ما جعل العملية البرية جواباً حتمياً على هاتين الفرضيتين، فشل الاستهداف الناري عن بُعد في فرض التراجع على مقاتلي حزب الله وضمان عودة سكان الشمال من جهة، وتفادي خطر طوفان الشمال المفترض.
– كلام غالانت يعترف بلا مواربة بفشل العملية البرية، وما هو أهم من ذلك، اعتراف بالعجز عن تحمل ضريبة البقاء في أي تمركز بري داخل الأراضي اللبنانية، في ضوء الخسائر التي تكبّدها المقاومة لهذا الجيش منذ ثلاثة أسابيع متصلة، أجملتها غرفة عمليات المقاومة بـ 70 قتيلاً و600 جريح و28 دبابة، أي ما يعادل خسائر حرب تموز تقريباً، وقد مضى بالمناسبة منذ تفجير أجهزة البيجر وبدء العدوان الشامل في 17 أيلول الماضي أكثر من 33 يوماً، بحيث صار البحث ضرورياً عن مرحلة ما بعد انتهاء العملية، كما قال غالانت، لكن السؤال هو ما دام قرار وقف الحرب والعودة إلى المعادلات التي كانت تحكم الحدود لم ينضج بعد، ولا تزال قيادة الكيان العسكرية والسياسية عاجزة عن الاعتراف العام بالفشل، فإن البحث عن الإطار المناسب بهدف تمهيد الطريق للخروج من الحرب البرية، يتمّ من داخل العلبة التقليدية، رغم أنه مخالف للمنطق، وعاجز عن إقناع أحد، فالحرب البرية لم تكن خياراً أصلياً لجيش الاحتلال وحكومته رغم كل العنتريات والتهديدات، خشية هذا الفشل، لكنها جاءت خطوة إلزامية بعد ادعاء القضاء على المقاومة وقدراتها وهيكليتها، من دون أن يترجم ذلك بتوقف انهمار الصواريخ على مستوطنات شمال فلسطين، وزاد الضغط طلباً لبديل عن اعتماد التفوق الناري لوقف الصواريخ بعدما زاد عددها واتسعت مساحتها وصارت أشدّ قوة وقدرة، فكيف يمكن تصديق أن العودة الى القوة النارية التي تسبب فشلها في إخضاع المقاومة وإيقاف صواريخها، باستدعاء القوات البرّية، لتكون هي البديل عن الفشل البري؟
– عملياً عندما يسلّم غالانت بلسان الجيش والحكومة في كيان الاحتلال بفشل العملية البرية، عبر التحدّث عن ما بعدها، فهو يتحدّث عن فشل الحرب كلها، لأن الحرب البرية كانت خشبة الخلاص للكيان وجيشه وحكومته من فشل القوة النارية في توفير الأمن وإخضاع المقاومة وإيقاف صواريخها، وما يشهده الكيان وحكومته وجيشه منذ بدء العملية البرية على مستوى القوة النارية للمقاومة لم يكن قد توقعه قبل بدء هذه العملية، من عملية بنيامينا إلى عملية قيسارية إلى حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا، والعودة إلى الرهان الناري سوف تعني مزيداً من تصعيد المقاومة نيرانها المعاكسة، من دون أن يعني وقف العملية البرية

ناصر قنديل

24 Oct, 18:48


هل أفقدت جبهة الإسناد لبنان حق الدفاع؟



...



– في كلام لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن الحرب معطوفاً على انتقاده الأصلي لفكرة جبهة الإسناد لغزة، أكد خلاله رفض البحث بمستقبل سلاح المقاومة في ظل الحرب، ودعوته لأولوية وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701. قال إن فتح جبهة الإسناد لغزة قد تسبّب بفقدان لبنان مشروعية حق الدفاع، والمقصود طبعاً ليس مشروعية قيام الجيش الذي منعه الأميركيون والغرب من امتلاك أي سلاح قادر على ممارسة هذا الدفاع، بل مشروعية ترجمة المقاومة معادلات الردع التي وعدت بها تحديداً إذا استُهدفت الضاحية الجنوبية بالردّ باستهداف تل أبيب.
– هذا الكلام يتضمّن تأكيداً على لا مشروعية البحث بقبول البحث في مستقبل سلاح المقاومة قبل أن يمتلك الجيش قدرات تتناسب مع حاجات الدفاع بوجه كيان متوحّش مجرم، أظهرت حروبه التي نحن في قلبها، حقائق لا يتجاهلها إلا ساذج أو أحمق أو مشبوه، ونظنّ أن كلام باسيل موجّه لهؤلاء. والحقيقة الأولى هي أن لدى الكيان مشروع توسعيّ استئصالي في التعامل مع شعوب المنطقة وجغرافيتها، لا تحتاج إلى ذرائع، ولا يعطلها التمسكن والتشدق بدعوات السلام ونيات النعامة، والخرائط معلنة على زنود الجنود والنيات واضحة في خطابات وزير الحرب وكلام رئيس حكومة الكيان. والثانية أن المجتمع الدوليّ الذي يمنع العدوان ويحمي الضعفاء كذبة كبيرة، كما قال مفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إننا جميعاً نتوسل نتنياهو لوقف الحرب وهو يمضي فيها قدماً. والثالثة أن كل الأثمان التي دفعها العرب للكيان من بوابة التطبيع لم تمنحهم أي وزن في القدرة على لجم توحشه وإجرامه بل زاده الموقف العربي توحشاً وإجراماً واستخفافاً بما يمثله العرب.
– الأكيد أن هذه الحروب التي تحتمل توجيه الانتقادات لقوى المقاومة في تفاصيل الأداء، يجب أن تكون قد حسمت في كل عقل سويّ، وعند كل إنسان طبيعيّ، وسياسي وطني ومسؤول، حقيقة واحدة، هي أن السبيل الوحيد لردع هذا الكيان المتوحش والمجرم والمدعوم بلا حدود من القوة التي تقود الغرب وتمارس السطوة على النظام العالمي، هو امتلاك قوة عسكرية يقيم لها الكيان حساباً، وإن لم يقم هذا الحساب تستطيع أن تجعله يدفع الأثمان الباهظة بمثل ما يفرض عليها أن تدفع، وأنّه في زمن الدعم الأميركيّ اللامحدود للكيان، والتحريم الأميركيّ المفروض على لبنان وجيشه من امتلاك أيّ قدرة عسكريّة حقيقيّة تردع كيان الاحتلال، فإن لبنان لا يملك إلا هذه المقاومة التي يجب قبل انتقادها، والانتقاد مشروع، التأكيد بأنها انتقلت مع هذه الحرب من كونها أداة تحرير وحماية إلى حاجة وجودية لا بقاء للبنان بدونها. ومن كان لديه بديل عليه أن يتجرّأ على مصارحة اللبنانيين بعناوينه، بعيداً عن ترهات القرارات الدولية قوة معنوية لا يجرؤ الكيان على انتهاكها وقد مزّق مندوبه ميثاق الأمم المتحدة على منبرها ومنصتها، أو الحديث عن قوة اعتبارية للجيش يحترمها الاحتلال، ودماء جنود الجيش في الجنوب لم تبرد بعد؟
– هنا ندخل إلى مناقشة فكرة مشروعية الدفاع، وتأثره بجبهة الإسناد، والصحيح هو أن جبهة الإسناد كانت أهم عمل دفاعي عن لبنان، دون أن يعني ذلك أن معادلات الردع لم تتأثر وهي غير مشروعية الدفاع. والقيمة الدفاعية لجبهة الإسناد سوف تظهر لدى أي باحث جدّي عن معرفة الحقيقة على ثلاثة مستويات: الأول هو أن نيات الاحتلال تجاه لبنان ظهرت الآن ساطعة. ومن السذاجة الاعتقاد أن كلام الاحتلال عن عدم القبول بالقرار 1701 ونيّة الحصول على امتيازات أمنية في اتفاقية تشبه اتفاق 17 أيار مع لبنان هي مجرد تداعيات لجبهة الإسناد أو تأتي انفعالاً وغضباً وعقاباً على جبهة الإسناد، لأن هذه هي الخلاصة الاستراتيجية لمفهوم الأمن القومي الوقائي في الكيان بعد طوفان الأقصى، حيث التهديد وجوديّ واستراتيجيّ بمجرد وجود قوى المقاومة، وحيث عدم وجودها إغراء بالتوسّع والاستيطان، ولذلك كل ما كان يرغبه الاحتلال من تجميد جبهة الإسناد كان تكتيكياً وظرفياً حتى يحسم حربه بالنصر في غزة ويستدير نحو لبنان، ويُشهر عندها أهدافه الحقيقيّة التي باتت اليوم معلنة. أما المستوى الثاني الدفاعي لجبهة الإسناد فهو في أنها كما تجنّدت لمساندة غزة فتحت الطريق عندما تصبح الحرب على لبنان هي العنوان أن يستفيد لبنان من اضطرار الاحتلال للقتال على عدة جبهات أخرى تستنزف بعض قدراته وتخلق مناخ حرب إقليميّة. ويبقى المستوى الثالث هو الأهم وهو ميدانيّ، سواء لجهة اليقظة والاستنفار واستنزاف قدرات الاحتلال الأماميّة وتمهيد الجبهة، وتدريب البنية القتاليّة ميدانياً والتأقلم مع مناخات الحرب، وكل ذلك بفعل جبهة الإسناد لكن الأهم يبقى في إفقاد عنصر المفاجأة للاحتلال، الذي يكفي أن نتخيّل وهو يملك هذه القدرة على الضربات القاتلة التي سدّدها للمقاومة لو أنه فعل ذلك فجأة وفي غير مناخ حرب قائمة.

ناصر قنديل

24 Oct, 18:48


تكملة ...

– بالمقابل كانت لجبهة الإسناد كلفة، منها تعديل شروط القدرة على تفعيل معادلات الردع، وهذا صحيح، لكنه مختلف عن إسقاط مشروعيّة الدفاع جذرياً، فالذي جرى هو أن المقاومة إدراكاً منها لعدم مشاركة فئات لبنانية لها بخيار جبهة الإسناد امتنعت عن استهداف تل أبيب مقابل الضاحية كي لا يكون الردّ على بيروت، وحصرت المعادلة بتل أبيب مقابل بيروت، إذا ذهب الكيان الى الاستهداف المفتوح للعاصمة، وتحمّلت ببنيتها وبيئتها تبعات جبهة الإسناد خصوصاً في مرحلة انتقالية قاسية أعقبت استهداف قائدها الأسمى والأعلى والأغلى، إلى حين استعادتها توازنها واسترداد زمام المبادرة في الحرب نارياً وبرياً. وهذه المرحلة الانتقالية تحمّلت كلفتها بنية الحزب وبيئته تفادياً لتحميلها سائر اللبنانيين، وليس ضعفاً ولا نقصاً في المشروعيّة، وهذا يجب أن يُسجّل لها لا عليها.

ناصر قنديل

23 Oct, 00:17


تكملة ...

أكبر من كلفة وقفها.
– المقاومة في تكتيكاتها تملك حرية مناورة بحدود فتح الطريق للاحتلال كي يتقدّم وتطبق عليه، والدبلوماسية في تكتيكاتها تملك حرية مناورة لفتح الطريق أمام شعارات مثل وقف النار وتطبيق القرار 1701 في لحظة صعود الاحتلال إلى أعلى الشجرة لتحاصره وتضيق عليه الخناق بالتناسب ذاته مع تضييق المقاومة للخناق العسكري عليه في الميدان، وصولاً إلى الإطباق أسوة بما حصل في حرب تموز 2006 بنجاح باهر.

ناصر قنديل

23 Oct, 00:17


تكامل لا تطابق الاستراتيجيتين العسكرية والدبلوماسية

...


 
– الأكيد كما قالت حرب تموز 2006 وكل ما قبلها، أن الاستراتيجية العسكرية للمقاومة التي تولى قيادتها منذ العام 1992 الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، تعزف مع الاستراتيجية الدبلوماسية التي يديرها رئيس مجلس النواب نبيه بري، سيمفونية واحدة، لكن كل يعزف على آلة مختلفة، وله نوتة مختلفة ضمن التوزيع الموسيقي، لكن النغمة النهائية التي تخرج هي الخلاصة الموسيقية المنشودة التي لا تكتمل بلا قيام كل من العازفين بدوره. ولمن يريد التشبيه، فنحن أمام توزيع أدوار يشبه ذلك القائم بين الأميركي والإسرائيلي، حيث يلبس الأميركي قبعة المسعى الدبلوماسي عندما يحدث أحد أمرين: تحقيق الاحتلال لإنجاز عسكري ينتظر ترجمته في السياسة، وعندها يتحدّث بلغة السعي لوقف الأذى عن لبنان أو غزة أو سواهما حسب جبهة القتال، ويقترح حلاً سياسياً هو في الواقع الثمن الذي يريده الاحتلال لوقف الحرب؛ أو يحدث تراجع وفشل وعجز في خطة الاحتلال نجد كيف يتقدّم الأميركي بحثاً له عن مخرج يحفظ ماء الوجه ولو بدأ بالسعي لتحصيل أثمان فشل الاحتلال في فرضها في الميدان ويحاول الأميركي تحقيقها في السياسة، وعندما يشتدّ الخناق على الاحتلال يقدّم الأميركي التراجعات تحت عنوان السعي لضمان الاستقرار واحترام القانون الدولي.
– في المواجهة الراهنة، تدير المقاومة الحرب تحت عناوين ليست هي عناوين الحرب الدبلوماسية، وما صدر عن المقاومة حول تفويض الرئيس بري، والقبول بأولوية وقف النار، هو آخر ما سوف نسمعه من المقاومة، التي سوف تقول إنها غير معنيّة بما يُقال وما يجري على الساحة الدبلوماسية، وإن أولويتها هي المواجهة الميدانية وتكبيد الاحتلال أكبر خسائر في حربه لإيصاله إلى اليأس من جدوى الاستمرار بخوضها والرهان على تحقيق إنجازات وانتصارات فيها. وهذا هو معنى استراتيجية إيلام الاحتلال، لكن المقاومة في هذا السياق لاستراتيجيتها قد تلجأ إلى فتح الطريق أمام جيش الاحتلال للتوغل والتقدم، ولكن ليس بهدف التراجع، بل تمهيد للانقضاض وتوجيه الضربات القاتلة. وهذا ما شهدناه في معارك الأيام التي مضت على طول جبهة المواجهة الحدودية، بينما صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة تذهب إلى عمق الكيان وتغطي شمال فلسطين المحتلة، وتصيب عقيدة الأمن في الكيان، وترفع منسوب اليأس من قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن لمؤسسات الكيان ومستوطنيه، وتضرب الثقة بجدوى مواصلة الحرب.
– في الاستراتيجية الدبلوماسية يحدث شيء مختلف. فالكيان لم يعد قادراً على التساكن مع وجود مقاومة مسلّحة وقادرة على الحدود، مستعدة لوضع قواعد الاشتباك جانباً وإطلاق النار عبر الحدود، عندما تجد ذلك منسجماً مع رؤيتها واستراتيجيتها، كما حدث في 8 أكتوبر تحت عنوان جبهة الإسناد، ثم تضرب أمن المستوطنات وتهجر المستوطنين، لأنها تعتبر أن ذلك يخدم استراتيجية جبهة الإسناد لغزة هذه المرّة، وقد تجد عنواناً مشابهاً في مرة أخرى، وحصيلة تقدير الموقف في الكيان تعبر عنها مواقف معلنة، جوهرها تفكيك المقاومة واحتلال المزيد من الأرض والسيطرة على الأجواء، باعتبار كل ذلك صار ضمانات حيويّة لمفهوم الأمن الاستراتيجي للكيان، ما يعني أن الإسرائيلي الذي كان يكتفي قبل شهور بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان، لم يعد قادراً على قبول ذلك دون تعديل الوضع الاستراتيجي مع المقاومة وميزان القوى بينه وبينها عبر الحدود. وقد تحوّل ذلك الى التزام رسمي وخطة عملية معلنة بعد الإنجازات التي حققها الكيان في الضربات التي استهدفت المقاومة، وأوحت له بواقعية خطته.
– في هذه المرحلة من الحرب، لم يعُد عنوان الموقف يتجسّد بالإعلان عن ربط المسار مع الحرب في غزة في الاستراتيجية الدبلوماسية، طالما أن الإسرائيلي لا يريد وقف النار دون تحقيق أهداف يشكل جوهرها نسف القرار 1701، فلماذا يمنح مشروعية حربه باعتبار لبنان هو المسؤول عن الحرب من خارج القرار 1701 عبر ربط جبهته بجبهة غزة، ولذلك صارت الاستراتيجية الدبلوماسية تقوم على ثنائية وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، أي العودة بالاحتلال إلى قدر التساكن مع مقاومة مسلحة وقادرة عبر الحدود، وهو ما يعادل هزيمة تشبه الهزيمة التي يمثلها القبول بشروط المقاومة في غزة، وليتحمّل الاحتلال مسؤولية استهداف القرار 1701 ورفض وقف إطلاق النار، وهذه وظيفة الاستراتيجية الدبلوماسية، أنه طالما تستمرّ الحرب أن يكون الاحتلال خلالها فاقداً للمشروعية، يواجه بالرفض دعوات وقف النار وتطبيق القرار 1701، دون أن يكون مطلوباً من المقاومة أن تقول إنها قرّرت فك الترابط مع جبهة غزة، لأن مهمتها في مكان آخر، وجوهرها إسقاط أهداف الحرب في الميدان، فتضمن إحباط المسعى الأميركي عندما يراهن على المجيء لحصاد ثمار إنجازات للاحتلال، ثم تفرض عليه المجيء عندما يكون الاحتلال قد فقد الأمل من تحقيق أي إنجاز وباتت كلفة الحرب عليه أعلى من عائداتها، وكلفة الاستمرار فيها

ناصر قنديل

21 Oct, 22:28


تكملة ...

فقط، وآخرها كان طائرة مسيّرة أصابت منزل رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، والخيار الثاني هو الانتقال دون توفير مقدّمات النجاح لبدء عملية برية أوسع، تعرّض ألوية الجيش ومدرعاته لخسائر هائلة، كما كان الانتقال من عمليات التسلل والاستهداف النقطويّة في المواقع الأمامية إلى محاولات الاقتحام العرضية كعملية التقدم على مثلث القوزح راميا عيتا الشعب وما نتج عنها.
– التغطية بالنار على المأزق والتهرّب من الاستحقاقات التي يفرضها، قد تنفع لساعات لا تلبث أن تمرّ وتعود الأسئلة عن مصير العملية البرية طالما أن الصواريخ والطائرات المسيّرة ما زالت تصل وتصيب وتحقق أهدافها في عمق الكيان، ويزداد معها الشعور بفقدان الأمن بين المستوطنين وزيادة أعداد المهاجرين، الذين اتخذت العملية البرية من إعادتهم شعاراً لها، ومثل ذلك سوف يكون الحال بوهم التغطية على المأزق بتسريع الاعتداء على إيران، رغم أنه غير مضمون النجاح ولا مضمون القدرة على التعامل مع نتائجه. وهذا قد ينفع بنقل الضوء عن المأزق لساعات وأيام ثم لا يلبث السؤال ويظهر مجدداً: هل يملك الكيان وصفة لتغيير مسار العملية البرية من الفشل إلى النجاح والخروج من مأزق الخيارات الصعبة والمرّة؟

ناصر قنديل

21 Oct, 22:28


هل يملك جيش الاحتلال وصفة تغيير المعادلة البرية؟


...



 
– منذ واحد وعشرين يوماً بدأ جيش الاحتلال عمليته البرية ضد المقاومة في جنوب لبنان بإعلان واضح، قال فيه إنه يبدأ عملية برية محدودة، وسرّب معلومات عن نيّته التوغل إلى عمق لا يتعدّى ثلاثة كيلومترات تحت شعار تأمين منطقة عازلة تمنع المقاومة من التمركز على خط الحدود بذريعة منع عمليات بناء أنفاق والتسلل منها لاحقاً في ظروف أسماها نية تصنيع حدث مشابه لما جرى في طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 في غزة، على أن يجري استثمار ذلك التمركز المحدود لفرض تفاوض على انسحاب المقاومة وسلاحها إلى ما وراء الليطاني، تحت عنوان وقف تهديد أسلحة المقاومة لمستوطنات شمال فلسطين المحتلة.
– لم يكن الكلام الإسرائيلي مقنعاً لأحد، لعدة أسباب بائنة وواضحة، أولها أن التمركز في شريط بعمق عدة كيلومترات ليس اسمه تمركزاً بل احتلال، وأن المقاومة لن توقف قتالها ولن يستطيع أحد مطالبتها بوقف القتال ما دامت قادرة على ذلك، لأن اللبنانيين الذي يختلفون مع المقاومة يسلّمون لها بحقها في القتال عندما يقع أيّ جزء من الأراضي اللبنانية تحت الاحتلال، بمشروعيّة سلاحها في هذه المهمة. وسوف يكون القرار 1701 الذي يتمسك به اللبنانيون وينصّ على انسحاب الاحتلال حتى حدود لبنان المعترف بها دولياً في صف المقاومة وقتالها، ولن يجد الكيان في الظروف الدولية الجديدة فرصة البحث بتعديل القرار 1701 من فوق، أي عبر ترتيبات في مجلس الأمن تتجاهل موقف لبنان.
– السبب الثاني لهشاشة الكلام الإسرائيلي وعدم إقناعه أحداً، هو أن سلاح الصواريخ والطائرات المسيّرة لدى المقاومة، كما قالت استخداماته في هذه الحرب قادر على الوصول إلى عمق الكيان من خارج منطقة جنوب الليطاني، بل ومن خارج أبعد من ذلك بكثير، هذا إضافة إلى أن التفاوض على هذا الإبعاد الذي فشل في حرب تموز 2006 يستدعي نجاح الاحتلال بتحقيق انتصار عجز عن تحقيقه في 2006. وما دامت المقاومة تواصل القتال في منطقة الحدود منعاً لاستمرار الاحتلال في أيّ جزء من هذه المنطقة، فإنّه سوف يكون على الاحتلال لفرض استقراره من جهة وفتح التفاوض على توسيع نطاق إبعاد المقاومة عن الحدود، أن يفعل ذلك بالقوة، أي أن يقوم باجتياح المنطقة الممتدّة من الحدود حتى نهر الليطاني على الأقل.
– السبب الثالث للقناعة بأن قيادة الكيان وجيشه يكذبان هو أن ما تمّ حشده من فرق عسكريّة للعملية التي وصفت بـ المحدودة هو أكثر مما حُشد في حرب تموز 2006 التي وضع لها هدف هو سحق المقاومة، وتعادل ما حشده الاحتلال في اجتياح لبنان عام 1982. وهذا الحشد يؤكد أن العملية البرية واسعة النطاق بحجم ضخامة الحشود التي بلغت في يومها الأول ست فرق تعادل قرابة 90 ألف ضابط وجنديّ، من بينها كل ألوية النخبة. وهذا يعني أن الحديث عن عمليّة محدودة كان يهدف فقط إلى تهدئة الأجواء الدولية التي لن تستطيع تغطية اجتياح كبير، ومخاطبة الداخل اللبناني لعدم استنفار الجو السياسي ضد الكيان، لكن الهدف الأساسي كان التحسّب للفشل، من خلال القول إن الإعلان في الأساس كان عن عمليّة محدودة.
– أما وقد مضت على العمليّة ثلاثة أسابيع شهدنا خلالها عشرات محاولات الاختراق الفاشلة، على عدد من محاور التقدّم المفترضة، خصوصاً مناطق التلال المرتفعة الحاكمة كرؤوس جسور للاجتياح البريّ، وخسر الاحتلال فيها مئات الجنود قتلى وجرحى وعشرات الآليّات منها قرابة خمسة وعشرين دبابة ميركافا، وكانت معركة مثلث راميا عيتا الشعب القوزح أهمها، فقد صار على قيادة جيش الاحتلال أن تتساءل عن فرص الفوز بهذه العمليّة البريّة، وعن المأزق الذي وضعت قواتها فيه، بين حدّي مواصلة المحاولات الفاشلة، أو التسليم بالعجز عن الاختراق، خصوصاً أن المقاومة نجحت بتسديد ضربة قاتلة للواء جولاني باستهداف مقرّ قيادته الخلفية في قاعدة بنيامينا بطائرة مسيّرة دقيقة دخلت إلى غرفة الطعام وحصدت قرابة المئة إصابة بين قتيل وجريح، بعدما كانت معركة مثلث القوزح راميا عيتا الشعب قد حصدت من قوات اللواء نفسه عدداً مشابهاً، وكانت الأيام العشرة الأولى من المواجهة قد حصدت في صفوف وحدة ايغوز التي تمثل نخبة النخبة في لواء جولاني، ضعف هذا العدد بين قتيل وجريح خلال محاولات التسلل إلى مارون الراس والعديسة وكفركلا ويارون.
– وصل جيش الاحتلال إلى نقطة فاصلة في الحرب البريّة، قد يستطيع خلالها تكرار محاولات إحداث الاختراقات لأيام إضافية، ولكن الأكيد أنه سوف يحصد نتائج مشابهة لما قالته الأيام التي مضت، وعندها على قيادته أن تقرّر أحد خيارين، الأول وقف العملية البرية، وهذا تسليم بفشل أكبر من العملية البرية، لأن هذه العملية جاءت كردّ على فشل الضربات التي استهدفت المقاومة، وحزب الله في قلبها وعلى رأسها، في إيقاف تساقط الصواريخ على شمال فلسطين، وخير تعبير عن الفشل البرّي اليوم هو تصاعد حجم ونوع ومدى الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تسدّدها المقاومة إلى عمق الكيان وليس إلى الشمال